أجبتها بكل هدوء : خففي من غلوائك اختاه ، ولا تجعلي للشيطان عليك سبيلا .
لا داعي للتحدي أو المهاجمة ، فإِنني على استعداد تام ، لكي أشرح مبينة لك ، ولغيرك وضع المرأة المسلمة ، نصف الهيئة الاجتماعية .
ولا أستسلم للعواطف التي طالما حملت الكثير من الناس على ذكر الحسنات دون السيئات متى تحدثوا عن أقوامهم .
( وليس في التشريع الإسلامي سيئات ) .
وإني إبذل جهدي ، لشرح وتوضيح كل فقرة أو كلمة مما تقولين وتنكرين ليتضح ما خفي عليك وعلى أمثالك من المخدوعات والمخدوعين لا تأخذني في الله لومة لائم ( قل الحق ولو على نفسك ) .
كما وأرجو من أخواتي الحاضرات أن ينظرن بمنظار الحق واعتبارهن امة وسطاً تحكم بالعدل .
وإن الغاية من موقفي هذا هو كشف النقاب ، عن وجه تطور المرأة المسلمة من النواحي الأخلاقية والثقافية والاجتماعية ... وغيرها .
وذلك في غضون تعاقب العرب ... والفرس ... والترك ... وغيرهم ، على الحكم في الامبراطورية الاسلامية .
وكذلك في ظروف تداول السلطة بين العرب ... والبربر ... في المغرب والأندلس حتى نصل إلى تبيان التطور الذي أصاب الأمة الإسلامية في تلك المراحل .
وللانسجام مع الواقع ، والمحافظة على الوجه الاسلامي الصحيح من أن تشوهه الأضاليل ، أبذل الجهد في تحليل ما يقتضيه الواقع ، من بحث وتدقيق وتنقيب وتمحيص ، للوصول إلى الغاية المرجوة بكتابي هذا .
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 38 ـ
وإنني الآن أتناول ، أولاً موضوع حرية المرأة ، شارحة لأي مجال أعطاها الاسلام من الحرية والانطلاق ، وإني إذ أكتب أرى أنه ليس من الضروري ، أن تكون عباراتي مسجعة ، منمقة في غاية البلاغة وتنعدم معها إمكانيات العطاء الذاتي كما يفعل البعض .
وإنما حرصت على أن تكون هذه العبارات سهلة سلسة يستسيغها القراء ، مع حسن التنسيق وسلامة التعبير .
الحرية ... والمساواة :
السؤال الذي يتردد على لسان حاملي لواء المطالبة بحقوق المرأة المسلمة ، شعارهم : نحن نطالب بالحرية ... والمساواة ، لنمضي في ركب الحضارة والمدنية ، شأن النساء الاوروبيات .
وكانت صيحة محمومة ، ومطالبة صارخة ، إن هناك من الحقوق المغبونة ، والظلم الواقع على رأس المرأة المسلمة ، لأن الإسلام لم ينصف المرأة ، عندما جعلها دون الرجل ، وسلَّطه عليها .
والحق يقال : إن جميع ما يتشدق به دعاة المدنية ، ماهو سوى بعد عن الحقائق ، وتقليد أعمى ، درجت عليه المرأة الشرقية ، وارتضته المسلمة لنفسها ، بالاضافة إلى ما ارتضته من نقائص وسخافات مستوردة من البلاد الأجنبية ، وقلدتها راضية مرضية .
إذا كانت المرأة الأجنبية ، تطالب بحقوقها ، فهذا أمر راجع لاعتبارات كثيرة ، اقتصادية ... واجتماعية ... وتربوية ، التي كانت تعاني منها عندما كانت ترسف بالقيود ، وتتخبط في الظلمات .
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 39 ـ
وما شأن المرأة المسلمة بهذه المطالب ؟؟ مع العلم أن الإسلام أنصفها وأرضاها ، وأعطاها حقوقها كاملة غير منقوصة .
لا يخفى أن المرأة في البلدان الأجنبية ، من شرقية أو غربية قد مرَّت بأشواط قاسية .
ففي العصور المظلمة التي تخبطت بها المرأة ، كثر الجدل حول حقيقتها انها بشر ... ؟ أم شيطان ... وهل تحتوي نفسها على الخير كالرجل ؟ أم انها بشر ؟ فضلاً عن أن الرجل كان يقودها ويبيعها في السوق ، وهي راضخة ، قانعة بوضعها مكتفية بإنفاق الرجل عليها .
وبعد قيام الثورة الصناعية في جميع البلدان ، وإنشاء المصانع والمعامل والشركات تبدلت الأوضاع ... وتفاوتت الاعتبارات .
لقد أسدت الثورة الصناعية ، خدمات كثيرة إلى بني الإنسان ، ولكنها من جهة ثانية ، أساءت إلى المجتمع الأخلاقي ، الذي أخذ بالتفكك والانحلال تدريجياً ، حيث أصبح الفرد لا يهتم إلا بنفسه ، ثم إشباع ذاته وحاجته وانغماسه في الملذات ، لأن الثورة الصناعية أدَّت إلى نشوء طبقتين الطبقة الاولى : أرباب العمل وهم الأغنياء الذين أفسد الترف أخلاقهم ، والطبقة الثانية : العمال وهم الفقراء الذين ألجأهم الحرمان للهث وراء المال لسد حاجتهم ، ويكون المثل الأعلى يومئذٍ للرجل الناجح هو الرجل الغني .
صرف المرء حينئذٍ نفسه وتفكيره وطاقاته وجهوده عن كل شيء إلا الحصول على المال ، بأي وسيلة ، ومن أي طريق .
كان من الطبيعي أن تدخل المرأة في ميدان العمل ، لإعالة نفسها ، ولكنها الجانب الضعيف الذي ينحني عادة للأقوى ، في كل زمان ومكان إذا لم يكن هناك رادع ديني ... أو أخلاقي .
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 40 ـ
نزلت المرأة إلى ميدان العمل ، وعملت مع الرجل وقامت بنفس الجهد أو أكثر ، ولكن بأجر أقل من الرجل ، جهد كثير ، وأجر قليل وكرامة غير محفوظة .
وأخيراً تهاوت تحت وطأة الحاجة والعوز بنفسها وشرفها .
هذا واقع أكثر النساء الأجنبيات اللواتي تريد تقليدهن والاقتداء بهن ، المرأة المسلمة ، والزمرة التي تطالب بحرية المرأة ومساواتها بالرجل .
هذا واقع النساء المتحرزات الاوروبيات او الأجنبيات، وهذا ما دعاهن إلى شق عصا الطاعة ، والتنفيس عما يعانينه من جور وحرمان واضطهاد .
قامت النساء ، يطلبن حريتهن وحقوقهن المهضومة ورفعت الأصوات ... وزادت المطالبة بالحرية والمساواة ...
وتمَّ للمرأة ما أرادت ، ولكن هل حلَّت المساواة والحرية مشكلتها ؟
وهل حققت لها السعادة ؟؟
هل رفعتها في نظر الرجل ؟؟
هل صانت نفسها ... وشرفها ؟؟
لا ... وألف لا ... هذه صحفهم كلها تشهد وتقول : صحيح ان قانون المساواة حقق للمرأة الكسب المادي ، ولكنه سبب زيادة في الطلاق وأدى الى تفكك الروابط العائلية ، بسبب غيابها عن البيت ، وابتعادها عن أطفالها وعدم رعايتهم ، والاعتماد على دور الحضانة .
وماذا يجدي الكسب المادي ؟ إذا كان الأمن بعيداً عن البيت ؟؟
والاطمئنان مفقوداً ؟!
( اطمئنان الزوج ... الأم ... الأطفال ... )
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 41 ـ
جاء في مجلة ( شجرة الدر ) في الجزء السادس من السنة الاولى نقلاً عن جريدة ( الاسترن ميل ) بقلم الانكليزية الشهيرة ( آني رورد )
(1) ( إذا اشتغلت بناتنا في البيوت خوادم او كالخوادم ، فذلك خير وأخف بلاء ، من اشتغالهن بالمعامل حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تُذهب برونق حياتها الى الابد .
ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين ، حيث الحشمة والعفاف ... والطهارة رداء الخادم ... والخادمة اللذين يتنعمان بأرغد عيش ويعاملان معاملة رب البيت ، ولا يمس عرضهما بسوء ...
نعم ، إنه عار على بلاد الانكليز أن تجعل بناتها ، مثلاً للرذائل ، لكثرة مخالطة الرجال ، فما لنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل ما يوافق فطرتها الطبيعية ، من ملازمة البيت ، وترك أعمال الرجال للرجال ، سلامة لشرفها !! ) انتهى .
إن عقلاء الامم الغربية ينفرون من هذه الحال التي ضربت فيهم بجرانها ، وفينا نفر ، أضلهم الله على علم ... يريدون أن يفسدوا المرأة باسم إصلاحها ، ويهدموا حياتها وطبيعتها ، بسوء هذا الصنيع ، فهم يحملون الناس ، بتزاويق الكلام ، على أن ينهجوا منهج الغربيين سالكين طريقتهم ، مقلدين في كل شيء ، حتى الضار من الاخلاق . .
والعادات ... والتقاليد ... ورحم الله القائل :
فلا يفسد التقليد طيب iiارثكم ففي دسم الغرب اختفى ناقع iiالسّم ولا تقربوا منهم سوى العلم وحده وعضوا على أخلاق آبائنا الشم |
ولكنني أتساءل ... هل يجب علينا نحن المسلمات ، ان نحمل نفس الشعارات ... ونهتف ... وننادي بها ؟ ! .
**************************************************************************************
(1) عن كتاب نظرات في السفور والحجاب ـ الشيخ مصطفى الغلاييني .
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 42 ـ
هل يجب علينا تقليد الاجانب من الافرنج وغيرهم ؟ التقليد الاعمى الذي يؤدي بنا إلى الهاوية ؟
كلنا يعلم أن الإسلام أعطانا الكثير ... ولكن نحن ظالمات ، جاحدات لنعم الله سبحانه .
ما ظلم الإسلام المرأة ... ولا أجحف بحقها ، ولا أنقص من كرامتها ، ولكنه رسم لها جانباً ايجابياً عظيماً في هذه الحياة ، والله سبحانه وتعالى ساوى بين الرجل والمرأة بالإنسانية والجزاء ... متساويين في الخلق : قال تعالى :
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى )
(1) .
إنكما متساويان أمام الله في الأعمال ـ الثواب ـ العقاب ...
( أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ )
(2) .
ولكن الباري سبحانه وتعالى فرق بين الرجل والمرأة في المواضع التي تقتضيها الفطرة ... والطبيعة .
فيا اختي المسلمة ... عودي الى الدين ... والى الحياء ... وصوني كرامتك وشرفك ، فليس غير الإسلام يصون نفسك ويحفظها .
تحرري من هذه النظريات والسموم ، فوالله إن المستعمر يريد استعبادنا واستثمارنا ، بعد أن يضعف ديننا ، ويصرفنا عنه بشتى الأساليب والحيل والخداع واتقي الله واستعيني به .
من استعان بغير الله في طلب فإن ناصره عجز iiوخذلان |
****************************************************
(1) سورة الحجرات ـ آيه ـ 13 .
(2) سورة آل عمران ـ آيه ـ 195 .
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 43 ـ
المساواة في العبادات :
طالب الإسلام الإنسان رجلاً كان أم امرأة ، بانشاء نفس راقية ، وتصفيتها من نوازع النفس البشرية ، ومن أدران المادة الدنيئة ، وبالابتعاد عن صفات الروح الحيوانية ، ودله على السبيل إلى ذلك ، فسن له سننا ووجهه إلى طرق اسماها العبادات كقوله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )
(1) .
طلب منه الصلاة ، بان يذكر ربه اناء الليل وأطراف النهار ، ويتهجد له بكرة وعشيا .
يقف بين يديه متوجهاً اليه بجنانه ، سامياً عن الدنيا بنفسه ، محلقاً في ملكوت ربه بروحه ، فيخشع قلبه لما تنقشع الغشاوة عن بصيرته ، فيرى بوجدانه عظمة الباري وقدرة الخالق ، ويكون مشدوداً اليه في كل حركاته وسكناته ، في قيامه ، وركوعه ، وسجوده .
هي الصلاة ( سراج كل مؤمن ) كما ورد في الحديث : ( هي السلم الذي يرتقي به المؤمن متعالياً عن المفاسد الدنيا ... وهي أيضاً قربان كل تقي ) .
بالصلاة يتقرب العبد إلى ربه ، ويشف اهابه ، وتسمو نفسه وتتهاوى سدود انانيته .
ولقد قال الرسول الاعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً ) ، وقال أيضاً : ( لا صلاة لمن لم يطع الصلاة ... ) و طاعة الصلاة ان ينتهى المصلي عن المعصية وفعل المنكرات ، وقال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام ) : ( من احب ان يعلم أقبلت صلاته أم لم تقبل فلينظر هل منعته عن الفحشاء والمنكر ؟ فبقدر ما منعته قبلت منه ) .
*******************************************
(1) سورة الذاريات ـ آية ـ 56 .
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 44 ـ
ان الإنسان لو عبد الله حقاً ، ومشى على طبق التعاليم الإسلامية وانتهج الصراط المستقيم ، و عمل الخير وأمر بالمعروف وانتهى عن المنكر كان من الصالحين ... وإلا فقد حكم على نفسه بأنه دجال منافق وقد أشارت الآية الكريمة إلى هذا المعنى ( فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ )
(1) .
وقال الشاعر :
ما قال ربك ويل للأولى سكروا بل قال ربك ويل iiللمصلينا |
وفرض على الإنسان الصوم ، يصارع غرائزه الحيوانية لكي يتمكن من مصارعة أهوائه الشخصية ، ورغباته الذاتية التي يعصي بها ربه إن اطاعها ، لانها تصطدم مع أهواء إخوته من بني البشر .
فكل منهم يرغب في امتلاك العالم وما فيه ، وتكمن في نفسه شهوة السيطرة وحب الذات . وتفيض نفسه كرهاً وحقداً لكل ما يقف في طريق تحقيق مرادها .
ومن الناس من يسلك للحصول على المال طرقاً ملتوية لا تقرها الشرائع والاخلاق ، ولا يكتفي بالحلال ، ولا يبالي بالحرام ، فهو جائع لا يشبع طامع لا يقنع . استعبدته شهوة المال ، وحرمته لذة الرضا والقناعة .
ولما تتضارب مصالح الإنسان مع مصالح أخيه ، يضطر من أجل ارضائها ان يظلم اخاه ليرمي بانسانيته عرض الحائط .
وكما قال الشاعر :
الظلم من شيم النفوس فان تجد عفة فلعله لا iiيظلم |
فالصيام يفرض عليه مصارعة غرائزه الحيوانية من أكل وشرب وجنس .
*****************************************************
(1) سورة ـ الماعون ـ آية ـ 4 ـ 5 .
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 45 ـ
وغير ذلك ، فإن استطاع اعانه ذلك على السيطرة على نوازع النفس وشهواتها ، فيسلك طريقاً مستقيماً مطيعاً لله ، متجنباً معاصيه ، وإلى ذلك يشير الحديث ( الصوم جنة من النار ) .
طلب الإسلام من الجناحين ... الرجل والمرأة ، على السواء ، تنقية النفس وتطهير الذات ، لسمو روحي عال وترفع عن دنس دنيء .
وعلى حد سواء طلب منهما الصلاة التي تنهي عن الفحشاء والمنكر ، وهي عمود الدين وقد ورد في الحديث الشريف : ( الصلاة معراج المؤمن يعرج بها إلى ملكوت ربه بنفسه وروحه وقلبه ) .
وجميع العبادات من صوم وصلاة ... وحج وزكاة وجهاد في سبيل الله ، هي دروس للإنسان كيف ينشيء نفساً قوية وشخصية فذة ، وكيف يسيطر على هواه ورغباته ... ويبدأ بجهاد نفسه ، وكيف يوجهها في سبيل خير المجتمع وسعادته .
فإذا اخلص لله عمله ، رغب في كل ما يتقرب إليه ، تراه بهمة عالية يقطع الفيافي والقفار والمسافات البعيدة ليتمثل ما أمره الله تعالى به : ( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )
(1) .
فيطوف حول البيت ويسعى بين الصفا والمروة يدعو الله بقلبه ولسانه بجوارحه ان يخلصه من الشرور والآثام .
وتراهم رجالاً ونساء في هذا المؤتمر العظيم يهتفون ويلبون بصوت واحد : ( لبيك اللهم لبيك ) .
ممتثلين لدعوة ربهم لما ندبهم في قوله عز من قائل : ( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ
*******************************************
(1) سورة آل عمران ـ آية ـ 97 ـ
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 46 ـ
يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ، ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ )
(1) .
وذكر الطبرسي في كتابه مجمع البيان في تفسير القرآن : يأتوك رجالاً ـ أي مشاة على أرجلهم ( وعلى كل ضامر ) أي ركبانا ... ( ليشهدوا منافع لهم ) قيل يعني بالمنافع التجارات ـ عن ابن عباس وسعيد بن جبير .
وقيل التجارة في الدنيا والاجر والثواب في الآخرة عن مجاهد وقيل : هي منافع الآخرة ، وهي العفو والمغفرة ـ عن سعيد بن المسيب وعطية العوفي وهو المروي عن ابي جعفر الباقر ( عليه السلام ) ...
وخلاصة القول : لم يحرم الله سبحانه المرأة من هذا الثواب العظيم والاجر الجزيل ، وهذه التجارة الرابحة .
وفسح لها المجال للمشاركة في هذا المؤتمر العظيم الذي يجتمع فيه الناس من كل حدب وصوب ، ومن كل لسان وجنس ولون ... من أصقاع المعمورة .
لا بل أوجبه عليها كما أوجبه على الرجل ان تمت شرائط الوجوب ، وهي القدرة ... والاستطاعة وذلك لاطلاق قوله تعالى : ( وَأَذِّن فِي النَّاسِ ... ) ولم يقيده بالرجال أو النساء بل قال : ( مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ... )
انها العدالة الاجتماعية ، والمساواة الإسلامية ، والحكمة الآلهية ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) .
*******************************************
(1) سورة الحج ـ 27 ـ 28 ـ 29
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 47 ـ
فالتقى هو ميزان الكرامة ، والقرب من الله ، لا الذكورة ... ولا الانوتة ، فمن اخلص لله عمله ورغب في كل ما يقربه الى الله ، وسار على هدي التعاليم السماوية في خدمة المجتمع العام متقرباً إلى خالقه ... نال السعادة الابدية
( احبكم إلى الله انفعكم لعياله ) .
وبروح سامية يضرب بهواه في حب المال عرض الحائط ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا ) فيخرج خمس أرباحه وزكاة أمواله ( ان الله شارك الفقراء في أموال الاغنياء ) متقرباً بذلك إلى الله لا يبغي منها إلا وجهه ، ولا يريد إلا رضاه .
هكذا طلب الإسلام من المرأة والرجل . التعاون من أجل إنشاء الحياة السعيدة المطمئنة الهادئة ، والمرأة ان استطاعت تصفية نفسها وتنقية ذاتها وتطهير قلبها كانت هادئة مطمئنة تؤثر تأثيراً مباشراً بجيلها الصاعد ... باطفالها وأولادها وتبعث فيهم النفس الصالحة .
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 48 ـ
في محيط المرأة ـ باب المساواة :
يقول محمد العشماوي
(1) لقد قرأت كلاماً القي في شعبة هيئة الامم جاء منه :
( أن المرأة الشرقية ما تزال محجوراً عليها ، وان هناك فوارق وفواصل بينها وبين الرجال ، وإن مردَّ ذلك الى الدين الإسلامي ، ووقوفه عقبة في سبيل نهوض المرأة ومساواتها بالرجل .... الخ ) .
حقاً لقد مرَّت بالأمة الإسلامية فترات من الظلام ، أصاب المرأة فيها جانب من الحيف والإخضاع ، ولكن ذلك شذوذ اجتماعي وحيف من قبل القادة والحكام ، يعرض لكثير من الامم في بعض عصورها لعوامل طارئة ولا يلبث أن يزول .
فمن الحق عليَّ أن أجهر بأن الإسلام أول من مكّن المرأة في المجتمع الإنساني ، فليس بمجهول أن المرأة حين بزوغ نور الإسلام كانت في حضيض الذلة والانحطاط ، ينكر عليها حق التوريث ، ويؤبى عليها أن تشترك في أي نظام من نظم المجتمع .
فأعلن الإسلام مساواتها بالرجل ، إذ رسم لها فروضاً واحدة في العبادات والمعاملات ، وجعلها بمنزلة واحدة في الحقوق والواجبات .
نري القرآن يخاطب المرأة والرجل على حدٍ سواء ، في شؤون العاجلة
***************************************************************************************************************
(1) عن مجلة الأزهر ـ الجزء الخامس ـ المجلد التاسع عشر ـ ص ـ 428 ـ 429 .
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 49 ـ
والآجلة ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى ) وقال تعالى : ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ ... )ونراه يبيِّن أننا نشأنا جميعاً من نفس واحدة وأننا افترقنا جنسين لكي نؤلف شطري المجتمع البشري .
ونراه يعتز بالاسرة ويعبِّر عن الزواج بأنه الميثاق الغليظ . ونراه يدعو إلى المساواة بقوله : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) .
وان في حياة الرسول صلوات الله عليه ما يدلُّنا على أنه لا فرق بين امرأة ورجل في حق أو واجب . فقد بايعه النساء كما بايعه الرِّجال ، وقد استفتينه في شؤونهن كما استفتاه الرجال ، وفي عهد عمر كان الرجال والنساء جميعاً يدعون الى الاجتماعات العامة .
وما أن شُقًّ طريق الجهاد ، حتى انفتح للمرأة المسلمة باب وقفت فيه موقفاً إنسانياً يتعطر به ذكر التاريخ .
وما أن تحلقت حلقات العلم وطلبت رواية الحديث ، حتى اشترك النساء بالسهم الوافر ، فرويت عنهن الأحاديث ونقل عنهن الشرع ولم يخف أثرهن في سياسة أو اجتماع ... انتهى .
أطلق الإسلام حرية المرأة في جميع نواحي الحياة ، ولو وازنت أيها القارئ الكريم بين شرائع الغرب والشرق وشريعة الإسلام لتجلَّى لك أن الإسلام أبر بالمرأة وأكفل لحقوقها وأكثر افساحاً لحريتها من جميع الشرائع .
ومما لا ريب فيه أننا نحيا في ظل التشريع الإسلامي العظيم الذي حفظ للمرأة ما تطمح اليه من الحقوق .
وإذا كانت المرأة قد لقيت في بعض العصور اعناتاً وإجحافاً ، فليس الذنب ذنب التشريع الإسلامي ، وإنما هو ذنب الذين حرموا المرأة حقوقها المكتسبة .
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 50 ـ
لذلك يجب علينا أن نستقي الحقوق والفرائض من منابعها الأصيلة الصافية . قبل أن تكدرها عهود العنت والشذوذ الاجتماعي .
( يقول محمد العشماوي
(1) : بماذا تطالب المرأة ؟ .
بالثقافة ؟ : لقد فرض عليها الإسلام أن تتعلَّم .
بالميراث ؟ ، لقد أعطيت نصف حظ الرجل ، وليس هذا فيه تمييز للرجال ، وأكاد أقول : ان فيه محاباة للمرأة ، فعلى الرجل أعباء النفقات .
فإن كان ثمة غنم يقابله كبير غرم ، وكيف لا وقد رفعت عن المرأة أثقال الانفاق على نفسها وعلى ذوي قرابتها . !؟
ومن الإنصاف إذا أردنا الحكم على شيء أن نحكم عليه مجتمعاً متصلاً بمقدماته ونتائجه .
بقي للمرأة مطالبتها بالحقوق السياسية ، فهل حرمها الإسلام تلك الحقوق ؟
كلا بل أباح لها أن تباشر مختلف الاعمال ، ويقول العشماوي أيضاً :
( وحسبنا دليلاً على حق المساواة وانه طبيعي لا ريب فيه أن الريف المصري يضم 15 مليون يعمل نصفهم من النساء عمل الرجال بجانب عملهن الخاص ، وليس بعد هذا برهان على استطاعة المرأة العمل في الميدانين : الخاص والعام .
ولكن الريفية لم تتثقف ولم تتعلَّم ، ولذلك تعاني ضعفاً في القيام بمهمتها التي تبذل فيها جهدها كله .
من العدل تكليف كل عنصر حسب قدراته وحاجاته ، لأن العدل هو وضع كل شيء موضعه .
****************************************************************************
(1) مجلة الأزهر ـ الجزء الخامس ـ ص ـ 430 .