عند ذلك نزل النساء من التل ، بعمد الحديد يضربن وجوه الرجال .
  وقادت ام حبيب الناس قائلة : قبح الله رجلاً يفر عن حليلته ... وقبح الله رجلاً يفر عن كريمته ... فتراد المسلمون ، فزحف عمرو واصحابه حتى عادوا الى قريب مواقفهم (1) .

بركة بنت ثعلة ام ايمن :
  هذه المهاجرة ، هي مولاة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وحاضنته ، وكانت من المهاجرات الاول :
  هاجرت الهجرتين الى ارض الحبشة ـ والى المدينة ، وقد شهدت أم ايمن حنيناً ... واحداً ... وخيبراً ... وكانت في أحد تسقي الماء (2) .
  بما انني ما زلت في في صدد ذكر بعض المسلمات المجاهدات اللواتي رافقن الرسالة النبوية الشريفة ، وما قمن به من خدمات جليلة ، وما اديّن من واجبات نحو الاسلام والمسلمين وهن كثيرات منهن :
حمنة بنت جحش :

  مهاجرة جليلة ، جاهدت مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وشهدت أحداً ، فكانت تسقي العطاش .
  وقد اطعمها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في خيبر ثلاثين وسقاً ... مثل الرجل (3) .

*************************************************************************
(1) الاستيعاب لابن عبد البر ـ اعلام النساء لعمر رضا كحالة .
(2) طبقات ابن اسعد ـ تاريخ الطبري .
(3) طبقات ابن اسعد ـ تاريخ الطبري .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 252 ـ

ليلى الغفارية :
  مجاهدة وغازية ، كانت تخرج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مغازيه ، وكان يسهم لها .
  ولما خرج علي بن ابي طالب الى البصرة ، خرجت معه ، وأتت عائشة ام المؤمنين فقالت لها : هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضيلة في علي ؟
  قالت : نعم ... دخل علي على رسول الله وهو معي ، وعليه جرد قطيفة ، فجلس بيننا ، فقلت : أما وجدت مكاناً هو أوسع لك من هذا ؟...
  قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : يا عائشة ...دعي لي اخي فإِنه أول الناس اسلاماً ، وآخر الناس بي عهداً ، وأول الناس لي لقياً يوم القيامة (1) .

ام ذر الغفاري :
  هي زوجة ابي ذر الغفاري ( رضي الله عنه ) ، الصحابي الجليل الذي ذكره الرسول الكريم بقوله : ( ما أظلت الخضراء ، ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر ) .
  كانت شاعرة من شواعر العرب ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا أراد أن يبتسم قال لأبي ذر : يا أبا ذر ... حدثني عن بدء إسلامك ؟
  قال أبو ذر : كان لنا صنم يقال له ( نهم ) فأتيته فصببت له لبناً ، ووليت فحانت مني التفاته ، فإذا كلب يشرب ذلك اللبن فلما فرغ ، رفع رجله فبال على الصنم ، فأنشأت أقول :

*************************************************************************
(1) الاستيعاب لابن عبد البر ـ أعلام النساء لعمر رضا كحالة .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 253 ـ

ألا يـأنهم انـي قـد بدا iiلي      مـدى  شرف يبعد منك iiقربا
رأيت الكلب سامك حط خسف      فـلم  يـمنع قفاك اليوم iiكلبا
  فسمعتني أم ذر فقالت :
  لقد اتيت جرماً ، وأبت عظماً ، حين هجرت نهماً ؟!
  فلما أخبرتها الخبر ... فقالت :
ألا فـابـغنا ربـاً iiكـريما      جواداً في الفضائل يا وهب
فـما من سامه كلب iiحقير      فـلم  يـمنع يداه لنا iiبرب
فما عبد الحجارة غير iiغاو      ركيك  العقل ليس بذي iiلب


  فقال صلى الله عليه وآله وسلم : صدقت ام ذر ... ( فما عبد الحجارة غير غاوٍ ) (1) .

*************************************************
(1) اعلام النساء : عمر رضا كحالة .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 254 ـ

انتعاش المرأة اجتماعياً في صدر الاسلام
  تتطور أخلاق الناس بتطور أفكارهم ومقاييسهم وتتأثر بالبيئة ... والمجتمع .
  وفي صدر الإسلام ، لما اتيح للمرأة الحرية ... وشعرت بمكانتها وشخصيتها ، وما انعم عليها الباري سبحانه وتعالى من الخير ، وما اوجب لها الإسلام من الحقوق ، أصابها ما يصيب الناس الذين ينتقلون فجأة من حال إلى حال .
  لقد انتقلت المرأة بفضل تعاليم الاسلام وتشريعاته من الذل والهوان ... الى العزة والكرامة ... من الحرمان والاضطهاد ... الى الحرية والنور واحترام الشخصية والعطاء ... من الجهل والانزواء ، والجهالة العمياء ... الى الدين والتقى والورع والانطلاق ، والتحرر من العادات والتقاليد الظالمة والطقوس المشينة .
  انتعشت المرأة ، وانطلق كل من الرجال والنساء على قدم المساواة كل فرد بحسب طبيعته وعلى قدر استطاعته ، وفق القوانين الإسلامية والتعاليم النبوية الشريفة .
  ولقد كان الحافز إلى النهضة والتفاني بالجهاد ، الايمان بالله العظيم ورسالة النبي الكريم بالإضافة الى حلاوة الإسلام ، وزهو النصر المؤيد من الله رب العالمين ، وكان من بين النساء التقيات الورعات ، المجاهدات ذوات العقل والدين المتحدثات بكل جرأة وأدب وانطلاق يبدين الرأي ، ويتحدثن بتفهم وروية ...

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 255 ـ

  جزلات بأجوبتهن ، المسكتة ، وأحاديثهن الممتعة وعلى سبيل المثال نذكر قصة قيلة بنت مخرمة مع حريث بن حسان وافد بكر بن وائل الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

قيلة بنت مخرمة :
  ذكر ابن طيفور في كتاب بلاغات النساء ( قيلة بن مخرمة ) من ربات الفصاحة والبلاغة ، أسلمت قديماً ولها صحبة ، قدمت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وسمعت منه وصلت معه ، ولها حديث طريف قالت (1) .
  ( لقد انطلقت الى اخت لي في بني شيبان ، أبتغي الصحابة الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبينما أنا عندها ذات ليلة تحسب اني نائمة إذ جاء زوجها من السامر فقال : وأبيك لقد اصبت لقيلة صاحب صدق ، قالت : من هو ؟ قال : هو حريث ابن حسان ، غادياً ذات صباح وافد بكر بن وائل الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  قالت : يا ويلها ، لا تخبر بهذا اختي ، فتتبع أخا بكر بن وائل بين سمع الأرض وبصرها ، ليس معها من قومها رجل ، قال : لاتذكريه ، فإني لست ذاكره لها .   فلما أصبحت ، وقد سمعت ما قالا : شددت على جملي فانطلقت إلى حريث ابن حسان ، فسألت عنه فإذا به وركابه مناخة فسألته الصحابة الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : فقال : نعم ... وكرامة .
  فخرجت معه ، صاحب صدق ، حتى قدمنا على رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فدخلنا المسجد حين شق الفجر ، وقد اقيمت الصلاة فصلى والنجوم شابكه ، والرجال

********************************************************************************
(1) بلاغات النساء لابن طيفور ـ أعلام النساء لعمر رضا كحالة وغيرهم .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 256 ـ

  لا تكاد تعارف من ظلمة الليل ، فصففت مع الرجال وكنت امرأة وحديثة عهد بالجاهلية فقال لي رجل جنبي : امرأة أنت أم رجل ؟
  قلت : امرأة : قال : ( كدت تفتنيني ، عليك بالنساء وراءك ) ، فإذا صف من النساء قد حدث عند الحجرات ، لم أكن رأيته حين دخلت ، فصففت معهن .
  فلما صلينا جعلت أرمي ببصري الرجل ذا الرداء والفثرد لأرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى دنا رجل فقال : السلام عليك يا رسول الله .
  فإذا هو جالس القرفصاء ، ضام ركبتيه الى صدره ، عليه اسمال ملسين ، كانتا مصبوغتين بزعفران فنعصا ، وبيده عسيب مقشور غير خوصتين من أعلاه فقال : وعليك السلام ورحمة الله .
  فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتخشع في مجلسه أرعدت من الفرق ، فقال له جليسه : يا رسول الله ... أرعدت المسكينة (1) .
  فقال بيده : ( يا مسكينة عليك السكينة ) فذهب عني ما كنت اجد من الرعب .
  قالت : فتقدم صاحبي أول من تقدم ، فبايعه على الإسلام ... وعلى قومه ، ثم قال :
  يا رسول الله ، اكتب لنا بالدهناء ، لا يجاوزها من تميم إلينا إلا مسافر ... او مجاور ...
  فقال : يا غلام اكتب له الدهناء .

********************************************************************************
(1) أرعد الرجل من الخوف : أنزل به الرعدة ـ صيره يرتعد ! ارتعد : اضطرب واهتر ـ ترجرج ـ المنجد في اللغة .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 257 ـ

  قالت : فلما رأيت ذلك شخص بي وهي داري ... ووطني .
  فقلت : يا رسول الله إنه لم يسلك السوية من الأمر ، هذه الدهناء عندك مقيد الجمل ، ومرعى الغنم ، ونساء تميم وأبناؤها وراء ذلك .
  قال : صدقتِ ... امسك ياغلام ... المسلم أخو المسلم يسعهم الماء والشجر يتعاونان على الفتان كذا ...
  قالت : فلما رأى حريث وقد حيل دون كتابه ، صفق بإحدى يديه على الاخرى ثم قال :
  كنت أنا وأنتِ كما قال الأول : ( حتفها حملت ضان بأظلافها ) .
  قالت : فقلت أما والله لقد كنت دليلاً في الليلة الظلماء ، جواداً لدى الرحل ، عفيفاً عن الرفيقة ، صاحب صدق ، حتى قدمنا على رسول الله( صلى الله عليه وسلم ) ، عليَّ أسأل حظي ... إذا سألت حظك .
  قال : وما حظك من الدهناء لا أباً لك ؟ قالت : قلت مقيد جملي ... سله لجمل امرأتك .
  قالت : فقال : اما اني اشهد رسول الله( صلى الله عليه وسلم ) ، اني لكِ أخ ما حييت إذ أثنيت هذا عليَّ عنده ) .
  هذه قيلة بنت مخرمة وغيرها كثيرات من النساء ، ذوات الفهم والتعقل ، قد أمدها الإسلام بالجرأة والإقدام .
  وقفت في بادئ الأمر ترتعد خوفاً ... ورهبة من هيبة الرسول حتى طمأنها عليه الصلاة والسلام بقوله ( يا مسكينة ... عليك السكينة ) .
  سكنت ... واطمأنت عندما شاهدت النبي العظيم بتواضعه وأخلاقه

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 258 ـ

  السامية وحلمه وسعة صدره وشريعته السمحاء .
  أقدمت على المطالبة بحقها وحق قومها ، غير هيابة ولا وجلة ، فلا مداهنة ولا تدجيل ، ولا رياء ... أليس حرية الرأي والصدق والصراحة والديمقراطية من بنود شريعة محمد ؟
  ثم نراها تثني على صاحبها ودليلها ( حريث بن حسان وافد بكر بن وائل ) مع وقوفها قبل برهة أمامه موقف الخصم ( ولكن الحق يعلو ولا يعلو عليه شيء ) .
  ومما لا شك فيه من أن المرأة المسلمة عندما استنشقت روح الحرية ، وتذوقت معنى الكرامة وسمعت قول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وهو يوصي بالنساء خيراً ، سارعت الى مساعدة الرجل المسلم الصحيح ، وأخذت بعضده ، وسارت معه بكل إخلاص وإيمان لسلوك الصراط المستقيم .
  فيا ليت فتيات العصر الحاضر ... يلتفتن قليلاً الى الماضي حيث جداتهن القدامي المجاهدات اللواتي لا يزال أريج ذكرهن عابقاً يعطر اجواء التاريخ على مرِّ الليالي والعصور .
  ويا ليت فتيات العصر الحاضر ينصفن انفسهن وينظرن بمنظار الحق والعدل ، لتتضح لهن الحقائق ، ويرجعن إلى رشدهن ، ويتركن كل ما أزرى بهن من عادات مخلة بالأدب ، وتقاليد مشينة بالأخلاق .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 259 ـ

عقيلة الهاشميين زينب بنت علي ( عليها السلام ) :
  من المنبت الزاكي والشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء .
  في بيت تجمعت فيه صفات الإنسانية ، وخصال الرحمة والوفاء .
  في المنزل الذي تتهادي في جنباته شمائل الشرف والبطولة والكرم والحياء .
  في السنة الخامسة للهجرة ولدت لسيدة النساء فاطمة الزهراء ابنتها عقيلة الهاشميين ( زينب ) .
  في هذا الجو العابق بالتقى والورع والإيمان ، تفتحت هذه الوردة الزكية المنبت ، الكريمة المحتد ، فرأت النور مشرقاً في وجه جدها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وتفتحت عيناها على بسمة أبيها علي ( عليها السلام ) وحنان امها فاطمة سيدة نساء الأنام .
  استقبل بيت الرسول الوليدة المباركة ، يفوح عبيرها في المهد ، عبير المنبت الطيب ، سلالة الأشراف ، ويرتسم في قسمات وجهها المضيء ملامح الأجداد الكرام ، والآباء العظام ، وتلوح في طلعتها المشرقة هيبة امها الزهراء ، التي حباها الباري سبحانه بمنزلة عالية ... فكانت أحب الناس الى قلب أبيها الرسول ، وأشبههن به خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً ، ( فاطمة منى ) وميزها سبحانه فكانت الوعاء الطاهر للسلالة الطاهرة ، الأئمة الأطهار .
  وقد ذكر المؤرخون وأهل الأخبار : أن ظلالاً حزينة ارتسمت على مهد

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 260 ـ

  الوليدة تشير الى ما ستلاقيه من المصائب والويلات في حياتها المشحونة بالأحداث .
  وتنقل المرويات : عن جدها الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وكيف انحنى على الوليدة ، حفيدته الغالية ، يقبلها بقلب حزين وعينين دامعتين ، لأنه كان عالماً بتلك الأيام السوداء التي تنتظر الطفلة في المستقبل القريب .
  ويقول أحد الكتاب : (1) ( ترى إلى أي مدى كان حزنه صلى الله عليه وآله وسلم حين رأى بظهر الغيب ، تلك المذبحة الشنعاء التي تنتظر سبطه الغالي !
  وكم اهتز قلبه الرقيق الحاني وهو يطالع في وجه الوليدة الحلوة ، صورة المصير الفاجع ؟
  ويذكر المؤرخون أيضاً : أن سلمان الفارسي أقبل على ( علي بن أبي طالب ) يهنئه بمولد الطفلة الجديدة ، فوجده واجماً قد ارتسم الحزن على جبينه ، ثم أخذ يتحدث بكل مرارة عما سوف تلقى ابنته من الفواجع في كربلاء .
  لقد أخبره الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : فبكى ولم يتمالك ... أجل لقد بكى ( علي ) الفارس الشجاع ، والمقدام الهمام ، وخائض غمرات الحروب ، والملقب بأسد الإسلام الهصور .
  وتمر الأيام تطوي الليالي ... بالنهار ، والطفلة المباركة تنمو كالزنبقة العطرة ، مغمورة بالحنان والعطف والدلال تدب في رحاب البيت العلوي الشريف متنقلة كالفراشة من حضن جدها العظيم الى ذراعي أبيها الكريم لترجع وتلوذ بصدر والدتها الحنون .
  وتنتقل الحوراء زينب في مدارج صباها ، تحوطها رعاية الإم والسيدات

********************************************************************************
(1) الكاتب الهندي ( محمد الحاج سالمين ) في كتابه سيدة زينب Sayydah Zeinab .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 261 ـ

  الجليلات من البيت الرفيع ، بيت النبوة والوحي والإلهام .
  نشأت ( زينب ) ترافق أخويها ( الحسن ـ والحسين ) ريحانتي رسول الله ، فنمت أفضل نمو ... وأورقت أيما إيراق .
  رضعت من ثدي الإيمان ... وتغذت بعصارة الدين واقتبست المعرفة عن جدها الرسول صاحب الرسالة المقدسة .
  انتهلت العلم والفهم من أبيها ( علي ) البحر الزاخر الذي تتلاطم أمواجه ، سيد البلغاء ... وأمير البيان .
  وجدت أمامها أعظم من أنجبتهم الجزيرة ، من المسلمين والعلماء ، وصفوة الفقهاء ، والأبطال الكرام .
  ترعرعت ( عليها السلام ) ... طاهرة السريرة ، عريقة الإيمان ، كريمة الخلق ، ذات عقل راجح وعقيدة ثابتة مع علم وأدب ، وفطنة وذكاء ... وصبر على البلاء وكما قيل :
حاكيت شمس الضحى والبدر مكتملاً      أبـاً  وأمـاً وكـان الفضل iiللحاكي
أبــوك حـيـدرة والأم فـاطـمة      والـجد أحـمد والـسبطان iiصنواكِ

  المصاب الأليم ... والنبأ العظيم :
  استيقظت عقيلة بني هاشم على النبأ المروّع الذي اهتزت له أرجاء الجزيرة من أقصاها الى أقصاها ، ألا وهو موت جدها العظيم والرسول الكريم ( محمد ) صاحب الرسالة .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 262 ـ

  ارتاعت الطفلة عندما سمعت صراخ المفجوعين ، واستقيظت على عويل الباكيات ، والباكين .
  ثم هي ترى جدها الأعظم ، صامتاً لا يتكلم ، ساكناً لا يتحرك ، والدنيا من حوله في ضجيج وصخب وهياج ، وكأنما زلزلت الأرض أو اجتاحها إعصار رهيب .
  ارتاعت الحوراء زينب الطفلة الذكية وهي ترى هذه المشاهد المؤلمة وترى جدها العزيز الجليل يحمل على آلة حدباء ويرحل الرحلة المحتومة على كل إنسان من بني البشر .
  كم روع قلبها الخلي هذا الموقف وهي تسمع لحن الموت الحزين وترى موكب الرحيل الأليم .
  وتعود الطفلة لتجد امها الزهراء عليها السلام حزينة القلب ، باكية العين ، فاقدة الصبر ، مصدعة الكيان ، كسيرة الفؤاد .
  وتتوالى الأحداث والهموم والكوارث على البيت العلوي الشريف .
  وتدور الأيام ثقيلة حزينة والحوادث تتلو بعضها بعضاً ... والحوراء ( زينب ) وإن كانت صغيرة السن ولكنها سلام الله عليها كبيرة العقل ، راجحة الإدراك .
  تفهم وتعي جميع ما يدور حولها من أحداث ... ومفاجآت ومؤامرات نفثت سمومها وكادت نيرانها تحرق البيت الذي طهَّره الله من الرجس ورفعه عالي الأركان بالدين مبجَّلاً بالعالمين .
  تأخذني الأفكار لأتمثل الحوراء ( زينب ) وهي طفلة لم تودّع عامها السادس ، لتشهد موت جدها الرسول وتعي مشاهد الذهول والحزن والجزع ، من هذه المصيبة التي ألمت بالمسلمين ، تجرُّ وراءها قافلة الهموم والأحداث والوقائع .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 263 ـ

  فمن سقيفة بني ساعدة وكيف مثَّلت أدوارها إلى احداث الخلافة وشحناءها ، الى الميراث و ( فدك ) ثم تلا هذا كله الوقائع ... والحروب الى جميع الأمور التي يتفطر القلب لها حزناً وتمزقِّ الأفكار جزعاً وتودع النفوس رعباً وتترك الحسرات والألم الدفين .
  أجل أتمثل ( زينب ) في خضم المأساة المروعة تلوذ بأمها الزهراء فتجدها ذاهلة حزينة يغشى عليها من حين لآخر ، فتنعطف مذعورة لتحتمي بأبيها الإمام فتراه حزيناً كئيباً .
  أي طائف من الحزن اجتاح قلب الطفلة المدللة ؟ .
  وأي خوف غامض غزا قلبها الخلي وروع روحها السَّاذجة البريئة ؟
  عادت مع أخويها السِّبطين إلى البيت بيت أبيها أمير المؤمنين الذي تراكمت عليه الأحداث المفجعة ، وتوالت عليه المصائب المؤلمة فأحالت زهوه وضياءه الى ليل موحش مظلم .
  لزمت ( زينب ) فراش امها الثكلى ، التي اعتلت بعد وفاة أبيها النبي ... تنظر اليها بإشفاق ، بادية اللهفة والخوف على حياة والدتها بضعة الرسول .
  يحق للحوراء ( زينب ) إن فقد الام جدير بأن يجرع الطفلة مرارة الكأس .
  لم يمض على وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثلاثة أشهر او ستة أشهر على أبعد الرّوايات ، حتى رحلت الزهراء عن هذه الدنيا الفانية .
  وتمضي الى جوار ربِّها راضية مرضية ... وتترك تلك الصبية التي روِّعت بماساة الموت مرتين ، وفي أعز الناس لديها وأحبهما إليها جدها ووالدتها .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 264 ـ

  دور الزهراء تمثله زينب ( عليها السلام )ما أروع الشبه بين الأم والبنت إذا أردنا المقارنة وخصوصاً في الصمود أمام الكوارث في المواقف الحرجة والظروف الصعبة حيث يتحكم العقل ، تأمر الإرادة ، ويملي الدين .
  بالأمس وقفت الزهراء عليها السلام تنظر الى موكب الموت وهو يحدو بعمها ( أبي طالب ) كفيل رسول الله ، وتلحقه امها ( خديجة ) الكبرى أم المؤمنين زوجة الرسول وساعده القوي .
  ويبقى رسول الله يعاني مرارة الوحشة والفراق واضطهاد قريش ينوء تحت أعباء الرسالة المقدسة .
  وتتوالي الأيام وتكر الأعوام ويعيد الماضي نفسه ، فتقف زينب بنت أمير المؤمنين كأنها الزهراء .
  تمثل نفس الدور على مسرح الحياة ، وهي تعيش المأساة بكل مرارتها عندما فقدت جدها وأمها في عام واحد .
  أجل وقفت زينب تنظر بلوعة وأسى الى أبيها أمير المؤمنين عليه السلام وهو يرزح تحت كابوس من الحزن والألم ، بعد أن فقد عزيزين غاليين عليه محمد وفاطمة .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 265 ـ

  كانا له الملجأ والمفزع ، كما يكون المطر للزرع غيثاً وعطاءً ، افتقد ( علي ) صاحب الرسالة الذي كان له الأخ والعم والمعلم ، وبعدها تتبعه ابنته ( الزهراء ) الزوجة الوفية المخلصة ، ويبقى وحيداً حزيناً قد تنكر له الجميع .
  وليس بمستغرب أن تتحمل زينب مسؤولية الأم في بيت أبيها وتحتل مكانة عالية فقد انضجتها الأحداث ، وهيأتها لأن تشغل مكان الراحلة الكريمة فتكون للحسن والحسين وباقي إخوتها اماً حنوناً ، لا تعوزها عاطفة الامومة بكل ما تحتويه من إيثار وإن كانت صغيرة السن يعوزها الاختبار .
  لقد حفظت وصية امها ، وهي على فراش الموت ( بأن تصحب أخويها ، وترعاهما وتكون أماً لهما ) .
  تحملت السيدة زينب مسؤولية عظيمة وقامت بها خير قيام ، ولا عجب فهي ليس كباقي الفتيات ، تسرح مع لداتها ، وتقضي وقتها باللعب والسمر الذي يتطلبه عمرها الصغير .
  كانت تربية ( زينب ) عالية فهي فرع من تلك الدوحة المقدسة ، وكلما تقدم بها الزمن ، انضجتها الأحداث ، وعلمتها النوائب كيف تستقبلها بقلب ثابت ملؤه البطولة والإيمان .
  تقول الدكتورة بنت الشاطئ : ( ولم تظفر صبية من لداتها فيما نحسب ، بمثل ما ظفرت به في تلك البيئة الرفيعة ، من تربية عالية .
  وكان هذا كله بحيث يرضي ( زينب ) في صباها ، ويتيح لنا أن نراها مرحة مزهوة ، ولكنها لا تكاد تشب عن الطوق حتى يقال انها عرفت النبوءة الأليمة .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 266 ـ

  وقيل انها كانت تتلو شيئاً من القرآن الكريم ، يمسمع من ابيها ، فبدا لها ان تسأله ، عن تفسير الآيات ففعل ، ثم استطرد ، متأثراً بذكائها اللامع يلمح الى ما ينتظرها في مستقبل أيامها ، من دور ذي خطر .
  ولشد ما كانت دهشته حين قالت له ( زينب ) في جد رصين : ( اعرف ذلك يا ابي ... أخبرتني به امي ... كيما تهيئني لغدي ) .
  ولم يجد الأب ما يقول ، فأطرق صامتاً وقلبه يخفق رحمة وحناناً .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 267 ـ

الزواج المبارك
  تفتحت زهرة آل البيت ، وبلغت ( زينب ) سن الزواج ، وذاع صيتها في المجتمعات ، فتوافد الطلاب من كل حدب وصوب ... من ذوي الشرف والجاه والمال .
لكن الامام علي ( عليه السلام ) : لا يخدعه المال او متاع الدنيا أليس هو قائل : ( يا صفراء ويا بيضاء غرِّي غيري ) .
  ولا بحاجة الى ذوي الجاه ، فهو ذو الشرف الرفيع الذي لا يجارى ،وإنما يريد الكفؤ الكريم .
  تقدم إليه ابن أخيه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وعبد الله هو الفتى الهاشمي الكفؤ ... والزوج المختار .
  أليس هو ابن جعفر الطيار ؟ ذو الجناحين ... وأبو المساكين وحبيب رسول الله ، وأمير المهاجرين الى الحبشة ؟
  تقول المرويات : انه صادف وصول جعفر من الحبشة الى المدينة يوم فتح خيبر ، فاعتنق رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) جعفراً وأخذ يقبله بين عينيه وهو يقول : ( لا أدري بأيهما أنا أشد فرحاً ، بقدوم جعفر أم فتح خيبر ؟ ) (1) .

********************************************************************************
(1) تاريخ الطبري ـ طبقات ابن سعد الكبرى .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 268 ـ

  وفي موقعة ( مؤتة ) كان أمير القوم ، وقطعت يداه في تلك المعركة ، وأخيراً احتضن الراية وظل يقاتل حتى استشهد (1) .
  وكان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لآل جعفر راعياً ، وأباً ، يرعاهم بعطفه ، ويفيض عليهم بحنانه .
  وفي رواية : ان رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال في عبد الله بن جعفر : ( وأما عبد الله فيشبه خلقي وخلقي ) ثم أخذ بيمينه فقال :
  ( اللهم اخلف جعفراً في أهله ، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه ـ قالها ثلاثاً ـ وأنا وليهم في الدنيا والآخرة ) .
  كان عبد الله فتى في مقتبل شبابه ، قد لاحت شمائل سؤدده ، وتميزت مخايل شخصيته التي لفتت أنظار المؤرخين ، وتغنت بها الشعراء ...
  قال عبد الله بن قيس الرقيات :
ومـا كنت إلا كالأغرّ ابن iiجعفر      رأى المال لا يبقى فأبقى له ذكرا

  وقال الشماخ معقل بن ضرار :
إنـك يـا ابن جعفر نعم iiالفتى      ونـعم  مـأوى طارق إذا iiأتى
ورُبّ ضيفٍ طرق الحي سُري      صادف  زاداً وحديثاً ما iiاشتهى

  وام عبد الله بن جعفر هي ( أسماء بنت عميس ) من المهاجرات الى الحبشة ،

********************************************************************************
(1) الكامل في التاريخ لابن الاثير .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 269 ـ

  واحدى الأخوات المؤمنات اللواتي سماهن الرسول عندما قال : الأخوات المؤمنات هن : أسماء بنت عميس وميمونة ام المؤمنين ، وسلمى زوج حمزة بن عبد المطلب ، ولبابة زوج العباس بن عبد المطلب .
  اقترن سليل دوحة الشرف عبد الله بن جعفر ، بحفيدة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عقيلة الهاشميين ( زينب ) .
  ضم عش الزوجية تحت جناحيه أنبل شخصين هما ...
  عبد الله بن جعفر بمروئته ... ونبله ... وكرمه ... وسماحة خلقه ... وسخائه ، حتى لقب ( ببحر الجود ـ أو قطب السخاء ) .
  و ( زينب ) ابنة علي التي كانت تشبه امها الزهراء لطفاً ورقة ، وانوثة ، وتشبه أباها ( علياً ) علماً ، وتقى ، وفصاحة ، وبلاغة .
  انتقلت ( زينب ) إلى بيت ابن عمها لتضيء فيه شموعاً تنير الدنيا من حولها ... وتنجب البنين والبنات .
  وتقول أكثر المرويات : أن السيدة ( زينب ) مكثت في خدرها محجبة تقية ، عالمة ورعة ، كان لها مجلس حافل تقصده جماعة من النساء اللواتي يردن التفقه في الدين .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 270 ـ

بداية الاحداث
  انتقلت الحوراء ( زينب ) الى بيت ابن عمها عبد الله بن جعفر ولكنها عليها السلام لم تتخل عن تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقها من إدارة بيت أبيها والاهتمام بشؤون أخويها ، اولاً ... وآخراً ... ( وصية امها الزهراء ) .
  وشاءت الأقدار أن تعيش ( زينب ) فصول الأحداث والمصاعب ، فما كانت تطبق جفنها على مأساة أو حادثة تلّم بالبيت العلوي الطاهر ، حتى تلوح لها حادثة جديدة ، ومأساة اخرى ، فتقف بكل شجاعة صامدة بقلبها الكبير وصبر وإيمان على تقلبات الزمان رغم انها امرأة .
  وألف رجل لا يعادل امرأة مثل ( زينب ) حملت البطولة على كتفها تجسدها بأجلى مظاهرها ، وتتحمل الكوارث ، وتصمد للنوائب بأفضل ما يصمد له الأبطال ، في معامع الحروب وساحات الوغى .
  نراها واقفة تراقب ما رافق خلافة أبيها أمير المؤمنين بعد أن خذله الناس فيما مضى ، رغم النص على خلافته من الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وكان ما كان ... من الأحداث .
  وبعد مقتل ( عثمان بن عفان ) ألقت الخلافة بمقاليدها اليه رغم انه كان يحاول تجنب المشاكل ، التي يعلم حق العلم انها ستحدث حتماً .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 271 ـ

  فالإمام علي سيسير بالناس على غير ما يشتهون وسيحملهم على جادة الحق ( والحق مرّ ) لا يرضاه القوم .
  قبض عليه السلام على بيت المال ، والناس عنده سواء لا محل للعواطف ... ولا مجال للأهواء ، أو الجاه ، أو القربى ... ولا لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى .
  وكانت البداية المؤلمة ، إن أبا الحسن لا يعطي من دينه لدنياه ، ولا تأخذه في الله لومة لائم .
  لم يوافق هذا العمل الكثير من الناس ، أمثال طلحة والزبير وهما اللذان نكثا بيعة ( علي ) على أنهما على معرفة تامة بالإمام وسيرته ... وبلائه .
  وكانت الفتنة الكبرى ، والنكسة العظمى التي ابتلي الإسلام بها إنها وقعة ( الجمل ) تلك التي جرت وراءها الأحداث والويلات ، ورمت المسلمين ببلاء عظيم .
  وترتفع راية الحق ( وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ) (1) .
  ويرجع المسلمون بالندامة والملامة ، وقلوبهم دامية على اقتتال المسلمين وتمزيق شملهم .
  ولست بصدد إعادة حوادث التاريخ المؤلمة ، فالحديث شجون ... فهناك الكثير من الناس ممن اتخذ الإسلام له ذريعة للوصول إلى السلطة أمثال معاوية بن

********************************************************************************
(1) سورة الاسراء آية 81 .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 272 ـ

  أبي سفيان الذي لم تعجبه نتيجة وقعة ( الجمل ) بل آلمه انتصار ( علي ) ، أليس معاوية بن أبي سفيان سليل البيت الاموي المعروف بعدائه للبيت الهاشمي من قديم الزمان .
  أليست العداوة والبغضاء متأصلة يتوارثها الأبناء عن الآباء ؟ ولقد صدق من قال :
عبد شمس قد أضمرت لبني هاشم      حـربـاً يـشيب مـنها iiالـوليد
فابن حرب للمصطفى ، وابن iiهند      لـعـلي ، ولـلـحسين iiيـزيـد

  أجل لم يتمكن ( معاوية ) من كبح جماح أطماعه التوسعية ورأى بدهائه أن الفرصة مؤاتية لمحاربة ( علي ) إذن ليتخذ من مقتل الخليفة ( عثمان ) ذريعة للوقوف بوجه ( الإمام الحق ) .
  لم يتواني عميد بني أمية عن اغتنام الفرصة ، فقام بالاتفاق مع عمرو بن العاص ( الداهية الماكر ) الذي باع دينه بدنياه كما هو معروف عند أكثر أهل التاريخ والسير .
  جاء في كتاب ظلال الوحي (1) ، قال : إن الكثير من سلاطين المسلمين ساروا على جادة الانصاف ، بخلاف معاوية الذي أفرغ وسعه وعمل جهده في صنع الخديعة حتى يسلب الحق من أهله ، وهذا يعرف من إرساله خلف عمرو بن العاص ، وقد كان عمرو انحرف عن عثمان ، لانحرافه عنه وتوليته مصر غيره ،

********************************************************************************
(1) في ظلال الوحي : السيد علي فضل الله الحسني .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 273 ـ

  فلما اتصل به أمر عثمان وما كان من بيعة علي ، كتب الى معاوية يهزه ويشير عليه بالمطالبة بدم عثمان .
  وكان فيما كتب به إليه :
  ( ما كنت صانعاً إذا قشرت من كل شيء تملكه ؟ فاصنع ما أنت صانع ) .
  فبعث إليه معاوية : فسار إليه .
  فقال له معاوية : بايعني ... قال : لا والله ، لا اعطيك من ديني حتى أنال من دنياك .
  قال : سل ؟ قال : مصر طعمة .
  فأجابه الى ذلك ، وكتب له به كتاباً .
  وقال عمرو بن العاص في ذلك : كما رواه المسعودي في ( مروج الذهب ) .
معاوية  لا اعطيك ديني ، ولم iiأنل      به منك دنيا ، فانظرن كيف تصنع
فإن تعطني مصراً ، فاربح iiبصفقة      أخـذت بـها شـيخاً يضر iiوينفع
  أجل لقد استغل معاوية وعمرو بن العاص ( سذاجة الشاميين ) فقد انطلت الحيلة على أهل الشام ، الحيلة والمكر والخديعة وهي ( المطالبة بدم عثمان .
  ولو سأل أهل الشام أنفسهم : ترى لو لم يتبوأ ( علي ) منصب الخلافة ، أكان معاوية سيحمله على دم عثمان ؟
  كلا ... إنها خديعة ... وغايته محاربة علي فقط .
  المرأة في ظل الإسلام (18)

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 274 ـ

  وكانت وقفة ( صفين ) التي شتتت أمر المسلمين ، وفتكت بهم ، ولم تزل نيرانها تكوي جباههم .
  دارت رحى الحرب في ( صفين ) وأبطال المسلمين يجندل بعضهم بعضاً ؛ وكان ممن قتل يوم ذاك الصحابي الجليل ( عمار بن ياسر ) الذي قال الرسول له : يا عمار تقتلك الفئة الباغية .
  وعندما مني معاوية بالهزيمة . لجأ إلى الخديعة والمكر مرة ثانية ، فاحتال ( برفع المصاحف ) حتى اضطر الإمام عليه السلام قبول التحكيم ، رغم أنه يعلم أنها خدعة ، كما صرَّح بذلك .
  وانتهت المأساة ، وقتل ما ينوف على مئة وعشرين ألفاً من المسلمين ، وأدرك زعيم بني أمية بعض ثأره من الهاشميين .
  تمر الأيام بـ ( زينب ) وهي بالكوفة ( مقر الخلافة ) تراقب بعين ساهرة أبيها الإمام وأخويها السبطين عليهم السلام فلا يغمض لها جفن ، ولا يهدأ لها بال ، حتى تراهم .
  وعلى توالي خمسة أعوام و ( عقيلة الهاشميين ) تتألم وهي ترى الإمام عليه السلام يخوض المعارك ، وقد ذرف على الستين ، وهو الذي حمل سيف الجهاد ، ولما يبلغ الحلم كما ورد في خطبة الجهاد وعند قوله عليه السلام مخاطباً أصحابه :
  ( لله أبوهم ؛ وهل أحد منهم أشد مراساً ، وأقدم فيها مقاماً مني ؟ لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ، وها أنا قد ذرَّفت على الستين ، ولكن لا رأي لمن لا يطاع ) (1) .

********************************************************************************
(1) نهج البلاغة ـ شرح ابن ابي الحديد .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 275 ـ

العاصفة الهوجاء والاحداث المؤلمة
  لا أريد أن القي بنفسي في غمار الأحداث التأريخية ، والتحدث عن الوقائع التي خاضها المسلمون ، لو أن السيدة ( زينب ) كانت بعيدة قابعة في مدينة جدها الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، شأن غيرها من النساء لا تهتم إلا بشؤونها الخاصة .
  ولكن عقيلة بني هاشم تختلف عن غيرها ، فهي دائماً في صميم الدوامة التي تلف الدولة الإسلامية بالعاصفة الهوجاء .
  نراها عليها السلام قد رحلت إلى الكوفة ( مقر خلافة علي ( عليها السلام ) مع زوجها عبد الله بن جعفر ، الذي كان أميراً من أمراء جيش صفين . ثم تعود إلى المدينة بعد مقتل الإمام علي ـ وصلح الحسن لترافق أخيها الحسين ( عليه السلام ) إلى العراق فتساهم في موقعة الطف وتكون ( بطلة كربلاء ) .
  صحيح ان السيدة ( زينب ) لم تكن من حملة السيوف ، ولا نراها في ساحة الوغى حيث الضجة والدوي الذي يصم الآذان .
  لكن نجدها هناك ... في ميدان السياسة وقد ظهرت على مسرح الأحداث . بطلة من الأبطال .
  ان صلتها بالقادة والأبطال وثيقة ، ومكانتها من البيت الهاشمي رفيعة ، ومواقفها شهيرة علاوة عن اصالة الرأي وسلامة التفكير .