في زمن المسيح عليه السلام بلغت الأحداث ذروتها ، عندما عزم اليهود على قتل المسيح لأنه لم يأت لهم بما تهوى أنفسهم.
وفضح علمائهم الذين عكفوا على تقاليد آبائهم ، وكشف مخططاتهم التي تسعى لتهويد الفطرة بما لم ينزل به الله سلطانا ، ولقد سجلت الأناجيل محاولات اليهود العديدة للفتك بالمسيح وكيف كان اليهود يخافون من تنفيذ محاولاتهم ، نظرا لأن الجموع كانوا يعتبرون المسيح عليه السلام رسولا نبيا مبعوثا من الله تعالى ، يقول متي في إنجيله ( ولما سمع رؤساء الكهنة والفريسيين المثلين الذين ضربهما المسيح ، أدركوا أنه كان يعنيهم هم ومع أنهم كانوا يسعون إلى القبض عليه ، فقد كانوا خائفين من الجموع لأنهم كانوا يعتبرونه نبيا ) (1) ، وسجلت الأناجيل أن المسيح عليه السلام كان يتخفى من اليهود ، ولا يظهر لهم عندما يصل إلى علمه أنهم يبحثون عنه ، ذكر يوحنا في إنجيله أن المسيح عليه السلام أمر تلاميذه بأن يشاركوا اليهود عيد الخيام ( وبعدما ذهب أخوته إلى العيد.
ذهب هو أيضا كما لو كان متخفيا لا ظاهرا ، وأخذ اليهود يبحثون عنه في العيد ، ويسألون : أين ذاك الرجل ، وثارت بين الجموع مناقشات
---------------------------
(1) متي 21 / 45.
ابتلاءات الامم _ 159 _
كثيرة حوله فقال بعضهم : إنه صالح ، وقال آخرون : لا بل إنه يضلل الشعب.
ولكن لم يجرؤ أحد أن يتكلم عنه علنا خوفا من اليهود ) (1).
وبالجملة : جاء في إنجيل يوحنا ( بدأ يسوع ينتقل في منطقة الجليل متجنبا التجول في منطقة اليهود ، لأن اليهود كانوا يسعون إلى قتله ) (2).
فالنصوص تفيد أن المسيح عليه السلام كان يتحرك بين الجموع ، يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ويأمر تلاميذه بمشاركة اليهود الأعياد التي سنها أنبياء بني إسرائيل ، وكان الجموع يعلمون أن المسيح نبيا ليس له من الأمر شيئا إلا أنه يحمل رسالة الله إلى بني إسرائيل.
وإنه عليه السلام كان يأخذ بالأسباب لدفع الضرر عنه ، فكان يتخفى من اليهود ولا يدخل منطقتهم ، إلا بعد أن يأخذ بالأسباب لتحقيق أمنه وأمن تلاميذه ، وذكر الإنجيل كيف كان المسيح يضج من استكبار القوم وصدهم عن سبيل الله ، رغم ما يقدمه إليهم من علم ومعجزة ، وكان يقول ( أيها الجيل غير المؤمن إلى متى أبقى معكم ، إلى ... أحتملكم ) (3) وشأنه في هذا كشأن جميع إخوته الأنبياء ، كانوا يشعرون بالحزن عندما لا يأخذ الناس بأسباب الحياة الكريمة التي تحقق لهم السعادة في الدنيا بما يوافق الكمال الأخروي ، وكانوا يشكون حزنهم إلى الله تعالى.
ورغم حركة المسيح عليه السلام الواضحة كل الوضوح ، إلا أن القوم أحاطوه بعد عهد البعثة بهالات تخرجه من دائرة البشرية إلى الألوهية ، ووضعوا في الأناجيل نصوصا رشحت بهذا المعنى ، وعندما جاء بولس وقاد المسيرة أصبحت ألوهية المسيح عمودا
لدعوته ، وبين
النصوص التي تقول بنبوة المسيح وبين التي تقول بألوهيته تعددت الفرق والمذاهب ، وكان هذا على حساب الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، ولما كان للدين الفطري شهود وأمناء على امتداد المسيرة البشرية ، ولما كانت النبوءة هي التي تفسر التاريخ وليس العكس ، فإننا لكي نمسك بخيط الأحداث ، لا بد أن نتتبع الأحداث وفقا لنصوص أصول النبوة ، فننظر إلى الأحداث وحركتها في الأناجيل ، ثم نضع ذلك تحت الضوء القرآني ، فبهذا وحده نصل إلى الحقيقة في مدونات أهل الكتاب ، واضعين في الاعتبار أن الحق لا يخص بوجه وعلى أي تقدير ، فهو بين السطور حجة على كل من قرأ وإن عتمت على السطور سحب التحريف والتأويل ، وهو ظاهر في الكون الواسع وإن حاصرته أدوات الزينة والإغواء ، وهو داخل النفس الإنسانية لأن الإنسان مجبول على قبول الحق والخضوع الباطني أمامه ، وإن طوقت الأهواء النفس ، فالحق واضح المعالم في كل مكان وزمان لأنه حجة بذاته ، والحق ينتصر في الدنيا ظاهرا أو باطنا ، لأن الله تعالى أوجب على نفسه أن يفنى الباطل بالحق.
ولما كان النصارى يؤمنون بألوهية المسيح ، وأن أحد تلاميذه قد خانه وسلمه إلى أعدائه ، فجردوه من ثيابه ، وبصقوا في وجهه ، وضربوه على رأسه بعد أن أوسعوه سخرية ، ثم ساقوه إلى الصلب ، وصلبوا معه لصين ، وكان اللصان يسخران منه (1) ولما كان القرآن الكريم قد نفى ما ادعاه النصارى في حق المسيح ، وقال تعالى : (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) (2) وقال (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) (3) وقال في قصة الصلب (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه
---------------------------
(1) أنظر : متي 27 / 28 ـ 44.
(2) سورة المائدة آية 17.
(3) سورة المائدة آية 73.
ابتلاءات الامم _ 161 _
لهم) (1) فإننا سنلقي ضوءا على الأحداث كما ذكرت في الأصول.
لتظهر الحقيقة من تحت السحب وتكون واضحة وضوح الشمس في كبد السماء ، وأول ضوء نلقيه سيكون على التلاميذ ، لقولهم أن أحدهم قد خان المسيح ، فإذا لم يظهر الخائن تحت الضوء ، تصبح الدعوى منهدمة من أساسها ولا يبقى إلا الحق.
قال تعالى في كتابه الكريم : (وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي ، قالوا آمنا وإشهد بأننا مسلمون) (2) قال المفسرون : المراد بهذا الوحي وحي إلهام ، كقوله تعالى : (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه) (3) وقوله : (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ... ) (4) فالحواريين ألهموا الإيمان فامتثلوا ما ألهموا ، وقيل : ويحتمل أن يكون المراد ، وإذ أوحيت إليهم بواسطتك فدعوتهم إلى الإيمان بالله وبرسوله ، واستجابوا لك وانقادوا وتابعوك فقالوا : (آمنا بالله وأشهد بأننا مسلمون).
وعلى هذا فالحواريين ألهموا الإيمان أولا واستجابوا ، فوهبهم الله تعالى للمسيح ليبشروا بين يديه ، والمسيح عليه السلام أخبر بهذه الهبة الإلهية له ، فقال في آخر أيامه على الأرض وهو يدعو ربه ( أظهرت اسمك للناس الذي وهبتهم لي من العالم ، كانوا لك فوهبتهم لي ، وقد عملوا بكلمتك وعرفوا الآن أن كل ما وهبته لي فهو منك ، لأني نقلت
---------------------------
(1) سورة النساء آية 157.
(2) سورة المائدة آية 111.
(3) سورة القصص آية 7.
(4) سورة النحل آية 68.
ابتلاءات الامم _ 162 _
إليهم الوصايا التي أوصيتني بها فقبلوها ... وآمنوا أنك أرسلتني ، من أجل هؤلاء أصلي إليك ، لست أصلي الآن من أجل العالم ، بل من أجل الذين وهبتهم لي لأنهم لك ) (1) ، وفي آخر أيامه عليه السلام دعا ربه قائلا : ( أريد لهؤلاء الذين وهبتهم لي أن يكونوا معي حيث أكون أنا فليشهدوا مجدي الذي أعطيتني ) (2).
من النصوص السابقة علمنا أن القاعدة التي وقف عليها التلاميذ ، هي قاعدة الإيمان بالله ورسوله ، ولما كنا نبحث عن التلميذ الذي خان المسيح ، فلا بد من الوقوف على عدد التلاميذ الذين وقفوا على قاعدة الإيمان من يومهم الأول وحتى يومهم الأخير ،
بمعنى أنهم إذا كانوا عند البداية اثنا عشر تلميذا ، فيجب أن يكونوا عند الخاتمة إحدى عشر تلميذا ، على اعتبار أن منهم خائن واحد.
جاء في إنجيل مرقس أن المسيح ( عين اثني عشر ليلازموه ويرسلهم ليبشروا ، وتكون لهم سلطة على طرد الشياطين ) (3) فعلى هذا يكون عند المقدمة اثني عشر تلميذا ، فإذا نظرنا عند الخاتمة يوم القيامة ، نجد أنهم لم ينقصوا تلميذا واحدا ، جاء في إنجيل متي أن المسيح قال للتلاميذ ( الحق أقول لكم ، إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد ، متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده ، تجلسون أنتم أيضا على اثني عشر كرسيا ، تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر ) (4) ، قال صاحب سيرة المسيح في تفسيره : أجاب المسيح بما يفيد أنهم ينالون
---------------------------
(1) إنجيل يوحنا 17 / 6 ـ 10.
(2) يوحنا 17 / 24.
(3) مرقس 13 / 3 ـ 15.
(4) متي 19 / 27 ـ 0 3.
ابتلاءات الامم _ 163 _
التفاتا خصوصيا من العناية الإلهية في هذه الدنيا ، ثم في الدهر الآتي يرثون الحياة الأبدية (1).
فوفقا لهذه الأصول لا يوجد خائن بين التلاميذ الذين آمنوا بالله ورسوله ، وأشهدوا الله ورسوله بأنهم مسلمين كما جاء في القرآن ، والذين عملوا بكلمات الله ، وقبلوا ما أوصى الله به المسيح كما ذكرت الأناجيل ، وبشهادة الإنجيل إنهم عند البداية كانوا اثنا عشر تلميذا.
وعند الخاتمة يدين الاثني عشر تلميذا أسباط إسرائيل الاثني عشر.
ويرثون مع المسيح الحياة الأبدية ، فأين الخائن الذي وضعوا على عاتقه قصة الصلب وعلى الصلب نشأت المذاهب والفرق ، هناك نص في إنجيل لوقا يقول : ( ودخل الشيطان في يهوذا الملقب بالإسخريوطي وهو في عداد الاثني عشر ) (2).
ولكن هذا يعارضه ما جاء في إنجيل مرقس أن المسيح ( عين اثني عشر ليلازموه ويرسلهم ليبشروا ، وتكون لهم سلطة على طرد الشياطين ) (3) ، فكيف تكون ليهوذا الإسخريوطي سلطة على طرد الشياطين أعطاها له المسيح ، وبهذه السلطة مارس الدعوة والتبشير تحت رعاية المسيح ، ثم يخترقه الشيطان بعد ذلك فيقوم بتسليم المسيح لأعدائه ، فيجردوه من ثيابه ويسخرون منه ويبصقون عليه كما ذكر في الإنجيل ، ورغم المقدمة التي فتحها يهوذا وما ترتب عليها من نتائج صدت عن سبيل الله ، ومزقت أمة النصارى إلى فرق وأحزاب ، تحدثنا نصوصا أخرى بأن يهوذا (وهو ضمن الاثني عشر تلميذا) دعا له المسيح دعاء ينال به التفاتة خصوصية من العناية الإلهية في هذه الدنيا ، ويرث به الحياة الأبدية بعد أن يدين التلاميذ الاثني عشر أسباط إسرائيل الاثني عشر.
---------------------------
(1) سيرة المسيح / ط كنيسة قصر الدوبارة القاهرة ص 402.
(2) لوقا 22 / 4.
(3) مرقس 3 / 15.
ابتلاءات الامم _ 164 _
من هذه النصوص نرى أن المقدمة لا تنسجم مع النتيجة ، ونرى أن اختيار المسيح ليهوذا وإعطائه السلطة على طرد الشياطين منذ البداية ، ثم اختراق الشيطان ليهوذا بعد ذلك ، نرى أن هذا في حد ذاته يهدم قولهم بألوهية المسيح ، لأن العلم ووضع الشئ في محله قد اهتز اهتزازا كبيرا في دائرة يهوذا الإسخريوطي في حياته الدنيا ، وأن العدل قد اهتز اهتزازا كبيرا في دائرته في الحياة الأبدية ، ولا ندري كيف يجلس يهوذا ضمن الاثني عشر تلميذا ليدين أسباط إسرائيل الاثني عشر على اختلافهم وتفرقهم من بعد ما جاءهم العلم ، في الوقت الذي فيه يهوذا عمودا فقريا لاختلاف النصارى وتفرقهم بعد أن جاءهم العلم.
وإذا نظرنا في القرآن الكريم وتدبرنا آياته الكريمة ، نجد أن الله تعالى امتدح الحواريون في أكثر من موضع ، واعتبر شهادتهم حجة على المسيرة الإسرائيلية ، وحاذى سبحانه بين قاعدة الحواريين وبين قاعدة الذين آمنوا في الدعوة الخاتمة على نبيها الصلاة والسلام ، وفي آيات أخرى ، ربط الحواريين والذين آمنوا في الدعوة الخاتمة برباط واحد هو رباط الشهادة لله ،أما المحاذاة بين الحواريين وبين الذين آمنوا ، ففي قوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله ، قال الحواريون نحن أنصار الله) (1) ، والمراد بنصرتهم لله ، أن ينصر الذين آمنوا النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم ، في سلوك السبيل الذي يسلكه إلى الله على بصيرة ، ثم جاءت محاذاة الحاضر بالماضي في الدعوة الإلهية ، فقال تعالى : (كما قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله ، قال الحواريون نحن أنصار الله) ومعنى أن الحواريين أنصار الله ، أي أنهم أنصارا لعيسى
---------------------------
(1) سورة الصف آية 14.
ابتلاءات الامم _ 165 _
عليه السلام في سلوك سبيل الله وتوجهه إلى الله ، وهو التوحيد وإخلاص العبادة لله.
وأما ربط الحواريين والذين آمنوا برباط واحد هو رباط الشهادة لله ، ففي قوله تعالى : (قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون ، ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين) (1) ابن كثير في تفسيره : أن الشاهدين هم أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم (2) ، والشاهدين ذكروا في أكثر من موضع بالأناجيل.
وأفاض سفر الرؤيا في أوصافهم ، وتفسيرات علماء أهل الكتاب كلها تشير إلى أنهم الأمة الخاتمة ، ومنهج هذه الأمة بينه (الأمين الصادق) كما جاء في سفر الرؤيا ، بأنه يقدم الذهب النقي الذي صفته النار ، ويقدم الثياب البيضاء التي تستر العري
المعيب ، والكحل الذي يشفي العينين فيعود إليهما البصر من جديد.
وبهذا تنسجم المقدمة مع النتيجة ، تنسجم خاتمة دعوة إلهية إلى بني إسرائيل مع مقدمة دعوة إلهية للبشرية جمعاء ، وعلى هذا يمكن القول أن مقدمة التلميذ الخائن الذي وهبه الله للمسيح ، ثم صد عن سبيل الله بعد ذلك ، لا تنسجم مع النتيجة التي جاءت في النصوص الكتابية ، وعلى هذا الضوء يسقط الاتهام الذي تم توجيهه إلى قاعدة الحواريين.
سارت دعوة المسيح عليه السلام بين الصخور وبين القلوب القاسية لتقيم حجتها ، وعلى امتداد الطريق تعددت الأعداء ، وتحالف
---------------------------
(1) سورة آل عمران آية 52.
(2) تفسير ابن كثير 365 / 1.
ابتلاءات الامم _ 166 _
اليهود مع خصومهم من الهيرودسيين أنصار الملك هيرودس ، لكي يمسكوا المسيح بكلمة تدينه أمام السلطة الرومانية ، يقول إنجيل مرقص ( أرسلوا إليه بعضا من الفريسيين ومحازبي هيرودس لكي يوقعوه بكلمة يقولها ، فجاؤوا وقالوا له : يا معلم نحن نعلم أنك صادق ولا تبالي بأحد لأنك لا تراعي مقامات الناس ، بل تعلم طريق الله بالحق ، أيحل أن تدفع الجزية للقيصر أم لا ؟ أندفعها أم لا ندفع ؟ ولكنه إذ علم ريائهم قال لهم : لماذا تجربونني ؟ احضروا إلى دينارا لأراه ، فأحضروا إليه دينارا ، فسألهم : لمن هذه الصورة وهذا النقش ؟ فقالوا له : للقيصر ، فرد عليهم قائلا : اعطوا ما للقيصر للقيصر وما لله لله ، فذهلوا منه ) (1).
فلقد تظاهر جنود الملك بالتدين ودخلوا مع الفريسيين أشد فرق اليهود تعصبا في دائرة واحدة ، وانطلقوا إلى المسيح عليه السلام يحملون إليه سؤالا يقوم عليه اقتصاد الدولة الرومانية ، وكانوا بهذا السؤال يريدون أن يوقعوا بالمسيح عليه السلام في شباكهم ليسلموه إلى الحاكم ، بحجة أنه يناهض النظام ويضرب اقتصاده في مقتل ، ولكن المسيح تفادى الصدام مع أصحاب القلوب القاسية بالإجابة التي أذهلتهم.
وعلى هذا المنوال بدأت التحالفات بين اليهود وبين خصومهم لاصطياد المسيح عليه السلام ، وعندما ضاقت الحلقات ، بدأ المسيح عليه السلام يخبر بالغيب عن ربه جلا وعلا ، فحدث اليهود بما سيفعلوه للفتك به وكيف سينجيه الله من أيديهم ، وحدث التلاميذ
بأنه سيبقى معهم وقتا قليلا وإنهم لن يقدروا أن يذهبوا معه إلى حيث يذهب ، وقال لهم إن عنده أمور كثيرة يريد أن يتحدث معهم فيها.
ولكن الوقت لن يسعفه لإتمام ذلك ، وسوف يرسل الله إليهم ، المحمد.
---------------------------
(1) مرقص 12 / 13 ـ 17.
ابتلاءات الامم _ 167 _
أو المحمود ، روح الحق الذي يرشد إلى الحق كله ، لأنه لا يقول شيئا من عنده ، بل يخبر بما يسمعه ، وتفصيل أقوال المسيح لليهود وللتلاميذ بين دفتي الأناجيل.
فعندما اشتد صد اليهود عن سبيل الله ، وبدأوا يعدون العدة للفتك بالمسيح ، قال لهم المسيح ( أنا باق معكم وقتا قليلا ، ثم أعود إلى الذي أرسلني ، عندئذ تسعون في طلبي ولا تجدونني ، ولا تقدرون أن تذهبوا إلى حيث أكون ) (1) ، ومن الطبيعي أن اليهود لا يستطيعون الصعود إلى السماء ، وبعد أن أخبر المسيح عليه السلام اليهود بأمور مستقبلية ، قال لتلاميذه ( يا أولادي الصغار ، سأبقى عندكم وقتا قصيرا بعد ، ثم تطلبونني ، ولكني أقول لكم ما سبق أن قلته لليهود ، إنكم لا تقدرون أن تأتوا حيث أنا ذاهب ، وصية جديدة أنا أعطيكم ، أحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم أنا ، تحبون بعضكم بعضا ، بهذا يعرف الجميع إنكم تلاميذي إن كنتم تحبون بعضكم بعضا ، فسأله سمعان بطرس : يا سيد أين تذهب ؟ أجابه يسوع : لا تقدر أن تتبعني الآن حيث أذهب ولكنك ستتبعني فيما بعد ) (2) أي أنه لن يقدر أن يتبعه فيما ستسفر عنه الأحداث ، حيث ينتهي الأمر بكف الله أيدي اليهود عن المسيح.
ورفعه إليه ، وهذا معنى قوله ( لا تقدر أن تتبعني الآن ) ثم أخبره بأنه سيتبعه فيما بعد في الحياة الأبدية يوم القيامة ، ولا يخلو النص من الإشادة بالاثني عشر ، ومعنى أن المسيح يحبهم ويأمرهم بحب بعضهم بعضا ، أن طريق الخيانة مغلق على
هذا الدرب.
ويذكر القرآن الكريم ، أن الله تعالى أخبر المسيح عليه السلام بعملية الرفع التي تحدث بها مع اليهود ومع التلاميذ فيما بعد ، قال
تعالى : ( إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ) (1) ، قال المفسرون : المراد بالتوفي هنا النوم ، كما قال تعالى ( وهو الذي يتوفاكم بالليل ) (2) .
وروي أن النبي (ص) كان يقول إذا قام من النوم ( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا ) (3) ، والمراد بالرفع إلى الله: أي رفعه إلى السماء ، إذ لا مكان لله من سنخ الأمكنة الجسمانية ، والآية من قبيل قوله تعالى في ذيل الآية ( ثم إلي مرجعكم ) ، فالمراد برفعه إليه : رفعه بروحه وجسده حيا إلى السماء لأنها محل نزول البركات وسكن الملائكة المكرمين ، ومعنى قوله ( ومطهرك من الذين كفروا ) أي : إبعاده من الكفار وصونه عن مخالطتهم والوقوع في مجتمعهم المتقذر بقذارة الكفر والجحود ، ومعنى قوله ( وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ) فالمراد باتباعه : هو الاتباع على الحق ، الاتباع المرضي لله سبحانه ، وعلى ذلك يكون الذين اتبعوه هم الحواريين والمستقيمين من النصارى قبل ظهور الإسلام ، كما أن المسلمين بعد ظهور الإسلام أتباعه على الحق ، قال في الميزان : ومحصل الآية ، أن متبعيك من النصارى والمسلمين ستفوق حجتهم على حجة الكافرين بك من اليهود إلى يوم القيامة ) (4).
فبعد هذا البيان الوافي الشافي ، بدأ المسيح عليه السلام يحدث الجميع بما ستنتهي إليه الأحداث ، وأخبرهم بأنهم لن يقدروا أن يتبعوه حيث يذهب ، وقال لتلاميذه أنهم سيتبعوه فيما بعد ، سيتبعوه بالحجة الدامغة التي تفوق حجة الذين كفروا إلى يوم
القيامة ، ثم يتبعوه في
---------------------------
(1) سورة آل عمران آية 55.
(2) سورة الأنعام آية 60.
(3) تفسير ابن كثير 366 / 1.
(4) الميزان 208 / 3.
ابتلاءات الامم _ 169 _
الحياة الأبدية بعد أن يفصل الله بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون.
ولأن معجزة الرفع إلى السماء سيكفر بها البعض وسيتأولها البعض الآخر ويضعها في غير موضعها ، ولأنه على طريق هذه المعجزة فتن عديدة صنعها اليهود وتنتهي جميعا إلى الدجال ، فإن من عدل الله ورحمته أنه أقام الحجة داخل الحي اليهودي.
فجاءهم المسيح بالعلم الذي يبين بداية ونهاية المعجزة ، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة ، والله تعالى أوجب على نفسه فتح الطريق لعباده وهدايتهم إليه ، وهو قوله تعالى : ( وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شئ عليم ) (1) ، ولما كان الحواريون في الصدارة من بعد المسيح ، فلقد أخبرهم المسيح بأنهم سيشاهدون معجزة الرفع ليحدثوا الذين آمنوا بالحقيقة عندما يرى الناس الشبيه على الصليب ، وجاء في إنجيل يوحنا أن المسيح قال للتلاميذ وهو يعدهم للقيام بالدعوة ( الحق الحق أقول لكم : إنكم سترون السماء مفتوحة ، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان ) (2) فهذا النص يفيد أنهم كانوا في بعض الأوقات يشاهدون نزول الملائكة بالوحي على امتداد البعثة ، ثم شاهدوا معجزة الرفع التي تنسجم مع طريق نزول الوحي على المسيح ، ليردوا الوحي والرفع إلى قدرة الله تعالى وهم يبينون للناس حقيقة الأحداث التي تجري حولهم ، فلا يسقط في فتنتها إلا الذين صنعوا الفتن من القاسية قلوبهم ومن شابههم.
وذكر الإنجيل أن المسيح بشر قبل رفعه (بالمعزي) الذي سيرسله الله ليشهد الشهادة الحق ، التي يشهدها التلاميذ للمسيح.
لتفوق حجتهم على حجة الكافرين به إلى يوم القيامة ، ذكر يوحنا أن المسيح
قال : ( وعندما يأتي المعزي ... روح الحق ) (1) ( فهو يؤدي إلي الشهادة وتؤدونها لي أنتم أيضا ، لأنكم معي من البداية ، قلت لكم هذا لكي لا تتزعزعوا ، ستطردون خارج المجامع ، بل سيأتي وقت يظن فيه من يقتلكم أنه يؤدي خدمة لله ) (2) ، ( قلت لكم هذا حتى متي جاء وقت حدوثه تذكرون أنه سبق أن أخبرتكم به ، ولم أقل لكم هذا منذ البداية لأني كنت معكم ، أما الآن فإني عائد إلى الذي أرسلني ولا أحد منكم يسألني : أين تذهب ؟ عندما أخبرتكم بهذا ملأ الحزن قلوبكم ، ولكني أقول لكم الحق : من الأفضل لكم أن أذهب ، لأني إن كنت لا أذهب ، لا يأتيكم المعزي ... وعندما يجئ يقدم للعالم البرهان على الخطيئة وعلى البر وعلى الدينونة ) (3) ( ما زال عندي أمور كثيرة أقولها لكم ، ولكنكم الآن تعجزون عن احتمالها ، ولكن عندما يأتيكم روح الحق ، يرشدكم إلى الحق كله ، لأنه لا يقول شيئا من عنده ، بل يخبركم بما يسمعه ، ويطلعكم على ما سوف يحدث ) (4).
و (المعزي) الذي بشر به المسيح قبل رفعه إلى السماء ، ترجمة للكلمة الإغريقية ( البارقليط ) ومعناها في قاموس اللغة اليونانية : ( المعزي ، المحامي ، الشفيع ، المحمد ، المحمود ) وورد اسم ( بار قليط ، فارقليط ، باراكليت ، والمعزي ، والمحامي ، والمؤيد ، في تراجم إنجيل يوحنا ) ويقول الدكتور / حجازي السقا : والحق أن المسيح نطق لفظ ( بيرقليط ) وهو يترجم : أحمد ، ويقول النصارى أن المسيح نطق ( باراقليط ) وعلى ذلك فليس هو أحمد.
أي أن الخلاف في الكسرة والفتحة ، فعلى الكسرة يكون اسم أحمد ، وعلى الفتحة لا يكون اسم
---------------------------
(1) المصدر السابق 15 / 26.
(2) المصدر السابق 16 / 1 ـ 3.
(3) المصدر السابق 16 / 4 ـ 9.
(4) المصدر السابق 16 / 12.
ابتلاءات الامم _ 171 _
أحمد ، بل صفته هي المعزي ، وهم يعتمدون رواية الفتحة ، ثم قدم الدكتور حجازي السقا الدليل على أن بيريكليت اسم والاسم هو أحمد.
فمن أراد الوقوف على هذا البحث فعليه بمصدره (1).
لقد بشرهم عيسى عليه السلام بالمعزي ، أو بالمحامي الذي يدافع عن الفطرة ويشهد الشهادة الحق في أحداث يعجزون عن احتمالها ، وعندما بعث النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم قال ( أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الأولى والآخرة ) (2) وقال ( أنا أولى الناس بابن مريم ، الأنبياء أولاد علات ، وليس بيني وبينه نبي ) (3) وفي لسان العرب في معنى ( أولاد علات ) أي إنهم لأمهات مختلفة ودينهم واحد.
وبنو العلات : بنو رجل واحد من أمهات شتى (4).
وبشرهم المسيح بالمعزي أو بأحمد أو بالمحمود أو بالشفيع روح الحق ، الذي يرشدهم إلى الحق كله ، لأنه لا يقول شيئا من عنده ، فما من شفيع إلا بعد إذن الله تعالى ، قال تعالى : ( ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه)
(5) ، وقال : ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) (6) ، وقال : ( ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ) (7) ، و قال : ( لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ، وقالوا اتخذ الله ولدا ، لقد جئتم شيئا إدا ، تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا ، إن دعوا للرحمن ولدا ، وما ينبغي للرحمن أن يتخذ
---------------------------
(1) أنظر كتاب نقد التوراة / د . حجازي السقا ص 207 وما بعدها.
(2) رواه مسلم (الصحيح 96 / 7).
(3) رواه مسلم (الصحيح 96 / 7).
(4) لسان العرب مادة علل ص 3080.
(5) سورة يونس آية 3.
(6) سورة البقرة آية 255.
(7) سورة سبأ آية 23.
ابتلاءات الامم _ 172 _
ولدا ، إن كل من في السماوات والأرض إلا أتى الرحمن عبدا ، لقد أحصاهم وعدهم عدا ، وكلهم آتيه يوم القيامة فردا.
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ، فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا ، وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا) (1).
وبعد أن بشرهم المسيح عليه السلام ، رفع عينيه نحو السماء وقال ( أنا مجدتك على الأرض وأنجزت العمل الذي كلفتني ) (2) ( أظهرت اسمك للناس الذين وهبتهم لي من العالم ، كانوا لك فوهبتهم لي ، وقد عملوا بكلمتك وعرفوا الآن أن كل ما وهبته لي فهو منك ، لأني نقلت إليهم الوصايا التي أوصيتني بها فقبلوها ... وآمنوا إنك أرسلتني من أجل هؤلاء أصلي إليك ) (3).
وبتحذير المسيح من الذين يدعون النبوة ، وبتبشيره بروح الحق الذي يرسله الله إلى العالم قبل يوم القيامة ، تنتهي دعوة المسيح عليه السلام في بني إسرائيل ، وإذا كان العهد القديم قد انتهى بتبشير ملاخى ( هانذا أرسل إليكم إيليا النبي قيل يوم
الرب اليوم العظيم المخوف ، فيرد قلب الآباء على الأبناء وقلب الأبناء على آبائهم لئلا آتي وأخرب الأرض بلعن ) (4) فإن العهد الجديد انتهت آخر بشاراته بالمعزي فأخبرهم المسيح عليه السلام بأن المعزي سيطلعهم على ما سوف يحدث.
وعندما بعث النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم قال له تعالى : ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في
---------------------------
(1) سورة مريم آية 87.
(2) يوحنا 17 / 5.
(3) استثنى النص يهوذا ، ولقد بينا أن الخائن لا وجود له في نصوص أخرى.
(4) ملاخى 4 / 5 ـ 6.
ابتلاءات الامم _ 173 _
الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ) (1) وقال : ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ، أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ) (2) ، إلى آخر هذه الآيات التي ضرب الله فيها الكافرين والظالمين بلعن ، بعد أن كفروا وكذبوا واستكبروا ولم يؤمنوا بالبعثة الخاتمة ، التي جعلها الله تعالى رحمة للعالمين ، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ، يهودي أو نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به ، إلا كان من أصحاب النار ) (3).
بعد أن تكاتفت مؤسسات الباطل من أجل الصد عن سبيل الله ، بلغت الأحداث ذروتها برفع المسيح عليه السلام ، ليكون رفعه آية للذين يؤمنون بأن القوة جميعا لله ، ويكون في الرفع عقوبة للذين ختم الله على قلوبهم وعلى أسماعهم وعلى أبصارهم جزاءا بما
قدموا ، لتلقى بهم العقوبة في طريق الضنك حتى ينتهي بهم المقر ، تحت أعلام المسيح الدجال آخر الزمان ، ورفع المسيح عليه السلام جاء ذكره في مزامير داوود وهو يخبر بالغيب عن ربه ، قال ( لأنك قلت أنت يا رب ملجئي ، لا يلاقيك الشر ولا تدنو ضربة من خيمتك ، لأنه يوصي ملائكته بك ليحفظوك في كل طرقك ، على الأيدي يحملونك لئلا تصدم بحجر رجلك ) (4) ، وذكر تعالى في القرآن الكريم أنه حفظ المسيح عليه السلام
---------------------------
(1) سورة البقرة آية 159.
(2) سورة النساء آية 51.
(3) رواه مسلم (الصحيح 93 / 1).
(4) مزامير 91 / 9 ـ 10.
ابتلاءات الامم _ 174 _
على امتداد دعوته ، وذلك في قوله تعالى : ( إذ قال الله يا عيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس ) ـ إلى قوله تعالى ـ ( وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين ) (1).
وقال تعالى في رفع المسيح عليه السلام ( فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا ، وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما ، وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله ، وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا ، بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما ) (2).
ومن هذه الآيات نعلم
( أولا ) : أن المسيح عليه السلام لم يتوف بأيديهم لا صلبا ولا غير مصلوب ، بل شبه لهم ، أي أخذوا غير المسيح عليه السلام فقتلوه أو صلبوه
( ثانيا ) إن الذين اختلفوا في عيسى أو في قتله لفي شك منه ، والشك نقيض اليقين
( ثالثا ) إن ما قالوه ترجع أصوله إلى الظن ، أي إلى التخمين ، وقوله تعالى : ( وما قتلوه يقينا ) أي ما قتلوه قتل يقين ، أو ، ما قتلوه أخبرك خبر يقين ( بل رفعه الله إليه ) أي إلى السماء ( وكان الله عزيزا حكيما ) ومعنى العزيز ، أي الممتنع فلا يغلبه شئ ، وقيل : هو القوي الغالب كل شئ ، ومعنى حكيما : أي الذي يحكم الأشياء ويتقنها ، فهو تعالى حكيم في جميع ما يقدره ويقضيه من الأمور وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة والسلطان العظيم.
---------------------------
(1) سورة المائدة آية 110.
(2) سورة النساء آية 155 ـ 158.
ابتلاءات الامم _ 175 _
ولما كان الله تعالى لا يظلم مثقال ذرة ، فإنه أقام الحجة على الذين شاهدوا شبيه المسيح على الصليب حتى لا يلتبس عليهم الأمر.
ويعتقدوا بأن الشبيه هو المسيح ، فلقد أوجب تعالى على تفسير أن يبين لعباده ما يتقون ، قال تعالى : ( وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ) (1) ، والمسيح عليه السلام وتلاميذه من بعده أقاموا الحجة على المسيرة أثناء الدعوة وعند ذروة الأحداث وبعدها ، ثم بعث النبي الخاتم (ص) وبين للناس الذي هم فيه مختلفون.
ومن بين فرق النصارى يوجد من يعتقد بأن المسيح عليه السلام لم يصلب وإنما صلب رجل آخر شبه به ، يقول بتراند راسل ( كانت طائفة الدوسيين قد ذهبوا إلى أن المسيح لم يكن هو الذي صلب ، بل بديل أشبه به ، وقد ظهر رأي مماثل لذلك في الإسلام ) (2).
وعند البحث عن القاعدة التي ينتسب إليها الشبيه الذي ألقي عليه شبه المسيح عليه السلام ، لا نجد إلا قاعدتين لا ثالث لهما ، إما أن يكون من الفريق الذي صد عن سبيل الله ، وأما أن يكون من التلاميذ الذين أقروا بنصرتهم للمسيح وسلكوا السبيل الذي يسلكه إلى الله ، فإذا افترضنا أن الشبيه ينتمي إلى الفريق الكافر بالدعوة ، نجد أن هذا الافتراض يؤدي إلى هدم الدعوة من رأس ، وذلك لأن الشبيه في هذه الحالة سيعلن على الذين أشرفوا على محاكمته وعلى الجموع بعد ذلك.
أنه ليس المسيح حتى يحاكموه ثم يصلبوه ، وقد يستغل شيوخ اليهود هذا الاقرار ، فيدمرون دعوة المسيح ويغرسون أعمدة دعوتهم على لسان الشبيه ، ويترتب على ذلك فتنة الذين آمنوا بالمسيح وانتصار الباطل على الحق وهذا محال ، لأن الرفع كان
بقدرة العزيز الحكيم الذي له الحكمة
---------------------------
(1) سورة التوبة آية 115.
(2) حكمة الغرب / بتراندراسل ص 242.
ابتلاءات الامم _ 176 _
البالغة والحجة الرافعة ، الحكيم في جميع ما يقدره ويقضيه من الأمور.
وبالجملة : لم يعلن الشبيه عن اسمه ولم يذكر في أي موطن من المواطن أنه ليس المسيح ، كما جاء في الأناجيل ، وعلى هذا فلا بد أن يكون الشبيه من القاعدة الثانية ، قاعدة التلاميذ ، الذين قالوا ( نحن أنصار الله ) وقالوا ( ربنا آمنا بما
أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ) (1) ويؤكد ذلك الأحاديث التي وردت في كتب التفسير ، ومنها ما روي أن المسيح عليه السلام قال لتلاميذه ( يا معشر الحواريين ، أيكم يحب أن يكون رفيقي في الجنة حتى يشبه للقوم في صورتي فيقتلوه ، فقام شاب من أحدثهم سنا فقال : أنا ، فقال له المسيح : هو أنت ذاك ، فألقى عليه شبه عيسى ، ورفع عيسى
من روزنة البيت إلى السماء ، وفي رواية ( وألقى عليه شبه عيسى حتى كأنه هو ، وفتحت روزنة من سقف البيت ، وأخذت عيسى عليه السلام سنة من النوم فرفع إلى السماء ) (2).
فإلقاء الشبه على واحد من التلاميذ فيه حفظ للدعوة ، لأن حركته على امتداد المحنة هي حركة التلميذ الذي امتحن الله قلبه بالإيمان ، فلن يتكلم ولن يتحرك إلا وفقا لتعاليم المسيح ، ووفقا لتوصياته التي تخص هذه المحنة بالذات ، لينجو الذين آمنوا ويسقط الذين كفروا في الفتنة.
ويمكن أن يصل الباحث إلى أن الذي صلب لم يكن المسيح عليه السلام ، إذا تدبر في الأحداث ودقق النظر في أقوال الشبيه ، ونحن سنلقي الضوء على حركة الرجل الذي صلب كما جاءت في الأناجيل.
وإذا كانت الأناجيل قد قدمتها على أساس أنها حركة المسيح ، فإن على الباحث أن يقرأها ويتدبرها على أساس أنها صادرة من الشبيه ، وفي
---------------------------
(1) سورة آل عمران آية 52.
(2) أنظر : تفسير ابن جرير وتفسير البغوي وتفسير ابن كثير في قوله تعالى : ( وما قتلوه وما صلبوه ).
ابتلاءات الامم _ 177 _
خاتمة المطاف سيقف الباحث على حقيقة مفادها أن الحركة كانت للشبيه ولم تكن للمسيح ، ومن العجيب أن الأحداث على امتداد المحنة ، حملت سؤالا واحدا ، توجه به مجلس الشيوخ المؤلف من رؤساء الكهنة والكتبة وتوجه به الحاكم بيلاطس إلى
الرجل الذي صلب ، وكان هذا السؤال يحمل صيغة واحدة هي : هل أنت المسيح ؟
ومن الأعجب أن رؤساء الكهنة والكتبة ، كانوا يعرفون المسيح ، فلقد شاهدوه في الهيكل وهو يلقي بمواعظه ، وتحدث إليهم وتحدثوا إليه في أكثر من مكان ، كما ذكرت الأناجيل (1) ، كما أن جنود الدولة كانوا يعرفونه أيضا ، وقد ذهبوا إليه وسهم بعض اليهود يسألونه عن الجزية.
هل يعطونها للدولة أم لا ، وكانوا يريدون من وراء ذلك أن يوقعوه تحت عقوبة مناهضة السلطة الرومانية ، ولقد أجابهم المسيح يومئذ بقوله ( ما لقيصر لقيصر وما لله لله ) كما ذكرت الأناجيل (2).
وتبدأ الأحداث أن رؤساء الكهنة والفريسيون بعد أن عقدوا العزم على القبض على المسيح عليه السلام ، بعثوا إليه بمجموعة وأوكلوا إليها هذا العمل ، وذكرت الأناجيل أن يهوذا الخائن كان معهم ، ويذكر إنجيل يوحنا أنهم عندما اقتربوا من المسيح ( تقدم نحوهم وقال : من تريدون ؟ أجابوه : يسوع الناصري ، فقال لهم : أنا هو ) ( فلما قال أنا هو ، تراجعوا وسقطوا على الأرض ) (3) من هذا النص نعلم أن رؤساء الكهنة بعثوا بمجموعة للقبض على المسيح لم يكن فيها أحدا يعرف
---------------------------
(1) أنظر : دخول المسيح إلى أورشاليم (متي 21 / 1 ـ 17) ، وتوبيخه للفريسيين وعلماء الشريعة (لوقا 11 / 37 ـ 54) ومحاولة اليهود رجم المسيح (يوحنا 10 / 21 ـ 39) ، طرد الباعة من الهيكل (متي 21 / 12 ـ 17 ، مرقس 11 / 15 ـ 18 ، لوقا 19 / 45).
(2) أنظر (متي 22 / 15 ـ 12 ، مرقس 12 / 13 ـ 17 ، لوقا 20 / 20 ـ 26).
(3) يوحنا 18 / 4 ـ 7.
ابتلاءات الامم _ 178 _
المسيح وهو الذي ذاع صيته في الآفاق ، وشاهده الخاص والعام وهو يحاضر في الهيكل أو وهو يقدم معجزاته ، ولم يكن بين المجموعة من يعرف المسيح سوى تلميذه الخائن يهوذا ، ولكن النص لم يكشف السبب الذي أدى إلى تراجعهم وسقوطهم على الأرض ، وإذا تدبرنا ما حدث لهم نجد إما أن يكون المسيح عليه السلام قد رفع في هذه اللحظة فأصابتهم الدهشة وتراجعوا وسقطوا على الأرض ، وإما أن يكون شبيه المسيح هو الذي تقدم نحوهم وقال لهم : من تريدون ؟ وبين قولهم : يسوع الناصري ، وقوله : أنا هو ، بدأت تتغير ملامحه لتشبه ملامح المسيح ، فتراجعوا وسقطوا على الأرض من هول المفاجأة ، في الوقت الذي كان المسيح عليه السلام قد رفع فعلا ، وبالجملة : إما أنهم شاهدوا عملية الرفع وأعقبها مباشرة وجدوا أنفسهم أمام الشبيه ، وعلى هذا ظل الشك رداءا لهم على امتداد الأحداث ، وإما أن شاهدوا التلميذ أولا ثم شاهدوا تغيير ملامحه بعد ذلك ، فلبسهم الشك على امتداد الأحداث ، وفي كل من الصورتين تقام الحجة عليهم وعلى من خلفهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.
عقب القبض على شبيه المسيح ، كان الشك عنوانا رئيسيا في كل محاكمة وقف أمامها الشبيه ، جاء في إنجيل متي ( وانعقد المجلس اليهودي الأعلى بحضور رؤساء الكهنة والشيوخ كلهم ، وبحثوا عن شهادة زور على المسيح ليحكموا عليه بالموت ، ولكنهم لم يجدوا ... أخيرا تقدم اثنان وقالا : هذا قال : إني أقدر أن أهدم هيكل الله وأبنيه في ثلاثة أيام ، فوقف رئيس الكهنة وسأله : أما تجيب بشئ على ما يشهد به هذان عليك ؟ ولكن يسوع ظل صامتا فعاد رئيس الكهنة يسأله قال : أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا : هل أنت المسيح ؟! فأجابه يسوع : أنت قلت ، وأقول لكم أيضا إنكم منذ الآن سوف ترون ابن الإنسان
ابتلاءات الامم _ 179 _
جالسا عن يمين القدرة ، ثم آتيا على سحب السماء ، (1) ، وقوله جالسا عن يمين القدرة فيه إشارة إلى رفع المسيح بقدرة الله إلى السماء ، وقوله ( ثم آتيا على سحب السماء ) فيه إشارة إلى نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان ، وروي أن النبي الخاتم (ص) قال وهو يبين قتال آخر الزمان بين جند الحق وبين جند الباطل ( ... فيقول بعض المؤمنين لبعض : ما تنتظرون أن تلحقوا بإخوانكم في مرضاة ربكم ، من كان عنده فضل طعام فليعد به على أخيه ، وصلوا حتى ينفجر الفجر وعجلوا الصلاة ثم أقبلوا على عدوكم ، ثم تأخذهم ظلمة لا يبصر أحدهم كفه ، فينزل ابن مريم ، فيحسر عن أبصارهم وبين أظهرهم رجل عليه لأمة (2) ، فيقولون من أنت ؟ فيقول : أنا عبد الله وكلمته عيسى ... ) (3) وروي أن المسيح سينزل واضعا كفيه على أجنحة ملكين (4).
ومن الدليل أن الشبيه كان يتنبأ بنزول عيسى عليه السلام أنه عندما أخبرهم بمجئ المسيح على سحب السماء ، يذكر إنجيل متي ، أنهم ضربوه ولطمه بعضهم قائلين ( تنبأ لنا أيها المسيح من ضربك ) (5).
وظل الشك رداءا للقوم على امتداد الليل ، ويقول لوقا في إنجيله ( ولما طلع النهار ، اجتمع مجلس شيوخ الشعب المؤلف من رؤساء الكهنة والكتبة وقالوا : إن كنت أنت المسيح فقل لنا !! فقال لهم : إن قلت لكم لا تصدقون ، وإن سألتكم لا تجيبوني ، ألا إن ابن الإنسان من الآن سيكون جالسا عن يمين قدرة الله ) (6) ...
---------------------------
(1) متي 26 / 60 ـ 64.
(2) لأمة / أي درع ، ويقال سلاح.
(3) رواه الطبراني وابن عساكر (تواتر أحاديث نزول المسيح ص 253).
(4) رواه الطبراني وابن عساكر (التواتر ص 164) (تفسير ابن كثير 583 / 1).
(5) متي 26 / 68.
(6) لوقا 22 / 66 ـ 70.
ابتلاءات الامم _ 180 _
وفي هذا النص سألوه : إن كنت أنت المسيح فقل لنا ، فكان رده ( إن قلت لكم لا تصدقون ) والشبيه على امتداد محاكمته لم يقل أنه المسيح ، فكانوا إذا سألوه هل أنت المسيح ؟ قال لمن سأله ( أنت قلت ) لكنه هنا يقول لهم : إن قلت لكم لا تصدقون.
ثم انتقلوا به من الحي اليهودي إلى مقر الحاكم بيلاطس.
يقول إنجيل متي ( ووقف يسوع أمام الحاكم فسأله الحاكم : أأنت ملك اليهود ؟ أجابه : أنت قلت ، وكان رؤساء الكهنة والشيوخ يوجهون ضده الاتهامات وهو صامت لا يرد ، فقال له بيلاطس : أما تسمع ما يشهدون به عليك ، لكن يسوع لم يجب الحاكم ولو بكلمة حتى تعجب الحاكم كثيرا ) (1).
وعندما علم بيلاطس أن المسيح تابع وفقا لتقسيم الدولة لسلطة هيرودس ، أحاله اليه ، وكان هيرودس في أورشاليم وقتئذ.
وذكر إنجيل لوقا بأنه كان في اشتياق لرؤية المسيح ليشاهد معجزاته ، وقال ( من هو هذا الذي أسمع عنه مثل هذه الأمور ، وكان يرغب في أن يراه ) (2) وعندما وقف الشبيه في حضرة هيرودس طلب منه أن يرى آية ما تجري على يديه.
ولكن الشبيه لا يستطيع أن يقدم معجزة لأنه تلميذا للمسيح عليه السلام ، والمسيح وحده هو الذي يحيي الموتى بإذن الله ويشفي المرضى بإذن الله ، يذكر إنجيل لوقا ( ولما رأى هيرودس يسوع فرح جدا لأنه كان يتمنى من زمان طويل أن يراه بسبب سماعه الكثير عنه ، ويرجو أن يرى آية ما تجري على يديه ، فسأله في قضايا كثيرة ، أما هو فلم يجبه عن شئ ، ووقف رؤساء الكهنة والكتبة يتهمونه بعنف ، فاحتقره
هيرودس وجنوده وسخر منه ) (1).
وفي هذا النص كفاية على أن الذي تحدث معه هيرودس لم يكن المسيح عليه السلام ، وإنما كان شبيهه ، فهيرودس كان يتمنى أن يرى المسيح ، ويرجو أن يرى آية ، والله تعالى أيد المسيح عليه السلام بأكثر من آية ، وكان عليه السلام تجري معجزاته في المدن ويوبخ الذين شاهدوها ولم يتوبوا ، يقول متي في إنجيله ( ثم بدأ يسوع يوبخ المدن التي جرت فيها أكثر معجزاته لكون أهلها لم يتوبوا ) (2) وهيرودس سأل آية ، ومن تعاليم المسيح قوله كما جاء في إنجيل مرقس ( ليس الأصحاء هم المحتاجين إلى طبيب بل المرضى ، ما جئت لأدعو أبرارا بل خاطئين ) (3) وكان يقول كما جاء في إنجيل متي ( ما رأيكم في إنسان قد جاء لكي يخلص الهالكين ، ما رأيكم في إنسان كان عنده مئة خروف فضل واحد منها ، أفلا يترك التسعة والتسعين في الجبال ، ويذهب يبحث عن الضال ، الحق أقول لكم : إنه إذا وجده فإنه يفرح به أكثر من فرحه بالتسعة والتسعين التي لم تضل ) (4) فوفقا لهذه النصوص لا يوجد مانع يحول بين هيرودس وبين ما يرجو أن يراه على أيدي المسيح عليه السلام ، والدعوة الإلهية في عصر النبوة تفتح للآيات طرقا عديدة ليؤمن الناس بما وراء المعجزة ، ولكن ما حدث في وجود هيرودس وجليسه يدعو إلى العجب ، فهيرودس الذي قال عن المسيح يوما ( من هو هذا الذي أسمع عنه هذه الأمور ، وكان يرغب في أن يراه ) (5).
وعندما رآه فرح جدا لأنه كان يرجو أن يرى آية ما تجري على
يديه ، وقد علم أن المسيح لن يحول بينه وبين طلبه ، لأنه جاء ليدعو الخطائين ويبحث عن الضالين ويقدم المعجزات ويوبخ الذين لم يؤمنوا مهما كان شأنهم ، لأنه صادق ولا يبالي بأحد لأنه لا يراعي مقامات الناس ، لأنه يعلم طريق الله بالحق ، ولكن النصوص أوردت نتيجة اجتماع هيرودس بالمسيح بما لا تستقيم مع المقدمة ، فهيرودس سأله في قضايا كثيرة ، أما هو فلم يجبه عن شئ ، ووقف رؤساء الكهنة والكتبة يتهمونه بعنف ، واحتقره هيرودس وجنوده وسخر منه ، وهذا الموقف الذي دثره الصمت ، لا يمكن أن يفهم إلا على أرضية شبيه المسيح ، لأن الشبيه لا يملك أن يقدم آية ، فالآيات لله يؤيد بها رسله وهم يقيمون الحجة على الناس ، والمسيح عليه السلام أقام حجته ورفعه الله إلى السماء ، وبعد المسيح عليه السلام اختبر الله تعالى القافلة الإسرائيلية الاختبار الذي يليق بخاتمة المسيرة ، بعد أن ابتلعت العديد من الفتن على امتداد الطريق.
لقد جلس شبيه المسيح في دائرة الصمت الذي لا يضر ، دائرة الصمت فيها والكلام محسوبان بدقة بالغة ، حتى لا تنهار الدعوة من رأس ، ولكن تفوق حجة الذين آمنوا على حجة الكافرين إلى يوم القيامة ، وكان عزاء الشبيه وهو يتلقى من الناس الأذى
والسخرية ، أنه ينصر دين الله ، ومن حوله صدى صوت المسيح عليه السلام عندما قال وهو يخاطب التلاميذ ( طوبى لكم متى أهانكم الناس واضطهدوكم وقالوا فيكم من أجلي كل سوء كاذبين ، افرحوا وتهللوا فإن مكافأتكم في السماوات عظيمة ، فإنهم هكذا اضطهدوا الأنبياء من قبلكم ) (1) ، والشبيه كان تحت جميع الضربات التي تم توجيهها إليه ، متعلقا بالثواب الذي سيناله في الآخرة ، فقد قال أمام الحاكم بيلاطس ( ليست مملكتي من