وأيضاً : فالإجماع قائم على أفضلية النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عند الله من جميع الأنبياء ، وقد قال صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فيما رواه أبوبكر كذلك أيضا عنه ـ : ( علي مني كمنزلتي من ربّي )
.
إلى غير ذلك من الأدلة كتاباً وسنةً على أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام من جميع الأنبياء ، ومنها حديث التشبيه الدال على المساواة بينه وبينهم ، لكونه جامعاً ما تفرق فيهم من الصفات ... وقد اعترف إبن روزبهان بدلالة الحديث على ذلك ، فاضطرّ إلى الطّعن في سنده . لكن لا قدح فيه في الكتاب لا في المتن ولا في الشرح .
وبما ذكرنا من الحديث وإقرار أبي بكر بأفضلية علي ، وكذا ما رواه القوم عن الإمام الحسن السبط عليه السلام أنه خطب بعد وفاة علي فقال : ( لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون بعلم ولا يدركه الآخرون )
يظهر أن أئمة أهل البيت عليهم السلام وأئمة السنة متفقون على أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام من جميع الانبياء ، فأين الإجماع الذي ادعي في الكتاب ولم يدّعه إبن روزبهان وغيره ؟
( فلا يعارضه نحو : أفرضكم زيد وأقرؤكم أبي ، فإنّهما يدلاّن على التفضيل في علم الفرائض وعلم القراءة فقط ) .
مولانا أمير المؤمنين عليه السلام موقوف على ثبوت الكلامين عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، إلاّ إنّهما قطعة من حديثٍ طويل نصّ علماء الحديث منهم على ضعفه بل رجّح بعضهم وضعه ، ولو شئت لنظرت في رجاله ، وذكرت كلمات القوم ، وفصّلت الكلام عليه ، لكنّ ذلك يخرجنا عن وضع الكتاب ، ويكفيك أن تراجع ( الجامع الصغير وشرحه )
(1) .
قوله (370) :
( فقال عمر في كلّ واحدةٍ من القضيّتين : لو لا علي لهلك عمر ) .
أقول :
بل في عشراتٍ من القضايا مثلهما ... فبالله عليك ! لو نصب لك شخص لترجع اليه في المسائل الشرعية التي تبتلي بها يوميّاً لتعمل على طبق قوله ، فسألته يوماً عن مسألة فقال لا أدري ، ثم سألته في اليوم الثاني عن أخرى فقال : لا أدري ، ثم سألته بعد ذلك عن ثالثة فقال : لا أدري ... ألا تعترض على من أدري ، ثم سالته بعد ذلك عن ثالثة فقال : لا أدري ... ألاتعترض على من نصبه وتقول : أيّ عالمٍ هذا ؟ وما الفرق بيني وبينه ، وما الّذي رجّحه على غيره ؟
لقد قال عمر ـ غير مرة ـ : ( كلّ النّاس أفقه من عمر حتّى المخّدرات ) !!
هذا ، والأعلمية من شرائط الامامة ، وبها تنحقق الأفضلية كما نصّ عليه كبار العلماء كالتفتازاني ، فالمتصّدي للخلافة والنيابة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله يجب أن يكون أعلم الامة بجميع ما يحتاج إليه ، وعلى ذلك دلّ الكتاب والسنّة والعقل ، وأمير المؤمنين أعلم الامة بجميع ما يحتاج إليه ، وعلى ذلك دلّ الكتاب والسنّة والعقل ، وأمير المؤمنين أعلم الأمة في جميع العلوم ويكفي للدّلاة على ذلك مطلقاً حديث ( أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها ) .
وقوله عليه السلام : ( لو كسرت لي الوسادة ... ) وإن على إحاطة علمه بما في الكتب ، لكنّ المقصود ليس هذا ، بل إثبات إمامته وخلافته بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بلا فصل ، وأنّه لو أطاعته الأمة ومكّنته لاستفادت الأمم كلّها
---------------------------
(1) فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير 1 | 460 .
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 138 _
من علومه ، لا كالذي ولّوه فلم يعرف ( الأب ) و ( الكلالة ) ... !! وأين هذا المعنى من اعتراض أبي هاشم ودفاع الشّارح (370) !!
علي عليه السلام أزهد الأمّة
أقول :
لا خلاف في أنّ امير المؤمنين عليه السلام أزهد الأمة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في ذلك الزمان ... ومن كان أزهد الناس كان أفضل ، فتعبير الكتاب ناقص ، علي عليه السلام أسخى الناس قوله (371) :
( الثالث الكرم ... )
أقول :
لا ، بل كان أكرم الناس ، أي أسخاهم ، لفقد جاد بنفسه في سبيل الله فأنزل الله فيه الآيات ، وتصدّق بجميع ماله عدة مرّات وبخاتمه في الصلاة فأنزل الله فيه الآية : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ ... ) وجاد بقوته ثلاثة أيام فنزلت سورة هل أتى ... وهذه الصفة تستلزم الأفضلية ...
علي عليه السلام أشجع الناس
قوله (371) :
( الرابع : الشجاعة ... ) .
أقول :
من فضائله البدنية جهاده في الحروب ، وهل تشدّت مباني الدّين وتثبتت
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 139 _
قواعده وظهرت معالمه إلاّ بسيفه ؟ أليس كان بإمكانه أن ينهزم يوم أحد كما انهزم غيره ؟ أليس كان بإمكانه أن يجلس في الخندق كما جلس غيره ؟ ألم يكن الفتح يوم خيبر على يده بعد أن رجع غيره يجبّن قومه ويجبنّونه ؟
علي عليه السلام أحسن الناس خلقاً
قوله (371) :
( الخامس : حسن الخلق ... وقد قال عليه السلام حسن الخلق من الإيمان ) .
أقول :
نعم حسن الخلق من الإيمان ، فمن لن يسجد لصنم قط ، بل كان أول من أسلم ، بل هو الذي كسر الاصنام الما صعد على منكب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لابد أن يكون أحسن خلقاً ممن قضى شطراً من عمره في عبادة الاوثان فكان فظاً غليظ القلب ...
وكان عليه السلام أيضاً : أحلم الناس ... كما شهد له بذلك النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في قوله لفاطمة : ( زوّجتك من أقدم الناس سلماً وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً )
(1) .
علي عليه السلام قالع باب خيبر
قوله (371) :
( السادس : مزيد قوّته حتى قلع باب خيبر بيده ... ) .
أقول :
أي بعد أن عجز عنه المسلمون كما روى الخطيب
(2) وغيره .
---------------------------
(1) مسند أحمد بن حنبل 5 | 26 .
(2) تاريخ بغداد 11 | 324 .
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 140 _
علي عليه السلام أقرب الناس إلى النبي
قوله (371) :
( السابع : نسبة وقربه ... ) .
أقول :
هذا من فضائله الخارجية ، فإن أحداً لم يلحقه في شرف النسب ... والقرب الذي طالما تمنّاه عمر بن الخطاب ... فكان عليه السلام أقرب الناس إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كما اعترف بذلك أبوبكر أيضاً كما في الحديث المتقدم ... وهي تستلزم الإمامة والخلافة كما تقدم سابقاً .
شرف زوجته وأولاده
قوله (371 ـ 372) :
( الثامن : اختصاصه بصاحبة كفاطمة وولدين ... ) .
أقول :
فضائل فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وولديها الحسن والحسين عليهم السلام لا تعد ولا تحصى ، وهي ليست بفضائل تميّزوا بها في هذه الأمة فقط ، بل إنها أوجبت أفضليتهم حتى من الأنبياء ... ثم إن الأئمة من ولد الحسين السّبط الشهيد عليه السلام كذلك ... مفضّلون على جميع الأنبياء بالأدلة العامة والخاصّة الواردة في كلّ واحد منهم ... بحيث لا يعدّ كون فلان سقاءً في داره وكون فلان بوّاباً لداره شيئاً في قبالها ...
خلاصة الكلام في هذا المقام
أنه قد عرفت أن أمير المؤمنين عليه السلام لا يقاس به أحد من الأولين والآخرين عدا رسول رب العالمين صلّى الله عليه وآله وسلّم ... فإنّه كان معصوماً جامعاً لجميع صفات الكمال النفسانية والبدنية والخارجية ... وعلى
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 141 _
رأسها العلم والتقوى ، إذ كان أعلم الأمة وأتقالها بلا خلاف بين المسلمين ... وأما كمالاته وصفاته البدنية فقد استخدمها في تثبت الدين والدعوة اليه والدفاع عنه وعن رسوله ، فما خذل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في يوم من الأيام ، وما ادّخر جهداً في حفظه وفي النكاية من عدوه وفي أعلاء كلمة الإسلام ...
وكل ذلك ـ بغض النظر عن النصوص ـ مستلزم لأن يكون الإمام بعد النبي عليه السلام ... ليستمر الأمر على يده كما كان في عهده .
وأما أبوبكر ... فما كان له شيء من تلك الصفات كما يعترف بذلك العلماء من أتباعه ، كما يعترفون بعدم النص عليه من الله ورسوله ... نعم هناك في بعض كتبهم : إن أبابكر لمّا أسلم إشتغل بالدعوة إلى الإسلام فأسلم علي يده فلان وفلان ... وهذا لو ثبت لم يدل على شيء له ، إذ كان هذا شأن كل واحد من الصحابة ... ثم إن جهود كلّهم لو وضعت في كفة ووضعت جهود علي في كفة لرجحت كفته ، بل إن ( ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين ) كما في الحديث الصحيح الثابت المعترف به في الكتاب أيضاً .
فظهر أن أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أمر ثابت ، وليس لغسره فضيلة ثابتة سنداً تامة دلالة كي يتوهم وقوع التعارض .
وعلى هذا يسقط قوله 372 :
( والجواب عن الكلّ : إنّه يدلّ على الفضيلة وأمّا الأفضلية فلا ... ) .
وقوله :
( واعلم أن مسألة الأفضلية لا مطمح فيها في الجزم واليقين ... ) .
فإن الأفضلية ثابتة بالقطع واليقين ... ولا أثر بعد عين ... !
وقوله :
( وليست هذه المسألة يتعلق بها عمل فيكتفى فيها بالظن ، بل هي مسألة علمية يطلب فيها اليقين )
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 142 _
فإن اليقين حاصل .
وقوله :
( والنصوص المذكورة من الطرفين بعد التعارض لا تفيد القطع ... ) .
فإن التعارض فرع الحجية ، ولم يتم شيء من أدلة القول بأفضلية أبي بكر وإمامته ( كما لا يخفى على المنصف ) ، فدعوى التعارض ساقطة ، والتشكيك في إفادة أدلة إمامة أمير المؤمنين عليه السلام للقطع ... مردود ، فإنه حتى الآحاد منها تفيد القطع لأنها أحاديث متفق عليها بين الفريقين ... فأمير المؤمنين عليه السلام هو أفضل الأمة ، والأفضل هو المتعين للإمامة كما ستعرف .
قوله : ( ولكنا وجدنا السلف قالوا ... ) .
أقول :
أولاً : السلف لم يقولوا كذلك ، فإنهم اختلفوا ، منهم من فضّل أمير المؤمنين عليه السلام على أبي بكر وعمر وعثمان ، ومنهم من فضّله على عثمان ، ومنهم من توقف ... فلاحظ كتب تراجم الصحابة وفضائلهم ، ولو سّلمنا أن السلف قالوا كذلك فما الدليل على حجية قولهم ؟
نعم يبقى شيء واحد ، وهو قوله :
( وحسن ظنّنا بهم ... ) .
وفيه أولاً : لا دليل على حسن الظن هذا .
وثانياً : سلمنا ، لكن ترفع اليد عنه إذا قام الدليل على خلافه .
وقوله :
( وتفويض ما هو الحق فيه إلى الله ) .
ظاهر في عدم جزمه بالمطلب ... وكذلك بعض كلماته السابقة على هذه الجملة ...
وكذلك الشارح ... ولعلة لذا اضطر إلى زيادة وجه آخر معتمداً فيه على الآمدي الذي عرفته سابقاً !!
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 143 _
المقصد السادس
في أمامة المفضول مع وجود الفاضل
قوله (373) :
( منعه قوم لأنه قبيح عقلاً... وجوّزه الأكثرون ... وفصّل قوم ... ) .
أقول :
الأدلة على عدم جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل كثيرة مذكورة في الكتب المفصّلة وقد ذكرنا بعضها سابقاً ، لا حاجة إلى إيرادها هاهنا بعد أن قال الشارح 365 في توجيه جعل الشورى بين الستة :
( وانما جعلها شورى بينهم لأنّه رآهم أفضل ممّن عداهم وأنه لا يصلح للإمامة غيرهم ) .
وقال ابن تيمية :
( تولية المفضول مع وجود الأفضل ظلم عظيم ... )
(1) .
وقال محبّ الدّين الطبري : ( قولنا : لا ينعقد ولاية المفضول عند وجود الأفضل )
(2) ،
وكذا قال غيرهم .
فظهر أن القول بمنع إمامة المفضول متفق عليه بين الإمامية وغيرهم ، فيكون إمامته باطلةً بالكتاب والسنة والعقل والإجماع .
وحيث أن ظاهر الماتن والشارح هنا هو التوقف عن تجويز إمامة المفضول ، وقد كانا غير جازمين بأفضلية أبي بكر ، كان اللازم عليهما عدم الجزم بحقية خلافة
---------------------------
(1) منهاج السنّة 3 | 277 .
(2) الرياض النضرة ـ باب خلافة أبي بكر .
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 144 _
أبي بكر .
أما أصحابنا فقد أثبتوا من الكتاب والسنة المتفق عليها أفضلية أمير المؤمنين ن وقد ثبت عدم جواز إمامة المفضول مع وجود الافضل ، فتكون النتيجة إمامة أمير المؤمنين عليه السلام .
المقصد السابع
في الكلام حول الصحابة
قوله (373) :
( يجب تعظيم الصحابة كلهم والكف عن القدح فيهم ، لأن الله عظّمهم وأثنى عليهم في غير موضع من كتابه ، والرسول قد أحبهم وأثنى عليهم في أحاديث كثيرة ) .
أقول :
لابدّ أولاً من تعريف الصّحابي ، فقد اختلفت كلماتهم في تعريفه ، والذي يهمّنا الآن رأي الماتن والشارح ، لنبني البحوث اللاحقة :
قال ابن الحاجب : ( الصّحابي من رأى النبي عليه الصلاة والسلام وإن لم يرو ولم تطل ) .
فقال الماتن في شرحه : ( قد اختلف في الصحابي ، فقيل من رأى الرسول عليه الصلاة والسلام وإن لم يرو عنه حديثاً ولم تطل صحبته له ، وقيل : إن طالت الصحبة ، وقيل : إن اجتمعا أي طول الصحبة والرواية .
والحق : أن المسألة لفظية وإن ابتني عليها ما تقدم من عدالة الصحابة ، لنا : إنّ الصحبة فعل يقبل التقييد بالقليل والكثير ... ) .
فهو إذن موافق لابن الحاجب في أنه " من رأى النبي " فقط .
ووافقهما الشارح التفتازاني مع إضافة قوله : وإن كان أعمى ، وهذه عبارته : ( قوله : الصحابي من رآه صلّى الله عليه وآله وسلّم أي : مسلم رأي النبي يعني
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 145 _
صحبه ولو أعمى ، وفي بعض الشروح : أي رآه النبي عليه الصلاة والسلام )
(1) .
فالصحابي : ( من رأى النبي أو رآه النبي ) ، هذا هو الموضوع الذّي اختاره هناك .
والحكم الذي اختاره هنا هو : ( يجب تعظيم الصحابة كلهم والكف عن القدح فيهم ) .
فيكون الحاصل : يجب تعظيم كل من رأى النبي أو رآه النبي والكف عن القدح فيه ...
وهل يرضى بهذا أحد ؟ وما الدليل عليه ؟
ثم ما معنى " تعظيم الصّحابة كلهم والكف عن القدح فيهم " ؟
أما ( الكف عن القدح فيهم ) فلا يختص بالصحابة ، لأنّه ان أريد من الكف عن القدح عدم الإتهام والرمي بالقوادح ، فالسلم لا يجوز رميه والإفتراء عليه مطلقاً ، وإن أريد منه عدم ذكر المساوي والقوادح الموجودة فيهم ، فكلذ مسلم يجب الكف عن إشاعة معايبه والسّتر على نقائصه ، إلاّ إذا اقتضت الضرورة ، كما في أبواب الإخبارات والشهادات ، ومن هنا كان وضع علم الرجال والجرح والتعديل لهم .
وأما ( تعظيمهم ) فإن أريد منه حفظ حرمتهم ، فهذا لا يختص بهم بل يعمّ المسلمين جميعاً ، وإن أريد القول بعدالتهم كلّهم فهذا مختلف فيه ، ولاأولى أن نذكر عبارة الماتن في شرح المختصر :
قال ابن الحاجب : ( مسألة : الأكثر على عدالة الصحابة ، وقبل كغيرهم ، وقيل : إلى حين الفتن فلا يقبل الداخلون لأن الفاسق غير معيّن ، وقالت المعتزلة عدول إلاّ من قاتل علياً ، لنا : والذين معه . أصحابي كالنجوم ، وما تحقق بالتواتر تعنهم من الجد في الامتثال ، وأمّا الفتن فتحمل على اجتهادهم ،ولا إشكال بعد
---------------------------
(1) شرح مختضر الأصول 2| 67 .
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 146 _
ذلك على قول المصوبة وغيرهم ) .
قال الماتن بشرحه : ( أقول : أكثر الناس على أن الصحابة كلهم عدول وقيل : هم كغيرهم فيهم العدل وغير العدل فيحتاج إلى التعديل ، وقيل : هم كغيرهم إلى ظهور الفتن أعني بين علي ومعاوية ، وأمّا بعدها فلا يقبل الداخلون فيها مطلقاً ، أي من الطرفين ، وذلك لأن الفاسق من الفريقين غير معيّن فكلاهما مجهول العدالة فلا يقبل ، وأما الخارجون عنها فكغيرهم . وقالت المعتزلة : هم عدول إلاذ من علم أنه قاتل علياً فإنه مردود .
لنا ما يدلّ على عدالتهم من الآيات نحو قوله
( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) أي عدولاً ، وقوله :
( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) وقوله :
( وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ) .
ومن الحديث نحو قوله : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ، وقوله : خير القرون قرني ثم من بعدهم الأقرب فالأقرب ، وقوله في حقهم : لو أنفق أحد مثل الأرض ذهباً لما نال مدّ أحدهم ، ولنا أيضاً ما تحقق عنهم بالتواتر من الجلد في أمتثالهم الأوامر والنواهي وبذلهم الأموال الأنفس ، وذلك ينافي عدم العدالة ، وأما ما ذكروه من الفتن فيحمل على الإجتهاد
(1) ) .
أقول :
فالماتن يقول هناك بعدالة الصحابة كلّهم ، ويستدل لهذا القول بنفس الأدلة التي يستدل بها أو نحوها في هذا الكتاب على ( وجوب تعظيم الصحابة كلّهم والكف عن القدح فيهم ) فلماذا غيّر العبارة من العدالة إلى هذا القول ؟
لا يبعد عدوله عن ذلك الرأي ، ولأنّ غاية ما تدل عليه تلك الأدلة ـ إن تمت سنداً ودلالة ـ هو وجوب إكرامهم وإحترامهم وعدم إشاعة قوادحهم ومطاعنهم ، فيكون حالهم كحال غيرهم من المسلمين ، ( فيهم العدل وغير
---------------------------
(1) شرح المختصر في الأصول 2 | 67 .
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 147 _
العدل ، فيحتاج إلى التعديل ) .
كما أنه يجوز ـ بل قد يجب ـ ذكر ما صدر منهم مما يوجب الفسق إذا احتيج إلى ذلك ... فضلاً عن حمل ذلك على الإجتهاد أو غيره من المحامل ... وهذا هوالقول الثاني من الأقوال المذكورة ، وهو الحق .
فظهر أن غاية مدلول ما استدل به في الكتاب كتاباً وسنةً ، هو المدح فلو فرض تمامية تلك الأدلة سنداً ودلالةً فإنها تكون مخصّصةً بالأدلة الدالة على جواز ـ وأحياناً وجوب ـ الذم والطعن والقدح والجرح ، لئلا يقتدي أحد بهكذا أناس في عقائده وأفعاله ، ولا يرتّب الأثر على رواياتهم وأقوالهم وشهاداتهم .
نعم حديث ( أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم ) الذي استدل به الماتن تبعاً لابن الحاجب يدل على عدالة الصحابة جميعاً وجواز الاقتداء بكل واحد منهم في أقواله وأفعاله ... لكنه حديث ( باطل ) ، ( منكر ) ، ( موضوع ) كما نص على ذلك كبار الأئمة والحفاظ أمثال : أحمد بن حنبل ، البزار ، ابن عدي ، الدار قطني ، ابن حزم ، البيهقي ، ابن عبدالبر ، ابن عساكر ، ابن الجوزي ، ابن دحية ، الذهبي ، الزين العراقي ، ابن حجر العسقلاني ، السخاوي ، السيوطي ، المتقي ، القاري ، ...
* .
فالعجب من الماتن كيف استدل به هناك ، ولقد أحسن إذ لم يستدل به هنا ؟!
وكيف يكون كلّهم عدوالاً ؟ وفي القرآن المجيد آيات بنفاق بعضهم ، وفي السنّة الصحيحة تصريح بأن أكثرهم يذادون عن الحوض يوم القيام ؟ ومن تأمل في سيرتهم ووقف على أحوالهم في الكتب الموثوق بها وجد كثيراً منهم ( لما يدخل الايمان في قلوبهم ) .
فكما أن فيهم أناساً ثبت ( جدّهم في الدين وبذلهم أموالهم وأنفسهم في
---------------------------
(*) تجد كلمات هؤلاء وغيرهم في رسالتنا حول الحديث ، وهي مطبوعة في هذه المجموعة .
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 148 _
نصرة الله ورسوله ) كذلك فيهم أناس ثبت ارتكابهم الكبائر الموبقة الموجبة للقصاص والحدود ... كما لا يخفى على من راجع السير المعتبرة والتواريخ المتقنة ، ( نحن لا نلوّث كتابنا بأمثال ذلك ، وهي مذكورة هي المطولات ، وقد ذكرنا بعضها تبعاً للكتاب ) .
فمن يليق بالتعظيم وبالإقتداء منهم القسم الأول ، وهم الذين بقوا بعد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم على هدية وسنته ، حافظين لشريعته ووصيته وهي :
( إني يوشك أن أدعى فأجيب وإني تارك فيكم الثلين ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلوا بعدي ، وإنهم لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ) .
أللهم اجعلنا من الثابتين على التوحيد وشريعة خاتم النبيّين ، ومن المتمسكين بالكتاب والعترة الطاهرين ، والحمد الله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله المعصومين .
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 149 _