الفهرس العام

حديث الثقلين


حديث الثقلين
نص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)على الأئمة الاثنى عشر (عليهم السلام)
بعض المجون
فصل في الصحابة


   بأنك افترضت عليّ طاعة هذا فعصيتك امتثالاً لأمرك.
  وقد روى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما تسالم على نقله الفريقان: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
  وجليّ ان لا وجه لاحتمال الخطأ عمداً أو سهواً من قبل أولي الأمر، وإن ادعاء الرازي بانهم مجموعة أفراد ذوي نفوذ وتأثير في المجتمع كرؤساء الجند والسرايا والعلماء وأولياء الدولة، وما ذكره صاحب المنار في أن أولي الأمر هم أهل الحل والعقد الذين تثق بهم الأُمّة من العلماء والرؤساء في الجيوش والمصالح العامة كالتجارة والصناعات ورؤساء العمال والأحزاب ، لا يبرأ كلم ولا يشفي غليل.
  ومن حقنا أن نسألهما ومن ذهب إلى رأيهما ، من الضامن لعصمة هؤلاء جميعاً إذا كان يجوز على آحادهم الخطأ والزلل ؟ وهل الحاصل النهائي إلا من نتاج مجموع الأفراد، لأنهم وببساطة غير مسددين بعصمة الهية، ولا أخال أن أحداً ممن يضعهم كمراجع للأُمة عند الروع والرخاء يعتقد عصمتهم فيما بينه وبين ربه.
  ذلك مع جزمنا بان الأرض لا يمكن ان تخلو من المعصوم للحظة واحدة كما أشرنا، بدلالة كتاب الله تعالى وما ورد في صحاح القوم وسننهم وأسانيدهم ، وعندما يطرحهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كدلالة للحق ومانع عن الضلال وعدل للقرآن فتلك هي العصمة ليست إلاّ
  (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَ إِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ

بحث في الصحبة والصحابة _ 27 _

  وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيم حَمِيد )(1) .
  فهم كالقرآن في عصمتهم وبقاءهم ما دام القرآن باقياً إلى يوم القيامة بدلالة حديث الثقلين في عدم افتراقهما، وستأتيك ان شاء الله تعالى روايات القوم لهذا الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
  ثم أليست الآية 06 من سورة النساء تخبرنا أن من لا يرجع إلى الله ورسوله واولي الأمر المعصومين قد تحاكم إلى الطاغوت ؟ أوَ ليس الطاغوت هو كل من عدا ذكره لأنّه خارج الحصر .

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَ يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا) (2).

  والأمر هنا ليس أمر الناس واِنما هو أمر الله تعالى وهو المتكرر في الآيات المباركة:

(وَ إِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَ لَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً). (3)
(وَ جَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَ أَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَ إِقَامَ الصَّلَوةِ وَ إِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَ كَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)(4).


---------------------------
(1) فصلت : 41ـ42.
(2) النساء : 60.
(3) النساء : 83.
(4) الأنبياء : 73.

بحث في الصحبة والصحابة _ 28 _

  (وَ جَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَ كَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ). (1)
  وردُّ أي أمر لغير من نصّت عليه الآية 59 النساء: كما اسلفنا هو ردّ إلى الطاغوت، والاحتكام والردّ لغير المعصوم هو طريق الضلال البعيد الّذي يريد الشيطان أن يوصل إليه من لا يكفر بالطاغوت.
  (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَي فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا وَ اللهُ سَمِيعٌ عَلِيمُ) (2).
  وهذه مقابلة بين الكفر بالطاغوت والايمان بالله، أي أن الّذي لا يكفر بالطاغوت لا يؤمن بالله العظيم.
  قال السيد الطباطبائي (رحمه الله): الطاغوت هو الطغيان والتجاوز عن الحد ويستعمل فيما يحصل به الطغيان كأقسام المعبودات من دون الله كالأصنام والشياطين والجن وأئمة الضلال من الإنسان وكل متبوع لا يرضى الله سبحانه باتباعه .(3)
  في كتاب التوحيد باسناده إلى أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)
  قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام )في خطبة : (أنا حبل الله المتين وأنا عروة الله الوثقى).

---------------------------
(1) السجدة : 24.
(2) البقرة : 256.
(3) الميزان : 2/360.

بحث في الصحبة والصحابة _ 29 _

  في كتاب الخصال عن عبد الله بن عباس قال : قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فينا خطيباً فقال في آخر خطبته : نحن كلمة التقوى وسبيل الهدى والمثل الأعلى والحجة العظمى والعروة الوثقى .(1)
  فأولوا الأمر هؤلاء هم عدل القرآن، وهم المطهرون بدلالة آية التطهير
(إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (2).

  وهم الخلفاء الاثني عشر الذين روتهم كتب القوم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسنحاول إن شاء الله أن نسجّل في هذا البحث الصور المختلفة لهذه العناوين ، ننقلها كذلك من كتب أهل العامة.


  2480 حدثني زهير بن حرب وشجاع بن مخلد جميعا عن بن علية قال زهير حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثني أبو حيان حدثني يزيد بن حيان قال ثم انطلقت أنا وحصين بن سمرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلما جلسنا إليه قال له حصين لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم )وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه لقد لقيت يا زيد خيرا كثيراً حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فما حدثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلفونيه ثم قال قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة

---------------------------
(1) نور الثقلين : 1\262.
(2) الأحزاب : 33.

بحث في الصحبة والصحابة _ 30 _

  والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال أما بعد أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحثّ على كتاب الله ورغب فيه ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي فقال له حصين ومن أهل بيته يازيد أليس نساؤه من أهل بيته قال نساؤه ليس من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده .(1)
  8148 أخبرنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى بن حماد قال حدثنا أبو عوانة عن سليمان قال حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال ثم لما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن ثم قال كأني قد دعيت فأجبت إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يتفرقا حتّى يردا عليّ الحوض ثم قال إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن ثم أخذ بيد علي فقال من كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فقلت لزيد سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ما كان في الدوحات رجل إلاّ رآه بعينه وسمع بأذنه.(2)
  8175 أخبرنا زكريا بن يحيى قال حدثنا إسحاق قال أنا جرير عن أبي

---------------------------
(1) صحيح مسلم : 4\1873.
(2) السنن الكبرى : 5\45.

بحث في الصحبة والصحابة _ 31 _

  حيان التيمي يحيى بن سعيد بن حيان عن يزيد بن حيان قال انطلقت أنا وحصين بن سمرة بن عمر بن مسلم إلى زيد بن ارقم فجلسنا إليه فقال حصين يا زيد حدثنا ما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما شهدت معه قال ثم قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بماء يدعى فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال أما بعد أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فاجيبه وإني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ومن استمسك به وأخذ به كان على الهدى ومن أخطأه تركه كان على الضلالة وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ثلاث مرات قال حصين فمن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته قال بلى إن نساءه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة. (1) لاحظ كيف امتدت يد التغيير للحديث!!
  11119 حدثنا عبدالله حدثني أبي حدثنا أسود بن عامر أخبرنا أبو إسرائيل يعني إسماعيل بن أبي إسحاق الملاني عن عطية عن أبي سعيد قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم )ثم اني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض. (2)
  11147 حدثنا عبدالله حدثني أبي حدثنا أبو النضر حدثنا محمد يعني بن طلحة عن الأعمش عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن

---------------------------
(1) السنن الكبرى : 5\51.
(2) مسند أحمد : 3\14.

بحث في الصحبة والصحابة _ 32 _

  النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ثم اني أوشك ان أدعي فأجيب وأني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عزوجل وعترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وان اللطيف الخبير أخبرني انهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض فانظروني بم تخلفوني فيهما على الحوض. (1)
  11227 حدثنا عبدالله حدثني أبي حدثنا بن نمير حدثنا عبدالملك يعني بن أبي سليمان عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم )ثم اني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله عزوجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي إلاّ انهما لن يفترقا حتّى يردا على الحوض. (2)
  3786 حدثنا نصر بن عبدالرحمن الكوفي حدثنا زيد بن الحسن هو الأنماطي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبدالله قال ثم رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم )في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي. (3)
  3788 حدثنا علي بن المنذر كوفي حدثنا محمد بن فضيل قال حدثنا الأعمش عن عطية عن أبي سعيد والأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن

---------------------------
(1) مسند أحمد : 3\17.
(2) مسند أحمد : 3\26.
(3) سنن الترمذي : 5\662 ، باب مناقب أهل بيت النبي( صلى الله عليه وآله وسلم ).

بحث في الصحبة والصحابة _ 33 _

  زيد بن أرقم رضي الله عنهما قالا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم )ثم إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدد من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتّى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما قال هذا حديث حسن غريب. (1)
  2559 أخبرنا أبو عبدالله محمد بن عبدالله لصاحب الأصبهاني حدثنا أحمد بن مهران بن خالد الأصبهاني حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا طلحة بن خير الأنصاري عن عبدالمطلب بن عبدالله عن مصعب بن عبدالرحمن عن عبدالرحمن بن عوف (رضي الله عنه) قال ثم افتتح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مكة ثم انصرف إلى الطائف فحاصرهم ثمانية أو سبعة ثم أوغل غدوة أو روحة ثم نزل ثم هجر ثم قال أيها الناس أني لكم فرط وإني أوصيكم بعترتي خيرا موعدكم الحوض والذي نفسي بيده لتقيمن الصلاة ولتؤتون الزكاة أو لأبعثن عليكم رجلا مني أو كنفسي فليضربن أعناق مقاتليهم وليسبين ذراريهم قال فرأى الناس أنّه يعني أبا بكر أو عمر فأخذ بيد علي فقال هذا هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه . (2)
  4576 حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم الحنظلي ببغداد حدثنا أبو قلابة عبدالملك بن محمد الرقاشي حدثنا يحيى بن حماد وحدثني أبو بكر محمد بن بالويه وأبو بكر أحمد بن جعفر البزار قالا حدثنا عبدالله بن

---------------------------
(1) سنن الترمذي : 5\663.
(2) المستدرك على الصحيحين : 2\131.

بحث في الصحبة والصحابة _ 34 _

  أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثنا يحيى بن حماد وحدثنا أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارا حدثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادي حدثنا خلف بن سالم المخرمي حدثنا يحيى بن حماد حدثنا أبو عوانة عن سليمان الأعمش قال حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم (رضي الله عنه) قال ثم لما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقمن فقال كأني قد دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله تعالى وعترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يتفرقا حتّى يردا علي الحوض ثم قال إن الله عزوجل مولاي وأنا مولى كل مؤمن ثم أخذ بيد علي (رضي الله عنه) فقال من كنت مولاه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وذكر الحديث بطوله هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله شاهده حديث سلمة بن كهيل عن أبي الطفيل أيضاً صحيح على شرطهما. (1)
  4711 حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين بن مصلح الفقيه بالري حدثنا محمد بن أيوب حدثنا يحيى بن المغيرة السعدي حدثنا جرير بن عبدالحميد عن الحسن بن عبدالله النخعي عن مسلم بن صبيح عن زيد بن أرقم (رضي الله عنه) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم )ثم إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتّى يردا علي الحوض هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه .(2)

---------------------------
(1) المستدرك على الصحيحين : 3\118.
(2) المستدرك على الصحيحين : 3\160.

بحث في الصحبة والصحابة _ 35 _

  وللمزيد راجع المصادر التالية التي روت الحديث بلفظ عترتي:
  الصواعق للحافظ ابن حجر : 613 / ط 1 .
  الجامع الصغير ، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، السراج المنير في شرح الجامع الصغير: 2 / 56 .
  المواهب اللدنية، الحافظ ابن حجر العسقلاني ، شرح المواهب: 8 / 7 .
  الخطيب البغدادي: 8 / 344 ، الدارمي في فضائل القرآن: 2 / 314.
  مشارق الانوار، حمزة العدوي: 461 .

  وأما نص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على الأئمة الاثني عشر ـ بعددهم أو باسمائهم ، فإليك ما وثقّه القوم باسانيدهم.
  1 ـ أخرج أحمد بن حنبل في مسنده : 1 / 398، 604 و 5 / 89.
  عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول في حجة الوداع: لا يزال هذا الدين ظاهراً على من ناواه ولا يضره مخالف ولا مطارق حتّى يمضي من أمتي إثنا أميراً كلهم من قريش.
  2 ـ أخرج مسلم في صحيحه : 3 / 2451 ـ 3451 عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
  لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة ويكون عليهم اثناء عشر خليفة كلهم من قريش وفي صورة أُخرى : لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم إثنا عشر رجلاً كلهم من قريش .

بحث في الصحبة والصحابة _ 36 _

  وفي صورة أُخرى: لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش .
  وفي صورة أُخرى:
  حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن حصين عن جابر بن سمرة قال سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول :... وحدثنا رفاعة بن الهيثم الواسطي واللفظ له حدثنا خالد يعني بن عبدالله الطحان عن حصين عن جابر بن سمرة قال دخلت مع أبي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسمعته يقول ثم ان هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة قال ثم تكلم بكلام خفي عليّ ، قال : فقلت لأبي ما قال قال كلهم من قريش ، 3 / 2451 ، ح 1821 .
  3 ـ كنز العمال 11 / 296 .
  عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: يكون بعدي اثنا عشر خليفة.
  4 ـ في صحيح البخاري : 9 / 101 كتاب الاحكام أيضاً عن جابر بن سمرة قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يكون بعدي اثناعشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي أنّه قال كلهم من قريش.
  5 ـ ابن حجر في صواعقه الباب 11 فصل 2 ص 189.
  6 ـ القندوزي الحنفي في ينابيع المودة باب 49 / ص 494 عن جابر الجعفي، قال : سمعت جابر بن عبدالله الانصاري يقول ، قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
  يا جابر ان اوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي أولهم علي ثم الحسن والحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف بالباقر ، ستدركه يا

بحث في الصحبة والصحابة _ 37 _

  جابر ، فاذا لقيته فاقرءه مني السلام، ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم القائم اسمه اسمي وكنيته كنيتي ابن الحسن بن علي ذاك الذي يفتح الله تبارك وتعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، ذاك الذي يغيب عن أوليائه غيبةً لا يثبت على القول بأمامته إلاّمن امتحن الله قلبه للإيمان .
  قال جابر : فقلت يا رسول الله فهل للناس الانتفاع به في غيبته.
  فقال : أي والذي بعثني بالنبوة إنهم يستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وان سترها سحاب ، هذا من مكنون سر الله ومخزون علم الله فاكتمه إلاّ عن أهله .
  وورد هذا الحديث في :
  حلية الاولياء لابي نعيم الاصفهاني: 3 / 422 ، مجمع الزوائد لأبي بكر الهيثمي: 5 / 218 ، كنز العمال للمتقي الهندي: 1 / 103، ح 346 ، 464 ، المعجم الكبير للطبراني: 19 / 388 ، ح 910.
  والمؤسف أن هذا الحديث على وضوحه وسلاسة الفاظه وسهولة فهمه ، لم يسلم من صرف معناه ابتغاء الفتنة فخرجوا علينا بكلام يضحك الثكالى، ولعل أول من فتح باب التخريفات وهو أهل لذلك عبدالله بن عمر مدّعي العلم الذي طلق امرأته ثلاثاً وهي حائض وقد غاب عن هذا المتفيهق المتشدق أن الطلاق لا يقع إلاّ في طهر من غير وقاع . (1)

---------------------------
(1) صحيح مسلم : 3\273 و 4\179 ، صحيح البخاري : 8\76 ، مسند أحمد : 2\51 ، 61 ، 64 ، 74 ، 80.

بحث في الصحبة والصحابة _ 38 _

  وهو القائل تعدياً على قدسية الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):
  ما أعطي أحد بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الجماع ما أعطيت أنا . (1)
  يقول هذا معلقاً على حديث الأثني عشر خليفة:
  يكون على هذه الأمة اثنا عشر خليفة وهم : أبو بكر الصديق، عمر الفاروق، عثمان ذو النورين، معاوية وابنه ملكا الأرض المقدسة، السفاح، سلام، ومنصور ، وجابر والمهدي والأمين وأمير العصب، كلهم من بني كعب بن لؤي كلهم صالح لا يوجد مثله . (2)
  وصاحب هذه الرواية ـ عبدالله بن عمر ـ كان معارضاً بداية الأمر لبيعة يزيد بن معاوية، ولكن معاوية أرسل إليه مائة ألف درهم فقبلها منه، فلما ذكر معاوية له البيعة لابنه يزيد الملعون قال ابن عمر: هذا ما أراد ؟ إن ديني إذاً عليَّ لرخيص . (3)
  وروى البخاري وغيره من المحدثين ان عبدالله بن عمر كان يحمل الناس على البيعة ويخوّف كل من تحدثه نفسه بالخروج عليها ، وقد جمع ولده ومواليه وحشمه أبان خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية قائلاً لهم : إنا بايعنا هذا الرجل على بيعة الله ورسوله وإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : ان الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، فيقال : هذه غدرة فلان وإنّ من أعظم

---------------------------
(1) نوادر الأصول للحكيم الترمذي : 212.
(2) كنز العمال : 6\67 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : 140.
(3) أنساب الأشراف للبلاذي : 5\31 ، الأستيعاب لأبن عبد البر : 2\396 ، أسد الغابة : 3\289.

بحث في الصحبة والصحابة _ 39 _

  الغدر بعد الاشراك بالله أن يبايع رجلٌ رجلاً على بيعة الله ورسوله ثم ينكث بيعته ، ولا يخلعنّ أحدٌ منكم يزيد ولا يشرفنّ أحدٌ منكم في هذا الأمر فيكون حليماً بيني وبينه. (1)
  وهو الذي ذهب إلى الحجاج قائلاً : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ، فاحتقره الحجاج واعطاه رجله قائلاً : ان يدي مشغولة فبايعه وكان يصلي خلف الحجاج الزنديق وخلف واليه نجدة بن عامر أمير الخوارج . (2)
  وإنّه لمن الصعوبة بمكان فهم كيفية انتخاب هذه التشكيلة التي لا يجمعها جامع ولا يشركها قاسم ، إلاّ أن يكون قد اقترع على اسماء اختارها وأُخرى اختلقها واستثنى ابتداءاً علياً (عليه السلام) واولاده الكرام ـ وما يضمره القلب تظهره فلتات اللسان والمرء مخبوء تحت لسانه ـ .
  (وَ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْم عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا) (3).
  والغريب أن لا تكون هكذا وأبوك كان يسعى لاطفاء نور بيت النبوة لعدم يقينه بقداسة هذا البيت فيجذب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من ثوبه يقف في وجهه ويشكك في نبوته بقوله ألست نبي الله ويهدد بحرق بيت فاطمة (عليها السلام)( ومن شابه أباه فما ظلم).
  وقد أردفه السيوطي باقواله الشاذة وان كان أقل تشوشاً وإليك رأيه الذي لا يخفى وهنه ولا يستر شينه ، يقول :

---------------------------
(1) صحيح البخاري : 1\166 ، مسند أحمد : 2\96 ، سنن البيهقي : 8\159.
(2) الطبقات الكبرى لأبن سعد : 4\110 ، المحلى لأبن حزم : 4\213.
(3) المائدة : 8.

بحث في الصحبة والصحابة _ 40 _

  وعلى هذا فقد وجد من الأثنى عشر، الخلفاء الأربع والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبدالعزيز من بني أمية، وكذلكَ الظاهر لما أوتيه من العدل، وبقي الاثنان المنتظران!! أحدهما المهدي، لأنّه من أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)!! ، ولم يعلمنا من هو المنتظر الثاني!!
  فواأسفاه على دين يشرح علوم نبيه عبدالله بن عمر والسيوطي ، وربما قصر علمنا عن استقصاء اراء أمثالهم، وربما أبدع غيرهم فجعلوا سلاطين بني عثمان ورؤساء الجمهوريات وملوك البلاد الإسلامية من الخلفاء الاثني عشر ، وربما تكون هذه الاراء مقننة لاضفاء الشرعية على من يذكر اسمه وان سفك الدماء المحرمة وشرب الخمر وغنته القينات واطربته المعازف.
  وحتّى نطلع على القليل من حياة خلفاء الشيطان ممن وسعّوا رقعة الدولة الإسلامية ابتغاءاً للذاتهم ، وما زال وللأسف الكثير من المسلمين يفخرون بهم ويسمون أيام خلافتهم بالعصر الذهبي (ولا بأس بأن نذكر للقارئ الكريم قليلاً من أخبارهم الماجنة).


  كان إبراهيم بن المهدي أخو الرشيد قد بلغ منزلة في الغناء وعرف بشيخ المغنين، وكانت علية بنت المهدي تغني أحسن غناء.
  وكان أخوها يعقوب يزمر لها على الغناء والرشيد يعلمه ذلك ، وقد غنت جارية ذات يوم .

بحث في الصحبة والصحابة _ 41 _

يا  مورى الزند قد أعيت iiقوادحه
أقبس  إذا شئت من قلبي iiبمقباس
ما أقبح الناس في عيني وأسمجهم
اذانظرت  فلم أبصرك في iiالناس
  فاراد الرشيد أن يعرف لمن الصوت، فأشارت إليه الجارية أنه لعلية أخته .
  وروى أبو الفرج عن أحمد بن يزيد، قال حدثني أبي قال : كنا عند المنتصر فغناه فنان لحناً من الرمل الثاني:
يا ربة المنزل iiبالبرك      وربة السلطان iiوالملك
تحرجي بالله من iiقتلنا      لسنا من الديلم والترك

  فضحكت : فقال لي: ممّ تضحك ؟ قلت: من شرف قائل هذا الشعر، وشرف من عمل اللحن منه وشرف مستمعه.
  قال : وما ذاك ؟ قلت الشعر فيه للرشيد، والغناء لعلية بنت المهدي، وأميرالمؤمنين مستمعه.
  حكى اسحاق الموصلي... قال:
  كان الواثق بن المعتصم أعلم الناس بالغناء ، وكان يصنع الالحان العجيبة، ويغني بها شعره وشعر غيره ، فقال له يوماً (لأسحاق) : يا أبا محمد لقد فقت أهل العصر في كلِّ شيء ، فغني شعراً أرتاح إليه، وأطرب عليه يومي

بحث في الصحبة والصحابة _ 42 _

  هذا، فقال إسحاق فغنيته هذه الأبيات:
ما كنت أعلم ما في البين من حرق      حتى  تنادوا  بأن  قد جيء iiبالسفنِ
قالت    تودعني   والدمع   iiيغلبها      فهمهمت  بعض  ما  قالت ولم iiتبنِ
مالت   إليَّ   وضمتني   iiلترشفني      كما   يميل  نسيم  الريح  iiبالغصنِ
وأعرضت  ثمَّ  قالت  وهي  iiباكيةٌ      ياليت   معرفتي   إياك   لم   iiتكنِ
  قال : فخلع عليَّ خلعةً كانت له وأمر لي بمائة ألف درهم . (1)
  فمرحى لكم وهنيئاً هذا الشرف العظيم .
  وذلك هو ديدن خلفاء الشيطان، وليت جميعهم كانوا هكذا، ولم يتعد اسرافهم حد المجون والخلاعة إلى سفك الدماء، ويكفيك ما أنت عالم به من افعال معاوية ويزيد واضرابهم ممن لم يتركوا حرمة لله تعالى إلاّ انتهكوها، ونكتفي بهذا القدر ومن شاء الاسهاب والأطالة فليس هناك من ساحل تنتهي عنده جرائم هؤلاء وامثالهم ممن أزاحوا الخلفاء الحقيقين، وبدّلوا دين الله إلى دين ابتهجت به الشياطين وبلغت به الأماني والآمال .

---------------------------
(1) المستطرف في كل فن مستضرف : 2\231.

بحث في الصحبة والصحابة _ 43 _

فصل في الصحابة

  ربما يتساءل البعض عن الداعي لصحبة أبي بكر لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وزواجه من ابنته عائشة ـ إن كان الأمر كما تدّعيه الشيعة ـ والجواب أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مأمور أن يتعامل مع الناس على مستوى اداء الشهادتين، فمن قالها كان مسلماً بغض النظر عما يخفيه باطنه.
  (قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَ لَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَ إِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَ رَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (1).
  (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيَماهُمْ وَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَ اللهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) (2).
  مع العلم بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد تزوج بنات المنافقين والكفار كزواجه برملة بنت أبي سفيان قبل الهجرة يوم كان أبوها الكافر الأكبر، سبباً وموجباً لأكبر الأذى والحرب على الإسلام وقتل المسلمين قبل الهجرة ومن بعدها أيضاً، ولا يخفى على أحد أن أبا سفيان ما آمن قط للحظة واحدة حتّى بعد

---------------------------
(1) الحجرات : 14.
(2) محمد : 29 ـ 30.

بحث في الصحبة والصحابة _ 44 _

  فتح مكة ، وكان يعلن عدم إيمانه بنبوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وتزوج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بسودة بنت زمعة وكان أبوها مشركاً ، وتزوج بصفية بنت حيي بن أخطب بعد أن قُتل أبوها اليهودي الكافر، فما كان أمر عائشة وحفصة بدعاً ، لأن المناكح تجري على ظاهر الإسلام دون حقائق الإيمان، وليس خافياً عنك إخبار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بخروج عائشة على إمام زمانها.
  حدثنا أبو عبدالله محمد بن يعقوب الحافظ حدثنا محمد بن عبدالوهاب العبدي حدثنا يعلي بن عبيد حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال : ثم لما بلغت عائشة ( رض ) بعض أخذها بني عامر نبحت عليها الكلاب فقالت أي ماء هذا قالوا الحؤاب قالت ما أظنني إلاّ راجعة فقال الزبير لا بعد تقدمي ويراك الناس ويصلح ذات بينهم قالت ما أظنني إلاّ راجعة سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول كيف باحداكن إذا نبحتها كلاب الحوأب. (1)
  عن عصام بن قدامة عن عكرمة عن ابن عباس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال يوماً لنسائه وهن جميعاً عنده: أيتكن صاحبة الجمل ألأدَبّ، تنبحها كلاب الحوأب، يقتل عن يمينها وشمالها قتلى كثيرة كلهم في النار ، وتنجو بعد ما كادت . (2)
  بالاضافة إلى سكوت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أي إقراره المنافقين على نكاح

---------------------------
(1) المستدرك على الصحيحين : 3\129 ، ح 4613.
(2) شرح النهج لأبن الحديد : 2\497.

بحث في الصحبة والصحابة _ 45 _

   المؤمنات وإقراره المؤمنين على نكاح المنافقات.
  وقد ثبت في القرآن كفر بعض أزواج الأنبياء( عليهم السلام):

  (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوح وَ امْرَأَةَ لُوط كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَينِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَ قِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) (1).

  هذا من جهة ومن جهة أُخرى، فإن القرآن الكريم يوضح لنا سنّة ثابتة لاتتبدل بتقادم العصور والأزمان في أن للذنوب أثراً وضعياً.

  (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) (2).
  (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَ مَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ )(3).

  وقد نواجه بالسؤال التالي: اِذاً ما فائدة التوبة ؟ قلنا لو كانوا سواءً لما قيل : التائب من الذنب كمن لا ذنب له .
  ونقول اِنظر بدقة في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَ لَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (4).

  وقد فرّ من فرّ منهم في معركة أُحد (باستثناء الأربعة) التي تزخر كتب

---------------------------
(1) التحريم : 10.
(2) ص : 28.
(3) الجاثية : 21.
(4) آل عمران : 155.

بحث في الصحبة والصحابة _ 46 _

  الجمهور قبل الشيعة بتفاصيلها ، ومن ثبت ومن فرّ بعد أن جرح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكسرت رباعيته ، وصيح أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم )قد قتل ، ولو أردنا الاَسهاب لاحتجنا إلى كتاب منفصل في وصف المرارة والفضيحة والخذلان ، ولولا سيف علي (عليه السلام) وقتله لأصحاب الالوية وتحطيمه الكتائب، لما قامت للإسلام قائمة فكانت هزيمةٌ ، نَصْرُها فقط في حفظ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأين الصحابة الذين اختلف الناس من بعدهم فيهم ؟ فليت حضورهم كان هنا ، وغيابهم كان هناك (في سقيفة بني ساعدة)!!
  ولعل في خطاب زينب بنت علي (عليه السلام )ليزيد بن معاوية في الشام باستشهادها بالآية الكريمة:
  (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوآى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَ كَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ) (1).
  دليلاً على أثر الذنوب وفعلها في تحديد المصير ، مؤكدة على أن ذنوب يزيد السابقة لقتل الإمام الحسين (عليه السلام) هي الّتي أوصلته لهذا الفعل الشنيع، إذاً فقتل الإمام الحسين (عليه السلام) هو تحصيل حاصل ، والآية توضح أن التكذيب بآيات الله والاستهزاء بها إنما جاء نتيجة الأفعال السيئة السابقة.
  وما يجب قوله هنا هو من الّذي جاء بيزيد ـ لعنه الله ـ للسلطة ومكّنه من التلاعب بمقدرات المسلمين وقتل النجباء من آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والثلة المؤمنة ، وتعدّيه على قوانين السماء ؟ أليست هي سقيفة بني ساعدة ، فاِنا لله

---------------------------
(1) الروم : 10.

بحث في الصحبة والصحابة _ 47 _

  واِنا إليه راجعون ... وما نراه الآن من ذلّة المسلمين على كثرتهم إنما هو لورودهم غير النبع الصافي وتخلفهم عن سفن النجاة.
  (وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَات مِنَ السَّمَاءِ وَ الأَرْضِ وَ لَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) (1).
  إذاً من الواضحات أنّه لا كرامة لصحبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ مع التقوى:
  (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَر وَ أُنْثَى وَ جَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَ قَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (2).
  كما لا كرامة لنساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ بالتقوى :
  (يَا نِسَاءَ النَّبي لَسْتُنَّ كَأَحَد مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَ قُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا) (3).
  وربّما ترتب الصحبة والقربى أمراً أشدَ وتكاليف اشق، وقد قيل للإمام علي بن الحسين (عليه السلام) أنت ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وابن علي (عليه السلام )وابن فاطمة (عليها السلام )فأجاب .
  إنما مثلنا مثل نساء النبي: (يَا نِسَاءَ النَّبي مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَة مُبَيِّنَة يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَ كَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا) (4).
  ولم نجد في كتاب الله تعالى مدحاً لصحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) باعتبار الصحبة، إلاّ ان يكون باعتبار الإيمان وحتى بعض الآيات الّتي ربّما يعتقد

---------------------------
(1) الأعراف : 96.
(2) الحجرات : 13.
(3) الأحزاب : 32.
(4) الأحزاب : 30.

بحث في الصحبة والصحابة _ 48 _

  البعض أنها مدح نتمنى أن تفحص بدقة ويفهم تأويلها ليكشف ما خفي على من أراد كما في قوله : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَ رِضْوَانًا سِيَماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَ مَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْع أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) (1).
  ورد في تفسير الميزان في قوله (وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيماً).
ضمير (منهم) للذين معه ، ومن للتبعيض على ما هو الظاهر المتبادر من مثل هذا النظم ويفيد الكلام اشتراط المغفرة والأجر العظيم بالأيمان حدوثاً وبقاءً وعمل الصالحات، فلو كان منهم من لم يؤمن أصلاً، كالمنافقين الذين لم يعرفوا بالنفاق كما يشير إليه قوله تعالى : (وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ) (2).
  أو آمن أولاً ثم أشرك وكفر كما في قوله تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى
ـ إلى أن قال ـ * وَ لَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيَماهُمْ) (3).
  أو أمن ولم يعمل الصالحات كما يستفاد من آيات الافك وآية التبين

---------------------------
(1) الفتح : 29.
(2) التوبة : 101.
(3) محمد : 25 ـ 30.

بحث في الصحبة والصحابة _ 49 _

  في نبأ الفاسق وأمثال ذلك، لم يشمله وعد المغفرة والأجر العظيم.
  (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الُْمحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (1).
  (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا) (2).

  وهو الوليد بن عقبة ـ صحابي ـ وقد سماه الله فاسقاً وقد قال الله تعالى: (فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ)(3).
  ونظير الآية أيضاً في الاشتراط قوله تعالى: ( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ ـ إلى أن قال ـ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (4).
  وقيل: إنّ مِنْ في الآية بيانية لا تبعيضية فتفيد شمول الوعد لجميع الذين معه ، وهو مدفوع ـ كما قيل ـ بأن مِنْ البيانية لا تدخل على الضمير مطلقاً في كلامهم ، والاستشهاد لذلك بقوله تعالى : (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ ) (5) مبني على إرجاع ضمير (تَزَيَّلُوا) إلى المؤمنين، وضمير (مِنْهُمْ) للذين كفروا ، والواقع أن الضميرين جميعاً راجعان إلى مجموع المؤمنين والكافرين من أهل مكة فتكون (من) تبعيضية لا بيانية .

---------------------------
(1) نور : 23.
(2) الحجرات : 6.
(3) التوبة : 96.
(4) النور : 55.
(5) الفتح : 25.

بحث في الصحبة والصحابة _ 50 _

  وبعد ذلك كله لو كانت العدة بالمغفرة أو نفس المغفرة شملتهم شمولاً مطلقاً من غير اشتراط بالإيمان والعمل الصالح وكانوا مغفورين ـ آمنوا أو أشركوا وأصلحوا أو فسقوا ـ لزمته لزوماً بيناً لغوية جميع التكاليف الدينية في حقهم وارتفاعها عنهم وهذا ممّا يدفعه الكتاب والسنة ، فهذا الاشتراط ثابت في نفسه وإن لم يتعرض له في اللفظ، وقد قال تعالى في أنبيائه: (وَ لَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (1).   فأثبته في أنبيائه وهم معصومون فكيف فيمن هو دونهم.
  فأن قيل : اشتراط الوعد بالمغفرة والأجر العظيم بالإيمان والعمل الصالح اشتراط عقلي كما ذكر ولا سبيل إلى إنكاره ولكن سياق قوله (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ أَمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) (2) يشهد باتصافهم بالإيمان وعمل الصالحات وأنهم واجدون للشرط. وخاصة بالنظر إلى تأخير (منهم) عن قوله (الَّذِينَ أَمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) حيث يدل على أن عمل الصالحات لا ينفك عنهم بخلاف قوله في آية النور ( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ) (3) كما ذكره بعضهم ويؤيده أيضاً قوله في مدحهم (تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَ رِضْوَاناً)(4) حيث يدل على الأستمرار.
  قلنا : أما تأخير (منهم) في الآية فليس للدلالة على كون العمل الصالح

---------------------------
(1) الأنعام : 88.
(2) المائدة : 9.
(3) النور : 55.
(4) الفتح : 29.

بحث في الصحبة والصحابة _ 51 _

  لا ينفك عنهم بل لأن موضوع الحكم هو مجموع
(الَّذِينَ أَمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)، ولا يترتب على مجرد الإيمان من دون العمل الصالح أثر المغفرة والأجر.
  ثم قوله (منهم) متعلق بمجموع الموضوع فمن حقه أن يذكر بعد تمام الموضوع وهو (الَّذِينَ أَمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)، وأما تقدم الضمير في قوله ( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ) فلأنه مسوق سوق البشرى للمؤمنين، والأنسب لها التسريع في خطاب من بشر بها لينشط بذلك وينبسط لتلقي البشرى.
  وأما دلالة قوله (تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا)... الخ، على الأستمرار فأنما يدل عليه في ما مضى إلى أن ينتهي إلى الحال، وأما في المستقبل فلا ، ومصبُّ إشكال لغوية الاحكام إنّما هو المستقبل دون الماضي إذ مغفرة الذنوب الماضية لا تزاحم تعلق التكليف بل تؤكده بخلاف تعلق المغفرة المطلقة بما سيأتي فأنّه لا يجامع بقاء التكليف المولوي على اعتباره فيرتفع بذلكَ التكليف وهو مقطوع البطلان، على أن ارتفاع التكاليف يستلزم ارتفاع المعصية ويرتفع بارتفاعها موضوع المغفرة، فوجود المغفرة كذلك يستلزم عدمها.
  وقوله تعالى : (لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيق مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ) (1).

---------------------------
(1) التوبة : 117.

بحث في الصحبة والصحابة _ 52 _

  وقوله:(لَقَدْ رَضِىَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (1) .   يقول صاحب الميزان: والرواية تخصص ما تقدم عليها ويدل عليه قوله تعالى فيما تقدم (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (2) .
  فاشترط في الأجر ـ ويلازمه الاشتراط في الرضا ـ الوفاء وعدم النكث ـ وقد أورد القمي هذا المعنى في تفسيره وكأنه رواية.
  هذا الكلام كان تعليقاً على ما أخرج أحمد عن جابر ومسلم عن أم بشر عن معقل بن يسار عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة .
  وما روى عن ابن عباس فيما أخرجه ابن أبي حاتم في قوله تعالى (فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ) (3) قال: إنّما أنزلت السكينة على من علم منه الوفاء.
  وقوله:(وَ السَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الأَنْصَارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان رَضِىَ اللهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي

---------------------------
(1) الفتح : 18.
(2) الفتح : 10.
(3) الفتح : 18.

بحث في الصحبة والصحابة _ 53 _

تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (1).
  فنقول معقبين بجملة واحدة من تفسير الامثل في تفسير الآية 100 / التوبة يقول ـ صاحب الامثل ـ : معناه أن من رضي الله عنه ورضوا عنه هم الذين جمعتهم الآية لا أن الآية تدل على رضاه تعالى عن الأُمة كلهم فهذا مما يدفعه الكتاب بالمخالفة القطعية... لان هذا مقتضاه تكذيب آيات قرآنية كثيرة تدل على أن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين والظالمين وأنّه لا يحبهم ولا يهديهم .
  أقول بتصرف أن المناط هنا هو المتابعة في الاعتقاد والبرامج من قِبَل التابعين في الاعصار التالية للسابقين الأَولين من المهاجرين والانصار بالأحسان وليس غير الأحسان.
  واِنك لتجد أن الله تعالى قد مدح كذلك بعض الاعراب البادين ولكن أيضاً بشروط لدخول رحمته :
  (وَ مِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَ الْيَوْمِ الآخِرِ وَ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَات عِنْدَ اللهِ وَ صَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلاَ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (2).
  ثم ما معنى القول بتنزيه جميع الصحابة وفي المقابل عن أي اقوام تتحدث السور المباركة ـ البقرة، آل عمران ، النساء، التوبة، المنافقون، محمد ،

---------------------------
(1) التوبة : 100.
(2) التوبة : 99.

بحث في الصحبة والصحابة _ 54 _

  ومن هم أولئك الذين شدّد الله تعالى عليهم ووعدهم بالدرك الاسفل من النار: ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَ لَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ) (1)    ألم يكونوا من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
(وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَاب عَظِيم ) (2).
  (وَ مَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَ سَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) (3).

  وما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بدعاً من الرسل، والقرآن الكريم يتحدث بوضوح ان أصحاب الرسل قد اختلفوا من بعدهم فمنهم مؤمن ومنهم كافر ، ولا يدّعي أو بالأحرى لا يستطيع أحدً ان يدعي صلاح مجموع الأُمة بعد رسولها ، لأن الاختلاف قد وقع ، ولا يمكن ان يختلف الأصحاب بينهم ويقتتلوا وكلهم على حق ، فلابد أن يكون منهم المؤمن ومنهم الكافر بالمعاني التي ذكرت.
  (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيَما اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ

---------------------------
(1) النساء : 145.
(2) التوبة : 101.
(3) آل عمران : 144.

بحث في الصحبة والصحابة _ 55 _

  الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَىَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم) (1).
  يقول العارف الأوحد المتفرد الأريب سيد عبد الاعلى الموسوي السبزواري (رحمه الله) في تفسير الآية .
  والمعنى : إنّ الاختلاف إنّما حصل من حملة الكتاب العالمين به بغيا منهم وتجاوزا فحرّفوا كتاب الله تعالى وضيّعوه وتعدّوا حدوده.
  ويستفاد من قوله تعالى : (إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ) (2) أنّ الاختلاف الحاصل في الكتاب والشريعة لا يكون إلاّ من حملة الكتاب الذين قد استبانت لهم الآيات، وهم الأصل في الاختلاف الواقع في الأديان الإلهيّة وأنّ غيرهم وإن كانوا على الخلاف، ولكنّهم منحرفون عن الصرّاط وليسوا بغاة ، ويشهد لذلك الاختلاف في كلّ علم فإنّه يكون من العالمين به دون غيرهم ممن لا علم له به.
  كما يستفاد من قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ) أنّ الكتاب إنّما نزل لرفع الاختلاف والتوفيق بين الناس وإسعادهم بما فيه من الحجج الواضحة والبراهين القويمة، ولكن يشوب الحق أهواء العالمين به وأغراضهم الفاسدة وزيغهم بتحريف الكتاب أو تأويله بما لا يرتضيه عزّوجل ، أو بتبديل آياته، أو الأخذ بمتشابهاته والإعراض عن محكماته .

---------------------------
(1) البقرة : 213.
(2) البقرة : 213.

بحث في الصحبة والصحابة _ 56 _

  ومن مجموع الآية المباركة يستفاد أنّ الدّين المنزل من الله تعالى لا اختلاف فيه ، وهو موافق للفطرة التي لا تلبيس فيها ، قال تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ التي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) (1)، والاختلاف إنّما يكون من غيره عزّوجل الحاصل بين علماء الكتاب وحملته من بعد علم ، ولذا يكون من بغي وهو تعالى لا يعذر الباغي في الدّين، وأما غيره ممن انحرف عن الدّين فقد يعذره إن اشتبه عليه ولم يستطع حيلة ، وعلى ذلك دلّت آيات كثيرة قال تعالى : (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (2)... انتهى. (3)
  (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَات وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) (4).
  (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)
(5).

---------------------------
(1) الروم : 30.
(2) الشورى : 42.
(3) مواهب الرحمان في تفسير القرآن : 3\267 ـ 268.
(4) البقرة : 253.
(5) آل عمران : 19.

بحث في الصحبة والصحابة _ 57 _

  (وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (1).
  (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ فِي مَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (2).
(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ * وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَل مُسَمّىً لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكّ مِنْهُ مُرِيب ) (3).
  (وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَات مِنَ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) (4).

  ورد في تفسير العياشي عن الاصبغ بن نباتة ، قال : كنت واقفاً مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)يوم الجمل فجاء رجلً حتى وقف بين يديه ،

---------------------------
(1) آل عمران : 105.
(2) يونس : 19.
(3) الشورى : 13 ـ 14.
(4) الجاثية : 16 ـ 17.