الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 60 ـ

  أفيكفي جهاده لنفسه ـ حينئذ ـ ، او جهاده لعدوه ، وذوده عن حياض الإسلام إبعاده ـ ومن ثمّ إبعاد المجتمع المسلم ، عن طائلة وساوس النفس ، وعوادي الشيطان ، التي تتأتى جرّاه هذه الأمور وأشباهها ؟ . .
  لا اعتقد ان الإجابة بالإيجاب ستكون صحيحة عن هذا السؤال بحال من الأحوال كما يظهر مع أدنى تدبّر ، ومع ملاحظة و ـ لو ـ سريعة لحياة زوجية من هذا القبيل . .
  وواضح أن كل هذا مما يدخل في مسؤولية المرأة ، وأن قيامها بواجبها في هذه المسؤولية هو الذي يكمل دور الرجل ، وجهاده في الميادين الأخرى ، الخاصة منها والعامة ـ كما هو واضح ـ . .
  على ان قيام المرأة بمسؤولياتها هذه ، إنما هو من جهادها الذاتي لنفسها هي ، وجهادها للشيطان الذي قد يوسوس في صدرها ليعيقها عن إطاعة أمر الله ( سبحانه ) إطاعة أمر زوجها .
  ولئن احتاج الرجل ـ وبحكم مسؤوليته العامة ـ ، إلى أن يدخل ـ في جهاده ـ ميادين القتال ، وان يبارز الأقران ، ويعرّض حياته للعطب ، بل وللموت ، فأن المرأة ـ في جهادها هذا ـ لا تحتاج الا ان تصابر على اطاعة زوجها ، وتتعرف على شؤون بيتها ، وحاجات ابنائها ، وان تعسى ـ وبوسائلها الانثوية الخاصة ـ إلى امتلاك عواطف زوجها ومشاعره ، وتلّبي حاجاته النفسية والجسدية ، ليمتلىء هو من خلالها ، ـ كما تمتلىء هي من خلاله ـ بهجة وسعادة ، ليخرج الرجل الى ميادن العمل وهو لا يشعر بأي حاجة إلى غيرها ، كما لا تشعر بحاجة إلى غيره ، فلا يجد الشيطان إلى نفسيهما سبيلاً . . ولينشأ ـ من خلال تناغمهما العاطفي والاحساسي ، أبناؤهما في هناء ، وفي راحة بال .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 61 ـ

  بل ، وعليها ان تلتفت إلى زوجها قد تشغله مهمات الحياة التي يزاولها ـ في بعض ساعاته ـ عن الالتفات إلى بعض حاجاته العاطفية والجسدية ، وهذا يعني أن عليها ان تستثير مكامن هذه الحاجات فيه وتلفته إليها ، لتكفيه منها قبل ان تنبثق هي في وعيه فجأة في ساعات أخرى ، قد تفرض عليه الاكتفاء المحّرم ، او الإنحراف بتوجهاته النفسية إلى حيث لا يستسغيه الشرف والفضيلة ، ولا يسمح دين الله ( سبحانه ) .
  فالمرأة العاقلة تعلم أن الحياة تفرض متطلباتها ، وأن للجسد والنفس حاجتهما التي تفرض نفسها ـ ولا ريب ـ ، وأن ابتعاد بعض تلك المتطلبات وهذه الحاجات عن مراكز الوعي في بعض الساعات لا يعني عدم وجودها ، بل ولا يعني اضمحلاله في التأثير . . سواء في ذات المرأة أم في زوجها أم في أبنائهما . . وكفاية كل تلك المتطلبات والحاجات جعلت بيدها ـ في الدرجة الأولى ـ .
  ولهذا ، فكما لا تحقق استقامة مجتمع من المجتمعات مع دين الله ( تعالى ) ، ومع أحكامه الرشيد ، ومن غاياته السامية ، دون ان يمتلك من المنعَة والقوة ما يمكّنه من الدفاع عن نفسه ، وعن قيمه ، وعن علّو كلمته ، ليقف شامخاً ، سليم البنية ، أمام العوادي التي قد تصطدم به من خارجه ـ حيث مسؤولية الرجل في جهاده مع أعداء الدين ـ ، لا يمكن ان تتحق هذه الاستقامة أيضاً بدون ان يمتلك هذا المجتمع من القوة والمنعة ما يقف به صامداً ، ثابت القيم أمام عوادي الشيطان ، وأهواء النفوس ، التي تتعرض له من داخله ـ ككل ـ ، ومن داخل كل فرد فيه ، من خلال استمراره في العيش ، وتفاعله مع متطلبات الحياة ، ومن خلال تأثره بالطاقات الفطرية المودعة في أعماقه ، ومعروف أن مسؤولية هذه القوة والمنعة ملقاة ـ في بعض جوانبها ـ على المرأة بالدرجة الأولى . . كما يتضح مع أدنى تأمل . .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 62 ـ

  والأحاديث الواردة عن المعصومين ( ع ) في تفصيل جوانب من جهاد المرأة ـ في هذا المجال ـ تدخل إلى أعمق الأعماق من هذه النواحي ، التي أشرت إليها . .
  وقراءة سريعة للأحاديث التالية تؤكد هذا . .
  فعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال :
  ( إيما أمرأة دفعت من بيت زوجها شيئاً من موضع إلى موضع تريد به صلاحاً نظر الله إليها ، وممن نظر الله إليه لم يعدّبه .
  فقالت ام سلمة : يا رسول الله ، ذهب الرجال بكل خير ، فأي شيء للنساء المساكين ؟ ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : بلى إذا حملت المرأة كانت بمنزله الصائم القائم ، المجاهد بنفسه وماله في سبيل الله ، فإذا وضعت كان لها من الأجر مالا يدري أحد ما هو لعظمه ، فإذا أرضعت كان لها بكل مصّة كعدل عتق محرّر من ولد إسماعيل ، فإذا فرغت من رضاعة ضرب ملك كريم جنبها وقال : استأنفي العمل فقد غفر لك . . (1) ) .
  وعن أسماء بنت يزيد الأنصارية ، أنها أتت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو بين اصحابه ، فقالت : بأبي أنت وأمي ، إني وافدة النساء إليك ، واعلم ـ نفسي لك الفداء ـ انه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا إلا وهي على مثل رأيي .

**************************************************************
(1) وسائل الشيعة ـ ب من أحكام الأولاد ـ ج : 1 .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 63 ـ

  ان الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء ، فآمنّا بك وإلهك الذي أرسلك ، وإنّا ـ معاشر النساء ـ محصورات مقهورات ، قواعد بيوتكم ، ومقضى شهواتكم ، وحاملات أولادكم ، وأنكم ـ معاشر الرجال ـ فضّلتم علينا بالجمعة والجماعات ، وعيادة المرضى وشهود الجنائز ، والحج بعد الحج ، وأفضل من ذلك : الجهاد في سبيل الله ، وأن الرجل منكم إذا خرج حاجاً أو متعمراً ، أو ، مرابطاً ، حفظنا لك أموالكم ، وغزلنا لكم أثوابكم ، وربّينا لكم أموالكم (1) ) ، فما نشارككم في الأجر يا رسول الله ؟ .
  فالتفت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى أصحابه بوجهه كله ، ثم قال : هل سمعتم مقاله أمرأة قط أحسن من مساءلتها في أمر دينها من هذه ؟ .
  فقالوا : يا رسول الله ، ما ظننا ان أمرأة تهتدي إلى مثل هذا . فالتفت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إليها ثم قال لها :
  انصرفي ـ أيتها المرأة ـ وأعلمي من خلفك من النساء : إن حسن تبعّل إحداكن لزوجها وطلبها مرضاته ، واتباعها موافقته يعدل ذلك كله .
  فأدبرت المرأة ، وهي تهلل وتكبّر استبشاراً (2) ) .
  وعن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال :
  ( لا يحلّ لأمرة أن تنام حتى تعرض نفسها على زوجها تخلع ثيابه وتدخل معه في لحافه ، فتلزق جلدها بجلده ، فإذا فعلت ذلك فقد عرضت . . (3) ) .
  ومن مثل هذه الأحاديث أكثر من ان تستوعب في مثل هذه الرسالة ، فليرجع إليها من يشاء في جوامع الأحاديث .

**************************************************************
(1) الظاهر : اولادكم .
(2) الميزان في تفسير القرآن ـ ج 4 ـ ص 372 عن كتاب الدر المنثور .
(3) وسائل الشيعة ـ ب : 91 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ج : 5 .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 64 ـ

  هذا هو دور المرأة في المجتمع المؤمن ، وهذه هي نتائجه فيه ، وهو لا يخرج عن مفهوم الجهاد ـ بمعناه الإسلامي العام والدقيق ـ ، فهي ـ بتحملها لمسؤولية هذا الدور ـ قد ضمنت جوانب مهمة وحساسة من قوة المجتمع المؤمن ، وتكامل أفراده ، واستقامتهم في سبيل الله وفي سبيل الفضيلة والسمو النفسي والأخلاقي .
  بل ، ولا يكتمل جهاد الرجل في سبيل الله بالمال والنفس ، وقتاله لأعداء الله ( تعالى ) ، وأعداء دينه ، بدون جهاد المرأة في هذا المجال ، بل ولا يكاد يغني عنه شيئاً ، ولاسيما مع مصائد الشيطان ، وفوران الشهوات ، وشيوع الموبقات .
  ولهذا فحين تفي المرأة بمسؤولياتها تجاه زوجها وبيتها خير الوفاء ، ويكون وفاؤها هذا لله وحده ، وحين تكون خطواتها فيه مستقيمة مع تعاليمه ـ سبحانه ـ ، وحدوده التي شرعها لها في دينه القويم ، فطبيعي أن تنال كل ما أعدّه الله للمجاهدين في سبيله ، فالنتائج واحدة ، متكاملة المواقع والآثار ، وان اختلفت السبل ، وتفاوتت المهمات .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 65 ـ

الفصل الثاني
حُسنُ التبعُّل

  أما الفقرة الثانية من الحديث الشريف ، فهي قوله ( ع ) : ( حسن التبعّل ) .
  فهو من المرأة ـ أولاً ـ تبعّل ، والتبعّل في اللغة : إطاعة المرأة لبعلها ، كما في كتاب ( تاج العروس ) ـ ، البعل هو الزوج ، لما له من استعلاء على الزوجة . .
  فبهذا التبعّل تحقق المرأة طاعتها لبعلها ، وانضوائها تحت كنفه ، واستظلالها بظله ، والانقياد لقيادته .
  وأنه ـ ثانياً ـ حسن التبعّل ، يجري منها بأسمى ما تستطيعه من سلاسة ويسر ، تملأ به حياتها ، وحياة زوجها وأسرها بالسعادة والهناء ، وسلامة العلاقات ، ونقاء العشرة من كلّ ما يعكّر صفوها ، من عوامل الخلاف ، والتصلّب والانحراف .
  إذن ، فحسن التبعّل من المرأة عمل أختياري محض ، يتأتى من المرأة في إدراكها لمسؤولياتها ، وارتفاعها إلى مستويات العليا ، التي أرادها الإسلام لها من اتّباع كلمة الله ( تعالى ) ، والانقياد لأمره ونهيه . .
  إنها المؤمنة ، الملتزمة بدينها ، المطيعة لمولاها ، وبارىء وجودها ، المنقادة لتعاليم رسالتها ، العليمة بطبيعة الوفاء بدورها ، والقيام بمسؤولياتها الكبرى تجاه نفسها ، وتجاه زوجها ، وتجاه كل فرد من أفراد أسرتها ، بل وتجاه مجتمعها الفاضل السامي ، حيث تسعى ـ مع زوجها ـ لأن تجعل من علقتهما المباركة بعض مظاهر حكمة الله ( تعالى ) فيها ، ومشعلاً منيراً بين جميع العلاقات الزوجية الواردة في مختلف الأديان والمذاهب الأخرى التي تملأ الساحة الإنسانية .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 66 ـ

  وهي تعلم ان ليس عليها في هذه العلاقة المباركة قهر ، وليس عليها شطط أو حيف ، من زوجها أو من غيره . . فمن ( المعروف ) بدأت حدودها ، وإليه تنتهي وفي سبيله تمضي ، وهي حدود واضحة المعالم ، بينة الطرائق ، لا غموض فيها ، ولا افتعال .
  أما حيث ترى من زوجها ما لا ترتضيه في دينها ، وما يخالف أمر ربها ، أو ما يخالف المعروف في سيرته معها ، فإن هناك ـ وكما أشرت من قبل ـ ما تستطيع به أن تعيد الأمور إلى مجاريها ، وتكبح جماح زوجها ، وإلا كان لها مندوحة بالانفصال عنه ، والله ـ سبحانه ـ هو الرقيب الحسيب . .
  نعم أنها مسلمة مؤمنة ، وإنها عاقلة . .
  فهي ـ بحكم إيمانها ـ تعلم بأن الإسلام هو دين الحياة ، وأن له في كل صعيد من أصعدتها حكمه ، وله كلمته الواضحة ، وان له في كل جانب من جوانبها مناهجه القويمة ، ونظمه التي يستكمل بها وحدة تلك الحياة ، واستقامتها ، وتحقيق غايات الله ( تعالى) فيها .
  وهي ـ بحكم عقلها ونضجها ـ تعني أن العاقل اللبيب لا يسلك سبيلاً قبل أن يستجمع من دلائل الهدى فيه ما يبلغه الى غاياته ، وأنه لا يمضي في أمر حتى يعلم مصدره ومورده ، وفي مقابل هذا يدرك أن في الحياة مصاعب جمة ، تحتاج الى التضحية والتعاون ، وأن فيها ظروفاً قد تستوجب بذل مزيد من المعاناة والجهد ، بل وبذل الغالي والنفيس من أجل تجاوزها ، والهيمنة عليها .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 67 ـ

  وهي تعلم ان للإسلام من دلائل هداه في الحياة الزوجية خاصة ، ـ وكما هو الشأن في جوانب الحياة الأخرى ـ ما لا يرقى إلى سموه دلائل دين من الأديان الأخرى ، أو مذهب من المذاهب سواه ، وله انظمته وتعاليمه ، التي يمنهج بها هذه العلقة المباركة كما فطر عليه التكوين الإنساني ، فكل من المرأة والرجل على حد سواء ، ليضع كل طرف من اطرافها في موقعه المناسب ، ويشرع له من الحقوق والواجبات ما تستقيم به حياتهما تلك ، وتمضي به في سبيلها الرشيد ، نحو غاياتها السامية ، دون أدنى تلكؤ ، أو أنحراف ، ما دام كل طرف مستقيماً في اتجاهه معها ، جاداً في الوفاء بمسؤولياته فيها منتظماً في حدوده الإلهية التي رسمها الشارع له .

حسن التبعّل والغايات الإلهية الكبرى
  وهنا ـ ونحن بصدد الحديث في هذه النواحي ـ لا بد لنا من الالتفات إلى الغايات الإلهية الكبرى ، التي يطمح الإسلام إلى تحقيقها في أبنائه ، ومتبعي نهجه القويم . .
  وهي غايات لا أخال القارىء الكريم بعيداً عنها كل البعد ، ولاسيما بعد هذه المسيرة من الحديث .
  فقد قلنا إن الإسلام هو دين الفطرة ، وإنه الصبغة التي جبل عليها الإنسان . .
  والفطرة هي من خلق الله ( عزّ وجلّ ) ومظهر من مظاهر حكمته ، ومجلى من مجالي تدبيره للأشياء ، فمن الطبيعي أن يتجلّى فيها من الكمال الإلهي ما شاءت تلك الحكمة ، وأرادته فيها ، حيث يستحيل صدور النقص والقصور من القادر الكامل ، لمناسبة العلة ومعلولها .
  فمن البديهي أن يكون الإسلام ، هو رائد ذلك الكمال في قيمه ومثله وسبيله في مناهجه وأحكامه ، وكل هذا مما لا ريب فيه ، بحسب المقدمات والنتائج التي ألمحنا إليها في سابق الحديث .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 68 ـ

  فمن الطبيعي ـ حينئذ ـ ان يتجلى هذا الكمال والسمو والجلال في المؤمن ، وهو يتبع أمر الله ونهيه ، ويستجيب لهداه ودعوته ، ومن الطبيعي حينئذ ان يتميز هذا المؤمن عن غيره من متبعي الديانات والمذاهب الأخرى ، كفرد ، وكمجتمع ، وكنوع ، في أي صعيد من أصعدة التعامل البشري . .
  والبيت المؤمن لا يخرج ـ بدوره ـ عن هذه القاعدة .
  فمع أن المناهج والأحكام ، وحدود العلاقات التي شرعها الله ( تعالى ) في دينه القويم لأفراد هذا البيت ، وللزوجين منهم ـ بالخصوص ـ ، كافية للأخذ بزمامه ، إلى حيث أستقامة الحياة ، وانتظام شملها ، وتكامل مسؤولياتها وعطائها . .
  الا ان الغايات الرفيعة لحكمة الله ( سبحانه ) في هذا البيت المبارك ، لا تقف عند هذه الحدود ، وإن كانت بدورها ـ من الرفعة والانتظام بدرجة يعجز عن تحقيقها مذهب ، أو دين آخر سوى الإسلام .
  فالبيت المسلم ـ كما يريده هذا الدين العظيم ـ هو المشعل الوضاء ، الذي تطمح اليه بصائر البشرية ، في هذه الوحدة الإجتماعية المهمة .
  وهو يريده نموذجاً شامخاً في الهناء والسعادة ، والرفعة والواقعية ، تشتاق إليه النفوس والعقول ، وهي تضع برامجها في هذه اللبة الأولى من البناء الإجتماعي العتيد .
  ولا شك ان هذه الغايات الرفيعة ، أسمى من أن تتحقق في حدود تلك المناهج ، ذات السبل السلوكية الظاهرة ، دون أن يكون لها من الأسس العميقة والشاملة في كيان كل واحد من أطراف هذا البيت ، لتنعكس من خلال تلك الأعماق على جميع جوانبه ـ أولاً ـ ومن ثم على جميع آفاق الحياة .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 69 ـ

  والحديث المتقدم يجعل ( حسن التبعلّ ) ، هو القاعدة التي يركن إليها هذا البيت المؤمن للوصول إلى تلك الغايات من جهة المرأة ودورها فيها .
  وهذا هو موطن الإعجاز في هذا التعبير العظيم . .
  فـ ( حسن التبعلّ ) من المرأة ، يعني أنه المدى الأرفع ، وقمة الامتثال ، والانقياد منها لأحكام الله ( تعالى ) ، واتّباعها لنهجه ، من اجل تحقيق تلك الغايات في بيتها .
   . . إنه الطريقة المثلى ، التي تستطيع بها المرأة أن تحقق شدة الأواصر التي تُحكم العلاقات في عائلتها ، وتناغم العواطف في محيط أسرتها . .
   . . وإنه السبيل القويم ، الذي توحد به المؤمنة المسيرة النفسية والسلوكية في محيطها ، تمهيداً للسير نحو تلك الأهداف العليا ، التي ينبغي أن لا تغيب عن بال أحد من المؤمنين بحال من الأحوال .
  فـ ( حسن التبعّل ) يعني ـ فيما يعنيه ـ ضرورة أن توفي المرأة لبعلها كل ما تطمح إليه نفسه منها ، في ملء فكره ، وعاطفته ، وذوقه ، من محاسنها الشخصية كافة . .
  محاسنها في استقامة السلوك ، وفي المظهر الخارجي ، وفي سموّ الأخلاق ، وفي الكفاءة في إدارة البيت ، وفي تربية الأبناء ، وقبل كل هذا في انقيادها لأمر الله ونهيه ، فجميع هذه الأمور ـ وأشباهها ـ مما يطمح اليه الزوج من زوجته ، التي توحدت معها حياته ، ومضت في خط واحد متعاون المهمات ، متكامل الأهداف ، مشترك الخطى والثمار .
  و ( حسن التبعّل ) من المرأة ، يعني ضرورة أن تهيّىء لبيتها كل ما يحتاجه من الرعايا والحنو ، وحسن الإعداد والتنظيم ، من أجل أن يصبح النموذج الرفيع للبيوت ، حيث ترنو اليه البصائر ، وتطمح الأبصار .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 70 ـ

  و ( حسن التبعّل ) منها ـ يعني ـ كذلك ـ أن تتكفل تربية أبنائها ، وتنمي شخصياتهم المؤمنة ، وان تتعهّد ـ ومن خلال ما تملكه من عواطف نبيلة ، ومشاعر حساسة ، وإيمان واع ـ بناء هذه الشخصيات ، كما يريده الله ( تعالى ) لهم ، وكما يستهدفه دينهم في هدايته ، وتزكيته لنفوسهم .

حسن التبعّل ميزان للتقوى
  ثم ان اعتبار الإسلام للحسن في هذا التبعّل ، يعني ـ فيما يعنيه ـ ان هذا الدين القويم يجعل من كمال المرأة ، وسموّها في تبعلها لزوجها ، ميزاناً من موازين كرامتها عند الله ـ سبحانه ـ في هذا الجانب ، وفضلها لديه .
  أي إنه كلما كان وفاء المرأة بمسؤوليات الحياة الزوجية أكمل وأتمّ ، وكلما كانت مواقفها أكثر إشراقاً على حياتها ، وحياة زوجها ، وأبنائها وأسرتها ، كانت المرأة أقرب لأمتثال أمر الله ( تعالى ) في هذا التبعّل ، وكانت أكرم لديه ، وأسمى شأناً ، وهذه ناحية مهمة ، يجب على المرأة المؤمنة أن تلتفت إليها ، وهي تقوم بواجباتها فيه . .
  فغايات دين الله ـ سبحانه ـ في حياة الإنسان ، ـ وكما نعلمه من بدائه الإسلام وضرورياته الأولى ـ لا تقتصر في جانب من حياة الإنسان دون جانب ، ولا في أفق منها دون أفق ، وإنما هي تستوعب حياة المجتمع ، وعلاقاته كافّة ، كما تستوعب حياة الفرد وعلاقاته ايضاً ، سواء علاقته ببارئه ، أم بنفسه ، أم بالآخرين من بني نوعه ، أم بما حوله من ظواهر ومظاهر الوجود .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 71 ـ

  ومن هنا نرى أن أحكام الإسلام ومناهجه قد استوعبت كل آفاق الحياة وجوانبها ، فكان لله في كل واقعة حكمه ـ كما تشير إليه نصوص الإسلام ـ ، وكان له في كل حادثة أمره ونهيه . .
   وهكذا أصبح كل أفق من آفاق حياة الإنسان ، وكل علاقة من علاقاته ، مجالاً لأمتثاله لأمر الله ( تعالى ) ، ونهيه ، وأفقاً من آفاق تقوى الله وعبادته ، بمعنى أن كل أفق من تلك الآفاق ، وكل علاقة من تلك العلاقات ، قد أصبح مضماراً للكرامة والفضل عند الله ـ سبحانه ـ .
  وتبعّل المرأة لزوجها ـ بكل ما فيه من اتّباع لأمره ، وخضوع لقوامته ، وتبدّل له وتربية لأبنائها ، ورعايتها لبيتها ، وحنوّ على أسرتها ، وغير ذلك ـ لا يخرج عن هذا الإطار أيضاً ، فإن لكل من هذه الأمور حدوده ، وأوامره ونواهيه ، ومناهجه القائمة على ( المعروف ) ، فمن الطبيعي ـ حينئذ ـ أن يصبح بعض موازين الكرامة ، والفضل والسمو عند الله ( سبحانه ) .
  وأقف في استلهام دلالات الحديث العظيم عند هذا المقدار ، فمع أن عطاءه لا يقف عن هذه الحدود ، الا ان من غير الممكن ان نمضي معه أكثر من هذا ، فالموقف أضيق من أن يسمح لنا بالمزيد .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 72 ـ

الفصل الثالث
أحكام المرأة في البيت المسلم

   أما الأحكام التفصيلية للمرأة المؤمنة في البيت المسلم ، وبيان مسؤولياتها تجاه بعلها ، وتجاه بيتها وابنائها وأسرتها ، فلا ريب أنها تنبسط على جميع جزئيات هذه العلاقة المباركة ، وأبعادها وحالاتها . .
  وفي بيان هذه الأحكام تواترت النصوص الإسلامية المختلفة ، من القرآن الكريم ومن السنة الشريفة ، حيث تناول كلُّ منها جانباً ، أو جوانب من هذه العلاقة ، سواء في بيان موقعه وأهميته في هذه الحياة ، أم في تنظيمه ، وتحديد معاملة وآثاره ، ضمن المنهجة الإسلامية العامة للحياة ، الفردية منها ، أو الاجتماعية .
  ولسعة هذه الناحية ، فإن من خطل القول أن يدعي مدع إمكان استيعابها في حديث سريع كالذي نحن فيه ، ولكننا ـ ولكي تكتكل لدينا صورة حسن التبعّل الذي يريده الإسلام من المرأة المؤمنة ، حيث موضوع الحديث في الفصل السابق ـ نقف قيلاً عند أربعة من جوانب هذه العلاقة ، لها أهميتها في المنهجة الإسلامية ، ولها تأكّدها الخاص في نصوص العصمة .
  وبل ويمكن اعتبار هذه الجوانب مجاري لكثير من الأحكام التفصيلية ، المذكورة لكل من طرفي هذه العلاقة المباركة ، وراء الأحكام الإسلامية العامة ، الواردة في تنظيم العلاقات الفردية والإجتماعية ، وقامت عليها أسس المنهجة الإسلامية للمجتمع ، وتحديدها لعلاقة الفرد بكل فرد آخر من أفراده ، وكل شريحة من شرائحه .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 73 ـ

  فكما هو معلوم ـ من بدائه الإسلام الأولى ـ ان لشريعته المقدسة أحكامها في بناء علاقة الإنسان ببارئه ، وعلاقة الفرد بذاته ، وعلاقة الفرد بنوعه ، ثم علاقة المسلم بأخيه المسلم ، وعلاقة المؤمن بأخيه المؤمن ـ خاصة من بين المسلمين ـ ، وهكذا .
  وضمن تسلسل هذه الحلقات ترد أحكام الشريعة المقدسة ، لتكون الحلقة الثانية امتداداً للحلقة التي قبلها ، وبعداً من أبعادها ، مع إضافة خصوصية زائدة تقتضيها خصوصية الموقع . .
  فعلاقة الفرد بذاته لا تعني ـ في أحكامها الإسلامية ، استبعاد علاقته ببارئه ، بل هي مجلى من مجاليها ، وبعد من أبعادها ، وهكذا ترد علاقة الفرد بنوعه ، وعلاقته بمجتمعه المسلم ، ثم بمجتمعه المؤمن ـ خاصة ـ ، فكل منها يحتفظ ـ في أحكامه الشرعية ـ على ما شرع منها للدرجة السابقة ، في الوقت الذي يضيف حدوداً جديدة تقتضيها شؤون هذه العلاقة الجديدة . .
  وأحكام العلاقة الزوجية لا تخرج عن هذا الإطار أيضاً ، فالأحكام الخاصة التي توضع للزوجين ، إنما ترد من خلال أحكام علاقتهما ببارئهما ، وعلاقة كل منهما مع ذاته ، وعلاقة كل منهما مع الآخر كفردين من النوع الإنساني ، وكمسلمين أيضاً ، وكمؤمنين تحكمهما أخوّة الإيمان وولايته . .
  وعلى هذا الأساس ـ خاصة ـ يجب أن يبني الزوجين علاقتهما الزوجية ، ومن خلال هذا التسلسل يجب أن يدركا مسؤولياتهما ، ويجريا في الوفاء بها .
  أما الأبعاد التي ينبغي أن نقف عندها فهي :

قوامة الزوج
  أولاً : ما يتعلق بشؤون العلاقة الأولى ، التي بنيت عليها الحياة الزوجية في الإسلام ـ بعد عنصري الوحدة والتماثل في المسؤولية بـ ( المعروف ) ـ ، وهي قوامة الزوج على زوجته ، وامتثالها لأمره ، وتبعيتها له في قيادته لركب الأسرة .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 74 ـ

  فالإسلام بعد ان جعل للرجل قوامته على المرأة ـ كما رأيناه في حديث سابق ـ ، وحدد له السلوك بحدود ( المعروف ) نهجاً ، يتّبعه في معاملته مع زوجته ، وان لا يتجاوز ـ في قوامته هذه ـ أمر الله ( تعالى ) أو نهيه ، وقيادة ركب العائلة نحو الكمال الذي يستهدفه الإسلام في الحياة الإنسانية ، بحدودها ما يستطيعه كل فرد من أفرادها ، وما تتمكن منه كل شريحة اجتماعية في موقعها الخاص .
  أقول : فالإسلام بعد جعل للرجل هذه القوامة بهذه الحدود ، أوجب على المرأة أن تنتظم في سلوكها مع إرادة زوجها ، ويطيعه فيما يأمر وما ينهى ، ضمن تلك الحدود ، وان لا تعصيه في شيء منها ، إذ إن للمعصية حينئذ آثارها ، لا في حدود ارتكاب ما يخالف أمر الزوج ونهيه فحسب ، وإنما في حدود إرتكاب مخالفة أمر الله ـ سبحانه ـ ونهيه ، فهو الذي جعل تلك القوامة للرجل ، وأوجب عليه السير في خطوط ما أمره الله ( تعالى ) به ، ونهاه عنه فيها ، وهو الذي حدد له غاياتها . .
  ومن الأحاديث الواردة عن المعصومين ( ع ) في هذا المجال :
  1 ـ ما ورد عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أنه قال لأمرأة دخلت عليه ، فقالت : يا رسول الله ، ما حق الزوج على المرأة ؟ .
  فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن تطيعه ولا تعصيه . . الحديث (1) ) .
  2 ـ وعن الإمام أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : ( أيما أمرأة باتت وزوجها عليها ساخط ( في حق ) ، لم تقبل منها صلاة حتى يرضى عنها زوجها . . (2) ) .

**************************************************************
(1) وسائل الشيعة ـ ب : 79 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ـ ح : 1 .
(2) وسائل الشيعة ـ ب : 80 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ـ ح : 1 .ـ

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 75 ـ

   3 ـ ما ورد عن أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) قال : ( ان قوماً اتو رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا رأينا أناساً يسجد بعضهم لبعض .
  فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها (1) ) .

العلاقة الزوجية الخاصة
  ثانياً : ما يتعلق بالعلاقة الجسدية الخاصة بين الزوجين ، أعني العلاقة الجنسية . .
  ومع أن الإسلام يرتفع بهذه العلاقة إلى حيث أعدّها الله ـ سبحانه ـ في أصل خلقة الإنسان ، من الحفاظ على النوع ، وديمومة الجنس البشري في هذه الأرض . .
  ومع أنه يرتفع بنظرة المسلم ـ إزاء غريزته الجنسية ـ إلى تلك الآفاق العليا ، منذ بدأ أختيار الرجل لزوجته ، في أخلاقها ، وتديّنها ، وقابليتها على الإنجاب وإن لم يستجملها الزوج . . وهكذا بالنسبة إلى المرأة في أختيارها لزوجها . .
  أقول ومع الإسلام يرتفع بهذه الغريزة الإنسانية الى تلك الآفاق العليا الا أنه في الوقت نفسه ـ لا ينكر التأثير العارم لهذه الغريزة ، وهيمنتها على نفس الفرد ـ رجلاً كان أم أمرأة ـ ، ولهذا فقد أولاها أهميتها المناسبة ، وجعل لها من النظم والحدود ما يمهّد لكل من الزوجين الاكتفاء بشريك حياته حق الاكتفاء ، لينطلق الى المجتمع ، سليم النفس ، ثابت الجنان رفيع النظرة ، شريف المعاشرة ، بعيداً عن الضعة والكبت والانحراف . .
  وهكذا ، فقد جعل الإسلام مباضعة الرجل لزوجته سبيلاً من سبل العبادة لله ( سبحانه ) حتى أعتبرها مصداقاً من مصاديق الصدقات العامة ، ووسيلة من وسائل التقرب إلى الله ( عز وجل ) .

**************************************************************
(1) وسائل الشيعة ـ ب 81 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ح 1 .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 76 ـ

  ففي الحديث عن أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لرجل .
  اصبحت صائماً ؟ ، فقال : لا . قال : افأطعمت مسكيناً ؟ ، قال : لا : قال : فأرجع إلى أهلك ، فإنه منك عليهم صدقة . (1) ) .
  وعن أبي عبد الله الصادق أيضاً ، قال : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دخل بيت أم سلمة ، فشم ريحة طيبة ، فقال : أتتكم الحولاء ؟ فقالت أم سلمة : هو ذا هي تشكو زوجها ، فخرجت عليه الحولاء فقالت : بأبي أنت وأمي ، إن زوجي عني معرض ، فقال : زيديه يا حولاء ، فقالت : لا أترك شيئاً طيباً مما أتطيب له به ، وهو معرض .
  فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أما لو يدري ماله بإقباله عليك ؟ قالت : وما له بإقباله عليّ ؟ .
  فقال : أما أنه إذا أقبل اكتنفه ملكان ، وكان كالشاهر سيفه في سبيل الله ، فإذا هو جامع تحاتّ عنه الذنوب كما يتحات ورق الشجر ، فإذا هو أغتسل انسلخ من الذنوب (2) ) .
  وفي المقابل ـ ، واستكمالاً لهذه الغاية ـ فرض على المرأة ان تعرض نفسها على زوجها ، وتتهيأ له بكل ما تستطيعه من الوسائل المشروعة ، في التزين ، والتطيب ، والتخلّع لإغرائه ، وإثارة رغباته . .
  كما حرم عليها ان تمنعه من نفسها عند رغبته لها ، وان كانت في حالات الانشغال عنه .

**************************************************************
(1) وسائل ب 49 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ح 1 .
(2) ن . م ـ ح : 2 .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 77 ـ

  ففي الحديث عن أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) ، قال : جاءت امرأة إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقالت : يا رسول الله فقالت : يا رسول الله ، ما حق الزوج على المرأة ؟ . . فقال : اكثر من ذلك ، قالت : فخبّرني بشيء منه .
  فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( ليس لها ان تصوم إلا بإذنه ـ يعني تطوعاً ـ ، ولا تخرج من بيتها بغير إذنه ، وعليها ان تتطيب بأطيب طيبها ، وتلبس أحسن ثيابها ، وتتزين باحسن زينتها ، وتعرض نفسها عليه غدوة وعشية ، وأكثر من ذلك حقوقه عليها (1) ) .
  وعن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( لا يحل لامرأة تنام تعرض نفسها على زوجها . . تخلع ثيابها وتدخل معه في لحافه ، فتلزق جلدها بجلده ، فإذا فعلت ذلك فقد عرضت . . (2) ) .
   وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ( اتت امرأة إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالت : ما حق الزوج على المرأة ؟ ، قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ان تجيبه الى حاجته وان كانت على قتب . . (3) ) .
  وعن أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) قال : ( خير النساء التي إذا خلت مع زوجها فخلعت الدرع خلعت معه الحياء ، وإذا لبست الدرع لبست معه الحياء . . (4) ) .

**************************************************************
(1) وسائل ـ ب : 79 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ـ ح : 2 .
(2) وسائل ـ ب : 91 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ـ ح : 5 .
(3) وسائل ـ ب : 79 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ـ ح : 3 .
(4) وسائل ـ ب 6 مقدمات النكاح وآدابه ـ ح : 12 .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 78 ـ

  وعن جابر بن عبد الله قال : ( كنا عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : إن خير نسائكم الولود ، العفيفة في أهلها ، الذليلة مع بعلها والمتبرجة مع زوجها ، الحصان على غيره ، التي تسمع قوله ، وتطيع أمره ، وإذ خلا بها بذلت ما يريد منها . . (1) ) .
  بل ، والملاحظ في النصوص الإسلامية ـ كما في الحديث السابق واشباهه ، انها تقدم استجابه المرأة لزوجها في هذا الجانب ، على بعض العبادات الأساسية غير الواجبة حين تتعارض معها ، كالصيام التطوعي ، والصلوات التطوعية ، بل وإطالة الصلوات حتى الواجبة منها . .
  فالإبضافة إلى الحديث المتقدم نقرأ :
  ما عن أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للنساء : لا تطولوا صلاتكن لتمنعن أزواجكن . (2) ) .

تربية الابناء
  ثالثاُ : ما يتعلق بعلاقة المرأة مع ثمار حياتها الزوجية مع بعلها وحملها ، وولادتها وارضاعها لأولادها ، وتربيتها لأبنائها ، وكما قلت في سابق الحديث ، ان هذه الثمار وتزكيتها ، وإنشائها سوية مؤمنة ـ كما أرادها القرآن والإسلام ـ ، هي الغاية الأولى التي ينشدها الإسلام من هذه العلقة المباركة ، وتنظيمها ، وشدّ أواصرها .
  فالحياة العائلية ، والبيت المؤمن ، هما الموطن الأول الذي يتمّ فيه بناء الشخصية المؤمنة للوليد ، والمنطلق الذي تدخل ـ من خلاله ـ الأجيال المسلمة معترك الحياة ، والدرجات الأولى من سلّم الارتفاع نحو الغايات الإسلامية العليا حيث سيمتلك المجتمع المؤمن زمام السمو والرفعة والكمال .

**************************************************************
(1) فروع الكافي ـ ج : 2 ـ ص : 3 ، والتهذيب ـ ج : 2 ـ ص : 266 .
(2) وسائل ـ ب : 82 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ـ ح : 1 .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 79 ـ

  فمن هذه العلقة المقدسة يستمر التوالد ، وفي حنان الأبوين ينشأ الأولاد ، ومن عطائهما وتضحياتهما يتم نموهم ، وتحت ظلهما يترعرعون ، ومن اخلاقهما وسلوكهما يقتبسون ، ومن مثلهما وقيمهما في الحياة يكتسبون ، وبمساعدتهما يدخلون أعتاب الحياة ، ويصلون إلى المراحل التي يستطيعون فيها اكتشاف مؤهلاتهم ، وتحمّل مسؤولياتهم الكاملة في هذه الحياة .
  ولا يقل دور الأم ـ في هذه الفترات الأولى من حياة الأولاد ـ عن دور الأب ، بل ولها الدور الأكبر فيها ، ولا سيما في المراحل الأولى منها ، كجنين في بطنها ، وكوليد في أحضانها ، وكمرتضع من ثديها ، وكناشىء محتاج إلى حنوّها ورعايتها ، ودافىء عواطفها .
  وطبيعي أن يكون لكل من النواحي حدوده ، التي يجب على المرأة المسلمة التعرّف عليها ، وله مسؤولياته ، ومن ثم له أحكامه في الشريعة المقدسة ، كما ان له نتائجه وآثاره في علاقة المؤمنة ببارئها ، واتّباعها لأوامره ونواهيه .
  ولا ندخل في تفصيل هذه الناحية ، فهي واسعة الفروع ، ولها مواردها في كتب الفقه والحديث والتفسير ، وغيرها ممن مصادر الثقافة الإسلامية .
  نعم ، يمكننا أن نقرأ ـ هنا ـ ما نقله الإمام أبو عبد الله الصادق ( عليه السلام ) عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال : ( أيما أمرأة دفعت من بيت زوجها شيئاً من موضع إلى موضع ، تريد به صلاحاً نظر الله إليها ، ومن نظر الله إليه لم يعذّبه ) .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 80 ـ

  فقالت ام سلمة ( رض ) : يا رسول الله : ، ذهب الرجال بكل خير ، فأي شيء للنساء المساكين ؟ ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : بلى ، إذا حملت المرأة كانت بمنزلة الصائم القائم ، المجاهد بنفسه وماله في سبيل الله ، فإذا وضعت كان لها من الاجر مالا يدري أحد لعظمه ، فإذا أرضعت كان لها بكل مصّة كعدل عتق محرر من ولد إسماعيل ( عليه السلام ) ، فإذا فرغت من رضاعه ضرب ملك كريم على جنبيها وقال : استأنفي العمل ، فقد غفر لكِ . (1) ) .

دور المرأة في البيت المؤمن
  رابعاً : ما يتعلق بإدارتها لبيتها ، وإصلاحها لأمره ، والقيام على شأنه .
  ولا ريب ان البيت مملكة المرأة ـ كما يقال ـ ففيه تبرز إدارتها ، وعليه تظهر ملامحها ، وفي تنسيقه يتحقق ذوقها ، وتبرز كفاءاتها ، ومن هنا فإن أكثر النساء السويات يرين ان البيت ملكهن الخاص ، وفي شؤونه ـ أي في المطبخ والمجلس والمنام ـ يتجلّى نجاحهن في الحياة ، أو فشلهن .
  والإسلام في تشريعه ومنهجته لحياة ـ ، أقرّ للمرأة بهذه الناحية الأساسية من حياتها ، وجعلها كذلك ، وجعل القيام على البيت ، وإصلاح شؤونه من سبل عبادتها لربها ، ومضماراً لقربها منه ( تعالى وعز ) .
  وهذا مما قرأناه في الفقرة الأولى من الحديث السابق ، من قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
  أيما أمرأة دفعت من بيت زوجها شيئاً من موضع إلى موضع ، تريد به اصلاحاً نظر الله اليها ، ومن نظر الله إليه لم يعذّبه . ) .
  وفي مضمونه نقرأ كذلك ما عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) :
  ( المرأة الصالحة خير من ألف رجل غير صالح ، وأيما أمرأة خدمت زوجها سبعة أيام ، أغلق الله عنها سبعة أبواب النار ، وفتح لها ثمانية أبواب الجنة ، تدخل من أيها شاءت . (2) ) .

**************************************************************
(1) وسائل الشيعة ب : 67 من أبواب أحكام الأولاد ـ ح : 1 .
(2) وسائل الشيعة ـ ب 89 من أبواب مقدمات النكاح ـ وأدابه ـ ح : 2 .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 81 ـ

  وعنه ( عليه السلام ) : ( ما من أمرأة تسقي زوجها شربه من ماء ، إلا كان خيراً لها من عبادة سنة ، صيام نهارها ، وقيام ليلها ، ويبني الله بكل شربه تسقي زوجها مدينة في الجنة ، وغفر لها ستين خطيئة (1) ) .
  ولكن عليها ـ في الوقت نفسه ـ ان تلتفت إلى ان ما تحت يدها من أموال الزوج ، التي يتكون منها بيتها ـ عادة ـ إنما هو أمانة ، لا يجوز لها التصرف فيها ، إلا في حدود ما تمضي به مجريات حياة الأسرة ، وفي حدود ما يأذن به الزوج لها ، حتى في مجال التطوع ، والتصدق ، وأشباهه . .
  فعن أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) قال :
  ( خير نسائكم الطيبة الريح ، الطيبة الطبيخ ، التي إذا أنفقت أنفقت بمعروف ، وأن أمسكت أمسكت بمعروف ، فتلك عامل من عمّال الله ، وعامل الله لا يخيب ، ولا يندم (2) ) .
  وعن الإمام أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) قال :
  ( ما أفاد عبد فائدة خيراً من زوجة صالحة ، إذا رآها سرّت ، وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله . (3) ) .
  وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال :
  أتت أمرأة إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالت : ما حق الزوج على المرأة قال : . . ولا تعطي شيئاً إلا بإذنه ، فإن فعلت فعليها الوزر وله الأجر . . الحديث (4) ) .

**************************************************************
(1) ن . م ـ ح : 3 .
(2) الوسائل ـ ب : 6 ـ ح : 6 .
(3) الوسائل ـ ب : 9 ـ ح : 6 .
(4) الوسائل ـ ب : 79 ـ ح : 3 .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 82 ـ

خاتمــة
  نعم ، هذه هي الحياة الزوجية في الإسلام ، وهذا هو دور المرأة فيها ، وها هي بعض حدود الزوجة المؤمنة في علقتها الزوجية مع شريك حياتها ، وهذه بعض أحكامها في استيفاء شرائطها التي يريدها الله ( تعالى ) منها .
  ولا أحاول السير أكثر من هذا في هذه الناحية ، فلست الآن الا بصدد إعطاء صورة عامة عن مسؤولية المرأة في هذه العلقة وتوابعها ، وفيما ذكرناه كفاية لنا فيه .
  وهكذا رأينا ان على المرأة ان تعلم ان أحكام الله ـ سبحانه ـ التي رسمت لها في هذا الجانب مما يجب عليها امتثاله ، كأي حكم إسلامي آخر ، ويجب عليها ان تفي بكل متطلباتها دون أدنى تقصير ، او تجاوز ، فهي حدود إلهية قبل أن تكون طرائق وصيغاً اجتماعية ، تمسّ حياة المجتمع .
  ولهذا ، فإن هذه الأحكام بالرغم من أن الزوج قد جعل مورداً لها ، وانها جعلت من حقوقه المشروعة على زوجته ، الا ان آثارها ونتائجها لا تختص به وحده ، كما انها ليست مقطوعة الصلة عن الهيكل الإسلامي العام ، بل هي ترتبط ـ في مبدئها ونتائجها ـ بمشرّعها الحكيم ( تعالى شأنه ) ، وعليها يعتمد نظام المجتمع المسلم في مسيرته المتكاملة نحو السعادة والراحة والكمال ، ولهذا فما كان للمرأة ان تخرج عليها ، أو تقصر في الوفاء بها ، دون أثر سلبي ينعكس عليها ، وعلى التزامها بدينها القويم ، وعلى علاقتها بالله ( تعالى ) ، وعلى مكانتها لديه ، وعلى منزلتها في الكرامة عنده .
  واحكام المرأة هذه ، وابعادها وحدودها التي ذكرناها ، ليست فريدة فيها ، وليست استثناء من الأحكام الإسلامية في مختلف جوانب حياة الإنسان . .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 83 ـ

  فمََثل هذه الأحكام التي فرضت على الزوج نفسه ، وهي تحدد مسؤوليته تجاه زوجته ، أو تجاه بيته وعائلته ، ومثل الأحكام التي جعلت على الأبوين تجاه أبنائهما ، أو العكس ، أو غير هذه الصور من العلاقات الاجتماعية في مختلف أصعدة الحياة . .
  فكل حكم منها ليس منوطاً في حدوده ، وليس مبتوراً عن مبدئه ونتائجه ، أو منفصلاً عن سائر أحكام الإسلام وغاياته ، وليس في مجال تحديد حقوق او واجبات طرف معين في المجتمع فحسب ، ليكون تجاوزه تقصيراً في حق ذلك الطرف وحده ، بعيداً عن حق الله ـ سبحانه ـ او التزام هداه ـ كما قد يتصوره البعض من ذوي النظرة السطحية ـ .
   . . بل على الكل ان يعلم ان أحكام الإسلام قاطبة ، إنما هي مناهج الله وحدوده ، وشرائعه التي سنّها في دينه القويم ، ولا بد لأي انسان ان يفي بها ، كأكمل وأتم ما يمكن الوفاء ، حين يريد أن يخرج عن عهدة التزامه لدينه ، وعبوديته لله ( عز وجل ) .
  وعلى الكل أن يعلم ان هذه المناهج مما اقتضته الطبيعة الإنسانية ، وفطرة الخلق ، وحكمة التكوين ، كما اقتضته حكمة التشريع أيضاً ، حيث تمضي هذه الحكمة مع الواقع ، ومع المصلحة الوجودية العميقة للإنسان . .
  بل ، وما كان لحياته وشؤونه الأخرى ان تتكامل ، وتنتظم في كل افق من آفاقها ، دون أن يمضي معها في كل منهج ، وفي كل حكم . .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 84 ـ

  وعلى الكل ان يعلم ان هذه المناهج ، مما يرد في سبيل تحقيق الغايات الربانية العليا في البيت المسلم ، وفي المجتمع المسلم ، بل وفي الإنسان المسلم ، في أي صعيد من أصعدة الحياة ، كنموذج رفيع لإنسانية التي تطمح إليه جميع البصائر في تطلعاتها للحياة المثلى ، مما يعني ان مثل هذه الغايات الرفيعة غير ممكنة البلوغ دون هذه السبل ، ودون الإنصياع إلى دلائلها الرشيدة ، والتقيد المطلق بأحكامها .
  إذن ، فمخالفة الإنسان لهذه الأحكام الإلهية ، أو الخروج عن خطها ، سواء من المرأة أو من الرجل ، وفي أي صعيد من أصعدتها ـ ومنها ما ورد في الحياة الزوجية ـ يعني خروج هذا المرتكب عن مقتضيات عبوديته لله ـ سبحانه ، وفي توفيته لشرائط إيمانه ، وعن مدلول حجة الله البالغة عليه ، بل وعلى المرتكزات الإسلامية العامة . .
  وواضح ان حدود الحياة الزوجية وحقوقها وواجباتها ، ـ بالنسبة الى كل من الرجل والمرأة ، كغيرها من أحكام الله وشرائعه ومناهجه ـ شاملة للبشرية كافة ، لم يستثن من عمومها أحد من الناس ، أو موقع أجتماعي خاصّ ، ولم تلحظ فيها قيود تخصصها في فئة من البشر ، أو طائفة خاصة منهم ، وإنما هي احكام مطلقة ، تستوعب عموم المكلفين في لزومها ، كما شملتهم في حجتها وهداها .
  إذن ، كما وجب على كل رجل مؤمن ، يتخذ من دين الله طريقاً ، ومن عروته الوثقى مستمسكاً ومعتصماً ، أن يفي لزوجته حقها بالمعرف ، وكما رسمه الله في حدوده الخاصة والعامة ، يجب على كل زوجة مؤمنة ان تفي لزوجها حقه عليها ، كما شرع الله لها دون تقصير او استثناء ، والا أخلاّ بأساس علاقتهما ببارئهما ، وبدينهما ، قبل ان يخلاّ بحق كل منهما تجاه الآخر .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 85 ـ

  أما الصيغة المتصورة للوفاء بهذه الحدود ، فطبيعي ان تطّرد ـ في كمالها وسموها ـ مع درجات إيمان المرء ومعرفته ، وانقياده لأحكام دينه القويم ، وأهتدائه بأنواره ، فهذه هي الموازين الإسلامية للتفاضل عند الله ( تعالى ) ، ولا يخرج عنها هذا الموقع أيضاً .
  وهكذا ، فكلما كانت وفاء الإنسان ـ رجلاً كان أم أمرأة ـ لمسؤولياته اتم ، وكانت استجابته لاحكام الله ـ سبحانه ـ أكبر ، كانت درجة كرامته لدى الله أسمى .
  وهكذا كان لتقوى الله ( تعالى ) في هذا البعد دورها في التفاضل ، وفي تعيين درجات التكريم الإلهي . . فإن ( أكرمهم عند الله أتقاكم . . . ) (1) ) ، صدق الله العلي العظيم .

**************************************************************
(1) الحجرات : 13 .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 86 ـ

القسم الثاني
وصايا خاصة للمؤمنة في الحياة الزوجية

تمهيـــد
  مما سبق من الحديث الذي راعيت فيه ـ قدر الإمكان ـ ان يكون سهل الإسلوب ، واضح المفاهيم ، يمكن لكل من الزوجين من حملة الثقافة المتوسطة ـ وخصوصاً المرأة وهي المقصودة فيه ـ ان يكتشف ـ ومن خلاله ـ ما يستعين به للدخول الى الحياة الزوجية ، ويكون مع قرينه البيت المسلم المثالي دون عناء .
  الا أن تشويش الأمور ـ في الغالب ـ في مراحل ما قبل الزواج ، ولاسيما في مرحلة الخطوبة ، بل وحتى في بواكير الحياة الزوجية وبدايانها ، وعدم وضوح الرؤية فيها لكل من الزوجين ، قد يعيقهما ، وخصوصاً الفتاة منهما ، لمشغولياتها الخاصة المعروفة في هذه الأيام ـ عن اي يحددا لنفسيهما طريقاً واضحاً ، يمكن ان ينتهجاه في سعيهما للوصول إلى المرحلة الكمال والسعادة في هذه العلقة الزكية المقدسة .
  ولهذا رأيت ـ ومن خلال التدبر في العطاء الإسلامي الوارد في هذا المجال ، ومن خلال خبرتي الخاصة ، كزوج ، وكرجل دين اضطرته مهمته في المجتمع إلى ان يطلّع على الكثير من العلاقات الاجتماعية ، والزوجية منها بالخصوص عن كتب ، ويرى ما فيها من سلبيات وإيجابيات ، وكباحث قرأ شيئاً مما أبداه مصلحون من مقترحات ـ . .
  أقول : ولهذا رأيت ـ ومن المنطلقات كلها ـ ان اكتب هذه الوصايا العشرين في خطوط محددة المعالم ، يمكن للفتاة المؤمنة ـ وهي موضوع هذه الرسالة في مبدئها ـ ان تجد فيها بغيتها في هذا السبيل ، وان لم يعد الفتى المؤمن شيئاً ما يحتاجه فيها أيضاً .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 87 ـ

  ولكنني أنبه هنا ـ وكما قلته في مقدمته هذا الحديث ـ إلى أن لكل حالة مشخصاتها ، ولكل حياة خصائصها ، ولهذا فيجب على قارئه أو قارىء هذه الوصايا ان يتحريا ما يناسب حالتهما الخاصة منها ، دون أن يفرضا على نفسيهما ، وعلى حياتهما المشتركة ما هو بعيد عنها كل البعد .
  وعلى كل منهما ـ قبل هذا وبعده ـ ان يستعينا بالله ( تعالى ) وحده ، ويلتجئا إليه في جميع الأحوال ، ويتوكلا عليه ـ سبحانه ـ في جميع القضايا ، فهو أجل من يترك من استعان به ، أو يخّيب من التجأ إليه ، أو يترك من توكّل عليه .
   وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (1) ) صدق الله العظيم . .

**************************************************************
(1) العنكبوت : 69 .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 88 ـ

الوصية الأولى
النجاح والفشل في الحياة الزوجية

  اشرنا في الباب الأول المتقدم إلى ما بين الزوجين في الإسلام من حدة نفسية تجعلهما كياناً واحداً في الاتجاه ، والطريق ، والنتائج .
  وهذه الوحدة جعلت للعلقة الزوجية خصائص مهمة ، تمتاز بها عن غيرها من العلاقات الأجتماعية الاخرى مهما كانت وطيدة ، بما فيها الأخوّة والبنوة والأبوة ، وغيرها .
  ومن هذه الخصائص المهمة : شعور كل من الزوجين بأن الآخر أصبح جزءاً منه ، بمجرد نطقه بالعقد الشرعي لهذه العلقة ، وان شريكه فيها قد أصبح بعض وجوده وجزءاً من كيانه ، وهو شعور متبادل مشترك بينهما .
  فالرجل يرى ان زوجته قد اصبحت بعض ذاته ، وكذلك المرأة ترى ان زوجها قد أصبح جزءً منها ، فكيانهما واحد ، وحياتهما واحدة ، وآثار تصرفاتها مشتركة الوقع عليهما معاً ، كما انهما يتحمّلان تبعات الحياة ـ في سرّائهما وضرّائهما ـ بشكل مشترك .
  وقد أشرنا ـ فيما يتقدم ـ إلى أن هذا الشعور فطري في الزوجين ، وواقع مكين فيهما معاً ، لا في حدود الرؤية الإسلامية الخاصة ، وإنما في جميع المجتمعات والتقاليد والمذاهب ذات الصبغة الاجتماعية ، في جميع أنحاء العالم .
  نعم ، إن للإسلام فضل تأكيدها ، واعتبارها موضوعاً لمناهجه واحكامه في هذه العلقة المقدسة ، وما ينشأ عنها من نتائج .
  ولا ريب ان لهذا الشعور المتبادل عمقه الكبير في الحياة الزوجية عامة ، وله انعكاساته المهمة على نفسية الزوجين ، وسلوكهما ، وطريقة تفكيرهما ، وتلقّيهما للأمور التي تحدث في حياتهما .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 89 ـ

  ومن الآثار المهمة التي تنشأ من هذا الشعور : ان كلاً من الزوجين يرى ان ما يأتي به رفيقه من سلوك ، وما يكسبه من النجاحات في الحياة ، وما يوفق إليه من النتائج الطيبة ، إنما هو نجاحه أيضاً ، ولهذا فهو يستطعم هذه النتائج الطيبة كما يستطعمها صاحبها سواء بسواء .
  وكذلك ، فإنه يرى ـ في المقابل ـ ان الفشل الذي يمنى به ذلك الشريك ، او الشقاء الذي قد يصاب به ، إنما يرد عليه كذلك بنفس المستوى .
  وكما ان هذا الشعور اساس في توجه المرأة وتفكيرها تجاه زوجها ، كذلك هو اساس في شعور الرجل تجاه زوجته ، فهي مسأله مطّردة في الأثنين كليهما .
  ومن الطبيعي ـ حينئذ ـ ان يلتفت كل من الزوجين إلى دور هذا الشعور المتبادل في تحديد مسؤولية كل منهما تجاه الآخر ، وضرورة أن يفهم كل منهما حدوده في طبيعة هذه المسؤولية ، من أجل تهيئة ما يستطيع تهيئته ، من الأجواء اللازمة لإنجاح مساعي رفيقه ، وتحقيق أهدافه ، وتسهيل مسيرته نحو مطامحه في الحياة .
  ويمكن القول بأن مسؤوليه المرأة في هذه الناحية أكبر ، إذ ان عليها يعتمد تحقق العنصر الداخلي من علقتهما المشتركة ، فهي السكن الذي يأوي إليه الرجل من أتعاب الحياة ونكدها وعنائها . .
  مما يعني ضرورة أن توفر المرأة أجواء الراحة الكاملة لزوجها . . راحته النفسية ، والجسدية ، والفكرية ، وحيث يحتاجها الرجل لتجديد نشاطه من أجل الإنطلاق إلى مهماته الاجتماعية العامة خارج البيت ، وهو أكثر حيوياً ونشاطاًَ ، لمواصلة الكفاح والتقدم نحو الدرجات الأسمى من تلك المهمات ، التي يجب عليه ان يقوم بها في بناء المجتمع .