فالقانون العادل والمشرِّع الحكيم ، هو الذي يعطي المرأة حسب تركيبها النفسي والجسدي ، لا يزيد على ذلك حتى لا يكون هضماً لحقوق الآخر ، وتكليفها بما لا تطيق ، أو إنقاصها من حقوقها فيكون هضماً لها وإجحافاً بحقها .
  فالهرمونات التي تفرزها الغدد الصمَّاء لدى الرَّجل تؤثر في تكوينه الفزيولوجي وتعطيه قدرات جسمانية وقوة جسدية تؤهله لممارسة أعمال شاقة مرهقة .
  وهذه الهرمونات لا تملكها المرأة ، مما أدَّى بها إلى بنية ضعيفة وإلى عدم تمكنها من مباشرة أعمال الرجل ، نظراً إلى نقصان قوتها الجسدية عنه .
  وبالمقابل حباها الباري عز وجل بحنان فياض وقلب رقيق ، يخفق لكل من يستحق العطف والشفقة ، وهذا أكثر بكثير من عطف الرجل ، مما جعلها مؤهلة لأن تقوم بدور المربي للجيل الصاعد ، وتكون مربية لأبنائها تعطيهم من الحنان والعطف ما لو فقدوه لأنتج المجتمع اناساً مجرمين .
  هذا الدور الذي لو فقده الاولاد من قبل الام ، لا يتمكن الرجل من القيام به ولو قصد ، وذلك لفقدان المؤهلات .
  فالمرأة قد حباها الله رسالة جليلة هي إنشاء الجيل وتوجيهه فيجب أن نعدَّها لتأدية تلك الرسالة على خير الوجوه .
  ولكي ندرك قيمة إعدادنا لها ، يجب أن نتمثل أن أبناءنا إذا نشأوا في بيئة جاهلة ، رضعوا الجهالة والخمول فلا تزداد بهم الامة إلا ضعفاً على ضعف ، والأمم لا تقاس مكانتها بعدد أبنائها وإنما تقاس بما لهم من كفاءات ومزايا وقوى في معترك الحياة .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 52 ـ

  وما دمنا لا نعني بإعداد المرأة وتعليمها وتهذيبها وتهيأتها لإخراج الجيل الصالح ، القوي بإخلاقه ، السليم في عقله وجسمه ، فإنه لا رجاء في نهوضه ، وسنبقى نعيش في فوضى ، ونسير بشق مائل نتعثر في خطانا ، ونستهدف للتداعي والسقوط .
  فلتتعاون المرأة والرجل فإنه لا خير في مجتمعٍ لا يتعاون فيه الجنسان معاً ، وليكن العمل صالحاً كل واحدٍ بحسب فطرته وطبيعته .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 53 ـ

نزول المرأة الى ميدان العمل
  لقد اهتم الاسلام بالمرأة ، وأعطاها حقوقها كاملة غير منقوصة ، ورفعها إلى مصاف الرجال ، فهي مع الرجل في جميع ميادين الحياة .
  لم يرد في النصوص الشرعية المعتبرة ، والتي يعتمد عليها ، ما يحرم على المرأة أن تعمل وتكتسب ، ولا ما ينفي وجودها في ميادين العمل .
  ليس من التعاليم الإسلامية ولا من قوانين الشريعة السمحاء ، ابتعاد المرأة عن الحياة العملية ، وإنما هو من تضليل المضللين وإسدالهم الستار على الاحكام الشرعية الواضحة في حين لوثت العادات والتقاليد المستوحاة من المجتمعات غير الإسلامية نقاءها وصفاءها ، وأسدلت عليها نقاباً من التشويش والتشويه والتضليل .
  قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : ( لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) (1) .
  وقال سبحانه وتعالى :( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) (2) .
  ولكن إذا أمعنا النظر ، وتصفحنا التاريخ ، نرى أنه عندما غمر بلاد

**************************************************************
(1) سورة النساء ـ آية ـ 32 .
(2) سورة الملك ـ آية ـ 15 .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 54 ـ

  المسلمين ( الامبراطورية الاسلامية ) طوفان الجواري والاماء ، واستخدمت هذه الجواري للهو ... والمتعة ووو
  في ذلك الوقت اضطر المسلمون الأحرار إلى تمييز المرأة الجليلة الحرة بوضع اجتماعي خاص ، عز لها تدريجياً عن الحياة العملية ووضعها ضمن نطاق خاص بها ايضاً .
  أم الواقع التاريخي الذي يثبت مشاركة النساء للرجل في العمل ، فهو واضح ثابت ، من سيرة المسلمين في صدر الاسلام وبدء الدعوة وذلك حين كان المسلمون يلتزمون في حياتهم الاسس والتعاليم الاسلامية ، بشكل صحيح وغير مريب ، فكان أمامهن مجال العمل واسعاً وفسيحاً ومحاطاً بتعاليم الرسول الكريم ... وضمن نطاق الحشمة والعفة والأدب والدين .

المرأة وتقدمها في العصر الحاضر :
  جاء العصر الحاضر ومن حوالي قرن أو أكثر ، أخذت أبواق الدسّاسين والمستهترين والاستعماريين والالحاديين تدق داعية المجتمعات الشرقية وخاصة العربية على المطالبة بحقوق المرأة وبدورها في المجتمعات للفوائد المزعومة .
  وكان لتلك الأبواق الأثر الفعّال على الواجهة الاجتماعية ، فتبدلت الحياة وانقلبت الامور رأساً على عقب ، وإذا بالمرأة التي كانت تدير مملكتها الخاصة بها أو دائرتها ، تظهر اليوم الى المجتمع تناهض الرجل ، وتسلب منه الأعمال والأشغال .
  ونتج من جرَّاء ذلك أن توزَّعت الاعمال ، فإذا بالرجل الذي كان يدير الشؤون التي تخصه لم يجد عملاً يشغل به فراغه ، لأن الجنس اللطيف قد استلب منه شؤون عمله الخاصة به وزاحمه عليها .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 55 ـ

  وهكذا اختلط الحابل بالنابل ، وشاعت الفوضى ، ولم يعد للمرأة العمل بشؤونها الخاصة ولا للرجل العمل بشؤونه الخاصة .
  وكان للمرأة التقدم على الرجل في ميادين ليس لها أي صلة بها . فتبدلت الامور وتغيَّرت المقاييس الاخلاقية .
  لكن لكل فعل رد ، فقد أحدثت سيطرة المرأة على الكثير من المقدرات رد فعل قوي جدّاً ، في جميع الأوساط العالمية .
  وكان من جرّاء ذلك أن تنبه الكثير من المفكرين بهذا الخطر المحدق ، من زجِّ المرأة في بعض نواحي الحياة الاجتماعية ، وراحوا ينذرون بني قومهم من سوء العاقبة التي سترافق المرأة من تركها بيتها والتحاقها في معترك حياة ليس للمرأة بها أي فائدة سوى ما ينجم عنها من مضار تورث الندم والخسران .
  لا اغالي عندما أقول لبنات جنسي من أن المرأة من حيث تركيبها الجسماني لا تقوى على كأداء العيش ووعثاء الأعمال ومشاق الأشغال .
  لذلك نراها تتجه دائماً نحو الاعمال التي تتمكن من القيام بها مثل دوائر الصحة والتمريض والتربية والتعليم وأمثالها من الخدمات الانسانية كما قالت تلك الفتاة اليابانية :
أنا  إن  لم  احسن الرمي ولم      تستطع كفاي تقليب الظي (1)
أخدم  الجرحى وأقضي iiحقهم      وأُواسي  في الوغى من iiنكبا
  هذه هي الحقيقة ومن يقول غير ذلك فهو مكابر ، مضافاً إلى أن المرأة بخروجها الى معترك الحياة الشاقة يترتب عليها مضار لا يمكن لأحد انكارها .

*****************************************************************************************
(1) الظبي جمع ظبة : حد السيف او السنان ونحوهما ـ المنجد في اللغة .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 56 ـ

  أولاً : تكون قد تركت اولادها عرضة للضياع والمتاهات الاخلاقية .
  ثانياً : تكون قد اهملت شؤون بيتها وإدارة مملكتها وجلبت الى نفسها متاعب هي في غنى عنها .
  ثالثاً : زاحمت الرجل في أعماله ، وعند ذلك لا يجد سبيلاً من الركون إلى البطالة ، فتعم الفوضى التي نشاهدها في كثير من البلدان ، ونسمعها من كثيرٍ من الاذاعات .
  وأعود فأناشد المرأة المعاصرة وأقول : هل عملها في مشاركة الرجل بالاعمال التي لا تتلائم مع طبيعتها مصلحة لها أو لوطنها أو لأولادها ؟
  وأقول لها : هل ان الرجل ندبها أو دعاها لمشاركته في الأشغال اليدوية الشاقة ؟
  أو دعاها إلى مساعدته في الأعمال الحربية مثلاً ؟ لأنه عاجز عن القيام بالعمل الذي يخصه ورأى المرأة أقوى منه فاستجار بها ؟
  كلا ... إنها أبواق الدسّاسين ، وسموم المستعمرين ...
  فيا اختي المسلمة المعاصرة اناشدك بالضمير والوجدان أن تتفهمي الواقع وتسيري في هذه الحياة على الوجه الصحيح ، ولا تقومي بشيءٍ من الأعمال إلا ما يوافق طبيعتك وفطرتك .
  ... مع الاحتفاظ بشرفك ودينك وكرامتك ...

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 57 ـ

متى تنزل المرأة إلى ميدان العمل وكيف ؟
  ان الفتاة لها ان تعمل وتكسب ، والمرأة المتزوجة أيضاً ، ولكن المتزوجة يجب عليها ان تحافظ على مهمتها الأساسية ، وهي بناء المجتمع الصالح والمحافظة على بيتها وأطفالها .
  ومن اجل ان تتفرغ لعملها الأساسي ، فقد أوجب الله سبحانه وتعالى النفقة لها على الزوج حتى لا تضطر إلى ترك بيتها ، وتعريض أطفالها إلى الحرمان العاطفي ، والجفاف النفسي الذي لا يتوفر إلا بحنان الأم .
ما بقاء الكون إلا      بحنان  iiالابوين
  لا تستطيع دور الحضانة أو المربيات أو خادمات ، ان تعوض على الطفل حنان امه وعطفها .
  إن دور الحضانة قد تربي أطفالا أصحاء جسدياً ، ولكن الأطفال ربما يعاني أكثرهم ، من اضطربات نفسية نتيجة فقدان رعاية الام الكافية .
  أما إذا اضطرت المرأة للعمل ، وذلك لإعالة نفسها ، أو اعانة زوجها أو مساعدة أولادها ، فلا حرج عليها من أن تخرج إلى العمل الشريف مع اعتبار رضى الزوج واذنه إذا كانت متزوجة .
  لم يحرم التشريع الإسلامي المرأة من ثمرة أتعابها ، فإن المال الذي تجنيه من عملها هو ملك لها وليس لزوجها أو ابيها أو أحد من الناس ، فالمال الذي جنته من أتعابها بالوجه الشرعي هو لها ، تتصرف به كيف تشاء .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 58 ـ

  ( الناس مسلطون على أموالهم )
  إن كثيراً من الناس من يستثمر جهود المرأة وثمرة أتعابها كأبيها أو زوجها أو أخيها ، فهذا الاستثمار لا يقره الضمير والوجدان ، وحتى الدين إذا كان بغير رضى منها ، إلا إذا سمحت بالعطاء .
  وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عندما جاءت اليه الصحابية السيدة ريطة بنت عبدالله بن معاوية الثقفية ، وكانت ريطة امرأة ذات صنعة تبيع منها ، وليس لها ولا لزوجها ولا لولدها شيء من حطام الدنيا .
  فسألت النبي عليه السَّلام : عن النفقة عليهم فقال : ( لك في ذلك أجر ما انفقتِ عليهم ) .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 59 ـ

مدى صلاحيات المرأة في تحمل المسؤولية :
  إذا أمعنا النظر نرى ان المغرضين والدساسين ، وضعوا كثيراً من الاحاديث ، كل على حسب ميله وهواه .
  ليت شعري ... اين ذوي العقل والروية ؟ من كتاب الله وسنة رسوله ، بعد ان قررا ان المرأة مخلوق سوى ، لها الأهلية لأن تتحمل كل تكليف ، سواء كان من جهة الإيمان أو الاجتماع أو التعبد لله ، أو الجهاد أو الأخلاق (1) .
  فهي كالرجل في مسيرة الحياة ، وعليها تبعات كل النتائج للأعمال التي تقوم بها من جهة الثواب والعقاب ، والسمعة في الدنيا والآخرة .
  كيف يمكن القول ... انه لا يصح ان تتحمل المرأة مسؤولية الجزاء وهي ناقصة العقل والإدراك ... فالإسلام أرفع وأجل .
  لقد قرر لها الإسلام الحق المطلق في التصرف في كل ما يدخل في يدها من مال ، مهما كان عظيم المقدار ، دون أي تدخل أو اشراف أو اذن من الرجل مهما كانت صلته بها ، إلا على سبيل المشورة ، أو المشاركة في الرأي أو النصيحة .
  والمرأة في الإسلام لها ان تبيع وتشتري ، وتستملك العقارات وتحوز الأموال من الكسب الشريف ، ولها أيضاً أن تزرع وتحصد وتستدين وتدين وتهب وتقبل الهدية ، وتوصي وتأخذ الوصية ( تكون وصية على القاصرين ) وتؤجر وتستأجر ... الخ .

****************************************************************
(1) حسب ما يقره الشرع وتقتضيه الحكمة .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 60 ـ

  وجعل الإسلام امرها بيدها ، في مسألة زواجها ان لم تكن قاصرة .
  وكانت النساء تجادل الرسول صلي اللّه عليه و آله و سلّم ... و معناها انها يجوز بل يحق لها المراجعة و الدفاع عن حقها .
  أوجب الإسلام على المرأة ، كل ما أوجب على الرجل من التفكير والتدبير ، في الأمور الدينية والزمنية ، وخاصة العلم والتعليم ، فهي كالرجل على قدم المساوات ( ان المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولى ببعض ) .
  واعترافاً بشخصيتها في السياسة ، في أخذ النبي البيعة من النساء مستقلة عن الرجال ، ولا يصح كل هذا الفعل إلا مع فرض الأهلية التامة للمرأة .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 61 ـ

الحجاب (*)
  الحجاب هو حكم شرعي ، فرضته الشريعة الإسلامية على المرأة ، وأوجبت عليها اتباعه والالتزام به ، على الوجه الأكمل ، حسب النصوص الشرعية المستقاة من الرسالة السماوية ، ( القرآن الكريم ) والأحاديث النبوية الشريفة ، والأخبار الواردة عن الأئمة الأطهار .
  لقد فرض الإسلام الحجاب على المرأة ، ليقيها الفتنة والإغراء ، وتصون نفسها وشرفها وتتحرز من كيد الكائدين ، ومكر الماكرين ، الفسقة الذين لا يردعهم شرف ولا دين . وقد نص القرآن الكريم على حجاب المرأة ، وسترها بقوله سبحانه :
  ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن

************************************************************************************
(*) الحجاب في اللغة : هو الستر ، وفي كتاب تاج العروس للزبيدي : باب حجب ... حجبه ... يحجبه ( حجبا وحجابا ) ستره ، وأمرأة محجوبة ، ومحجبة ( للمبالغة ) قد سترت بستر ...
  وضرب الله الحجاب على النساء ، وذكر الزبيدي في حديث الصلاة : حتى توارت بالحجاب والمراد بالحجاب ، هنا الافق ... أي حين غابت الشمس وراء الافق .
  والحجاب كل ما حال بين شيئين : قال الشاعر :
اذا ما غضبنا غضبة مضرية     هتكنا حجاب الشمس أو أمطرت دما

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 62 ـ

  جَلَابِيبِهِنَّ (1) ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ) (2) .
  وقال سبحانه وتعالى :
  ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ (3) .
عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (4) .
  وخلاصة معنى الآيتين الكريمتين ، أن الله سبحانه وتعالى أمر المرأة المسلمة بلبس الخمار والحجاب ، فسترها بما أمرها الله بستره عن نظر الرجال الأجانب ، وإن كانوا من عشيرتها أو أقاربها إلا ما نص عليه التنزيل ، ما هو إلا صيانة لعفتها وشرفها .
  فالله سبحانه وتعالى ، أمر المرأة بأوامر ترجع لمصلحتها الدنيوية فضلاً عن الأخروية ، لتعيش في سعادة وهناء .

************************************************************************************
(1) عن مجمع البحرين ـ للطريحي : الجلابيب جمع جلباب وهو الثوب الواسع اوسع من الخمار ودون الرداء تلويه المرأة على رأسها ، وتبقي منه ما ترسله على صدرها وقيل الجلباب هو الملحفة وكل ما يستتر به من كساء اوغيره ومعنى يدينين عليهن من جلابيبهن : أي يرخينها عليهن ويغطين بها وجوههن وأعطافهن ـ أي اكتافهن .
(2) سورة الأحزاب ـ آية ـ 59 .
(3) عن كتاب مجمع البحرين للطريحي : قوله : فليضربن بخمرهن ـ أي مقانعهن ـ جمع خمار وهي المقنعة ، واختمرت المرأة أي لبست خمارها وغطت رأسها .
(4) سورة النور ـ آية 31 .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 63 ـ

  إن الدين الإسلامي حافظ على القيم الأَخلاقية ، بجميع صفاتها ، فلم يدع مزية حسنة ، إلا حرَّض الإنسان عليها وحثه على اتباعها .

بعض الأخبار الواردة في الحجاب :
  إن الأخبار الواردة في الحجاب ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار متواترة وكثيرة لا يمكن استيعابها في هذا الفصل القصير .
  لكن لا بد لنا ونحن نكتب من ذكر بعضها ، على سبيل المثال ، او الشاهد ليتضح مدى اهتمام الشريعة الاسلامية السمحاء بالحجاب للمحافظة على القيم الأخلاقية السامية .
  في كتاب الوسائل (1) عن جابر بن عبد الله الانصاري ، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وآله يريد فاطمة ، وأنا معه ، فلما انتهينا إلى الباب وضع يده عليه ، فدفعه ، ثم قال : السلام عليكم ، فقالت فاطمة عليها السلام : وعليك السلام يا رسول الله ، قال : أأدخل ؟ قالت ليس عليَّ قناع ... فقال : يا فاطمة خذي فضل ملحفتك ، فقنعي به رأسك ... ففعلت .
  وفي كتاب مستمسك العروة الوثقى (2) عن جماعة ، مستندين في ذلك الى صحيح الفضيل قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الذراعين من المرأة ، هل هما من الزينة التي قال الله تعالى : ( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ) ؟ .
  قال : نعم ، وما دون الخمار من الزينة ، وما دون السوارين .

***************************************************************************************************************
(1) وسائل الشيعة ـ للحر العاملي ـ ج ـ 7 ص ـ 158 .
(2) مستمسك العروة الوثقى ـ السيد محسن الطباطبائي الحكيم ـ ج ـ 12 ص ـ 21

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 64 ـ

  وظاهر أن ما ستره الخمار هو الرأس والرقبة ، والوجه خارج عنه ، وان الكف فوق السوار لا دونه ، فيكونا خارجين عن الزينة ... الخ .
  وفي كتاب العروة الوثقى :
  ( لا يجوز النظر الى الأجنبية ... ولا للمرأة النظر الى الأجنبي من غير ضرورة ... واستثنى جماعة الوجه والكفين ، فقالوا : في الجواز فيها مع عدم الريبة والتلذذ .
  وفي كتاب الوسائل للحر العاملي : (1) عن الفضيل قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الذراعين من المرأة ، هما من الزينة التي قال الله تعالى : ( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ) قال : نعم ؛ وما دون الخمار من الزينة ، وهما دون السوارين .
  وفي صفحة 146 ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال : الوجه ـ والكفان والقدمان ،   وعن مسعدة بن زياد قال : سمعت جعفراً قال : وسئل عما تظهره المرأة من زينتها ، قال : الوجه والكفين .
  وفي منهاج الصالحين : يجب على المرأة ستر ما زاد على الوجه والكفين ، عن غير الزوج والمحارم ، بل يجب عليها ستر الوجه والكفين عن غير الزوج حتى المحارم مع تلذذ ... بل عن غير المحارم مطلقاً على الاحوط (2) .

****************************************************************************
(1) وسائل الشيعة ـ للحر العاملي ـ ج ـ 7 ـ ص ـ 145 .
(2) منهاج الصالحين ـ السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي.

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 65 ـ

  وجاء في كتاب الترغيب والترهيب :( عن عائشة أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله ( صلّي اللّه عليه و آله وسلم ) وعليها ثياب رقاق ، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، وقال : ( يا أسماء ، إن المرأة إذا بلغت المحيض ، لم يصلح أن يرى منها إلا هذا ... وهذا ... وأشار الى وجهه وكفيه ) (1) .
  وجاء في الوسائل ايضاً (2) .
  رواية عن أبي جعفر قال :
  ( استقبل رجل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة ، وكان النساء يتقنعن خلف آذانهن ، فنظر إليها وهي مقبلة ، فلما جازت نظر إليها ودخل في زقاق قد سمّاه ببني فلان فجعل ينظر خلفها ، واعترض وجهه عظم في الحائط ... او زجاجة ، فشق وجهه .
  فلما مضت المرأة ، نظر فإذا الدماء تسيل على ثوبه وصدره فقال :
  والله لآتين رسول الله( صلى عليه وآله وسلم ) ، ولأخبرنه ... فأتاه ...
  فلما رآه رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال : ما هذا ؟! فأخبره ...
  فهبط جبريل عليه السلام بهذه الآية :
  ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) (3) .

****************************************************************************
(1) الترغيب والترهيب ـ للمنذري ـ ج ـ 4 ـ ص ـ 164 .
(2) وسائل الشيعة للحر العاملي ـ ج ـ 7 ـ ص ـ 138 .
(3) سورة النور ـ آية ـ 30 .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 66 ـ

  وعن عائشة قالت : دخلت عليَّ ابنة أخي لامي ، عبدالله بن الطفيل ، مزيَّنة ، فدخل النبي صلى الله عليه و سلم ، فأعرض ، فقالت عائشة : يا رسول الله ابنة اخي وهي جارية . فقال : ( إذا عركت المرأة ـ أي حاضت ـ لم يحل لها أن تظهر إلا وجهها وإلا ما دون هذا ـ وقبض على ذراع نفسه ، فترك بين قبضته وبين الكف مثل قبضة أخرى (1) .

دعاة السفور وأثرهم السيء على الأخلاق :
  لا يخلو زمان من الأزمان ، من اناس فاسدين ، ضالين مضلين يزرعون بذور الفساد في النفوس البريئة .
  وها هم اليوم يتقولون : إن الإسلام ضرب الحجاب على المرأة لتكون رهينة البيت ، وضمن نطاق الجدران لا تصلح إلا للخدمة ، إذ لا يمكنها وهي محجبة الانسجام مع الأجيال المتطورة والمدنية الحديثة .
  وقبل كل شيء لا بد لنا من طرح بعض الأسئلة على محبذي السفور ، والخلاعة ، الذين يرونهما من أهم أسباب الحضارة والمدنية ، التي تمكن المرأة من أن تماشي التطور في عصرنا الحاضر .
  ليت شعري ... هل التطور هو أن تخرج المرأة الى الملاهي والمراقص ودور الخلاعة ؟ على شكل مناف للغيرة والحمية ، لا حياء يردعها ، ولا حجاب يسترها ؟
  ولكن أين هي المرأة المسلمة الآن من الإسلام ؟ وقد استعبدتها شياطين الانس والجان ... وهذه المدنية الزائفة التي أعمتها وأعمت بصيرتها وأوحت لها

*************************************************************
(1) تفسير الطبري ـ ج ـ 18 ـ ص ـ 93 .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 67 ـ

  ان التقدم والرقي ، هو ترك ما كان عليه الأجداد من الدين ... والحياء ... والخلق الكريم .
  فتحررت من تراثها العظيم حتى لا تتصف بالرجعية وانحطت ، وانحدرت إلى أسفل درك بفضل الاستهتار والخلاعة والتبرج السافر .
  لو كانت الفتاة المسلمة قد راعت الاحتشام في ملبسها وتصرفاتها وحركاتها ، لو أنها اخفت زينتها ولم تعرض النهود والأرداف والأذرع والسيقان لكان اولى بها وأعف وأتقى ، وكانت في حصن حصين من ان تقع في مزالق الفوضى ، مخدوعة ببريق كلام المفسدين دعاة السفور العابثين . وما أحسن ما قيل :
أفــوق  الـركـبتين iiتـشمرينا      بـربـك أي نـهـر iiتـعـبرين
ومـا الخلخال حين الساق صارت      تـطـوقها  عـيـون الـناظرينا
عـيون  الـمعجبين لـديك iiجمر      سـتشعل  إن أردت هـوى iiدفينا
فـتاة الـجيل مـثلك لا iiيـجاري      سـفـيهات يـبعن تـقى iiوديـن
فـبـالتقصير طـالتنا iiالأعـادي      وبـالـلذات  ضـيـعنا الـعرينا
أبـنت ( خـديجة ) كـوني حياء      كـأمـك تـنجبي جـيلاً iiرزيـنا
خـذيها  قـدوة نـنهض iiجـميعاً      وتـبق  ديـارنا حـصناً iiحصينا
ولا يـشغلك قـشر عـن iiلـباب      ولا تضلك ( صوفياهم ولينا )  (1)

  ولو أن الفتاة المسلمة لم تتفنن في تجميل وجهها بالاصباغ والمساحيق وقضاء وقت طويل في تصفيف شعرها عند المزين ( الكوافير ) لهان الخطب .
  ألم يكن الأولى بها أن ترتدي ثوب العفة والحياء ؟

*********************************************************************
(1) عن مجلة الوعي الاسلامي الكويت ـ العدد ـ 51 .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 68 ـ

  وكما قيل :
سيري لمجدك تحت ظل عفاف      وتـجملي بـمطارف iiالألطاف
ما  الدر وهو مجرد عن iiحرزه      بـمقدر  كـالدر في iiالأصداف

  لا أجافي الصدق ، ولا اجانب الحق إن قلت ، ان النساء في عصرنا الحاضر ، ضائعات في متاهات ، لا يدرين اي طريق سلكن وقد تقاذفتهن التيارات ، واختلطت عليهن سبل الحياة .
  نحن في القرن العشرين عصر العلم والأدب ... عصر النور والثقافة ... عصر الذرة ... عصر الصعود الى القمر والمريخ ، واكتشاف المغيبات واختراق الحجب والأجواء .
  وأيضاً عصر المستهترين الضالين ، الذين لا يعون ما يفعلون ، ولا يرعون ( وهم دعاة السفور والخلاعة ) الذين يدعون المرأة المسلمة الى التحرر من سجنها المزعوم والانطلاق من عشها المظلم وهم يهتفون بأصوات عالية ونداءات جريئة وألفاظ براقة خلابة .
  يدعونها الى خلع الحجاب عن رأسها والاسفار عن مفاتن جسمها بدعواهم ان الحجاب من مخلفات العصور المتخلفة ومن خرافات السنين الغابرة والعهود المظلمة ومن بقايا الأديان والطقوس البائدة .
  مساكين هؤلاء الذين ينادون بسفور المرأة ... ويدعونها الى ترك حجابها قد ضيعوا انفسهم ... وضيعوها ، وخدعوا انفسهم ... وخدعوها وأساؤا الفهم والتصرف ، وما دروا أي ذنب اقترفوا ؟! وفي أي هاوية أوقعوا المرأة ، وفي أي بلاء رموها ، وأي عز لها هدموا ؟!
  لقد زينوا لها السفور حتى أخرجوها من خدرها ، وعزها ، ودلالها وحشمتها ووقارها وبيتها الذي هو حصنها الحصين .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 69 ـ

  أخرجوها الى الشارع سافرة تفتن الناظرين بجمالها ، لتسحر الناس بانوثتها ، وهم لا يبالون ولا يردعهم رادع من ضمير او دين .

دعاة الحرية المزعومة :
  إن طبيعة الإنسان ، والنفس البشرية ، منذ ان فطرها الله سبحانه وتعالى واحدة لا تتغير ، أمّارة بالسوء ، داعية الى المنكر ، تهفوا الى الشهوات اذا انطلقت من عقالها ، وحصلت على الحرية المطلقة ، بدون اي قيد من القيود الانسانية ، والدينية والخلقية .
  نريد أن ينظر المجتمع الى المرأة ، كإنسان لها كرامتها ، لأنه كلما سطعت إنسانية المرأة صانت نفسها .
  منذ أقدم العصور والمرأة الفاضلة العاقلة ، تستطيع أن ترغم المجتمع على احترامها ، إذ ظهرت على مسرح الحياة ، كإنسان لها كرامتها واحترامها ، لا كأنثى لها جاذبيتها ... ونعومتها ...
  وباسم الحرية ... المزعومة انجرَّت المرأة المسكينة الى الويلات والمزالق حتى صارت تستخدم للدعاية والإعلام وترويج البضائع وتكثير الارباح واستجلاب الزبائن في المكاتب والمحلات والنوادي على اختلاف انواعها واتجاهاتها .
  وبالحرية المزعومة استخدموها ، لتكون جسراً لمطامعهم وزيادة أرباحهم لا لمنحها مكرمة او فضيلة .
  وإني أتمنى على كل امرأة ، أن تتجلبب بالحياء والعفاف حتى تصون نفسها من ذئاب المجتمع الفاسد ...

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 70 ـ

  وما أحسن قول الشاعر :
صـوني  جمالك iiبالحيا      ءإذا تـجنبتِ iiالـحجابا
لـيقيك  من نزق iiالشبا      ب  كما يقي الدر iiالنقابا
هـل  انـت إلا iiخمرة      تـغري بنشوتها iiالشبابا
أخـشى  عليك فان iiفي      وادي الهوى أجماً وغابا

  ليت شعري : هل الحضارة والمدنية أن تراقص المرأة الرجل الأجنبي وتقضي السهرات العامرة المجونية خارج بيتها حتى الصباح ؟؟ كما يقول دعاة الحرية والسفور !!
  وإن كانت ذات أطفال ، ما يكون حال هؤلاء الأطفال وهم ينشؤون على أخلاق الخدم ؟ إن كان هناك خدم وإلا على أخلاق ( الشارع ) .
وهل يرجى من الأبناء iiخير      إذا نشؤوا بحضن الجاهلات

  أجل : ومما لا شك فيه ، سوف يترعرعرن على سيرة امهن فيمشين على منوالها إن كن اناثاً ... وتموت الغيرة ، والحمية من أنفسهم ، إن كانوا ذكوراً ، وتكون العاقبة وخيمة تؤثر على المستوى الاخلاقي في الجيل الجديد .
  ولكن ويا للأسف ، إن كثيراً ممن يزعمون أنهم أنصار المرأة لا يروقهم الحجاب ، ولا يعجبهم إلا أن تكون المرأة غرضاً لسهامهم ، وصيداً لحبائلهم وأن تكون تابعة لأهوائهم ، نازلة على حكم ميولهم ، ترتع في مراتعهم وتنغمس معهم ، ثم لا يبالون بعد ذلك ما تقع فيه من سبة ، لهم غنمها ، وعليها غرمها .
  ما رأيت أضعف حجة ، من هؤلاء الناس ، الذين ينادون بتحرير المرأة المسلمة من قيود الحجاب ... لأن الحجاب يسبب حرمانها من الانطلاق والترقي والتعليم ... ووو .
  ما هذه المغالطات ، وما هذه الافتراءات ؟!

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 71 ـ

المصافحة ... او السلام بالكف :
  لا بد من القول ، أن العقل هو الميزان ، الذي يجب أن يعرض عليه ، كل ما صلح ، وما فسد من الامور ، في كافة مناهج الحياة ، فإذا كان العقل سليماً كان حكمه سليماً ... وصحيحاً يطابق الحقيقة والوجدان .
  وبما أن المسلمين قد حباهم الباري سبحانه ، بدستور سماوي عظيم ( القرآن الكريم ) فهو المنهج الصحيح ، والطريق الواضح ، فلا حاجة لهم من إدخال مناهج الغير ، واتباع ما ينافي المبادئ الإسلامية ، والتعاليم النبوية .
  ولا حاجة ايضاً في اقتباس عادات غير اسلامية ، وإدخالها في حظيرة الإسلام ، والتمسك بها ، وكأنها تراث حضاري .
  ومن هنا يجب على كل ذي عقل وإدراك ، التمعن والتفكر ، بتعاليم الإسلام القيمة ، وسيرة الرسول العظيمة ، ويجعل منهما مقياساً ، ونبراساً لسلوك جادة الحق والصواب .
  إن من جملة البدع التي دخلت على الإسلام ، وتفشت بكل سهولة وبدون احتشام ، ولاقت رواجاً وقبولاً من الذين يدعون التجدد والانطلاق ... وهي عادة المصافحة ( السلام بالكف ) التي يستعملها رجال العصر الحاضر ونسائه وكأنها عنوان التقدم والرقي .
  نرى البعض يحتج ويقول : إن القرآن لم يذكر حرمة السلام بالكف صريحاً بحيث أنه لا يجوز للمرأة أن تصافح الرجل من غير المحارم .
  إن كل من يقول بعدم حرمة المصافحة بالكف ، من الرجل للمرأة ، او المرأة للرجل ، وإن الإسلام لم ينه عن استعمالها ، هو متعنت جاهل او مغالط يتجاهل الحقيقة .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 72 ـ

  إن كتب الفقه والتاريخ والسير فيها الكثير من الروايات الدالة على حرمة السلام بالكف من الرجل الأجنبي للمرأة الأجنبية ـ او بالعكس عدا المحارم .
  منها ما جاء في كتاب الوسائل : عن ابي بصير عن ابي عبدالله عليه السلام قال : قلت له : هل يصافح الرجل المرأة ليست بذات محرم !
  فقال لا ... إلا من وراء الثوب .
  وعن سماعة بن مهران قال : سألت اباعبدالله عليه السلام ، عن مصافحة الرجل المرأة قال : لا يحل للرجل أن يصافح المرأة ، إلا امرأة يحرم عليه ان يتزوجها ... اخت او بنت ، او عمة ، او خالة ، او بنت اخت ، او بنت اخ ، او نحوها .
  وأما المرأة التي يحل له ان يتزوجها فلا يصافحها إلا من وراء الثوب ... ولا يغمز بكفها (1) .

مبايعة النساء للنبي ( صلى الله وآله عليه وسلم ) يوم فتح مكة :
  ذكرت الأخبار والروايات كيفية مبايعة النساء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عدة وجوه .
  عن كتاب الوسائل : عن المفضل بن عمر قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : كيف ماسح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم النساء حين بايعهن ؟ فقال : دعا بمركنه الذي كان يتوضأ فيه ، فصب فيه ماء ثم غمس فيه يده اليمنى

******************************************************************************************
(1) وسائل الشيعة ـ للحر العاملي مجلد 14 ـ ج ـ 7 ـ ص ـ 151 .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 73 ـ

  فكلما بايع واحدة منهن قال : اغمسي يدكِ فتغمس كما غمس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فكان هذا مماسحته إياهن .
  وعن سعد ان بن مسلم قال : قال ابو عبدالله (1) عليه السلام : أتدري كيف بايع رسول الله صلى الله عليه وآله النساء ؟ قلت : ( الله اعلم وابن رسوله أعلم ) قال : ( جمعهنَّ حوله ثم دعا ( بتور برام ) فصب فيه نضوحاً ثم غمس يده ... ) إلى أن قال : ( اغمسْنَ أيديكن ففعلن ، فكانت يد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الطاهرة أطيب من أن يمس بها كف أنثى ليست له بمحرم (2).
  وفي السيرة الحلبية : ( أن بعض النساء قالت : هلم نبايعك يا رسول الله ، قال : لا ، لا أصافح النساء وإنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة ) .
  وعن عائشة : لم يصافح رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) امرأة قط ، وإنما كان يبايعهن بالكلام .
  وعن الشعبي بايع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) النساء وعلى يده ثوب ، وقيل أنه غمس يده في إناء وأمرهن فغمسن أيديهن فيه فكانت هذه البيعة (3) .
  ذكر الطبري في تاريخه أن بيعة النساء قد كانت على نحوين :
  كان يوضع بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إناء فيه ماء فإذا أخذ عليهن ، وأعطينه ، غمس يده في الإناء ثم أخرجها فغمس النساء أيديهن فيه ، ثم كان بعد ذلك يأخذ عليهن ، فإذا أعطينه ما شرط عليهن قال : ( اذهبن فقد بايعتكن ) ، لا يزيد على ذلك (4) .
  بالإضافة إلى أنه إذا كان النظر محرماً فاللمس يحرم من باب الأولى .

********************************************************************************************
(1) المراد بأبي عبدالله عليه السلام هو الإمام جعفر الصادق الإمام السادس .
(2) وسائل الشيعة للحر العاملي ـ مجلد 14 ـ ج ـ 7 ـ ص 154 .
(3) السيرة الحلبية لعلي بن برهان الدين الحلبي .
(4) تاريخ الطبري لابن جرير الطبري .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 74 ـ

التقليد للاجانب ـ انتكاس وتراجع :
  تجتاح عالمنا الإسلامي في هذه الأيام محنة من أخطر المحن التي مرت في تاريخه ، فإن لم يتداركها رجال الفكر وأهل العلم والعقل فلن تلبث ان تقضي على جميع آماله .
تداركوها  وفي  أغصانها  رمق      فلا يعود اخضرار العود ان يبسا

  ان قوام هذه المحنة هو التقليد الأعمى ، الذي تجرف أمواجه العاتية جميع الطبقات ، وعلى جميع الاصعدة ، يسري في مجتمعنا كالنار في الهشيم .
  واني اهيب بكل عاقل وعاقلة وأناشد كل ذي بصيرة ، ان يحكم بين صحيح الأمور وفاسدها ، فيراها بعين الخبرة وقد أميط النقاب عن مؤداها ، وسبر غور تجارب أخذت قسماً عظيماً من اخلاقنا ... واقتصادنا .
  من الواجب علينا أن نقول الحق ولا نرهب في الحق لومة لائم ، بل يجب على كل عاقل وعاقلة ، وكل صاحب ضمير ومروءة ان يذيع الصواب منتصراً للحق بكليته ولو خالفته المسكونة باسرها .
  لقد تفننت نساء الغرب بانواع البهارج ، وأخذن يتسابقن إلى ابتكار الأزياء ، والتلاعب في صورها وأشكالها تباهياً وتنافساً وإمعاناً في الخلاعة والاستهتار .
  حين كانت نساؤنا وفتياتنا العربيات والمسلمات قانعات بما ورثنه من التقاليد والعادات ، راضيات بلباسهن ... وازيائهن ... وأشكالها ، متمتعات بتمام الرفاهية والهناء وكمال الصحة والصفاء .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 75 ـ

  ولكن ... وياللاسف ... فقد غزت جيوش عادات الاجانب وتقاليدها بلادنا بخيلها ورجالها ، واحتلت البيوت والمجتمعات ، واستمالت القلوب ونزلت علينا ضيفاً غير محتشم .
  وهرعت النساء للاخذ بمناصرتها وتثبيت دعائمها حتى أصبحت من السنن المفروضة والقواعد التي يتحتم على كل فرد من أفراد المجتمع الالتزام بها والعمل على طبقها .

الموضة ... أو الزي الجديد :
  لقد استحالت عاداتنا اللطيفة وازياؤنا المحتشمة التي ورثناها عن السلف الصالح إلى شيء بال غير مرغوب فيه ، واصبحت عنوان الرجعية والانحطاط باعين جمهور المتفرجين والمستهترين .
  وارتفعت راية ( الموضة ) أو الزي الجديد ترفرف فوق ربوعنا ، ترعاها كثيرات من اللواتي اغمضن الجفن عما يتخلل هذه الموضة من الاضرار الفادحة بالصحة والمال .
  أجل لقد اقدمت النساء بلا وعي إلى الانقياد لحكم الازياء الحديثة الجديد المستوردة التي تتغير بين آونة واخرى ...
  فنرى الملابس مثلاً ... تارة تشبه أثواب الممثلين أهل المساخر والهزل ( البالية ) وطوراً ضيقة تضغط على الجسم فتعيق الدورة الدموية .
  ومتى اختل نظام هذه الدورة الطبيعي أصبح الجسم معرضاً لكثير من الأمراض ، فكيف بنا ونحن نرى النساء قد شددن خواصرهن بحزام من المطاط فلا يستطعن أن يأكلن براحة أو لذة ، ولبسن أحذية ضيقة لا تساعدهن