المسلمة قد حصلت في ظل الإسلام على حقوق وإمكانيات لم تحصل عليها أية أمرأة سواها في شتى القوانين والتشريعات ، وقد أرتفع الإسلام بالمرأة لحسابها الخاص ولمجرد كونها إنسانه وأعطاها حقها الطبيعي في كل أدوار حياتها الإجتماعية ، ونحن الآن في صدد إعطاء فكرة مختصرة عن المرأة في تشريعات الإسلام ومفاهيمه .

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 77 ـ

المَرأة
  جاء في الروايات الواردة عن الإمام أبي عبد الله جعفر الصادق عليه السلام رواية يحدد فيها مفهومه ومفهوم الإسلام عن المرأة فيقول : ( المرأة الصالحة خير من ألف رجل غير صالح ) وهو يقصد بها أن يقرر أن الإنسانية في نظر الإسلام لها قيمة واحدة وميزان واحد للكرامة بقطع النظر عن كل الصفات الطبيعية التي يتميز بها الأفراد ، وهذا الميزان الوحيد في نظر الإسلام هو الصلاح والتقوى ، والأفضلية عند الإسلام هي أفضلية العمل الصالح.
  فمهما كان الصلاح هنا متوفراً كانت الإنسانية أفضل وأكمل ، ومهما أبتعد الإنسان عنه خسر بذلك كرامته في مفهوم الإسلام كائناً من كان ، فلا الرجل بما هو رجل يفضل المرأة ، ولا المرأة بما هي أمرأة تفضل الرجل. ولا

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 78 ـ

  يتعارض هذا مع الوظائف التي وزعت على الرجل والمرأة في الأسرة الإسلامية ولا مع القيمومة التي أعطيت للرجل على المرأءة فيها ، فإن هذه القيمومة التي اضطلع الرجل بموجبها بإدارة معاش البيت والحفاظ على وحدته لا تعبر إلاّ عن توزيع طبيعي للوظائف في مجتمع صغير وهو الأسرة المتكونة من أب يعيل ويحافظ وأم تلد وتربي فهي ليست قيمومة أفضلية وإلا لكان كل رجل قيماً على المرأة التي يعايشها وإن كانت أمه أو أخته وليس الأمر كذلك ... هذا بعض ما عناه الإمام الصادق ( عليه السلام ) في قوله إن المرأة الصالحة خير من ألف رجل غير صالح .
  وقد أراد الإمام أيضاً أن يفتح أمام المرأة مجالاً يمكنها فيه من أن تسمو بصلاحها على ألف رجل غير صالح ، وأن تثبت للمجتمع أنها مؤهلة للتفوق على الرجال إذا تقدمت عليهم بالتقوى والصلاح ، وانعكس ذلك في مختلف حقول حياتها العائلية والاجتماعية ، ولا يكفي أن تكون صالحة في بعض تلك الحقول دون بعض بل المرأة الصالحة هي التي أنشرح صدرها للإسلام ولتعاليمه فطهرت روحياتها من عوامل الشر وعقمت فكرتها من شوائب الأهواء الشيطانيه وحسنت سيرتها في محيطها الخاص ومحيطها العام ،

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 79 ـ

  وأغلقت أمام عواطفها جميع أبواب الحسد والرياء والمكر والخداع ، وفتحت مشاعرها لتلقى كل ما هو خير وسليم ، وسلم منها المجتمع وسلمت منه لا تظلم مسكيناً ولا تهضم حقاً ولا تعتدي على أحد ولا تظن بأحد السوء ، وتحمل أختها المسلمة على سبعين محمل من الخير كما قد أوصاها به الله ورسوله ، هذه هي المرأة الصالحة التي جعل منها الإمام خيراً من ألف رجل غير صالح .
  وهذا هو مفهوم الإسلام عن المرأة بما هي إنسانة لها عملها الصالح الذي يرتفع بها إلى حيثما تشاء تبعاً لمدى توفره فيها .
  والآن فهل لي أن أقول كلمة أخيرة وقبل أن أبدأ بالبحوث الباقية فأقول أن الصلاح بمعناه الحقيقي قلما يتفق لنا نحن بنات حواء ، وإصادف فاتفق لواحدة منا قام مجتمعها الظالم في إبعادها عنه أو إبعاده عنها بأي سبيل ، وحتى بدون أن تشعر هي أيضاً ، والذنب في هذا ذنبنا نحن وذنب مجتمعنا الفاسد الذي تنعكس فيه المفاهيم وتنقلب القيم ويتنكر للمثل ، وإلاّ فإن أبواب الرقي الحقيقي مفتوحة أمامنا لا ترد وافدة ولا تمتنع من قبول قاصدة وإسلامنا يعزز ذلك ويشيد فيه ويدعو إليه .

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 81 ـ

المَرأة وَالعَمَل
  يقوم تقسيم الوظائف في كل مجتمع ومحيط على أساس تقبل الأشخاص لتلك الوظائف وإمكانياتهم للقيام بها على أحسن وجه ، وتقسيم العمل هو ضرورة من ضرورات المجتمع في جمعيع النواحي والمجالات ، وتقسيم العمل يؤدي الى سهولة القيام به مهما كان صعباً ويؤدي أيضاً إلى سرعة الإنتاج مهما كان بطيئاً وتقسيم العمل والوظائف يساعد المتخصص في كل قسم منه على النبوغ في ذلك القسم والتعمق فيه خلافاً لما لو اختلف توزيع العمل وتعاقبت الأعمال المختلفة على العامل فإنه سوف يخسر مرونته وعبقريته التي قد يحرزها في عمل واحد .
  فإن لكل شخص من الأشخاص استعداده الخاص وطبيعته الخاصة به وتكوينه الفطري والنفسي فنحن لا

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 82 ـ

  ينبغي لنا مثلاً أن نجعل من فنان مهندساً أو نجعل من مهندس فناناً فإن لكل منهما هوايته واستعداده الخاص ولا ينبغي لأي منهما أن يخالف اتجاهه الطبيعي أو يعاكس أهواءه وأستعداده .
  فنحن إذا أجبرنا العامل الميكانيكي مثلاً على أن يكون فناناً وإذا أجبرنا الفنان على أن يكون ميكانيكياً نحكم على مواهب كل من الطرفين بالعدم في الوقت الذي نحصل فيه على أبرع عامل ميكانيكي وعلى أروع فنان لو تركنا كلاً منهما يسير وراء هوايته وطبيعته الفطرية ، فتقسيم العمل يعتبر من أهم الظواهر الطبيعية ، وقد شمل حتى تكوين الإنسان وتركيبه العضوي ، فإن لكل عضو من أعضاء الإنسان عمله الخاص وفائدته الخاصة وبهذا تكون جميع أعضاء الإنسان متساوية من ناحية الاستهلاك ومتوازية في إنجاز المهام مثلها في ذلك كمثل تقسيم العمل في المعمل الصناعي ، فتقسيم العمل في المعمل الصناعي من شأنه أن يستوجب استعمال كافة الآلات الموجودة في مصنع من المصانع في وقت واحد .
  ولا شك أن هذا الاستعمال مفيد من عدة نواحي ،

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 83 ـ

  فهو مفيد للآلات نفسها إذ أن الحركة أفضل لها من الوقوف ، كما هو مفيد بالنسبة للإنتاج إذ أن العامل الذي يتخصص في إدارة آلة معينة يستطيع أن يحصل على أكبر فائدة مرجوة منها ، وبذلك تصل قوة الأنتاج إلى أقصى درجتها ، وحتى على الصعيد الدولي فإنا نجد أن تقسيم العمل قد انتشر بين الدول والأقاليم بل وحتى في الدولة الواحدة نفسها ، وذلك تبعاً لصفات السكان فيها واستعدادهم الذاتي لأي أنواع العمل ، وبحسب تربتها ومناخها ونوع المعادن الموجودة فيها ونوعية المحصولات التي تنتجها والقوى المتحركة وتوزيعها .
  فقد تتخصص بعض الدول في صناعة المنسوجات وبعضها في صناعة المواد الكيميائية مثلاً وقد تتخصص غيرها في تربية الأغنام أو زراعة القطن أو إنتاج النفط بناءً على استعداد الدولة وإمكانياتها ، ولا شك أن تقسيم العمل بين الأفراد في جميع المجالات له أثر كبير في حياتنا الاجتماعية فعلاوة على المزايا العديدة التي يتضمنها فإنه يحكم الروابط بين الأفراد ويشعر الإنسان بحاجته الى أخيه الإنسان وبأنه لن يستطيع أن ينتج بنفسه كافة الأشياء

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 84 ـ

  اللازمة له فهو مضطر الى أن يعتمد على غيره في الحصول عليها ، وعلى هذا فإن كل واحد من المجموعة البشرية يشعر بأنه مشدود جذرياً إلى أخيه الإنسان وهذا الشعور يولد التقارب اللااختياري في المجتمع ، فإذا كان تقسيم العمل شاملاً لكل المجالات في جميع الأحوال ، وإذا كانت الحياة قائمة على أساس تقسيم العمل في جميع نواحيها ، فمن الطبيعي جداً أن يأخذ الإسلام بهذا المبدأ في تقسيم العمل بين المرأة والرجل فيسند لكل منها الدور الذي هو أكثر كفاءة للقيام به .
  فإن لكل من المرأة والرجل مزاجاً خاصاً وتكويناً معيناً لا ينبغي لأي منهما أن ينحرف عنه أو ينفصل منه .
  فتوزيع المهام إذاً بين الرجل والمرأة لا يقوم على أساس تسخير احدهما للآخر بل على أساس تقسيم العمل وإعطاء كل منهما نوع المهمة التي تنسجم مع طبعه ومزاجه ، ولولا توزيع هذه الوظائف والتهيئة التكوينية لهذا التوزيع لما أمكن للبشرية أن تعيش على وجه الأرض فكما أن على المرأة أن تقوم بوظائفها الطبيعية في الحياة

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 85 ـ

  كذلك على الرجل أيضاً أن يقوم بمهامه بالنسبة للمجتمع والحياة ، ويكون إنجاز هذه الوظائف الطبيعية على سبيل التعاون والتكافوء لا على سبيل التسخير والأستخدام .
  هذا هو التقسيم السماوي للوظائف البشرية دون استغلال من أحد الطرفين ، وهكذا شاءت العدالة الربانية أن تجعل البشر متساوين في الوظائف متكافئين في الأعمال دون ظلم أو إجحاف ، وتقسيم الوظائف على هذا النحو يحفظ لكل من الطرفين مكانته الاجتماعية ويحافظ في الوقت نفسه على كيانه الخاص ، ويجعلهما معاً خادمين للمجتمع على صعيدين متساويين ، وكل حسبما تفرضه عليه طبيعته ويدله اليه تكوينه .
  ولذلك فقد أسند للمرأة خدمة المجتمع في داخل البيت وأسند للرجل خدمة المجتمع في خارج البيت ، وذلك لأن المرأة بطبيعتها الأنثوية الرقيقة أجدر بإدارة البيت الذي يقوم على الحب والعطف والحنان .
  ولكن هذا التوزيع العادل للوظائف أخذ يستغل من قبل بعض دعاة الشر لإِبرازه في صورة معاكسة تماماً للواقع تنتج عنه تصورات خاطئة عن أن المرأة في الإسلام لا تعد

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 86 ـ

  إلاّ كونها أداة عمل وآلة إنتاج تحت سيطرة الرجل ، وكان نتيجة لهذه الدعايات السامة أن أخذت المرأة المسلمة تستشعر بنقطة ضعف موهومة وصارت تحاول أن تمحو عنها هذا النقص.
  وبما أن الوسيلة الوحيدة التي تمكنها من ذلك هي عدالة السماء وتفهمها الواقعي للحكمة العادلة في هذا التوزيع ، وبما أنها قد أنصرفت عن هذه الناحية بعد أن توهمت اليأس منها ، فإنها لن تتمكن من الاهتداء إلى ما تسعى ، مهما حاولت ذلك ومهما بذلت في سبيل ذلك الغالي والرخيص من عزتها وكرامتها وطهرها الغالي الثمين.

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 87 ـ

المَرأة وَالحِجَاب
  الحجاب ليس كما يتوهم البعض من أنه ختم ملكية المرأة للرجل ، فإن المرأة والرجل من الناحية الإنسانية سواء لم يخلق أحدهما ليملك الآخر بل خلق أحدهما ليتمم الآخر ويكمله ، ولكل منهما جانبان مزدوجان : فالرجل إنسان وذكر والمرأة إنسان وأنثى ، وكل منهما بوصفه إنسان يسمح له بالمشاركة في خدمة المجتمع على أن يظهر في مجال الخدمة كإنسان لا أكثر ولا أقل.
  إذن فعدم تظاهر المرأة بأنوثتها لا يؤخذ دليلاً على أن الإسلام أراد أن يحجبها من المجتمع فهي عندما تتصل بالمجتمع تتصل به لحساب كونها إنسان طبعاً فكما أن للرجل أن يثبت إنسانيته في الوجود ، للمرأة أيضاً أن تثبت وجودها الإنساني ، حالها في ذلك حال الرجل سواء بسواء ، وفي النواحي التي يتحتم على المرأة التستر فيها يتحتم على

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 88 ـ

  الرجل ذلك أيضاً فكما أن المرأة لا يمكن لها أن تتظاهر بأنوثتها وبكونها الجنس الناعم عن طريق الخلاعة والتبرج لا يمكن للرجل أن يتظاهر برجولته وذكورته ولا يمكن له أن يعيش في المجتمع الواسع إلاّ كإنسان ، كالمرأة التي لا يمكن لها أن تعيش في المجتمع الواسع إلاّ كإنسانة ، وفي المواطن التي يظهر فيها الرجل كرجل علاوة على كونه إنساناً يمكن للمرأة بل ويجب عليها أن تظهر بمظهر الأنثى علاوة على كونها إنسانة.
  وبما أن جاذبية المرأة وسحرها أقوى وأشد تأثيراً من جاذبية الرجل وسحره كان حجاب المرأة أوسع وأشمل من حجاب الرجل ، فالمرأة التي تظهر في المجتمع بمظهر إنسانة بدون إشارات وهوامش تشير إلى أنوثتها ، تكون مساوية للرجل ، على العكس تماماً من المرأة الغربية ، التي إن قال لها الرجل أنها حرَّة في تصرفاتها وفي كل شيء تكون في الواقع مقيدة بإرضاء الرجل أي رجل كان وإشباع رغباته ، إذ فرض عليها تظاهرها بأنوثتها باسم الحرية على ما يتطلب ذلك من تعب وجهد وعلى ما يستنفذ ذلك من وقت المرأة.
  فهل من الأنسانية أن تكون المرأة سلعة تعرض

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 89 ـ

  لعيون الرجال المتعطشة ؟ وهل أن من مستلزمات إنانية المرأة أن تصرف الساعات الطوال في محلات ( الكوافير ) وتحت أيدي المواشط مع ما يلزم ذلك من استهلاك وقت مادي ومعنوي ؟
  كل هذا لأجل أن تُرضي الرجل فهل يمكن لهؤلاء النساء أن يظهرن ولو مرة واحدة فقط بدون علامات تدل على أنوثتهن معتمدات على شخصيتهن أو على معارفهن ؟ وهل خطر لإحداهن مرة في أنها لو دعيت الى الحفل الفلاني سوف تكون المبرزة بين لداتها لما تملك من معرفة أو لما تتمتع به من شخصية ؟ بل إن أفكارهن تتجه أول ما تتجه في أمثال هذه المناسبات الى أناقتهن والى تحصيل الأسباب التي تجعل إحداهن أكثر جاذبية وفتنة من الأخرى.
  وأنا لا أريد أن أقول أن مستلزمات الأناقة التبرج أو أن التبرج من مستلزمات الأناقة ، ولا أريد أن أدعو إلى التقشف ولكني أريد أن أنبه اللاتي جعلن في التبرج والتأنق عماد شخصيتهن أن الواقع يؤكد أن هذا شيء ثانوي لا يعدو كونه إرضاءً للرجل ولو بسبعين واسطة .

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 91 ـ

المَرأة وَالملكيَة
  للمرأة المسلمة الحق الكامل في التملك الشخصي والتصرف الكلي فيما تملك من مال وعقار ، وفي كل أدوار حياتها ، سواء أكانت بنتاً أو زوجاً أو أماً ، وفقاً للنظام العام ، وليس للزوج المسلم حق في أن يتصرف بما يخص زوجته المسلمة أو أن يمس شيئاً مما تملك بغير إذن منها ورضاء .
  ومن هذا نرى أن الإسلام قد أعطى بتشريعه هذا للزوجة المسلمة حقوقاً لم تحصل عليها في تشريعات أي حضارة أخرى منذ أقدم العصور وحتى الآن، ففي الشرائع الحديثة التي تعتبر القمة في التشريع البشري وُضعت شروط عامة للزواج وَرُبِطَ عقد الزواج بعقد آخر أطلق عليه إسم عقد ترتيب أملاك الزوجين ، وهذا العقد يجعل ثروة الزوجة الى حد كبير تحت سيطرة الزوج ويحرمها من

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 92 ـ

  سيطرتها المطلقة بوصفها مالكة للمال ، بينما يمنح هذه السيطرة للزوج لا على ماله فحسب بل على مال زوجته أيضاً وفقاً لأحد أشكال أربعة سمح القانون بصياغة العقد طبقاً لأي واحد منها تبعاً لما يقع عليه اختيار الزوجينـ ، والأشكال الأربعة هي كما يلي :
  أولاً ـ شركة الزوجين وهو تقسيم أملاك الزوجين إلى ثلاثة : قسم عام للزوجين غير قابل للقسمة وقسم خاص بالزوج وقسم خاص بالزوجة ، وللزوج وحده حق إدارة الأقسام الثلاثة كرئيس للشركة .
  والثاني ـ بدون شركة أو استبعاد الشركة : وهو أنه لا يوجد في هذا القسم أملاك عامة فكل زوج يحتفظ بأملاكه الخاصة لكن للزوج وحده حق إدارة أملاكه وأملاك زوجته واستثمارها .
  الثالث ـ فصل الأملاك ، وفي هذا القسم منافع الزوجين منفصلة فكل واحد منهما يحتفظ بملكيته لأملاكه واستغلالها وإدارتها على شريطة أن تترك الزوجة إلى زوجها جزءاً من إيرادها اشتراكاً معه في نفقات المعيشة.
  الرابع ـ المهر وهو تقسيم أملاك الزوجة إلى مهر

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 93 ـ

  وغير مهر : فالمهر ما جعلته المرأة مهراً عند الزواج من أملاكها أو ما أعطي إليها في عقد ترتيب أملاكها من أقاربها مثلاً ، وللزوج حق إدارته واستثماره فقط .
  ولنقف الآن عند الشكل الأول من هذه النظم وهو شكل الشركة الزوجية ، ففيه أن للزوج إدارة ماله الخاص ومال الزوجة الخاص ومال الشركة ، وحق إدارة أملاك شركة الزوجية خاص بالزوج كرئيس لها وهو حق خوله له القانون فلا يجوز انتقاصه ولا الغاؤه بشرط في عقد ترتيب أموال الزوجين ، وسلطة الزوج في إدارة الأموال المشتركة تكون في الأعمال الإدارية ومباشرة رفع الدعاوى أمام القضاء ، وفي الأعمال الإدارية المحضة تكون سلطة الزوج فيها غير محدودة فيؤجر ويستأجر العقار من غير تحديد ، وله قبض الإيراد وله أن يتصرف فيه كما يريد ويقبض رأس المال من غير مراقبة ولا إذن من أحد.
  وكذلك له السلطة غير المحدودة في التقاضي ، فسلطة الزوج في ذلك غير محدودة وليس للزوجة الرجوع عليه بأي تعويض ولو أخطأ خطأ فاحشاً أو أدار إدارة سيئة أو بذر تبذيراً يجعله مسؤولاً قانونياً فهو يعمل كمالك حقيقي ليس عليه أي مسؤولية قبل أي شخص كان ، وللزوج أيضاً.

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 94 ـ

  إدارة أملاك الزوجة الخاصة لكن سلطة الزوج في ذلك تختلف عن سلطته في إدارة أموال شركة الزوجية كالآتي :
  أولاً ـ لا يجوز منع الزوج من مباشرة سلطته في إدارة أموال شركة الزوجية حتى ولو بشرط في عقد ترتيب أموال الزوجين ولكن منع الزوج من إدارة أملاك الزوجة الخاصة يجوز اشتراطه في عقد ترتيب أموال الزوجية فيمكن للزوجة بعد الشرط أن تحتفظ بإدارة أملاكها لنفسها خاصة .
  ثانياً ـ سلطة الزوج على أموال شركة أموال الزوجية سلطة مطلقة كمالك حقيقي ولكن سلطته على أملاك الزوجة الخاصة سلطة إدارة عادية فقط .
  ثالثاً ـ الزوج غير مسؤول في إدارته السيئة والإسراف والتبذير في شركة أموال الزوجية بخلاف إدارة أملاك الزوجة الخاصة فهو مسؤول عن كل خطأ أو إسراف أو تبذير كمدير عادي ، وعلى هذا فنحن نرى أن سلطة الزوج على الزوجة في أملاكها الخاصة أقل منها في أموالها الخاصة إذا صح لنا أن نعتبر أن تلك الأموال تعتبر أموالاً لها بعد الزواج.

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 95 ـ

  ولكن عقد الزواج في التشريع الإسلامي لا يتعدى شخص الزوجين الى مالهما أو عقارهما اطلاقاً فلا علاقة للزوج بمال زوجته إطلاقاً لأي سبب كان. فالزوجة حرة في أن تبيع وتشتري وترهن وتوكل من تشاء لما تشاء بلا معارضة من الزوج إلاّ في حدود القانون العام من إسراف أو تبذير أو سفه مثلاً فليس للزوج إذاً دخل في مالية الزوجة ولا في أهليتها.
  فهي كاملة الأهلية في التصرف بأموالها وأملاكها قبل الزواج أو بعده بلا فارق ، ومهما كانت الزوجة غنية فليست ملزمة في المساهمة بنفقات البيت ولا في نفقات الأولاد وإذا أنفقت فإنما تنفق نتيجة لروح التعاون لا لحق شرعي أو عرفي. والمهر وما يدفع الى الزوجة قبل الزواج أو بسببه من الزوج او من غيره من الأقارب والأصحاب هو ملك خالص للزوجة لاشأن للزوج به ككل أملاكها وأموالها.
  هذا هو الزواج في الإسلام وهذه هي المقارنات التشريعية بينه وبين باقي القوانين الوضعية وهذه هي أحكام المرأة في الإسلام والتي تدل على أن الزوجة المسلمة قد

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 96 ـ

  حصلت على حق لها في تشريعات الإسلام كما لم تحصل عليه أي زوجة في أي حضارة .
  ثمّ هذه هي المرأة الغربية وقد أعطيناك عنها لمحة موجزة إذ هي زوجة ورأينا استغلال الرجل لها وتلاعبه بأموالها دون حسيب أو رقيب .
  وبعد كل هذا يقال أن المرأة الغربية حرة متحررة وأن المرأة المسلمة أسيرة مستعبدة ، ونحن لو أردنا أن نأتي على جميع المقارنات التشريعية للمرأة المسلمة والمرأة الغربية لضاق بنا المجال ، ولعلنا سوف نبحث هذا الموضوع في رسالة أخرى إنشاء الله ، ولكن الآن يكفينا لإثبات حرية المرأة المسلمة وعبودية المرأة الغربية هذا المثل الواحد الذي ذكرناه في حق المرأة بالتملك .
  وقد قنعت المرأة الغربية من الرجل أنه فتح أمامها أبواب الخلاعة والتكشف وهيأ لها سبيل الاستهتار والتبرج ، وحتى هذا فإنه لم يكن لحساب المرأة الغربية ولا كان إرضاءً لها ولرغبتها الخاصة بل كان لحساب الرجل وإشباعاً لنزواته ورغباته ، فحتى في عالم الخلاعة والتبرج ليست المرأة الغربية مختارة حرة وإنما هي خاضعة أيضاً

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 97 ـ

  لشركة جسدية تقابل الشركة المالية ويكون للرجل في هذه الشركة حق التصرف والاختيار ، أيضاً فقد تعجبه التسريحة الفلانية أو الزينة الفلانية وقد لا يعجبه الزي الفلاني أو التصميم الفلاني ، وفعلاً فإن أكثر مصممي الأزياء من الرجال يخلعون على المرأة الزي الذي يروق لهم والذي يرضي عيونهم وأذواقهم .
  وعلى كل حال فإن المرأة الغربية مسخرة للرجل ولميوله ونزواته .
  وأما الإسلام فهو لا يقيد المرأة المسلمة بأي قيد ولا يوجه اليها أي تكليف خاص بها دون الرجل إلاّ بالحجاب ، والحجاب كما قدمنا في الفصول السابقة ضرورة من ضروراتها وحقيقة واقعية من حقيقتها الأنثوية وليس له أي أثر على سلوكها العام أو الخاص ...
  فتصوروا أيهما شريعة الكرامة والحرية الحقيقية بالنسبة للمرأة ، شريعة تقول : من تزوج امرأة لمالها حرمه الله من مالها لأنها تريد من الرجل أن ينظر الى المرأة بالمقاييس الإنسانية لا يالمقاييس النقدية وأن يعتبرها شريكة له في حياته لا تجارة رابحة ، وبين شريعة أخرى تنزل

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 98 ـ

  بالزواج عن مفهومه الإنساني الخير وتربط بينه وبين إنشاء شركة مالية لحساب الرجل يخرج فيها الرجل وهو يملك كل شيء وتخرج منها المرأة وهي لا تملك شيئاً سوى جواز المرور الذي حصلت عليه من الرجل نفسه .
  نعم سوى جواز المرور في الشارع والدخول إلى المنتديات متكشفة متهتكة .
  بقي علينا الحديث عن مسألة قد تثار بشأن ملكية المرأة وحقها من التملك في الإسلام وهي مسألة الإرث، إذ أن الإسلام جعل للرجل فيه مثل حظ الأنثيين ، وقد تفسر هذه التفرقة لحساب الرجل.
  ولكن الواقع أن هذا الفرق مرتبط بوضع الالتزامات التي وضعها الشارع بين الرجل والمرأة فالرجل المسلم هو المسؤول الشرعي والعرفي لأعمال الزوجة والبيت وهو المكلف بتهيئة مؤونة العيش ومستلزمات الحياة لمن يعول ، ولهذا فإن من حقه الطبيعي أن يختلف عن المرأة في الإرث ويكون له من الإرث مثل حظ الأنثيين على العكس تماماً من المرأة المسلمة فهي غير مسؤولة شرعاً

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 99 ـ

  ولا عرفاً عن أي نفقة أو صرف كما قدمنا في هذا الفصل ولذلك فليس في هذا أي هضم لحقوق المرأة ولا أي مكسب للرجل دونها من الميراث فهي في الحقيقة تشاركه في الزيادة التي يأخذها باعتبار المسؤولية التي تقع على الرجل تجاهها .

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 101 ـ

المَرأة البنت
  قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( نعم الولد البنات ملطفات مجهزات مؤنسات ) هذا هو التقريظ النبوي المقدس للبنت وهذه هي فكرة الإسلام عن الوليدة وعن أهميتها في الوجود.
  وقد يعتبر هذا الحديث طبيعياً في مثل هذا العصر وبعد أن ركز الإسلام للمرأة كيانها الخاص وبعد أن عمت فكرة الإسلام عن كون البنت والولد في ميزان واحد. ولكن هذا الحديث جاء على لسان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في عصر كانت العوائد الجاهلية فيه مستحكمة وكانت البنت فيه موؤدة خوفاً من عار بقائها في الحياة.
  وكان من أسباب عار الرجل أن يكون أبا بنات حتى أن أعداء رسول الله ( صلى الله عليه وله وسلم) كانوا يجعلون من أبوة رسول الله للبنات سبيلاً إلى الاستهزاء والسخرية ، وقد جاء في

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 102 ـ

  الروايات أن رسول الله ( صلى الله عليه وله وسلم) بشر بإبنته فنظر الى وجوه أصحابه فرأى الكراهة فيهم فقال : مالكم ؟ ... ريحانة أشمها ورزقها على الله عزّ وجلّ.
  وهكذا نرى أن الإسلام أرتفع بالبنت الموؤدة الى ريحانة وإلى خير الولد ، وقد روي عن رسول الله الأعظم ( صلى الله عليه وله وسلم ) أنه قال : إن الله تبارك وتعالى أرقّ على الإناث منه على الذكور وما من رجل يدخل فرحة على أمرأة بينه وبينها قرابة إلاّ فرَّحه الله يوم القيامة.
  وهكذا وعلى هذا النحو غرس الإسلام في صدور المسلمين حب البنات وأفهمهم أنها فلذة لهم مثلها في ذلك مثل الولد سواء بسواء ، وجاء في الروايات أنه ولد لرجل من أصحاب الإمام أبي عبد الله ( عليه السلام ) جارية فدخل على أبي عبد الله فرآه مسخطاً فقال له : أرأيت لو أوحى الله إليك أن أختار لك أو تختار أنت لنفسك ما كنت تقول ؟ قال : كنت قول يا رب تختار لي ، قال : فإن الله عزّ وجلّ قد اختار لك ، ثمّ قال : إن الغلام الذي قتله العالمُ الذي كان مع موسى وهو قول الله عزّ وجلّ ، ( فأردنا أن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خيراً منه زكاة وأقرب رحماً )

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 103 ـ

  الكهف / 81 ، أبدلهما الله عزّ وجلّ بجارية ولدت سبعين نبياً.
  وقد روي عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أيضاً أن رجلاً تزوج بالمدينة فلما جاءه سأله أبو عبد الله كيف رأيت ؟ فقال : ما رأى رجل من خير من إمرأة إلاّ وقد رأيته فيها ، ولكن خانتني ، فقال : ما هو ؟
  قال : ولدت جارية ، فقال أبو عبد الله : لعلك كرهتها ، إن الله عزّ وجلّ يقول : ( آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً ) ، النساء / 11 ، وهذه الرواية تدلنا على المهمة العسيرة التي واجهت الإسلام في مطلعه الأول عندما ركز للبنت مقاماً معترفاً به شرعياً ورسمياً وعاطفياً ، فبعد مضي حوالي القرن نرى أن هذا الرجل يعتبر أن زوجته قد خانته لأنها ولدت له جارية ، وهذا هو السبب في كثرة الروايات التي وردت عن النبي يحبب فيها البنت ويقربها إلى القلوب ويجعلها ريحانة ونعم الولد.

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 105 ـ

البنتُ حِينَما تُصبحُ زَوجَة
  الزوجة في الإسلام هي رباط مقدس يقوم على أساس الوفاء والحب والإخلاص ، وقد اهتم الإسلام في هذه الناحية من حياة المرأة المسلمة وأعطى الزوجة الصالحة مفهوماً طاهراً واضحاً لا لبس فيه ولا غموض ، ولا هضم فيه لحق أي من الطرفين : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ ) (1).
  ومن هذا نعرف أن الإسلام جعل من العلاقة الزوجية علاقة متكافئة ، للزوجة فيها ما للزوج وعليها ما عليه ، وأما الدرجة التي أعطيت للرجل على المرأة فذلك مرده لتكوين المرأة وتكوين الرجل.
  فالمرأة ، ونظراً لطبيعتها التي خلقت لها ، تكون

**************************************************************
(1) سورة البقرة آية 228 .

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 106 ـ

  أضعف من الرجل وأرق ، وهي تتعرض في أدوار معينة من حياتها إلى أعراض طبيعية لها التأثير البالغ على قواها الجسمانية والفكرية خلافاً للرجل الذي هو في منأى عن أمثال هذه الأعراض وآثارها النفسانية والجسمانية ، وقد أكد الطب القديم والحديث على هذه الناحية وعلى أن المرأة وفي معدل 58% تتعرض في أدوار معينة ونتيجة لتركيبها العضوي وكيانها الأنثوي الى أعراض من نتائجها تقليل قوة إمساك الحرارة في الجسم ، وإعاقة النبض عن السرعة وهبوط في ضغط الدم ، وتقليل عدد خلاياه .
  وتؤثر هذه الأعراض أيضاً على الغدد الصماء واللوزتين وعلى الغدد اللمفاوية وتقلل إخراج أملاح الفوسفات والكلوريد من الجسم ، ويختل فيها الهضم ويقل فيها التحام الشحم والأجزاء الهيولينية في المأكولات مع أجزاء الجسم ، وفيها يبلد الحس وتتكاسل الأعضاء وتتخلف الفطنة والذكاء وقوة تركيز الأفكار إلى آخر هذه الأعراض التي تكون المرأة في معرض لتلقيها بين حين وحين ، ووجود أمثال هذه الأعراض أو بعضها من حقه أن يؤثر على المرأة وعلى وجودها الاجتماعي ، وهذا ضرورة من ضرورات المرأة ونتيجة من نتائج تقسيم الوظائف بين

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 107 ـ

  البشر ، ولذلك فهي تحتاج دائماً وأبداً إلى من يشدها في جميع الأحوال وإلى من يسندها في كل وقت وهي ستجد في الرجل وجودها الثاني الذي لا يطرأ عليه أي تغير أو تبديل .
  ولذلك جعل الإسلام للرجل درجة على المرأة وليس في هذا أي إجحاف لحق المرأة أو أي ظلم لها ، بل هو نتيجة طبيعية لما قدمناه ، وكذلك في أوقات الحمل الذي يعد أقدس مهمة تنجزها المرأة في الحياة تصاب أكثر النساء بأعراض كثيرة تكون من مستلزمات الحمل وتوابعه وتستهلك هذه الأعراض من المرأة جهداً بدنياً شاملاً ، وقد صرح كثير من الأخصائيين أن الشهر الأخير من أشهر الحمل لا يصح فيه أن تكلف المرأة جهداً بدنياً أو فكرياً وعند ذلك أيضاً يأتي دور الرجل الزوج لكي يسيِّر معها دفة الحياة ، والمرأة بطبيعتها الناعمة تحتاج الى ركن قوي تستشعر في ظله الأمن والرضاء.
  ولو لم يكن للرجل على المرأة درجة لأصبح الرجل بالنسبة للمرأة كواحدة غيرها من النساء وعند ذلك تفقد هذا الشعور الذي تحتاجه كل أنثى وهو شعورها بأنها في حمى مكين وبأنها مسنودة إلى جبهة قوية .

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 108 ـ

  فالمرأة كما عرفنا لا يمكن لها بأي حال من الأحوال أن تتجرد عن أنوثتها التي هي ضرورة من ضرورات وجودها الإنساني، والأنوثة تعني الرقة والنعومة ، والرقة والنعومة لابد لها ممن يعوضها عن ضعفها بقوته وعن رقتها بصلابته .
  وإلاّ فإنَّ الإسلام هو أول نصير للزوجة بجميع أحكامه ومفاهيمه ، وقد جاء في الروايات عن رسول الله ( صلى الله عليه وله وسلم ) أنه قال : خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي. وجاء في الروايات أن النساء في عهد النبي كُن قد وجدن فيه لأنفسهن نصيراً مشفقاً وملجأً حتى أنهن كُن يشكين اليه أدنى اعتداء يصلهن من أزاجهن وكان أزواجهن يحذرون أن يبدر منهم إليهن ما يشكينه الى النبي .
  وجاء في الروايات عن الرسول ( صلى الله عليه وله وسلم) أنه قال : خير متاع الدنيا المرأة الصالحة ، وجاء عنه أيضاً : ليس من متاع الدنيا شيء أفضل من المرأة الصالحة .
  وعلى هذا النحو جعل الإسلام من الزوجية نموذجاً جديداً وأسبغ عليها مفاهيم سامية لا لبس فيها ولا غموض ، والزوجة في الشريعة الإسلامية لها من الحقوق الزوجية ما عليها ، وبهذا أوجد الإسلام من الزوجية رباطاً

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 109 ـ

  محكماً ثابت القواعد له شروطه وأحكامه وليس متعة لهوٍ عابرة ، فالزوجة إذن ليست آلة مستخدمة للرجل وليست وسيلة لإنجاز مهامه وقضاء حوائجه ، وليس للرجل عليها أي حق في هذا الباب كما قد أجمعت عليه الروايات والأخبار وأجمع عليه أيضاً جميع الفقهاء ، وقد ترك الإسلام التعاون القائم بين الزوجين الى رغبة الزوجين في هذا التعاون وأستعدادهم لذلك ولا ريب أن الحب المتبادل والمودة التي جعلها الله بينهما تدفعهما إلى التعاون وتحبب اليهما ذلك التعاون ، فهو تعاون متكافئ قائم على أساس الحب والرحمة والإخلاص .
  وعلى هذا فإن المرأة لا تشعر بأي غضاضة في ذلك فهي مخيرة لا مسيَّرة ومندفعة لا مدفوعة ، وبما أن بيت الزوجية هو مملكة الزوجة الخاصة وعشُّها السعيد فلا ريب إذن من أن تكون المرأة أكثر اندفاعاً لتعمير هذا العش وتشييده من الرجل الذي يكون نطاقه أوسع من البيت وأعم ، فالمرأة عندما تشعر أنها هي القائدة الواقعية للبيت وللمجتمع الصغير الذي تحسُّ فيه براحةٍ نفسية اذا أحسنت قيادته وحدها وأثبتت كفاءتها لتلك القيادة التي هي في الواقع بداية لقيادة المجتمع الواسع.

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 111 ـ

الزَوجَة حِينَما تصبحُ أمَّاً
  الأمومة رسالةٌ مقدسة كُلفت المرأة بأدائها نظراً لكون دور الأمومة هو أدق أدوار الوظائف في الحياة ، والمرأة ولكونها عاطفية بالطبع والفطرة يكون لها من عاطفتها الفياضة دافعً يشدها الى تحمل مهام هذا الدور ومشاكله ، والأم وفي كل عصر من العصور كانت لها الأهمية القصوى في ذلك العصر وكانت الأمم المتقدمة تولي الأم اهتماماً خاصاً وتتخيرها وتنتقيها من بين مئات من النساء .
  فقد كان يتفق للرجل قبل الإسلام أن يقتني العديد من الجواري والزوجات ولكنه يحدد نسله في واحدة يكون على ثقة من عراقة أصلها وأصالة فرعها ولكن ذلك كله كان لحساب الولد لا لحساب الأم بما هي أم ، ولكن الإسلام فتح أمام الأم آفاقاً جديدة أخرى تخص شخصها وكيانها الخاص ، فمكانة الأم قبل الإسلام مكانة آلة الإنتاج التي يحرص

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 112 ـ

  على أن تكون سليمة مستحكمة لكي تنتج الإنتاج السليم ، ومكانة الأم بعد الإسلام مكانة الواهبة للحياة بما يستلزم ذلك من حقوق والتزامات ، ولذلك فقد خولها الإسلام إمكانيات واسعة وجعلها تحس بأنها تلد الولد لنفسها وللمجتمع وليس للمجتمع فحسب ، وجعل الولد يشعر بأنه مدين بحياته ونشأته للأم ، وبذلك ارتفع بها من دائرتها الضيقة في الأمومة الى أفقٍ عال من الرفعة والمكانة ، وأصدق دليل على ذلك ما جاء عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال : الجنة تحت أقدام الأمهات .
  فهل هناك غاية في السمو أعلى من أن تكون الأم طريقاً للجنة ومن أن يكون رضاؤها باباً يلج منه المؤمن إلى جنات النعيم .
  نعم الجنة التي وعد المتقون بها والتي هي غاية كل مسلم وحصيلة عمر ينقضي بالخير والصلاح تكون تحت أقدام الأمهات ، وتكون الأم هي الطريق المؤدي اليها برضاها عن الولد وبإرضائه لها ، فالإسلام يعلم أن الأم وبما تكابده لأجل وليدها من آلام ومحنٍ وأسقام جديرة بأن تكون وسيلة لولدها في دخول الجنة ، وأن يكون إرضاؤها

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 113 ـ

  شرطاً أساسياً من شروط الإيمان الكامل والإسلام الحقيقي ، سواء أكانت الأم أرفع من الولد أصلاً أو دونه في الأصل والنسب فهي أم وكفى .
  هذه هي حكمة الإسلام ورحمته تجاه الأم ، فالإسلام لا يقر لولد مهما كان شريف الحسب والنسب أن يتطاول على أمه وإن كانت جارية ، فحق الأمومة في شريعة الإسلام حق مقدس لا يتغير ولا يتبدل مهما اختلفت الظروف والأحوال ، والواقع أن العقل والمنطق يؤيدان هذا ويؤكدانه ، فإن الولد لا يمكن له أن ينال الحياة إلاّ بعد أن تغذيه الأم من دمها وبعد أن تحمله معها في أحشائها وتحميه في كل جارحة من جوارحها ، ولا يمكن له أن يعيش أيضاً إلاّ إذا كفلته أمه في رعايتها وغذته من لبنها وأحلته في أحضانها.
  وعلى هذا فإن الولد في الواقع قطعة من الأم قد انفصلت عنها وتكونت الى جنين ، فهل يمكن لبعض الشيء أن يعلو على بعضه ؟ وهل يمكن للثمرة أن تسمو على الشجرة ؟ وهل يمكن للوردة أن تباهي الغصن ؟ ولولا الغصن لما كان هناك زهرة على وجه الأِض، والإسلام لاحظ هذا ولاحظ المشاكل التي تحدث من جراء هذا

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 114 ـ

  الشعور الذي كان الأولاد يشعرون به قبل الإسلام تجاه الأم التي هي دونهم في الأصل والنسب ، فأراد أن يخول الأم وأي امّ مكانها الذي يمكنها من حفظ كيانها في كل المجالات والظروف ، وتلزم أولادها الطاعة لها مهما اختلفت عنهم في الأصل والنسب ، وقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وله وسلم ) يكرر في أكثر من مناسبة قوله : ( وإنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد ) مع أن أم الرسول ( صلى الله عليه وله وسلم ) كانت من أعرق أسر قريش وأطهرها نسباً وحسباً ، وقد جاء في الروايات أيضاً أن رجلاً سأل رسول الله ( صلى الله عليه وله وسلم) عن حق الوالدين فأجابه الرسول قائلاً : أمك ثمّ أمك ، ثمّ أمك ثمّ أبوك .
  فالأم بطبيعتها الأنثوية ورقتها الطبيعية تهب لوليدها من حنانها وعطفها أكثر مما يعطي الأب بل أكثر مما يتمكن أن يعطيه الأب ، نظراً لتكوينه الخاص الذي لا يمكنه من الاندفاع وراء عواطفه في الوقت الذي تكون فيه الأم سريعة الاندفاع وراء عواطفها قليلة التمكن من التحكم في مشاعرها ، فعلى هذا فإنَّ الولد يستهلك من عطف الأم وحناهها اكثر مما يستهلك من عطف الأب وحنانه ، وإن كان الحب الواقعي عند الوالدين في حد سواء .

المرأة مع النبي ( ص ) في حياته وشريعته   ـ 115 ـ

  وهذا هو السبب في تأكيد رسول الله على حق الأم ثلاث مرات ، ونحن لا ننكر أن للولد حقاً عند أمه وأن على الأم أيضاً أن تحسن تربية الولد وتغذي روحياته وتحميه من مهاوي الانزلاق بالمقدار الذي تمكنها منه قابلياتها ومعارفها ، وعلى الأم أن تشعر بخطر مسؤولياتها وهي تضطلع بدور الأمومة ، وعليها أيضاً أن تعرف أنها مسؤولة عن النشء الذي تنشئه أمام الله وأمام المجتمع ، ولذلك فإن من ضرورات الأمومة الصالحة أن لا تكون الأم جاهلة لكي تتمكن من معرفة الطرق السليمة في التربية، وأنا لا أريد أن أقول أن على كل أم أن تأخذ دبلوماً من معاهد التربية مثلاً .
  ولا أقصد مثل هذا من قريب أو بعيد ولكني أعني أن الأم يجب أن تكون بصيرةً بأمور دينها ومجتمعها ، تتمكن من تفهم المشاكل الاجتماعية بسهولة وتتمكن من معرفة الأخطار التي تترتب من جراء تلك المشاكل بسرعة لكي تجنب وليدها تلك المشاكل.
  وعلى العموم فالأم يجب أن تكون واعية وعياً إسلامياً كاملاً لكي تتمكن من أن تنشيء وليدها على أسس الإسلام ومفاهيمه الواقعية.