و ذلك أيضاً كثير جدّاً ، ولا يحضرني جميع تلك الأحاديث ، فأنا أذكر تيسّر منها و الله الموفق .
الحديث الأوّل :
ما رواه الشيخ الجليل رئيس المحدّثين محمد بن علي بابويه في آخر كتاب من لا يحضره الفقيه ، الذي لم يورد فيه ألّا ما يفتي به ، و يحكم بصحّته ، و يعتقد أنّه حجّة بينه و بين ربّه ، و كلّ ما فيه مستخرج من اُصول معتمدة ، عليها المعوّل ، وإليها المرجع .
فروى فيه عن محمد بن إبراهيم بن أسحاق الطالقاني ، عن أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الكوفي ، قال : حدّثنا على بن الحسن بن فضال ، عن أبيه ، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضاعليه السلام : للإمام علامات ،
التنبيه بالمعلوم
_ 82 _
يكون أعلم الناس ، وأحكم الناس ، و أتقى الناس ، وأحلم الناس ، [وأشجع الناس ، وأسخى الناس ،]
(1) وأعبد الناس ، [ويولد مختوناً ،]
(2) ويكون مطهّراً ، و يرى من خلفه كما يرى من بين يديه ، [ ولا يكون له ظلّ ، وإذا وقع على الأرض من بطن اُمّه وقع على راحتيه ، رافعاً صوته بالشهادتين ، ]
(3) ولا يحتلم ، و تنام عينيه و لاينام قلبه ، و يكون محدّثاً ، [ويستوي عليه درع رسول الله صلّى الله عليه و آله ، ]
(4) و لا يرى له بول ولا غائط ، لأنّ الله عزّ وجلّ و كّـل الأرض بابتلاع ما يخرج
(5) منه .
(6) (الحديث) .
ووجه دلالته على المقصود هنا ظاهر ، و حال النبي صلّى الله عليه وآله يجب أن يكون أعظم من الإمام عليه السلام .
ورواه أيضاً في كتاب عيون الأخبار
(7) في باب ما جاء عن الرضا عليه السلام من علامات الإمام ، و الطريق واحد .
الثاني :
ما رواه الشيخ الأجل ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني في كتاب العقل و الجهل .
عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد عن علي بن حديد ، عن
---------------------------
(1 ـ 4) من المصدر .
(5) كذا في (ب ، ج) ، و في المصدر : يجري .
(6) من لا يحضره الفقيه 4 : 418 مفصلاً .
ورواه في معاني الأخبار : 102 ح 4،الخصال : 527 ح 1،و أخرجه الطبرسي في الاحتجاج : 436 ،عنها بحار الأنوار 25 : 116 ح 1 .
(7)عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 212 ح 1 عنه بحارالأنوار 25 : 116 ح 1 .
التنبيه بالمعلوم
_ 83 _
سماعة بن مهران قال : كنت عند أبي عبدالله عليه السلام و عنده جماعة من مواليه ، [فجرى ذكر العقل و الجهل ]
(1) فقال : اعرفوا العقل و جنوده ، و الجهل و جنوده تهتدوا .
قال سماعة : فقلت : جعلت فداك ، لا نعرف إلّا ما علّمتنا
(2) .
فقال أبوعبدالله عليه السلام : أنّ الله خلق العقل ـ إلى ان قال : ـ ثمّ جعل للعقل خمسة و سبعين جنداً ...
[فقال الجهل : يا ربّ ، هذا خلق مثلي فأعطني من الجند مثل ما أعطيته ، فقال : نعم ، فأعطاه خمسة و سبعين جنداً ، ]
(3) فكان ممّا أعطى الله العقل الخمسة و السبعين الجند
(4) الخير ، و جعل ضدّه الشر ـ إلى أن قال : ـ و العلم و ضدّه الجهل ، والتسليم و ضدّه الشكّ ، و التذكّر و ضدّه السهو ، و الحفظ و ضدّه النسيان ، ـ وذكرباقي جنود العقل والجهل ثم قال : ـ فلا تتّم
(5) هذه الخصال كلّها من اجناد العقل إلّا في نبي أو وصي نبي أو مؤمن قد امتحن الله قلبه للايمان ،وأمّا سائر ذلك من موالينا فإنّ أحدهم لا يخلومن أن يكون فيه بعض هذه الجنود حتى يستكمل ، وينقّى من جنود الجهل ، فعند ذلك يكون في الدرجة العليا مع الأنبياء و الأوصياء ،
(6) الحديث .
---------------------------
(1) من المصدر .
(2) في الكافي : عرّفتنا .
(3) من المصدر .
(4) المذكور في الرواية ثمانية و سبعون جنداً ، ولكنه تكرر ذكر بعض الجنود .
(5) كذا في النسخ ، و في المصدر : تجتمع .
(6) الكافي 1 : 20 ح 14 ، مفصلاً .
وأخرجه الشيخ الصدوق في الخصال : 558 ح 13 .
التنبيه بالمعلوم
_ 84 _
أقول : كما ترى صريح في أنّ الأنبياء و الأوصياء جامعون لجميع جنود العقل التي من جملتها العلم و التسليم و التذكّر و الحفظ ، وخالون خالصون منزّهون عن جميع جنود الجهل التي من جملتها الجهل و الشكّ و السهو و النسيان ، وهو واضح الدلالة على ما قلنا .
الثالث :
ما رواه الكليني أيضاً في باب اختلاف الحديث .
عن علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عن أبان بن أبي عبّاس ، عن سليم بن قيس الهلالي ، عن أميرالمؤمنين عليه السلام ـ في حديث طويل يذكر في آخره حاله مع رسول الله صلّى الله عليه و آله ، وانّه علّمه جميع علومه ـ قال : ودعا الله أن يعطيني علمها فهمها و حفظها ، فما نسيت آية من كتاب الله ، ولا علماً أملأه [عليّ]
(1) و كتبته ، منذ دعا الله لي بما دعا ، و ما ترك شيئاً علّمه الله من حلال و لاحرام ، و لاأمر و لا نهي ، كان أو يكون ، ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلا علّمنيه و حفظته ، فلم أنس حرفاً واحداً ، ثمّ وضع يده على صدري و دعا الله أن يملأ قلبي علماً و فهماً و حكماً و نوراً .
فقلت : بأبي أنت واُمّي يا نبي الله ، منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئاً و لم يفتني شيء لم أكتبه ، أفتتخوّف عليّ النسيان فيما بعد ؟
---------------------------
(1) من (د) و المصدر .
التنبيه بالمعلوم
_ 85 _
فقال : لا ، لست أتخوّف عليك النسيان و الجهل
(1) .
أقول : معلوم إنّ حال النبي صلّى الله عليه و آله اعظم من حال الإمام عليه السلام ، وظاهر أنّ كثيراً من الأشياء المذكورة ليست من قسم التبليغ ، وأنّه يستحيل نسيانه لشيء منها فيبطل الفرق .
و علم أنّ النبيّ صلّى الله عليه و آله يستحيل أن ينسى عدد صلاته و يحكم بأنّ الثنتين أربع ، مع علمه بأكثر ما كان ، وما يكون أن لم يكن كلّه ، وآخر الحديث مطلق عام في التبليغ و غيره .
الرابع:
ما رواه الشيخ رئيس الطائفة في التهذيب بإسناده عن عبدالله بن بكير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قلت له : هل سجد رسول الله صلّى الله عليه وآله سجدتي السهو قط ؟
قال : لا ، ولا يسجدها فقيه ،
(2) قال الشيخ رحمه الله : الّذي أفتي به ما تضمّنه هذا الحديث . وأمّا الأخبار الّتي قدّمناها من أنّ النبي صلّى الله عليه وآله سهى فسجد فأنّها موافقة للعامّة ،
(3) انتهى .
وهو دالّ على محلّ النزاع بخصوصه صريح في معارضة حديث ذي الشمالين وردّه غير محتمل للتقيّة مع احتمال حديث ذي الشمالين أن
---------------------------
(1) الكافي 1 : 62 ذيل ح 1 ، مفصلاً .
(2) التهذيب 2 : 351 ، عنه بحار الأنوار 17 : 102 ح 8 .
(3) التهذيب 2 : 351 .
التنبيه بالمعلوم
_ 86 _
يكون ورد عن الصادق عليه السلام على طريق التقية في الرواية ، كما يأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى .
الخامس :
الحديث المشهور المستفيض بين العامّة و الخاصّة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : صلّوا كما رأيتموني اُصلّي
(1) .
وجه الدلالة فيه : أنّه أمر بالاقتداء به في صلاته ، ومتابعته فيها غير مقيّد بصلاة خاصّة ، فلو كان احتمال السهو و الغلط و الخطأ و النسيان جائزاً عليه ، لما جاز الإقتداء به في شيء منها ، و لجاز على كلّ صلاة منها أن تكون سهواً إلّا صلاة واحدة ، وهي التي يقصد التبليغ مع اشتباهها ، و احتمال كلّ واحدة من الصلاة لها ، و يلزم على تقدير تجويز السهو عدم إمكان العلم بنسخها أو امتناع نسخها مع أنّ النسخ جائز اتّفاقاً بخلاف السهو على انّه لم يعيّن صلاة واحدة للتبليغ .
السادس :
الحديث المشهور أيضاً بين الخاصّة والعامّة من قول عليه السلام : خذوا عنّي مناسككم
(2).
وجه دلالته كما تقدّم .
و اعلم أنّي لم أجد هذين الخبرين في كتب حديث الإمامية و انّما وجدتهما في كتب الاستدلال و يمكن كون أصلهما من روايات العامّة
---------------------------
(1) تقدّمت تخريجاته في ص : 63 .
(2) تقدّمت تخريجاته في ص : 63 .
التنبيه بالمعلوم
_ 87 _
لكن مضمونهما يوجد في عموم الروايات السابقة و الآتية .
السابع :
ما رواه الكليني في أوّل كتاب الحجّة .
عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن إبراهيم ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي عبدالله عليه السلام في حديث أنّه قال لهشام بن الحكم : ألا تخبرني كيف صنعت بعمر بن عبيد و كيف سألته ؟
فذكر حديثه معه ـ يقول في آخره هشام : ـ فقلت له : أنّ الله لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماماً تتيقّن به ما شككت فيه
(1) ، و يترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم و شكّهم و اختلافهم ، لا يقيم لهم إماماً يردّون إليه شكّهم و حيرتهم ؟
قال : فسكت و لم يقل لي شيئاً .
قال : فضحك أبو عبدالله عليه السلام و قال : من علّمك هذا ؟
قال هشام : هذا شيء أخذته منك و ألفته .
قال : هذا و الله مكتوب في صحف إبراهيم و موسى
(2) .
أقول : هذا دالّ على ان ّعلّة الاحتياج إلى النبيّ و الإمام عليهما السلام هو إزالة الشكّ ، فلو جاز الشكّ عليهما لاحتاجا إلى الرعيّة كما احتاج الرسول صلّى الله عليه وآله ذي الشمالين على قولكم ، فتنتفي الفائدة المذكورة .
---------------------------
(1) كذا في النسخ ، وفي المصدر: يتيقّن به ما شكّ فيه .
(2) الكافي 1 : 169 ح 3 ، مفصّلاً .
التنبيه بالمعلوم
_ 88 _
الثامن :
ما رواه أيضاً في باب نادر جامع في فضل الإمام و صفاته .
عن أبي محمد القاسم بن العلاء ، رفعه عن عبد العزيز بن مسلم ، عن الرضا عليه السلام ـ في حديث طويل يقول فيه : ـ الإمام عالم لا يجهل ، راع لا ينكل ـ إلى أن قال : ـ
الإمام واحد دهره ، لا يدانيه عالم
(1) ، و لا يوجد منه بدل ، [ولا له مثل]
(2) و لا نظير .
أنّ الأنبياء و الائمّة صلوات الله عليهم يوفّقهم الله و يؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم ، فيكون علمهم فوق أهل زمانهم
(3) ، ـ ثم قال : ـ
إنّ العبد إذا اختاره الله عزّ و جلّ لاُمور عباده شرح صدره لذلك ، وأودع قلبه ينابيع الحكمة ، و ألهمه العلم إلهاماً ، فلم يع بعده بجواب ، ولا يحيّر فيه عن الصواب ، فهو معصوم مؤيّد ، موفّق مسدد ، قد أمن من الخطأ و الزلل و العثار
(4) ، يخصّه الله بذلك ليكون حجّة
(5) على عباده،
(6) الحديث .
---------------------------
(1) كذا في النسخ ، وفي المصدر : لا يدانيه أحد ، ولا يعادله عالم .
(2) من المصدر .
(3) هكذا في الأصل : و في الكافي : الزمان .
(4) في (ب ، ج) : العناد .
(5) كذا في النسخ ، وفي المصدر : حجّته .
(6) الكافي 1 : 198 ـ 203 ح 1 ، مفصلاً .
ورواه في عيبة النعماني : 216 ـ 224 ح 6 بإسناده عن محمد بن يعقوب .
وأورده في تحف العقول : 438 عن عبد العزيز بن مسلم .
التنبيه بالمعلوم
_ 89 _
أقول : هذا الموصوف بهذه الصفات و غيرها ممّا هو أعظم منها ، تضمّنها الحديث المذكور و غيره ، كيف يتصوّر أن يجهل فعل نفسه في الحال ؟ و كيف يحتاج إلى علم غيره ؟ و كيف يعني بالجواب ، و يتحيّر عن الصواب ، و يقع في الخطأ و الزلل و العثار
(1) ، كما تضمّنه حديث ذي الشمالين على قول من حمله على ظاهره ؟
التاسع :
ما رواه الصدوق في كتاب العلل في باب العلّة التي من أجلها صارت الإمامة في ولد الحسين دون الحسن عليهم السلام .
عن أبيه،عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن حمّادبن عيسى ، عن إبراهيم بن عمراليماني ، عن الفضيل
(2) ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله [لأمير المؤمنين عليه السلام]
(3) : اكتب ما أملي عليك
(4) .
قال عليه السلام : يا نبيّ الله ، أوتخاف عليّ النسيان ؟
فقال صلّى الله عليه و آله : لست أخاف عليك النسيان ، وقد دعوت الله
---------------------------
ورواه الصدوق في كمال الدين : 175 ح 31 ، و معاني الأخبار : 98 ح 2 ، و الأمالي : 536 ح 1 ، و عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 216 ح 1 .
وأورده في الاحتجاج : 433 عن القاسم بن مسلم ، و أخرجه في بحار الأنوار 25 : 120 ـ 129 ح 4 عن جميع المصادر أعلاه .
(1) في (ب ، ج) : العناد .
(2) كذا في النسخ ، و في المصدر : أبي الطفيل .
(3) من المصدر .
(4) في هامش ج : يعني أميرالمؤمنين عليه السلام .
التنبيه بالمعلوم
_ 90 _
لك ان يحفظك و لا ينسيك ، ولكن اُكتب لشركائك .
قال : قلت : ومن كان شركائي [يا نبيّ الله ]
(1) ؟ قال : الائمة من ولدك ،
(2) الحديث .
أقول : معلوم من تتبع الأحاديث إنّ تلك العلوم التي كتبها ليست كلّها ممّا يتعلّق بالتبليغ على ان النسيان في الموضعين مطلق غير مقيّد بشيء فكيف لا يخاف على الوحي النسيان ، ويقع ذلك من النبيّ صلّى الله عليه وآله فينسى نصف صلاته و يحتاج إلى رعيّته ليذكّروه ما نسي ، و يدلوه على الخطأه ، و يعرفوه جهله وتركه للواجب و فعله للحرام ـ أعني التسليم و الكلام ـ ، و يردّوه عن الشك ّوالسهو ؟
العاشر:
ما رواه الكليني رحمه الله في باب إنّ الائمّة ورثوا علم النبيّ و جميع الأنبياء والأوصياء .
عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن إبراهيم ، عن يونس ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبدالله عليه السلام في حديث قال : إنّ الله لا يجعل حجّة
(3) في أرضه يسأل عن شيء فيقول : لا أدري .
(4)
أقول : فكيف يسأل عن صلاته التي صلّاها في تلك الساعة فيقول : لا
---------------------------
(1) من المصدر .
(2) علل الشرائع : 208 ح 1 .
(3) كذا في النسخ ، وفي المصدر : حجّته .
(4) الكافي 1 : 227 ح 1 مفصلاً ، عنه بحار الأنوار 48 : 114 ح 25 ، و العوالم 2 : 306 ح 1 .
و أخرجه الشيخ الصدوق في التوحيد : 273 ح 1 .
التنبيه بالمعلوم
_ 101 _
أحدكم و لا يكثرن نقص الصلاة ، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشكّ .
و قال زرارة : إنّما يريد الخبيث أن يطاع ، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم .
(1)
أقول : هذا كالصريح في أنّ الشكّ إنّما هو من الشيطان ، و قد مرّ تمام الكلام ، و يأتي له مزيد تحقيق إن شاء الله .
التاسع و العشرون :
ما رواه الكليني في باب من حافظ على صلاته أو ضيّعها .
عن جماعة ، عن أحمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن حسين بن عثمان ، عن سماعة ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : كلّ سهو في الصلاة يطرح منها ، غير أن الله يتمّ بالنوافل .
إنّ أوّل ما يحاسب به العبد الصلاة ، فإن قبلت قُبل ما سواها ، إنّ الصلاة إذا ارتفعت في وقتها رجعت إلى صاحبها و هي بيضاء مشرقة تقول : حفظتني حفظك الله ، وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير
(2) حدودها ارتفعت
(3) و هي سوداء مظلمة تقول : ضيّعتني ضيّعك الله .
(4)
أقول : المراد انّ كلّ سهو ينقض الصلاة فلا تقبل كلّها و كذلك تأخيرها
---------------------------
(1) الكافي 3 : 358 ح 2 .
(2) في ب : يعني .
(3) كذا في النسخ ، وفي المصدر : رجعت إلى صاحبها .
(4) الكافي 3 : 268 ح 4 .
التنبيه بالمعلوم
_ 102 _
عن وقتها ، و معلوم انّه يستحيل كون صلاة النبيّ صلّى الله عليه و آله و الإمام عليه السلام غير مقبولتين ، فينا في ذلك حديث ذي الشمالين .
الثلاثون :
ما رواه الكليني في باب ما يقبل من صلاة الساهي .
عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن هشام بن سالم ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : من صلّى فأقبل على صلاته لم يحدّث يفسه و لم يسه فيها ، أقبل الله عليه ما أقبل عليها ، و ربّما رفع ربعها أو نصفها ، أو ثلثها ، أو خمسها .
(1) الحديث .
أقول : فهل يجوز أن يقال : إنّ صلاة النبيّ صلّى الله عليه و آله كانت ناقصة غير كاملة و غير مقبولة ، و إنّ الله لم يكن مقبلاً عليه فيها كلها ، بل كان معرضاً عنه بسبب عدم اقباله في صلاته ، وإلّا فإنّه مع الاقبال لا يتصوّر وقوع السهو الحقيقي ، و إذا كان على قولكم قد ترك نصف صلاته ، فكيف يكون أتى بالاقبال فيها كلّها كما ينبغي .
الحادي و الثلاثون:
ما رواه أيضاً في الباب المذكور .
عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام ابن سالم ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : انّ العبد ليرفع
---------------------------
(1) الكافي 3 : 263 ح 1 .
التنبيه بالمعلوم
_ 103 _
له من صلاته نصفها ، أو ثلثها ، أو ربعها ، أو خمسها ، فما يرفع له إلّا أقبل عليه بقلبه ،
(1) الحديث .
الثاني و الثلاثون :
ما رواه أيضاً فيه عنه ، عن أحمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام في حديث أنّ رجلاً قال له : ما أظنّ أحداً أكثر سهواً منّي .
فقال أبو عبدالله عليه السلام : يا بامحمد ، أنّ العبد ليرفع له ثلثا
(2) صلاته و نصفها و ثلاثة أرباعها و أقل و أكثر على قدر سهوه فيها .
(3)
الثالث و الثلاثون :
ما رواه أيضاً فيه عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ؛ و محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعاً ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر و أبي عبدالله عليه السلام انّهما قالا : إنّما لك من صلاتك ما أقبلت عليه فيها
(4) ، فإن أوهمها كلّها أو غفل عن أدابها لعنت
(5) فضرب بها وجه صاحبها .
(6)
أقول : و الأحاديث في هذا المعنى أيضاً كثيرة و دلالتها ظاهرة كما مرّ .
---------------------------
(1) الكافي 3 : 362 ح 2 .
(2) كذا في النسخ ، وفي المصدر : ثلث .
(3) الكافي 3 : 363 ح 3 .
(4) كذا في (ب ، د) ، و في (ج) : فيهما ، و في المصدر : منها .
(5) كذا في النسخ ، و في المصدر : أدائها لفت .
(6) الكافي 3 : 363 ح 4 .
التنبيه بالمعلوم
_ 104 _
الرابع و الثلاثون :
ما رواه ابن بابويه في عيون الأخبار في باب ما جاء عن الرضا عليه السلام في علامات الإمام بعدما أورد الحديث السابق في أوّل الفصل قال :
و حديث آخر إنّ الإمام مؤيّد بروح القدس ، و بينه و بين الله عزّوجلّ عمود من نور ، يرى فيه أعمال العباد ، و كلّما احتاج إليه لدلالة اطلّع عليها و الإمام يولد و يلد ، و يصحّ و يمرض ، و يأكل و يشرب و يبول و يتغوّط ، و ينكح و ينام ، و لاينسى و لا يسهو
(1) ، ويفرح و يحزن ،
(2) الحديث .
أقول : هذا دالّ على المقصود في أوله و آخره صريحاً إلّا أنّ في بعض النسخ و ينسى و يسهو بالاثبات و النسخ الصحيحة كما ذكرنا بالنفي و سقوط لفظ (لا) أقرب إلى الاعتبار من زيادتها بغير أصل ، خصوصاً مع كون الجمل السابقة مثبتة و كذا الآتية ، فيجري الناسخ على الاثبات في الجميع مع انّ النسخ الصحيحة كما قدّمنا ، و هذا موجود في الخصال
(3) خال من هذه اللفظة ، لم يتعرّض لها باثبات و لا نفي ، و على تقدير صحّة الاثبات يجب تأويله لما مضى و يأتي ، و معلوم أنّ النسيان ورد بمعنى الترك كثيراّ ، و السهو ورد بمعنى النسيان ايضاّ كثيراّ .
(4)
---------------------------
(1) في بعض نسخ العيون : و ينسى و يسهو ، وهو موافق لرأي الصدوق .
(2) عيون أخبار الرضا 1 : 214 مفصلاّ ، عنه البحار 14 : 338 ح 11 و 25 : 117 ح 2 ، البرهان 1 : 285 ح 3 ، كشف الغمّة 3 : 81 .
(3) الخصال : 528 ح 2 .
(4) قال الصدوق رحمه الله : اعتقادنا في الأنبياء و الرسل و الأئمّة و الملائكة انّهم معصومون مطهّرون من كلّ دنس ، و أنّهم لا يذنبون ذنباً لا صغيراً و لا كبيراً ، و ( لا يَعصُونَ الله مَا أَمَرَهُم ، وَ يَفعَلُون مَا =
التنبيه بالمعلوم
_ 105 _
قال صاحب القاموس
(1) : سها في الأمر سهواً نسيه .
و قال أيضاّ : النسيان و النسوة الترك .
ووردت الأحاديث بتفسير النسيان في القرآن بالترك في قوله تعالى : ( وَ لَقَد عَهِدنَا إلى آدَمَ مِن قَبلُ فَنَسِيَ )
(2) و غير ذلك .
فمعنى رواية الصدوق من قوله : و ينسى و يسهو انّه قد يترك شيئاً لاشتغاله بغيره ردّاً على الغلاة القائلين بأنّه لا يشغله شيء ، و يحتمل الحمل
(3) على التقيّة ، و يحتمل كونه من كلام ابن بابويه لا من الحديث المرسل ، و حينئذٍ لا حجّة فيه ، و أمّا أوّله فمعلوم انّه من جملة الحديث و هو دال على المطلوب .
الخامس و الثلاثون :
ما رواه ابن بابويه في الخصال عن أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي ، عن أحمد بن زكريا [ القطّان ]
(4) ، عن بكر بن عبدالله بن حبيب ، عن تميم بن بهلول ، عن معاوية
(5) ، عن سليمان بن مهران ، عن أبي عبدالله جعفر بن محمد عليهما السلام قال : عشر خصال من صفات الإمام العصمة و النصوص ، و أن يكون أعلم الناس و أتقاهم لله ، [ و أعلمهم بكتاب الله ، وأن يكون صاحب الوصيّة
---------------------------
= يُؤمَرُون ) [ سورة التحريم : 6 ] ، و من نفى عنهم العصمة في شيء من أحوالهم فقد جهلهم فهو كافر ، و اعتقادنا فيهم انهم معصومون موصوفون بالكمال و التمام و العلم من اوائل اُمورهم و أواخرها ، و لا يوصفون في شيء من أحوالهم بنقص و لا عصيان و لا جهل ، ( الاعتقاجات : 99 ) .
(1) القاموس المحيط للفيروزآبادي 4 : 346 .
(2) سورة طه : 115 .
(3) كذا في النسخ ، و في المصدر : حمله .
(4) من المصدر .
(5) كذا في النسخ ، و في المصدر : أبي معاوية .
التنبيه بالمعلوم
_ 106 _
الظاهرة ، يكون له المعجز الدليل ،]
(1) و تنام عينه و لا ينام قلبه ، و يرى من خلفه كما يرى من بين يديه ،
(2) الحديث .
السادس و الثلاثون:
ما رواه الكليني في باب مولد أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام .
عن علي بن محمد ؛ و محمد بن أبي عبدالله ، عن إسحاق بن محمد النخعي ، عن الأقرع قال : كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله عن الإمام هل يحتلم ؟ و قلت في نفسي [ بعد ما فصل الكتاب ]
(3) : الاحتلام شيطنة ، و قد أعاذ الله تبارك و تعالى أولياءه من ذلك .
فورد في الجواب : حال الأئمّة في المنام حالهم في اليقظة ، لا يغير النوم شيئاً منهم ، وقد أعاذ الله أولياءه من لمّة
(4) الشيطان كما حدّثتك نفسك .
(5)
السابع و الثلاثون :
ما رواه ابن بابويه في عيون الأخبار في أوائل الجزء الثاني بإسناده عن الرضا عليه السلام قال : ما يتقلّب جناح طائر في الهواء إلّا و عندنا منه علم .
(6)
أقول : فكيف يجوز على من هذا شأنه أن يكون جاهلاً بفعل نفسه ؟!
---------------------------
(1) من المصدر .
(2) الخصال : 397 .
(3) من المصدر .
(4) كذا في ( ج ، د ) و المصد ر، و في ب : ملّة .
(5) الكافي 1 : 509 ح 12 .
(6) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 333 ، عنه البحار 26 : 19 .
التنبيه بالمعلوم
_ 107 _
الثامن و الثلاثون :
ما رواه علي بن عيسى في كشف الغمّة نقلاّ من كتاب الدلائل لعبدالله ابن جعفر الحميري في دلائل الرضا عليه السلام قال : يا حسن ، مَنامُنا و يقظتنا واحد .
(1)
التاسع و الثلاثون :
ما رواه ابن بابويه في كتال من لا يحضره الفقيه في باب صفة وضوء رسول الله صلّى الله عليه و آله قا ل : و روي أنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله توضّأ ثم مسح على نعليه ، فقال له المغيرة أنسيت يا رسول الله ؟ فقال : بل أنت نسيت هكذا أمرني ربّي .
(2)
أقول : هذا يفهم منه الإنكار و الغضب و نفي النسيان عن نفسه مطلقاً ؛ إذ لو كان جائزاً لما جاز الإنكار و الغضب و نفي النسيان عن نفسه مطلقاً ، إذ لو كان جائزاً لما جاز الإنكار على من يستفهم عنه ، ألا ترى إلى قوله : بل أنت نسيت ، مع أنّه بحسب الظاهر لم يقع منه نسيان ، فلابدّ من حمله على المجاز أو على أنّ المراد أنّ السهو من شأنك لا من شأني ، ولعلّه أقرب .
الأربعون :
ما رواه السيّد المرتضى في رسالة المحكم و المتشابه
(3) نقلاً عن تفسير
---------------------------
(1) كشف الغمّة 2 : 303 .
(2) من لا يحضره الفقيه 1 : 37 .
(3) رسالة المحكم و المتشابه : 181 و المطبوعة ضمن جامع الأخبار و الآثار للسيد الأبطحي الأصفهاني .
التنبيه بالمعلوم
_ 108 _
النعماني باسناده عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث صفات الإمام : فمنها أن يعلم الإمام المولى عليه انّه معصوم من الذنوب كلّها صغيرها و كبيرها لا يزلّ في الفتيا و لا يخطىء في الجواب و لا يسهو و لاينسى و لا يلهو بشيء من اُمور الدنيا ـ ألى أن قال : ـ و عذلوا من أخذ الأحكام من أهلها ممّن فرض الله طاعتهم ممّن لا يزلّ و لا يخطىء و لا ينسى .
الحادي والأربعون:
ما رواه محمد بن مسعود العيّاشي في تفسيره عن جميل بن درّاج ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما عليهما السلام قال : سألته كيف أخذ الله آدم بالنسيان ؟
فقال : انّه لم ينس ، و كيف ينسى و هو يذكّره و يقول له ابليس
(1)( مَا نَهَا كُمَا رَبُّكُمَا عَن هَذِهِ الشَجَرَةِ إلّا أن تَكُونَا مَلَكينِ أو تَكُونَا مِنَ الخَالِدِينَ )
(2) .
(3)
الثاني و الأربعون :
كل ما دلّ على العصمة في الأحاديث فهو دالّ على المقصود هنا ، و هذا القسم أكثر من أن يحصى ، و معلوم أنّ العصمة شاملة لنفي السهو مطلقاً لغة و عرفاً ، بدليل تبادر الفهم و عدم تبادر التفصيل و عدم قيام الدليل ، و يأتي ما يوضح هذا ان شاء الله .
---------------------------
(1) في ج : و يقول و ابليس ، و في د : و يقابله ابليس .
(2) سورة الأعراف : 20 .
(3) تفسير العيّاشي 2 : 10 ، البرهان 2 : 6 ، بحار الأنوار 11 : 187 ح 43 .