الفهرس العام

الفصل الخامس
فيما يدل على نفي الخطأ و الغلط و السهو و الشكّ و النسيان عن
النبيّ صلّى الله عليه و آله و الأئمّة عليهم السلام مطلقاً
من الأدلّة العقليّة و إن كان بعضها منضمّاً

الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن



   إلى مقدّمة نقليّة و ذلك وجوه :

   الأوّل :
   أنّه لو جاز شيء من ذلك عليهم لزم التنفير عنهم ، و عدمم قبول أقوالهم و أفعالهم و هو نقض للغرض ، و لا يقال : كيف يلزم التنفير و لم يحصل لمجوّزي السهو عليهم في العبادة ؟ لانّا نقول : تنفير الأكثر أو البعض كاف ، و هو معارض لوجوب العصمة ، مع أنّ من لا يقول بها لا ينفر منهم .
   و هذا الوجه استدلّ به السيد المرتضى (1) و غيره و أوردوا له نظيراً و هو : انّ عبوس الوجه عند حضور الطعام منفر عن أكله ، ومع ذلك ليس بمانع منه ، لأنّ

---------------------------
(1) تنزيه الأنبياء : 119 .

التنبيه بالمعلوم _ 110 _

   بعضهم يأكل و لا ينفر منه .

   الثاني :
   إنّا مأمورون باتّباع النبيّ صلّى الله عليه و آله [ و الإمام عليه السلام ] (1) ، و ترك الاعتراض عليهما ، فلو جاز الخطأوالسهو و النسيان ، لوجب متابعتهم ، و كنّا مأمورين به ، و الأمر باتّباع الخطأ قبيح ، ولا يرد الراوي و المفتي والشاهد ، لعدم عموم حكمهم ، و عدم اشتراط العصمة هناك .

   الثالث:
   انّ وجه الاحتياج إلى النبي صلّى الله عليه و آله و الإمام عليه السلام هو جواز الخطأ على الاُمّة ، فلو جاز عليهما لاحتاجا إلى نبي أو إمام لاشتراك العلّة ، و لزم الترجيح بلا مرجّح ، ثمّ أمّا أن يدور ، أو أن يتسلسل ، وهما باطلان كما تقرّر .

   الرابع :
   انّ تبليغ النبيّ صلّى الله عليه و آله و الإمام عليه السلام عبادة ، و عبادتهما تبليغ لما علم وجوب المبايعة (2) و كون فعلهما و قولهما حجّة ، و المقدّمتان قطعيّتان ، فلا سهو و لا نسيان .
   الخامس :
   انّه لو جاز عليهما الخطأ و النسيان لاحتاجا إلى الرعيّة لينهوهم

---------------------------
(1) ليس في ب .
(2) في ج : المتابعة .

التنبيه بالمعلوم _ 121 _

   الرابع و الثلاثون :
   انّ حديث جنود العقل والجهل ، وهو حديث الثاني المذكور سابقاً (1) يدلّ على انّه يمكن أن يترقّى غير المعصوم بسبب متابعة العقل ، و العمل بمقتضاة ، و كثرة العبادات ، و استعمال جنود العقل و اكتسابها إلى حدّّّّّّّ ينتفي عنه السهو و النسيان ، و قد ذكروا في حقّ كثير من الفصحاء و الفضلاء و العلماء نحو ذلك ، كما يظهر من كتب التواريخ و الرجال فمنهم عبدالكريم بن أحمد بن طاوس (2) المذكور في الرجال أنّه ما دخل سمعه قط شيء ، فكاد ينساه ، و غير ذلك ، فيلزم على قول من جوّز السهو على المعصوم أن يكون هذا القسم كلّهم أفضل منه و أحسن حالا ، فيستحيل تقدّمه عليهم لما مرّ .

   الخامس و الثلاثون :
   انّ كلّ فعل أو قول للنبيّ صلّى الله عليه و آله و الإمام عليه السلام حجّة و دليل على حكم من أحكام الشرع قطعاً ، و كلّ دليل يمتنع معه نقيض المدلول ، وإلا لم يكن دليلاً فقولهما و فعلهما يمتنع نقيضه و يستحيل كونه خطأ غير صواب ، و ذلك يستلزم العصمة و نفي السهو مطلقاً .

---------------------------
(1) تقدّمت تخريجاته في ص : 83 .
(2) هو الشريف النقيب غياث الدين عبدالكريم بن جلال الدين أحمد بن سعد الدين إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي عبدالله المعروف ( الطاووس ) ، ولد في الحائر الحسيني في شعبان سنة 648 هـ ، و نشأ في مدينة الحلة المزيدية حيث كانت موطن آبائه ، و توفّي بمشهد الإمام الكاظم عليه السلام سنة 693 هـ ، و حمل نعشه إلى النجف الأشرف حيث مرقد أمير المؤمنين عليه السلام و دفن هناك .
  قال عنه معاصروه : كان عالماً ، فقيهاً ، ذكياً ، امتاز بقوة حافظته ، فما دخل ذهنه شيء قط فنساه ، و حفظ القرآن و عمره إحدى عشرة سنة .
   ( راجع في ترجمته : مجمع الرجال 4 : 100 ، الحوادث الجامعة لابن الفوطي : 480 ) .

التنبيه بالمعلوم _ 122 _

   السادس و الثلاثون :
   كلّ دليل عقلي أو نقلي دلّ على العصمة و هو أكثر من أن يحصى ، و ناهيك بكتاب الألفين (1) و أمثاله ، و معلوم أنّ العصمة تستلزم نفي المعصية عمداً و سهواً ، و تستلزم نفي السهو و النسيان مطلقاً ، كما يتبادر إلى الفهم من معناها لغةَ و عرفاً ، و التفصيل لا يمكن فهمه منها قطعاً ، و دليله غير تام كما ستعرفه ان شاء الله .

---------------------------
(1) كتاب الألفين في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام للعلّامة الحلّي ، و الّذي ذكر فيه ما يقارب ألف و ثمانية و ثلاثون دليلاً في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام .

التنبيه بالمعلوم _ 123 _

الفصل السادس
في بيان بعض المفاسد المترتّبة على تجويز السهو على المعصوم عليه السلام

   و قد عرفت كثيراً من ذلك سابقاً ، و نذكرها هنا على وجه الاختصار إشارة إلى شيء من ذلك ، و نقتصر على اثني عشر .
   الأول : حطّ منزلته من القلوب ، وسقوط محلّه من النفوس ، ألا ترى أنّه منزّه عن الأمراض التي توجب ذلك من الجذام و البرص و غير ذلك ، و عن دناءة النسب ، و كفر الآباء و الاُمّهات ، و عن رؤية بوله و غائطه و نحو ذلك ممّا هو دون السهو في العبادة الموجب لنقصانها أو بطلانها و عدم قبولها .
   الثاني : احتياج المعصوم إلى رعيّته كما تقدّم .
   الثالث : عدم امكان الفرق بين السهو و النسخ .
   الرابع : عدم كون فعله و قوله حجّة مطلقاً و اشتباه التبليغ بغيره غالباً .
   الخامس : امكان وقوع المعصية ، وفعل المحرّم ، وترك الواجب سهواً ، وهو باطل إجماعاً من الإمامية .

التنبيه بالمعلوم _ 124 _

   السادس : اختصاص العصمة بوقت التبليغ ، و جواز المعصية قبله عمداً و سهواً ، و هو أوضح بطلاناً .
   السابع : وجوب أمر الرعيّة له بالمعروف ، و نهيهم إيّاه عن المنكر كما مرّ .
   الثامن : جواز كونه غير مقبول الشهادة في بعض الصور .
   التاسع : جواز قتله للمؤمنين ، بل المعصومين سهواً ، و ترك جهاد الكفّار نسياناً .
   العاشر : جواز تعدي الحدود سهواً .
   الحادي عشر : جواز الأمر بالمنكر و النهي عن المعروف في الصور الجزئية سهواً .
   الثاني عشر : جواز كون بعض رعيّته أفضل منه في بعض الصور ، فيلزم تقديم المفضول على الفاضل ، وهو باطل و الله تعالى أعلم .

التنبيه بالمعلوم _ 125 _

الفصل السابع
في ذكر شبهة من جوّز السهو على المعصوم في العبادة دون التبليغ

   و هي أخبار يسيرة معارضة بما هو أكثر منها و أقوى مع أنّها مضطربة محتملة للتأويل و الوجوه الكثيرة .
   روى الشيخ في التهذيب بسنده عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمد ، [ عن الحسين ](1) عن فضالة ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن أبي عبدالله عليه السلام في حديث يقول في آخره : إنّ رسول الله صلى الله عليه و آله سها فسلّم في ركعتين ، ثم ذكر حديث في الشمالين ، فقال : ثمّ قام فأضاف إليها ركعتين . (2)

---------------------------
(1) من المصدر .
(2) التهذيب 2 : 180 ح 724 مفصلاً ، الاستبصار 1 : 366 بحار الأنوار 17 : 101 ح 4 ، و للحديث صدر هو هكذا : قا ل : صلّيت بأصحابي المغرب ، فلمّا أن صلّيت ركعتين سلّمت ، فقال بعضهم : انّما صلّيت ركعتين فأعدت ، فأخبرت أبا عبدالله عليه السلام فقال : لعلك أعدت ؟ فقلت : نعم ، فضحك ثم قال : انّما كان يجزيك أن تقوم و تركع ركعة ، ان رسول الله صلى الله عليه و آله ...

التنبيه بالمعلوم _ 126 _

   و عن سعد ، عن محمد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير ، عن الحارث بن المغيرة النصري . عن أبي عبدالله عليه السلام في حديث قال : أليس قد انصرف رسول الله صلّى الله عليه و آله في ركعتين فأتمّ بركعتين . (1)
   و بإسناده عن أحمد بن محمد ، عن البرقي ، عن منصور بن العبّاس ، عن عمرو بن سعيد ، عن الحسن بن صدقة ، قال : قلت لأبي الحسن الأوّل عليه السلام : أسلّم رسول الله صلّى الله عليه و آله في الركعتين الأوّلتين ؟
   فقال : نعم .
   قلت : و حاله حال ؟
   قال : إنّما أراد الله عزّ و جلّ ان يفقّههم . (2)
   و عنه : عن علي بن النعمان ، عن سعيد الأعرج قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : صلّى رسول الله صلّى الله عليه و آله ثمّ سلّم في ركعتين ، فسأله من خلفه : يا رسول الله ، أحدث في الصلاة شيء ؟
   قال : وما ذاك ؟
   قالوا : انّما صلّيت ركعتين .

---------------------------
(1) التهذيب 2 : 180 ح 725 ، عنه بحار الأنوار 17 : 101 ح 3 ، و قد علّق الشيخ الطوسي على هذا الحديث و الحديث السابق قائلاً : مع انّ في الحديثين ما يمنع من التعلّق بهما و هو حديث ذي الشمالين و سهو النبي صلّى الله عليه و آله و هذا ممّا تمنع العقول منه .
(2) التهذيب 2 : 345 ح 1432 .
  و أورده في الكافي 1 : 99 .

التنبيه بالمعلوم _ 127 _

   فقال : أكذلك (1) يا ذا اليدين ؟ و كان يدعى ذا الشمالين .
   فقال : نعم ، فبنى على صلاته ، فأتمّ الصلاة أربعاً ، و قال : إنّ الله عزّو جلّ هو الّذي أنساه رحمة للاُمّة ، ألا ترى لو أنّ رجلاً صنع هذا لعيّر و قيل ما تقبل صلاتك ، فمن دخل عليه اليوم ذلك .
   قال : قد سنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله و صارت اُسوة ، و سجد سجدتين لمكان الكلام . (2)
   و بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن ابن عمير ، عن جميل قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام : رجل صلّى ركعتين ثمّ قام (3) قال : يستقبل (4) ، قلت : فما يروي الناس فيه ؟ فذكر [ له ] (5) حديث ذي الشمالين فقال : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله لم يبرح من مكانه ، و لو برح لاستقبل . (6)
   و عنه : عن فضالة ، عن حسين بن عثمان ، عن سماعة ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل صلّى ركعتين ثمّ قام فذهب في حاجته ، قال : يستقبل الصلاة .
   فقلت : ما بال رسول الله صلّى الله عليه و آله لم يستقبل حين صلّى ركعتين ؟

---------------------------
(1) كذا في النسخ ، و في المصدر : أكذلك .
(2) التهذيب 2 : 345 ح 1433 .
  و أورده في الكافي 1 : 99 ، عنه بحار الأنوار 88 : 218 ، و ج 17 : 105 ح 13 .
(3) كذا في النسخ و المصدر ، و في البحار : قام فذهب في حاجته .
(4) في هامش ج : أي يستأنف ، (منه رحمه الله ) .
(5) من المصدر .
(6) التهذيب 2 : 345 ، عنه بحار الأنوار 17 : 100 ح 1 .

التنبيه بالمعلوم _ 128 _

   فقال : إنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله لم ينتقل (1) من موضعه . (2)
   و عنه : عن الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة عن أبي عبدالله عليه السلام قال : من حفظ سهوه فاتمّه (3) فليس عليه سجدتا السهو ، فأنّ رسول الله صلّى اله عليه و آله صلّى بالناس ركعتين ، ثمّ سها ، فقال له ذو الشمالين : أنزل في الصلاة شيء ؟
   فقال : و ما ذاك ؟
   قال : انّما صلّيت ركعتين .
   فقال رسول الله صلّى الله عليه و آله : أتقولون مثل قوله ؟
   قالوا : نعم ، فقام و أتمّ بهم الصلاة ، و سجد سجدتي السهو . (4) الحديث .
   و بإسناده عن سعد ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن آبائه عن علي عليه السلام قال : صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وآله الظهر خمس ركعات ثمّ انفتل ، فقال له بعض القوم : يا رسول الله ، هل زيد في الصلاة شيء ؟
   قال : و ما ذاك (5) ؟
   قال : صلّيت بنا خمس ركعات .

---------------------------
(1) كذا في ( ب ، ج ) ، و في ( د ) و المصدر : ينفتل .
(2) التهذيب 2 : 346 ، عنه بحار الأنوار 17 : 100 ح 2 .
(3) في هامش ج : أي بعد تذكّره .
(4) التهذيب 2 : 246 ، عنه بحا الأنوار 17 : 105 ذ ح 11 ، و ج 88 : 148 .
(5) في ب : و ما زاد .

التنبيه بالمعلوم _ 129 _

   قال : فاستقبل القبلة و كبّر و هو جالس ، ثمّ سجد سجدتين ليس فيهما قراءة و لا ركوع ، ثمّ سلّم ، و كان هما المرغمتان . (1)
   قال : الشيخ هذا الخبر شاذ لا يعمل عليه ، لأنّا قد بيّنا انّ من زاد في الصلاة و علم ذلك يجب عليه استئناف الصلاة ، و إذا شكّ في الزيادة فأنّه يسجد السجدتين المرغمتين ، و يجوز أن يكون عليه السلام انّما فعل ذلك لأنّ قول واحد له لم يكن ممّا يقطع به ، و يجوز أن يكون غلطاً منه ، و إنّما سجد السجدتين احتياطاً .
   ثمّ أورد الحديث السابق في أوّل الرسالة الدالّة على نفي السهو ، وأورد ذلك الكلام و غيره مما تقدّم .
   و بإسناده عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبي جميلة ، عن زيد الشحّام قال : سألته عن رجل و ذكر الحديث ـ إلى أن قال ـ : فإنّ نبي الله صلّى بالناس ركعتين ثمّ نسي حتى انصرف فقال له ذو الشمالين : يا رسول الله ، أحدث في الصلاة شيء ؟
   فقال : أيّها الناس ، أصدق ذو الشمالين ؟
   فقالوا : نعم ، لم تصلّ إلّا ركعتين ، فقام فأتم ما بقي من صلاته .(2)
   و بإسناده عن علي بن الحكم ، عن عبدالرحمن العزرمي ، [ عن أبيه ، ](3) عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : صلّى عليّ بالناس على غير طهر ، و كانت

---------------------------
(1) التهذيب 2 : 249 ، عنه بحار الأنوار 17 : 101 ح 5 .
(2) التهذيب 2 : 352 ، عنه بحار الأنوار 17 : 101 ح 6 .
(3) ليس في ب .

التنبيه بالمعلوم _ 130 _

   الظهر ، ثمّ دخل فخرج مناديه أنّ أمير المؤمنين عليه السلام صلّى على غير طهر ، فأعيدوا ، و ليبلغ الشاهد الغائب . (1)
   أقول : قد تقدّمت عبارة الشيخ الّتي أوردها هنا في أوّل الرسالة .(2)
   و بإسناده عن محمد بن علي بن محجوب ، عن أحمد ، عن الحسين ، عن فضالة ، عن ابن مسكان ، عن ابي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : اغتسل أبي من الجنابة فقيل له : قد بقيت لمعة من ظهرك لم يصبها الماء فقال له : ما كان عليك لو سكت ثمّ مسح تلك اللمعة بيده . (3)
   و روى الكليني ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان ابن عيسى ، عن سماعة بن مهران قال : يصلّيها حين يذكرها ، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله رقد عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس ، ثمّ صلّاها حين استيقظ ، و لكنه تنحّى عن مكانه ذلك ، ثمّ صلّى . (4)
   و عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان ، عن سعيد الأعرج قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : نام رسول الله صلّى الله عليه و آله عن الصبح و الله عزّوجلّ أنامه حتّى طلعت الشمس عليه و كان ذلك رحمة من ربّك للناس ، ألا ترى لو أنّ رجلاً نام حتّى تطلع الشمس لعيّره الناس و قالوا : لا تتورّع لصلاتك ، فصارت اُسوة حسنة و سنّة فإن قال رجل لرجل :

---------------------------
(1) التهذيب 3 : 433 ح 52 .
(2) في ص : 50 .
(3) التهذيب 1 : 365 ح 1 .
(4) الكافي 3 : 194 ، عنه بحال الأنوار 17 : 103 ح 9 .

التنبيه بالمعلوم _ 131 _

   نمت عن الصلاة ، قال : قد نام رسول الله صلّى الله عليه و آله ، فصارت اُسوة و رحمة ، رحم الله بها هذه الاُمّة . (1)
   و روي الكليني أيضاً حديثي سماعة السابقين و جعلها حديثاً واحداً . (2)
   و روى ايضاً حديث الحسن بن صدقة السابق . (3)
   و روى ابن بابويه في عيون الأخبار في باب ما جاء عن الرضا عليه السلام في وجه دلائل الأئمّة ، وفي ردّ الغلاوة و المفوّضة :
   عن تميم بن عبد الله القرشي ، عن أبيه ، عن أحمد بن علي الأنصاري ، عن عبد السلام بن صالح الهروي قال : قلت للرضا عليه السلام : انّ في سواد الكوفة قوماً يزعمون أنّ النبيّ صلّى الله عليه و آله لم يقع عليه السهو في صلاته .
   فقال : كذبوا لعنهم الله ، إنّ الّذي لا يسهو هو الله لا إله إلّا هو . (4) الحديث .
   و روى ابن إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب محمد بن علي بن محبوب ، عن العبّاس ، عن حمّاد ، عن ربعي ، عن الفضيل (5) قال : ذكرت لأبي عبدالله عليه السلام السهو فقال : و يفلت من ذلك أحد ، ربّما أقعدت الخادم خلفي لحفظ صلاتي . (6)

---------------------------
(1) الكافي 3 : 294 ح 9 ، الفقيه 1 : 233 ح 1031 بطريق آخر و الفاظ قريبة منه .
(2) الكافي 3 : 294 ح 9 .
(3) الكافي 3 : 356 ح 3 .
(4) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 203 ، عنه بحار الأنوار 17 : 105 ح 14 .
(5) في ب : الفضل .
(6) السرائر : 486 ، عنه الوسائل 3 : 247 .

التنبيه بالمعلوم _ 132 _

   و روى الكليني في حديث أوّل كتاب كتب في الأرض إنّ الله عرض على آدم ذرّيته ، فلما نظر إلى داود ، و عرف قصر عمره قال : قد و هبت له من عمري أربعين سنة .
   فقال الله لجبرئيل و ميكائيل : اُكتبوا عليه كتاباً فانّه سينسى . (1)
   أقول : هذا غاية ما يمكن أن يستدلّ به من جوّز السهو ، و يأتي وجهه إن شاء الله .

---------------------------
(1) الكافي 7 : 387 .

التنبيه بالمعلوم _ 133 _

الفصل الثامن
في بيان ضعف هذه الأخبار ، و عدم جواز العمل بها ، و حلمها على ظاهرها

   و ذلك ظاهر بعدما تقدّم ، و نزيده توضيحاً فنقول :
   هذه الأخبار ضعيفة لوجوه اثني عشر :
   الأول : كونها معارضة لظاهر القرآن في الأيات السابقة و غيرها ، و قد أمر الأئمة عليهم السلام بعرض الحديثين المتعارضين على القرآن و العمل بما وافقه ، و ترك ما خالفه في أحاديث كثيرة .
   فإن قلت : هذه أيضاً موافقة لبعض الآيات .
   قلت : قد عرفت إنّ تلك الآيات قليلة جداً ، مأوّلة في الأحاديث ، و إذا كان الأئمّة عليهم السلام قد فسّروها بما يوافق هذه الآيات ،علم أنّها ليست من المحكمات ، بل هي من المتشابهات ، و الحديث الموافق للمحكمات يتعيّن العمل به لنصّ القرآن و الحديث .
   الثاني : كونها معارضة لأحاديث كثيرة أقوى منها ، فيتعيّن العمل بمعارضاتها لكثرتها بالنسبة إليها ، وقد عرفت جملة منها ، و أشرنا إلى أقسام

التنبيه بالمعلوم _ 134 _

   اُخر لو جمعت لبلغت أضعاف ما ذكرنا .
   الثالث : كونها معارضة لإجماع الشيعة الإمامية ، و قد علم دخول المعصوم في هذا الإجماع بالنصوص عنهم عليهم السلام ، كما عرفت [ على ان ] (1) هذا (2) المخالف يحتمل حمل كلامه على محمل صحيح يخرج عن المخالفة كما يأتي إن شاء الله .
   و رواية الكليني لبعض تلك الأحاديث المتضمّنة للسهو لا يدلّ على اعتقاده بظاهرها (3) ، لأنّه كما عرفت قد روى كثيراً من معارضاتها ، ولعلّه فهم منها ما فهمناه ممّا يأتي .
   الرابع : كونها معارضة للمشهور بين الإمامية عى تقدير عدم ثبوت الاجماع ، و قد أمر الأئمّة عليهم السلام بترجيح الحديث الموافق للاجماع من الأمامية ، بل و للشهرة بينهم كما في حديث عمر بن حنظلة و غيره .
   الخامس : كون أسانيد أكثرها ضعيفة ، فإن في سند الأوّل سيف بن عميرة ، وقد اختلف في توثيقه و تضعيفه ، و قد نقل الشهيد في شرح الارشاد (4) تضعيفه عن جماعة من الأصحاب ، و قد نقلوا أيضاً (5) انّه فاسد المذهب واقفي ، و من هذا شأنه كيف يعمل بحديثه فيما يخالف المذهب ؟
   و أبو بكر الحضرمي غير معلوم الحال ، لم يتحقّّق له توثيق و لا مدح يعتدّ به ، و لا ثبت صحّة مذهبه .

---------------------------
(1) ليس في د .
(2) في د : و هذا .
(3) في د : لظاهرها .
(4) روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان : 340 ، ط الحجرية .
(5) معجم رجال الحديث 8 : 541 .

التنبيه بالمعلوم _ 135 _

   و الثالث في سنده البرقي ، و هو محمد بن خالد ، و قد ذكروا انّه ضعيف في الحديث يعتمد المراسيل ، و يروي عن الضعفاء ، و منصور بن العّباس ضعيف جداً غال ، و عمرو بن سعيد فاسد المذهب فطحي ، و الحسن ابن صدقة غير معلوم الحال ، و حديث أبي بصير فيه ضعف لفساد مذهبه و مذهب سماعة .
   و كذا حديث سماعة الذي يرويه عنه زرعة ، و حديث زيد أضعف لوجود من هو فاسد المذهب ضعيف زيدي في سنده .
   و حديث زيد الشحّام أضعف لأنّ أبا جميلة المفضّل بن صالح ضعيف جداً ، و ابن فضال فاسد المذهب ، و حديث العزرمي أيضاً فيه ضعف و جهالة ، و حديث أبي بصير فيه اشتراك ، [ و تصريح ابن مسكان أحياناً بالرواية عن ليث المرادي لا يوجب تعينه دائماً ، و لا يدفع الإشتراك بين الثقة و الضعيف ] (1) و مع ذلك لا اشعار فيه بالسهو أصلاً ، و حديث سماعة فيه مع فساد مذهب رواية انّه لايدلّ على سهو ، و لا تقصير بوجه ، و كذا حديث سعيد الأعرج ، و حديث عبد السلام بن صالح ضعيف جداً [ليس من رواية أحد يوجد له توثيق و لا مدح غير رواية عبد السلام ، بل هم من المجاهيل و الضعفاء ، ](2) و عبد السلام من رجال العامّة المنكرين للعصمة بالكلّيّة ، فهذه قرينة دالّة على التقيّة إن صحّـت الرواية .
   و حديث قصّة داود فيه مع قطع النظر عن سنده ، انّ النسيان هنا مثل النسيان في قوله تعالى : ( وَ لَقَد عَهِدنَا إلى آدَمَ مِن قَبلُ فَنَسِيَ ) (3) .

---------------------------
(1و2) من ج فقط .
(3) سورة طه : 115 .

التنبيه بالمعلوم _ 136 _

   و قد فسّره الأئمّة عليهم السلام بالترك (1) ، فالمعنى إنّه سينسى (2) ، أي سيترك (3) هذه الهيئة و يريد الرجوع فيها .
   و أمّا إقعاد الخادم خلفه ، فلا يدلّ على جواز السهو عليه فضلا عن وقوعه ، بل الحكمة ، أمّا حصول الثواب للخادم ، أو ليتعلّم منه الصلاة ، أو لتحفظ عنه القراءة و الأذكار ، أو ليتعلّم الناس الاعتناء بالصلاة ، أو للإشارة إلى جواز الاعتماد على قول الغير في عدد الركعات ، أو لئلّا يخلو في بيت وحده كما وقع التصريح به في الحديث ، أو لئلّا يعيّر أحد أحداً بالسهو ، كما صرّح به أيضاً ، أو لتعليم الناس التحفظّ من السهو أو غير ذلك من الحكم و المصالح و نظيره أمر الله الحفظة بكتابة أعمال بني آدم و حفظهما ( وَ مَا كَانَ رَبُّكَ نَسيّاً ) (4) ( لَا يَضِلُّ رَبّي وَ لا يَنسَى )(5) فما أجبتم : فهو جوابنا .
   فقد ظهر إنّ الأحاديث الّتي يمكن الحكم بصحّتها في الجملة ثلاثة ، فكيف تقاوم جميع ما مرّ و ما أشرنا إليه ممّا نذكره ؟
   السادس : كونها معارضة للأدلّة العقليّة الكثيرة الّتي أوردنا بعضها و أشرنا إلى الباقي ، و موافقة معارضها للأدلّة المذكورة .
   السابع : كونها مستلزمة للمفاسد السابقة و غيرها على تقدير ابقائها على ظاهرها .

---------------------------
(1) روي هذا المعنى عن ابن عبّّاس ، عن اُبيّ بن كعب ، عن رسول الله صلّى الله عليه و آله قال : قال موسى عليه السلام : ( لا تؤاخذني بما نسيت ) يقول : بما تركت من عهدك .
   ( انظر : بحار الأنوار 17 : 119 ) .
(2) في ج : إنّك ستنسى .
(3) في ج : ستترك .
(4) سورة مريم : 64 .
(5) سورة طه : 52 .

التنبيه بالمعلوم _ 137 _

   الثامن : كونها موافقة للتقيّة ، فإنّ حميع العامّة يخالفون الإمامية في مسألة العصمة ، الأحاديث المعارضة لها لا تحتمل التقيّة ، و قد أمر الأئمّة عليهم السلام في أحاديث كثيرة بعرض الحديث على مذهب العامّة ، و الأخذ بما خالفهم ، و ترك ما وافقهم .
   و معلوم إنّ أكثر أسباب الاختلاف في أحاديث أهل العصمة عليهم السلام هو ملاحضة التقيّة ، و معلوم أيضاً أنّ التقيّة كما تدعوا إلى الفتوى بما وافق العامّة ، كذلك تدعوا الى الرواية بما يوافقهم ، و يأتي له نظائر إن شاء الله .
   التاسع : كونها محتملة للتأويل ، بل للتأويلات المتعدّدة ، و عدم احتمال معارضاتها لذلك لكثرتها و تعاضدها ، ووجود الأدلّة العقليّة و الاجماع و غير ذلك ، فتعيّن تأويل ما يحتمله ليوافق ما لا يحتمله .
   العاشر: كونها لا تخلو من اجمال و اشكال في مواضع متعدّدة ، و ذلك من إمارات التقيّة .
   الحادي عشر : وجود الاضطراب و التناقض فيها كما يأتي بيان بعضه إن شاء الله .
   الثاني عشر: كون كثير من رواتها فاسدي المذهب ، و ذلك أيضاً من إمارات التقيّة ، إذ نفهم من التتبّع انّ أكثر أحاديثها رواه من هو فاسد المذهب أو ضعيف .
   إذعرفت ذلك ظهر لك أنّ أكثر المرجّحات المأمور بها في الأحاديث موجودة هنا في أحاديث نفي السهو إن لم يكن كلها ، و أنّها موافقة لجميع أدلّة الشرع المعتبرة عند الاُصوليين و الاخباريين ، وأنّ معارضاتها ضعيفة عند الفريقين على تقدير حملها على ظاهرها ، و الله أعلم .

التنبيه بالمعلوم _ 138 _

   تذنيب
   قال بعض المحقّقين من المتأخّرين : قد روي ما يدلّ على وقوع السهو من الرسول صلّى الله عليه و آله من طريق العامّة مع اضطراب في المتن و اختلاف فيه ، ففي رواية إنّ ذا اليدين قال له : أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله ؟ فقال : كل ذلك لم يكن .
   فقال له : بعض ذلك قد كان . (1)
   و في صحيح البخاري (2) انّه قال في الجواب : لم تقصر و لم أنس .
   و في الصحيحين (3) انّه لما قال له الخرباق و شهد له (4) بعض الصحابة ، قام صلّى الله عليه و آله يجرّ ردائه فدخل الحجرة ، ثمّ خرج عليهم ، ثمّ صلّى ركعتين ، فسلّم ، ثمّ سجد للسهو سجدتين .
   و قد وقع منهم في نقل القصّة اضطراب ، فتارة نقلوا انّه كان في صلاة الظهر ، و تارة في صلاة العصر ، و هذه الأحاديث الّتي من طرق العامّة بافترائهم عليه من وجوه :
   الأوّل : الاضطراب المذكور في القصّة و المتن .

---------------------------
(1) صحيح البخاري 1 : 123 ، صحيح مسلم 1 : 403 ح 573 ، سنن النسائي 3 : 20 ـ 25 ، سننأبو داود 1 : 118 ـ 122 ح 435 ـ 447 .
(2) صحيح البخاري 1 : 175 .
(3) صحيح البخاري 1 : 124 ، صحيح مسلم 1 : 403 .
(4) في ب : عليه ، و في د : له عليه .

التنبيه بالمعلوم _ 139 _

   الثاني : إنّ قوله عليه السلام ( كلّ ذلك لم يكن ) ، إن كان مع تجويزه السهو على نفسه مع وقوعه ، فكيف يجزم بأنّ كلّ ذلك لم يكن ، أو بأنّها لم تقصر و لم ينس ، و أقلّه أن يقول : ظنّي إنّ ذلك لم يكن ، أو بأنّها لم تقصر و لم أنس ، و هل يليق بمرتبته عليه السلام إنكار ذلك مع احتماله في حقّه حتّى أنّه يتجاوز الحدّ في إخراجه عن مرتبته من تأوّل قوله ؟ كلّ ذلك لم يكن انّ المراد به رفع الايجاب الكلّي ليكون الواقع السهو ، و هذا يليق بمن يحتال في الجواب لئلّا يعترف بما نسب إليه و لا يفتضح بظهور خطأه ، فهل يليق به مثل ذلك ؟ مع انّ قوله : لم تقصر و لم أنس ، و قول ذي اليدين : بعض ذلك قد كان ، يدلّان على انّه أراد السلب الكلّي و يرفعان هذه الحيلة في الجواب ، و ربّما ترقوا إلى انّ هذا سهو آخر .
   فيالله العجب من تجويز سهوين عليه ، و عدم تجويز سهو واحد على ذي اليدين ! و من تكذيبه ، تصديق ذي اليدين ! فعلى هذا كان ذو اليدين أحقّ منه بالنبوّة ، حيث لا يجوز عليه و لا على من شهد له السهو الواحد ، و جاز على رسول الله صلّى الله عليه و آله سهوان في وقت واحد !!
   الثالث : كونه قام غضباناً يجرّ رداءه ، فهذا الغضب إن كان في قولهم الحقّ ، فهل يليق لمن قال تعالى في شأنه : ( وَ إنّكَ لَعَلَى خُلُق عَظيم ) (1) ، و كان رسولاً لاظهار الحقّ ، و إرشاد الخلق ، أن يغضب من ذلك ، و الذي يليق بحاله عليه السلام إن كان غضب من ذلك ، أن يكون من افترائهم عليه ، و شهادة بعضهم لبعض ، وهذا هو المناسب لغضبه ، و اللائق به ، مع انّ الغضب الذي ذكروه لا يخلو من ان يكان لافترائهم عليه ، أو من خجله بإنكار ذلك ، أو من

---------------------------
(1) سورة القلم : 4 .

التنبيه بالمعلوم _ 140 _

   ردّهم عليه و الاخيران لا ينسبهما إليه من يقول بنبوّته ، و أقبح منه خروجه و إتمام الصلاة ، فإنّه إذا اجترء على الإنكار ، جاز عليه الإصرار ، و هو أخفّ قبحاً من الاعتراف بعد الإنكار .
   هذا ما تضمّنته أحاديثهم .
   و أما أحاديثنا : فإنّها و إن لم يكن فيها ذلك ، لكن لكونها موافقة لما عليه العامّة مع شهرته بينهم ، و عدم عمل الإماميّة به إلّا من شذّ ، و مخالفتها لأدلّة العقل تركوا العمل بها . ( انتهى ) .
   و قد تقدّم كلام العلّامة في التذكرة (1) و ما ذكره في تضعيف حديث ذي الشمالين في أول الرسالة .

---------------------------
(1) في ص : 53 .