في عهد النبي (ص) ، كانت الأحكام والفرائض والحدود وسائر السياسات الإسلامية قائمة ومقامة ، ثم لم تزل بعد ارتحاله (ص) تنقص وتسقط حكما فحكما يوما فيوما بيد الحكومات الإسلامية ، وعلى امتداد المسيرة كان هناك شبه انفصال بين الشعوب الإسلامية وحكامهم ، فكثير من الحكومات لم تكن تعبر عن شعوبها ، وبينما كان الأمراء وأصحاب المقاعد الأولى في الدولة يضيعون الصلاة ويتبعون الشهوات ، كانت الشعوب تختزن بداخلها الفطرة النقية ببركة وجود القرآن الكريم ، ونحن في بحثنا هذا في المسيرة الإسلامية ، لم نرصد إلا حركة أصحاب المقاعد الأولى ومن دار في فلكهم ، أما حركة الأمة الإسلامية ورفضها للانحراف فإن لهذا موضع آخر.
وحركة الدعوة الخاتمة في اتجاه الشعوب هي حركة المنقذ للفطرة من الانحراف والضلال ، ولقد أعطى النبي (ص) الفكرة الصحيحة الداعية للفتح الإسلامي ، وبين أن الفتح ليس للقتل أو الانتقام وإنما هو رحمة وشفقة على البلاد المفتوحة وتخليصها من نير العبودية وتطبيق النظام الإسلامي الفطري عليها ، ولم تكن الغنائم هي غاية الفتح ، فالغنائم ليس لها أهمية تذكر بجانب هدف الفتح الأسمى ، فرفع الظلم عن البلد المفتوح هو المقصد سواء غنم الجيش أو لم يغنم ، والإسلام ينظر إلى الغنيمة على أساس أنها من
قبيل جوائز التشجيع للقتال في سبيل الله ، لأن المقصود بالحرب الظفر على الأعداء ، فإن غلبوا فقد حصل المطلوب وتكون الأموال التي غنمها المقاتلون زيادة على أصل الغرض ، ولما كانت الغنيمة على طريق القتال في سبيل الله ، وبما أن الله تعالى وضع أحكاما خاصة بالقتال في سبيله ، فإنه تعالى قسم الغنيمة على الجيش المنتصر لرفع معنوياته وترغيبا له على التكرار.
وبالجملة : الغنيمة زيادة على أصل الغرض الذي من أجله يقاتل الجيش ، وهي ملك لله ورسوله وتوضع حيثما أراد الله ورسوله.
واجتهد الصحابة في غنائم الحرب ، فصب هذا الاجتهاد في نهاية المطاف في دوائر التنافس والتحاسد وغير ذلك ، ويشهد ذلك
ابتلاءات الامم _ 335 _
قوله (ص) وهو يخبر بالغيب عن ربه في ما رواه مسلم عن عبد الله قال ( قال رسول الله (ص) : إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم ؟ قال عبد الرحمن بن عوف : كما أمرنا الله ، فقال النبي (ص) : أو غير ذلك ، تتنافسون ، ثم تتحاسدون ، ثم تتدابرون ، ثم تتباغضون ، أو نحو ذلك ، ثم تنطلقون في مساكن المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض ) (1).
فالفتح أنتج ثقافة لم تكن في يوم من أهداف الفتح ، وأيقظ الفتح غريزة العرب الجاهلية من الغرور والنخوة بعدما كانت في سكن بالتربية النبوية ، والطريق الذي انتهى بالتباغض كما مر في الحديث السابق ، امتد لينتهي بالبغي في حديث آخر يخبر فيه النبي (ص) بالغيب عن ربه ويقول ( سيصيب أمتي داء الأمم ، الأشر والبطر ، والتكاثر ، والتشاحن ، والتباغض ، والتحاسد ، حتى يكون البغي ) (2).
والطريق إلى البغي كان عليه أمراء لا يمتازون إلا بالسواعد القوية ، وروي أن حذيفة قال لعمر بن الخطاب : ( إنك تستعين بالرجل الفاجر ، فقال له عمر : إني لأستعمله لأستعين بقوته ، ثم أكون على قفائه ) (3) ، وقال في فتح الباري : والذي
يظهر من سيرة عمر في أمراؤه الذين كان يؤمرهم في البلاد ، أنه كان لا يراعي الأفضل في الدين فقط ، بل يضم إليه الذي عنده مزيد من المعرفة بالسياسة ، فلأجل هذا استخلف معاوية والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص ، مع وجود من هو أفضل منهم في أمر الدين والعلم (4).
---------------------------
(1) رواه مسلم (الصحيح 97 / 18).
(2) رواه الحاكم وصححه (كنز العمال 526 / 3).
(3) رواه أبو عبيد (كنز العمال 771 / 5).
(4) فتح الباري 116 / 1.
ابتلاءات الامم _ 336 _
وذكر ابن حجر أن عمر ولى إياس بن صبيح القضاء في البصرة ، وكان إياس من أصحاب مسيلمة الكذاب (1) ، وكتب عمر إلى الأمراء أن يشاوروا طليحة بن خويلد ، وكان طليحة قد أسلم ثم ارتد ثم أسلم ، وكان قد ادعى النبوة (2) وروي أن ابن عدي الكلبي قال لعمر : أنا امرؤ نصراني ، فقال عمر : فما تريد ؟ ، قال : أريد الإسلام ، فعرضه عمر عليه ، ثم دعا له برمح ، فعقد له على من أسلم ، وقال عوف بن خارجة : ما رأيت رجلا لم يصل صلاة أمر على جماعة من المسلمين قبله (3).
وإذا كان طريق البغي من علاماته التنافس والتحاسد والتدابر والتباغض ، فإنه يختزن في أحشائه معالم الضلال ، عن عبد الله قال : قال رسول الله (ص) ( لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلا ، حتى نشأ فيهم المولدون ، وأبناء سبايا الأمم التي كانت بنو
إسرائيل تسبيها ، فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا ) (4) ، فأبناء الأمم إذ لم يجدوا الرعاية والتربية الصحيحة ، يصبحوا من العوامل التي تساعد على الهدم ، وهؤلاء في المسيرة الإسلامية ترعرعوا تحت سقف الدولة الأموية ، ثم امتدوا بامتداد المسيرة ، وذكر الطبري : إن أول سبي قدم المدينة من العجم كان في عهد أبي بكر (5) ، وذكر البلاذري : أن معاوية حاصر قيسارية حتى فتحها فوجد من المرتزقة سبعمائة ألف ، ومن السامرة ثلاثين ألفا ، ومن اليهود مائتي ألف (6) ، فبعث إلى عمر عشرين ألفا من السبي (7).
---------------------------
(1) الإصابة 120 / 1.
(2) البداية والنهاية 130 / 7.
(3) الإصابة 116 / 1.
(4) رواه الطبراني (كنز العمال 181 / 1).
(5) تاريخ الأمم 27 / 4.
(6) فتوح البلدان ص 147.
(7) البداية والنهاية 54 / 7.
ابتلاءات الامم _ 337 _
فالطريق كان عليه ضعيف الإيمان ، وكان عليه أبناء الأمم ، وكان عليه أمراء التنافس والتحاسد والتدابر والتباغض ، والبغي ، وكان عليه المنافقين ومنهم اثني عشر رجلا حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ، وعلى طريق مثل هذا لا نستبعد أن تضيع الصلاة ، وقد سجل حذيفة البادرة الأولى قبل وفاته ، فقال ( ابتلينا ، حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سرا ) (1) ، وكان النبي (ص) قد أخبر بالغيب عن ربه ، أن الصلاة في طريقها إلى الضياع ، فعن أبي ذر قال ( قال رسول الله (ص) : يا أبا ذر أمراء يكونون بعدي يميتون الصلاة فصل الصلاة لوقتها ... ) (2) قال النووي : أي يجعلونها كالميت الذي خرجت روحه (3).
وروي أن الوليد بن عقبة ـ وكان أخو عثمان لأمه ـ حين كان واليا لعثمان بن عفان على الكوفة أخر الصلاة ، فقام عبد الله بن مسعود فصلى بالناس ، فأرسل إليه الوليد وقال له : ما حملك على ما صنعت أجاءك من أمير المؤمنين أمرا أم ابتدعت ؟ فقال : لم يأتني من أمير المؤمنين أمرا ولم أبتدع ، ولكن أبى الله عز وجل علينا ورسوله (ص) أن ننتظرك بصلاتنا وأنت في حاجتك (4).
وبينما كان الأمراء يميتون الصلاة ، كانت الصلاة تؤدى بروحها خلف علي بن أبي طالب ، روى مسلم عن مطرف قال ( صليت أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب ، فكان إذا سجد كبر وإذا رفع رأسه كبر ، وإذا نهض من الركعتين كبر ، فلما انصرفنا من الصلاة ، أخذ عمران بيدي ثم قال : قال صلى بنا هذا صلاة محمد (ص) ، وفي
---------------------------
(1) البداية والنهاية 54 / 7.
(2) رواه مسلم والترمذي وصححه (تحفة الأحوازي 524 / 1).
(3) تحفة الأحوازي 524 / 1.
(4) رواه أحمد وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 324 / 1).
ابتلاءات الامم _ 338 _
رواية قال عمران : قد ذكرني هذا صلاة محمد (ص) (1) ، وروى أن عمران بن حصين مات سنة اثنتين وخمسين هجرية (2).
ولما كان حذيفة قد صلى سرا ، ولما كان ابن مسعود قد شهد تأخير الصلاة ، فإن أبي الدرداء قد شهد شيئا آخر ، فعن أم الدرداء قالت ، دخل علي أبو الدرداء وهو مغضب ، فقلت : من أغضبك ؟ قال : والله لا أعرف فيهم من أمر محمد (ص) شيئا إلا أنهم يصلون جميعا (3) ، ومات أبو الدرداء في خلافة عثمان.
ثم جاء عام ستين ، وهو العام الذي حمل الصبيان أعلامه ، وفيه قال النبي (ص) ( تعوذوا بالله من رأس الستين ومن إمارة الصبيان ) (4) ، وقال ( ويل للعرب من شر قد اقترب ، على رأس الستين تصير الأمانة غنيمة ، والصدقة غرامة ، والشهادة بالمعرفة ، والحكم بالهوى ) (5) ، فرأس الستين تطوير للعربة التي تنطلق بوقود الرأي ، ورأس الستين هو الوعاء الذي يصب فيه إماتة الصلاة من العهود التي سبقته ، وينطلق منها وقود إضاعة الصلاة وقراءة القرآن بلا تدبر ، قال النبي (ص) وهو يخبر بالغيب عن ربه ، ( يكون خلف بعد ستين سنة ، أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ، ثم يكون خلف يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيهم ، ويقرأ القرآن ثلاثة : مؤمن ، ومنافق ، وفاجر ) (6) وعن أبي سعيد قال :
---------------------------
(1) رواه مسلم ب قراءة الفاتحة (الصحيح 8 / 2).
(2) الإصابة 26 / 5.
(3) رواه أحمد وإسناده جيد (الفتح الرباني 200 / 1).
(4) رواه أحمد وأبو يعلى (كنز العمال 119 / 11).
(5) رواه الحاكم وصححه (المستدرك 483 / 4).
(6) رواه أحمد وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 231 / 6) وقال ابن كثير رواه أحمد وإسناده على شرط السنن (البداية 228 / 6 ، التفسير 128 / 3) ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه والبيهقي (كنز 195 / 11) (المستدرك 507 / 4).
ابتلاءات الامم _ 339 _
المنافق كافر به ، والفاجر يتكل منه ، والمؤمن يؤمن به (1).
ومن الدليل على أن جيل الستين أخذ وقوده مما سبقوه ، أن النبي (ص) أخبر في حديث آخر بأن كثرة المال هي الخلفية الأساسية التي عليها يتم تفريخ هؤلاء ، قال (ص) ( مما أتخوف على أمتي أن يكثر فيهم المال حتى يتنافسوا فيقتلون عليه ، وإن مما أتخوف على أمتي أن يفتح لهم القرآن ، حتى يقرأه المؤمن والكافر والمنافق ) (2).
فالمال أنتج التنافس ، والتحاسد والتدابر والتباغض ، والبغي ، وفتح القرآن أمام العامة مع عدم وجود العالم به ، أدى إلى ترتيله في زحام الأسواق ، حيث لا مستمع ولا منصت ، ومن الأصاغر أخذ العلم الذي أدى إلى ضياع الصلاة ، ولقد سئل النبي (ص) عن أشراط الساعة ، فقال ( أن من أشراطها أن يلتمس العلم عند الأصاغر ) قال ابن المبارك : الأصاغر الذين يقولون برأيهم (3) ، وعن ابن مسعود قال : لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم ، فإن أخذوه من أصاغرهم وشرارهم هلكوا (4) ، وعن أنس قال ، قيل : يا رسول الله متى ندع الائتمار بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال : إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني إسرائيل ، إذا كانت الفاحشة في كباركم ، والملك في صغاركم ، والعلم في رذالكم (5).
وإذا كان أبو الدرداء قد شهد وفاته أنه لا يعرف في الناس من أمر محمد (ص) شيئا إلا أنهم يصلون جميعا ، فإن أنس بن مالك شهد عام
---------------------------
(1) رواه الحاكم وصححه وأقره الذهبي (المستدرك 507 / 4).
(2) رواه الحاكم وصححه (كنز 200 / 10).
(3) رواه ابن عبد البر (جامع العلم 190 / 1).
(4) رواه ابن عبد البر (جامع العلم 192 / 1).
(5) قالع البوصيري : رواه ابن ماجة وإسناده صحيح ، ورواه أحمد (الفتح الرباني 177 / 19).
ابتلاءات الامم _ 340 _
ستين ، حيث مقدمة الخلف الذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ، روى البخاري عن الزهري قال ( دخلت على أنس فوجدته يبكي ، فقلت : ما يبكيك ؟ قال : ما أعرف شيئا مما أدركت ، إلا هذه الصلاة ، وهذه الصلاة قد ضيعت ) (1) ، ومات أنس سنة ثلاث وتسعين ، وكان يقول : لم يبق أحد صلى القبلتين غيري (2).
وفي الخلف الذين يضيعون الصلاة بعد أنبياء الله ، يقول تعالى :
( أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذربة آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل ، وممن هدينا واجتبينا * إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا ، فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) (3) ، قال المفسرون : ذكر الله حزب السعداء ، وهم الأنبياء ومن اتبعهم من القائمين بحدود الله وأوامره المؤدين فرائض الله ، ثم ذكر سبحانه الخلف : أي البدل السئ ، وقوله تعالى : ( فخلف من بعدهم ) أي قام مقام أولئك الذين أنعم الله عليهم.
وكانت طريقتهم الخضوع والخشوع لله بالتقدم إليه بالعبادة ، قوم سوء أضاعوا الصلاة ، وضياع الشئ : فساده أو افتقاده ، ومعنى أنهم أضاعوا الصلاة : أي أفسدوها بالتهاون فيها والاستهانة بها ، حتى تنتهي إلى أمثال اللعب بها والتغيير فيها والترك لها ، فإذا كانوا قد فعلوا هذا بالصلاة فإنهم لما سواها من الواجبات أضيع ، لأنها عماد الدين وقوامه ، ثم أخبر سبحانه ، بأن القوم السوء الذين أضاعوا الصلاة وهي الركن الأصيل في العبودية ، واتبعوا الشهوات ، هؤلاء سيلقون غيا : أي خسارة ، وهذه العقوبة سنة ثابتة لا تتبدل ولا تتغير ، يعاقب الله بها كل خلف طالح ، وذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية ، أن
---------------------------
(1) رواه البخاري (الفتح الرباني 200 / 1).
(2) الإصابة 171 / 1.
(3) سورة مريم آية 59.
ابتلاءات الامم _ 341 _
هذا الخلف في هذه الأمة أيضا (1).
والخسارة التي توعد الله بها الخلف الذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ، يحمل أسبابها أمراء السوء وسبايا السوء الذين تربوا على القصص وتسربت إليهم روح الأمم المستعلية الجبارة ، فهؤلاء وغيرهم فتحوا أبواب القتال من أجل الملك ، وعند نهاية القتال ، وفي نهاية المسيرة كانت الخسارة عنوانا رئيسيا لكل شئ في عالم الاستدراج ، أما القتال على الملك ، فيشهد به أبو برزة الأسلمي ، روى البخاري عن أبي المنهال قال ( لما كان ابن زياد ومروان بالشام ، ووثب ابن الزبير بمكة ، ووثب القراء بالبصرة ، انطلقت مع أبي إلى أبي برزة الأسلمي ، فقال أبي : يا أبا برزة ، ألا ترى ما وقع فيه الناس ؟ فقال : إني احتسبت عند الله أني أصبحت ساخطا على أحياء قريش ، إنكم يا معشر العرب كنتم على الحال الذي علمتم من الذلة والقلة والضلالة ، وإن الله أنقذكم بالإسلام وبمحمد (ص) ، حتى بلغ ما ترون ، وهذه الدنيا أفسدت بينكم ، إن ذاك الذي بالشام والله إن يقاتل إلا على الدنيا ، وإن هؤلاء الذين بين أظهركم والله إن يقاتلون إلا على الدنيا ، وإن ذاك الذي بمكة والله إن يقاتل إلا على الدنيا ) (2).
ونتيجة القتال على الملك ، لم تستطع الدولة البقاء تحت حكم إدارة مركزية واحدة ، فعند بداية المسيرة ، اتسعت الدولة من شواطئ المحيط الأطلسي في المغرب إلى نهر السند في الشرق ، ومن بحر مازندران في الشمال إلى منابع النيل في الجنوب ، وكما توسعت الدولة بسرعة ، تجزأت بسرعة أيضا ، فإذا نظرنا على امتداد المسيرة لنرصد
---------------------------
(1) تفسير ابن كثير 128 / 3.
(2) رواه البخاري (الصحيح 230 / 4).
ابتلاءات الامم _ 342 _
معالم الاختلاف والتفرق على الأرض ، نجد أن عبد الرحمن الداخل وهو أحد أفراد الأسرة الأموية ، قد أسس دولة مستقلة في إسبانيا سنة 138 ه ، ورفع يد الحاكم العباسي عن ذلك الجزء من الدولة العباسية ، ثم ظهر الأدارسة وأسسوا دولتهم ، ثم جاء
الأغالبة واستولوا على بقية مناطق إفريقيا عام 184 ه ، ثم ظهر ابن طولون في مصر والشام وفصلهما عن الدولة ، وعند حلول سنة 323 ه أسس الأخشيد حكمه في مصر ، ولم يبق تحت نفوذ الدولة العباسية السياسي من بلاد المغرب سوى رمزها.
أما في المشرق ، فتم تأسيس الدولة الطاهرية ، بخراسان عام 204 ه ، وتتابع ظهور الدويلات الصغيرة بعد ذلك شرق إيران ، كالصغاريين والسامانين والغزنويين ، ثم قامت الدولة البويهية في الجزء المتبقي لهم في إيران ، ثم جاء المغول عام 334 ه ونزل الستار على الدولة العباسية ، وكان للدولة فرع يحكم رمزيا في مصر ، قضى عليه سليم الأول من سلاطين آل عثمان ، بعد استيلائه على مصر عام 922 ه.
وعلى امتداد المسيرة كانت الأصابع اليهودية تعمل في الخفاء ، كان تثقب في الجدار بواسطة أبناء الأمة ، وتحطم الأقفال بواسطة الحروب الصليبية المتعددة الإشكال ، حتى جاء اليوم الذي طبقت فيه اتفاقية سايكس بيكو على الشام ، وفرض الانتداب الفرنسي
على شمال هذه البلاد وقسم إلى كيانين هما : سوريا ولبنان ، وفرض الانتداب البريطاني على جنوبها وقسم إلى كيانين هما : الأردن وفلسطين ، وفي عام 1917 ميلادية صدر وعد بلفور ، الذي يقضي بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ، وفي عام 1967 ميلادية ، بسط اليهود أيديهم على ما حلموا به طيلة حياتهم ، بسطوا أيديهم على الأرض الواسعة ، التي يحيط بها غثاء من كل مكان.
ابتلاءات الامم _ 343 _
لقد بدأ الطريق من عند البحث عن الدرهم والدينار ، والنبي (ص) أخبر عن ربه جل وعلا ، فقال ( كيف أنتم إذا لم تجبوا دينارا ولا درهما ، قالوا : ولم ذاك ؟ قال : تنتهك ذمة الله وذمة رسوله ، فيشد الله قلوب أهل الذمة فيمنعون ما بأيديهم ) (1) ، وقال ( يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الآكلة إلى قصعتها ، قالوا : يا رسول الله ، فمن قلة بنا يومئذ ؟ قال : لا ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، يجعل الوهن في قلوبكم وينزع الرعب من قلوب عدوكم ، لحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت ) (2) وقال صاحب عون المعبود : أي يدعوا بعضهم بعضا لمقاتلتكم وسلب ما ملكتموه من الديار والأموال ، ولقد وصفهم النبي (ص) بغثاء السيل ، لقلة شجاعتهم ودناءة قدرهم ، وغثاء السيل : أي كالذي يحمله السيل من زبد ووسخ (3).
لقد أخبر النبي في أن فتنة أمته في المال ، وأن الدرهم والدينار سيهلكهم كما أهلك الذين من قبلهم ، وبين النبي (ص) موضع كل مال في الإسلام ، وأمر الأمة بأن تتمسك بالكتاب والعترة ، وأن تأخذ بأسباب الحياة التي تحقق السعادة في الدنيا بما يوافق الكمال الأخروي ، فيأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ، ولكن القافلة تركت الأمراء الصبيان يعبثون بكل شئ عند المقدمة ، خوفا من الجوع والفقر ، وفي نهاية المطاف وقف الحاضر أمام الماضي على رقعة واحدة ، يدوي فيها صوت النبي الأعظم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، النبي العربي القرشي الهاشمي المكي المدني صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو يقول ( منعت
---------------------------
(1) رواه البخاري ومسلم وأحمد (الفتح الرباني 36 / 23).
(2) رواه أحمد بسند جيد (الفتح الرباني 32 / 24) وأبو داوود.
(3) عون المعبود 405 / 11.
ابتلاءات الامم _ 344 _
العراق درهمها وقفيزها ، ومنعت الشام مديها ودينارها ، ومنعت مصر إردبها ودينارها ، وعدتم من حيث بدأتم ، وعدتم من حيث بدأتم ، وعدتم من حيث بدأتم ) (1).
الظلم هو : وضع الشئ في غير موضعه ، وقال في لسان العرب.
ومن أمثال العرب في الشبه : من استرعى الذئب فقد ظلم ، وأصل الظلم الجور ومجاوزة الحد ، ومنه حديث الوضوء ( فمن زاد أو نقص ، فقد أساء وظلم ) : أي أساء الأدب بتركه السنة والتأدب بأدب الشرع ، وظلم نفسه بما نقصها من الثواب من ترداد المرات في الوضوء ، وفي التنزيل ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم لهم الأمن ) (1) قال ابن عباس : أي لم يخلطوا إيمانهم بشرك ، والظلم : الميل عن القصد ، والعرب تقول.
إلزم هذا الصوب ولا تظلم عنه ، أي لا تجر عنه ، وقوله تعالى : ( إن الشرك لظلم عظيم ) (2) يعني أن الله تعالى هو المحي المميت ، الرازق المنعم وحده لا شريك له ، فإذا أشرك به غيره ، فذلك أعظم الظلم ، لأنه جعل النعمة لغير ربها (3).
---------------------------
(1) سورة الأنعام آية 82.
(2) سورة لقمان آية 13.
(3) لسان العرب مادة ظلم ص 2757.
ابتلاءات الامم _ 346 _
وبينت الدعوة الخاتمة أن الافتراء على الله كذبا ، والتكذيب بآياته أو الإعراض عنها ، والصد عن سبيله سبحانه ، من أعظم الظلم ، لأن الظلم يعظم بعظمة من يتعلق به ، وإذا اختص بجنب الله كان أشد الظلم ، وأخبر سبحانه في كتابه ، بأنه أهلك القرون الأولى لما ظلموا ، ووعد سبحانه رسله بهلاك الظالمين ، قال تعالى : ( فأوحى إليهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم ) (1).
وبالنظر إلى المسيرة البشرية ، تجد أن الظلم في نهاية المطاف ، تدثر بأكثر من دثار من حرير وزخرف ، وأصبح له عقائد وثقافات وقوانين ، يشرف عليها حكومات وهيئات وجمعيات ، والخارج عن هذه العقائد والقوانين هو في نظر هذه الدول والمؤسسات ، خارج عن الحق ، يستحق التأديب بواسطة الأساطيل أو السجون ، أو بالتجويع تارة وبالتخويف تارة أخرى.
وبالنظر إلى مسيرة الشعوب في عصرنا هذا ، نجد للوثنية أعلاما ، وهذه الوثنية استترت وراء التقدم العلمي والاختراعات الحديثة ، وقد يكون التقدم مفيدا في عالم المادة ، ولكن إذا كان للدنيا عمل ، فلا بد أن يستقيم هذا العمل مع الزاد الفطري ، ولقد ذم القرآن الكريم الذين لا يذعنون بيوم الحساب ويعملون للدنيا بسلوكهم الطريق الذي يغذي التمتع بالدنيا المادية فحسب ، قال تعالى : ( ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون ) (2).
فالآية فسرت من هم الظالمين ، وبينت أنهم الذين يصدون عن الدين الحق ولا يتبعون ملة الفطرة ، وبالآخرة هم كافرون وهذه الوثنية لها جماعاتها ومؤسساتها وبنوكها التي تمول مخططاتها.
---------------------------
(1) سورة إبراهيم آية 13.
(2) سورة هود آية 19.
ابتلاءات الامم _ 347 _
وبالنظر إلى مسيرة بني إسرائيل ، نجد أنها أنتجت في عصرنا الحاضر عنكبوتا ضخما تختفي وراء خيوطه العديد من مؤسسات الظلم والجور ، التي تعمل على امتداد التاريخ من أجل تغذية الأمل ، الذي حلم به بنو إسرائيل ليلا طويلا ، وهو مملكة داوود وعاء العهد الإبراهيمي ، وراء هذه الخيوط تختفي جمعيات مسيحية تعمل من أجل ذات الهدف ، نظرا لأن المسيحية الحاضرة خرجت من تحت عباءة بولس ، الذي ادعى أنه أوحي إليه وهو لم ير المسيح ولم يكن من تلاميذه ، ولقد وضعه القرآن وأمثاله تحت سقف الظلم ، في قوله تعالى : ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شئ ، ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ) (1) ، وهذه الجمعيات التي تعمل ظاهرة أو من وراء ستار ، لها مؤسساتها وبنوكها وأساطيلها التي تمول وتحمي مخططاتها وأهدافها.
وبالنظر إلى المسيرة الخاتمة ، نجد أن الظالمين فيها قد أخذوا بذيول الذين من قبلهم واتبعوهم شبرا بشبر ، وذراع بذراع ، ومن إتبع أحد يصل معه إلى حيث يصل ، وما الله بظلام للعبيد.
وفيما يلي نلقي ضوءًا على جذور وفروع بعض الحركات التي عليها بصمة الظلم والجور ، لتظهر جذورها الفكرية والعقائدية ، ومواقع انتشارها ونفوذها ، ويرى الحاضر كيف يتقدم الظلم إلى الخلف من أجل تنفيذ أهداف ما أنزل الله بها من سلطان.
أسسها ( سدهار تاجوتاما ) الملقب ( ببوذا ) ( 560 ـ 480 ق . م )
---------------------------
(1) سورة الأنعام آية 93.
ابتلاءات الامم _ 348 _
ونشأ بوذا في بلدة على حدود نيبال ، ويعتقد البوذيون ، أن بوذا هو ابن الله ، وهو المخلص للبشرية من مآسيها وآلامها وإنه يتحمل عنهم جميع خطاياهم ، ويعتقدون أن تجسد بوذا كان بواسطة حلول روح القدس على العذراء ( مايا ) ، ويعتقدون أن بوذا سيدخلهم الجنة ، وأنه صعد إلى السماء بجسده بعد أن أكمل مهمته على الأرض ، ويؤمنون برجعة بوذا ثانية إلى الأرض ليعيد السلام والبركة إليها ، ويعتقدون أن بوذا ترك فرائض ملزمة للبشر إلى يوم القيامة ، والصلاة عندهم تؤدي إلى اجتماعات يحضرها عدد كبير من الأتباع ، والديانة البوذية منتشرة بين عدد كبير من الشعوب الآسيوية ، وهي مذهبان كبيران : المذهب الشمالي ، وقد غالى أهله في بوذا حتى الهوه ، والمذهب الجنوبي ، وهؤلاء معتقداتهم أقل غلوا في بوذا ، وكتبهم منسوبة إلى بوذا أو حكايات لأفعاله سجلها بعض أتباعه (1).
الهندوسية ديانة وثنية يعتنقها معظم أهل الهند ، لا يوجد لها مؤسس معين ، ولا يعرف لمعظم كتبها مؤلفون معينون ، فقد تم تشكيل الديانة وكذلك الكتب عبر مراحل طويلة من الزمن ، وقيل : أن الآريون الغزاة الذين قدموا إلى الهند في القرن الخامس عشر قبل الميلاد هم المؤسسون الأوائل للديانة الهندوسية ، وللديانة عدة آلهة ، ولكل منطقة إله ، ولكل عمل أو ظاهرة إله ، ولا يوجد عندهم توحيد بالمعنى الدقيق ، لكنهم إذا أقبلوا على إله من الآلهة أقبلوا عليه بكل جوارحهم
---------------------------
(1) أنظر : الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة / الندوة العالمية للشباب ط الرياض ص 110.
ابتلاءات الامم _ 349 _
حتى تختفي عن أعينهم كل الآلهة الأخرى ، ويقولون بأن لكل طبيعة نافعة أو ضارة إلها يعبد ، كالماء والهواء والأنهار والجبال ... ويلتقي الهندوس على تقديس البقرة ، ويعتقد الهندوس بأن آلهتهم قد حلت في إنسان اسمه ( كرشنا ) ، وقد التقى
فيه الإله بالانسان ، أو حل اللاهوت في الناسوت ، وهم يتحدثون عن كرشنا كما يتحدث النصارى عن المسيح ، وكانت الديانة الهندوسية تحكم شبه القارة الهندية ، ولكن المسافة الشاسعة بين المسلمين والهندوس ، في نظريتهما إلى الكون والحياة وإلى البقرة التي يعبدها الهندوس ويذبحها المسلمون ويأكلون لحمها ، كان ذلك سببا في حدوث التقسيم ، حيث أعلن عن قيام دولة الباكستان بجزأيها الشرقي والغربي والذي معظمه من المسلمين ، وبقاء دولة هندية معظم سكانها هندوس ، والمسلمون فيها أقلية كبيرة (1).
السيخ مجموعة دينية من الهنود الذين ظهروا في نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر الميلادي داعين إلى دين جديد ، فيه شئ من الديانتين الإسلامية والهندوسية ، تحت شعار ( لا هندوس ولا مسلمون ) ولقد عادوا المسلمين خلال تاريخهم بشكل عنيف ، كما عادوا الهندوس بهدف الحصول على وطن خاص بهم ، وذلك مع الاحتفاظ بالولاء الشديد للبريطانيين خلال فترة استعمار الهند ، ومؤسس السيخية الأول (ناناك) ولد سنة 1469 م في قرية بالقرب من لاهور ، وكان محبا للإسلام من ناحية مشدودا إلى تربيته وجذوره
---------------------------
(1) المصدر السابق 537.
ابتلاءات الامم _ 350 _
الهندوسية من ناحية أخرى ، مما دفعه لأن يعمل على التقريب بين الديانتين ، ويقال أن (ناناك) لم يكن الأول في مذهبه السيخي هذا ، وإنما سبقه إليه شخص آخر اسمه (كبير) (1440 ـ 1518 م) درس الدين الإسلامي والهندوكي ، وكان حركة اتصال بين الدينين ، وكان (كبير) يتساهل في قبول كثير من العقائد الهندوكية ويضمها إلى الإسلام شريطة بقاء التوحيد ، لكنه لم يفلح إذ انقرض مذهبه بموته مخلفا مجموعة أشعار تظهر تمازج العقيدتين المختلفتين الهندوسية والإسلامية ، مرتبطتين برباط صوفي يجمع بينهما.
للسيخ بلد مقدس يعقدون فيه اجتماعاتهم المهمة ، وهي مدينة (أمرتيسار) من أعمال البنجاب وقد دخلت عند التقسيم في أرض الهند وأكثرية السيخ تقطن البنجاب إذ يعيش فيها 85 / منهم ، ولهم لجنة تجتمع كل عام منذ سنة 1908 م تنشئ المدارس وتعمل على إنشاء كراسي في الجامعات لتدريس ديانة السيخ ونشر تاريخها ، ويقدر عدد السيخ حاليا بحوالي 15 مليون نسمة داخل الهند وخارجها (1).
الكونفوشيوسية ديانة أهل الصين ، يعتبر (الكونفوشيوس) ( 551 ق . م ) المؤسس الحقيقي لهذه العقيدة ، ويعتقدون بالإله الأعظم ، أو إله السماء ويتوجهون إليه بالعبادة ، وتقديم القرابين إليه مخصوصة بالملك أو بأمراء المقاطعات ، ويعتقدون أن للأرض إله ويعبده عامة الصينيين ، ويعتقدون أن للشمس والقمر والكواكب والسحاب والجبال ، لكل منها إله ، وعبادتها وتقديم القرابين إليها مخصوصة بالأمراء ، كما أنهم يقدسون الملائكة ويقدمون إليها القرابين ، ويقدسون أرواح أجدادهم
---------------------------
(1) المصدر السابق 289.
ابتلاءات الامم _ 351 _
الأقدمين ويعتقدون ببقاء الأرواح، والقرابين عبارة عن موائد يدخلون بها السرور على تلك الأرواح بأنواع الموسيقى ، ويوجد في كل بيت معبد لأرواح الأموات ولآلهة المنزل ، وتنتشر الكونفوشية في الصين ، وزالت هذه الديانة عام 1949 م عن المسرحين السياسي والديني ، لكنها ما تزال كامنة في روح الشعب الصيني الأمر الذي يؤدي إلى تغيير ملامح الشيوعية الماركسية في الصين ، وما تزال الكونفوشية ماثلة في النظم الاجتماعية في فرموزا (الصين الوطنية) وانتشرت كذلك في كوريا واليابان ، وهي من الأسس الرئيسية التي تشكل الأخلاق ، في معظم دول شرق آسيا وجنوبها الشرقي في العصرين الوسيط والحديث (1).
خلفت المسيرة الإسرائيلية من ورائها ، أبشع بيوت الظلم والجور ، وهذه البيوت خرج منها الوقود الذي أشعل وغذى معظم الصراعات التي دارت على امتداد عصرنا الحديث ، وتذكر من هذه البيوت :
والماسونية لغة معناها ، البناؤون الأحرار ، وهي في الاصطلاح.
منظمة يهودية سرية إرهابية غامضة ، محكمة التنظيم ، تهدف إلى ضمان سيطرة اليهود على العالم ، وتدعو إلى الالحاد والإباحية والفساد ، جل أعضائها من الشخصيات المرموقة في العالم ، يوثقهم عهد بحفظ الأسرار ، ويقومون بما يسمى بالمحافل للتجمع
والتخطيط والتكليف بالمهام (2).
---------------------------
(1) المصدر السابق 425.
(2) المصدر السابق 449.
ابتلاءات الامم _ 353 _
اجتماعي في الظاهر ، لكنها لا تعدو أن تكون واحدة من المنظمات العالمية التابعة للماسونية التي تديرها أصابع يهودية ، بغية إفساد العالم والسيطرة عليه ، ومن هذه النوادي (الليونز) وله نواد في أمريكا وأوروبا وكثير من بلدان العالم ، ومركزه الرئيسي في (أوك بروك) بولاية الينوي في الولايات المتحدة الأمريكية ، ويتجلى النشاط الظاهري لليونز في : الدعوة إلى الإخاء والحرية والمساواة ، وتنمية روح الصداقة بين الأفراد بعيدا عن الروابط العقيدية ، ودعم المشروعات الخيرية ، ودعم مشروعات الأمم المتحدة ، وتقديم الخدمات إلى البيئة المحلية ، والاهتمام بالرفاهية الاجتماعية ، ونشر المعارف بكل الوسائل الممكنة ، ولا يستطيع أي شخص أن يقدم طلب انتساب إليهم ، وإنما هم الذين يرشحونه ويعرضون عليه ذلك (1).
ومن ذلك أيضا ( نادي الروتاري ) وهو منظمة ماسونية تسيطر عليه اليهودية العالمية ، ومن أفكار الروتاري ومعتقداته : عدم اعتبار الدين مسألة ذات قيمة لا في اختيار العضو ولا في العلاقة بين الأعضاء ، ولا يوجد أي اعتبار لمسألة الوطن ، وإسقاط
الدين يوفر الحماية لليهود ويسهل تغلغلهم في الأنشطة الحياتية كافة ، وهذا يتضح من ضرورة وجود يهودي واحد أو اثنين على الأقل في كل ناد ، وباب العضوية غير مفتوح لكل الناس ، ولكن على الشخص أن ينتظر دعوة النادي للانضمام إليه على حسب مبدأ الاختيار ، والعمال محرومون من عضوية النادي ، ولا يختار إلا من يكون ذا مكانة عالية ، وبدأت أندية الروتاري في أمريكا سنة 1955 م ، وانتقلت بعدها إلى بريطانيا وإلى عدد من الدول الأوربية ، ومن ثم صار لها فروع في معظم دول العالم ، ولها نواد في عدد من الدول العربية كمصر والأردن وتونس والجزائر وليبيا والمغرب
---------------------------
(1) المصدر السابق 431.
ابتلاءات الامم _ 354 _
ولبنان ، وتعد بيروت مركز جمعيات الشرق الأوسط (1) ، ويختلف الماسونية عن الروتاري ، في أن قيادة الماسونية ورأسها مجهولان ، على عكس الروتاري الذي يمكن معرفة أصوله ومؤسسيه ، والروتاري وما يماثله من النوادي مثل : الليونز ، الكيواني ، أبناء العهد ، تعمل في نطاق المخططات اليهودية من خلال سيطرة الماسون عليها والذين هم بدورهم مرتبطون باليهودية العالمية نظريا وعمليا (2).
الصهيونية حركة سياسية عنصرية متطرفة ، ترمي إلى إقامة دولة اليهود التي تحكم من خلالها العالم كله ، وتكون عاصمتها أورشاليم ، وارتبطت الحركة الصهيونية باليهودي النمساوي (هرتزل) ، الذي يعد الداعية الأول للفكر الصهيوني الذي تقوم على
آرائه الحركة الصهيونية في العالم ، وتعتبر الصهيونية جميع يهود العالم أعضاء في جنسية واحدة هي الجنسية الإسرائيلية ، ويعتقدون أن اليهود هم العنصر الممتاز الذي يجب أن يسود وكل الشعوب الأخرى خدم لهم ، ويقولون : لا بد من إغراق الأمميين في الرذائل بتدبيرنا من طريق من نهيئهم لذلك من أساتذة وخدم وحاضنات ونساء ملاهي ، ويرون : أن السياسة نقيض للأخلاق ، ولا بد فيها من المكر والرياء أما الفضائل والصدق فهي رذائل في عرف السياسة ، ويقولون : يجب أن نستخدم الرشوة والخديعة والخيانة دون تردد ، ما دامت تحقق مآربنا ، ويقولون : ننادي بشعارات (الحرية ، والمساواة والإخاء) لينخدع بها الناس ويهتفوا بها وينساقوا وراء ما نريد لهم ، ويقولون : سنعمل على دفع الزعماء إلى قبضتنا
---------------------------
(1) المصدر السابق 242.
(2) المصدر السابق 243.
ابتلاءات الامم _ 355 _
وسيكون تعينهم في أيدينا واختيارهم حسب وفرة أنصبتهم من الأخلاق الدنيئة وحب الزعامة وقلة الخبرة ، ويقولون : سنسيطر على الصحافة تلك القوى الفعالة التي توجه العالم نحو ما نريد ، ويقولون : لا بد أن نفتعل الأزمات الاقتصادية لكي
يخضع لنا الجميع بفضل الذهب الذي احتكرناه ، ويقولون : إن كلمة الحرية تدفع الجماهير إلى الصراع مع الله ، ومقاومة سنته فلنشعها هي وأمثالها إلى أن تصبح السلطة في أيدينا ، ويقولون : لنا قوة خفية لا يستطيع أحد تدميرها ، تعمل في صمت وخفاء وجبروت ، ويتغير أعضاؤها على الدوام ، وهي كفيلة بتوجيه حكام الأمميين كما نريد (1).
ومن المنظمات التي خرجت من عباءة الصهيونية : (منظمة شهود يهوه) وهي منظمة تقوم على سرية التنظيم وعلنية الفكرة دينية وسياسية ، ظهرت في أمريكا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، وهي تدعى أنها مسيحية ، والواقع أنها واقعة تحت سيطرة اليهود وتعمل لحسابهم ، وهي تعرف باسم (جمعية العالم الجديد) إلى جانب (شهود يهوه) الذي عرفت به ابتداء من سنة 1931 م ، وتؤمن هذه المنظمة بعيسى رئيسا لمملكة الله ، ويعملون من أجل إقامة دولة دينية دنيوية للسيطرة على العالم ، ويقتطفون من الكتاب المقدس الأجزاء التي تحبب في إسرائيل واليهود ويقومون بنشرها ، ويعادون النظم الوضعية ويدعون إلى التمرد ، ويعادون الأديان إلا اليهودية ، وجميع رؤسائهم يهود ، ويعترفون بقداسة الكتب التي يعترف بها اليهود ويقدسونها ، ولهذه المنظمة علاقة مع المنظمات التبشيرية ، والمنظمات الشيوعية والاشتراكية الدولية ، ولهم علاقة كبيرة مع أهل النفوذ من اليونانيين والأرمن (2) ، وخرجت من تحت
---------------------------
(1) للمزيد ، أنظر المصدر السابق ص 332.
(2) المصدر السابق 294.
ابتلاءات الامم _ 356 _
عباءة اليهودية بعض التيارات الفكرية منها : (العلمانية) : وهي دعوة إلى إقامة الحياة على غير الدين ، وتعني في جانبها السياسي ، بالذات اللادينية في الحكم ، وهي اصطلاح لا صلة له بكلمة العلم ، والمذهب العلمي ، ومن أفكار ومعتقدات هذا التيار ، أن بعضهم ينكر وجود الله أصلا ، والبعض الآخر يؤمن بوجود الله ، لكنهم يعتقدون بعدم وجود أي علاقة بين الله وبين حياة الإنسان ، ويعتقدون : أن الحياة تقوم على أساس العلم المطلق ، وتحت سلطان العقل والتجريب ، ويقولون : بفصل الدين عن السياسة وإقامة الحياة على أساس مادي ، وينادون : بتطبيق مبدأ النفعية على كل شئ في الحياة ، واعتماد مبدأ (الميكيافيلية) في الفلسفة والحكم والسياسة والأخلاق ، ولقد رشح هذا التيار على العالم الإسلامي ، وانتشر بفضل الاستعمار والتبشير ، وقام دعاته في العالم العربي والإسلامي ، بالطعن في حقيقة الإسلام والقرآن والنبوة ، وزعموا بأن الإسلام استنفذ أغراضه ، وهو عبارة عن طقوس وشعائر روحية ، وزعموا بأن الإسلام لا يتلاءم مع الحضارة ويدعو إلى التخلف (1).
(التغريب) : وخرج دعاته من تحت العباءة اليهودية ، والتغريب تيار كبير ذو أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية وفنية ، ويرمي إلى صبغ حياة الأمم والمسلمين بخاصة بالأسلوب الغربي ، وذلك بهدف إلغاء شخصيتهم المستقلة وخصائصهم المتفردة ، وجعلهم
أسرى التبعية الكاملة للحضارة الغربية ، ولقد استطاعت حركة التغريب أن تتغلغل إلى كل بلاد العالم الإسلامي ، وإلى كل البلاد المشرقية على أمل بسط بصمات الحضارة الغربية المادية الحديثة على هذه البلاد وربطها بالعجلة
---------------------------
(1) المصدر السابق 365.
ابتلاءات الامم _ 357 _
الغربية ، ولم يخل بلد إسلامي أو مشرقي من هذا التيار (1) ، ويضاف إلى هذه التيارات ، تيار (الوجودية) وهو تيار فلسفي ، يكفر أتباعه بالله ورسله وكتبه وبكل الغيبيات وكل ما جاءت به الأديان ، ويعتبرونها عوائق أمام الإنسان نحو المستقبل ، وقد اتخذوا الالحاد مبدأ ووصلوا إلى ما يتبع ذلك من نتائج مدمرة ، ومن أشهر زعماء هذا التيار ( جان بول سارتر ) الفرنسي المولود سنة 1955 م ، وهو ملحد ويناصر الصهيونية ، وانتشرت أفكار هذا التيار بين المراهقين والمراهقات في فرنسا وألمانيا والسويد والنمسا وإنجلترا وأمريكا وغيرها ، حيث أدت إلى الفوضى الخلقية والإباحية الجنسية واللامبالاة بالأعراف الاجتماعية والأديان (2).
ويضاف إلى ذلك (الفرويدية) وهي مدرسة في التحليل النفسي.
أسسها اليهودي (سيجموند فرويد) وهي تفسر السلوك الإنساني تفسيرا جنسيا ، وتجعل الجنس هو الدافع وراء كل شئ ، كما أنها تعتبر القيم والعقائد حواجز وعوائق تقف أمام الاشباع الجنسي ، مما يورث الإنسان عقدا وأمراضا نفسية ، ولم ترد في كتب
وتحليلات فرويد أية دعوى صريحة للانحلال كما يتبادر إلى الذهن ، وإنما كانت هناك إيماءات تحليلية كثيرة تتخلل المفاهيم الفرويدية ، تدعو إلى ذلك ، وقد استفاد الإعلام الصهيوني من هذه المفاهيم لتقديمها على نحو يغري الناس بالتحلل من القيم
وييسر لهم سبله بعيدا عن تعذيب الضمير (3).
واستغل اليهود المذهب (الرأسمالي) والرأسمالية نظام اقتصادي ذو فلسفة اجتماعية وسياسية ، يقوم على أساس تنمية الملكية الفردية والمحافظة عليها ، متوسعا في مفهوم الحرية ، ولقد ذاق العلم بسببه
---------------------------
(1) المصدر السابق 154.
(2) المصدر السابق 544.
(3) المصدر السابق 381.
ابتلاءات الامم _ 358 _
دويلات كثيرة ، وما تزال الرأسمالية تمارس ضغوطها وتدخلها السياسي والاجتماعي والثقافي ، وترمي بثقلها على مختلف شعوب الأرض ، وتقوم الرأسمالية في جذورها على شئ من فلسفة الرومان القديمة ، يظهر ذلك في رغبتها في امتلاك القوة وبسط النفوذ والسيطرة ، ولقد تطورت متنقلة من الاقطاع إلى البرجوازية إلى الرأسمالية ، وخلال ذلك اكتسبت أفكارا ومبادئ مختلفة ، تصب في تيار التوجه نحو تعزيز الملكية الفردية والدعوة إلى الحرية ، ولا يهم الرأسمالية من القوانين الأخلاقية إلا ما يحقق لها المنفعة ولا سيما الاقتصادية منها على وجه الخصوص ، وتدعو الرأسمالية إلى الحرية وتتبنى الدفاع عنها ، لكن الحرية السياسية تحولت إلى حرية أخلاقية واجتماعية ، ثم تحولت بدورها إلى إباحية ، وازدهرت الرأسمالية في إنجلترا وفرنسا وألمانيا
واليابان وأمريكا ، وفي معظم العالم الغربي ، وكثير من دول العالم يعيش في جو من التبعية لها ، ووقف النظام الرأسمالي إلى جانب إسرائيل دعما وتأييدا بشكل مباشر أو غير مباشر (1).
ووضع اليهود بصماتهم على المذهب (الشيوعي) وهو مذهب فكري يقوم على الالحاد ، وأن المادة هي أساس كل شئ ، ويفسر التاريخ بصراع الطبقات وبالعامل الاقتصادي ، وظهر المذهب على يد (ماركس) اليهودي الألماني (1818 ـ 1883 م) وتجسد في الثورة البلشفية التي ظهرت في روسيا سنة 1917 م بتخطيط من اليهود ، وتوسعت الثورة على حساب غيرها بالحديد والنار ، وقد تضرر المسلمون منها كثيرا ، وأفكار ومعتقدات هذا المذهب تقوم على : إنكار وجود الله وكل الغيبيات ، وقالوا : بأن المادة هي أساس كل شئ ، وفسروا تاريخ البشرية بالصراع بين البرجوازية والبروليتاريا ، وقالوا أن
---------------------------
(1) المصدر السابق 237.
ابتلاءات الامم _ 359 _
الصراع سينتهي بدكتاتورية البروليتاريا ، وحاربوا الأديان واعتبروها وسيلة لتخدير الشعوب ، مستثنين من ذلك اليهودية ، لأن اليهودية شعب مظلوم ! وحاربوا الملكية الفردية وقالوا بشيوعية الأموال وإلغاء الوراثة ، ولم تستطع الشيوعية إخفاء تواطئها مع اليهود ، وعملها لتحقيق أهدافهم ، فقد صدر منذ الأسبوع الأول للثورة قرار ، ذو شقين بحق اليهود :
أ ـ يعتبر عداء اليهود عداء للجنس السامي يعاقب عليه القانون.
ب ـ الاعتراف بحق اليهود في إنشاء وطن قومي في فلسطين (1) وهكذا وضع اليهود المسيرة البشرية بين مذهبين اقتصاديين ، يعارض كل منهما الآخر ، ليشتد الصراع على امتداد المسيرة ، مع احتفاظ اليهود بثمرات كل مذهب ، وثمرات الصراع القائم بينهما.
وأدلى النصارى بدلوهم على المسيرة البشرية ، وخرجت قوافل التبشير المختلفة الأسماء المتحدة الهدف ، ومن أفكار ومعتقدات هذه القوافل : محاربة الوحدة الإسلامية ، وتشويه التعاليم الإسلامية ، ونشر النصرانية بين الأمم المختلفة في دول العالم الثالث بعامة وبين المسلمين بخاصة ، بهدف إحكام السيطرة على هذه الشعوب ، وتتلقى قوافل التنصير الدعم الدولي الهائل من أوروبا وأمريكا ، ومن مختلف الكنائس والهيئات والجامعات والمؤسسات العالمية ، وألقى التنصير بثقله حول العالم الإسلامي.
ويتمركز في أندونسيا وماليزيا وبنجلاديش والباكستان وفي إفريقيا بعامة ، من التيارات التبشيرية التي يتبناها اليهود ، طائفة (المورمون) وتلبس لباس الدعوة إلى دين المسيح ، وتنادي بالعودة إلى الأصل ، أي إلى كتاب اليهود ، ويعتقدون بأن الله
أعطى وعده
---------------------------
(1) للمزيد : أنظر المرجع السابق 310 وما بعدها.
ابتلاءات الامم _ 360 _
لإبراهيم ، ومن ثم لابنه يعقوب ، بأن من ذريته سيكون شعب الله المختار ، وكتابهم يشبه التلمود في كل شئ وكأنه نسخة طبق الأصل عنه (1) ، ومؤسس هذه الجماعة (يوسف سميث) ولد عام 1805 م بمدينة شارون بمقاطعة وندسور التابعة لولاية فرمنت ، ولقد جندت إسرائيل كل إمكاناتها لخدمة هذه الطائفة ، وآمن بفكر هذه الطائفة كثير من النصارى ، وكان دعاتها من الشباب المتحمس ، وقد بلغ عدد أفرادها أكثر من خمسة ملايين نسمة ، ثمانون بالمئة منهم في أمريكا ، ويتمركزون في ولاية (أوتاه) حيث أن 68 % من سكان هذه الولاية منهم ، 62 / من سكان مقاطعة البحيرات المالحة مسجلون كأعضاء في هذه الكنيسة ، ومركزهم الرئيسي في ولاية (يوتا) الأمريكية ، وهذا التيار انتشر في الولايات المتحدة ، وأمريكا الجنوبية ، وكندا وأوروبا ، كما أن لهم في معظم أنحاء العالم فروعا ومكاتب ومراكز لنشر أفكارهم ومعتقداتهم ، ويوزعون كتبهم مجانا ، ولهم (175) إرسالية تنصيرية كما أنهم يملكون : شبكة تلفزيونية ، وإحدى عشرة محطة إذاعية ، ويملكون مجلة شهرية بالإسبانية ، وصحيفة يومية واحدة (2).
والخلاصة :
يجب أن نعترف بأن المسيرة البشرية حملت ضمن أحمالها البصمة الوثنية ، التي زين الشيطان برنامجها وأغوى به قطاع عريض على امتداد المسيرة ، ونحن في عصرنا نرى أعلام هذا القطيع ويجب أن نعترف أن الماسونية شجرة عتيقة فروعها هي
الصهيونية وملحقاتها ، وهذه الشجرة في بستان يملكه اليهود ، والخدم في هذا البستان هم علماء التغريب
---------------------------
(1) المصدر السابق 486.
(2) المصدر السابق 487.
ابتلاءات الامم _ 361 _
والعلمانية وغيرهم ، ومهمة الخدم هي تذويب الاحساس القومي لدى الشعوب بنشر الأفكار العالمية ، ونتيجة لذلك يكون اليهود هم الشعب الوحيد الذي يظل محتفظا بقوميته ، ويكون له المجد في النهاية وله السيطرة على جميع شعوب الأرض باعتباره شعب الله المختار.
فالشعب اليهودي داخل دائرته ، ظل على امتداد تاريخه بعد السبي يؤمن بضرورة العمل من أجل إحياء مملكة داوود ، التي يكون لها المجد على شعوب الأرض ، ويسبح معها الجبال والطير ، وظل أتباع هذا الاعتقاد على امتداد تاريخهم وفي أحلك الأوقات يقيمون حياتهم على أساس هذا الدين الذي يحقق هذه النتيجة ، وعندما عاشوا في بقاع الأرض المختلفة متباعدين ، كانوا في نفس الوقت متقاربين نتيجة لوحدة الفكر والأمل ، ولم يذوبوا في المجتمعات وإنما اجتمعوا في أحياء خاصة بهم داخل المجتمعات الكبيرة ، وعملوا من أجل أن تكون المجتمعات الكبيرة في قبضتهم ، وذلك عن طريق سيطرتهم على الاقتصاد ورجال الحكم.
وبعد عودة اليهود إلى فلسطين ، وبعد انتصارهم عام 1967 ، يخطئ من يظن أن الحرب بين الفطرة وبين اليهود قد انتهت ، ومخدوع كل من يظن أن كل ما هو معلق بين المسلمين وبين اليهود قد تحله العقود أو المواثيق أو اتفاقيات الصلح والاعتراف المتبادل ، لأن المهمة الإسرائيلية لن تنتهي إلا بظهور أمير السلام الذي ينتظره اليهود ، وقد يأخذ السلام بين العرب وبين اليهود أشكالا متعددة ، ولكن تبقى الحقيقة الأكيدة : أن هذا السلام في نظر اليهود سيكون ورقة تكتيكية من أوراق الحرب المستمرة ، حتى يأتي أمير السلام (الدجال) فينصب فسطاطه في المنطقة ، ويتبعه جميع الذين تعاموا عن هذه الحقيقة.
ويجب أن نعترف أن قطاع عريض داخل المسيرة الإسلامية لا
ابتلاءات الامم _ 362 _
يعرف ذاته ولا يعرف القوى المعادية له ، أو بمعنى آخر ، يجب أن نعترف بأن هؤلاء يبدوا وكأنهم لا يريدون أن يعرفوا ذاتهم أو كأنهم لا يقدرون على محاولة المعرفة ، وأنهم لا يعرفوا عدوهم معرفة حقيقية أو لعلهم لم يحاولوا أن يعرفوا ، وفي جميع الحالات يجب أن نعترف بأننا لا نعرف أنفسنا ولا نعرف عدونا.
ويجب أن نعترف بأن الفطرة يحيط بها الظلم من كل مكان ، وأين الوسائل المحيطة بها يمسك بزمامها الجبان ، وكلمة الجبان لا تعني الرجل الخائف الرعديد فقط ، وإنما تعني ذلك الرجل الذي إذا تمكن من عدوه كان أكثر جبنا ، بمعنى أنه لا يعرف في التعامل معه معنى من معاني النبالة أو الكرم أو الشهامة ، إنما يستعمل معه أدنأ الوسائل وأدناها إلى الحطة ، والفطرة الإنسانية تحيط بها أكثر الناس جبنا ، بمعنى أكثر الناس ميلا للانتقام ... وإذا كان البحث العلمي قد قدم للمسيرة البشرية مجهودات عظيمة ، من عصر الطاقة اليدوية إلى عصر الفحم ، إلى عصر البخار ... إلى عصر البترول ، إلى عصر الكهرباء ، ومن عصر الذرة إلى عصر الإلكترونيات ، إلى عصر الكومبيوتر إلى عصر
الفضاء إلى عصر الهندسة الوراثية ، فيجب أن نعترف أن الأعظم من هذا المجهود الضخم استعمل في كل عصر من أجل خدمة مخططات الأهواء وأهداف المادية ، وعن طريقة استطاع أصحابه أن يتغلغلوا داخل النفس لإغوائها لتكون عضوا على طريق أهدافهم.
إن العلوم المفيدة تكون في متناول الإنسان عندما تصلح أخلاقه ، أما إذا وقف الجبان على أبواب المجهودات العلمية ، فسيكون للظلم والجور وللفساد أعلاما متعددة الألوان والأشكال ، وفي عصرنا نرى المخطط اليهودي والوثني تحميه الترسنات النووية
والكيمائية
ابتلاءات الامم _ 363 _
والمكروبية ، والترسانة التقليدية ، وأساطيل الطائرات والغواصات والدبابات وقاذفات الصواريخ والباتريوت ، ونجد الفطرة في أماكن كثيرة ، مقيدة بالديون وفوائد القروض ومحاذير السلاح وضغوط صندوق النقد الدولي وقرارات الأمم المتحدة ، ونجدها مهددة من كل مكان.
بعد أن فسد كل شئ ، ولوثت البحار والأنهار بالنفط والمبيدات ومخلفات المصانع وسموم المعادن الثقيلة ، ولوث الجو بغازات الكبريت والأزون والكربون والرصاص ، واتخذ الجبان من قلب الأرض والبحر مخازن للموت النووي والرعب الذري يدفن فيه
النفايات القاتلة لصناعاته المهلكة ، ونجد الفطرة محاصرة بقوافل خرقت الشرائع وطلبت اللذة من وجوهها الشاذة باللواط والسحاق ، ولقد رأينا كيف خرجت قوافل الشواذ تطالب بشرعية الفسق وتقنين زواج الرجال بالرجال وزواج النساء بالنساء ، وتسير في مظاهرات علنية تطالب بحقوقها الشاذة ، ولم يقتصر الأمر على خروج قبائل العهر والفسق في مظاهرات ، وإنما تفننت قبائل أخرى في جعل الحرية الجنسية شريعة لمملكتها ، وأقامت للزنا نواد ومؤسسات وأقمار فضائية تنشره ، وأبدعت هذه القبائل في إخراج العهر والفجور والفسق والشذوذ ، بجميع أوضاعه في أبهة من الألوان ومواكب من الزينة والزخرف ، واستأجرت لهذا الفتيات الساقطات من كل جنس لعرضهن عرايا ، ثم ثبت هذا العهر ليستقبله كل من وجه هوائي استقبال إلى الفضاء.
لقد ملأت الأرض ظلما ، والتطور ينطلق كل دقيقة بل كل ثانية.
وما كان يحدث من إنجاز علمي في ألوف السنين ، أصبح يحدث الآن في سنوات قليلة ، ومعنى هذا أن المستقبل سيشهد تطورا مضغوطا في حيز تاريخي قصير ، فإذا كان الجبان ساهرا ومشرفا على هذا التطور ، فإن معنى هذا أننا نهرول بالفعل إلى النهاية ،
وقبل هذا اليوم يجب أن نعرف من نحن ؟ ومن هو عدونا ؟ وما هي أهدافنا وما هي أهداف
ابتلاءات الامم _ 364 _
عدونا ؟ ومن أين نبدأ وكيف نخرج من الدائرة المغلقة ؟ إننا إذا لم نعرف كل هذا وغيره ، فستدفع أجيالنا في المستقبل ثمنا باهظا ويشهدوا جنازتهم على أقل تقدير وهم وراء أمير السلام ، وسنعتمد نحن هذه الجنازة لأن المستقبل ابن للماضي ولا ينفصل عنه ، أجيبوا ، أجيبوا يرحمكم الله ، قبل أن يأتي يوم لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل.
يبعث الله تعالى الأنبياء والرسل ليذكروا الناس بالمخزون الفطري الذي وضعه الله في النفس البشرية عند بدأ الخلق ، وهذا المخزون هو توحيده تعالى ، ويقوم الأنبياء والرسل على امتداد عهد البعثة بسوق الناس إلى طريق الهدى ببيانهم للناس ما أنزل إليهم من ربهم ، وبعد أن يقيم رسل الله الحجة على الناس ، ينسى بعض الناس ما ذكروا به ، ويقومون بأعمال تعارض الفطرة ووصايا الله ، وأخبرت الدعوة الخاتمة أن الله تعالى يستدرج هذه المسيرات الانحرافية على امتداد المسيرة البشرية ، وعلى امتداد الاستدراج ينال الذين ظلموا عذاب الخزي في الحياة الدنيا ، قال تعالى : ( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ) (1).
وعذاب الاستدراج في الحياة الدنيا أبوابه مفتوحة ، يدخل فيها الحاضر إذا أخذ بأسباب الانحراف من الماضي ، وإذا انطلق الحاضر إلى المستقبل ولم تحدثه نفسه بتوبة ، انتهت أقدامه إلى المسيح الدجال ، وفي دائرة الدجال تنال جميع رايات الانحراف والشذوذ عذاب الخزي
---------------------------
(1) سورة الأنعام آية 44.
ابتلاءات الامم _ 365 _
ويقطع الله دابرهم بعذاب الاستئصال ، والنبي الخاتم (ص) أخبر بأن جميع الأنبياء حذروا أممهم من الدجال ، وقال ( إن الله لم يبعث نبيا إلا حذر أمته الدجال ) (1) ، وحذر النبي (ص) من الدجال ومن كل عمل ينتهي إليه ، ومن ذلك قوله ( وما صنعت فتنة منذ كانت الدنيا صغيرة ولا كبيرة إلا لفتنة الدجال ) (2).
وطريق الدجال يبدأ بانحراف دقيق عند المقدمة ، ثم يتسع شيئا فشيئا على امتداد المسيرة ، وفي مناطق الاتساع ترفع للشذوذ رايات بعد أن ألفه الناس ، وهذه الرايات بينها النبي الخاتم (ص) وهو يخبر بأشراط الساعة ، ومن ذلك قوله ( من أشراط
الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل ويشرب الخمر ويظهر الزنا ) (3) ، وقال ( إن بين يدي الساعة أياما يرفع فيها العلم وينزل فيها الجهل ويكثر فيها الهرج والمرج القتل ) (4) ، فهذه العلامات تظهر على طريق الفتن والانحراف ، وبينها النبي الخاتم ليراجع الناس أنفسهم على امتداد المسيرة ، ويشهدوا له بالنبوة بعد أن رأوا أحداثا أخبر بها يوم أن كانت غيبا ، فالأحداث في عالم المشاهدة المنظور دعوة للتوبة وتحذيرا من العقاب الذي يحمله طريق الاستدراج ، وآخر الزمان يقف تحت أعلام الدجال جميع المسيرات التي انحرفت عن ميثاق الفطرة وأشركت بالله ، ويقف تحتها صناع الفتن وأصحاب الأهواء وتجار الشذوذ وجلادي الشعوب ، وجميع الذين ظلموا وصدوا عن سبيل الله العزيز الحكيم ، فهؤلاء وغيرهم
سينتظمون وراء قيادة الدجال آخر الزمان ويطيعون أوامره ، وسيدخلون معه لقتال
---------------------------
(1) رواه الإمام أحمد (الفتح الرباني 69 / 24).
(2) رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح (الفتح الرباني 69 / 24).
(3) رواه مسلم (الصحيح 58 / 8).
(4) رواه مسلم (الصحيح 58 / 8.
ابتلاءات الامم _ 366 _
المهدي المنتظر والمسيح عيسى بن مريم عليهما السلام ( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) (1).
كما أن لطريق الشذوذ علامات ، فإن لطائفة الحق علامات ، وكما أن الله تعالى حذر من شر مخبوء في بطن الغيب ، ومنه الدجال ، فإنه تعالى بشر بخير مخبوء في بطن الغيب ومنه المهدي المنتظر ونزول عيسى بن مريم آخر الزمان.
1 ـ ( أقوال العلماء في ظهور المهدي ونزول عيسى آخر الزمان )
قال الشوكاني : إن الأحاديث الواردة في المهدي متواترة.
والأحاديث الواردة في الدجال متواترة ، والأحاديث الواردة في نزول عيسى متواترة (2) ، وقال صاحب عون المعبود شرح سنن أبو داوود : إعلم أن المشهود بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار ، أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت.
يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية ، ويسمى بالمهدي ، ويكون خروج الدجال بعده وإن عيسى عليه السلام ينزل بعد المهدي أو ينزل معه فيساعده على قتل الدجال ، ويأتم بالمهدي في صلاته ، وخرج أحاديث المهدي جماعة من الأئمة منهم : أبو داوود والترمذي وابن ماجة والبراز والحاكم والطبراني وأبو يعلى ، وإسناد أحاديث هؤلاء بين الصحيح والحسن والضعيف ، وقد بالغ المؤرخ عبد الرحمن بن خلدون في تاريخه في تضعيف أحاديث المهدي كلها ، فلم
---------------------------
(1) سورة يوسف آية 21.
(2) عون المعبود ص 458 / 11.
ابتلاءات الامم _ 367 _
يصب بل أخطأ (1) وقال صاحب التاج الجامع للأصول : إشتهر بين العلماء سلفا وخلفا أنه في آخر الزمان لا بد من ظهور رجل من أهل البيت يسمى بالمهدي ، يستولي على الممالك الإسلامية ويتبعه المسلمون ويعدل بينهم ويؤيد الدين ، ولقد أخطأ من ضعف أحاديث المهدي كلها ، وما روي من حديث لا مهدي إلا عيسى ، فضعيف كما قال البيهقي والحاكم وغيرهما (2).
وقال ابن كثير في البداية والنهاية : لا شك أن المهدي الذي هو ابن المنصور ثالث خلفاء بني العباس ليس هو المهدي الذي وردت الأحاديث المستفيضة بذكره ، وإنه يكون في آخر الزمان يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما ، وقد أفردنا للأحاديث الواردة فيه جزءا على حدة ، كما أفرد له أبو داوود كتابا في سننه (3).
وقال الحافظ الكتاني : الأحاديث الواردة في المهدي على اختلاف رواياتها كثيرة جدا ، تبلغ حد التواتر ، وهي عند الإمام أحمد والترمذي وأبي داوود وابن ماجة والحاكم والطبراني وأبو يعلى والبزار وغيرهم ، من دواوين الإسلام من السفن والمعاجم والمسانيد ، وأسندوها إلى جماعة من الصحابة ، وبعضها صحيح وبعضها حسن وبعضها
ضعيف ، والأحاديث تشد بعضها بعضا ، وأمر المهدي مشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار ، وأنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت النبوي يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون ، ويسمى بالمهدي (4) وقال الكتاني : وفي شرح عقيدة السفاريني الحنبلي
---------------------------
(1) عون المعبود ص 362 / 11.
(2) التاج الجامع للأصول ص 341 / 5.
(3) البداية والنهاية 281 / 6.
(4) نظم المتناثر في الحديث المتواتر ص 226.
ابتلاءات الامم _ 368 _
ما نصه : وقد كثرت بخروج المهدي الروايات حتى بلغت حد التواتر ، وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عد من معتقداتهم ، وقد رويت أحاديث المهدي عن الصحابة بروايات متعددة ، وعن التابعين من بعدهم ، مما يفيد مجموعه العلم القطعي ، فالإيمان بخروج
المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة (1).
قال النبي (ص) بعد أن أقام الحجة على المسيرة ( وأيم الله ، لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها ) (2) وزاد في رواية : لا يزيغ عنها إلا هالك ) (3) فالطريق واضح وضوح النهار ، والله تعالى ينظر إلى عباده كيف يعملون ، وأخبر النبي (ص) بأن المسيرة ستشهد أنماطا بشرية يترتب على حركتها غربة الدين ، وهذه النتيجة ترى في قوله (ص) ( إن الإسلام بدأ غريبا ، وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء ) (4) قال النووي : ظاهر الحديث ، أن الإسلام بدأ في أحاد من الناس وقلة ، ثم انتشر وظهر ، ثم سيلحقه النقص والإخلال حتى لا يبقى إلا في آحاد وقلة أيضا كما بدأ ) (5) ، وغربة الدين ترى في قول النبي (ص) ( الإسلام والسلطان أخوان توأمان ، لا يصلح واحد منهما إلا
بصاحبه ، فالإسلام أسس ( أي : أصل البناء ) والسلطان حارث ، وما لا حارث له يهدم ، وما لا حارث له ضائع ) (6) ، ولذلك كان النبي (ص) يقول ( إن رحى الإسلام دائرة ، وإن
---------------------------
(1) نظم المتناثر ص 226.
(2) رواه ابن ماجة (كنز العمال 370 / 11).
(3) رواه ابن أبي عاصم (كتاب السنة 27 / 1).
(4) رواه مسلم (الصحيح 177 / 2).
(5) مسلم شرح النووي 177 / 2).
(6) رواه الديلمي (كنز العمال 10 / 6).
ابتلاءات الامم _ 369 _
الكتاب والسلطان سيفترقان ، فدوروا مع الكتاب حيث دار ) (1).
والنجاة في عالم الغربة بين النبي (ص) دائرتها ، عن أبي هريرة قال ، قالوا : يا رسول الله أي الناس خير ؟ قال : أنا ومن معي ، قالوا : ثم من ؟ قال : الذي على الأثر ، قالوا : ثم من ؟ ، فرفضهم رسول الله (2).
وطائفة الحق على امتداد المسيرة لها أعلامها ، ولا يضرها من خذلها أو عاداها ، لأنها حجة بمنهجها وحركتها على الناس ، وأخبر النبي (ص) ، بأن هذه الطائفة تستقر أعلامها آخر الزمان ، تحت قيادة المهدي المنتظر وعيسى بن مريم عليهما السلام ،
يقول النبي (ص) ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ) (3) ، وقال ( لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله ، لا يضرهم من خذلهم ، أو خالفهم ، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس ) (4) وقال ( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم ، حتى يقاتل آخرهم الدجال ) (5) ، وقال ( لا تزال طائفة من أمتي تقاتل على الحق حتى ينزل عيسى بن مريم عند طلوع الفجر ببيت المقدس ينزل على المهدي ) (6) ، وفي رواية ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على من ناوأهم حتى يأتي أمر الله ، وينزل عيسى عليه السلام ) (7).
فمن هذه الأحاديث نرى أن طائفة الحق على امتداد المسيرة.
---------------------------
(1) رواه الطبراني وابن عساكر (كنز العمال 216 / 1).
(2) رواه أحمد وقال في الفتح رواه مسلم (الفتح الرباني 219 / 23).
(3) رواه مسلم (الصحيح 65 / 13).
(4) رواه مسلم (الصحيح 97 / 13).
(5) رواه الحاكم وصححه (المستدرك 450 / 4).
(6) رواه أبو عمر الداني (عقد الدرر ص 220).
(7) رواه أحمد والحاكم وصححه وأبو داوود (الفتح الرباني 210 / 23).
ابتلاءات الامم _ 370 _
تأخذ بأسباب الهدى ، وتنطلق من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل.
لا يضرها من عاداها أو من خذلها ، حتى تستقر نهاية المطاف أمام فسطاط المهدي المنتظر ، والمهدي من أهل البيت ، من أولاد علي وفاطمة (ع) ، قال النبي (ص) ( المهدي منا أهل البيت ) (1) ، وقال ( المهدي من عترتي من ولد فاطمة ) (2) واسمه يواطئ اسم النبي (ص) (3).
والمهدي يخوض معارك آخر الزمان ، وسيفتح الصين (4) والهند (5) وجبل الديلم (6) وسيقصم ظهر الروم ويفتح القسطنطينية (7) ويقاتل اليهود وأميرهم الدجال حتى ينتهي أمرهم بالاستئصال ، وقال النبي (ص) ( يظهر على كل جبار وابن جبار ويظهر العدل ) (8).
وفي منهج المهدي يقول النبي (ص) ( هو رجل من عترتي يقاتل على سنتي كما قاتلت أنا على الوحي ) (9) ، وقال ( يعمل بسنتي ) (10) وقال (ص)
---------------------------
(1) رواه أبو نعيم والحاكم وصححه (عقد الدرر ص 21) (المستدرك 557 / 4 (عون المعبود 375 / 11).
(2) رواه أبو داوود (السنن 422 / 2) والحاكم وابن ماجة (المستدرك 557 / 4) (التاج الجامع للأصول 343 / 5) (كنز العمال 264 / 14) (الحاوي للسيوطي 224 / 2).
(3) رواه أحمد والترمذي وأبو داوود والحاكم (الفتح الرباني 49 / 24) (جامع الترمذي 505 / 4).
(4) أنظر : عقد الدرر ص 224.
(5) أنظر : التاج الجامع للأصول 325 / 5 ، عقد الدرر 219.
(6) أنظر : عقد الدرر ص 224.
(7) أنظر : عقد الدرر ص 211.
(8) رواه الطبراني (الزوائد 315 / 7) (الحاوي 218 / 2).
(9) رواه نعيم بن حماد (الحاوي 233 / 2) (عقد الدرر ص 17).
(10) رواه أبو نعيم (عقد الدرر 156).
ابتلاءات الامم _ 371 _
( يبعث على اختلاف من الناس وزلازل ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت جورا وظلما ) (1) وقال ( لو لم يبق من الدنيا إلا يوم ، لبعث الله عز وجل ، رجل منا يملأها عدلا كما ملئت جورا ) (2) ، وعن حذيفة قال ، قال النبي (ص) : ويح هذه الأمة من ملوك جبابرة ، يقتلون ويخيفون المطيعين إلا من أظهر طاعتهم ، فالمؤمن التقي يصانعهم بلسانه ويفر منهم بقلبه ، فإذا أراد الله عز وجل أن يعيد الإسلام عزيزا ، فصم كل جبار وهو القادر على ما يشاء ، أن يصلح أمة بعد فسادها ، ثم قال رسول الله (ص) : يا حذيفة ، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم ، حتى يملك رجل من أهل بيتي تجري الملاحم على يديه ، ويظهر الإسلام ، لا يخلف الله وعده وهو سريع الحساب (3).
وعن ابن مسعود قال ، قال رسول الله (ص) : إن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءاً وتشريدا وتطريدا ، حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود ، فيسألون الخير فلا يعطونه ، فيقاتلون فينصرون ، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه ، حتى يدفعوها إلى رجل
من أهل بيتي ، فيملؤها قسطا كما ملؤوها جورا ، فمن أدرك ذلك منكم ، فليأتهم ولو حبوا على الثلج (4).
وآخر الزمان يلتقي ابن علي بن أبي طالب ، مع ابن مريم أخت هارون ، يلتقي آخر أهل البيت في المسيرة الإسلامية ، مع المسيح عيسى بن مريم آخر نبي في المسيرة الإسرائيلية ، وكلاهما ظلمته مسيرة قومه ،
---------------------------
(1) قال الهيثمي رواه الترمذي وغيره وأحمد وأبو يعلى ورجالهما ثقات (الزوائد 314 / 7) (الفتح الرباني 50 / 24).
(2) رواه أحمد وأبو داوود (الفتح الرباني 49 / 24) (عون المعبود 373 / 11).
(3) رواه نعيم بن حماد وأبو نعيم (عقد الدرر ص 63) (الحاوي 221 / 2).
(4) رواه ابن ماجة حديث 4082 ، والحاكم (المستدرك 464 / 4) (كنز العمال 268 / 14).
ابتلاءات الامم _ 372 _
ولكن للعدل رداء على الوجود كله ، ومن حكمة الله تعالى أن لا تنهدم الدنيا قبل أن يهيمن العدل على المسيرة البشرية ، ليعلم الناس وهم تحت سقف الامتحان والابتلاء ، أن الحق يقف في النهاية ، لأنه أصيل في الوجود ، أما الباطل فطارئ لا أصالة فيه ، الباطل زبد لا يمكث في الأرض ، والباطل يطارده الله على امتداد المسيرة ولا بقاء لشئ يطارده الله ، قال تعالى : ( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) (1) ( ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين * قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون * فأعرض عنهم وانتظر * إنهم منتظرون ) (2) صدق الله العلي العظيم
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين
---------------------------
(1) سورة يوسف آية 21.
(2) سورة السجدة آية 28.