أتراه قد أهمل ذكرهن أو تجاهل وجودهن في حياته الماضية ؟
  : كلا فإن محمداً بن عبد الله لم يكن من النمط الذي ينسى من أحبوه ، أو يتجاهل ذكر من لم يتجاهلوه .
  وما أكثر ما كان يسرح مع أفكاره في ساعات عزلته ، ويرجع بها إلى الوراء إلى أيام حداثته ، وصباه الأول ، من عهد أمه آمنة إلى مرضعته حليمة ، إلى زوجة عمه الكريمة فاطمة بنت أسد ، ويقف معهن عند كل لمحة حب ، أو لفتة عطف ، ويدعو لهن بالرحمة والغفران ، وكان يرى حياته الماضية ، وكأنها شريط يتتابع ويتلاحق أمام عينيه بكل ما يحمل هذا الشريط من إكرام وآمال ومحن ، ومصاعب .
  ثمّ يعود ليستقر بأفكاره عند واقعه الحالي ، ويُركِّز على خديجة هذه السيدة الطاهرة التي يحس بها كقوة خفية تشد ظهره ، وتسند كيانه ، وكأنه كان يعلم أنها سوف تقف معه ، إذ لا واقف غيرها ، وتصدقه حين لا مصدق سواها ، وتمضي السنون تتلاحق ، والأحداث تتابع ومحمد بن عبد الله هو وخديجة بنت خويلد يشقان

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 27 ـ

  طريقهما معاً في الحياة وقد ظللتهما سماء الحب وأحاطتهما يد الأخلاص والوفاء .
  وكان صلوات الله عليه كثيراً ما يعتكف الساعات الطوال في غار حراء ،يعتزل بها الدنيا بروحه وفكره ، وجسده ، ويروح يسبح في ملكوت السماوات.
  وما أكثر ما كانت تستبطئه خديجة وتفتقد قدومه في وقته المعين ، فتذهب بنفسها غير واثقة من أن تنيب عنها خادمه أو ترسل دونها رسولاً ، تذهب لتفتش عنه في الأماكن التي تعلم أنه يزورها دائماً ، وخصوصاً غار حراء ... فقد كان هو الخلوة المفضلة لدى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  وقد كانت خديجة تحمل له بيدها الطعام والماء ، ولا تذهب إلاّ للإطمئنان على سلامته ، فقد كانت تشجعه على هذا الاعتكاف لثقتها من أن وراء هذه الخلوات رسالة مقدسة سوف يحملها بعلها الغالي .
  ولذلك فلم تكن تتبرم لغيابه أو تعتب عليه وكانت تشعر بروحها وهي تذهب معه أينما ذهب ، فهي معتكفة معه في الغار ، وهي سارحة واياه في البراري والقفار ،

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 28 ـ

  فإن فاتها أن تسايره جسمياً فإنها لم تكن لتفارقه روحياً ، وفكرياً ، وكانت تتابع حركاته وسكناته بعينها الساهرة الحنون وهي رفيقة به عطوفة عليه ...
  وفي أحد الأيام يدخل على خديجة زوجها المصطفى بعد أن كان قد أمضى في غار حراء الساعات الطوال ، فتنشط لاستقباله هاشّة باشَّة ولكنها تنكر منه حاله ولونه وتنكر منه ما يبدو عليه من ضعف وإعياء ، فهو شاحب اللون مجلل بالعرق ، ويطلب إليها أن تدثره ، وهو يرتعد .
  فتدثره خديجة وهي ملحاحة في التعرف إلى ما يخامره ، فلم تعهد بمحمد ضعفاً ، ولم يصدف لها أن رأت الأضطراب بادياً عليه كما تراه الآن وهي تعلم أن زوجها الحبيب لا يضعف ، ولا يتخاذل لأي سبب مهما كان مؤثراً ومهما كان صعباً ، ولذلك فهي تسأله في إصرار وإلحاح وهو يتهرب من الجواب ويماطل في الرد ، ولكن خديجة الزوجة وخديجة الرفيقة والصديقة تأبى إلاّ أن تتعرف إلى حاله ، وتفهم السبب كيما لا تتأخر عن موقفها الطبيعي في السير معه في كل مضمار ، وإلى كل غاية .

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 29 ـ

  وأخيراً يخبرها الرسول بما سمع ويشرح لها ما أحس ويقص عليها خبر الروح الذي فاجأه في غار حراء وقال له : إقرأ فيجيبه ما أنا بقارئ فيكررها عليه ثلاثاً ، ويرد الجواب نفسه ثلاثاً أيضاً فيقول ، الروح : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) صدق الله العظيم وهنا تسأله خديجة وهي في نشوة روحية نشطة : ألم تسأله من أنت ، ألم تسأله عن إسمه ؟ فيجيبها صلوات الله عليه قائلاً : سمعته يقول : أنا جبرئيل جئت أبلغك رسالة ربك ، ثمّ يردف ، وكأنه يريد أن يبث خديجة ما يحس وأن يشاركها بأفكارها .
  قال : لقد خشيت على نفسي .
  فتجيبه رضوان الله عليها باندفاع وحماس .
  كلا والله ، ما يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكلّ ، وتكسب المعدوم وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق ، وتصدق الحديث ، وتؤدي الأمانة .

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 30 ـ

  بهذه الكلمات البليغة الحكيمة ردت خديجة على زوجها مشجعة مصدقة ، وكلها أطمئنان إلى صدق محمد بن عبد الله ، ثمّ ينزل عليه الوحي ليأمره بأن ينذر وأن يبلغ ويدعو إلى رسالة السماء ، وينهض رسول الله لكي ينذر وتنهض خديجة أيضاً تهب معه بكل طاقاتها وإمكانياتها المعنوية ، والعاطفية ، والمادية .
  ومضت تواكب سيره المبارك في كل مضمار ، وعندما خرج ليصلي في المسجد لأول مرة ، وخرج معه إبن عمه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، كانت خديجة ثالثتهما في الصلاة لم تقعد بها خيفة ولم يثنها عن اندفاعها الإسلامي تردد أو شك فهي تعرف محمداً كما لا يعرفه غيرها من الناس ، وتثق فيه ثقة مطلقة .
  وهذه إحدى نواحي الإعجاز في النبي ، فإن أكثر عباقرة التاريخ كانوا يعانون الأمرَّين من تصرفات زوجاتهم ، وعدم تصديقهن بعبقريتهم ، فإن الإنسان الاعتيادي مهما كان عبقرياً فذاً لا يمكن له أن يخلو من نقص ، ونقاط ضعف إذا فرض فأمكن له أن يخفيها عن

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 31 ـ

  كل أحد لا يمكن له أن يخفيها عن زوجته التي هي أقرب الناس إليه ، بالنسبة إلى رسول الله وزوجته خديجة انقلبت هذه القاعدة فأصبحت الزوجة أول مصدقة ومؤيدة لأنه صلوات الله عليه كان فوق مستوي غيره من الرجال مهما كانوا عباقرة وأفذاذاً ، فكلما كان الشخص قريباً منه كان أكثر حباً له ، وأكثر عقيدة ، وأرسخ إيماناً برسالته ، ودعوته .
  فقد كانت عواطفه الإنسانية عامة شاملة لكل نواحي الحياة سيان في علاقاته الداخلية ، أو الخارجية، حتى أنه كان إذا لقيه أحد من أصحابه فقام معه فلم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه.
  وإذا لقيه أحد فتناول يده ناوله إياها فلم ينزع يده منه حتى يكون الرجل هو الذي يدع يده .
  وكان أشد حياء من العذراء في خدرها .
  وكان أصبر الناس على أقذار الناس.
  كان عطوفاً على كل ضعيف باراً بكل مسكين ما ضرب أحداً وما نهر خادماً قط .

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 32 ـ

  وقد روي عن أنس أنه قال : خدمت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عشر سنين فما قال لي أف قط ، ولا قال لي لشيء صنعته لم صنعته ، ولا لشيء تركته لم تركته .
  وحتى زيد بن حارثة الذي خطف من أهله وهو صغير ثم اهتدى إليه أبوه واهتدى هو إلي أبيه على لهفة الشوق بعد اليأس من اللقاء ، فلما خُيِّر بين الرجعة إلى أبيه وبين البقاء مع الرسول اختار البقاء مع السيِّد عن الرجعة إلى الوالد ، وشق عليه أن يفارق ذلك الرصيد العامر بالعطف والحنان ، والذي غمره بحبه ومواساته ، إذ هو ضعيف شريد لا يرى ذويه ، ولا يدري من هم ذووه .
  وحتى مولاه ثوبان ، والمولى في أغلب الأحوال يكون كارهاً لمولاه حاقداً عليه قالياً له نظراً لما يحسه من تقدم سيده عليه ومالكيته له ، ولكن ثوبان نحل وظهر عليه الحزن في ليله ونهاره فلما سأله صلوات الله عليه عن سبب ذلك قال : قرب منيتي وخوفي من فراقك لآنك في الجنة سوف تكون في درجات الآنبياء فلا أستطيع أن أراك.
  ولهذا نزلت الآية الكريمة التي تبشر المؤمنين المخلصين بصحبة الآنبياء الصالحين ، ( وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 33 ـ

  الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحَسُن أولئك رفيقاً ) النساء/69.
  هذه نواحٍ تكشف عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بما هو إنسان كامل حتى في نظر زوجته ومولاه ومرافقه ، هؤلاء الذين تنكشف لهم على الخصوص أخفى نواحي النقص ، وأدق نقاط الضعف.
  هكذا كان صلوات الله عليه في نبوته وقبلها .
  هكذا كان في محيطه الضيق ، وفي محيطه الواسع .
  ولهذا ولكونه الرجل الكامل والإِنسان الكامل ، بعثه الله بالنبوة ، وحمله ثقل أقدس رسالة بعثت للناس .
  وهكذا بُعث محمدً الرجل الأول والإِنسان الأول ليكون النبي الأول، وكانت خديجة من ورائه تساند وتعاضد ، فما أكثر ما امتحنت وإياه ، وما أكثر ما شدد عليهما الكفار وتهددت حياتهما بالخطر ، وما أكثر ما رجع إليها الرسول وهو مصاب بجروح ورضوض من قبل الأعداء ولم تكن لتزيدها هذه الأحوال إلا صموداً ولم تكن لتهبها إلا قوةً وعزيمةً وثبات إرادة.
  فقد نفذ نور الإِسلام إلى الأعماق من روحها وفكرها فاستنارت بنوره واهتدت بهداه ومن خصائص الإِسلام

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 34 ـ

  ومميزاته بوصفه عقيدة ثورية تتسق مع الفطرة والعقل وتغمر الوجود الإنساني كله أنه إذا استقر في قلبٍ ، وأي قلب كان ، فتح أمامه أبواباً للتضحية والفداء ، فما أكثر النساء المسلمات اللاتي قدمن الضحايا من الآباء والأبناء وهن أكثر ما يكن ثباتاً وقوة ، بل وكن يستهن بالموت من أجل القضية الإسلامية أمثال أم عمار بن ياسر التي صمدت على كلمة الإسلام أمام كل الوسائل الوحشية التي أتخذت لتعذيبها والتنكيل بإبنها وزوجها ، وكان رسول الله يمر عليهم وهم يعذبون فتطفر الدموع من عينيه ويبشرهم بالجنة نزلاً. وكثير غيرها من النساء المسلمات اللاتي اعتنقن الإسلام في أحرج أدواره وأشدها ولكن المجال لا يتسع لنا لذكرهنّ جميعاً ولعلنا سوف نلتفت الى هذه الناحية من حياة المرأة المسلمة في رسالة خاصة تبين مواكبة المرأة للإسلام وأثرها في الدعوة الإسلامية.
  فقد كانت المرأة المسلمة تذهب الى ساحات الجهاد لتشجع إخوتها وأولادها على خوض غمار الحرب وهي معهم تطبب وتداوي وتسقي العطشى وتعين المصاب ، ولا يزيدها فقد الأولاد والأخوة والأعمام إلاّ حرصاً على الإسلام وتفانياً فيه .

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 35 ـ

  وقد كانت المرأة المسلمة تسمع بأذنيها نعي أعزائها وأحبائها وهي لهفانة في الوقت نفسه للإطمئنان على سلامة رسول الله، وعلى هذا فلا عجب إذاً إذا كانت خديجة زوجة الرسول أول مصدقة به وأقوى ساعد لديه ، والواقع أنني حينما أراجع سير النساء المسلمات في صدر الإسلام وأقرأ تضحياتهن ومواقفهن أكاد أسأل جادةً هل نحن مسلمات حقاً .
  هذا الإسلام هو الذي نوَّر قلب خديجة بعد إذ انبثقت أنواره من غار حراء ومن بيتها هي بالذات ، ولهذا فقد كانت خديجة ( رضي الله عنها ) جديرة بهذا الاندفاع الإسلامي وهي التي أصطفت محمداً لنفسها منذ زمن بعيد ، وبعد أن عرفت أنه صاحب رسالة مقدسة ، ولذلك فهي لم تفاجأ ولم تستغرب عند سماعها بخبر الوحي الذي نزل على زوجها في غار حراء ، وقد قنعت من زوجها بكلمات قلائل سرعان ما صدقته بعدها وآزرته وهي أقوى ما تكون فكرة راسخة مركَّزة ، وإحساساً فياضاً صادقاً .
  وأستمرت خديجة أم المؤمنين تحيا بحياة الرسالة المحمدية وتستهين في سبيلها بكل المصاعب والمحن ، وقد بذلت في هذا الطريق كل ما تملك من مال حتى

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 36 ـ

  أصبحت وهي الغنية الواسعة الثراء فقيرة لا تملك شيئاً ، وقد استنفدت بدعوتها رصيدها الضخم من المال ولم يبق منه حتى النزر القليل ، فهي تطوي جوعاً إذا طوى النبي وتشبع إذ يشبع بالذي يشبع فيه ، وهذا يبيِّن مدى التفاوت بينها وبين باقي أمهات المؤمنين ، الفارق الذي جعل رسول الله يحن إليها الى آخر يوم من حياته الشريفة.
  فهي قد بذلت للإسلام كل ما تملك يوم كان الإسلام وحيداً ، وصلَّت مع رسول الله يوم لا مصلِّية غيرها ، بينما أحتجت أمهات المؤمنين الأخريات على النبي ، بعد أن عمت كلمة الإسلام جميع البقاع وطالبن بزيادة النفقة وتوسيع المعيشة : عليهن ولم تثنهن نصائح النبي عن ذلك حتى أنه جاء في الروايات أن أبا بكر دخل على النبي (ص) ومعه نساؤه فوجده حزيناً وعرف السبب في ذلك فقام على أبنته يريد أن يجأ عنقها لأنها آلمت الرسول وأعترضت طريق دعوته بمطاليبها المادية حتى نزلت الآية الكريمة(1) التي خيرت نساء النبي بين متاع الحياة الدنيا وبين رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فاخترن صحبة الرسول الأعظم بعد أن قُطعت أمامهن السبل، وقد كانت خديجة صلوات الله

**************************************************************
(1) سورة الأحزاب آية 28 ـ 29.

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 37 ـ

  عليها لا تألو جهداً في بذل يد العون للدعوة الإسلامية بكل ما يسعها ذلك ، وقد حدث مثلاً أن فرضت قريش على بني هاشم حصاراً في منطقة تسمى بمنطقة الشِّعب أو شِعب ( أبو طالب ) وقد منعوا عنهم في هذا الحصار الماء والزاد ، وكان الموت جوعاً يهدد جميع بني هاشم لولا أموال خديجة فإنها كانت تبعث من يشتري لهم الطعام سراً وفي أغلى ثمن ، تستنصر وتستعين بأولاد إخوتها وأخواتها على ذلك ، وبذلك أمَّنت الغذاء لبني هاشم المحاصرين في الشعب.
  فلهذا ولغيره من المواقف الفذة في تاريخ الإسلام أحتلت رضوان الله عليها الصدارة في قلب النبي وفي حياته الشريفة.
  وقد توفيت رضوان الله عليها في السنة الثالثة عشر للبعثة وقد حزن عليها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حزناً عظيماً وكانت وفاتها في عام وفاة عمه ( أبو طالب ) ، ولذلك فقد سمِّي ذلك العام بعام الحزن لحزنه على فقدها وفقد عمه ( أبو طالب ) ، نعم توفيت خديجة المرأة الرابعة التي دخلت حياة النبي في أحرج أدوارها لم تخرج من حياته أبداً فقد خلَّفت له أغلى وأثمن ذكرى مقدسة ، وهي الصدِّيقة

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 38 ـ

  الطاهرة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، وقد جاء في بعض الرويات أنها خلفت للنبي أربع بنات هن زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة ( وسوف نناقش هذا الموضوع في محله إنشاء الله ) ، وقد أصبحت الزهراء قطب الرحى في حياة أبيها العظيم حتى أنه كان يسميها بأم أبيها.
  وقد قامت منه مقام البنت والأم فهي تجهد أن تعوضه بحنانها عما افتقده بأفتقاد أمها خديجة ، وهي تسعى أن تكون لرسالته كما كانت أمها من قبل ، لم تمنعها حداثة السن عن التعرف إلى جميع مشاكل أبيها وآلامه مهما كانت المشاكل مهمة ومهما كانت الآلام هائلة ، لم تضعف ولم تهن ولم تتردد او تتراجع ، وقد جاء في رواية عن ابن مسعود قال : بينما رسول الله يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحابه جلوس وقد نحرت جزور بالأمس فقال أبو جهل أيكم يقوم الى سلى(1) جزور بني فلان فيضعه بين كتفي محمد إذا سجد فانبعث أشقى القوم فأخذه ، فلما سجد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وضعه بين كتفيه

**************************************************************
(1) السلى : جمعها أسلاء ، جلدة يكون ضمنها الولد في بطن أمه إذا أنقطع في البطن هلكت الأم والولد ، يقال : « انقطع السَّلى في البطن » أي ذهبت الحيلة وعظم الويل.

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 39 ـ

  فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم أنظر ، لو كانت لي منعة لطرحته عن ظهره ، والنبي ساجد لا يرفع رأسه حتى أنطلق إنسان فأخبر فاطمة فجاءت وطرحته عنه ثمّ أقبلت عليهم تؤنبهم على ذلك .
  هذه إحدى الروايات التي تدل على منزلة الصديقة في قلب أبيها ومحلها من دعوته ورسالته وكأنها قد شعرت مع حداثة سنها بأنها مسؤولة عن أن تكون المرأة الخامسة في حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقد واكبت سيره بكل شجاعة وإقدام .
  ونحن الآن لا نكاد نتصور مدى ما كانت تتطلبه من شجاعة ، هي وجميع المسلمات في ذلك العصر .
  فنحن الآن ، وبعد أن عمت كلمة الإسلام جميع الأقطار الإسلامية والحمد لله ، لا تكاد تجرؤ إحدانا أن تجهر بالكلمة الإسلامية صريحة واضحة ، وكانت الزهراء صلوات الله عليها قد أنصهرت بأفكار الإسلام روحياً وفكرياً فقد كانت وهي بنت أعظم رجل عرفه التاريخ وريحانته الغالية والتي كان النبي يدعوها بأم أبيها ويقول : فاطمة بضعة مني من أرضاها فقد أرضاني ومن أغضبها فقد أغضبني. وكان يقول حينما يقبلها إني أشم منها رائحة

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 40 ـ

  الجنة ، وهي الحوراء الإنسية ، وكانت عنده بمنزلةٍ ما فوقها منزلة. فكانت آخر من يراه عند سفره وأول من يلقاه عند رجوعه من السفر ، وكانت هي من أنحصر فيها نسله صلوات الله عليه ولم يكن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يجهل ذلك .
  نعم كانت هي هكذا وكانت أكثر من هذا ولكنها ومع كل هذه المميزات الروحية والمعنوية كانت بسيطة في إسلوب حياتها لا تكاد تختلف عن أي أمرأة فقيرة ، فبيتها متواضع للغاية لا يحوي إلاّ النزر القليل من الأثاث الضروري الذي لا يمكن الأستغناء عنه .
  فهي مثال المرأة المسلمة المترفعة عن المواد الدنيوية والصاعدة بروحها وروحياتها إلى أفق الكمال وسماء العصمة والفضيلة ، فإن النفس البشرية إذا أستنارت بنور الإسلام وإذا نفذت إلى مكنوناتها تعاليمه وحِكمه استغنت بمعنوياتها عن كل ما تحتاج إليه النفوس الضعيفة من مقومات لشخصيتها .
  نعم هكذا كانت فاطمة الزهراء وهي ريحانة النبوة وزهرة الهاشميين فتاة ترعرعت في أحضان الأبوة الرحيمة ، وهكذا كانت هي عروس تزف إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 41 ـ

  ( عليه السلام )، فقد خطبت إلى أبيها من قبل كثيرين كان منهم أكابر الصحابة والرسول يردهم بشتى الحجج والمعاذير ويقول لهم أنه ينتظر فيها أمر السماء فقد كان صلوات الله عليه يعلم أن نسله قد أنحصر في فاطمة ، وأن فاطمة وبعلها وأبناءها هم الذين سوف يكونون الامتداد لرسالته ولدعوته السماوية، ولهذا فقد كان ينتظر الرجل الجدير بتحمل هذه المسؤولية فلم يكن يتوخى في زواجها مالاً ولا ثراءً ولكنه كان ينتظر لها الكفء.
  وفي يوم مبارك ، وبعد أن كان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد رد كل من تقدم لخطبة الزهراء وبما فيهم أبو بكر وعمر ، أقبل علي أمير المؤمنين عليه السلام الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كما كان يقبل ، فيحييه ويجلس اليه كما كان يجلس ، ولكن الرسول يحس أن أبن عمه قادم لأمر هام وقد عرف ذلك بفراسته الشخصية وبالإيجاء النبوي ، فيقبل عليه وهو يسأله متلطفاً مشجعاً وكله حب وحدب على الشاب العزيز الجالس أمامه ، هذا الشخص الغالي الذي آخاه وأصطفاه والذي فتح له قلبه رضيعاً ومهد له بيته صبياً .
  وها هو الآن يوشك أن يسلمه أغلى شيء عنده وأعز

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 42 ـ

  مخلوقة عليه ، ثمّ يقول : ما حاجة ابن أبي طالب وما الذي يشغل فكرك يا ابن العم ؟ وكانت هذه الكلمات الرحيمة هي التي شجعت أبن عم الرسول على أن يقول بصوت خفيضٍ وهو يغض بصره أمام رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  قال : ذكرت فاطمة بنت رسول الله ، ثمّ يسكت ولا يقوى على الإفاضة أكثر مما قال ، فيجيبه الرسول وهو على ما عليه من بشر ورقَّةٍ لا متناهية مرحباً وأهلاً . ويسكت لحظة ليعود فيسأله حدباً مشفقاً وهل عندك شيء ؟ فيجيبه علي وهو لا يزال مغضٍ ببصره إلى الأرض ، لا يا رسول الله.
  فيمسك الرسول لحظة ثمّ يتذكر أن علياً أصاب درعاً من مغانم بدر فيعود ليسأله أين درعك الذي أعطيتك إياه يوم كذا ؟ فيجيب علي وقد غلبه التأثر لما يلقى من بِرِّ النبي ورعايته وما يلمس من روح ابن عمه وصفائها وهو يعلم أنه جاء يخطب إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فاطمة التي هي أعز مخلوقة عند رسول الله ، فيجيب : هي عندي يا رسول الله، فيقوم النبي صلوات الله عليه ثمّ يدخل على أبنته الغالية ليرى رأيها فيما يطلبه أبن عمه وأخوه ويقول لها متلطفاً رفيقاً باراً : يا عزيزة أبيها الغالية لقد ذكرك أبن

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 43 ـ

  عمك علي فما رأيك في هذا يا بنتاه ، والزهراء كانت تعرف ابن عمها علياً ، وتعرفه كما لا يعرفه غيرها من الناس.
  فهو سيف أبيها ودرعه والفادي له بنفسه ، والبائت على فراشه ، وحامل لوائه ، هذا عدا أنها كانت تسمع دائماً مدحه والإعجاب فيه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وكانت تشعر دائماً وأبداً أن أبن عمها علياً هو أقرب المسلمين للرسول وأحبهم إليه وهي الآن على ثقة من أن رسول الله (ص) راغب في هذا محبذ له ، وإلاّ فما كان ليسألها عن رأيها فيه ، فما أكثر ما خطبت الى أبيها قبل اليوم وكان يردهم دون أن يسألها عن رأيها في الخطاب ، وعلى هذا ولكونه جاء ليرى رأيها في علي بن أبي طالب ، عرفت الزهراء صلوات الله عليها رأي أبيها في علي وفي هذه الخطبة ، ولكنها مع هذا تسكت ولا تتمكن أن تجيب ، فما عساها أن ترد على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وحياؤها العذري يمنعها من التصريح بما تريد ، ورضاؤها بهذا الخاطب وقبولها لهذه الخطبة يمنعانها من الرفض فتطرق إلى الأرض ولا تجيب .
 والرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في كل هذا يتطلع إليها ويقرأ ما ينطبع على ملامحها من أحاسيس وأنفعالات

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 44 ـ

  ويشعر أنها راضية ، ويحس أنها مرتاحة مسرورة فيقوم وهو متهلل الوجه ، باسم الثغر ويقول : سكوت الباكر علامة رضاها ، فلا ترد عليه ولا تعترض ، فيبتسم ويخرج إلى أبن عمه ليخبره برضاء الزهراء ويقول له : أين الدرع يا علي ؟ فيذهب علي مسرعاً ويأتي بالدرع فيأمره النبي أن يبيعها ليجهز العروس بثمنها ، وقد أشتراها عثمان بأربع مائة وسبعين درهماً حملها علي صلوات الله عليه ووضعها أمام الرسول ، فتناولها بيده الكريمة ثمّ دفعها إلى بلال ليشتري ببعضها طيباً وعطراً ويدفع الباقي إلى أم سلمة لتشتري جهاز العروس ، ثمّ يجمع النبي صحابته وآله ويشهدهم أنه زوج ابنته فاطمة من أبن عمه علي بن أبي طالب على أربع مائة مثقال من الفضة على السُّنة القائمة والفريضة الواجبة ثمّ قدم للضيوف حلوى العرس الهاشمي النبوي وهو وعاء تمر .
  على هذا النمط البسيط وعلى هذا النحو القدسي تمت خطبة الزهراء بنت رسول الله إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وتأخر الزفاف إلى الوقت الذي يتم فيه جهاز العروس ويهيأ بيت العريس.

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 45 ـ

  نعم هكذا بكل بساطة تمت خطبة أعظم خطيبين ، فالزهراء عندما خطبت لابن عمها لم تكن تفكر في شيء مما يشغل أفكار غيرها من العرائس ، لم تكن تهتم بما يملك عريسها من مال وما يهيأ لها من أثاث ورياش ، لم تكن تحفل بالسفاسف من الأمور كأن تكون خطبتها رسمية عامة شاملة تعمر بالترف والبذخ ، لم تكن تحفل بكل هذه الأمور الدنيوية فهي أبنة رسول الله وابنة خديجة الكبرى .
  أوليست أمها هي التي بذلت المال رخيصاً في سبيل العقيدة ؟ أوليست أمها هي التي استبدلت القصر الشامخ بالبيت المتواضع والترف الزاهي بشظف العيش ومره ؟
  وها هي أبنتها فاطمة تُخطب إلى علي أمير المؤمنين بهذه الروعة اللامتناهية التي كونتها هذه البساطة في الخطبة ، فالإمام علي كان يخطب شخص الزهراء بنت رسول الله ، والزهراء صلوات الله عليها قبلت بالزواج حباً بعلي وبشخصه لا غير ، فلولا أن خاطبها كان غير علي بن أبي طالب لما رضيت أن تفارق أباها وبيته إلى أي زوج كان ، ولكنها كانت تعلم أنها بزواجها من علي بن أبي طالب تتقرب إلى أبيها وإلى رسالته أكثر منها قبل الزواج ،

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 46 ـ

  وأنها إذا قرنت حياتها بحياة علي تمكنت أن تسند علياً بجهادها الإسلامي وأن تركز جهاد أبن عمها بمؤازرتها له ، ولذلك فقد تلقت عرض الزواج بكل ارتياح .
  وإني لأعجب لما كتبته الدكتورة بنت الشاطيء في كتاب بنات النبي ، وما عللت فيه رضاء الزهراء بعلي بن أبي طالب وما بينته في أسلوب هو أقرب الى الخيال القصصي منه إلى الواقع .
  فقد عزت الدكتورة بنت الشاطئ زواج فاطمة ، والدافع الذي دفعها لذلك دخول عائشة في بيت النبي وفي حياته بعد أن كانت الزهراء معرضة عن الزواج في إصرار ، وهذه الفكرة القصصية الخيالية كان من الممكن فرضها على عائلة غير عائلة رسول الله وعلى أسرة غير أسرته صلوات الله عليه ، كأن تأتي الدكتورة لتحدثنا حديث أسرةٍ عادية مكونة من أب وأربعة بنات وأم ، ثمّّ تتزوج البنات الثلاث وتعرض الرابعة عن الزواج إيثاراً لصحبة أبيها عن غيره ، وتموت الزوجة الأولى فتدخل في حياة الأب زوجة جديدة لا تؤثر تأثيراً بالغاً على مكانة البنت الرابعة التي كانت في البيت ، ولكن الزوجة الثانية التي تدخل في حياة الأب بعد الأم الراحلة أمرأة ثانية تستهويه وتمتلكه وعند ذلك تفهم البنت

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 47 ـ

  الرابعة التي آثرت صحبة أبيها عن الزواج أنها لم تعد كما كانت في بيت أبيها وفي قلبه بعد أن شغلت المرأة الجديدة حياة أبيها واستمالت قلبه نحوها ولم تترك للبنت الباقية في بيت أبيها مجالاً لدلال أو رغد من العيش .
  وهنا يجب أن نفترض أولاً أن رب الأسرة رجل ضعيف الشخصية ضئيل العاطفة مندفع وراء ملذاته الحسية لكي نتمكن من الإنسجام مع هذه الأقصوصة ونصدقها كما هي .
  فإن أي زوج وأي أب إذا كان قوي الشخصية ولو قليلاً وإذا كان يحمل عاطفة أبوية ولو عاطفة جزئية ، ايمكن لنا أن نصدق أنه يخضع لسلطان أمرأة مهما كانت تلك المرأة ومهما تمتعت به من سحر وفتنة ، ولا يمكن للمرأة تلك أن تجعل بيته يضيق بابنته التي كانت حسب بداية الأقصوصة تمتنع عن الزواج حباً في أبيها وإيثاراً لصحبته .
  ومن المؤكد أن بيت الأب لا يضيق بابنته إلاّ إذا ضاق الأب بابنته ولا يضيق الأب بابنته إلاّ إذا كان معدوم العاطفة مسلوب الشخصية .

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 48 ـ

  عند هذا وبعد كل هذه الفروض لنا أن نصدق هذه القصة كما جاءت بها الدكتورة ( كصورة من حياتهن ).
  ولكن هذه الأقصوصة إذا طالعتنا بها الدكتورة وهي تنسبها إلى أهل بيت النبوة ، وإلى أسرة يكون الأب فيها رسول الرحمة وتكون البنت فيها فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، ولا يمكن لنا أن نصدقها بأي حال من الأحوال ، ولا يصح أن نصدقها أيضاً لما تستلزمه من فروض لا تنطبق على أهل البيت .
  فنحن إذا سلمنا أن الزهراء كانت رابع بنات أربعة فيجب علينا إولاً أن نتعرف على أزواج أخواتها والسبب في عزوفها عن الزواج بعد أخواتها الأخريات ، ونرى أن أختين من أخواتها قد لاقيا من المحن والاضطهاد الشيء الكثير حتى أن أزواجهما أرجعاهما إلى بيت رسول الله عداءً لهما ولرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
  فنحن إذا سلمنا بوجود أخوات للزهراء وجب علينا أن نسلم بزواجهن وبأزواجهن ، وفي هذا دليل كافٍ نفهم منه عزوف الزهراء عن الزواج إذا صح أنها كانت عازفة كما

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 49 ـ

  تزوجت أخواتها بعد أن رأت بعينها المصائب التي أصابت أخواتها من هذا الزواج ، وشتان بين أزواج أخواتها وبين من رضيت به زوجاً لها وقريناً ، فزواج أخواتها ونوعيته أكبر مثبط لها عن قبول هذه التجربة ، وخطبة الإِمام علي لها وخصوصياته أكبر دافع لها لقبول العرض بالرضاء التام ، كان ذاك هو المانع وكان هذا هو الدافع لا أكثر ولا أقل ، طبعاً هذا إذا سلمنا مع الدكتورة بوجود أخوات للزهراء صلوات الله عليها ثم أنها كانت تعلم أن حاجة أبيها لها وهو في مكة أكثر منها وهو في المدينة.
  فقد كان الاضطهاد والشرك والظلم قد خف وتلاشى في المدينة ، ولما علت كلمة الإِسلام اطمأنت الزهراء على أبيها وعلى راحته النفسية ثم أنها حينما كانت ترفض الزواج كانت ترفضه لكي لا تخرج من حياة أبيها ولكي لا تبعد عن رحابه وعرينه ، وزواجها بعلي كما كانت تعلم واثقة أنه سوف يقربها لأبيها ويدنيها إليه أكثر وأكثر ، وأنها لن تترك بيت أبيها بل ستكوِّن لأبيها بيتاً جديداً هو بيتها الذي يضمها وابن عمها علي بن أبي طالب. وفعلاً فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ هذه الآية الكريمة كلما مر

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 50 ـ

  على باب فاطمة وعلي : ( ... إنما يُريد الله ليذهبَ عنكم الرجٌسَ أَهل البيت ويُطهَّركم تطهيراً ) الآحزاب/33 ، صدق الله العظيم .
  وقد عرفت الزهراء كل هذا ولأجل هذا رضيت بابن عمها وآثرت بيته على البقاء في بيت أبيها ، ولا دخل لآي امرأة من نساء النبي في زواجها ودواعيه ، وإنما أعرضت عن الزواج لعدم وجود الكفء ، وأقدمت عليه بعد أن وثقت من كفاءة الزوج.
  ولا أدري كيف سمحت الدكتورة بنت الشاطيء لنفسها أن تفسر قبول فاطمة للزواج بدخول عائشة في حياة النبي ، وتقلص مكانة البنت في قلب أبيها ، هذه البنت التي كانت كل شيء لآبيها في قلبه وحياته ، وقد جاء في الاستيعاب عن السيدة عائشة نفسها أنها سُئلت أي الناس كان أحب إلى رسول الله ؟ قالت : فاطمة فسُئلت : فمن الرجل ؟ قالت : زوجها ، وجاءت هذه الرواية أيضاً عن الترمذي : وفي الاستيعاب بسنده عن ابن بريدة عن أبيه ، وفي المستدرك بسنده عن جميع بن عمير وصعصعة ، وقد رواه الترمذي بسنده عن بريدة مثله ، وروي الحاكم في