الفهرس العام

التقية


المتعة أو (الزواج المؤقت )

  وكما قدّمنا بالنسبة الى القول بالبداء فإنّ التقية هي أيضاً من الأمور المستنكرة عن أهل السنّة والجماعة وهم ينبزون بها إخوانهم الشيعة ويعتبرونهم منافقين إذ يظهرون ما لا يبطنون !!
  وكثيراً ماحاورْتُ البعض منهم وحاولتُ إقناعهم بأنّ التقّية ليست نفاقاً ، ولكنّهم لم يقتنعوا بل إنك تجد السّامع لهذا يشمئزّ أحياناً ، ويتعجّب أحياناً أخرى، وهو يظنّ أن هذه العقائد مبتدعة في الإسلام وكأنّها من مختلقات الشيعة وبدعهم .
  ولكن إذا بحث الباحث وأنصف المنصف سيجد أن هذه العقائد كلَّها من صلب الإسلام وهي وليدة القرآن الكريم والسنّة النّبوية الشريفة ، بل لا تستقيم المفاهيم الإسلامية السمحاء والشريعة القويمة إلا بها .
  والأمر العجيب في أهل السنّة والجماعة ، أنّهم يستنكرون عقائد يقبلون بها ، وكتبهم وصحاحهم ومسانيدهم مليئة بذلك وتشهد عليهم .
  قاقرأ معي مايقوله أهل السنّة والجماعة في مسألة التقّية :
  ـ أخرج إبن جرير وإبن أبي حاتم من طريق العوفي عن إبن عباس في قوله

لاكون مع الصادقين _ 184 _

  تعالى : إلا أن تتقوا منهم ُتقاه (1) قال : التقّية باللسان ، من حمل على أمر يتكلم به وهو معصية لله فيتكلّم به مخالف النّاس ، وقلبه مطمئن بالإيمان ، فإن ذلك لايضرّه ، إنما التّقية باللسان (2) .
  ـ وأخرج الحاكم وصحّحه ، والبهيقي في سننه من طريق عطاء عن إبن عبّاس في قوله تعالى : إلا أنْ تتّقوا منهم تقاة قال : التقاة هي التكلّم باللسان والقلب مطمئن بالإيمان (3)
  ـ وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : التّقية جائزة إلى يوم القيامة (4) .
  ـ وأخرج عبد بن أبي رجاء إنه كان يقرأ : إلا أنْ تتّقوا منهم تقيّةً (5) .
  ـ وأخرج عبدالرزاق وإبن سعد وإبن جرير ، وإبن أبي حاتم وإبن مردويه ، وصححه الحاكم في المستدرك ، والبيهقي في الدّلائل : قال : أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتّى سبّ النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وذكر آلهتم بخير ثم تركوه فلما أتى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : ماوراءك شيء ؟ قال : شرّ ، ما تركتُ حتّى نلتُ منك وذكرتُ آلهتم بخير قال : كيف تجد قلبك ؟ قال : مطمئنّ بالإيمان ، قال : إن عادوا فعد ، فنزلتْ إلا من أكره وقلبه مطمئنّ بالإيمان (6) .
  ـ وأخرج إبن سعد عن محمد بن سيرين : إنّ النبي صلّى اله عليه وآله وسلّم لقي عماراً وهو يبكي ، فجعل يمسحُ عن عينيه ويقول : ( أخذك الكفّار فغطّوك في الماء فقلتَ كذا وكذا فإن عادوا فقل لهم ذلك ) (7) .

---------------------------
(1) سورة آل عمران آية 28 .
(2) الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي .
(3) سنن البيهقي ـ مستدرك الحاكم .
( 4 ، 5 ) جلال الدين السيوطي في الدر المنثور 2 /176 .
(6) سورة النحل آية 106 .
(7) الطبقات الكبرى لإبن سعد .

لاكون مع الصادقين _ 185 _

  وأخرج إبن جرير وإبن المنذر وإبن أبي حاتم والبيهقي في سننه من طريق علي عن إبن عبّاس في قوله تعالى : من كفر بالله … الآية قال : أخبر الله سبحانه : أن من كفر بالله من بعد إيمانه فعليه غضَبٌ من الله وله عذاب عظيم ، فأمّا من أكره ، فتكلّم بلسانه وخالفه قلبهُ بالإيمان لينجُوا بذلك من عدوّه ، فلا حرج عليه ، لأن الله سبحانه إنمّا يؤاخذ العباد بما عقدتْ عليه قُلوبهم (1) .
  ـ وأخرج أبن أبي شيبة وإبن جرير وإبن المنذر وإبن أبي حاتم عن مجاهد قال : نزلتْ هذه الآيه في أناس من أهل مكّة آمنوا ، فكتب إليهم بعض الصحابة بالمدينة ، أن هاجروا فإنّا لا نرى إنكم منّا حتّى تهاجروا الينا ، فخرجوا يريدون المدينة فأدركتهم قريش في الطريق ففتنوهم ، فكفروا مكرهين ففيهم نزلت هذه الآية إلا من أُكرهَ وقلبه مطمئن بالإيمان (2) .
  ـ وأخرج البخاري في صحيحه في باب المداراة مع الناس ويذكر عن أبي الدرداء قال : ( إنا لنكشر في وجوه أقوام وأن قلوبنا لتلعنهم ) (3) .
  ـ وأخرج الحلبي في سيرته قال : لمّا فتح رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم مدينة خيبر ، قال له حجاج بن علاط : ( يا رسول الله إن لي بمكّة مالاً ، وإن لي بها أهلاً ، وأنا أريد أن آتيهم فأنا في حل إن أنا نلتُ منكَ ، وقلتُ شيئا ؟ فأذن له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يقول ما يشاء ) (4) .
  ـ وجاء في كتاب إحياء العلوم للإمام الغزالي قوله : ( إن عصمة دم المسلم واجبة ، فمهما كان القصد سفك دم مسلم قد إختفى من ظالم فالكذب فيه واجب (5) .

---------------------------
(1) سنن اليهقي .
(2) الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي 2 /178 .
(3) صحيح البخاري 7 /102 .
(4) السيرة الحلبية 3 /61 .
(5) إحياء علوم الدين لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي .

لاكون مع الصادقين _ 186 _

  ـ وأخرج جلال الدين السيوطي في كتاب الأشباه والنظائر ، قال : ( ويجوز إكل الميتة في المخمسة ، وإساغة اللقمة في الخمر والتلفّظ بكلمة الكفر ، ولو عمّ الحرامُ قطراً بحيث لا يوجد فيه حلال إلا نادراً فإنه يجوز إستعمال مايحتاج إليه ) .
  ـ وأخرج أبو بكر الرّازي في كتابه أحكام القرآن في تفسير قوله تعالى : إلا أن تتّقوا منهم تقاة قال يعني أن تخافوا تلف النّفس أو بعض الأعضاء ، فتتقوهم بإظهار المولاة من غير إعتقاده لها ، وهذا هو ظاهر مايقتضيه اللفظ ، وعليه الجمهور من أهل العلم كما جاء عن قتادة في قوله تعالى : لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون الله قال : لا يحل لمؤمن أن يتخذ كافراً ولياً في دينه ، وقوله تعالى : إلا أن تتّقوا منهم تقاة يقتضي جواز إظهار الكفر عند التقية (1) .
  ـ وأخرج البخاري في صحيحه عن قتيبة بن سعيد عن سفيان عن إبن المكندر حدثه عن عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته إنه إستأذن على النبي صلّى الله عليه وآله وسلم رجل ، فقال : إئذنوا له فبئس إبن العشيرة أو بئس أخو العشيرة ، فلما دخل ألاَنَ له الكلام ، فقلت : يارسول الله قلت ماقلت ثم أَلْنتَ له في القول ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( أي عائشة إن شرّ النّاسُ منزلة عند الله من تركه أو ودعه الناس إتّقاء فُحِشِه ) (2) .
  وهذا يكفينا دلالة بعد إستعراض ماسبق على إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بجواز التّقية إلى أبعد حدودها من إنها جائزة إلى يوم القيامة كما مر عليك ومن وجوب الكذب كما قال الغزّالي ، ومن إظهار الكفر وهو مذهب الجمهور من أهل العلم كما إعترف بذلك الرّازي ومن جواز الإبتسام في الظاهر واللعن في

---------------------------
(1) أحكام القرآن للزّازي 2 /10 .
(2) صحيح البخاري 7 /81 ( باب لم يكن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فاحشاً ولا متفحشاً) .

لاكون مع الصادقين _ 187 _

  الباطن كما إعترف بذلك البخاري ومن جواز أن يقول الإنسان مايشاء وينال من رسول الله خوفاً على ماله كما صرّح بذلك صاحب السيرة الحلبية ، وأن يتكلّم بما فيه معصية الله مخافة الناس كما إعترف به السيوطي .
  فلا مبرّر لأهل السنّة والجماعة في التشنيع والإنكار على الشيعة من أجل عقيدة يقولون بها هم أنفسهم ويروونها في صحاحهم ومسانيدهم بأنها جائزة بل واجبة ، ولم يزد الشيعة على ماقاله أهل السنّة شيئا ، سوى إنهم إشتهروا بالعمل بها أكثر من غيرهم لما لاقوه من الأمويين والعباسيين من ظلم وإضطهاد ، فكان يكفي في تلك العصور أن يقال : هذا رجل يتشيع لأهل البيت ليلاقي حتفه ويُقتلُ شرّ قتلة على يد أعداء أهل البيت النّبوي .
  فكان لا بدّ له من العمل بالتقيّة إقتداء بما أشار عليهم أئمة أهل البيت عليهم السلام ، فقد روي عن الإمام جعفر الصادق إنه قال ( التقية ديني ودين آبائي ) وقال : ( من لا تقية له لا دين له ) وقد كانت التقية شعارا للأئمة أهل البيت أنفسهم دفعا للضرر عنهم وعن أتباعهم و محبيهم ، وحقناً لدمائهم وإستصلاحاً لحال المسلمين الذين فُتنُوا في دينهم كما فُتنَ عمار بن ياسر رضي الله عنه وحتى أكثر .
  أمّا أهل السنة والجماعة فقد كانوا بعيدين عن ذلك البلاء لأنهم كانوا في معظم عهودهم على وفاق تام مع الحكام فلم يتعرضوا لقتل ولا لنهب ولا لظلم ، فكان من الطبيعي جدا أن ينكروا التقية ويشنعون على العاملين بها وقد لعب الحكام من بني أمية وبني العباس دوراً كبيراً في التشهير بالشيعة من أجل التقية .
  وبما أن الله سبحانه أنزل فيها قرآناً يُتلى وأحكاماً تُقضىَ ، وبما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمل هو نفسه بها كما مرّ عليك في صحيح البخاري ، وإنه أجاز لعمار بن ياسر أن يسبه ويكفر إذا عاوده الكفار بالتعذيب ، وبما أن علماء المسلمين أجازوا ذلك إقتداء بكتاب الله وسنة رسوله فأي تشنيع وأي إستنكار بعد هذا يصحّ أنْ يوجّه الى الشيعة ؟ !

لاكون مع الصادقين _ 188 _

  وقد عمل بالتقية الصحابة الكرام في عهد الحكام الظالمين أمثال معاوية الذي كان يقتل كلّ من إمتنع عن لعن علي بن أبي طالب ، وقُصة حجر بن عدي الكندي وأصحابه مشهورْة وأمثال يزيد وإبن زياد والحجّاج وعبدالملك بن مروان وأضرابهم ولو شئت جمع الشواهد على عمل الصحابة بالتقية لأستوجب كتاباً كاملاً ، ولكن ماأوردته من أدلة أهل السنة والجماعة كافِِ بحمد الله .
  ولا أترك هذه الفرصة تفوت لأروي قصة طريفة وقعتْ لي شخصيا مع عالم من علماء أهل السنة إلتقينا في الطائرة وكنا من المدعوّين لحضور مؤتمر إسلامي في بريطانيا وتحادثنا خلال ساعتين عن الشيعة والسنّة وكان من دعاة الوحدة وأعجبت به غير إنّه ساءني قوله بأن على الشيعة الآن أن تترك بعض المعتقدات التي تُسببُ إختلاف المسلمين والطعن على بعضهم البعض ، وسألتُه مثل ماذا ؟ وأجاب على الفور : مثل المتعة والتقية ، وحاولتُ جهدي إقناعه بأن المتعة هي زواج مشروع والتقية رخصة من الله ، ولكنه أصرّ على رأيه ولم يقنعه قولي ولا أدلتي مدعيا إن ما أوردتُه كله صحيح ولكن يجبُ تركه من أجل مصلحة أهم إلا وهي وحدة المسلمين .
  وإستغربتُ منه هذا المنطق الذي يأمرُ بترك أحكام الله من أجل وحدة المسلمين وقلتُ له مجاملة : لو توقفت وحدة المسلمين على هذا الأمر لكنت أول من أجاب .
  ونزلْنا في مطار لندن وكنت أمشي خلفه ولمّا تقدمنا إلى شرطة المطار سئل عن سبب قدومه الى بريطانيا فأجابهم أنه جاء للمعالجة ، وإدعيت أنا بأني جئت لزيارة بعض أصدقائي ، ومررنا بسلام وبدون تعطيل الى قاعة إستلام الحقائب ، عند ذلك همستُ له : أرأيت كيف أن التقية صالحة في كل زمان ؟ قال : كيف ؟ قلت لأننا كذبنا على الشرطة أنا بقولي جئت لزيارة اصدقائي وأنت بقولك جئت للعلاج ، في حين إننا قدمنا للمؤتمر .
  إبتسم وعرفَ بأنّه كذبَ على مسمعٍ منّي فقال : أليس في المؤتمرات الإسلامية علاج لنفوسنا ؟ ضحكت قائلا : أو ليس فيها زيارة لإخواننا ؟

لاكون مع الصادقين _ 189 _

  أعود إلى الموضوع فأقول بأن التقيّة ليست كما يدعي أهل السنة ـ بأنها ضرب من النفاق ، فالعكس هو الصحيح ، لأن النفاق هو إظهار الإيمان وكتمان الكفر التقية هو لإظهار الكفر وكتمان الإيمان وشتان ما بين الموقفين ، هذا الموقف أعني النفاق الذي قال في شأنه سبحانه وتعالى : وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون فهذا يعني إيمان ظاهر + كفر باطن = نفاق .
  أما الموقف الثاني أعني التقيّة التي قال في شأنها سبحانه وتعالى : وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه فهذا يعني كفرٌ ظاهر + إيمان باطن = تقيّة.
  فإن مؤمن من آل فرعون كان يكتم في الباطن إيمانه ولا يعلم به إلا الله ويتظاهر لفرعون وللناس جميعاً أنه على دين فرعون ـ ( وقد ذكره الله في محكم كتابه تعظيما لقدرِه ).
  وتعال معي الآن أيها القاريء الكريم لتعرف قول الشيعة في التقيّة حتى لا تغتّر بما يقالُ فيهم كذباً وبهتاناً ـ يقول الشيخ محمد رضا المظفّر في كتابه ( عقائد الإمامية ) ما هذا نصه : ( وللتقية أحكام من حيث وجوبها وعدم وجوبها بحسب إختلاف مواقع خوف الضرر ، مذكورة في أبوابها في كتب العلماء الفقهية ، وليست بواجبة على كل حال ، بل قد يجوز أو يجب خلافها في بعض الأحوال ، كما إذا كان في إظهار الحق والتظاهر به نصرةً للدينِ وخدمةً للإسلامِ وجهاد في سبيله ، فإنه عند ذلك يستهانُ بالأموال ولا تعزّ النفوس ، وقد تُحرم التقية في الأعمال التي تستوجب قتل النفوس المحترمة أو رواجاً للباطل ، أو فساداً في الدين أو ضرراً بالغاً على المسلمين ، بإضلالهم أو إفشاء الظلم والجور فيهم .
  وعلى كل حال ليس معنى التقية عند الإمامية إنها تجعل منهم جمعية سرية

لاكون مع الصادقين _ 190 _

  لغاية الهدم والتخريب ـ كما يريد أن يصورها بعض أعدائهم غير المتورعين في إدراك الأمور على وجهها ولا يكلفون أنفسهم فهم الرأي الصحيح عندنا .
  كما إنه ليس معناها إنها تجعل الدين وأحكامه سراً من الأسرار لايجوز أن يذاع بمن لايدين به ، كيف وكتب الإمامية ومؤلفاتهم فيما يخص الفقه والأحكام ومباحث الكلام والمعتقدات قد ملأت الخافقين وتجاوزت الحد الذي ينتظر من أي أمّة تدين بدينها ) ، إنتهى كلامه .
  وأنت ترى إنه ليس هناك نفاق ولا غش ولا دس ولا كذب ولا خداع كما يدعيه أعْداؤهم .

لاكون مع الصادقين _ 191 _

المتعة أو (الزواج المؤقت )

  والمقصود بها نكاح المتعة ، أو الزواج المنقطع ، أو الزواج المؤقت إلى أجل مسمى وهي كالزّواج الدائم لا تصح إلا بعقد يشتمل على قبول وإيجاب ، كأن تقول المرأة للرجل زوجتك نفسي بمهر قدره كذا ولمدة كذا فيقول الرجل قبلت ، ولهذا الزواج شروطه المذكورة في كتب الفقه عند الإمامية كوجوب تعيين المهر والمدة ، فيصح بكل مايتراضى عليه الطرفان ، وكحرمة التمتع بذات محرم كما في الزواج الدائم .
  وعلى المرأة المتمتع بها أن تعتد بعد إنتهاء الأجل بحيضتين وبأربعة أشهر وعشرة أيام في حالة وفاة زوجها .
  وليس بين المتعين إرث ولا نفقة فلا ترثه ولا يرثها والولد من الزواج المؤقت كالولد من الزواج الدائم تماما في حقوق الميراث والنفقة وكل الحقوق الأدبية والمادية ، يلحق بأبيه .
  هذه هي المتعة بشروطها وحدودها وهي كما ترى ليست من السفاح في شيء كما يدعه الناس .
  وأهل السنة والجماعة كإخوانهم الشيعة متفقون على تشريع هذا الزواج من الله سبحانه وتعالى في الآية 24 من سورة النساء بقوله : فما إستمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ، إن

لاكون مع الصادقين _ 192 _

  الله كان عليماً حكيماً .
  كما أنهم متفقون في أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أذن بها وإستمتع الصحابة على عهده .
  إلا إنهم يختلفون في نسخها أو عدم نسخها فأهل السنّة والجماعة يقولون بنسخها وإنها حرمت بعد أن كانت حلالا ، وأن النسخ وقع بالسنّة ، لا بالقرآن .
  والشيعة يقولون بعدم النسخ وأنها حلال ليوم القيامة .
  إذن فالبحث يتعلق فقط في نسخها أو عدمه والنظر في أقوال الفريقين حتّى يتبين للقاريء جلية الأمر وأين يوجد الحق فيتبعه بدون تعصب ولا عاطفة .
  أما من ناحية الشيعة القائلين بعدم النسخ وحلّيتها إلى يوم القيامة فحجتهم هي : لم يثبت عندنا إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم نهى عنها وأئمتنا من العترة الطاهرة يقولون بحليتها ولو كان هناك نسخ من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلمه الأئمة من أهل البيت وعلى رأسهم الإمام علي فأهل البيت أدرى بما فيه ، ولكن الثابت عندنا أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب هو الذي نهى عنها وحرمها إجتهاداً منه كما يشهد بذلك علماء السنّة أنفسهم ، ونحن لا نترك أحكام الله ورسوله لرأي وإجتهاد عمر بن الخطاب ! هذا ملخص مايقوله الشيعة في حلية المتعة ، وهو قول سديد ورأي رشيد ، لأن كل المسلمين مطالبون بإتباع أحكام الله ورسوله ورفض ما سواهما مهما علت مكانتهم إذا كان في أجتهاده مخالفة للنصوص القرآنية أو النبوية .
  أما أهل السنة والجماعة فيقولون بأن المتعة كانت حلالا ، ونزل فيها القرآن ورخص فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفعلها الصحابة ثم بعد ذلك نسخت ، ويختلفون في الناسخ لها ، فمنهم من يقول بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنها قبل موته ، ومنهم من يقول بأن عمر بن الخطاب هو الذي حرمها ، وقوله حجة عندنا لقول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم :

لاكون مع الصادقين _ 193 _

  ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين بعدي عِظّوا عليها بالنواجذ ) .
  أما القائلين بتحريمها لأن عمر بن الخطاب حرمها وإن فعله سنّة ملزمة ، فهؤلاء لا كلام لنا معهم ولا بحث لأنه محض التعصب والتكلف ، وإلا كيف يترك المسلم قول الله وقول الرسول ويخالفهما ويتبع قول بشر مجتهد يخطيء ويصيب ـ هذا إذا كان إجتهاده في مسألة ليس فيها نص من الكتاب والسنة ـ أما إذا كان هناك نص وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً (1) .
  ومن لايتفق معي على هذه القاعدة فعليه بمراجعة معلوماته في مفاهيم التشريع الإسلامي ودراسة القرآن الكريم والسنة النبوية ـ فالقرآن دل بذاته في الآية المذكورة أعلاه ومثلها في القرآن كثير يدل على كفر وضلال من لا يتمسك بالقرآن والسنة النبوية .
  أما الدليل من السنة النبوية الشريفة فكثير أيضاً ، ولكن نكتفي بقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ( حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة ) .
  فليس من حق أحد أن يحلل أو يحرم في مسألة ثبت فيها نص وحكم من الله أو من رسوله صلى الله عليه وآله وسلم .
  ولكل ذلك نقول لهؤلاء الذين يريدون إقناعنا بأن أفعال الخلفاء الراشدين وإجتهاداتهم ملزمة لنا ، نقول : أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون (2) .
  على أن هؤلاء القائلين بهذا الدليل يوافقون الشيعة على دعواهم ويكونون حجة على إخوانهم من أهل السنة والجماعة .

---------------------------
(1) سورة الأحزاب آية 36 .
(2) سورة البقرة آية 139 .

لاكون مع الصادقين _ 194 _

  فبحثنا يتعلق فقط مع الفريق القائل بأن رسول الله صلّى اله عليه وآله وسلّم هو الذي حرمها ونسخ القرآن بالحديث .
  وهؤلاء مضطربون في أقوالهم وحجتهم واهية لا تقوم على أساس متين ولو روى النهي عنه مسلم في صحيحه بأنه لو كان هناك نهي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما غاب عن الصحابة الذين تمتعوا في عهد أبي بكر وشطر من عهد عمر نفسه كما روى ذلك مسلم في صحيحه (1) .
  قال عطاء قدم جابر بن عبدالله معتمرا فجئنا في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة : فقال نعم إستمتعنا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر ـ فلو كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم نهى عن المتعة لما جاز للصحابة أن يتمتعوا على عهد أبي بكر وعمر كما سمعت .
  فالواقع أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم ينه عنها ولا حرمها وإنما وقع النهي من عمر بن الخطاب كما جاء في ذلك في صحيح البخاري .
  ـ عن مسدد حدثنا يحيى عن عمر إن أبي بكر حدثنا أبو رجاء عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسسلم ولم ينزل قرآنٌ يحرمه ولم ينه عنها حتى مات قال رجل برأيه ماشاء قال محمد يقال أنه عمر (2) .
  فأنت ترى أيها القاريء أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لم ينه عنها حتى مات كما صرح به هذا الصحابي وتراه ينسب التحريم إلى عمر صراحة وبدون غموض ويضيف إنه قال برأيه ماشاء .

---------------------------
(1) صحيح مسلم 4 /158 .
(2) صحيح البخاري 5 /158

لاكون مع الصادقين _ 195 _

  وها هو جابر بن عبدالله الأنصاري يقول صراحة : كنّا نستمتع بالقبضة من التّمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأبي بكر حتى نهى عنها عُمرُ في شأن عمرو إبن حُريث (1) .
  ومّما يدلنا على إن بعض الصحابة كانوا على رأي عمر وهذا ليس غريب إذ تقدّم في بحثنا خلال رزية يوم الخميس إن بعض الصحابة كانوا على رأي عمر في قوله بأنّ رسول الله يهجر وحسبنا كتاب الله ! وإذا ساندوه في مثل ذلك الموقف الخطير بما فيه من طعن على الرسول فكيف لا يوافقه في بعض إجتهاداته ، فالنستمع إلى قول أحدهم : كنتُ عند جابر بن عبدالله فأتاه آتٍ فقال : أبن عبّاس وإبن الزبير إختلفا في المتعتين ، فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم نهانا عنهما عُمرُ فلم نعدْ لهما (2) .
  ولذلك أعتقد شخصيا بأن بعض الصحابة نسبَ النهيَ عن المتعة وتحريمها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لتبرير موقف عمر بن الخطاب وتصويب رأيه .
  وإلا فما يكون لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يحرّم ما أحلّ القرآن لأنا لا نجدُ حكما واحداً في كل الأحكام الإسلامية أحلّه الله سبحانه وحرّمه رسوله ، ولا قائل بذلك إلا معانداً ومتعصباً ، ولو سلمنا جدلا بأن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم نهى عنها فما كان للإمام على وهو أقرب الناس للنبي وأعلمهم بالأحكام أن يقول : ( إن المتعة رحمةً رحم الله به عباده ، ولولا نهي عمر ما زنى إلاّ شقي ) (3) .
  على أنّ عمر بن الخطاب نفسه لم ينسب التحريم إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بل قال قولته المشهورة بكل صراحة :

---------------------------
(1) صحيح مسلم 4 /131 .
(2) صحيح مسلم 4 /131
(3) الثعلبي في التفسير الكبير والطبري عند تفسير آية المتعة في تفسيره الكبير أيضاً

لاكون مع الصادقين _ 196 _

  ( متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما ، متعة الحجّ ومتعة النّساء ) (1) .
  وهذا مسند الإمام أحمد بن حنبل خير شاهد على أنّ أهل السنّة والجماعة مختلفون في هذه المسألة إختلافاً كبيراً فمنهم من يتبع قول الرسول فيحللّها ، ومنهم من يتبع قول عمر بن الخطاب فيحرمه ، أخرج الإمام أحمد : ـ عن إبن عباس قال : تمتع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فقال عروة إبن الزبير : نهى أبو بكر وعمر عن المتعة ، فقال إبن عباس : مايقول عُرية ؟ ( تصغير لعروة ) قال : يقول نهى أبو أبو بكر وعمر عن المتعة ، فقال إبن عبّاس : أراهم سيهلكون أقول : قال النبي ويقولون نهى أبو بكر وعمر (2) .
  وجاء في صحيح الترمذي إن عبدالله بن عمر سُئلَ عن متعة الحجّ ، قال : هي حلال ، فقال له السائل إن أباك قد نهى عنها ، فقال : أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله أأمر أبي أتبع أم أمر رسول الله ؟ فقال الرجل : بل أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (3) .
  وأهل السنّة والجماعة أطاعوا عمر في متعة النساء وخالفوه في متعة الحج ـ على أن النهي عنهما وقع منه في موقف واحد كما قدمنا .
  والمهم في كل هذا إن الآئمة من أهل البيت وشيعتهم خالفوه وأنكروا عليه وقالوا بحلّيتها إلى يوم القيامة ، وهناك من علماء أهل السنّة والجماعة في ذلك أيضاً وأذكر من بينهم عالم تونس الجليل وزعيم الجامع الزيتوني فضيلة الشيخ الطاهر بن عاشور رحمة الله عليه ، فقد قال بحلّيتها في تفسيره المشهور عند ذكره آية فما إستمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة (4) .

---------------------------
(1) التفسير الكبير للفخر الرّازي في تفسير قوله تعالى فما إستمتعتم به منهن .
(2) مسند الإمام أحمد بن حنبل 1 /337 .
(3) صحيح الترمذي 1 /157 .
(4) التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور 3 /5 .

لاكون مع الصادقين _ 197 _

  وهكذا يجب أن يكون العلماء أحراراً في عقيدتهم لا يتأثّرون بالعاطفة ولا بالعصبية ولا تأخذهم في الله لومة لائم
  وبعد هذا البحث الموجز ، لا يبقى لتشنيع أهل السنّة والجماعة وطعنهم على الشيعة في إباحتهم نكاح المتعة مبرر ولا حجة فضلاً عن إن الدّليل القاطع والحجّة الناصعة مع الشيعة
  وللمسلم أن يتصوّر قول الإمان علي ( عليه السَلام ) : بأنّ المتُعة رحمةٌ رحم الله بها عباده وفعلاً أية رحمة هي أكبر منها وهي تُطفي نار شهوة جامحة قد تتطغى على الإنسان ذكراً كان أم أنثى فيصبحُ كالحيوان المفترس .
  وللمسلمين عامّة وللشبّان خاصّة أن يعرفوا بأنّ الله سبحانه أوجب على الزاني عقوبة القتل رجماً بالحجارةِ على المحصنين ذكوراً وأناثاً ، فلا يمكن أن يترك عباده بغير رحمة وهو خالقهم وخالق غرائزهم ويعرف مايصلحهم ، وإذا كان الله الرحمن الرحيم رَحم عباده بأنْ رخّص لهم في المتعة فلا يدخل في الزنا بعدها إلا الشقي تماماً كالحكم بقطع يد السّارق ، فما دام هناك بيت للمال للمعوزين والمحتاجين ، فلا يسرق إلاّ الشّقي .