فـ ( المعروف ) في المصطلح الإسلامي : هو كل شيء أمر الله ( تعالى ) به ، أو دعا إليه ، أو أقرّة ، من العقائد أو الأعمال مقابل ( المنكر ) ، الذي يعني ـ بأصطلاحه أيضاً ـ كل شيء نهى عنه ، أو ردع الناس عن القيام به ، أو التزامه من الأفكار والأفعال ، وعلى هذين المعنيين قامت شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام ـ كما هو معلوم ـ .
  وبهذا المضمون ـ أيضاً ـ يصرح بعض اللغويين . . كما يقول الراغب مثلاً :
  ( المعروف : اسم لكل فعل يعرف بالعقل أو الشرع حسنه ، والمنكر ما ينكر بهما ) (1) .
  ويقول صاحب كتاب ( لسان العرب ) فيه كذلك :
  ( المعروف : اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله والتقريب إليه ، والإحسان إلى الناس ، وكل ما ندب إليه الشرع من المحسّنات والمقبّحات ، وهو من الصفات الغالبة ، أي أمر معروف بين الناس ، إذا رأوه لا ينكرونه . . ) (2) .

العلاقة بين الإسلام والإنسان
  ولفهم ـ أكثر وضوحاً ، لما تعنيه هذه الكلمة أي ( المعروف ) ، لا بد لنا من الالتفات إلى مبدأ العلاقة بين الإسلام والإنسان ، وما قامت عليه هذه العلاقة من عمق في صميم هذا الكائن ، بل وفي صميم الوجود التكويني برمته . .
  فالإسلام ـ كما نعلم ، وكما صرح في قرآنه وألسنة المعصومين ( عليهم السلام ) كافة ـ إنما هو دين الفطرة . . دين الأساس الذي خلق عليه الوجود عامة ، والإنسان خاصة ، ومن أجل هدى هذه الفطرة ، والأخذ بزمامها إلى حيث أراده الله ـ سبحانه ـ لها من انتظام وكمال ، أنزلت شرائعه وحقائقه وتعاليمه كافة ، وان ما فيه من أحكام ومناهج إنما هي الصورة الإختيارية لطبيعة الوجود الإنساني ، وتطلعاته واتجهاته الذاتية التي يستهدفها في أعماق ذاته ، ويمضي عليها في جبلّته .

**************************************************************
(1) تاج العروس ـ مادة ( عرف ).
(2) لسان العرب ـ مادة ( عرف ) .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 33 ـ

  يقول ( تعالى ) في سورة الروم : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ . . . (1) ) .
  ويقول ( عز من قائل ) في سورة البقرة :
  ( صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ . . ) (2) .
  ومن مدلولات هذه النظرية الإسلامية : ضرورة وجود ترابط وثيق بين الإنسان ، في اتجاهاته الذاتية وتطلعاته الأولية ـ من جهة ـ وأحكام الإسلام ، وحقائقه ومناهجه التي وضعها لقيادة هذا الكائن في حياته الإختيارية ـ من جهة أخرى ـ . . إذ بدون مثل هذا الترابط ، الذي تدركه أعماق الذات الإنسانية نفسها ، لا معنى لهذه السمة ، بل ولا وجود لها ، ولأصبح الإسلام كأي مذهب أو دين آخر ، يفرض نفسه على الإنسان من خارج ذاته .
  وحينئذ ـ ومن خلال هذا الترابط الوثيق ـ تبرز الحدود المطلوبة لمسؤوليات الإنسان في إطاعة أحكام هذا الدين ، واتَّباعه لمناهجه .
  كما تبرز الحدود المطلوبة لمسؤوليات الإنسان تجاه ذاته ، أو تجاه الآخرين الذي يعيش معهم في حياته الدنيا هذه ، أو إتجاه ما تتحقق به خلافته الله ( تعالى ) في هذه الأرض من فعاليات ، وعلاقات مع سائر مظاهر التكوين .
  وعلى هذا ، فمن الطبيعي أن تكون أحكام الله ( تعالى ) في هذا الدين وفي مناهجه وتعاليمه كافة ، معروفة لدى الإنسان في فطرته الأولى ، وفي جبلّته التي أنشأته على حكمة التكوين ، ولا تنكرها هذه الفطرة ، وفي أي موقع من مواقع الحياة وردت .

**************************************************************
(1) الروم : 30 .
(2) البقرة : 138 .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 34 ـ

  ويقول السيد الطباطبائي ( قدس سره ) في كتاب ( الميزان ) ـ عند تفسيره للآية الكريمة السابقة من سورة البقرة ، أعني قوله ( تعالى ) : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) ـ :
  ( المعروف : هو الذي يعرفه الناس بالذوق المكتسب ، من نوع الحياة الإجتماعية المتداولة بينهم ، وقد كرر ـ سبحانه ـ المعروف في هذه الآيات ، فذكره في اثني عشرة موضعاً ، أهتماماً بان يجري هذا العمل ( أعني الطلاق ، وما يلحق به ) على سنن الفطرة والسلامة .
  فالمعروف يتضمن هداية العقل وحكم الشرع ، وفضيلة الخلق الحسن ، وسنن الأدب . .
  ( وحيث بنى الإسلام شريعته على أساس الفطرة والخلقة ، كان المعروف عنده هو الذي يعرف الناس إذا سلكوا مسلك الفطرة ، ولم يتعدّوا أطوار الخلقة .
   ومن أحكام الإجتماع ، المبني على أساس الفطرة : أن يتساوى ـ في الحكم ـ أفراده وأجزاؤه ، فيكون عليهم مثل ما لهم ، إلا أن ذلك التساوي إنما هو مع حفظ ما لكلٍ من الأفراد من الوزن في الاجتماع ، والتأثير ، والكمال في شؤون الحياة .
   فيحفظ للحاكم حكومته ، وللمحكوم محكوميّته ، وللعالم علمه ، وللجاهل جهله ، وللقوي ـ في حب العمل ـ قوته ، وللضعيف ضعفه ، ثم يبسط التساوي بها ، بإعطاء كل ذي حق حقه .
  ( وعلى هذا جرى الإسلام في الإحكام المجعولة للمرأة ، وعلى المرأة ، فجعل لها مثل ما عليها ، ما حفظ ما لها من الوزن في الحياة الإجتماعية ، في اجتماعها مع الرجل للتناكح ، والتناسل ، والإسلام يرى ـ في ذلك ـ أن للرجال عليهن درجة ، والدرجة المنزلة . ) (1) .

**************************************************************
(1) تفسير الميزان ـ ج 2 ـ ص 243 ـ 244 .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 35 ـ

  فواجبات الرجل تجاه زوجته إنما تصدر ـ بحسب حكم الإسلام ـ من خلال موقعه الفطري في هذه العلاقة المقدسة ، كما أن حقوقه من زوجته إنما تعتمد هذا الموقع أيضاً .
  والعكس كذلك ثابت ، فواجب الزوجة تجاه زوجها ، وحقوقها عليه ، كما تصدر من خلال موقعها أيضاً في البنية الفطرية للحياة الزوجية . .
  وضمن هذه الحدود في كل من طرفي هذه العلقة المباركة ، ينتظم كيان الأسرة في المجتمع المسلم ، وضمن هذه الحدود ـ كذلك ـ تتجه نحو غايات استكمالها ، كما أعدته لها حكمة التكوين والتشريع .
  والله ( سبحانه ) خالق الزوجين ، وفاطر وجودهما ، وجاعل مقوّمات حياتهما ، هو الذي يطبع الحدود ، ويرسم المناهج ، ويحدد الحقوق والواجبات لهما في كل خطوة ، وينظم مداخلهما ومخارجهما في كل أفق من آفاق حياتهما . . مما يعني ـ بالتالي ـ ان تلك الحقوق والواجبات هي ضرورتهما الفعلية ، في كل حالة ، وفي كل موقف ، وفي كل مجال ، كما يعني أن أي خروجٍ ، يصدر من أي منهما عن تلك الحدود ، لا ينتهي ـ في نتائجه ـ إلا بالإرتكاس في مهاوي الشقاء والتعاسة لهما ، بل وقد يطالان غيرهما من أبناء المجتمع الذي يعيشان فيه .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 36 ـ

الفصل الثالث
قوامة الرجل على المرأة

النقطة الثالثة
  مما ينبغي الوقوف عنده : هو ما تشير إليه الآية الثانية والثالثة من الآيات التي أوردناها في التمهيد المتقدم وهما :
 1 ـ قوله ( تعالى ) : ( وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) . . .
 2 ـ قوله ( عز وجل ) : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) .
  فبينما جعلت الآية الأولى من هاتين الآيتين الكريمتين للرجال على النساء درجة ، بيّنت الآية الثانية إن هذه الدرجة إنما هي القوامة ، والأخذ بزمام الأسرة وقيادتها في ميادين الحياة نحو غاياتها المشتركة . . وهكذا . .
  والسؤال الذي يبتدرنا هنا في البداية : إلى أي أساس يغور هذا الأصل في العلاقة بين الرجل والمرأة ؟ ، وعلى اي أصل من أصول تكوين كل من الرجل والمرأة يعتمد ؟ .
  والأسباب التي توجب طرح هذا السؤال عدة ، يمكننا ان نذكر منها :
 1 ـ ما اشرنا اليه في احاديث سابقة من فطرية الاسلام في حقائقه واحكامه ، ومن الطبيعي أن هذا مما يسوّغ لنا فهم الأساس الذي يعتمده الإسلام في اعتماد هذه القوامة للرجل على المرأة .
 2 ـ ما جرى عليه المطالبون بحقوق المرأة ـ كما يقولون ـ من إثارة دعاوى ضد هذه القوامة ، واعتبارها من تراث الماضي القديم ، الذي لا يتناسب والتقدم الحضاري القائم ، الذي هّيأ للكثير من النساء درجات ـ في العلم والمعرفة والمقامات الاجتماعية الاخرى ـ قد تتجاوز الدرجات التي ينالها الكثير من الرجال ، وهذا مما يستوجب ان يكون للمرأة في الأسرة دوراً مكافئاً لدور الرجل فيها ـ على الأقل ـ ، ولا تجعل تبعاً للرجل على أي حال .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 37 ـ

  3 ـ ما أخذت به بعض النسوة من بريق دعاوى قائمة ومعروفة ، ولاسيما في أوساط المجتمعات الغربية التي لها تأثيرها الكبير في المجتمعات الأخرى ، وهي ضرورة أستقلال المرأة عن الرجل ، وترك الاستظلال بكنفه ، لتحيا حياتها حرة طليقة ، دون ارتباط برجل يقارب ـ في معناه ـ مفهوم العبودية والأستضعاف . . ليصبح هذا الأنطلاق أساساً للتوجه نحو هدم كيان الأسرة ، أو ـ على الأقل ـ اعتبار عدم ضرورتها للإنسان ، والحياة الإنسانية . .
  وفي ملاحظة هذه النقطة الأخيرة ، يمكن القول بأن الواقع الإنساني هو خير من يجيب عن أمثال هذه الدعاوى ، البعيدة عن ركائزه الفطرية ، وأصوله الغريزية ، والسلبيات القاتلة التي تصاب بها تلك المجتمعات التي تنتشر بها مثل هذه الدعاوى ، هي الشاهد الفعلي القائم لتصديق هذه الإجابة ، وهي بعيدة عن المتتبع .
  أما في حالة الإجابة عن السؤال المتقدم ، واختصاراً للحديث فيها ، فنحن لا نحاول ـ هنا ـ إلا الوقوف عن البعد النفسي من أصوله العلاقة التي تُحكم صلة ما بين الرجل والمرأة ، ومن خلال ما ذكره علم النفس الحديث فيها ، إذ ان تناول هذه المسألة من مختلف جوانبها مما لا يمكننا بهذه السرعة .
  وفي هذا المجال نقول :
  ان مما لا شك فيه ، وكما رأيناه في الفصل الأول ـ ان هناك توحداً فطرياً في البنية الإنسانية في شتى مواقعها ، بدءاً من فردية الفرد ، وحتى الاتجهات الحضارية العامة ، مروراً بمختلف الشرائح الإجتماعية والطائفية وغيرها . .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 38 ـ

  وعلى أساس مكين من هذا التوحد الفطري قامت وحدة النوع الإنساني في تاريخ الطويل ، منذ مبدأ وجوده في هذه الأرض ، وحتى آخر فرد سيوجد منه عليها .
  كما أن هناك منابع وأصولاً ذاتية في أعماق الإنسان يعتمدها هذا التوحد وهذه الأصول هي التي يرتكز عليها في قيامه ، وفي توجيه مسيرة الإنسان وانتظام فاعلياته . . سواء في أعماق النفس الإنسانية ، ام في الضرورات الاجتماعية وتكامل المواقع بين أفراد المجتمع ، أم في التوجهات الإنسانية الكبرى للوصول إلى الكمال النوعي الأعلى .
  ومن هذه المنابع انبثقت مختلف التوجهات الأولية للوعي الإنساني في تصورات العقل ، وغرائز النفس ، ودوافعها ، وانفعالاتها ، وعواطفها . .
  وواضح انه بدون تلك المنابع وهذه التوجهات ، لا يمكن للإنسان أن يمضي في سبيله خطوة ، أو يحقق شيئاً مما رسمه الله ( تعالى ) له في هذه الحياة .
  وكل هذه الجوانب لا تخفى حتى على الملاحظة الإنسانية العابرة ، كما أنها ـ في الوقت نفسه ـ مما أكدته العلوم الأنسانية عامة ، بل هي الأصول والمحاور التي أقيمت عليها هذه العلوم نفسها ، وفي مختلف اختصاصاتها ، وآفاق دراساتها .

منابع الوحدة الأنسانية والأسرة
  الأسرة هي اللبنة الأولى في تكوين بنية المجتمع .
  إذن ، فمن الطبيعي ان تبرز فيها مختلف المنابع التي تنشأ منها أصول ذلك التوحد ، في أبعاده وصوره المختلفة دون أدنى خلل أو أنحراف .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 39 ـ

  ومن الطبيعي أيضاً أن تبرز تلك المنابع في العلاقة بين الرجل والمرأة خاصة ، ولاسيما في حياتهما الزوجية ، حيث تعتمد الأسرة في نشأتها الأولى ، إذ لا بد أن تكون لهذه العلاقة ـ بدورها ـ أصولها العميقة كذلك في في كياني كل من الرجل والمرأة على حدّ سواء ، من اجل الوفاء بضرورات التكامل في تلك اللبنة الإجتماعية الأولى ، حيث تعتمدها سائر القطاعات ، والشرائح الإجتماعية الأخرى .
  وهي ـ كما يرى القارىء الكريم ـ حلقات متصلة ، متتابعة ، متكاملة في وضوحها وجلائها ، ويؤكدها الواقع الفعلي المشهود لكل من الرجل والمرأة على السواء . . لا في حدود المنظور الديني أو الإسلامي وحده ـ كما قد يتصور البعض ـ ، وإنما في مجال الرؤية الإنسانية العامة ، ومجال الدراسات النفسية والإجتماعية كذلك .

الفاعلية في الرجل والانفعالية في المرأة
  وأول هذه الأصول في البعد النفسي لكل من الرجل والمرأة :
  ما يتراءى في الرجل من إيجابية فاعلة ، وقدرة أكبر على أتخاذ القرار العقلاني المنظم ، لتصبح هذه الإيجابية هي السمة الواضحة لعنصر الرجولة فيه ، مقابل قابلية المرأة على الأنفعالية ، وإسلام زمامها للرجل ، والإطمئنان في السير تحت كنفه ، والإستظلال بقراره ، والإستجابة الى إرادته ، لتكون هذه القابلية فيها سمة للعنصر الأنثوي منها أيضاً .
  وهذه حقيقة ملحوظة في أي علاقة تتراءى بين الرجل والمرأة ، لا في حدود

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 40 ـ

الحياة الزوجية الخاصة فحسب ، ولا في الحياة الزوجية بمفهومها وعلاقاتها الأعم ، بل في العلاقات ذات الطابع الإنساني العام ، وإن لم تكن ضمن دائرة الحياة الأسرية ، كما في مجال زمالة العمل ـ مثلاً ـ ، وهي ناحية يدركها كل من الرجل والمرأة في رابطته بالآخر ، مع غض النظر عما يتمتع به كل من الطرفين من ثقافة ، وسعة في الخبرة والأستعداد العلمي ، ّإذ تلك الإيجابية في الرجل ، وهذه السلبية في المرأة أمران دخيلان في كيانهما النفسي ، بل وفي تكوينهما البيولوجي والجسمي ، وهما صبغة عامة في معظم الطاقات الشعورية والأدراكية والأنفعالية ، ولا يناقش في هذه الناحية أحد ، وقد أكده دارسو الإنسان في مختلف الأختصاصات .
  إذ يقول ـ فرويد ـ أحد الباحثيين النفسيين ، وصاحب ( النظرية الجنسية المعروفة ) ـ مثلاً :
  ( والمرأة أكثر خضوعاً لغرائزها وعاداتها من الرجل ، ولما كانت قد درجت على ان تجعل للشجاعة وللفتوة المقام في عينيها ، فإن رؤية الرجل الشجاع القوي لا تزال ـ حتى الآن توقظ في نفس عدد كبير من النساء العواطف والرغبات الجنسية العنيفة ، بغضّ النظر عن عيوبه ونقائصه الأخرى ، كما تبعث رؤية الرجل النذل الجبان إلى نفسها شعوراً فياضاً بالكراهية والأشمئزاز .
  ( أما في عصرنا الحالي ، فقد تحول اهتمام المرأة بالرجل إلى تفوقه من الوجه الذهنية ، ومع ذلك فإن أثر المحاسن الجسدية في اجتذاب المرأة وهياج عواطفها ، لا يزال باقياً حتى الآن . . هذا بينما ينجذب الرجل العادي إلى كل أمرة صغيرة السن جميلة الصورة . .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 41 ـ

  ( أما غريزة الإنسان ، فإنها في المرأة أقوى كثيراً منها في الرجل ، وهي تتصل برغبتها في الاستسلام والتضحية ، وبشعورها بسيادة الرجل عليها وإخضاعه لها ، وكل هذه المطامح السلبية تكوّن جزءاً من العاطفة الجنسية الطبيعية في المرأة (1) ) .   كما يقول ( شفارتس ) في هذا المعنى ـ أيضاً ـ :
  ( وبالرغم من تماثل تكوين الطبيعة الإنسانية ومرونتها الاجتماعية ، فنحن مضطرون إلى الأعتراف بأن مزاج الذكر يختلف اختلافاً اساسياً عن مزاج الأنثى ، وأنه من السهل معرفة ذلك ، لأن لكل جنس وجوده الخاص به ، ويبدوا هذا الاختلاف في الوجود في الميدان البيولوجي ، كما نراه في الاختلاف بين الوظائف الجنسية بين عمليتي التلقيح والحمل . . (2) ) .
  وتلك الايجابية في الرجل ، وهذه السلبية لدى الأنثى ، لا تقتصر ملاحظتهما على الزوجين في حياتهما الخاصة فحسب ، وإنما هي ـ وكما قلت ـ طابع عام ، يسم أي علاقة بين أي فردين من الجنسين لها سمة الطابع الإنساني ، تلك السمة التي يمكن أن تبرز فيها مميزات الرجولة في الرجل ، ومميزات الأنوثة في المرأة ، وتظهر فيها هذه المميزات على حقيقتها ، ما لم تتدخل فيها اعتبارات ثانوية ، تجعل الخصائص الطبيعية للجنسين في موضع ثانوي ، وهو استثناء لا تنهض عليه قاعدة عامة .
  ولأن الإيجابية جزء من طبيعة الرجل ، فهو يشعر بالنقص والدونية ، حين تصطدم هذه الإيجابية بعض المعوقات التي قد تقصر بها عن الفاعلية ، أو تستوجب كبتها ، أو تجاوزها في بعض الحالات ، أو المواقف ، تجاه من يتصل بهن من النساء .
  وكذلك المرأة من جانبها ، فإنها تشعر بعدم السعادة ، وعدم الرضا عن نفسها حين تستلزم حالة تمر بها ، أو موقف يصدر منها ، تجاوز تلك السلبية الطبيعية فيها ، أو الانفعالية إزاء الرجل الذي تعيش معه ، وهذه هي مشكلة ما يسمى ـ في العصر الحديث ـ بالجنس الثالث .

**************************************************************
(1) النظرية الجنسية وأثرها في المجتمع ـ تأليف : سيجموند فرويد ـ ترجمة : الدكتور أحمد طلعت ـ ص : 108 ـ ن : مؤسسة دار البيان ـ بيروت .
(2) علم النفس الجنسي ـ ص : 136 .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 42 ـ

  وكما أن الرجل يحاول بوسيلة أو بأخرى ـ مشروعة ، أو غير مشروعة ان يتدارك النقص الذي يجده في نفسه جرّاء افتقاده لفاعليته الإيجابية مع المرأة ، إما بتبرير ما حصل لرجولته من إهانة ، أو بإفتعال مواقف تثبت له رجولته ، وتعيد إليه نوعاً من التوازن النفسي ، ـ على الأقل ـ ، وتمحو عنه آثار تلك الحال الشاذة ، و ـ من ثم ـ اقناع نفسه باسترجاع ما افتقدته من اعتبار . .
  أقول : وكما ان الرجل يحاول ان يتدارك هذا النقص على نفسه ، فكذلك المرأة ـ من جانبها ـ تسعى جاهدة إلى أن تتدرارك على نفسها هذا النقص ، الذي تجده في نفسها ، عند تجاوزها لطبيعتها الانثوية الانفعالية ، لكي تعيد إلى شخصيتها ـ من ثم ـ توازنها النفسي ، الذي لا يستعاد بالانضمام إلى الرجل ، الذي تعتقد أنه أهل لأن تسلم إليه زمامها ، وتعيش في كنفه آمنة مطمئنة .
  ويقول ( شفارتس ) بهذا الصدد :
  ( هناك رجال ربما وجدوا . . ان النساء اللاتي يلقونهن عادة في المكاتب وفي المجتمعات مخلوقات عادية جداً لا يحيطها أي غموض أو سرّ ، وسبب هذا الوهم هو ضيق النظر عندهم ، وربما كانت لديهم أسباب تحملهم على مثل هذا التفكير ، ونحن هنا في الواقع أمام مظهر آخر من مظاهر وجود المرأة المزدوج . . إلا وهو التعارض بين أنوثتها وشخصيتها العامة .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 43 ـ

  ( وغالباً ما تلقى أنوثة عارمة عند امرأة بسيطة عادية ، وهذا أمر يجب أن يعترف به عدد من الرجال بهذه المناسبة ، كما ان العكس ممكن أيضاً ، ّإذ يمكن أن تخفي شخصية كبيرة حياة جنسية عنيفة ، فتبدوا أفعال هذه المرأة وحركاتها بعيدة عن الفكرة التي اشتهرت عنها ، ويمكن للمرأة أن تعفوا عن كثير من الأشياء غير أنها تصبح عاجزة حين تشعر أن أنوثتها قد أهينت : كأن لا يلاحظ الرجل مثلاً ، أو يتجاوز عمداً أنها تشتهيه جنسياً ، أو أنها تضع على رأسها قبعة جديدة . . (1) ) .
  ويقول فرويد حول هذه الظاهرة أيضاً :
  ( يؤثر شعور المرأة بأنها في حاجة إلى حماية زوجها ـ ولا نقول سيادته ـ على العواطف المشعة من الحب تأثيراً كبيراً ، ولا يمكن للمرأة أن تعرف السعادة إلا إذا شعرت باحترامه ، وإلا إذا عاملته بشيء من التمجيد والإكرام ، ويجب أن ترى فيه مثلها الأعلى في ناحية من النواحي ، إما في القوة البدنية ، أو في الشجاعة ، أو في التضحية وإنكار الذات ، أو في التفوق الذهني ، أو في أي صفة أخرى طيبة ، وإلا فإنه سرعان ما يسقط تحت حكمها وسيطرتها ، أو يفصل بينهما شعور من النفور والبرود وعدم الإكتراث ، ما لم يصب الزوج بسوء أو مرض يثير عطفها ، ويجعل منها ممرضة تقوم على تمريضه والعناية به .
  ( ولا يمكن أن تؤدي سيادة المرأة الى السعادة المنزلية ، لأن في ذلك مخالفة للحالة الطبيعية التي تقضي بأن يسود الرجل المرأة بعقله وذكائه وإرادته ، لتسوده هي بقلبها وعاطفتها ) .

**************************************************************
(1) ن . م : 139 .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 44 ـ

  ( وقد تشبع سيادة المرأة على الرجل عاطفة الغرور في نفسها ، ولكنها لا يمكن أن ترضي قلبها . . ولا تجد المرأة ـ في مثل هذه الزيجات ـ الحب الذي كانت تنشده في حياتها ، فإذا كانت من ذوات الخلق الضعيف فإنها تبحث عنه لعلها تجدها في رجل آخر ، وأما إذا كانت من ذوات الخلق القوي ، أو العاطفة الجنسية الباردة فسرعان ما يتحول شعورها إلى ألم ومرارة ، وهذا الفريق من الناس غير قليل ، ويجب ان يخشى بأسه ، لأن مثل هذا الحب الموروط كثيراً ما يستحيل كراهية شديدة ، أو إلى شعور بالحسد والغيرة ، وقد لا يجد له منفساً إلا في عذاب الآخرين . . (1) ) .
  وتأتي أهمية هذه الشواهد التي نذكرها ، لا بقيمتها العلمية الاستقرائية التي تدعى لها ، فهذا مما قد يناقش فيه ، ولاسيما مع ما هو معروف من تدخّل عوامل غير علمية في الاستنتاج من الظواهر الإنسانية المدروسة ، ولكن تبرز أهميتها أكثر ، لأنها ترد بأقلام قادة الثقافة النفسية الغربية ، التي وصلت المرأة فيها إلى درجة من الأستقلال والتحرر عن إرادة الرجل ، والتحرر عن عامل الأخلاق ذات المنشأ الديني ، لم تصلها غيرها من النساء في شتى بقاع العالم .
  ولئن ركزت هذه الشواهد التي أقتبسناها على خصوص العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة ، فلأن البحوث التي وردت فيها هذه الشواهد ، إنما درست العلاقة بين الجنسين من خلال هذه الزاوية خاصة ، وإن لم تعدم الأشارة إلى الزوايا الأخرى من العلاقة بين الجنسين ، ّإذ هي من باب واحد ـ كما هو المعلوم ـ في أي ملاحظة متأملة لهذه العلاقة .
  ويجدر بنا أن نلتفت إلى بروز هاتين الصبغتين الذاتيتين ، في العلاقة بين الرجل والمرأة ، إنما يتحقق من خلال شرائطهما الخاصة .
  فهما ـ كأي استعداد فطري آخر في الإنسان ـ إنما يتحققان ويتكاملان من خلال العملية النفسية ذات الطبيعة المعقدة ، والمتداخلة مع العديد من العوامل ، العقلية ، والإجتماعية ، والتربوية والبيئية ، والإنفعالية ، وغيرها من الأصول والسبل ، التي لها دورها في بلورة ذلك التحقق والتكامل ، فإن للتربية تأثيرها وللواقع مستلزماته وللموقع الاجتماعي ضروراته وهكذا .
  أما حيث لا يفسح لهما المجال المناسب ، فطبيعي أن يتخذا نحواً من السبل غير المشروعة في التحقق لينعكسا ـ على كل من الرجل والمرأة ـ آثاراً سلبية أشار فرويد إلى بعضها في النص المتقدم عنه .

**************************************************************
(1) النظرية الجنسية ـ ص : 155 ـ 156 .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 45 ـ

تحقق فاعلية الرجل وانفعالية المرأة
   وهنا نقطة مهمة يجب الالتفات اليها ، وهي أن وجود هذين الاستعدادين لدى الجنسين ، لا يعني أن كل رجل مهمين على كل أمرأة ، وأن كل أمرأة خاضعة لكل رجل ، فهذا مما لا يمكن تصوّره ، فالعلاقة بين الرجل والمرأة علاقة اختيارية اجتماعية نفسية ، وهي أعقد من أن ينظر إليها بهذه البساطة ، بل وهي أبعد من أن يحيط بها التصور الإنساني في نظرة سريعة عابرة .
  الا أن هذا لا يمنع ان يدرك الإنسان هذين الاستعدادين في الجنسين ، ويدرك أنهما فطريان فيهما ، وليسا ولدين لظروف طارئة ، أو نتيجة لتراكمات الحضارات الإنسانية المتعاقبة ـ كما يحلو لبعض الناس ان يقول ـ ، وهذا ما أكده الباحثون النفسيون أيضاً ، وكما يقول ( شفارتس ) :
  ( ولنا ان نشك فيما إذا كانت الظروف الخارجية تؤثر تأثيراً قوياً في الخلق الأنثوي ـ كما يدعي علماء الاجتماع ـ أي أن هذه الظروف لا تغير من انفعالية المرأة بل هي تغير من سلوكها ، بالرغم من طبيعتها التي يمكن أن تظل سليمة تحت الطلاء الاجتماعي .
  ( ذلك أن مزاج المرأة وظيفة طبيعية تمتاز بليونة مدهشة ، مثال ذلك : أنه مهما بلغ عدد الفرق الدينية ، أو الذين يقتصرون على النباتات في طعامهم ، فإن هذا الأمر لا يغير في تركيب جهاز الإنساني الهضمي ووظيفته ، وهي تقوم على هضم كل من اللحوم والنباتات (1) ) .

**************************************************************
(1) ن . م ـ ص : 139 .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 46 ـ

  ولأن تلك الإيجابية في الرجل وهذه الأنفعالية في المرأة سمتان طبيعيتان فيهما ، لم يستطع أنصار المرأة المعاصرون إنكارها كواقع فعلي قائم ، الا حيث تحيد بهم الأهواء عن النظرة الموضوعية ، والا حيث تفرض بعض الظروف حكمها عليها ، او تقتضي كبتها ، ومع هذا تبقى هذه الظاهرة العميقة الجذور في كياني كلٍ من الرجل والمرأة على حدّ سواء ، ويصعب عليهم القفز عليها ، او استبعادها فيما يرسمونه من قوانين ومناهج تربوية وأخلاقية ، حيث ستنعكس آثار هذا الأستبعاد والتجاوز سلباً على حياة المجتمع وسعادته وهنائه .
  اذن ـ ولهذه الفطرية في الاستعدادين ، ولحاجة البيت والأسرة إلى القيادة الرشيدة ـ جعل الإسلام القوامة للرجل على المرأة في العلاقة الزوجية ، وأعدّ له موقع القيادة والفاعلية ، وأوجب عليه أن يأخذ بزمام التوجيه في هذه الوحدة القائمة في الأسرة المسلمة ، فبدون مثل هذه القوامة يستحيل على هذه الأسرة ان تتسق خطواتها في الطريق القويم ، ولن تسلم مسيرتها من المطبات والكوارث ، ولن تصل ـ من ثم ـ إلى حيث تنشده من الكمال والسعادة .

القِوامة ومسؤولية الرجل
  ومما ينبغي ان يعلم في هذا المجال : أن هذه القوامة التي جعلها الإسلام والقرآن للرجل لا تعني تفضيله المطلق على المرأة ، كما لا تعني كرامته عليها عند الله ـ جلت قدرته ـ دون الوفاء بمسؤولياته الإلهية ، التي حددتها له الشريعة في هذه القوامة ، وقيادة الأسرة المسلمة في سبيلها القويم نحو غايات استكمالها ، أو ما سميناه في بحث سابق : تحقق ( المعروف ) .
  أي أن هذه القوامة لا تعني كرامته عليها عند الله ( تعالى ) دون عنصر ( التقوى ) الذي أخذه القرآن مضماراً للتفاضل في الكرامة لديه ( عز وجل ) ، وميزاناً لقياس الفضل عنده .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 47 ـ

  تماماً كما لم يكن ذلك الأختلاف الفطري بين طبيعتي الرجل والمرأة تفضيلاً له عليها في موقع التكوين والإيجاد ـ كما قدم يتوهم البعض ـ ، وان استوجب هذا الاختلاف تبعيتها له مدى القرون ، إذ المقاييس يجب ان تنبع من الواقع نفسه ومن المهمات التي انطيت بكل من الجنسين ، وعليها يجب ان تعتمد دونما شيء آخر سواه .
  والواقع يؤكد أن ذلك الأختلاف إنما هو من مقتضيات التقاسم الفطري لمهماة الحياة ، وقد أنشأه بارىء الخلق في كياني كل من الرجل والمرأة من أجل تكمينهما على بلوغ الغايات العليا للتكوين ، في مسيرة موحدة متكاملة الأدوار والمواقع ، هّينة المسعى ، هنيئة الثمار ، دون أدنى أنحراف أو سلبيات .
  وهذا ما يشير إليه التعبير القرآني المتقدم في آية سورة النساء ، إذ قال ( تعالى ) : ( بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) .
  فهو يؤكد أن جعل هذه القوامة للرجل على المرأة ، إنما كان بسبب ما أعدّه الله ( سبحانه ) في الرجل من إمكانات وطاقات ، يستطيع بها الوفاء بمتطلبات هذه القوامة ، والأخذ بزمام الأسرة إلى حيث شاءته له حكمة التكوين ، بثبات ويسر وهدوء ، يكفل لها بلوغ غاياتها العليا ، بعيداً عن التقلبات العواطف ، ولهيب المشاعر التي جبلت عليها المرأة ـ بدورها ـ من أجل إنجاح مهماتها الطبيعية في الحنو على عائلتها ـ وتربيتها لأطفالها ، وملئها الحياة أسرتها بهجة ، وسعادة وهناء .
  ولا ريب ان هذه العواطف والمشاعر مما فضلت به المرأة على الرجل ، من أجل أداء مهماتها التي تتكامل مع مهمات الرجل في الأسرة ، ويكفينا لتصور مدى اهميتها أن تحرم أسرة من الأسر من تلك المشاعر والعواطف ، أو يُحرم منها بعض الناس لعدم انتمائهم إلى أسرة من الأسر ، فيها من الناس من تملؤهم حناناً وإشباعاً لتك العواطف ، كما في أولئك الذين كتب عليهم ان يعيشوا بعيداً عن أسرهم .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 48 ـ

  ويكفينا لتصور مدى أهمية تلك العواطف والمشاعر ـ أيضاً ـ ، أن نتصور أن المرأة التي تشرف على الأسرة لا تتصرف مع أبنائها وزوجها ، وافراد عائلتها الآخرين ، إلا من خلال المنطق العقلي الجاف ، البعيد عن الحنان ، ولهيب مشاعر الحب ، فما الذي ستكون عليه مثل هذه الأسرة ؟ ، وكيف ستكون صلة كل من أفرادها بالآخرين ؟ ؟ . .
  نعم ، لا ريب ان هذه العواطف والمشاعر والإنفعالية ، إنما هي بعض جوانب تفضيل المرأة الرجل ، من أجل أن تفي برسالتها الكبرى في الحياة ، إلا أن هذه العواطف المتأججة والمشاعر اللاهبة ، مما يفقد المرأة ـ ولا ريب ـ أهليتها لأن تمتلك زمام الأسرة ، وتسلب منها كفاءتها في الأخذ بها ـ كما هو شأن الرجل ـ إلى حيث تطمح إليه تلك الشريحة الاجتماعية ، من السعادة والكمال .
  ولعل هذه الناحية كانت بعض أوجه التعبير القرآني المتقدم ، ّإذ قال : ( بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) ، بينما لو كان القرآن يرى تفضيلاً مطلقاً للرجل لكان المناسب أن يكون التعبير ( بما فضلهم الله عليهن ) ، ولم يجعل التفضيل وارداً للبعض غير المعين على البعض غير المعين ، وهي صيغة تقتضي ملاحظة التفضيل في جهاته المختلفة بحسب المواهب الإلهية ، والتكامل بين المهمات والمواقع ، التي أعدّ لها كل من الرجل والمرأة ـ ، ليكون لكل فضله بما أعده الله ( تعالى ) فيه من المواهب ، لأداء دوره في موقعه ، ويكون لكل فضله في المنح الربانية التي جبل عليها من أجل الوفاء بمتطلبات ذلك الموقع . . وهذه هي السنة الجارية في الوجود وفي الحياة بشكل عام .
  وهذه الناحية مما التف إليه الباحثون العلميون أيضاً ، حيث يقول أحدهم :
  ( ليس من الذوق السليم الإدعاء بأن ( الأنثى ) هي الأصل ، وان ( الرجل ) منشق منها ( فقط ) ، او القول ان الذكر هو ( النموذج ) الأمثل ، وكذلك الحال فيما يتعلق بجميع الفروق البيولوجية بين الجنسين . .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 49 ـ

  ( فلنذكر ـ على سبيل المثال ـ الصفات التي يميز بها ( هنلوك اليس ) الأنثى : تمتاز بشدة حاسيتها وانفعالها ، ويقل عندها الميل الى التعبير ، بل هي تميل إلى المحافظة ، وتنزع نزعة طفولية بيولوجية . .
  ( واعتبار بعض هذه الصفات ، أو جميعها ، عوامل سموّ أو نقص ، إنما هو جزء من بعض الأفكار البالية ، يدل على نقص في الوعي العلمي ، وذلك لأنه لا يمكن قياس الوقائع البيولوجية بمقياس غير بيولوجي ، والمعيار الحقيقي هو المعيار الذي تلائم فيه صفة من الصفات حاجات من يحمل هذه الصفة . . (1) ) .
   ّإذن فإيجابية الرجل ، وما أعد فيه من قوة التعقل والتصبر والنظرة الموضوعية للأمور ، هي التي تتناسب وما أعدته له حكمة الخلق من مهمات في حياته ، كما أن أنفعالية المرأة ، وتأجج عواطفها ، وتوثب أحاسيسها هي التي تتناسب وما أعدته لها تلك الحكمة أيضاً من دور في حياتها ، ومن تكامل جميع هذه السمات ـ التي أوجدت في ركني الأسرة معاً ـ يمضي ركبها إلى غاياته العليا ، في أيسر ما يتصور له من السبل وأسعدها .
  ومعنى هذا : ان تكون المرأة في كنف زوجها ، وتحت ظله ، لا العكس ، لتصبح العائلة في مهبّ رياح العواطف التي جبلت عليها المرأة ، وتوثب أحساسيسها ، ولا مع استقلالها عن الرجل ، لينهدم أو صرح من صروح المجتمع وأمكنها في الحياة الإنسانية ، وليعيش كل من الرجل والمرأة شقاء لا أمد له ، ولا انتهاء . .

**************************************************************
(1) علم النفس الجنسي ـ ص : 133 .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 50 ـ

القوامة الإسلامية ومسار الفطرة
  والقوامة الإسلامية ـ وهي تأتي ضمن هذا المسار الفطري لتكويني كل من الرجل والمرأة معاً ـ إنما جعلت للرجل بما فضلّه الله من الطاقات التي تمكنه من تحمّل أعباء مسؤولياته في قيادة ركب العائلة ، والقدرة على التبصّر الواعي الرشيد والثبات في الأحوال الصعبة التي يمر بها هذا الركب ، ورعايته إياها حتى بلوغ الهدف المنشود . .
  و ـ في الوقت نفسه ـ بما فضّل الله ( تعالى ) به المرأة من عواطف وأحاسيس نبيلة تمكنها من اداء مسؤولياتها في الأسرة ، وانفعالية تهيئها للعيش في كنف رجلها ، الذي تعتقد أهليته لتحقيق طموحاتها المشروعة في تكامل البنية العائلية ، ودفء عواطفها ، واستقامة مسيرتها نحو الغايات الإلهية ، التي رسمها الله ( جل شأنه ) للبيت المسلم .
  إذن ، فليست قوامة الرجل ـ وكما سبقت الأشارة إليه مراراً ـ زيادة شرف للرجل ، أو أفضليّة مطلقة له على المرأة ، وإنما هو ( المعروف ) ، وإنما هي ( التقوى ) ، وإنما هو الوفاء بالمسؤولية الإلهية في الإمساك بزمام المسيرة العائلية المباركة في سبيل الحياة المثلى ـ حيث أمكن للرجل ـ في ايجابيته تجاه ضرورات الحياة ، وقدرته الحازمة ، ونظرته المتعلقة للأمور ـ ان يتخذ القرار الصائب ، وإن كان في أصعب الأحوال .
  وإنما هو ـ بعد هذا ـ وفاؤه بمسؤوليته في الإنقاق على العائلة ، وتوفير ما تحتاجه من ضرورات الحياة ، التي لا بد لها منها ، سواء في تمضيت معيشتها ، أم في حفظ كرامتها .
  وهكذا كان من شؤون هذه القوامة الإسلامية ان يكون الرجل في الراعي للأسرة ، وإدارة شؤونها ، والأخذ بها وبأبنائها إلى ما يريده الله ( تعالى ) لهم جميعاً من السعادة والهدى ، حين شرع للأسرة أحكامها ، ورسم لها حدودها الإسلامية .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 51 ـ

  . . كما كان من شؤون هذه القوامة الإسلامية ان يكون الرجل هو المنفق على الأسرة يمكّنها من العيش المناسب لموقعها الإجتماعي ، وما يناسب إمكاناته على هذا الانفاق .
  أما حيث يشذ الرجل ـ في مهمته هذه ـ عن بعض أصولها أو غاياتها . . وأما حين يتخذ من موقعه الخاص هذا ذريعة للتسلط ، والقهر ، والتجاوز على الحدود الإلهية وحقوق الآخرين ، فإن القوامة ستسلب منه حينئذ ، كما ان له من الكوابح الإسلامية المناسبة ما يقف به عند حده ـ كما هو معلوم ـ .

مسؤولية المرأة تجاه قوامة الرجل
  وطبيعي ان تنتظم في هذا الخط أيضاً مسؤولية الطرف الآخر من هذه العلاقة المباركة ، أعني مسؤولية المرأة ضمن موقعها الذي أعدته لها حكمة التكوين في الحياة ، ونظمته حكمة التشريع في مناهجها وأحكامها .
  فالأسرة المسلمة ـ وكما هو مقتضى النشأة الإنسانية أيضاً ـ كيان واحد ، له في دين الله ـ سبحانه ـ أصوله ومناهجه ، وله أهدافه الكبرى ، التي لا يمكن تحققها دون ذلك التكامل العام ، والتوحد المطلق في مختلف الشؤون .
  إنها ركب واحد ، له في الحياة مسار واحد ، ومهمات واحدة ، وغايات واحدة .
  وحين أقتضت هذه الوحدة من الإسلام أن يجعل القوامة ، واتخاذ القرار ، وقيادة المسيرة بيد الزوج ، حيث مهّدت له فطرته لمثل هذه المهمات ، فمن الطبيعي ، حينئذ ان يجعل واجبات المرأة ومسؤولياتها كافة ، من خلال تبعيتها لزوجها ، والأنضواء تحت كنفه والسير تحت لوائه ، وهي واجبات ومسؤوليات مهدت الحكمة الخالقة لها في أعماق تكوينها الذاتي ـ كما أشرنا ـ ، وأمدتها بها حين ملّكتها هذه الحكمة تلك العواطف والأحاسيس ، والقدرة على الأنفعالية . .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 52 ـ

  ولكن على الطرفين ان يعلما ان مهماتهما ومسؤولياتهما كافة في دين الله إنما تمضي على أساس ما يريده الله ـ سبحانه ـ لهما من ( المعروف ) ، والأستقامة من مبادئه التي شرعها الله لتحقيقه ، وسن من أجلها أحكامه ، دون أدنى تفاوت ، أو تجاوز عن حدوده .
  إذن ، فمهمة المرأة في البيت المسلم ، لا تعني الغضّ من شأنها ، أو الهوان في كرامته عند الله ، أو الدونية في موقعها في هذا البيت ، وإنما هو التقاسم الرشيد للمهمات ، والأنتظام الكامل للأدوار ، وإنما هي مستلزمات وحدة الركب ، واستقامة مسيرته نحو أهدافه الإلهية .
  وإنما هي ـ قبل هذا كله ـ مقتضيات حكمة الخلق والتدبير ، حين أنشأت كلاً من الرجل والمرأة بخصائصه وسماته الخاصة ، من أجل الوصول الى الغايات الرشيدة في الحياة .
  على ان موضوع القيادة والتصدر لبعض الناس على بعض ، مسألة عامة في كل شريحة اجتماعية تتصور ، وان كانت مؤقتة العلاقات ، محدودة الأهداف .
  إذ ما ان يمضي شخصان ـ أو أكثر ـ في القيام بمهمة مشتركة ، إلا وكان لأحدهم نوع من التصدر والأسبقية على من معه ، وكان له نوع من التقدم والأخذ بزمام المبادرة في تلك المهمة ، وبها التصدر تتوحد تلك الجماعة في كلمتها ، وتنتظم خطواتها في سعيها ، حتى اكتمال مهماتها التي جمعتها ككيان واحد .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 53 ـ

  وهذا التصدر قد يكون بتعيين الجماعة نفسها لشخص منها ، ترى فيه الكفاءة لتلك المهمة ، وقد يكون بإملاء من له نوع من السلطان على هذه الجماعة ، وقد يكون تلقائياً في حالات تبرز فيها بعض مؤهلات ذلك الشخص ، فيكتسب ثقة الآخرين ، ومن ثم رضاهم بتقدمه عليه ، بل وقد يكون التصدر أمراً خفياً ، لا يلتفت إليه حتى أفراد تلك الجماعة ، وان وكان في حقيقته موجوداً . .
  وهذه القوامة ـ كما قلت في بداية هذا الفصل ـ هي الدرجة التي ذكرها آية سورة ( البقرة ) المتقدمة : ( وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) . .
  وهي درجة تنتظم مع ( المعروف ) الذي أنيطت به مسؤوليات كل من الرجل والمرأة في علاقتهما الزوجية المسلمة ، إذ لا تقدم للرجل في هذه الدرجة ، إلا في سبيل المعروف ، ومن أجل تحقيقه ، لا من أجل أي شيء آخر سواه .
  فالمعروف ـ في بدئه ـ أصل الإسلام نفسه ، وهو ركنه الذي يعتمده في علاقته مع الإنسان ، ومع حياته في جميع آفاقها ومواقعها ، وفي بناء أي علاقة للإنسان تتصور ، بدءاً من علاقته الذاتية ببارىء وجوده ، وحتى آخر علاقة له مع ذاته ، ومع ما حوله من مظاهر الوجود ، ومن وحوله من أبناء مجتمعة الذي يعيش فيه .
  وعلى هذا ، فإن هذه الدرجة التي أنيطت مهماتها بالرجل ، إنما هي مظهر من مظاهر ذلك المعروف الذي ألقيت على الرجل مسؤوليته ـ في جانب منه ـ ليصل بالأسرة ككل ، ويصل بكل فرد من أفرادها ، إلى حيث ينتظم بهم أمر الله ( تعالى ) ونهيه ، ويحقق ـ بهذا الانتظام ـ رسالته في هذه الحياة . .
  . . كما ألقيت مسؤوليته على المرأة ـ في الجانب الآخر ، ـ لتنال ـ بإطاعتها لزوجها ، وقيامها بمهماتها في تربية أبنائها ، وملء بيتها بالعواطف النبيلة ، والأحاسيس والمشاعر .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 54 ـ

الباب الثاني
مسؤولية الزوجة في البيت المسلم

الفصل الأول
جهاد المرأة حسن التبعل

تمهيــــد
  أما ماذا تعنيه مسؤولية الزوجة المؤمنة في البيت المسلم ؟ .
  وما هي أحكامها إزاء زوجها خاصة من بين أفراد أسرتها ـ حيث موضوع الحديث في هذه الرسالة ـ ؟ .
  وما هي حدودها الإلهية التي رسمها الإسلام لها ، كي تؤدّي دورها الأمثل في علاقتها المباركة هذه ؟ .
  هذه هي الأسئلة المهمة لنا في هذه الناحية ، إذ من خلال الإجابة عنها تتكامل لدينا الصورة الواضحة ، التي تنتهي إليها جميع النقاط التمهيدية التي سبق الحديث فيها .
  ومع سير سريع للنصوص الإسلامية الواردة في هذا الموضوع ، نرى ان بعضها قد أجمل تلك الحدود في عبارات جامعة ، تعطي شمولية وافية للحياة الزوجية كلها ، بما فيها من خصوصيات ، وبما فيها من إشعاع على الحياة الإجتماعية العامة لآفاق الحياة الإنسانية وعلاقاتها .
  ومن هذه النصوص ما ورد عن الإمام أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) ، قال : ( إن قوماً أتوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالوا : يا رسول الله انا رأينا أناساً يسجد بعضهم لبعض ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها . . (1) .

**************************************************************
(1) وسائل الشيعة ـ ج : 14 ـ ص : 115 .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 55 ـ

  ومنها أيضاً ما ورد عن الإمام أبي إبراهيم موسى بن جعفر ( عليه السلام ) انه قال : ( جهاد المرأة حسن التبعّل . . (1) ) .
  ورد هذا النص كذلك ضمن فقرة من حديث الإمام أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) ، كما ورد أيضاً عن غيره من المعصومين ( عليهم السلام ) .
  ولا أظن القارىء الكريم ممن يخفى عليه جمال هذا التعبير المعجز ، ولا ريب أن سيكون أوضح رؤية ، وإدراكاً للإعجاز فيه ، حين يلتفت إلى ما بين مدلول هذا الحديث ومختلف التصورات الإسلامية من روابط وثقى ، وحين يلتفت ذلك الى المنابع الأولى التي يستقى منها إشاعه وعطائه في الحياة الإنسانية عامة ، وليس في حدود الحياة الزوجية فحسب .
  فمن البدائه الأولى للحجة الإلهية في الإسلام ، عدم التفاوت فيها ، أو الخروج عن الحق في أصولها ، أو الأختلاف عن الحقيقة في مضمونها ، أو الإنحراف عن مقتضيات حكمة الله ـ سبحانه ـ في غاياتها .
  فلا مبالغة منها لا تستند إلى واقع ، ولا خيال يحيد بها عن الحقيقة ، ولا تجاوز فيها عن حد من حدود الله ( تعالى ) ، او قصور عن غاية من غاياته الكبرى في دينه القويم . .
  وطبيعي أن لا يخرج أي من النصوص الواردة في هذه الناحية عن هذه الضرورة العامة ، ومنها هذا الحديث السابق ، على قصره ، وقلة كلماته ، وهو مما صح عن الإمام أبي الحسن الكاظم ( عليه السلام ) ، وعن غيره من الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) ـ كما اشرت ـ ، ولهذا فإن تحليلاً سريعاً منها لمفرداته مما يوضح لنا استقامة هذه القاعدة العامة فيه ، ومن ثم مدى إعجازه ، بل وإعجاز حجة الله ( تعالى ) فيه . .

**************************************************************
(1) ن . م ـ ص : 116 .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 56 ـ

جهاد المرأة
   يبدأ الحديث بقوله ( عليه السلام ) : ( جهاد المرأة ) .
   في هذه الفقرة لا بد لنا من الوقوف عند نقطتين :
  أولاهما : ما تعنيه كلمة الجهاد في الاصطلاح الإسلامي .
  ثانيتهما : ما يعنيه جهاد المرأة ـ خاصة ـ في هذا المضمار .

الجهاد في الإسلام
  أما كلمة الجهاد ، فهي في اللغة مشتقة من ( الجَهد ) بالفتح ، أي الطاقة والوسع ويضم ، والجهد بالفتح : المشقة : والجهاد بالكسر القتال مع العدو كالمجاهدة ، قال الله ( تعالى ) : ( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ ِ) ، وقيل هو المبالغة واستفراغ الوسع والطاقة . .
  وحقيقة الجهاد ـ كما قال الراغب ـ : ( استفراغ الوسع والجهد فيما لا يرتضى ، وهو ثلاث أضرب : مجاهدة العدو الظاهر والشيطان والنفس ، وتدخل الثلاثة في قوله ( تعالى ) : ( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) (1) .
  وعلى هذا المعنى الواسع جرى استعمال كلمة الجهاد في القرآن ، وفي أحاديث المعصومين ( ع ) ، ليشمل كل طاقة تبذل في مجال إقامة أمر الله ـ سبحانه ـ ، وصدّ العادية عن دينه الحنيف ، والوقوف امام العقبات التي تمنع من إشعاعه وعطائه في مختلف جوانب الحياة ، وعلى شتى المستويات النفسية والاجتماعية وغيرها .

**************************************************************
(1) تاج العروس ـ مادة : ( جهد ) .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 57 ـ

  ولهذا ، فجاهد المؤمن يبدأ من صراعه الذاتي لمصادر الإنحاراف عن أمر الله ونهيه في اعماق نفسه ، لينتهي معه الى بذل نفسه في التصدّي لأعداء الله ( سبحانه ) عن ان ينالو من دينه كلمة ، أو يمنعوا له حجة ، مروراً بكل مرحلة من مراحل إقامة هذا الدين ، وبناء صرحه في الحياة الدنيا .
  بمعنى ان جهاد المؤمن يبدأ معه من صراعه مع ( الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ، الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ) ، الى صراعه مع نفسه وهي تستكين لوسوسة هذا الشيطان ، الى صراعه مع مختلف الإنحرافات الإجتماعية ، التي تسعى لأن تقصر بنور الله ( تعالى ) ان يبلغ إلى النفوس لتملأها هدى ، إلى صراعه مع أعداء الله وهم يحملون راية الكفر والضلال ، ويسعون إلى كبت منابع النور والرحمة على ان تبلغ أبصار ومسامع الناس . . إلى غير ذلك . .
  وهكذا ، فإن الإسلام يعطي لكلمة ( الجهاد ) بعداً واسعاً ، يمتدّ إلى جميع أصعدة الحياة ، بل وهو يعطي لمثابرة الدؤوب في سلوك سبيله ، وديمومة اتَّباع نهجه ، أهمية كبرى في إطلاق هذه الكلمة ، قد لا يقاس إليها الموقف الجهادي الشائع في ساحات القتال ، ومبارزة الأعداء ، وان بذلت فيه الأموال والنفوس .
  بل ، ومع التدبّر في الموضوع أكثر ، نرى أن الإسلام لا يعطي للموقف القتالي اسم الجهاد ، الا حين يصبح صورة شاخصة لذلك الإتباع لنهج الله ( جلت قدرته ) ، وتلك المثابرة والمصابرة على إقامة أمره ، ليكون هذا الموقف حلقة من تلك السلسة الكبرى التي تستوعب آفاق الحياة والسلوك ، ومختلف موافق الإنسان .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 58 ـ

  وتسمية مصادر الإسلام لجهاد النفس بالجهاد الأكبر من أوضح الأدلة على هذا . .
  فقد روي عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنه قال :
  ( ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعث سرية ، فلما رجعوا قال : مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر ، وبقي عليهم الجهاد الأكبر ، قيل يا رسول الله ، وما الجهاد الأكبر ؟ .
  فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جهاد النفس (1) .
  وقال ( عليه السلام ) : ( ان أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه (2) .

  الى غير ذلك .

الجهاد من المرأة
  وحين يلاحظ وفاء المرأة بمسؤولياته مع زوجها ، وقيامها بواجباتها تجاهه ، وصبرها على تحّمل أعباء أسرتها وأبنائها ، ضمن هذا الإطار أيضاً ، فمن الطبيعي أن يكون هذا الأداء تجسيداً لمفهوم الجهاد ، بكل ما للجهاد من معنى إسلامي ، وما يترتب عليه من آثار .
  وحين نلتفت الى الآثار التي تتأتى نتيجة لوفائها بمسؤولياتها الكبرى في الحياة الزوجية ، ودور هذا الوفاء بإستقامة المجتمع المسلم ، ونزاهته عن عوامل الانحراف والسقوط في مهاوي الرذيلة ، والمحافظة على معاني الشرف والكمال والفضيلة التي يريدها الله ( تعالى ) له ، ندرك طبيعة هذا الجهاد منها وأهميته ، وفضله عن الله ( عز وجل ) . .

**************************************************************
(1) وسائل الشيعة ـ ب : 1 من أبواب جهاد النفس ـ ح : 1 .
(2) ن . م ـ ح : 9 .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 59 ـ

   إذن فامتثال المرأة لأمر الله ( تعالى ) في النهوض ببيتها ، وإطاعتها لزوجها ، وحسن تبعّلها له ، إنما هو صنف من أصناف الجهاد لا يقلّ ـ في دلالاته وآثاره في المجتمع المسلم ـ عن جهاد الرجل لإعداء الإسلام ، وحتى ان استوجب هذا الجهاد منه ان يخوض غمار الحروب ، ويدخل ميادين القتال ، ويقدّم نفسه على مذابح الشهادة في سبيل الله .
  ومع التدبر في الموضوع أكثر ، نرى أن الجهادين متكاملا الأهمية في نفسيهما ـ أولاً ـ ، ومتكاملا الأهمية كذلك مع جميع صنوف الجهاد الأخرى ـ ثانياً ـ ، سواء في إستقامة الحياة الإنسانية ـ ككل ـ مع أمر الله ( جلت قدرته ) ، أم في قيام المجتمع المؤمن ، وعلى مستوى تكامل دوري كل من الرجل والمرأة فيه ، فهما متعاونان في تهيئة سبل الاستقامة لإبنائه ، وتربيتهم ، وبناء شخصياتهم ، واستمساكهم بالحق ، كقيمة عليا لوجودهم في هذه الحياة ـ ، واتّباعهم لأنوار الفضيلة ـ كمطمح لهم في السلوك ، وكل هذا غير ممكن بدون الانتظام في المهمات ، والتكامل في الواجبات .
  كما ان الجهادين متفقا النتائج في منعة هذا المجتمع المؤمن من عوادي الإنحراف والسقوط في الرذيلة والخطيئة . .
  فماذا لو أن الرجل ـ مثلاً ـ لم يجد في زوجته ما يصبو اليه من كفاية حاجاته الجسدية والنفسية ، فلا يرى منها ، ولا يسمع ، ولا يشمّ ، الا ما يكرهه ، وتعافه نفسه ؟ .
  وماذا لو ان الوليد لم يجد من امه الحنان ، والحب الذي يحتاجه في نموه ، شخصية تامة سوية ، او أمه نشأ في احضان الكراهية ، أو الامبالاة ؟ .
  وماذا لو ان الرجل رجع إلى بيته من العمل ، ليرى الإهمال والوسخ مهيمنين عليه في كل ركن من أركانه ؟ .