بإمام ظاهر قاهر ... ) .
أقول :
  قد عرفت أنّ " الإمامة " نيابة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وخلافة عنه في كلّ ما لأجله بعث ، فهي من توابع " النبوة " وفروعها ، فكلّ دليل قام على وجوب بعث النبي وإرسال الرسول فهو دال على وجوب نصب الإمام النائب عنه والقائم مقامه في وظائفه ...
  ومن ذلك قاعدة اللّطف ، وهو : ما يقرّب العبد إلى الطاعة ويبعّده عن المعصية ، ولا حظّ له في التمكين ، ولا يبلغ الإلجاء ، لتوقّف غرض الّلطف عليه ، فإنّ المريد لفعل من غيره إذا علم أنّه لا يفعله إلاّ بفعل المريد من غير مشقة لو لم يفعله لكان ناقضاً لغرضه ، وهو قبيح عقلاً
(1) .
  ولا ريب في أن " الإمام " كذلك مثل " النبي " .
  فنصب الإمام واجب على الله كبعث النبي ، لتكون
( فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) (2) و
( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ ) (3) و
( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) (4) .
  وحينئذ لا يقال : " أنه لا وجوب عليه تعالى ، ولا حكم للعقل في مثل ذلك " لأنّ معنى هذا الوجوب العقلي درك العقل حسن إرسال ونصب الإمام ، إذا بذلك يعرف الله ويعبد ، وهذا هو الغرض من الخلقة حيث قال سبحانه :
( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) (5) ، ولو تركه لكان ناقضاً لغرضه .
  فسقط منع وجوب اللّطف ، ولعلّ منشأ المنع هو الغفلة عن حقيقة
---------------------------
(1) الباب الحادي عشر : 35 .
(2) سورة الأنعام : 149 .
(3) سورة النساء : 165 .
(4) سورة الأنفال : 42 .
(5) سورة الذاريات : 56 .
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 47_
الإستدلال .
  وسقط أيضاً النقض بالإمام المعصوم الغائب ، ولعل منشأه الغفلة عن حقيقة الإمامة ، وتوهّم كونها السلطنة الظاهرية فحسب ... وقد عرفت أنها منصب إلهي كالنبوة ، فكما أن النبوة قد تجتمع مع السلطنة الدنيوية والحكومة الظاهرية وقد تفترق عنها والنبوة باقية ، كذلك الإمامة ... و " البعث " و " النصب " من الله في جميع الأحوال على حاله ، و " النبي " و " الامام " باقيان على النبّوة والإمامة ... وعلى الناس الإنقياد لهما والتسليم لأوامرهما ونواهيهما ... ولا إلجاء من الله كما عرفت ، فإن فعلوا إجتمعت الرئاستان وتمّ اللطف ، وإلاً افترقتا ولم تبطل النبوة والإمامة ، بل خسرت الأمة فوائد بسط اليد ونفوذ الكلمة منهما ... على أنّ وجود النبي أو الإمام الفاقد للسلطنة الظاهرية ينطوي على بركات وآثار ، حتى ولو كان غائباً عن الأبصار ...
  هذا موجز الكلام في بيان الإستدلال بقاعدة اللطف ، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى الكتب الكلامية لأصحابنا الإمامية ، كالذخيرة والشّافي وتلخيصه وتجريد الإعتقاد وشرحه وغيره من كتب العلامة الحلّي وشروحها وغير ذلك ...
  واستدل أيضاً : بأنه قد ثبت أن شريعة نبيّنا عليه وآله السلام مؤبدة ، وأن المصلحة لها ثابتة إلى قيام الساعة لجميع المكلّفين ، وإذا ثبت هذا فلا بدّ لها من حافظ ، لأنّ تركها بغير حافظ إهمال لها ، وتعبّد للمكلّفين بما لا يطيقونه ويتعذّر عليهم الوصول اليه .
  وليس يخلو الحافظ لها من أن يكون جميع الأمّة أو بعضها .
  وليس يجوز أن يكون الحافظ لها الأمة ، لأن الأمّة يجوز عليها السّهو والنسيان وارتكاب الفساد والعدول عمّا علمته .
  فإذن ، لا بدّ لها من حافظ معصوم يؤمن من جهته التغيير والتبديل والسهو ، ليتمكّن المكلّفون من المصير إلى قوله .
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 48_
  وهذا الامام الذي نذهب إليه
(1) .
  وقد أشير في الكتاب إلى هذا الإستدلال وترك بلا جواب .
  واستدل أيضاً بانّه : قد ثبت أنه ليس كل ما تمسّ الحاجة إليه من الشريعة على حجّة قاطعة من تواتر أو أجماع أو ما جرى مجراهما ، بل الأدلة في كثير من ذلك كالمتكافئة ، ولولا ما ذكرناه ما فزع خصومنا إلى غلبة الظن والإستحسان وإجتهاد الراي ، وإذا ثبت ذلك ، وكنّا مكلّفين بعلم الشريعة والعمل بها ، وجب أن يكون لنا مفزع نصل من جهته إلى ما اختلف أقوال الأمة فيه .
  وهو الإمام الذي نقوله .
  وهذا دليل آخر على وجوب إمام معصوم في كلّ زمان ...
  وهناك غير ما ذكر من الأدلة .
  فهذا جملة من الأدلة العقلية على أنّ نصب الإمام بيد الله بيد الأنام ... وفي الكتاب والسنة أدلّة عديدة على أن لا دخل للناس في نصب الإمام وتعيينه ، من ذلك قوله تعالى :
( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) (2) .
  ومن ذلك ما ثبت عو النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من أنّه لما عرض نفسه على بعض القبائل ودعاهم إلى الإسلام قال له رجل منهم :
  " أرأيت ان نحن بايعناك على أمرك ثم أظفرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك ؟
  قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء "
(3) .
شروط الإمامة :
قوله (349) :
---------------------------
(1) تلخيص الشافي 1 | 133 ، شرح التجريد : 285 .
(2) سورة القصص : 68 .
(3) السيرة النبوية لابن هشام 2 | 66 ، السيرة الحلبية 2 | 154 .
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 49_
  ( الجمهور على أن أهل الإمامة ومستحقها من هو مجتهد في الأصول والفروع ... ) .
  لم يتعرّض في هذه الشروط التي نسبها إلى " الجمهور " لمذهب أصحابنا ... فنقول : إن مذهب أصحابنا أنّ الإمامة منصب إلهي كالنبوة ، وطريق تعيين الإمام هو النصّ أو ما يقوم مقامه لا غير ، فكلّ ما يعتبر في النبوة معتبر في الإمامة ، وكلّما ليس بمعتبر في النبوة فليس معتبراً في الإمامة ، وكما أن النبي ليس بمجتهد بل هو مبلّغ لما أمره الله تعالى بإبلاغه بالوحي كذلك الإمام فهو مبلّغ لما أخذه وتعلّمه من النبي ...
قوله (350 ـ 351)
  ( وههنا صفات أخرى في أشتراطها خلاف :
  الأولى : أن يكون قرشياً ...
  الثانية : أن يكون هاشمياً ، شرطه الشيعة .
  الثالثة : أن يكون عالماً بجميع مسائل الدين ، وقد شرطه الإمامية .
  الرابعة : ظهور المعجزة على يده ، إذ به يعلم صدقه في دعوى الإمامة والعصمة ، وبه قال الغلاة .
  ويبطل هذه الثلاثة أنا ندل على خلافة أبي بكر ، ولا يجب له شيء مما ذكر .
  الخامسة : أن يكون معصوماً ، شرطها الإمامية والإسماعيلية .
  ويبطله أن أبابكر لا عصمة له إتفاقاً ) .
أقول :
  أما الأول ـ وهي أن يكون قرشياً ـ فلم يتعرّض لرأي أصحابنا فيها مع أنّهم قائلون بإشتراطها ، وحديث " الأئمة من قريش " ، لم يثبت عندنا إستدلال الصحابة به بل الثابت عن عمر القول بخلافه .
  وأمّا دليل القول الآخر : وهو مارووه عن النبي صلّى الله عليه وآله سلّم أنه
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 50_
  قال : " وعليكم بالسمع والطاعة ولو عبداً حبشياً " فحديث باطل مختلق ، لكن القوم قائلون بحصته ، ولذا حمل في الكتاب وغيره على بعض الوجوه
* .
  وأما الثلاثة التي بعدها فقد أبطلها بدليله على خلافة أبي بكر وكونه إماماً ، مع أنه لم يكن هاشمياً ، ولم يكن عالماً بمسائل الدين ، ولم تظهر على يده معجزة ولا كرامة ، وفي هذا الكلام ـ مع الإعتراف بجهل أبي بكر بمسائل الّدين ، وهو الواقع كما لا يخفى على من له إلمام بالأخبار والسّير والتواريخ ، والاعتراف بعدم ظهور شيء مما يقتضي أن يكون له كرامة عنه الله على يديه ـ دلالة على أنه إذا بطل دليل خلافته ثبت اعتبار تلك الصفات .
  هذا ، ولا يخفى أنه قد نسب الثانية والثالثة إلى " الشيعة " ونسب الرابعة إلى " الغلاة " ولسنا ندري من يعني من " الغلاة " ؟ ولماذا هذا التفريق ؟ مع أنّ الرابعة منصوص عليها في كتاب أصحابنا في طريق تعيين الإمام ، قال الشيخ أبو جعفر الطوسي : " فصل في إيجاب النص على الإمام أو ما يقوم مقامه من المعجز الدالّ على إمامته "
(1) .
  وقال العلاّمة الحلّي : " الإمام يجب أن يكون منصوصاً عليه ، لأنّ العصمة من الأمور الباطنة التي لا يعلمها إلاً يعلمها إلاّ الله تعالى ، فلا بدّ من نص من يعلم عصمته عليه أو ظهور معجزة على يده تدل على صدقه "
(2) .
  لكن العمدة في الصفات المعتبرة ـ كما اعترف في الكتاب : 352 ـ المعصمة
---------------------------
* وقد أخرج هذا الحديث في بعض الصّحاح عن العرباض بن سارية عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في وصيّة له وموعظة للمسلمين فيها الأمر باتّباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده واطاعة من تولّى أمورهم ولو كان عبداً حبشيّاً ، وهو حديث باطل ساقط بجميع طرقه فراجع رسالتنا الخاصّة به وهي مطبوعة في مجلة " تراثنا " العدد : 26 .
(1) تلخيص الشافي 1 | 275 .
(2) الباب الحادي عشر بشرح المقداد 48 .