الفهرس العام

الكلام في الفصل الخامس


الكلام في الفصل السادس



   وأما الكلام في الفصل الخامس ، وهو قول الخصوم : ان دعوى الامامية لصاحبهم أنه منذ ولد الى وقتنا هذا مع طول المدة وتجاوزها الحد مستتر لا يعرف أحد مكانه ولا يعلم مستقره ، ولا يدعي عدد من الناس لقاءه ولا ياتي بخبر عنه ولا يعرف له أثرا (1) .
   خارجة عن العرف ، إذ لم تجر العادة لاحد من الناس بذلك ، إذ كان كل من اتفق له الاستتار عن ظالم لخوف منه على نفسه ولغير ذلك من الاغراض ، تكون مدة استتاره مرتبة ، ولا تبلغ عشرين سنة فضلا عما زاد عليها ، ولا يخفى أيضا على الكل في مدة استتاره مكانه (2) ، بل لابد من أن يعرف ذلك بعض أهله وأوليائه بلقائه ، وبخبر منه ياتي إليهم (3) عنه ، وإذا خرج قول الامامية في استتار صاحبهم وغيبته عن حكم العادات بطل ولم يرج قيام حجة .

---------------------------
(1) س ، ط : ولا يعرف له أثر .
(2) ل ، ع : ومكانه .
(3) س ، ط : لهم ، (*)

الفصول العشرة _ 78 _

   فصل : وليس الامر كما توهمه الخصوم في هذا الباب ، والامامية باجمعها تدفعهم عن دعواهم وتقول : إن جماعة من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي بن محمد عليهم السلام قد شاهدوا خلفة في حياته ، وكانوا أصحابه وخاصته بعد وفاته ، والوسائط بينه ولين شيعته دهرا طويلا .
   في استتاره : ينقلون (1) إليهم عن (2) معالم الدين ، ويخرجون إليهم أجوبة عن مسائلهم فيه ، ويقبضون منهم حقوقه لديهم (3) ، وهم جماعة كان الحسن بن علي عليه السلام عدلهم في حياته ، واختصهم امناء له (4) في وقته ، وجعل إليهم النظر في أملاكه (5) والقيام بمأربه معروفون (6) باسمائهم وأنسابهم وأمثالهم .
   كابي عمر وعثمان (7) بن سعيد السمان (8) ، وإبنه ابي جعفر محمد بن

---------------------------
(1) ل ، ر ، ع : ينفكون .
(2) س ، ط : من .
(3) لديهم ، لم يرد في ل .
(4) ل ، ر : واختصهم امثاله .
(5) ع ، ل ، ر : ملاكه .
(6) ع ، ل ، ر ، س : معروفين ، والمثبت من ط .
(7) ع ، ل ، ر ، س : كابي عثمان ، والمثبت من ط .
(8) أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري السمان ويقال له الزيات الاسدي ، جليل القدر ، النائب الاول لصاحب الزمان ، خدم الامام الهادي وله أحد عشر سنة وله إليه عهد معروف ، وهو وكيل الامام العسكري أيضا .
  رجال الشيخ : 420 رقم 36 ، 434 رقم 22 ، الخلاصة : 126 رقم 2 ، رجال ـ (*)

الفصول العشرة _ 79 _

   عثمان (1) ، وبني الرحبا من نصيبين (2) ، وبني سعيد ، وبني مهزيار بالاهواز (3) ، وبني الركولي (4) بالكوفة (5) ، وبني نوبخت ببغداد (6)

---------------------------
   ـ ابن داود : 133 رقم 991 .
(1) أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري ، الوكيل الثاني لصاحب الزمان عليه السلام ، له منزلة جليلة ، وكان محمد قد حفر لنفسه قبرا وسواه .
   بالساج ، فسئل عن ذلك فقال : للناس اسباب ، ثم سئل بعد ذلك فقال : قد أمرت أن أجمع أمري ، فمات بعد شهرين من ذلك في جمادي الاولى سنة خممس وثلاثمائة وقيل : اربع ، وقال عند موته : امرت أن اوصي إلى الحسين بن روح .
   رجال الشيخ : 509 رقم 101 ، الخلاصة : 149 رقم 57 ، رجال ابن داود : 178 رقم 1449 .
(2) مدينة فيما بين النهرين ـ تركيا حاليا ـ كانت منذ القرن الثالث الميلادي مهد الاداب السريانية حتى سقوطها في أيدي الساسانيين ، المنجد : 710 .
(3) منطقة في غرب ايران على الخليج ، غنية بالنفط ، المنجد : 85 .
(4) ع ، ر : الركورلي ، ل : الركوزفي .
(5) مدينة في العراق على ساعد الفرات ، اتخذها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مقرا له وفيها استشهد ، جعلها العباسيون عاصمة في سنة 749 م ، بالقرب منها النجف ومشهد علي انجبت علماء ومحدثين ونحويين ، كانت مع البصرة مركزا للثقافة العربية . المنجد : 598 .
(6) عاصمة العراق حاليا ، شيدها المنصور العباسي سنة 762 م ، ازدهرت بغداد ازدهارا منقطع النظير بين 754 ـ 833 م ، أخذت بالانحطاط بعد نقل المعتصم العاصمة إلى سامراء ، ودمرها هولاكو وبعده تيمورلنك ، المنجد : 126 ـ 127 ، (*)

الفصول العشرة _ 80 _

   وجماعة من أهل قزوين (1) وقم (2) وغيرها من الجبال (3)، مشهورون بذلك عند الامامية والزيدية ، معروفون (4) بالاشارة إليه به عند كثير من العامة (5) .

---------------------------
(1) بالفتح ثم السكون وكسر الواو ، مدينة مشهورة بينها وبين الري سبعة وعشرون فرسخا ، والى أبهر اثنا عشر فرسخا ، أول من استحدثها سابور ذو الاكتاف .
   معجم البلدان 4 : 342 ـ 344 ، المنجد : 550 .
(2) مدينة في غرب ايران تذكر مع قاشان ، وهي مدينة مستحدثة اسلامية ، وهي خصبة ماؤها من الابار ملحة في الاصل ، وهي محجة للعلوين وفيها قبور أوليائهم ، معجم البلدان 4 : 397 ـ 398 ، المنجد : 557 .
(3) بلاد العراق العجمي شرقي آذربايجان ، تقع فيها قلعة الا موت ، المنجد : 207 .
(4) ع ، ر ، س : معروفين .
(5) روى الشيخ الصدوق عن محمد بن محمد الخزاعي ، قال : حدثنا أبو علي الاسدي عن أبيه ، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي إنه ذكر عدد من انتهى إليه ممن وقف على معجزات صاحب الزمان عليه السلام ورآه من الوكلاء : ببغداد : العمري ، وابنه ، وحاجز ، والبلالي ،والعطار ، ومن الكوفة : العاصم ، ومن أهل الاهواز : محمد بن إبراهيم بن مهزيار ، ومن أهل قم : أحمد بن إسحاق ، ومن أهل همدان : محمد بن صالح .
   ومن أهل الري : البسامي ، والاسدي ، يعني : نفسه ، ومن أهل آذربايجان : القاسم بن العلاء .
   ومن أهل نيسابور : محمد بن شاذان ، ومن غير الوكلاء : من أهل بغداد : أبو القاسم بن أبي حليس ، وأبو عبد الله الكندي ، وأبو عبد الله الجنيدي ، وهارون القزاز ، والنيلي ، وابو القاسم بن دبيس ، وأبو عبداللة بن فروخ ، ومسرور الطباخ مولى أبو الحسن عليه السلام ، وأحمد ومحمد ابنا الحسن ، وإسحاق الكاتب من بني نيبخت ، وصاحب النواء ، وصاحب الصرة المختومة ، ـ (*)

الفصول العشرة _ 81 _

   وكانوا أهل عقل وأمانة وثقة ودراية وفهم وتحصيل ونباهة ، وكان السلطان يعظم أقدارهم بجلالة محلهم في الدنيا ، ويكرمهم لظاهر أمانتهم

---------------------------
   ـ ومن همدان : محمد بن كشمرد ، وجعفر بن حمدان ، ومحمد بن هارون بن عمران ، ومن الدينور : حسن بن هارون ، وأحمد بن اخية ، وأبو الحسن ، ومن اصفهان : ابن باذشالة ، ومن الصيمرة : زيدان ، ومن قم : الحسن بن النضر ، ومحمد بن محمد ، وعلي بن محمد بن اسحاق ، وابوه ، والحسن بن يعقوب ، ومن أهل الري : القاسم بن موسى ، وابنه ، وأبو محمد بن هارون ، وصاحب الحصاة ، وعلي بن محمد ، ومحمد بن محمد الكليني ، وأبو جعفر الرفاء ، ومن قزوين : مرداس ، وعلي بن أحمد ... ومن فاقتر : رجلان ، ومن شهرزور : ابن الخال ، ومن فارس : المحروج ، ومن مرو : صاحب الالف دينار ، وصاحب المال والرقعة البيضاء ، وأبو ثابت ، ومن نيسابور : محمد بن شعيب بن صالح ، ومن اليمن : الفضل بن يزيد ، والحسن ابنه ، والجعفري ، وابن الاعجمي ، والشمشاطي ، ومن مصر : صاحب المولودين ، وصاحب المال بمكة ، وأبو رجاء . ومن نصيبين : أبو محمد بن الوجناء ... ومن الاهواز : الحصيني ، راجع : كمال الدين 2 : 442 ـ 443 رقم 16 ، وراجع أيضا 2 : 476 ـ 479 رقم 26 وفيه قصة الوفد الذي جاء من قم والجبال ، وللتوسعة راجع : نفس المصدر 2 : 434 ـ 482 ، باب 43 ذكر من شاهد القائم عليه السلام ورآه وكلمه ، الغيبة للطوسي : 253 ـ 280 ، كتاب تبصرة الولي فيمن رأى القائم المهدي ، كتاب جنة الماوى في ذكر من فاز بلقاء الحجة إو معجزته في الغيبة الكبرى للمحدث النوري طبع آخر المجلد 53 من البحار 52 : 77 باب 18 ذكر من رآه ، الكنى والالقاب 1 : 91 ـ 93 ، (*)

الفصول العشرة _ 82 _

   واشتهار عدالتهم ، حتى أنه كان يدفع عنهم ما يضيفه إليهم خصومهم من أمرهم ، ضنا (1) بهم واعتقادا لبطلان قذفهم (2) به ، وذلك لما كان من شدة تحرزهم ، وستر حالهم ، واعتقادهم ، وجودة آرائهم ، وصواب تدبيرهم .
   وهذا يسقط دعوى الخصوم وفاق الامامية لهم : أن صاحبهم لم ير منذ ادعوا ولادته، ولا عرف له مكان ، ولا خبر أحد بلقائه .
   فاما بعد انقراض من سميناه من أصحاب أبيه وأصحابه عليهما السلام ، فقد كانت الاخبار عمن تقدم من أئمة ال محمد (3)عليهم السلام متناصرة : بانه لابد للقائم المنتظر من غيبتين ، إحداهما (4) إطول من الاخرى ، يعرف خبره الخاص في القصرى ولا يعرف العام له مستقرا في الطول ، إلا من تولى خدمته من ثقاة (5) أوليائه ، ولم ينقطع عنه إلى الاشتغالبغيره .
   والاخبار (6) بذلك موجودة في مصنفات الشيعة الامامية قبل مولد ، أبي محمد وأبيه وجده عليهم السلام (7) ، وظهر حقها عند مضي الوكلاء والسفراء الذين سميناهم رحمهم الله ، وبان صدق رواتها بالغيبة الطولى ، فكان (8) ذلك من الايات الباهرات في صحة ما ذهبت إليه الامامية ودانت به في

---------------------------
(1) الضن : البخل ، والمراد هنا : اعتزازا بهم وبخلا بهم على غيرهم ، اللسان 13 : 261 ضمن .
(2) ل ، ر ، س : فرقهم .
(3) من قوله : عليهم السلام ، الى هنا لم يرد في ل .
(4) ع ، ل ، ر ، س : احدهما .
(5) ل ، س : تقاة .
(6) ر ، ع : فالاخبار .
(7) راجع مقدمة هذا الكتاب ، رقم 2 ، من كتب عن المهدي .
(8) ل ، س ، ط : وكان ، (*)

الفصول العشرة _ 83 _

   معناه . وليس يمكن أن يخرج عن عادة أزماننا هذه غيبة بشر لله تعالى ، في استتاره تدبير لمصالح خلقه لا يعلمها إلا هو ، وامتحان لهم بذلك في عبادته ، مع أنا لم نحط علما بان كل غائب عن (1) الخلق مستترا (2) بامر دينه لامر يؤمه (3) عنهم - كما ادعاه الخصوم - يعرف جماعة من الناس مكانه ويخبرون عن مستقره .
   وكم ولي لله (4) تعالى ، يقطع الارض بعبادة ربه تعالى والتفرد من الظالمين بعمله ، ونأى بذلك عن دار المجرمين وتبعد بدينه عن محل الفاسقين ، لا يعرف أحد من الخلق له مكانا ولا يدعي انسان له لقاء ولا معه اجتماعا .
   وهو الخضر عليه السلام ، موجود قبل زمان موسى عليه السلام إلى وقتنا هذا ، باجماع أهل النقل واتفاق أصحاب السير والاخبار ، سائحا في الارض ، لا يعرف له أحد مستقرا ولا يدعي له اصطحابا ، إلا ما جاء في القرآن به من قصته مع موسى عليه السلام (5) ، وما يذكره بعض الناس من أنه يظهر أحيانا ولا يعرف ، ويظن بعض من رآه (6) أنه بعض الزهاد فإذا فارق مكانه توهمه المسمى بالخضر ، وإن لم يكن يعرف بعينه في الحال ولا

---------------------------
(1) ع ، ل ، ر : من .
(2) ط : مستتر .
(3) ع ، ر ، ل ، س : يامه ، ومعنى يؤمه : يقصده ، اللسان 12 : 122 مم .
(4) ط : وثم ولي الله .
(5) الكهف 18 : 65 ـ 82 ، وراجع : كمال الدين 2 : 385 ـ 393 .
(6) ل : وبظن بعض رآه ، ط : ويظن بعض الناس رآه ، (*)

الفصول العشرة _ 84 _

   ظنه ، بل اعتقد أنه بعض أهل الزمان ، وقد كان من غيبة موسى بن عمران عليه السلام عن وطنه وفراره (1) من فرعون ورهطه ما نطق به الكتاب (2) ، ولم يظهر عليه أحد مدة غيبته عنهم فيعرف له مكانا ، حتى ناجاه الله عز وجل وبعثه نبيا ، فدعا إليه وعرفه الولي والعدو إذ ذاك .
   وكان من قصة يوسف بن يعقوب عليهما السلام ما جائت به سورة كاملة بمعناه (3) ، وتضمنت ذكر استتار خبره عن ابيه ، وهو نبي الله تعالى ياتيه الوحي منه سبحانه صباحا ومساء ، وأمره مطو عنه وعن إخوته ، وهم يعاملونه ويبايعونه ويبتاعون منه ويلقونه (4) ويشاهدونه فيعرفهم ولا يعرفونه ، حتى مضت على ذلك السنون وانقضت (5) فيه الازمان ، وبلغ من حزن أبيه عليه السلام عليه ـ (6) لفقده ، ويأسه من لقائه ، وظنه خروجه من الدنيا بوفاته ـ ما انحنى له ظهره ، وأنهك (7) به جسمه ، وذهب لبكائه عليه بصره .
   وليس في زماننا (8) الآن مثل (9) ذلك ، ولا سمعنا بنظير له في سواه .

---------------------------
(1) ع ، ل ، ر : وفراله ، والمثبت من س ، ط .
(2) القصص 28 : 21 ـ 32 ، وراجع : كمال الدين 2 : 145 ـ 153 ، قصص الانبياء : 148 ـ 176 .
(3) سورة يوسف ، رقم 12 . وراجع للتفصيل : كمال الدين 1 : 141 ـ 145 ، قصص الانبياء : 126 ـ 138 .
(4) س ، ط : وهم يعاملونه ويبتاعون منه وياتونه .
(5) ع ، ر : ونقصت .
(6) لفظ : عليه ، لم يرد في ل ، س ، ط .
(7) ع ، ر : وانهتك ، ل : وانحل .
(8) ع ، ل ، ر : دعائنا ، والمثبت من س ، ط .
(9) ر : قبل ، (*)

الفصول العشرة _ 85 _

   وكان من أمر يونس نبي الله عليه السلام مع قومه وفراره عنهم عند تطاول المدة في خلافهم عليه واستخفافهم بحقوقه ، وغيبته عنهم لذلك عن كل أحد من الناس حتى لم يعلم بشر من الخلق مستقره ومكانه إلا الله تعالى إذ كان المتولي لحبسه في جوف حوت في قرار بحر ، وقد أمسك عليه رمقه حتى بقي حيا ، ثم أخرجه من ذلك الى تحت شجرة من يقطين ، بحيث لم يكن له معرفة بذلك المكان من الارض ولم يخطر له ببال سكناه .
   وهذا أيضا خارج عن عادتنا (1) وبعيد من تعارفنا ، وقد نطق به القرآن (2) وأجمع عليه أهل الاسلام وغيرهم من أهل الملل والاديان .
   وأمر أصحاب الكهف نظير لما ذكرناه ، وقد نزل القرآن بخبرهم وشرح أمرهم (3) : في فرارهم بدينهم من قومهم وحصولهم في كهف ناء عن بلدهم ، فاماتهم الله فيه وبقي كلبهم باسطا ذراعيه بالوصيد ، ودبر أمرهم في بقاء أجسامهم على حال أجساد الحيوان لا يلحقها بالموت تغير (4) ، فكان (5) يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال كالحي الذي يتقلب (6) في منامه بالطبع والاختيار ، ويقيهم حر الشمس التي تغير الالوان ، والرياح التي تمزق الاجساد فبقوا على ذلك ثلاث مائة سنة وتسع سنين على ما جاء به الذكر الحكيم .

---------------------------
(1) ع ، ل ، ر : عبادتنا .
(2) الصافات 37 : 139 ـ 146 ، وراجع : قصص الانبياء : 251 ـ 253 .
(3) الكهف 18 : 9 ـ 22 ، وراجج : قصص الانبياء : 253 ـ 261 .
(4) ط : تغير بالموت
(5) ل ، س ، ط : وكان .
(6) ر ، س ، ط : ينقلب ، (*)

الفصول العشرة _ 86 _

   ثم أحياهم فعادوا (1) إلى معاملة قومهم ومبايعتهم ، وأنفذوا إليهم بورقهم ليبتاعوا منهم أحل الطعام وأطيبه وأزكاه بحسب ما تضمن القران من شرح قصتهم (2) ، مع استتار أمرهم عن قومهم وطول غيبتهم عنهم وخفاء أمرهم عليهم .
   وليس في عادتنا (3) مثل ذلك ولا عرفناه ، ولولا أن القران جاء بذكر هؤلاء القوم وخبرهم وما ذكرناه من حالهم لتسرعت الناصبة إلا إنكار ذلك كما يتسرع إلى إنكاره الملحدون والزنادقة والدهريون ويحيلون صحة الخبر به وقد تقول : لن يكون (4) في المقدور .
   وقد كان من أمر صاحب الحمار الذي نزل بذكر قصته القرآن (5) ، وأهل الكتاب يزعمون أنه نبي الله تعالى ، وقد كان مر عل قرية وهي خاوية على عروشها فاستبعد عمارتها (6) وعودتها إلى ما كانت عليه ورجوع الموتى منها بعد هلاكهم بالوفاة ، ف‍ ( قال أنى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه ) وبقي طعامه وشرابه بحاله (7) لم يغيره تغيير طبائع (8) الزمان كل طعام وشراب عن حاله ، فجرت بذلك العادة في طعام صاحب الحمار وشرابه ، وبقي حماره قائما في مكانه لم ينفق (9) ولم يتغير عن

---------------------------
(1) ع ، ر ، س : لعادوا .
(2) ع ، ل ، ر : نصيبهم .
(3) ع ، ل ، ر : عبادتنا .
(4) في النسخ : أن يكون ، والظاهر ما أثبتنا .
(5) البقرة 2 : 259 .
(6) ر ، س ، ط : عمارتهم .
(7) لفظ : بحاله ، لم يرد في ل ، ط .
(8) ل ، س ، ط : طباع .
(9) أي : لم يمت ، (*)

الفصول العشرة _ 87 _

   حاله في (1) يأكل ويشرب ، لم يضره طول عمره ولا أضعف ولا غير له صفة من صفاته .
   فلما أحياه (2) الله تعالى ـ المذكور بالعجب من حياة الاموات وقد أماته مائة عام ـ قال له : ( انظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ) ، يريد به : لم يتغير بطول مدة بقائه ، ( وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ) ، يعني : عظام الاموات من الناس كيف نخرجها من تحت التراب ( ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ) فتعود حيوانا كما كانت بعد تفرق اجزائها واندراسها بالموت ( فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ ) ذلك وشاهد الاعجوبة فيه ( قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (3) .
   وهذا منصوص في القران مشروح في الذكر والبيان (4) لا يختلف فيه المسلمون وأهل الكتاب ، وهو خارج عن عادتنا (5) وبعيد من تعارفنا ، منكر عند الملحدين ومستحيل على مذهب الدهرين والمنجمين وأصحاب الطبائع من اليونانيين وغيرهم من المدعين الفلسفة والمتطببين ، على [ أن ] (6) ما يذهب إليه الامامية في تمام استتار صاحبها وغيبته ومقامه على ذلك طول مدته أقرب في العقول والعادات [ مما ] ، أوردناه (7) من أخبار المذكورين في (8) القرآن .

---------------------------
   ـ الصحاح 4 : 560 انفق .
(1) ل ، س ، ط : حتى .
(2) ط : أحيى .
(3) البقرة 2 : 259 .
(4) ع ، ل ، ر : والهان .
(5) ع ، ل ، ر ، ط : عادتها .
(6) زيادة أوردناها لاقتضاء السياق لها .
(7) ل ، ط : أو زيادة .
(8) ع ، ل ، س : من ، (*)

الفصول العشرة _ 88 _

   فاي طريق للمقر بالاسلام إلى إنكار مذهبنا في ذلك ، لولا أنهم بعداء من التوفيق مستمالون (1) بالخذلان . وامثال ما ذكرناه ـ لان لم يكن قد جاء به القرآن ـ كثير ، قد رواه أصحاب الاخبار وسطره في الصحف أصحاب السير والاثار : من غيبات ملوك الفرس عن رعاياهم دهرا طويلا لضروب من التدبيرات ، لم يعرف أحد لهم فيها مستقرا ولا عثر (2) لهم على موضع ولا مكان ، ثم ظهروا بعد ذلك وعادوا إلى ملكهم باحسن حال ، وكذلك جماعة من حكماء الروم والهند وملوكهم .
   فكم (3) كانت لهم غيبات وأخبار باحوال تخرج عن العادات ، لم نتعرض لذكر شئ من ذلك ، لعلمنا بتسرع الخصوم إلى انكاره ، لجهلهم ودفعهم صحة الاخبار به وتعويلهم في إبطاله (4) على بعده من عاداتهم وعرفهم (5) .
   فاعتمدنا القرآن فيما يحتاج إليه منه ، وإجماع أهل الاسلام ، لاقرار (6) الخصم بصحة ذلك وأنه من عند الله تعالى ، واعرافهم بحجة الاجماع .
   لان كنا نعرف من كثير منهم نفاقهم بذلك ، ونتحقق استبطانهم (7) بخلافه ، لعلمنا بإلحادهم في الدين واستهزائهم به ، وانهم كانوا ينحلون

---------------------------
(1) ر ، س : مستمولون .
(2) ع ، ل ، ر ، س : ولا غير .
(3) ع ، ل ، ط : وكم .
(4) ل : على إبطاله .
(5) ل : من عرفهم وعاداتهم .
(6) ل ، ط : لاقرار .
(7) س ، ط : استنباطهم ، (*)

الفصول العشرة _ 89 _

   بظاهره خوفا من السيف وتصنعا أيضا ، لاكتساب الحطام به من الدنيا ، ولولا ذلك لصرحوا (1) بما ينتمون وظاهروا (2) بمذاهب (3) الزنادقة التي بها يدينون ولها يعتقدون ، ونعوذ بالله من سيئ الاتفاق (4) ، ونساله العصمة من الضلال .

---------------------------
(1) ر : يصرحوا .
(2) ع ، ل : فظاهروا ، س ، ط : فتظاهروا .
(3) ع ، ل : لمذاهب ، ر : المذاهب .
(4) س ، ط : سنن النفاق ، ع ، ر ، ل : سئ للاتفاق ، ويحتمل : سني للانفاق ، وما أثبتنا ، هو المناسب للعبارة ، (*)

الفصول العشرة _ 91 _

الكلام في الفصل السادس
   تعلق الخصوم بانتقاض العادة في دعوى طول عمره ، وبقائه على تكامل أدواته (1) منذ (2) ولد على قول الامامية (3) في سني عشر الستين والمائتين وإلى (4) يومنا هذا وهو سنة أحد عشر وأربعمائة ، وفي حملهم (5) في بقائه وحالهوصفته التي يدعونها (6) له بخلاف حكم العادات ، وأنه يدل على فساد معتقدهم فيه .
   فصل : والذي تخيله (7) الخصوم هو : فساد قول الامامية (8) بدعواهم

---------------------------
(1) أي : تكامل قواه وآلاته ، لسان العرب 14 : 25 ادا .
(2) س ، ط : وانه منذ .
(3) ع ، ر : قول للامامية .
(4) س . ط : الى .
(5) ط : حكمهم .
(6) ر ، س : يدعو بها .
(7) ل : يختار .
(8) ع ، ر : قول للامامية ، (*)

الفصول العشرة _ 92 _

   لصاحبهم طول العمر ، وتكامل أدواته فيه ، وبقائه إلى يومنا هذا وإلى وقت ظهوره بالامة (1) ، على حال الشبيبة (2) ، ووفارة (3) العقل والقوة والمعارف باحوال الدين والدنيا .
   وإن خرج عما نعهده نحن (4) الآن من أحوال البشر ، فليس بخارج عن عادات سلفت لشركائه في البشرية وأمثالهم في الانسانية ، وما جرت به عادة في بعض الازمان لم يمتنع وجوده في غيرها ، وكان حكم مستقبلها كحكم ماضيها على البيان .
   ولو لم تجر عادة بذلك جملة (5) لكانت الامة على أن الله تعالى قادر على فعل ذلك تبطل (6) توهم المخالفين للحق فساد القول به وتكذبهم (7) في دعواهم .
   وقد أطبق العلماء من أهل الملل وغيرهم أن آدم أبا البشر عليه السلام عمر نحو الالف (8) ، لم يتغير له إخلق ، ولا انتقل من طفولية إلا شبيبة ، ولا عنها الى هرم ، ولا عن قوة إلى عجز ، ولا عن علم إلى جهل ، وأنه لم يزل على صورة واحدة إلى أن قبضه الله عز وجل إليه (9) .

---------------------------
(1) ط : بالامامة .
(2) س ، ط : التشبيب .
(3) س : ووقارة .
(4) لفظ : نحن ، لم يرد في س ، ط .
(5) ط : ولو لم تجر بذلك عادة جلة .
(6) أي : الادلة .
(7) س ، ط ، ل : وتكذيبهم .
(8) س ، ط : نحو الف .
(9) راجع كمال الدين 2 : 523 رقم 3 ، قصص الانبياء : 54 و 55 و 65 ، (*)

الفصول العشرة _ 93 _

   هذا مع الاعجوبة في حدوثه من غير نكاح ، واختراعه من التراب من غير بدو (1) وانتقاله من طين لازب إلى طبيعة الانسانية ، ولا واسطة في صنعته على اتفاق من ذكرناه من أهل الكتب حسب ما بيناه .
   والقرآن مع ذلك ناطق (2) ببقاء نوح نبي الله عليه السلام في قومه تسعمائة سنة وخمسين سنة للانذار لهم خاصة ، وقبل ذلك ما كان له من العمر الطويل إلى أن بعث نبيا من غير ضعف كان به ولا هرم ولا عجز ولا جهل ، مع امتداد بقائه وتطاول عمره في الدنيا وسلامة حواسه .
   وأن الشيب أيضا لم يحدث في البشر قبل حدوثه في إبراهيم الخليل عليه السلام (3) باجماع من سميناه من أهل العلم من المسلمين خاصة كما ذكرناه ، وهذا ما لا يدفعه إلا الملحدة من المنجمين وشركاؤهم في الزندقة من الدهريين ، فاما أهل الملل كلها فعلى اتفاق منهم (4) على ما وصفناه .
   والاخبار متناصرة بامتداد أيام المعمرين من العرب والعجم والهند ، وأصناف البشر وأحوالهم التي كانوا عليها مع ذلك ، والمحفوظ من حكمهم مع تطاول أعمارهم ، والماثور من تفصيل قضاتهم (5) من أهل أعصارهم وخطبهم وأشعارهم ، لا يختلف أهل النقل في صحة الاخبار عنهم بما ذكرناه

---------------------------
(1) لفظ : من غير بدو ، لم يرد في ط ، وفي ع ، ل ، ر ، س : من غير يد وصح ، والظاهر ما اثبتناه ، إذ لفظ : صح ورد لاجل سقط كان في نسخة ، فتوهم المستنسخ انها من المتن .
(2) العنكبوت 29 : 14 ، وللتفصيل راجع : كمال الدين 2 : 523 رقم 1 و 2 و 3 ، وقصص الانبياء : 84 و 85 .
(3) راجع : قصص الانبياء : 109 .
(4) ع ، ل ، ر : منه .
(5) ع ، ل : تعطل قصاتهم ، ر ، س : تعطل قضاتهم ، (*)

الفصول العشرة _ 94 _

   وصدق الروايات في أعمارهم وأحوالهم كما وصفناه .
   وقد أثبت أسماء جماعة منهم في كتابي المعروف ب‍ الايضاح في الامامة ، وأخبار كافتهم مجموعة مؤلفة حاصلة في خزائن الملوك وكثير من الرؤساء وكثير من أهل العلم وحوانيت الوراقين (1) ، فمن أحت الوقوف على ذلك فليلتمسه من الجهات المذكورة ، يجدها على ما يثلج صدره ويقطع بتامل أسانيدها في الصحة له عذره ، إن شاء الله تعالى .
   وأنا أثبت من ذكر بعضهم ها هنا جملة تقنع ، وإن كان الوقوف على إخبار كافتهم (2) أنجع فيما نؤمه (3) بذكر البعض إن شاء الله .
   فمنهم : لقمان بن عاد الكبير (4) ، وكان أطول الناس عمرا بعد الخضر عليه السلام ، وذلك أنه عاش على رواية العلماء بالاخبار ثلاثة آلاف (5) سنة وخمسمائة سنة ، وقيل : إنه

---------------------------
(1) راجع : كتاب المعمرون : 1 ـ 114 ، كمال الدين 2 : 523 باب 46 ما جاء في التعمير ، مطالب السئول في مناقب آل الرسول الجزء الثاني الباب الثاني عشر ، تذكرة الخواص : 364 ، الغيبة للطوسي : 113 ـ 323 ، البحار 51 : 225 ـ 393 باب 14 ذكر اخبار المعمرين ، تقريب المعارف : 207 ـ 214 ، كنز الفوائد 2 : 114 ـ 134 .
(2) ع ، ل ، ر : كافهم .
(3) أي : نقصدهم ، اللسان 12 : 22 أمم .
(4) وفي بعض المصادر : لقمان بن عاديا ، وفي بعضها : لقمان العادي ، وهو غير لقمان الذي عاصر النبي داود عليه السلام ، وكان من بقية عاد الاولى ، وكان وفد عاد الذين بعثهم قومهم الى الحرم ليستسقوا لهم ، واعطي من السمع والبصر على قدر ذلك ، وله احاديث كثيرة ، المعمرون : 4 ـ 5 ، كمال الدين 2 : 559 ، حياة الحيوان 2 : 351 .
(5) ع ، ر : الف ، (*)

الفصول العشرة _ 95 _

   عاش عمر سبعة أنسر (1) ، وكان ياخذ فرخ النسر فيجعله في الجبل فيعيش النسر منها ما عاش ، فإذا مات أخذ آخر فرباه ، حتى كان آخرها لبد ، وكان أطولها عمرا ، فقيل : طال الامد على لبد .
   وفيه يقول الاعشى (2) : لنفسك إذ تختار سبعة أنسر إذا ما مضى نسر خلدت (3) إلى نسر فعمر حتى خال أن نسورة خلود وهل تبقى النفوس على الدهر وقال لادناهن إذ حل (4) ريشه هلكت وأهلكت ابن عاد وما تدري (5) ومنهم : ربيع بن ضبيع (6) بن وهب بن بغيض بن مالك بن سعد بن عدي (7) بن فزارة (8) .

---------------------------
(1) طائر معروف ، جمعه في القلة أنسر وفى الكثرة نسور ، وسمي نسرا لانه ينسر الشئ ويبتلعه ، وهو أطول الطير عمرا ، وانه يعمر الف سنة ، وهو اشد الطير طيرانا ، ويقال في المثل : أعمر من نسر ، حياة الحيوان الكبرى 2 : 348 ـ 253 .
(2) أبو بصير ميمون بن قيس بن جندل من بن قيس بن ثعلبة الوائلي يعرف باعشى قيس ، ويقال له : اعشى بكر بن وائل ، أحد المعورفين من شعراء الطبقة الاولى في الجاهلية وفحولهم ، وكانت العرب تعنى بشعر الاعشى ، سكن الحيرة وكان كثير الوفود على الملوك من العرب والفرس ، غزير الشعر ، الكنى والالقاب 2 : 38 ، الاعلام 7 : 341 .
(3) في كتاب المعمرون : خلوت .
(4) ع ، ل ، ر : اذخل .
(5) للتفصيل راجع : المعمرون : 4 ـ 5 ، كمال الدين 2 : 559 .
(6) س ، ط : ضبع ، وكذا في كتاب كمال الدين .
(7) ع ، ل ، ر : عيسى .
(8) في بعض المصادر : انه عاش مائتين وأربعين سنة ، وقصته مع عبد الملك ودخوله عليه (*)

الفصول العشرة _ 96 _

   عاش ثلاثمائة سنة وأربعين سنة ، وأدرك النبي صلى الله عليه واله ولم يسلم .
   وهو الذي يقول وقد طعن في ثلاثمائة سنة : أصبح مني الشباب قد حسرا (1) إن ينأ ( 2 ) عني فقد ثرى عصرا والابيات معروفة .
   وهو الذي يقول ايضا منه : إذا كان الشتاء فادفئوني فان الشيخ يهدمة الشتاء وأما حين يذهب كل قرفسربال خفيف أو رداء إذا عاش الفتى ماتين عاما فقد أودى المسرة والفتاء (3) ومنهم :
   المستوغر بن ربيعة بن كعب (4)

---------------------------
   معروفة ، المعمرون : 8 ـ 10 ، كمال الدين 2 : 549 ـ 550 و 561 .
(1) ل : خسرا .
(2) ع ، ر : يراى .
(3) ط : مسرته الفناء ، وفي النسخ الاخرى المسرة والفناء ، والمثبت من كتاب المعمرون وكتاب كمال الدين ، ويروى عجز البيت الاخير أيضا : فقد ذهب التخيل والفتاء .
  والفتاء : الشباب ، لسان العرب 15 : 145 فتا .
   وللتفصيل راجع : المعمرون : 8 ـ 10 ، كمال الدين 2 : 549 ـ 550 ، 2 .
(4) هو : المستوغر بن ربيعة بن كعب بن زيد مناة بن تميم ، عاش زمنا طويلا ، أدرك الاسلام ولم يسلم ، وكان من فرسان العرب في الجاهلية ، المعمرون : 12 ـ 14 ، كمال الدين 2 : 561 ، (*)

الفصول العشرة _ 97 _

   عاش ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين سنة ، وهو الذي يقول : ولقد سئمت من الحياة وطولها وعمرت من عدد السنين مئينا (1) مائة حدتها بعدها مائتان لي وعمرت من عدد (2) الشهور سنينا (3) ومنهم : أكثم بن صيفي الاسدي (4) .
   عاض ثلاثمائة سنة وثمانين سنة ، وكان ممن أدرك النبي صلى الله عليه وآله وآمن به ومات قبل أن يلقاه ، وله أحاديث كثيرة وحكم وبلاغات وأمثال ، وهو القائل : وإن امرأ قد عاش تسعين حجة إلى ماة لم يسأم العيش جاهل خلت مائتان بعد عشر وفائها (5) وذلك من عدى ليال (6) قلائل (7)

---------------------------
(1) ع ، ر : من بعد السنين سنينا ، ل ، س : من بعد الستين مأتينا ، ط : من عدد السنين ماتينا ، والمثبت من كتاب المعمرون .
(2) ع ، ر ، س : بعد .
(3) للتفصيل راجع : المعمرون : 12 ـ 14 ، كمال الدين 2 : 561 .
(4) اكثم بن صيفي أحد بنى اسد بن عمرو بن تميم ، ادرك الاسلام واختلف في اسلامه ، إلا أن الاكثر لا يشك في انه لم يسلم ، ولم تكن العرب تقدم عليه احدا في الحكمة .
   المعمرون : 14 ـ 25 ، كمال الدين 2 : 570 .
(5) كذا في النسخ ، وفي ر : وقادها ، وفي كمال الدين : وفي ست وأربع .
(6) في كمال الدين : وذلك من عد الليالي .
(7) للتفصيل راجع كمال الدين 2 : 570 ، المعمرون : 14 ـ 25 ، (*)

الفصول العشرة _ 98 _

   وكان والده صيفي بن رياح بن أكثم (1) أيضا من المعمرين ، عاش مائتين وستة وسبعين سنة ، ولا ينكر من عقله شئ (2) ، وهو المعروف بذي الحلم الذي قال فيه المتلمس اليشكري (3) : لذي الحلم قبل (4) اليوم ما تقرع العصا وما علم الانسان إلا ليعلما (5) ومنهم :
ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو (6) .
   عاش مائتي سنة وعشرين سنة ، فلم (7) يشب قط ، وأدرك الاسلام ولم يسلم .

---------------------------
(1) ع ، ل : اكثر ، ر : اكبر ، وهو : صيفي بن رباح بن اكثم أحد بني أسد بن عمر بن تميم أبو اكثم ، ومن وصاياه : ... ومن سوء الادب كثرة العتاب ، واقرع الارض بالعصا ، فذهب مثلا ، والقرع الضرب ، والمراد : أن ينبه الانسان صاحبه عند خطئه .
   واصل المثل : ان عامر بن الظرب لما طعن في السن وأنكر قومه من عقله شيئا أمر اولاده ان يقرعوا الى المجن بالعصا إذا خرج من كلامه واخذ من غيره ، الوصايا : 146 ، كمال الدين 2 : 570 .
(2) ع ، ل ، ر : شيئا .
(3) في النسخ اضطراب في ضبط الاسم ، وما أثبتناه هو الصحيح ، وهو : جرير بن عبد المسيح أو عبد العزى من ضبيعة من ربيعة ، شاعر جاهلي ، واخواله بنو يشكر ، راجع : الاغاني 24 : 260 ، الاعلام 2 : 119 ، المعمرون : 58 .
(4) ع ، ل ، ر : فيه ، بدلا من : قبل .
(5) للتفصيل راجع : كمال الدين 2 : 570 ، الوصايا : 146 .
(6) هو : ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص القرشي ، عاش ماتين وعشرين سنة وقل : مائة وثمانين ، وادرك الاسلام فهلك فجاة ، المعمرون : 25 ، كمال الدين 2 : 565 .
(7) ع ، ر : ولم ، (*)

الفصول العشرة _ 99 _

   وروى أبو حاتم (1) [ و ] الرياشي ، (2) ، عن العتبي (3) ، عن أبيه أنه قال : مات ضبيرة السهمي وله مائتا سنة وعشرون سنة ، وكان أسود الشعر صحيح الاسنان .
   ورثاه ابن عمه قيس بن عدي فقال : من يامن الحدثان بعد ضبيرة السهمي ماتا سبقت منيته المشيب وكان ميتته افتلاتا فتزوذوا لا تهلكوا (4) من دون اهلكهم خفاتا (5)

---------------------------
(1) أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان بن يزيد الجشيمي السجستاني البصري الكوفي توفي سنة 248 و 250 و 254 ، قرأ على الاخفش .
   راجع تفصيل حياته في مقدمة كتاب المعمرون للسجستاني ، بقلم عبد المنعم عامر .
(2) ع ، ر ، ل : الرياشي ، والصحيح : أبو حاتم والرياشي كما هو في الغيبة للطوسي : 116 وبقية المصادر ، والرياشي هو : أبو الفضل العباس بن الفرج النحوي اللغوي، قتل في المسجد الجامع بالبصرة في أيام العلوي صاحب الزنج في سنة 257 ، الانساب 6 : 200 ـ 201 .
(3) أبو عبد الرحمن محمد بن عبيدالله بن عمرو بن معاوية بن عمرو بن عتبة بن ابى سفيان صخر بن حرب ، الشاعر البصري . ، وكان راوية للاخبار وايام العرب ، روى عن ابيه وسفيان بن عيينة ولوط بن مخنف ، روى عنه أبو حاتم السجستاني وأبو الفضل الرياشي ، توفي سنة 228 ، العبر 9 : 403 ـ 404 ، وفيات الاعيان 4 : 398 ـ 400 .
(4) ع ، ر ، س ، ط : ولا تهلكوا .
(5) ل ، ر : حفاتا ، وللتفصيل راجع : كمال الدين 2 : 565 ، المعمرون : 25 .

الفصول العشرة _ 100 _

   ومنهم : دريد بن الصمة الجشمي (1) ، عاش مائتي سنة ، وأدرك الاسلام فلم يسلم ، وكان احد قواد المشركين يوم حنين ومقدمهم (2) ، حضر حرب النبي صلى الله عليه واله فقتل يومئذ (3) .
   ومنهم : محصن بن عتبان (4) بن ظالم الزبيدي (5) ، عاش مائتي سنة وخمسة وخمسين سنة (6) .
   ومنهم : عمرو بن حممة الدوسي (7) عاش أربعمائة سنة ، وهو الذي يقول : كبرت وطال العمر حتى كأنني سليم أفاع ليله غير مودع فما الموت أفناني ولكن تتابعت علي سنون من مصيف ومربع ، ثلاث مئات قد مررن كواملا وها أنا هذا أرتجي نيل (8) اربع (9)

---------------------------
(1) دريد بن الصمة الجشمي من جشم بن سعد بن بكر ، عاش نحوا من مائتي سنة حتى سقط حاجباه من عينيه ، قتل يوم حنين ، وانما خرجت به هوازن تتيمن به . المعمرون : 27 ـ 28 .
(2) ع ، ل ، ر : ومقدمتهم .
(3) للتفصيل راجع : المعمرون : 27 ـ 28 .
(4) ع ، ر : محصن غسان ، ل ، س : محصن عتبان ، وما اثبتناه هو الصحيح .
(5) محصن بن عتبان بن ظالم بن عمرو بن قطعية بن الحارث بن سلمة بن مازن الزبيدي.
   المعمرون : 26 ـ 27، كمال الدين 2 : 567 .
(6) للتفصيل راجع : كمال الدين 2 : 567 ، المعمرون : 26 ـ 27 .
(7) ع ، ل ، ر : عمر بن حممة الدوسي ، قال في المعمرون : عمرو بن حممة الدوسي، قضى على العرب ثلاثمائة سنة ، المعمرون : 58 .
(8) ص : مثل ، ط : مر .
(9) للتفصيل راجع : المعمرون 58 ، (*)

الفصول العشرة _ 101 _

   ومنهم : الحرث (1) بن مضاض الجرهمي (2) ، عاش أربعمائة سنة . وهو القائل : كأن لم تكن بين الحجون (3) إلى الصفا أنيس ، يسمر (4) بمكة سامر بلى نحن كنا أهلها فابادنا (5) صروف الليالي والجدود (6) العواثر (7) وفي غير من ذكرت يطول باثباته جزء الكتاب .
   والفرس تزعم أن قدماء ملوكها جماعات طالت أعمارهم وامتدت وزادت في الطول على أعمار من أثبتنا اسمه من العرب ، ويذكرون أن من جملتهم الملك الذي استحدث المهرجان ، عاش الفي سنة وخمسمائة سنة (8) .

---------------------------
(1) س : الحارث ، وكذا في كتاب المعمرون .
(2) في المعمرون : الحارث بن مضاض الجرهمي ، راجع : المعمرون : 8 ، تذكرة الخواص : 365 .
(3) الحجون : موضع بمكة ناحية من البيت ، وقيل الجبل المشرف مما يلي شعب الجزارين بمكة ، لسان العرب 13 : 109 حجن .
(4) ع ، ل ، ر : يسمو .
(5) في المعمرون : فازالنا .
(6) الجدود جمع جد ، وهو : البخت والحظ ، لسان العرب 3 : 107 جدد .
(7) ع ، ل ، ر : والحدود الغوابر ، وللتفصيل راجع : تذكرة الخواص : 365 ، المعمرون : 8 .
(8) قال الشيخ الطوسي في الغيبة 123 : وأما الفرس فانها تزعم فيما تقدم من ملوكها جماعة طالت أعمارهم ، فيردون أن الضحاك صاحب الحيتين عاش ألف سنة ومائتي سنة ، وافريدون العادل عاش فوق الف سنة ، ويقولون ان الملك الذي أحدث المهرجان عاش ـ (*)

الفصول العشرة _ 102 _

   لم نتعرض لشرح أخبارهم ، لظهور ما قصصته من أمر العرب من أعمارهم على ما تدعيه الفرس ، ولقرب عهدها منا وبعد عهد أولئك ، وثبوت أخبار معمري العرب في صحف أهل الاسلام وعند علمائهم .
   وقد اسلفت القول بان المنكر لتطاول الاعمار إنما هم طائفة (1) من المنجمين وجماعة من الملحدين ، فاما أهل الكتب والملل فلا يختلفون في صحة ذلك وثبوته .
   فلو لم يكن من جملة المعمرين إلا من التنازع في طول عمره مرتفع ، وهو سلمان الفارسي (2) رحمة الله عليه ، وأكثر أهل العلم يقولون : بانه راى المسيح ، وأدرك النبي صلوات الله عليه وآله ، وعاش بعده ، وكانت وفاته في وسط أيام عمر بن الخطاب (3) ، وهو يومئذ القاضي بين المسلمين في

---------------------------
   ـ الفي سنة وخسمائة سنة استتر منها عن قومه ستمائة سنة .
   وراجع : تاريخ الطبري 1 : 194 ـ و 215 ، تاريخ اليعقوبي 1 : 158 ، البحار
(1) ع ، ر : بان المنكر لتطاول الاعمار إنما طائفة .
(2) هو أبو عبد الله سلمان الفارسي ، وهذا اسمه بعد الاسلام ، اما قبله ، فقيل : ما به بن بوذخان بن مورسلان ، وقيل : اسمه بهبود ، ويلقب : سلمان الخير وسلمان المحمدي وسلمان ابن الاسلام ، شهد الخندق ـ وهو الذي اشار بحفره ـ ولم يفته بعد الخندق مشهدا ، توفي بالمدائن سنة 35 أو 37 ، أو 33 ، وقبره ظاهر معروف بقرب ايوان كسرى ، وكان سلمان وصي وصي عيسى ، وقرأ الكتابين ، وما سجد قط لمطلع الشمس ، وكان عطاؤه خمسة آلاف وكان إذا خرج تصدق به ويأكل من عمل يده ، وأما عمره فمئتان وخمسون سنة فمما لا شك فيه ، ولكن الاختلاف في الاكثر ، فقيل ثلاثمائة ، وقيل : ثلاثمائة وخمسون ، تهذيب التهذيب 4 : 137 رقم 233 ، اعيان الشيعة 7 : 279 ـ 287 ، كمال الدين 1 : 161 ، الكنى والالقاب 3 : 150 ، تذكرة الخواص : 365 .
(3) أبو حفص عمر بن الخطاب ، روى عن النبي وأبي بكر وأبي ، روى عنه اولاده وغيرهم قتل سنة 23 ، ـ (*)

الفصول العشرة _ 103 _

   المدائن (1) ، ويقال : إنه كان عاملها وجابي خراجها ، وهذا أصح (2) وفيما أسلفناه في هذا الباب كفاية فيما قصدناه ، والحمد للة .

---------------------------
   ـ طبقات الفقهاء : 19 ، تهذيب التهذيب 7 : 438 .
(1) عبارة عن مدن سبع ، من بناء اكاسرة العجم ، على طرف دجلة ببغداد ، كان يسكنها ملوك بنى ساسان إلى زمن عمر ، وفي الجانب الشرقي مشهد سلمان ، الكنى والالقاب 3 : 146 ـ 148 .
(2) نص أكثر المؤرخين أن سلمان كان أميرا على المدائن ، واختلف في سنة وفاته ، فقيل : في زمن عثمان ، وقيل : في زمن أمير المؤمنين ، والشيخ المفيد هنا ذهب إلا أنها وسط ايام عمر بن الخطاب .
   للتفصيل راجع : الطبقات الكبرى 4 : 75 ـ 93 ، تهذيب التهذيب 4 : 137 ، تهذيب ابن عساكر 6 : 188 ، حلية الاولياء 1 : 185 ، صفة الصفوة 1 : 210 ، تذكرة الخواص : 365 ، اعيان الشيعة 3 : 150 ، الكنى والالقاب 3 : 150 ، (*)