أهلها أو اقاربها أو صديقاتها أو للتنزه والترويح عن نفسها بعيدة عن اماكن الريب مع زوجها أو ابيها ، أو أخيها ، أو غيرهم من محارمها ، أو مع صديقات لها معروفات بالحشمة والأدب والدين والأخلاق الفاضلة ، والسمعة الطيبة ، وكما قيل :
صـاحب أخا ثقة تحظى iiبصحبه      فالمرء مكتسب من كل مصحوب
والـريح  آخـذة مـما تمر iiب      نتناً من النتن أو طيباً من iiالطيب

  أما ان تترك المرأة بيتها وتخرج للتنزه في أماكن الريب والشبهات أو الجلوس في المقاهي ( والكازينوهات ) أو التجول في الأسواق والطرقات ، لغير حاجة أو ضرورة ، تلين القول لهذا ، وتمازح ذاك ، وتبش في وجه آخر وقد نهى الله تعالى عن ذلك : ( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً ) (1) .
  وهذا الفعل لم يأذن به الله سبحانه ، ولا يرضاه من عنده أدنى ذرة من شرف النفس ، والشهامة والإباء والغيرة .
  كما لا ترضى به حرة ، تؤمن بالله واليوم الآخر ، أو عندها من كريم الخلق ما يربأ بها ، ان ترد هذه الموارد .
  ومن الواجب على المرأة الفاضلة العاقلة ، إذا خرجت من بيتها لحاجة أو لضرورة ، أو للترويح عن النفس ، تخرج في حشمة وادب ، يحوطها الخلق

********************************************************************************************
(1) سورة الأحزاب آية ـ 32 .
وفي مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي ( فلا تخضعن بالقول ) أي لا ترققن القول ولا تلن ( هكذا وردت والمفروض ولا تلين ) الكلام للرجال ولا تخاطبن الأجانب مخاطبة تؤدي الى طمعهم ( وقلن قولا معروفاً ) اي مستقيماً جميلا ، يريئاً من التهمة بعيداً عن الريبة ، موافقاً للدين والإسلام .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 102 ـ

  الطيب ، والتربية الحسنة متأدبة في مشيتها ، غاضة من طرفها ، غير مبدية زينتها ، ولا متكسرة ، ولا متثنية في خطواتها ، ولا لافتة اليها أنظار الجهلة والمستهترين ، وليس الأمر بان تلازم المرأة دارها خاصاً بالإسلام ، كما يتوهم أو يظن البعض ، فقد جاء في رسالة بولس (1) إلى طيطس (2) في موضوع كلام عن النساء قال يجب عليهن بان يكن متعقلات ، ملازمات لبيوتهن ، خاضعات لرجالهن .
  وقال مخاطباً ( ثيموثاوس ) : لست آذن للمرأة ان تتعلم ، ولا تتسلط على الرجل ، تكون في سكون دائم ، لأن آدم جبل أولاً ثم حواء .

الرجال قوامون على النساء :
  نحن نرى أعداء الدين وأصحاب الأهواء قد انكروا على الإسلام قيام (3) الرجل على المرأة ، وراحوا ينفخون في أبواق الفتنة قد اتخذوا من الآيات الكريمة مادة للطعن بعدما فسروها على العكس ، وحسب ما يريدون ويفندون .
  ان القرآن لا يعلم تأويله إلا الله ورسوله ولا يفهم معناه إلا الراسخون في العلم ، فتبصروا يا اولي الألباب .
  قال تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا


**************************************************************************************************************
(1) بولس الرسول هو أحد تلامذة السيد المسيح عليه السلام ومن الحواريين .
(2) طيطس هو أحد المخلصين الذين ساعدوا السيد المسيح على نشر الكتاب المقدس .
(3) القيام : بمعنى المحافظة والاصلاح كما عن تاج العروس للزبيدي .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 103 ـ

  أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) (1) .
  إذا امعنا النظر نجد ان الإسلام ، حفظ للمرأة جميع حقوقها غير منقوصة وانها في ظل الإسلام ارتفع وضعها وجعلها شريكة للرجل في جميع مرافق الحياة وهي مساوية له ، لها انسانيتها وكرامتها كما أسلفنا .
  لقد جعل الله سبحانه للرجل حق القيام باصلاح المرأة ليس تقليلاً من كرامتها ، واحتقاراً لها كما يدعي المغرضون ولم يبخسها حقاً مقرراً في الحياة الاجتماعية ... بل العكس .
  لقد قيد الإسلام الرجل بواجبات النفقة والرعاية ، من توجيه وتعليم وإدارة ، وهو مسؤول عن كل خطأ أو تقصير .
  ففي الحديث الشريف ( كلكم راع وكل مسؤول عن رعيته ) وبما أن الرجل مسؤول عن أهل بيته ، فقد جعل الله له هذا الحق ، وهي الرعاية وحسن الإدارة ، والتوجيه الديني ، والتأديب الخلقي ، قال تعالى يمدح النبي إسماعيل عليه السلام : ( وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضياً ) (2) .
  وقال تعالى : ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) (3) .

****************************************************************************************
(1) سورة النساء ـ آية ـ 34 ففي مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي ( الرجال قوامون على النساء ) اي قيمون على النساء مسلطون عليهن في التدبير والتأديب والرياضة والتعليم ، وعن مجمع البحرين في اللغة للطريحي : علل هذه الآية بقوله لهم عليهن قيام الولاء والسياسة .
(2) سورة مريم ـ آية ـ 55 .
(3) سورة طه ـ آية ـ 132 .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 104 ـ

  لقد فضل الله سبحانه الرجل على المرأة ، وجعل له القيمومة وقيده بهذه المسؤولية والتبعات ، وأمره ان يتحملها صاغراً وهو عنها مسؤول .
  ولكن هل حفظ كرامتها ؟ ... هل رعاها بكل لطف وحنان ؟ ... هل قام بواجباته الدينية ، والخلقية تجاهها ؟ ... وأدى دور القيمومة التي خولها له الإسلام في دائرة النصح والإرشاد والتوجيه والإعالة ؟ .
  كلا ... لقد أخذ بعض الرجال الغرور والكبرياء والجهل فاتخذ من القيمومة أداة للتسلط على المرأة وإذلالها واضطهادها واذيتها ، وكما قيل :
إذا كـان ذنب المسلم اليوم iiجهل      فماذا على الإسلام من جهل مسلم

  يقول الشيخ محمد عبده في كتابه المنار (1) :
  ( المراد بالقيام هنا هو الرئاسة التي يتصرف فيها المرؤوس بارادته و اختياره وليس معناها أن يكون المرؤوس مقهوراً مسلوب الإرادة ، لا يعمل عملاً إلا ما يوجهه اليه رئيسه فإن كون الشخص قيما على آخر ، هو عبارة عن ارشاده والمراقبة عليه في تنفيذ ما يرشده اليه ، أي ملاحظته في أعماله وتربيته ) .
  فالرجل قوام على المرأة للمحافظة عليها وكفايتها كل ما تحتاج اليه من مأكل وملبس ، وجميع مصاريفها ، كل على حسب استطاعته وسعته ، وبحسب وضع المرأة الاجتماعي .
  فالقوامون هم الرعاة ، ومن قام على أمر كان له حافظاً وراعياً .

****************************************************************************
(1) تفسير المنار ـ للشيخ محمد عبده ـ ج 5 ـ ص ـ 68 .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 105 ـ

  وهل قيام الرجل على اهل بيته إلا للمحافظة عليها من كل مكروه ، ورعايتها من كل اذية تصدر عن أهل السوء قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
  ( كلكم راعٍ ، وكلكم مسؤول ، فالامام راع وهو مسؤول ، والرجل راعٍ على اهله وهو مسؤول ، والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسؤولة ، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول ) .
  تقول الدكتورة بنت الشاطئ (1) : ( ويحضرني الآن حديث لعمر بن الخطاب ، استجلي فيه ملامح الزوج الرسول وضاءة مشرقة ، وآراه صادق الدلالة على شخصية محمد الرجل الانسان .
  قال عمرو ( والله انا كنا في الجاهلية ما نعدّ للنساء امراً حتى انزل الله تعالى فيهن ما انزل ، وقسم لهن ما قسم ) .
  فبينما أنا في أمر ائتمره اذ قالت لي امرأتي : لو صنعت كذا ... وكذا ؟ ...
 فقلت لها : ومالك انتِ ؟ ولما ها هنا ؟ وما تكلفك في أمرٍ اريده ؟
  فقالت لي : عجباً يا ابن الخطاب ! ما تريد أن تراجع أنت ... وان ابنتك لتراجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يظل يومه غضبان ...!
  قال : فأخذت ردائي ، ثم انطلقت حتى ادخل على حفصة فقلت لها : يا بنية انك لتراجعين رسول الله حتى يظل يومه غضبان ؟ .

**************************************************************
(1) تراجم سيدات بيت النبوة الدكتورة بنت الشاطئ .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 106 ـ

  فقالت : ( إنا والله لنراجعه )   قال : ( ثم خرجت حتى دخلت على أم سلمة لقرابتي منها فكلمتها فقالت لي :
  ( عجباً لك يا بن الخطاب !... قد دخلت في كل شيء حتى تبتغي ان تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وآله ... وازواجه ؟! )
  فأخذتني اخذاً كسرتني به عن بعض ما كنت أجد ... )   كثير من الناس لا يزالون من قديم الزمان الى عصرنا الحاضر ، قد اعمتهم الانانية وحب الذات لا يعرفون من أمر هذه الدنيا سوى جلب المنفعة لأنفسهم وارضاء شهواتها ، ولو على حساب الضعفاء ، وهم في كل أمة ... وفي كل مكان .
  فلو اسقطنا الوصاية ... والوكالة عن الرجال والقيمومة على النساء ، لرأينا عجباً من الفوضى ، والاضطربات الاجتماعية ، وارتكاب المنكرات .
  ويجب على كل رجل ان يقوم بواجباته ، وبما القي عليه من التبعات ، كالانفاق على عياله ومعاشرتهم بالحسنى ، وتعليم أهل بيته أمور دينهم من الحلال ، ونهيهم عن الحرام ، لجعلهم من عباد الله الصالحين ، وابعادهم عن سبيل الشر ، وأهل السوء .
  إذ لا نجاة من النار وغضب الجبار ، إلا باطاعة الله وتفهم الدين ، وتنفيذ احكامه . قال تعالى :

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 107 ـ

  ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )(1) .

نظام الاسرة في الاسلام :
  ينثبق نظام الاسرة في الاسلام من معين الفطرة ، واصل الخلقة ، وقاعدة التكوين الأولى للاحياء جميعاً وللمخلوقات ، ( وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (2) .
  فالأسرة هي نواة المجتمع الصالح ، الذي فرضته الشرائع السماوية ، لاستمرار الوجود ، وليكون الملجأ الوحيد لنظام الاسرة ( بيت الزوجية ) .
  نرى ان دستور الاسرة هو جانب من التنظيم للقاعدة التي تقوم عليها الجماعة المسلمة ، والمجتمع الاسلامي ، هذه القاعدة التي احاطها الاسلام برعايته ، وبذل الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم في تنظيمها وحمايتها وتطهيرها من فوضى الجاهلية ، وشوائب العادات والتقاليد جهداً كبيراً .

**********************************************
(1) سورة التحريم ـ آية ـ 6 ـ .
(2) سورة الذاريات ـ آية ـ 49 .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 108 ـ

  ثم ان القرآن الكريم ، أخذ يبحث على الاستقرار ، واقامة البيوت لتركيز دعائم الاسرة . قال سبحانه وتعالى :
  ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (1).

*****************************************************************************************
(1) سورة النساء ـ آية ـ 1 ـ وفي مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي ـ قيل ان المراد به بيان كمال قدرته قال الذي قدر على خلقكم من نفس واحدة ، فهو على عقابكم اقدر ، فيحق ، عليكم ان تتركوا مخالفته ، وتتقوا عقوبته ، وقوله ( الذي خلقكم من نفس واحدة ) المراد بالنفس هنا آدم عند جميع المفسرين ( وخلق منها زوجها ) يعني حواء عليها السلام ، ذهب اكثر المفسرين الى انها خلقت من ضلع من اضلاع آدم ، ( بث منهما رجالاً كثيراً ) أي نشر وفرق من هاتين النفسين على وجه التناسل رجالاً ونساء ، وانما من علينا تعالى بان خلقنا من نفس واحدة ، لأنه اقرب الى ان يعطف بعضاً على بعض ، ويرحم بعضنا بعضاً ، لرجوعنا جميعاً الى اصل واحد وذلك ابلغ في القدرة وادل على العلم والحكمة .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 109 ـ

صفات الزوجة الصالحة :
  من امعن فكره ونظر بنبراس عقله ، تحقق لديه ان معظم الشقاء والتعاسة والآلام التي تصادفها أكثرية الناس في حياتها صادرة عن جهل النساء اللواتي يفتقرن إلى المعرفة ، والآداب النفسية ، وحسن التدبير .
  فكم من امرأة هدمت بيتها بسوء تدبيرها ، وقلة معرفتها ، وجهلها .
  وما نفع ابي العائلة إذا جد وسعى ، ومهما انتج ، إذا كانت عنده امرأة تبدد أمواله ، وتفسد تربية أطفاله ، لعدم تعقلها ، وسوء تدبيرها .
  فمن الواجب تعليم الفتيات المبادئ الصالحة ، وتزيين عقولهن بالحكمة ، وحملهن على حب الفضيلة .
  ان الزوجة الصالحة ، هي التي تمتاز بدينها وأدبها ، وبافكارها الطاهرة الشريفة ، وبشعورها بالمسؤولية ، الملقاة على عاتقها وباخلاقها الكريمة ، الانيسة ، وبصبرها الجميل على تقلبات الدهر ونكبات الزمن ، وعريكتها الليّنة ، وعفتها النقية ، وسياستها الحكيمة .
  ترى الزوجة الصالحة ، الرشيدة العاقلة ، مرتدية ثوب النظافة واللياقة ، تتمشى على حدود الاعتدال والاقتصاد علىجميع متطلبات الحياة ، فتحمل زوجها ونفسها على العمل وترك الكسل ، وطرد التشاؤم .
  والزوجة الصالحة ، هي التي تنهض في الصباح الباكر ، متسربلة بالقوة

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 110 ـ

  والنشاط ، لترتيب أشغال النهار ، والقيام بمهام منزلها ومسؤولياتها ، فتكون ينبوع سعادة زوجها ، وفخر أولادها الذين يسمعون أناشيد مدحها من أبيهم وأقاربهم وجيرانهم فيهيمون طرباً ، ويزيدون من اكرامها وتعظيمها .
  هذه هي الزوجة التي ترفع شأن الإنسانية الصحيحة وتعمل في دفع عجلة التقدم والرقي ، وتقدم للبشرية اجل خدمة وأشرف عملاً ، فانها بتربيتها الصالحة المقرونة بالدين والإيمان ، تستطيع أن تؤثر على المجتمع أكثر من الخطب الرنانة والمحاضرات الضخمة والإنذار والتوبيخ . وبدون جهودها الجبارة لا تفيد وسائل التقدم والحضارة ما دام غشاء الجهل قد اعمى الكثيرين وخيم فوق رؤوسهم الغرور .

واجبات الزوجة الصالحة :
  إن واجب الزوجة نحو زوجها فرض مقدس ، سنة من قبل الخالق سبحانه وتعالى ، واهمال هذا الواجب وعدم القيام به يعود على المرأة بشقاء مستمر ، إذ أنها فضلاً عن التقصير الديني تخسر محبة زوجها ، وإخلاصه لها وثقته بها ، ويالعظم الخسارة ...
  يصرف الزوجان حياتهما في نكد وخصام ، بخلاف ما إذا قامت الزوجة بواجباتها الاجتماعية والدينية ، وما يتطلبه مركزها كربة بيت ... وسيدة اسرة .
  فإذا أدت واجبها باخلاص وأمانة ، فإن السعادة تظللها بأجنحتها والبركة

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 111 ـ

  والسلام ، والإيمان والإطمئنان يأويان منزلها ، وقد أطنب الناس بالزوجة الصالحة كما قيل :
نبغ الفتاة العاقلة iiالأمينة      ذات الكمال العفة الرزينة

  فكم من امرأة هدمت بيت الزوجية وعشها الهنيء بسوء تصرفها ، وعدم معرفتها بالواجبات الزوجية المقدسة واستهتارها باوامر الدين .
  تلك التي يسود في بيتها الخصام والشقاق ، تفر السعادة من أمامها وتكون حياتها مع زوجها عبارة عن سلسلة متصلة حلقاتها بالمرارة والويلات ، مرتبطة اجزاؤها بالمصائب والتنهدات ...
  مع انه كان بوسعها لو تتقي هذا البلاء العظيم بقليل من الصبر والتعقل ، وتعمل ما يفرضه عليها الدين والأدب من الواجبات نحو زوجها وبيتها وأطفالها .
  يجب ان تتأكد الزوجة بان سعادتها وسعادة زوجها موقوفة على محبتها ، وحقيقة ثقتها وإخلاصها له ، ومدى تفانيها في تحقيق جميع حاجاته ورغباته ضمن نطاق الشرع والدين .
  كما يجب على الزوج ان يقوم بخدمة زوجته ، يفعل كل ما يسرها ويصلح شؤونها وكما قالت تلك الإعرابية لابنتها : ( كوني له أمة ... يكن لك عبداً ) .
  ولا تنسى الزوجة انه من الواجب عليها ان تعمل بقلب فرح إذا لم يكن احب إلى الرجل من الزوجة البشوش ، لأن البشاشة تنير وجهها وتكسبه رونقاً وجمالاً وان يكن غير جميل وكما قيل :

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 112 ـ

لـيس الجمال iiبمئزر      فاعلم وان رديت بردا
ان الـجمال iiمـعادن      ومناقب  اورثن iiمجدا

  ان الفتاة الجميلة المتكبرة الرعناء ، المغرورة بجمالها المتهاونة في دينها وآدابها التي تصنع بعد زواجها حنجرة كدرة ، ولساناً سليطاً ، لا يهمها إلا نفسها وزينتها ... فإن حياتها البيتية تكون جحيماً لا يطاق .
  ولا تقدر هذه الزوجة المغرورة ان تواجه اللوم إلا على نفسها ، إذا أخذ زوجها بالتبرم والتذمر ، وأخذ يتغيب عن المنزل لأن من طبع الرجل كراهة الوجه العبوس المنقلب والسحنة الشكسة .
  ان اجمل حياة يحياها الإنسان ، في منزل تديره زوجة مخلصة وفية ذات دين وحياء وأدب ...
  زوجة تلاقي زوجها بوجه طلق ومحيا بشوش يزيل عنه التعب ، وتهدي اليه من مكارم أخلاقها وعذوبة ألفاظها لطفاً وحلاوة يأخذان منه بمجامع قلبه .
  تنظر اليه بألحاظ العطف والفطنة والذكاء ، فتعيره نشاطاً جديداً ، وتسهل أمامه طريق الخير لإجتياز مصاعب الحياة ومتاعب الزمن .
  اجل زوجة صالحة مثالية تشاطر زوجها همومه واتعابه ، وقد ارتسم على جبينها التعقل والحلم والرصانة وتزينت بالدين والفضل والعفاف وكريم الخلق هي أجمل ما يلقاه الإنسان في حياته :
  وعن انس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ قال :
  ( الا اخبركم بنسائكم في الجنة ؟ ) قلنا بلى يا رسول الله قال :

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 113 ـ

  ( الا اخبركم بنسائكم في الجنة ؟ ) قلنا : بلى يا رسول الله قال : ( كل ودود ... ولود ... إذا غضبت أو أسيئ اليها ، أو غضب زوجها لحقّ ... قالت : هذه يدي في يدك لا اكتحل بغمض حتى ترضي ...) (1) .
  وقد تغنى الشعراء بأوصاف المرأة الصالحة قال بعضهم :
وأول احساني اليكم iiتخيري      لما جدة الأعراق بادٍ عفافها

  وقال بعضهم لبنيه :(2) .
  ( قد أحسنت اليكم صغاراً ، وكباراً ، وقبل ان تولدوا ) ، قالوا له : ( وكيف أحسنت الينا قبل ان نولد ؟ ) فأجاب : ( اخترت لكم من الأمهات من لا تسبون بها ) .
  وقيل ان فاطمة بنت الخرشب رمت نفسها من الهودج حين أسرت ، فماتت لساعتها وهي تقول : ( المنية ... ولا الدنية ) . وقال احدهم : لا أتزوج امرأة حتى انظر الى ولدي منها ، قيل له : كيف ذلك ؟ قال : أنظر الى أبيها وأمها ، فإنها تجر بأحدهما .
وأول خـبث الماء خبث iiترابه      وأول خبث القوم خبث المناكح

  وفي الحديث الشريف عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قال :

**************************************************
(1) الترغيب والترهيب للمنذري ج ـ 4 .
(2) عيون الاخبار لابن قتيبة .
المرأة في ظل الإسلام م ـ (8)

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 114 ـ

  ( ثلاث من سعادة المرء ، ان تكون زوجته صالحة ... واولاده ابراراً ... وخلطاؤه صالحين ) .
  وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال :
  (خيركم ... خيركم لأهله ، وأنا خيركم لاهلي ) (1) .
  وعن عائشة قالت : عن النبي صلي اللّه عليه و سلّم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ان من أكمل المؤمنين إيماناً ، احسنهم خلقاً وألطفهم بأهله ) (2) .
  وعن انس بن مالك ( رض ) قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : ( من تزوج امرأة لعزها ، لم يزده الله إلا ذلاً ، ومن تزوج امرأة لمالها لم يزده الله إلا فقراً ، ومن تزوج امرأة لحسبها لم يزده الله إلا دناءة ، ومن تزوج امرأة لم يرد بها إلا ان يغض بصره ، ويحصن فرجه أو يصل رحمه ، بارك الله له فيها ... وبارك لها فيه ) .
  وفي رواية ( ذات دين وايمان وورع ... فأظفر بذات الدين تربت يداك ) (3) .
  عن عيون الأخبار أن رجلاً من بني أسد قال : ضلَّت إبل لي ، فخرجت في طلبهن ، فهبطت وادياً ، وإذا أنا بفتاة اعشى نور وجهها نور بصري ، فقالت لي : يافتى ما لي أراك مدلّها ؟
  فقلت : ضلّت إبل لي ، فأنا في طلبها ، فقالت : أفأدلك على من هي عنده ، وان شاء اعطاكها ... قلت : نعم . ذلك ولكِ أفضلها ...

************************************************************************************************************
(1) الترغيب والترهيب ـ للنذري ج ـ 4 .
(2) الترغيب والترهيب ـ للمنذري ج ـ 4 .
(3) ( تربت يداك ) كلمة معناها الحت ، والتحريض ... والترغيب ... والمراد : هنا اظفر بذات الدين ، ولا تلتفت الى حطام الدنيا من مال وجاه وغيره .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 115 ـ

  قالت : الذي أعطاكهن أخذهن ، وإن شاء ردهن فسله من طريق اليقين ، لا من طريق الاختبار .
  فأعجبني ما رأيت من جمالها ، وحسن كلامها ، فقلت : ألك بعل ؟ قالت : قد دعي فأجاب : فأعيد إلى ما خلق منه .
  قلت : فما قولك في بعل ، تؤمن بوائقه ولا تذم خلائقه ؟ .. . فرفعت رأسها ، وتنفست وقالت :
كنا  كغصنين في أصل غداؤهما      ماء الجداول في روضات iiجنات
فاجتثَّ خيرهما من جنب صاحب      دهـر يـكر بـفرحات وترحات
وكـان عاهدني إن خانني iiزمن      إلا يـضاجع انـثى بعد iiمثواتي
وكـنت عـاهدته إن خانه زمن      ألا  أبـوء بـبعل طول محياتي
فـلم نزل هكذا والوصل شيمتنا      حـتى  توفى قريباً من iiسنياتي
فاقبض عنانك عمن ليس يردعه      عـن  الـوفاء خلاف iiبالتحيات

  هذه قصة امرأة ذات وفاء وإيمان ، غرسه الاسلام في نفسها مع التقوى ...
  وأروع من هذه ما ذكر عن نهاية الأرب في فنون الأدب قال : ( إن سليمان ابن عبد الملك ، خرج ومعه يزيد بن المهلب إلى بعض جبابين الشام ، وإذا بامرأة جالسة عند قبر تبكي .
  فجاء سليمان ينظر إليها ... فقال لها يزيد : ـ وقد عجب سليمان من حسنها ...
  يا أمة الله هل لك في أمير المؤمنين حاجة ؟ فنظرت إليهما . ثم نظرت إلى القبر وقالت :

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 116 ـ

فـان  تـسألاني عن هواي iiفإنه      بـحوماء  هـذا الـقبر يا iiفتيان
وإنـي  لأسـتحييه والترب iiبيننا        كما كنت أستحييه حين يراني 
إلى أين المصير :
  يشكو هذا البلد من حب أبنائه للتقليد ، فما أن تظهر ( موضة ) أو تطل علينا ( تقليعة ) جديدة من الخارج ، حتى تتلقفها بلادنا ونكون أول المستوردين .
  وهكذا أصبحت بلادنا ذات الماضي العريق ، سوقاً رحبة لجميع الأزياء ( البيكني ... والميني ... والميكر و ... الخ ) .
  وبتأثير هذه النزعة ، كان بلدنا أسرع البلدان الشرقية إلى التخلي عن تقاليد الشرق المحافظ ، والأخذ بنمط الحياة الحديثة ، من لباس كاشف ... ورقص مزدوج ... واستحمام مختلط وما إليها من خلاعات جاء بها المستعمر من بلاده وتركها لنا فتمسكنا بها وكأنها ارث من تراثنا العظيم .
  ورغم التأثير السيء ، والإنكار والاستنكار الذي تركه هذا التقليد في بادئ الأمر ، في أوساط القديم ، ورجال الدين ، ودعاة الإصلاح وهداة الفضيلة والعفاف ، فقد انتهى الأمر أخيراً إلى التسليم بأن هذه الأشياء ، هي

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 117 ـ

  موجة عارمة من موجات العصر الحديث ، وتيار جارف من تيارات الحضارة والمدنية التي ينبغي أن نسايرها ، لأن الزمان ... والعصر ، يفرض طابعه على الجميع .
  وعلى مر الأيام والليالي ، طورت عقلية الأكثرية الساحقة من الناس ، فلم تعد ترى في هذه المظاهر ما كانت تراه في بادئ الأمر ، من شناعة أو قبح ... أو خلاعة أو فضائح ، بل أصبحت تجدها اموراً عادية ، لا تختلف عن أي أمر عادي من مؤلوفات الحياة .
  إن قواعد الاخلاق والفضيلة ، لم تتجاهلها إلا المجتمعات المنحلة ، التي كان ابتعادها عن عمود الدين والاخلاق سبب انحلالها .
  لنتساءل ... هل نضرب نحن صفحاً عن جميع هذه الحقائق لننساق في غمرات النزوات ؟
  وهل نتغاضى ونعمل ما تمليه عليه رغباتنا ؟ وما يزين الشيطان من سوء الاعمال ؟
  ناهيك بمشاعر الشرف والغيرة لدى الانسان ، وهي المتصلة أوثق الاتصال بحسن الرجولة والكرامة .
  فعندما يهون الشرف يهون العرض ، ويموت الإحساس بالرجولة والغيرة ، هناك الذلة والمهانة والعار .
  فإلى متى هذا الاستهتار ؟ وما معنى الروايات الخلاعية المتزايدة الانتشار ؟ والصور الإباحية العارية ... ألن تحتل غلافات الكتب والمجلات ... ؟ ... وما معنى الفضائح المخجلة التي نقف عليها كل يوم ؟ والحوادث التي تدل على انهيار خلقي مريع لدى الشبان والفتيات ؟

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 118 ـ

  كل هذا في بلاد الإسلام يحصل باسم الحرية التي يتغنى بها الجيل الجديد ، الذي يدَّعي التمدن والتطور .
  ولكن ... ويا للأسف إذا تأملنا ورجعنا إلى حكم العقل ، نراها معكوسة ، إذ هي القيد والتقهقر .
  إنها ليست حرية بالمعنى الصحيح ، بل هي حرية الفوضى ، حرية الشعب السائر على هواه ، دون أي ضابط أو قيد . دون أي رادع أو مانع ، حرية اللصوصية ... حرية القتل ... والسرقة التي انتشرت واستمرت حتى لم تعد حوادثها فردية ، بل غدت ذات طابع عام ، وخصوصاً حرية الفجور والخلاعة والاستهتار التي باتت تهدد مجتمعنا ... ووطننا الحبيب ،   فإلى أين نحن سائرون ... ومتى نعود إلى وعينا وإدراكنا ... وقانا الله من الزلات ، ورحم الله الشبيبي حيث يقول في قصيدته العصماء :
إلا لـيت شعري ما ترى روح iiاحمد      إذا  طـالعتنا مـن عـلٍ أو أطـلت
وأكـبـرظني لــو أتـانا iiمـحمد      لـلاقى الـذي لأقـاه من أهل iiمكةِ
عـدلنا عـن الـنور الذي جاءنا به      كـما  عـدلت عـنه قريش iiفضلتِ
إذن لقضى : لا منهج الناس منهجي      ولا  مـلة الـقوم الأواخـر مـلتي
دعـوت  إلى التوحيد يجمع iiشملكم      ولـم أدع لـلشمل الـبديد iiالمشتت

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 119 ـ

وجـئت  رسـولاً للحياة ولا iiأرى      بـكم  غـير حي في مدارج iiميت
ويـسرت  شـرعاً ما تعنَّت iiنافعا      وسـرعان  مـا مـلتم به iiللتعنّتِ
وحرمت  في الإسلام من بعد حلها      مساوئ عادت بعد حين فحلت (1)

**************************************************************************************
(1) هذه الأبيات من قصيدة الشيخ الشبيبي العصماء ( روح الرسول )

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 120 ـ

المرأة في بدء الدعوة الاسلامية :
  من الدستور الإلهي ، ومن التشريع الإسلامي ، ومن سنا الأنظمة الحكيمة ، والقوانين العادلة التي جاءت بها دعوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، تنسمت المرأة روح الحرية .
  ما أروع هذا الكون في تنظيمه ، وأروع ما فيه هذا الناموس الإسلامي العظيم ، الذي جعل لكل فرد من عالم الأحياء القدرة على أن يبرز القوى المادية والمعنوية ، التي تستلزم بقاء الحياة ، فلا قيود ... ولا ظلم ولا تعسف .
  استيقظت المرأة من سباتها العميق ، فهبت تنفض عن وجهها غبار السنين ، تسابق الرجال في شتى الميادين ، وتسرع إلى التوحيد والإيمان مصدقة بكلمة الرحمان .
 هو الإسلام الذي جعل النساء أخوات الرجال ، كما قال تعالى : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى ... ) أكسب المرأة المسلمة صفات جديدة لا عهد لها بها في العصر الجاهلي ، فضلاً عن أنه أثار فيها عواطف التدين والإيمان ، والتطلع إلى حياة اخرى ، هي خير وأبقى .
  أجل لقد أستيقظت المرأة ، وانبعثت مواهب النساء وبرزت كفا آتهن التي كانت مطمورة ترزح تحت أثقال فادحة من قوانين المجتمع الخاطئة ، وتصعدات

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 121 ـ

العادات الجاهلية والتقاليد الوثنية :
  لقد هبت المرأة من رقادها ، وأجابت دعوة الإسلام بقلب ملؤه التقوى ، ونفس فياضة بالإيمان .
  إن المرأة ما زالت في كل عصر ومصر تبزّ الرجال بالإخلاص لعقيدتها ومبادئها ، والاندفاع في سبيل إيمانها ، لذلك نرى أن النساء العربيات ، في عهد الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والخلفاء الراشدين وما بعدهم بقليل ، كن شريكات الرجال في وثبتهم الاجتماعية الدينية ، وجهادهم ضد المشركين .
  ولا غرابة في هذا ، فإن اختلاف الغايات والحوافز التي تدعو إلى القتال لها الاثر الفعّال في تطوير المسائل .
  فبينما كان الحافز في الجاهلية حب النصر والفخر أمام الملأ ، أصبح القتال في الإسلام ، هو المساهمة في نشر الدين ، وإدراك الأجر والثواب ، مما يضمن خير الدنيا والآخرة .
  فأما النصر والفخر ... وأما الجنة والنعيم الدائم ... قال تعالى : ( إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (1) .
  وما أن سطعت شمس الهداية ، وصدع محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالرسالة المقدسة داعياً ومبشراً ونذيراً ، حتى سارعت المرأة لتساهم بدورها في اعتناق الإسلام ونشره والتصديق برسوله والإيمان بمبادئه .

****************************************
(1) سورة التوبة ـ آية 111 .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 122 ـ

  لقد تجلّت في بدء الدعوة الإسلامية ، البداوة في طلاقتها وما نحوية من ثقافة أدبية وعزة وإباء وأنفة وعفاف وكرم ومروءة وشجاعة ونجدة ووفاء للذمم . كل هذه المزايا الحميدة احتوتها أحضان شرع عظيم ، وقيادة رسول كريم ، يقيم الحدود ويعيِّن الواجبات والحقوق ويقوِّم العقائد والمبادئ بالعدل والإنصاف والحرية والمساواة .
  وبما أن المرأة العربية كانت على جانب من المذلة والاحتقار كما أسلفنا ، فإنها كانت تحتفظ بمزايا فطرية بدوية محمودة ، على رغم تسلط الرجل عليها ، واستئثاره بكل النواحي الاجتماعية ، فقد خلق الإسلام في أوساط النساء التقى والورع وحب الجهاد في سبيل الله ، والتفاني في نصرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم .
  وكان من دواعي نشاط المرأة المساهمة في أعباء الانقلاب الكبير الذي قام به الرسول العربي الكريم في الجزيرة العربية والعالم أجمع . قال الشاعر :
بدى من القفر نور للورى وهدى      يـا للتمدن عم الكون من iiبدوي

  التفَّت النساء حول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعطفن عليه ، فوجد منهنَّ المؤمنات الصادقات الشجاعات اللواتي استعذبن العذاب في سبيله وسبيل دعوة الإسلام .
  ولا بأس من إيراد بعض مناقب المرأة الصالحة ومواقفها في بدء الدعوة الإسلامية ليكون خير دليل ... وأحسن سبيل للإحاطة بما كان للإسلام من أثر فعّال عليها ، وعلى سير حياتها إذ نحن نتحدث عن المرأة في ظل الإسلام .
  وأول امرأة أسلمت وأخلصت لعقيدتها ، وجاهدت وضحت بكل شجاعة وإخلاص هي أم المؤمنين السيدة خديجة ( عليها السلام ) .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 123 ـ

أم المؤمنين خديجة ( عليها السلام ):
  خديجة ام المؤمنين زوجة الرسول الكريم ، تزوجها صلى الله عليه وآله وسلم وكان سنه خمسة وعشرين سنة ـ وخديجة يومئذٍ ابنة أربعين سنة ، وهي أول امرأة دخلت حياته ، ولم يتزوج عليها حتى ماتت .
  لقد أجمع أهل السير والتاريخ أن خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى ابن قصي (1) كانت امرأة تاجرة ، ذات شرف ومال ، تستأجر الرجال في مالها ، وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم منه ، وكانت قريش تجاراً ، فلما بلغها عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) صدق الحديث وعظم الأمانة ، وكرم الأخلاق ، أرسلت إليه ليخرج في مالها إلى الشام تاجراً ، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره مع غلامها ميسرة ، فأجابها .
  خرج معه ميسرة حتى قدم الشام ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ظل شجرة قريباً من صومعة راهب ، فاطلع الراهب رأسه إلى ميسرة ، فقال : من هذا ؟؟ فقال ميسرة : هذا رجل من قريش ، فقال الراهب : ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي .
  ثم باع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) واشترى وعاد فكان ميسرة إذا كانت الهاجرة ، يرى

**************************************************************************************************
(1) وعلى هذا فهي من أقرب النساء الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لأنه لم يتزوج من ذرية قصي غيرها سوى ام حبيبة وذلك بعد موت خديجة رضوان الله عليها ـ الكامل في التاريخ لابن الاثير .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 124 ـ

 ملكين يظللانه من الشمس وهو على بعير ، فلما قدم مكة ربحت خديجة ربحاً كثيراً ، وحدثها ميسرة عن قول الراهب وما رأى من اظلال الملكين إياه .
  كانت خديجة امرأة حازمة عاقلة شريفة مع ما أراد الله من كرامتها ، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعرضت عليه نفسها ، وكانت من أوسط نساء قريش نسباً (1) وأكثرهن مالاً وشرفاً ، وكل رجل من قومها كان حريصاً على الزواج منها لو يقدر عليه .
  فلما أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فأخبر أعمامه ، وخرج ومعه حمزة بن عبد المطلب وأبو طالب وغيرهما من عمومته ، حتى دخل على خويلد بن أسد ، فخطبها إليه .
  فتزوجها فولدت له أولاده كلهم ما عدا ابراهيم .
قصة زواج الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من خديجة :
  ذكر جميع أهل السير عن نفيسة بنت منية قالت : كانت خديجة بنت خويلد امرأة حازمة ضابطة جلدة ، قوية ، شريفة مع ما أراد الله تعالى لها من الكرامة والخير ، وهي يومئذ أوسط قريش نسباً ، وأعظمهم شرفاً ، وأكثرهم مالاً ، واحسنهم جمالاً وكانت تدعى في الجاهلية بالطاهرة قد طلبها جل رجال قومها ، وذكروا لها الأموال ، فلم تقبل فأرسلتني دسيساً (2) إلى محمد صلى الله

*************************************************************************************************************
(1) كان يقال لها : سيدة قريش ـ لأن الوسط في ذكر النسب ـ من أوصاف المدح والتفضيل : يقال : فلان أوسط القبيلة ـ أي أعرقها في نسبها .
(2) دسيساً أي خفية .

المرأة في ظلّ الإسلام   ـ 125 ـ

  عليه وآله وسلم . بعد أن رجع في عيرها من الشام فقلت : يا محمد ما يمنعك أن تتزوج ؟ ...
  فقال : ما بيدي ما أتزوج به ...
  قلت : فإن كفيت ذلك ... ودعيت إلى المال ... والجمال ... والشرف ... والكفاية ... ألا تجيب ؟
  قال : فمن هي ؟ ... قلت : خديجة بنت خويلد ...
  قال : وكيف لي بذلك يا نفيسة ؟؟ وأنا يتيم قريش ، وهي أيم قريش ذات الجاه العظيم والثروة الواسعة .
  فقالت نفيسة : قلت بلى وأنا أفعل ، فذهبت فأخبرتها فأرسلت إليه أن يحضر إليها ، وأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها فحضر .
  ودخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عمومته ـ وقد خطب عمه أبو طالب يومئذٍ خطبته المشهورة التي ذكرها أهل التاريخ وأصحاب السير .
خطبة أبو طالب يوم زواج الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :   قال أبو طالب :
  الحمد لله الذي جعلنا من ذرية ابراهيم ، وزرع اسماعيل ، وضئضئ معد (1)

*****************************************
(1) الضئضئ ـ الأصل والمعدن .