ـ سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله ـ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم : أن يقسم لها ميراثها ما ترك رسول الله ممّا أفاء الله عليه . فقال لها أبوبكر : إنّ رسول الله قال : لا نورّث ما تركناه صدقة .
فغضبت فاطمة بنت رسول الله فهجرت أبا بكر .
فلم تزل مهاجرته حتى توفّيت .
وعاشت بعد رسول الله ستة أشهر "
(1) .
فقال التفتازاني :
" وأمّا توقّف علي ـ رضي الله عنه ـ في بيعة أبي بكر رضي الله عنه فيحمل على أنه لما أصابه من الكآبة من الحزن بفقد رسول الله ، صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم لم يتفرّغ للنظر والاجتهاد ، فلمّا نظر وظهر له الحق دخل فيما دخل فيه الجماعة " .
ولا أظنّ التفتازاني نفسه يرتضي هذا الحمل ، ولكنه من " ضيق الخناق " !
إنّه يقول هذا بالنسبة إلى " علي " ، أمّا بالنسبة إلى غيره فيقول :
  " إنّهم اشتغلوا بأمر الإمامة عن دفن الرّسول " !!
  ولا يعرّض التفتازاني ـ ولا غيره ـ إلى الجواب عن إباء الزهراء الصدّيقة وامتناعها من البيعة لأبي بكر ، حتى أنّها توفّيت ولم بتايعة ، ولم يحملها بعلها على البيعة ، وهما يعلمان بأنّ " من مان ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة " !
  والزهراء ـ كما يعلم الجميع ـ بضعة الرّسول وروحه التي بن جنبيه ، من أغضبها فقد أغضبه ، كما في الأحاديث المتفق عليها ، والتي لأجلها قال غير واحدٍ من أعلام السنّة بكونها أفضل من الشيخين
(2) .
  ومن هنا يظهر الجواب عمّا جاء في كلام العضد وشارحه والتفتازاني وغيرهم
---------------------------
(1) صحيح البخاري . كتاب الخمس ، وفي باب غزوة خيبر . أخرجه هو مسلم في باب قوله " ص " : لا نورّث .
(2) فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير 4 | 421 .
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 25 _
من : أنه عليه السلام لو كان هو المنصوص عليه بالإمامة لما ترك محاجّة القوم ومخاصمتهم ، وإظهار النص عليه والتمسّك به (1) .
  السّنة عيال على المعتزلة :
  لكنّ أهل السّنة ـ إذا أمعنت النظر وأنصفت ـ لا أساس لما يقولون به في مسألة الامامة ، بل إنّ غاية ما يحاولونه توجيه ما فعله القوم ، وتبرير ما هو الواقع تاريخياً ، أمّا أنّ الحق ما هو ؟ وما الذّي أراده الله ورسوله منهم ؟
  كما أنهم يحاولون الردّ على الأدلة العقلية والنصوص المتفق عليها ... لكنّهم في هذه المرحلة عيال على متكلّمي المعتزلة ، فإنّ مباحث الامامة في ( المواقف ) و ( المقاصد ) ـ وهما أهّم كتب القوم في الكلام ـ مأخوذة ـ في الأغلب ـ من الفخر الرازي ، وهو في أغلب بحوثه عيال على المعتزلة .
  فالشبهات التي طرحوها حول " العصمة " مأخوذة من كتاب ( المغني ) للقاضي عبدالجبار بن أحمد المعتزلي المتوفى سنة 415 ، الذي ردّ عليه الشريف المرتضى المتوفى سنة 436 بكتاب ( الشافي ) (2) .
  وكذا إنكار ظهور المعجزة على يد الإمام وعلمه بالمغيّبات (3) .
  وكذا حملهم نصوص إمامة أمير المؤمنين على زمن ما بعد عثمان (4) .
  وكذا دعوى التفتازاني أنّ النصّ الجلي على أمير المؤمنين ممّا وضعه هشام بن الحكم ونصره فلان وفلان (5) .
  وهكذا غيرها ... كما لا يخفى على المتتبّع .
---------------------------
(1) شرح المواقف 8 | 354 ، شرح المقاصد 5 | 360 .
(2) الشافي 1 : 137 ، 300 .
(3) الشافي 2 | 26 .
(4) الشافي 2 | 305 .
(5) الشافي 2 | 119 .