الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 90 ـ

  ومن هنا قيلت الكلمة المشهورة : ( ان وراء كل عظيم امرأة ) .
  وبمقتضى هذه الوحدة النفسية للزوجين ، فإن نجاح الزوج في المجتمع إنما هو نجاح للزوجة كذلك ، وبنفس المستوى .
  وهذا يعني :
1 ـ ان تدرك الزوجة ان مسؤولية المراة تجاه زوجها إنما هي جزء من مسؤولياتها تجاه نفسها قبله ، وقبل أي شيء آخر .
2 ـ ان شعور المرأة بوحدتها مع زوجها ، يستوجب عليها ان لا تضيف إلى زوجها أتعاباً جانبية ، تستطيع ان تجنّبه إيّاها وراء الأتعاب التي تقتضيها مسؤولياته الخاصة في تدبير شؤون البيت ، أو حياته الاجتماعية العامة ، أو في أوسع من ذلك .
3 ـ أن لا تشغله بأمور جانبية أو تفرض عليه طلبات تافهة ، او بعيدة عن اهتمامه ، لتصرفه عن مهماته ، لتصرفه عن مهماته الأساسية في الحياة .
4 ـ ان لا تشغله بأم تعنيه من قريب او من بعيد ، مما يجري في حياة غيره ، فتشتت انتباهه واهتمامه ، دون فائدة تعود عليهما ، وعلى حياتهما المشتركة بالنفع .
5 ـ ان لا تحاول توهين ثقته بنفسه ، او تثبيط عزيمته ، او تطلب منه أموراً تعلم انه يصعب عليه القيام بها ، فتزرع في نفسه بذور الفشل والإحباط ، مما ينعكس ـ بالتالي ـ على جميع مواقفه ، وخطواته في الحياة ، وعلاقاته المختلفة .
6 ـ عدم الاستهانة بشيء من أهدافه الأساسية التي نذر حياته لها ، او عزم على القيام بها ، وان كانت لها وجهة نظر أخر ، تختلف فيها معه . .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 91 ـ

  نعم يمكنه ان تبين له وجهة نظرها تلك ، وتعرض أمامه الدلائل لصواب فكرتها ، ليقتنع بها ـ إن شاء ـ بعد رويّة وعمق وتفكير ، كل ذلك من خلال الحوار الهادىء ، والحجة الواضحة ، والتقدير الحكيم لمجريات الأمور .
7 ـ ضرورة أن تمده بما تستطيعه من مدد الثقة في نفسه وتشجيع كفاءاته ، وإشاعة الأمل في نفسه بالنجاح في خطواته التي يخطوها في الحياة ، حتى في أحلك الظروف ، فإن مع بعض نتائج الشعور بعدم الثقة : شيوع اليأس والعجز في نفسه عن مواصلة الكفاح ، وعدم القدرة على تدارك الأخطاء ، وتصحيح المسير في السبيل القويم .
  ومعروف ان هذه النواحي تعتبر من الأسباب الرئيسية لفشل الإنسان في الحياة ، وعدم نجاحه فيها .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 92 ـ

الوصية الثانية
تأثير النجاح والفشل على شريك الحياة

  ومن الستلزمات المهمة لشعور كل من الزوجين بوحدته مع رفيقه ، في المسار ، وفي النتائج الأسرية . .
   . . ومن مستلزمات شعور كل من الزوجين بأن نجاح رفيقه في الحياة أو فشله إنما هو نجاحه او فشله ذاته :
   . . ضرورة ان تدرك المرأة وجود هذه الناحية لدى زوجها أيضاً تجاه نجاحها هي ، او فشلها في مهماتها ومسؤولياتها في البيت ، وفي المجتمع ، كما هو الأمر بالنسبة لها تماماً ، حيث يمتلكه الشعور بالزهو والارتياح ، حينما يرى الكمال والاستقامة في تصرفاتها ، والجودة في أعمالها ، فلا يشاهد منها قصوراً أو تقصيراً يصدر منها وهي تقوم بوظائفها الأساسية ، سواء ضمن علاقاتها الزوجية الخاصة به ، أم ضمن بيتها ، وقيامها بشؤون أطفالها وأسرتها ، أم ضمن مسؤولياتها العامة ، وسلوكها الاجتماعي ، حيث يفرض عليها موقعها ، وموقع اسرتها في المجتمع الذي تعيش فيه مثل تلك المسؤوليات .
  فهي حين تثبت نجاحها في هذه المهمات ، وتفوقّها في وفائها بتلك المسؤوليات ، وهي تؤدي مهماتها المطلوبة منها بكفاءة تامة ، دون إرشاد ، او تنبيه من الغير ، حتى منه هو نفسه ، فهذا مما يزرع ثقة زوجها بها ، ويجعله يكبرها ، ويجلّ قدرتها ، ومن ثمّ يجعلها موضع اعتزاز وتقدير لديه . . ولا ريب ان هذا الشعور الزوجي المتبادل بينهما ، يعتبر واحداً من أهم روافد السعادة العائلية بين الأزواج .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 93 ـ

  ويتاكد هذا الشعور من الزوج ، وتسمو صورة زوجته لديه حين يراها سابقة على غيرها في تلك المهمات ، متميزة في شؤونها وأعمالها ، ولاسيما حين يرى الآخرين ـ ممن يعيش معهما ـ يقرّون لها بهذا السبق ، والتميّز منها .
  ولتحقيق هذا التفوق والكمال ، على المرأة الذكية ، التي ترغب في كسب رضى زوجها ، وتطمح إلى اشاعة البهجة والزهو في نفسه وإضفاء السعادة على بيتها :
1 ـ ان تكّون لنفسها صورة واضحة ، محددة المعالم ، عن وظائفهما الأساسية في الحياة ، كزوجة ، وكرّبة بيت ، وكريمة ، وتهيء نفسها لهذه المهمات ، حتى قبل ان تدخل بين الزوجية ، وتجهد في تكوين نفسها ، وتنال براعتها في هذه الوظائف حتى وهي لدى أهلها ، لئلا تفاجأ بمسؤولياتها الكبرى بعد دخولها عتبة بيتها الجديد ، وانتظامها في العلقة الزوجية ، وينبغي لها ان تثبت جدارتها لزوجها في تلك المهمات منذ أيامها الأولى ، وفي حياتها الجديدة هذه .
  ويمكنها ان تستنفد طاقاتها لتحقيق هذه الغايات في المرحلة التي تسبق حياتها الزوجية ، وتستفيد ذلك من مجريات حياتها في بيتها الأول ، ومن مشاهداتها لما حولها من البيوت التي تطلع عليها ، ومن حولها من النساء اللاتي تحيا معهن ، وتتعرف على معالم الكمال والنقص في تصرفات كل واحدة منهن ، لتستفيد من سلبيات هذه التصرفات كما تستفيد من إيجابياتها .
  وتتأكد ضرورة هذا الإعداد أكثر في أيام خطوبتها ، وقبيل زواجها ، اذ عليها ان تعتبر هذه الأيام مرحلة انتقالية من حياتها في أسرتها الأولى ـ وهي تعيش بين أبويها وأخوتها وذويها ـ إلى حياتها الجديدة في أسرتها الثانية ، بين زوجها وذويه ، ثم مع ابنائها .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 94 ـ

بل وعليها ان تدرك ان من الغباء ان تفوّت تلك الفرص الثمينة من حياتها ، دون ان تكون لنفسها صورة واضحة المعالم ، متكاملة الملامح عن مسؤولياتها في حياتها القادمة ، وتعدّ نفسها للوفاء بتلك المسؤليات ، كما ينبغي لها ان تفي بها .
  فمثل هذه المرأة أقل من ان يكتب لها النجاح في حياتها الزوجية ، وأدنى من أن يؤمّل منها إسعاد نفسها ، وإسعاد زوجها وأسرتها ، إلا إذ تدخلت ظروف أخرى ليست بالحسبان ، وهذا أمر آخر ، لا ينبغي ان يحسب له حساب ، ان الصدف مما لا يعوّل عليه دائماً .
  ولا تقف ضرورة ان تدرس المرأة مسؤولياتها ، وترتقي بنفسها ، وبكفاءاتها عن مبدأ دخولها الى البيت الزوجية فحسب ، بل عليها ان تستمر في محاسبة نفسها وسلوكها ، وملاحظة من يصدر عنها من أفعال ، وتصرفات بعد ان تواجه مسؤولياتها الجديدة في بيت الزوجية أيضاً ، لتؤكد على الإيجابيات مما يصدر منها ، وتبتعد عن السلبيات منه ، وعليها ان تتابع المستلزمات الجديدة لعلقتها الجديدة ومتطلباتها ، مرحلة بعد مرحلة ، وتتعرف على دقائق شؤونها فيها ، لتصحح خطواتها ، وتضعها في المسار الصحيح قبل ان تقع في المحذور .
  بل وعليها ان تضع لنفسها أهداف التألق والتميّز بين الأخريات ، وفي وفائها بسمؤولياتها كافة ، لأن هذا التألق في ـ نفسه ـ بعض صور الكمال الذي ينشده كل إنسان في ذاته ، وفي مسعاه في حياته ، كما أنه ـ من جهة أخرى ـ يعتبر السبيل الأمثل للمرأة السوية في نيل الموقع الأسمى ـ الذي تطمح اليه ـ في قلب زوجها الحبيب ، وفي إحراز جميع ما يستتبع هذا الموقع الرفيع ، من إكبار زوجها وتقديره ، ومن نتائج الطيبة الأخرى التي تسعى إليها في حياتها ، وفي حياة أسرتها كلها ـ كما قلت في بداية هذه الوصية ـ .
2 ـ ان على المرأة ان تعلم ـ بهذا الصدد أيضاً ـ ان كل ملاحظة يبديها الغير عليها في أي من مسؤولياتها الأساسية تلك ، إنما هي من الموهنات في شخصيتها ، وفي كفاءاتها ، وفي اعمالها كافة . .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 95 ـ

  فمن المفروض ـ حينئذ ـ ان تدرك المرأة العاقلة أن النضج الذي يجب تسعى إليه : هو أن تستوعب من مسؤولياتها ، ومن طرق الوفاء بها ، مالا تحتاج معه إلى غيرهما في التوجيه والمتابعة .
  ولهذا فحين تعلم الزوجة أن من الطبيعي أن يكون أي يأمر يصدره لها زوجها ، في تلك المسؤوليات التي ينبغي لها ان تعلمها بذاتها ، يبديه لها ـ بحق ـ نحو سلوكها وأعمالها ، مما يقلّل من موقعها لديه ، ويوهن من مكانتها في نفسه . .
  أقول : فحين تعلم الزوجة هذه الناحية ، تدرك ـ ولا ريب ـ ضرورة ان تبادرإلى الوفاء بتلك المسؤوليات بنفسها ، قبل أن تلجىء زوجها إلى أصدار أمره إليها ، وإن تتوخى الكمال فيما تقوم به من اعمال ، دون أن يجد الزوج عليها أي مأخذ .
  وهذه المبادرة إلى قيام الفتاة أو الزوجة بما يجب عليها من أعمال ـ دون حاجة إلى مرشد يصدر إليها الأوامر ـ هي بعض آثار النضج في النساء الكاملات ، حيث تدرك المرأة ما هو مفروض عليها ، بعد أن تعني مسؤولياتها الأساسية في الحياة ، ومكامن النقص والكمال في سلوكها ، وفي سلوك غيرها من النساء ، وتضع لنفسها السبل الكفيلة بوصولها ، ووصول أسرتها إلى ما توسّمته من صور السعادة ، ودرجات الهناء .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 96 ـ

  نعم ، لا ينكر ان المرأة ـ ولاسيما في بداياتها عهدها بالزواج ، واستقلالها بمسؤولية زوجها وبيتها ، ومواجهتها لتقلّبات الحياة ـ ، قد تقع ببعض الأخطاء وقد تبرز منها جوانب من القصور التي لا مناص عن الوقوع فيها ، وهذا أمر محتمل حتى من أكثر الناس خبرة وممارسة في الحياة ، وهو لا يعتبر نقصاً في المرأة ، حين يقع صدفة أو قليلاً ، ما لم يتجاوز الحدود المعتادة . .
  وعلى المرأة ـ في هذه الحالة ـ ان تنتبه بسرعة إلى ما يقع منها ، لتقف على ما فيه من أخطاء ، وان تتلافى نتائجه بمجرد الانتباه إليه ، وقبل فوات الأوان ، إما بالتصحيح ـ حيث يمكن التصحيح ، ـ والا فبالاعتذار ، والالتفات إلى أسبابه ، لئلا تقع في أمثاله .
  وهذا الخطأ كما هو محتمل مع المرأة ، محتمل من الرجل كذلك ، ولهذا فعلى كل من الزوجين ان يتعاون مع الآخر في هذا المجال ، وان لا ينظر أحدهما إلى الخطأ الذي يصدر من الآخر على انه نقص ، أو وصمة عار من صدر منه ، بل عليه ان يتدارك مع رفيق حياته الآثار السلبية ، التي قد تحدث منه في الحياة الزوجية ، وان يتحّمل مسؤوليتها معه ، ليخفف من تأثيرها على نفسه ، او على الآخرين .
  نعم ، الخطأ غير المغتفر ، في الحياة الزوجية أو في غيرها من جوانب الحياة ، إنما هو الإصرار على الخطأ ، والثبات عليه ، حتى لو استبان الحق للإنسان ، وأمكن تدارك الأمور ، فهذا مما لا يمكن تلافي آثاره بحال من الأحوال .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 97 ـ

الوصية الثالثة
صفاء الحياة الزوجية من الدخائل

  ومما يستلزم تلك الوحدة بين الزوجين أيضاً ، ويستلزم شعور كل منهما بأنه جزء من الآخر ، وان الآخر جزء منه كذلك :
  ضرورة ان لا تكون هناك خفايا ، أو دخائل ، في تصرفات كل منهما ، وفي حياتة الخاصة معه ، غير مفهومة ولا معلومة لدى الطرف الآخر . . بمعنى ان تكون الثقة والإستقامة والانسجام ، هي الأركان الأساسية لقيام العلقة الزوجية ـ بشكل خاص ـ ، بل والحياة العائلية والاجتماعية بشكل عام ، إذ ان أي دخيلة تطرأ بين شركاء الحياة فيها ، مما يلقي بظلاله القائمة على مسار حياتهم كافة . .
  بل ، ويجب تجب الدخائل حتى في بعض الأمور التافهة ، فإن للشيطان مساربه في النفوس ، ووساوسه القاهرة ، والقاتلة للثقة في العلاقات الاجتماعية . .
  ومع ان الضرورة حاكمة على كلا الزوجين في حياتهما الخاصة ، بمقضى وحدتهما النفسية ، الا أنها تتأكد في جانب المرأة أكثر ، لاختصاص حياتها بزوجها أكثر من أختصاص حياة زوجها بها ، لما له من مهمات عامة ، وما له من سعة دائرة العلاقات الاجتماعية المعروفة .
  ولهذا السبب ، فينبغي للزوجة ان لا تخفي على زوجها أياً مما تقوم به من تصرفات ، ولا تكتم عنه شيئاً مما تؤسسه من علاقات اجتماعية مع الآخرين ، مخافة ان يكون ذلك التكتم منفذاً للشيطان بينها وبين زوجها ، ومثاراً لغيرته ، او سوء ظنه ، كما ينبغي لها ان تكون صريحة معه تمام الصراحة في كل أمورها .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 98 ـ

  بل ، ومن أجل تحقيق الثقة بينهما أكثر ، ومن أجل أن تكون الاستقامة بينهما أوضح ، عليها ان لا تقوم بأي عمل ، او تبني أي علاقة مع الآخرين ، أو تلتزم أي ألتزام اجتماعي ، او غير اجتماعي ، دون مراجعته أو اخذ رأيه فيه ، ولاسيما في الأمور الحساسة ، التي تحتمل عدم رضا زوجها بها ، لو اطلع عليها .
  وكم من النساء من ارتكبت بعض الأعمال ، أو دخلت بعض البيوت ، أو أسست بعض العلاقات ، مع بعض الأشخاص او العوائل ، بعيداً عن أعين زوجها ، ثم وقعت في المحذور .
  فهي اما ان تبقى كاتمة لما قامت به عن زوجها ، وهذا الكتمان قد لا يستمر طويلاً ، حيث تأتي الساعة التي يتضح فيها كل شيء للزوج ، وحينئذ تقع المشكلة بينهما ، ولا يعلم نتائجها الا الله . .
  والأدهى من هذا ، ما إذ علم الزوج من مصدر آخر غيرها ، ولا ريب ان السلبيات ستكون حينئذ أشد وقعاً ، وآلم كثيراً عليهما كليهما ، وعلى حياتهما المشركة . .
  واما ان تخبره بقيامها بذلك العمل دون علمه ، وطبيعي ان هذا التصرف منها مما يسيئه حينئذ ، لا لأنه لا يرتضي العمل نفسه فحسب ، وإنما لأقدامها عليه دون علمه أيضاً ، ولا ريب ان لمثل هذا الشعور منه آثاره السلبية على ثقته بها ، ومن ثم على مكانتها لديه ، وعلى حياتها معه .
  وتأكد هذه الناحية في جانب المرأة لا يعني للرجل ان يقوم بأي عمل ، او يلتزم أي ألتزام ، أو ينشىء أي علاقة أجتماعية مع كل أحد ، وان كان على حساب زوجته ، وعلى حساب شعورها اتجاهه ، فهذا ليس من الحكمة ، إلا حيث تضطر علاقاته الإجتماعية ، وموقعه الخاص ، او العام في المجتمع ، وحينئذ عليه ان يحدّد تدخلات زوجته في شؤونه ، بالمستوى الذي يقتضيه ذلك الموقع ، وهذا أمر آخر له أسبابه وحدوده الخاصة .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 99 ـ

نعم ، ان على كل من الزوجين ان يتناغم ، في تصرفاته وعلاقاته ـ مع عواطف شريكه في الحياة قدر الإمكان ، في وقت يكن واسع الأفق والصدر في ملاحظته ومتابعاته لتصرّف هذا الشريك ، وان يتدّبر الامور معه بتعّقل وروية بعيداً عن الانفعال ، ويتخذ الاقناع سبيلاً إلى شد الآخر إليه ، والإغضاء عن الهنات التي يمكن الأغضاء عنها مما يصدر منه ، ويكيف نفسه وعواطفه ومشاعره ، وحسب مقتضيات الظروف ومستلزماتها ، ولاسيما في بدايات الحياة الزوجية ، حيث ان أجواء العواطف لدى كل من الزوجين لا تزال جديدة على الطرف الآخر . .
  ثم ـ وهو الأهم في الموضوع ـ ضرورة ان يربي كل من الزوجين نفسه ، كما يربي شريك حياته ، على ما يحقق الانسجام الكامل بين عواطفهما ، ويثبت الوحدة الطبيعية في تصرفاتهما ، الخاصة منها والعامة ، واستقامة القيام بدورهما المشترك في الحياة .
  هذا ، وللمؤمَنين من الازواج ـ بالخصوص ، رصيدهما المشترك من أحكام وتعاليم الإسلام ، حيث يأخذ هذا الدين العظيم بأيديهما ـ معاً ـ إلى تلك الوحدة ، وذلك الانسجام ، وهو الرصيد الذي تستوجبه فطرتهما ، واستقامة علاقتهما في حياتهما الزوجية ـ كما رأيناه في الأبواب السابقة ـ ، فهما في راحة تامة من هذه الناحية ، وما عليهما ان ينهلا من ذلك المعين الطيب ، ليصلا إلى غاياتهما الرفيعة في الحياة .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 100 ـ

الوصية الرابعة
عدم الانفصال النفسي بين الزوجين

  ومن المستلزمات الأساسية للشعور السابق من الزوجين بوحدتهما النفسية ، ووحدة كيانهما المشترك أيضاً :
  ضرورة ان لا يمتلكهما ، او يمتلك احدهما الشعور بالانفصال النفسي أو العاطفي عن الطرف الآخر ، او حتى شعور باستقلال الذات في مقابله . . فمثل هذا الشعور خطر ـ تمام الخطورة ـ على حياتهما المشتركة ، وعلى سعادتهما ، حيث انه ينغّص عليهما أحلى ساعات أنسجامهما ، وألذّ ما يطمحان إليه من هناء في حياتهما الزوجية .
  وهذه الناحية تستدعي ضرورة أن يأخذ كل من الزوجين عواطف ، ومشاعر الطرف الآخر ، وموقعه المقرر له ـ شرعاً ـ ضمن مشاعره الخاصة ، وعواطفه ، وأساساً لسعادته الذاتية معه . .
  ولهذا ، فلا ينبغي للرجل ان يجعل من مكانته الاجتماعية ، أو موقعه بين الناس ، أو درجته العلمية ، أو السن او غير ذلك ، حاجزاً ما بينه وبين زوجته ، ضمن حياتهما الخاصة ، ليمنعها من الاسترسال ، والانبساط معه ، او الانطلاق في الاستمتاع الزوجي الخاص . .
  وكذلك لا يجوز للمرأة ان تجعل من مميزاتها النسبية ـ مثلاً ـ ، او المادية ، او الاجتماعية ، او كفاءاتها العلمية ، حاجزاً ما بينها وبين زوجها ، لتعيقه عن الانسجام معها كما يشاء ، أو تتدخل في تحديد تبعيتّها له في قوامته عليها ، والانقياد له فيما يأمرها به ، وينهاها عنه ، في حدود المعروف الذي أمرها الله بأن تتّبعة فيه ، وان كان هو اقل منها موقعاً في بعض الاعتبارات الاجتماعية ، كأن تكون أشرف نسباً ، أو أكثر ثقافة ، أو أغنى مالاً فكفاءة الإيمان هي المنظورة في العلاقة الزوجية في الإسلام ، وحدودها الشرعية هي الأساس في تحديد تصرفاتها فيها .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 101 ـ

  فالحياة الزوجية تأبى الحدود والسدود ، وراء ما أقرّه الإسلام من المعروف ، ووراء ما أقرّه من أمر الله ونهيه ، حيث يحدد فيهما ذلك المعروف بين الزوجين ، وان أي فوارق تتصور بين الزوجين ـ وراء ذلك المعروف ـ ، مما ينغّص عليهما حياتهما ، ويقطعها عن السعادة ويسلبهما أحلى طعومها اللذيذة فمثل هذه السعادة لا تتأتى لهما إلا من اندماجهما ، ومن وحدة ما بينهما ـ كما هو واضح مع قليل من التأمل ـ .
   وهاهنا ناحية مهمة جداً ، على الزوجين المؤمنين ان يلتفتا إليها ، وهي :
  ان الحدود الشرعية ـ بصيغتها المذكورة في كتب الفقه ، وفي بيانها للواجب أو الجائز في التصرفات السلوكية ، وفي تحديدها للعلاقات الجارية بين الزوجين ـ ، هي أدنى من أن توفر للزوجين ما يأملانه ، من السعادة والتوحّد ، والاندماج المطلوب في الحياة الزوجية . .
  فلا يكفي ان يمضي اي من الزوجين ـ في سلوكه الخاص مع شريك حياته ـ ضمن الحدود التي قررتها له تلك الأحكام فحسب ، وينتظر مع شريكه هذا المقدار كذلك ، لتهنأ حياتهما ، دون ان يقدم كل منهما ـ وراء تلك الأحكام والحدود ـ مزيداً مما يعدّ من الفضل ، والمصابرة ، والتضحية ، والإيثار ، أو تعمر قلبه عواطف عميقة تستوعب آفاق النفوس . .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 102 ـ

  فمعروف ان الأحكام الشرعية ـ في صبغتها الفقيه المعروفة ـ إنما تشكل الحد الأدنى من الحدود الإلهية ، لاستقامة الحياة الفردية ، والاجتماعية ، في مختلف مجالاتها وعلاقاتها ، دون التواءات ، او انحرافات .
  فهي ـ ، بهذا الشكل ، ذي الصبغة الرسمية او القانونية ـ إنما جعلت لتحديد الضرورات الأولية لتلك الاستقامة ، فهي موازين عامة ، يقاس بها قويم المواقف الإنسانية ، او منحرفها . .
  أما ما وراء ذلك ، مما يؤمّل في الحياة وهنائها ، وخصوصاً الحياة الزوجية منها ، وما ينتظر منها من سعادة حقيقية ، وكمال منشود ، فهذا إنما يتأتى مما وراء تلك الحدود من درجات أخرى ، كعمل المعروف ، أو ما عبّرت عنه الآيات الكريمة ، والروايات الشريفة بـ ( الفضل ) قال ( عز من قائل ) :
  ( . . وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (1) ) .
  انها درجات تدخل في العناصر الأخلاقية العليا ، حيث المرونة في التصرفات ، والإيثار ، والتضحية ، ونبيل العواطف ، وجميل المشاعر ، والتسابق إلى الدرجات العليا في القرب إلى الله ( تعالى ) في كل موقف ، وفي كل حالة ، دون أدنى تدخّل لعوامل أخرى منغصة ، كالمصالح الشخصية ، والمنافع المادية ، أو غير ذلك .
  وكلما كانت الدرجات من هذه الأمور أكبر ، كانت السعادة والهناء في الحياة الزوجية اعظم .
  بمعنى ان سعادة الزوجين المؤمنين ، إنما تكتمل في بناء حياتهما المشتركة على هذه المعاني الرفيعة ، واتخاذ رضا الله ـ سبحانه ـ رصيداً أساسياً في كل سلوك يؤدّيانه ، أو حالة يمرّان بها ، أو علاقة ينشئانها ، قبل ان ينطلقا في سلوكهما الخارجي طبق هذه الأصول .

**************************************************************
(1) البقرة : 237 .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 103 ـ

الوصية الخامسة
الوحدة العائلية والمجتمع

  مما ينبغي ان يعلمه كل من الزوجين ، ويلتفت إليه في طريقة تعامله مع قرين حياته :
  ان تلك الوحدة ـ التي سبق الحديث عنها ـ في نفسيهما وكيانيهما ، أمر لا تقتصر ملاحظته على شعورهما الخاص بينهما فحسب ، وإنما هو شيء مرتكز ، حتى في الرؤية الاجتماعية لكيانهما ، والتعامل العام معهما أيضاً . .
  فالناس ـ في عرفهم العام أيضاً ـ يرون مثل هذه الوحدة في أي علقة زوجية ، ويتعاملون مع العائلة على أساسها ، فيعكسون صفات الكمال او النقص ، التي يرونها في الرجل على زوجته ، وبالعكس .
  ولا يستطيع أي من الزوجين ان يجنب نفسه عن آثار وملامح الصورة التي يحملها المجتمع عن شريك حياته . . فللزوجة من محاسن زوجها ين الناس نصيبها من الاستحسان والتقدير ، كما ان لها من مساوىء زوجها نصيبها من الاستهجان والنقد ، وان لم يكن لها أي دور في تلك المحاسن ، ولا في هذه المساوىء .
  والعكس بالعكس أيضاً ، فإن للزوج نصيبه من صورة زوجته بين الناس ـ حتى ضمن دائرة الأهل والأقارب ـ وان لم يكن له أي دور في تكوين ملامح تلك الصورة ، حسنة كانت أم قبيحة وهذا مما لا بد لكل من الزوجين أن يأخذه بحسبانه ، سواء ضمن مسؤوليته في تربية شريكه ، وضمن دائرة مسؤولية تجاهه بالأمر بالعروف والنهي عن المنكر ، ام في مجال العلاقات الاجتماعية ، كما لو اقتضى موقف ما إظهار بعض دخائل العلاقة الزوجية الخاصة أمام الآخرين . . او اقتضت حالة من الحالات اتخاذ موقف معين تجاه ما يحمله الآخرون عن شريك حياته .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 104 ـ

  فمعروف ان كلاً من الزوجين ـ بما له من اطلاع على دقائق حياة شريكه ، وامتزاج جسدي وروحي معه ـ يعلم من خفاياه وأخلاقه ، وطريقة تفكيره في الحياة ، ما لم يطلع عليه غيره من الناس ، حتى أقرب المقربّين منهما من أفراد العائلة . .
  فهو أعرف الناس بإيجابيات قرينه وسلبياته ، وبنقاط القوة والضعف في شخصيته ، وبالمقبول ، او غير المقبول من تصرفاته . . ـ هذا من جهة ـ .
  و ـ من جهة اخرى ـ فإن للحياة الزوجية تقلّباتها ، فمن ساعة رضا إلى ساعة غضب ، ومن حالة انسجام تام إلى حالة برودة ونفرة ، ومن حالة حب وفناء كل من الزوجين في شريكه إلى حالة استثارة ومغاضبة ، وهكذا ، مما لا تسلم منه حياة زوجية قائمة ـ وان كان على نحو الندوة ـ في أكثر الحالات .
  وطبيعي ان في مثل هذه ساعات الرضا والانسجام والحب ، لا يخاف على أي من الزوجين من زوجه ان يفشي سره ، او يعلن سلبياته امام الآخرين .
  ولكن ما يخاف منه ـ في هذه الناحية ـ هو ساعات المغاضبة ، والمغامزة ـ وثورة الاعصاب ، وفي هذا الحال يجب على كل من منهما ان يملك زمام نفسه ، فلا يظهر من مكنون الاسرار الزوجية ، أو أسرار الطرف الآخر ، ما لا ينبغي إظهاره ، أو لا يرتضي ذلك الطرف اظهاره ، لأنه ـ أولاً ـ من الأمانات التي أوجب الله ( تعالى ) عليه حفظها ومراعاتها ، كما أنه ـ ثانياً ـ مما يؤدي إلى سوء الفكرة الاجتماعية حول أحد الزوجين ، وهو أمر ـ وكما قلناه سابقاً ـ لا يقتصر بآثاره على الطرف المنقول عنه ، بل هو سيعم الطرف النقال أيضاً ، لما أشرنا إليه من ارتكاز الوحدة الزوجية في نظرة المجتمع ، فهو يرى الزوجين كوجهين لعملة واحدة ـ كما يقول المثل المعروف ـ .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 105 ـ

  وهكذا ، فحين ينقل الزوج بعض الصفات غير المستحبة من زوجته للآخرين ، او حين يصمها ببعض جوانب النقص ، كعدم كفاءاتها في أمر من الأمور ، أو يتّهمها بإهمال بعض الضروريات ـ مثلاً ـ فإن الأثر السلبي لاستصغار الناس لزوجته ، وتدنّي مكانتها لديهم ، لا يقتصر عليها فقط ، وإنما هو كذلك له حصته المناسبة من الاستصغار ، لما يحكمه من رابطة وثقى معها .
  كما ان حديث الزوجة عن زوجها بما يشين مكانته بين الناس كتعنّته في أخلاقه الخاصة ، أو بخله ، او تقصيره في تحقيق ضرورات الأسرة ، وسوء معاشرته لأفراد عائلته ، سيرتسم بظلاله السوداء عليها نفسها كذلك ، لينالها الازدراء والتوهين ، كما ينال زوجها أيضاً ، شاءت هي ذلك أم بت .
  ولهذا السبب ، يجب على كل من الزوجين :
1 ـ أن يكتم ما لا يعلمه غيره من نقائص زوجه عن جميع الناس غيرهما ، حتى عن أقرب أقاربهما إليهما .
2 ـ أن يأخذ على عاتقه ـ قبل هذا ـ تربية شريكه ، والأخذ بيده ـ قدر ما يمكنه ـ نحو الأسمى والأكمل في الحياة ، وعليه أن يشعر بإن هذه التربية مما تعنيه هو نفسه ، وأنها جزء من مسؤوليته تجاه ذاته في الاستجابة لأمر الله ( جل شأنه ) ، وتكليفه بالأمر عن المعروف والنهي عن المنكر ـ كما سبق ان علمناه في فصول سابقة ـ .
3 ـ ان يساعد شريكه على اليقظة والحذر في مختلف شؤون الحياة ، ليقيه شر الوقوع في سلبيات غير مستحبة بين الناس ، كما يساعد على تجاوز ما يصدر عنه من هنات ، قبل ان تبرز آثارها أمام الآخرين ـ قدر الإمكان ـ .
4 ـ ان يتقبّل جميع الملاحظات التي يبديها له شريكه حول بعض تصرفاته بسعة صدر ، ومناقشة ما يضعه أمامه من حقائق ، بهدوء وموضوعية ، والإيمان بأن هذا الشريك إنما ينطلق معه ، وتأثير أي صورة يحملها الآخرون حول علاقتهما الخاصة عليه بالذات ، فهو معنيّ بهذه الصورة ، وبتحسين ملامحها لدى الناس ، إضافة الى المسؤلية الدينية والاجتماعية العامة .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 106 ـ

  أما أمام الآخرين ، فيفترض ان لا يظهر كل من الزوجين عن الآخر الا ما يحسن من الصفات والأفعال ، وأن يتدارك أي خطأ يبرز منه ، قبل أن يترتب له شيء من الآثار السلبية .
  أما إذا لم يمكنه ذلك ، فعليه ان يجهد نفسه في تلافي تلك الآثار ، وإبعادها عن نفوسهم ، للعودة بصورة شريكه إلى نصوعها وحسنها لديهم ، حتى بين الأقربين منهم ، كالأولاد والآباء والإخوان .
  بل ، وحتى لو أضطر أحد الزوجين إلى البوح ببعض تلك الأمور الخاصة ، وإبداء ما لا يستحب من أمور قرينه أمام الآخرين ـ بحكم ضرورات تمر بها علقتهما الزوجية في بعض الأحيان ـ فلا بد أن يكون هذا الإبداء في حدود الضرورة ، وبالشكل الذي لا يشين صورة ذلك القرين لديهم ، إذ لا بد ان سينال هذا الشين ـ بآثاره ـ الطرف الناقل نفسه ، كما ينال علقتهما المشتركة معاً .
  وهكذا ، فحين تضطر المرأة ـ مثلاً ـ إلى ان تشكو زوجها المتعنّت معها إلى من يستطيع التأثير عليه ـ لسوء معاملته لها ـ يجب عليها ان تقتصر في هذه الشكوى على خصوص ما يضايقها منه ، وبلهجة لا تشوّه شخصيته امامهم ، لكي لا تصغر مكانته في أعينهم ، لتصغر مكانتها هي بالتّبع ، كزوجة له كذلك .
  ويستتبع هذه الناحية كذلك :
  ضرورة ان يتجنّب كل من الزوجين إحراج شريكه أمام الآخرين ، عن قصد أو لا عن قصد ، حتى أمام أقرب الناس إليهما ، وتدارك آثار هذا الإحراج ـ لو وقع عن طريق الصدفة ـ بسرعة ، وقبل ان يلتفت إليه الآخرون ـ مع الإمكان ـ ، او تدارك ما يتأتى من آثار غير مستحبة في شخصية الطرف المحرج ، وتحمل تبعاته ، والاعتذار منه لمحو ما ينشأ منه من انفعلات نفسية غير مستساغة .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 107 ـ

الوصية السادسة
الثقة بين الزوجين

  الثقة بين الزوجين هي أساس العلاقة الزوجية ، ورصيد استقامتها وهنائها . .
  وأعتقد ان هذه القضية مسلّمة لدى الأسوياء من الناس ، ولا يناقش بها ذو لبّ . . بل وهي صادقة لا في خصوص الحياة الزوجية فحسب ، وإنما في جميع العلاقات الاجتماعية ، العامة منها والخاصة ، إلا أنها تتأكد في هذه الحياة ، لبعدها عن الحدود الرسمية ، والتقاليد التي بنيت عليها غيرها من العلاقات .
  ولهذا ، فما لم تكن الثقة هي القاعدة هي الأولى في بناء العلقة الزوجية ، لا يمكن لهذه العلقة ، وبأي حال من الأحوال ـ أن تمضي بهدوئها وسلاستها ، او تؤتي ثمارها المرجوّة من السعادة والهناء .
  فبدون الثقة بين الزوجين تفقد حياتهما الخاصة أي طعم ، او لذة ، او سعادة يرغبان ان ينالاها في مسيرتهما المشتركة .
  والمسألة ـ بعمومها هذا ـ واضحة كل الوضوح ، ولكن . .
  ما مورد هذه الثقة المطلوبة بين الزوجين ، وبأي شيء يجب ان تحقق ؟ . .
  وما الدرجة المطلوبة من ذلك المورد لتحقيق تلك الثقة ؟ . .
  هذان هما السؤالان المهمان في الموضوع ، وينبغي ان يلتفت إليها الزوجان معاً ، وان يحددا الإجابة الواضحة عنها بحسب ما تقتضيه زيجتهما ، وما يرغبانه في حياتهما ، وبحسب متطلّبات بيئتهما التي يعيشان فيها ، وبحسب مستواهما العلمي والثقافي ، ومسلتزمات علاقتهما الاجتماعية المختلفة .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 108 ـ

  وأهمية هذين السؤالين تتأتى من أختلاف الموارد المطلوبة لتلك الثقة ، واختلاف الجوانب التي تلاحظ فيها ، لسعة الحياة الزوجية ، واختلاف مجالاتها وارتباطاتها . .
  فهناك الجانب الأخلاقي والديني ، وهناك جانب الكفاءة العملية والتدبير العائلي . . وهناك جانب التربية والشؤون الإشراف على الابناء ، وهناك جانب العلاقات مع سائر ابناء المجتمع الذي يكتنف حياة الزوجين ، وهناك جانب التكافؤ العلمي والثقافة والذكاء . . وغير ذلك .
  ولا ريب ان كل واحد من هذه الجوانب ، له دوره في الحياة الزوجية ، ويمكن أن يدخل في اعتبار كل من الزوجين تجاه الآخر . .
  هذا من جهة ، ومن جهة اخرى ، فإن الدرجة المطلوبة تحققها من تلك الأمور تختلف ، في حدودها ، وفي كيفياتها ، نتيجة لإختلاف القيم والتقاليد الاجتماعية التي ينشأ فيها الزوجان ، واختلاف طرائق الحياة التي تعيشها العوائل ، والغايات التي يستهدفانها لحياتهما . .
  ولهذا ، فكثيراً ما نرى ان اموراً وعادات وتقاليد خاصة ، تعتبر ضرورات أساسية في بناء العلاقات لدى بعض العوائل ، مما يستوجب أخذها اركاناً في بناء الثقة المطلوبة في تلك العوائل . . بينما هي في مجتمعات أخرى ليست بذات شأن ، فهي لا تهتم ذلك الاهتمام ، بل وقد لا تلتفت إليها ، حيث لا يعينها أن يكون الشخص حاوياً لها أو لا ، بل ولربما تراها مدعاة للسخرية ، والخروج عن الاستواء الطبيعي للحياة الإعتيادية .
  وكذلك من الجهة الثانية ـ ، فإن بعض المجتمعات قد يفرض على ابنائه ان يلتزموا بتقاليد وقيم معينة ، بدرجة حدية لا نسبية فيها ، أو بدرجة عليا من الالتزام ، فلا ثقة لذلك المجتمع في الشخص الذي ينتسب إليه ، الا حيث تتراءى فيه تلك الحدية او تلك الدرجات العليا من الالتزام . . بينما ترى مجتمعات اخرى لا تمانع في ان يكون الالتزام بتلك التقاليد والعادات والقيم نسبياً ، ما لم تنته هذه النسبية إلى أهمالها وأنطماس معالمها تماماً ، وإحراز هذه الدرجة النسبية في ذلك المجتمع كافية في تحقيق الثقة المطلوبة بين ابنائه .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 109 ـ

  وكما ان هذا الاختلاف وارد في النظرية الاجتماعية العامة ، هو كذلك سار في العلاقات الأسرية ، حيث تختلف أنظار الأزواج بالنسبة إلى ما يريدونه في شركاء حياتهم من الصفات والكفاءات والأعمال ، كما تختلف أنظارهم في الدرجات التي يأملونها من هذه الأمور في أولئك الشركاء .
  ومن المتعارف بين الناضجين والمثقفين من الازواج أنهم يتدارسون مع شركاء حياتهم ـ ومنذ الأيام الأولى لحياتهم الزوجية ، وبصراحة تامة ، ومن خلال خبرتهم في الحياة ، وطموحاتهم فيها ـ ، ما ينبغي لكل منهما اتباعه من السلوك وما لا ينبغي ، ومن خلال هذه الدراسة والمصارحة ، يضع كل منهم مع شريك حياته دستوراً مشتركاً لهما ، تتحدد على أساسه الحقوق والواجبات التي يمضيان عليها ، على ان يستمرّا في المتابعة كلما سمحت الفرصة ، وتدارك النقائص والسلبيات ، بحسب ما يلحقهما من نتائج النجاح أو الفشل ، الذي يعرض لهما في حياتهما . . وهكذا .
  وهو أمر جيد إلى حدّ ما ، وخصوصاً حين تكون المتابعة عميقة وموضوعية ، وقائمة على التوحد النفسي بين الزوجين ، وفناء كل منهما في شريك حياته .
  إلا أن المؤسف أن هذه الشرائط الأساسية ـ التي أشرنا إليها ـ مما لا يلتفت إليها الزوجان ـ في الغالب ـ عند مراجعة المواقف ، وهذا مما يجعل تلك المتابعة ـ وفي أكثر الأحيان ـ ليست سوى تبادل للاتهامات ، وسبباً للإثاره ، وتوتر الأعصاب ، مما يعني ضرورة اتخاذ الزوجين كليهما للحيطة والحذر ، عند حصول مثل تلك المراجعة للمواقف ، ودراسة آثارها على حياتهما الزوجية ، أو علاقتهما مع الأقربين من ذويهم أو الأبعدين .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 110 ـ

  أما في الجانب الأخلاقي بالخصوص ، حيث لا بد لنا من التأكيد عليه هنا لأهميته هذه العصور خاصة ، لسعة الاختلاط بين الجنسين في أكثر المجتمعات حتى الإسلامية منها . .
  أقول : أما في الجانب الأخلاقي ، وفي مجتمع ديني محافظ ، فيجب انن تصبح الثقة فيه بين الزوجين بمستوى أرفع من أن تنالها الشبهات ، وأسم من ان تتدخل فيها وساوس الشيطان . .
  ولا ريب ان مجتمعاً كهذا ، يعتمد الاحكام الإسلامية ، الواردة في تنظيم العلاقة بين الجنسين ، قد لا يتصور فيه صدور بعض صور الخطيئة من أفراده ، أو القضايا اللااخلاقية ، أو العلاقات غير المشروعة ، ولهذا فإن المرأة في هذه البيئة لا تحتاج لأن تبذل جهداً لكي تكسب ثقة زوجها في هذا المجال ، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الرجل أيضاً ، فهما في راحة من هذا الجانب ، وهذا السلام والطمأنينة هما بعض الثمار الطيبة للالتزام الديني في المجتمع ـ كما هو معروف ـ .
  الا ان هذا المستوى الرفيع من شيوع الالتزام الديني ، لا يعني نزاهة المرأة والرجل ، مما هو أدنى من تلك الصور المفضوحة من الانحرافات المرفوضة ، كما في الميول العاطفية اللامشروعة ، او النظرات الخائنة ، او التطلعات النفسية المنحرفة . . وأشباهها ، وهذه أمور قد لا تتجرد منها بيئة ، ولاسيما في مجتمعات اليوم ، حيث شيوع الاختلاط ، والتساهل في تطبيق الحدود الشرعية ، والتجاوز في كثير من التصرفات ، التي قد تكون مسرحاً لتدخّل الشيطان ، ووساوسه .
  ومن هنا تبدأ المعاناة . .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 111 ـ

  إذ لا بد لكل من الرجل والمرأة أن ينتزه ـ قدر الإمكان ـ حتى عن هذه السقطات الدنيا ، وان يربه بإيمانه وشخصيته على ان يتلوثا بشيء من تلك الهنات ، ليبدو ناصع السجايا ، نقيّ السلوك أمام الله ( تعالى ) وأمام الآخرين ، سواء على مستوى المجتمع بشكل عام ، أو على مستوى شريكه في الحياة ـ بالخصوص ـ ، حيث يأمل هذا الشريك أن يكون ـ وحده ـ محور العواطف والخلجات النفسية لدى شريكه ، وان يكون هو الأوحد في كيانه النفسي والعاطفي .
  وهي نقطة مهمة ، وحساسة ، ولاسيما في مجتمعات اليوم ، حيث ألقى الأختلاط المريب بظلاله السوداء على حياة المجتمع المسلم ، وعلى علاقات أبنائه بعضهم ببعض .
  ولا شك ان موقف المرأة ـ في هذه الناحية ـ أدق من موقف الرجل ، وأكثر حساسيّة .
  فمع انها لا تختلف عن الرجل في المسؤولية أمام الله ( تعالى ) ، وأمام الألتزام الديني ، وفي الحساب الإلهي ، إذا أن الحدود الشرعية شاملة لهما معاً ، إلا أن الأمر يختلف بينهما في المنظار الاجتماعي . .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 112 ـ

  فالجتمع ـ بشكل عام ، وبمن فيها المرأة نفسها ـ عما يصدر من الرجل من تقصير ، بل وقد يغفر له كثيراً من الأخطاء والتجاوزات الأخلاقية التي يرتكبها أو يقع فيها ، ألا أن مثل ذلك الإغضاء ، وهذا الغفران لا يردان مع تصرفات المرأة ، وأن كانت دون ما يأتي به الرجل من تقصير أو أخطاء .
  ولهذا ، فالزوج في مجتمعاتنا القائمة ، لا يغفر لزوجته جزءاً مما يقوم هو بفعله في هذا المجال ، مهما كانت دعاواه في الحرية ، او التقدمية ـ كما يقولون .
  وهكذا كان على المرأة أن تأخذ هذا التفاوت في نظر المجتمع بالإعتبار ، وان تتوخّى بناء ثقة زوجها بها في علاقاتها المختلفة ، وان تراقب كل ما يصدر منها ، من حركات وأحاديث ونظرات وابتسامات ، حينما تجتمع مع الآخرين من الرجال ـ وان لم تتعدّ الحدود الشرعية المقررة لها في مثل هذه الاجتماعات ـ ، وعليها ان تتخذ من نظرات زوجها لها ، وخلجات وجهه تتجاهها ، ومدى تجاوبه مع موقفها ، مقاييس لطريقتها في الحديث ، أو النظر ، أو الابتسام ، فإن أي خلل في التقدير قد يكون غير مأمون العواقب ، عليها شخصياً ، وعلى كرامتها ، وعلى حياتها الزوجية .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 113 ـ

الوصية السابعة
قدسية مخدع الزوجية

  من القضايا المهمة في الحياة الزوجية : ان يعلم كلا الزوجين ان باب مخدعهما الخاص باب مقدس ، فاصل ما بين عالمين ، مختلفين تمام الاختلاف . .
  عالم خارجي ، له اهتماماته العامة ، وله علانيته الاجتماعية ، التي لا يهمها ان يعلمها الآخرون من الناس غير الزوجين ، وعالم داخلي خاص ، له شؤونه الخاصة ، وله سرّيته التي يجب ان لا يطّلع عليها أحد سواهما ، غير الله ـ سبحانه ـ .
  فما يجري في داخل هذا الباب يجب لا ينفذ إلى ما وراءه ، مهما تكن الظروف والملابسات ، فعلم الناس بمجريات الحياة الزوجية الخاصة ، مما يخلّ بكرامة كلا الزوجين ، وقد يؤثر على حياتهما الزوجية نفسها .
  ومع ان هذه النقطة لا تحتاج إلى تأكيد ، لأرتكازهما في معظم الأذهان ، إلا اننا نذكرها هنا ، لما نراه من بعض المتزوجين ، الذين يعقدون أن من ملح الممازحة مع الآخرين ذكر هذه الأمور ، وإعلان ما يجري في مخادعهم الزوجية أمام الملأ ، لاستثارة أعجاب الآخرين ، أو أضحاكهم . .
  وهنا يمكن الخطأ ، فإن إظهار ما يجري بين الزوجين من شؤون خاصة حتى أقرب الناس أليهما ـ فضلاً عن الغرباء ـ ، له تأثيره السيّء في نفسية كلا من الزوجين ، وعلى كرامتهما ، الا حيث ينتفي شعور المرء بالكرامة ، وهذا ما يربأ الأسوياء من الناس ـ وخصوصاً المؤمنون منهم ـ بأنفسهم عنه . .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 114 ـ

  وكما يفترض ان لا يخرج شيء مما يجري في مخدع الزوجية ، فلا يبوح أحد الزوجين به أمام الآخرين ، فإن المقابل صحيح كذلك . .
  إذا ان لا ينفذ في خارج هذا المخدع إلى ما في داخله ، حيث يجب على كلا من الزوجين ان يجرّدا نفسيهما من كل شيء ، وعن أحد غيرهما ، في هذا المخدع ، بعد ان يغلقا عليهما بابه ، حين يريدان الوصول إلى الذروة من المتعة ، والسعادة واللذة الزوجية . .
  إذ يشترط ـ لتحقيق هذه المتعة والسعادة ـ اندماج الزوجين معاً ، في عواطفهما ، ومشاعرهما ، وغرائزهما ، اندماجاً كاملاً ، لا مجال فيه لغيرهما ، بل ولا اثنينية فيه لذاتيهما . .
  وهذا يعني ـ وكما قلت ـ ان يتجرد الزوجان معاً عن أي شيء ، سوى نفسيهما وسوى الله ( سبحانه ) ، المطلع على سرّهما ، والمشرّع للسبيل الأقوم لسعادتهما ، وهنائهما . .
  ولهذا السبب ، فإن استذكار بعض الحوادث ، او المواقف الخارجة عن ذلك المخدع فيه ، وخصوصاً إذا كانت مثاراً للتفكير ، أو القلق ، أو الحزن ، أو الالتفات إلى بعض الناس ـ دون شريك المخدع ، وان كان وليداً ـ مما ينغص سعادتهما ، ويمنعهما من الاندماج الروحي والجسدي الكامل ، إذ يقف بلذاتهما ومتعتهما ، عن حدود جانبية لا عمق فيها .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 115 ـ

  ولهذا كان على الرجل ان يتجرد لزوجته في هذا المخدع ، ويبتعد عن جميع همومه إلا منها وحدها ، ليستمتع بامتزاجه بها ، روحاً وجسداً وعاطفة ، كما أن على المرأة ـ بدورها ـ ان تبعد عن ذهنها كل شيء إلا زوجها ، لتنال متعة الامتزاج معه ، ولا يقحمان في مخدعهما سوى نفسيهما ، مهما كانت الظروف والمناسبات التي يعيشانها ، ومها كانت أهمية الحوادث التي تشغل بالهما في حياتهما ، ومهما كانت مودّتهما لذلك الإنسان الذي يفكّران به ، أو كان عزيزاً عليهما ، كأن يكون طفلهما الوحيد .
  وهنا تكمن المشكلة لدى الكثير من الأزواج . . وخصوصاً الزوجات منهم .
  إذ يمكن ان تعزى برودة كثير من هؤلاء الأزواج إلى سوء تصرفهم في مخدع الزوجية هذا . . حيث يعطون للعواطف الاجتماعية ـ وخصوصاً ـ الأمومة ـ دوراً قد يشتت انتباههم ، ويمنعهم عن التناغم عن عواطف قرين المخدع ، وتأجج غرائزه ، مما يجعل المخدع ـ بالتالي ـ مثاراً لأعصابهما معاً دون ان يهبط بهما ـ معاً ـ إلى مرحلة السكون والهدوء النفسي ، الذي تعنيه ذروة المتعة ، وهدف السعادة الزوجية .
  ومثل هذه المشكلة قد تنتهي بكلا من الزوجين إلى ما تحمد عقباه ، في صحته النفسية ، وعلاقته مع شريك حياته ، ما لم ينتبها إلى أسبابها ، ويتداركا ما يمكن تداركه من آثارها ، قبل فوات الأوان .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 116 ـ

الوصية الثامنة
مخدع الزوجية ونزاهة المجتمع

  على الزوجين المؤمنين ـ بالخصوص ـ ان يعلما ان باب المخدع الزوجي ، باب شرعه الله ( تعالى ) ، لتصريف طاقات معينة ، تعتمل في دخيله كلا الزوجين ، في وقت حرم هذا التصريف في خارجه ، حتى بالنسبة لهما أنفسهما ، وأعدّه لكفاية تطلّعات روحية ، وحاجات جسدية لهما ، في حين منع هذه الكفاية فيما دونه ، وهيأه لأشباع عواطف وميول نفسية ، حذّر من إشباعها فيما سواه . .
  وهو ـ تعالى ـ قد جعل هذا كله ، من أجل غايات إلهية كبرى في المجتمع الإسلامي ، كان من بعضها زكاة في المجتمع ، ونزاهته وطهارته عن كل ما يشين ، او يهوي به من دركات الفاحشة والرذيلة .
  وملاحظة المجتمع لباب المخدع الزوجي ـ من خلال هذه الناحية المهمة ـ تجعله ليس حاجة آنية ، لإشباع حاجات الزوج ، او الزوجة ، او كليهما فحسب ، ـ كما قد يتصوره عامة الناس ـ ، وان لوحظ انفرادهما فيه ، وإنما هو ـ قبل هذا وبعده ـ حاجة إسلامية عامة ، وحاجة للمجتمع المؤمن كله ، في نزاهته ونقائه واستقامة أمره في سبيل السعادة والسلام النفسيين ، والأخلاقيين ، والاجتماعيين أيضاً . .
  بل ـ وبملاحظة ما ذكرناه في الفصول المتقدمة من موقع الإسلام في حياة الإنسان ودوره في هدايته نحو كماله المنشود ـ يعتبر حاجة للنوع الإنساني بشكل عام ، وهو يسعى حثيثاً نحو ذلك الكمال الأسمى ، إذ يستحل عليه تحقيق أي من أهدافه الرفيعة ، دون استيفاء حاجاته الخاصة من هذا المخدع المقدس .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 117 ـ

  وهي حقيقة يجب ان يستحضرها كلا الزوجين ، وهما يغلقان على نفسيهما باب مخدعهما ، ويجب ان يجعلاها ضمن غاياتهما الأولى ، وهما يلبيان حاجاتهما الأساسية فيه .
  ومن الشرائط الأولى لهذه الحقيقة : ضرورة ان يجعل كل من الزوجين وفاءه لحاجة قرينه ضمن اهتمامه بحاجته الذاتية أيضاً ، كما يجعل مسؤولية هذا الوفاء ضمن استجابته لأمر الله ( تعالى ) في تنزيه ذاته ، وتنزيه بيته ، و ـ من ثم ـ تنزيه مجتمعه المؤمن الذي يعيش فيه عن كل ما لا يرتضيه من الهنات والدركات الأخلاقية .
  بمعنى ان يشعر كل من الزوجين ، بأن وفاءه لحاجات قرينه إنما هو واجب شرعي لا بد ان يفي بعهدته ، ليستكمل وفاءه بمسؤوليته الإلهية في هذا المخدع المقدس . .
  فعلى الزوج ـ حينئذ ـ ان لا يكتفي بإشباع رغباته الخاصة دون زوجته ، ليتركها عرضة للتوتر والهيجان ، وكذلك العكس أيضاً ، إذ يجب على المرأة ان لا تتجاهل حاجات زوجها حين تكتفي منها حاجاتها ، لتتركه هدفاً للتوتر والصراع النفسي ، أو الجسدي المهلك .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 118 ـ

  بل على كل منهما أن يتناغم في أندماجه مع الآخر ، للوصول إلى الذروة ، والاكتفاء المشترك معاً ، لئلا يشعر أحدهما أن الآخر إنما يتكلف المعاناة من أجله ، أو أنه أصبح عبئاً عليه . . فهذا التناغم والاندماج ـ حتى آخر الشوط ـ هو الذي يفتح لهما آفاق السعادة المشتركة ، والمتعة المتبادلة ، ليخرجا من باب المخدع ، وهما معاً هانئين هادئي النفس ، مكفيي المؤونة ، ساكني العواطف ، ليس لأحدهما ادنى تطلع إلى المحرم ، أو رغبة في اللامشروع ، وليس أحدهما عرضة للتوتر النفسي ، او العصبي ، او مورداً للإحباط العاطفي ، والكبت الغريزي .
  وهذا بعض ما يستهدفه الإسلام من الزواج ، وتشريع أحكامه ، إذ حين تتهيج حاجات الإنسان الكامنة ، وتتوتر فيه عواطفه وأعصابه ـ دون كفاية تامة لها ـ يصبح أقرب للوحشية ومن ثم أدنى إلى السقوط والأنهيار ، أو الوقوع في الأمراض النفسية والعصبية ، بل والجسدية أيضاً فضلاً عن التمادي في الانحرافات الخلفية والاجتماعية .
  هذا ، ولدلائل العصمة نظراتها الدقيقة في هذا المجال ، إذ هي تفيض في تشخيص مهمة الزوجين المؤمنين في مخدعهما المقدس ، وهي صريحة ـ تمام الصراحة ـ في بيان الآثار والنتائج التي تترتب عليها ، وما على المؤمنين إلا ان يراجعها في مصادرها ، حين يريدان السمو إلى تلك الآفاق .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 119 ـ

الوصية التاسعة
دور الحب في الحياة الزوجية

  الحب هو طعم الحياة . .
  طعم الحياة بشكل عام ، وطعم الحياة الزوجية بشكل خاص إذ ما لم تقم هذه الحياة على أساس ثابت من الحب ، تفتقد كل مقومات المتعة والسعادة والهناء ، فهو الذي يضفي عليها هذه السمات ، وهو الذي يعمقها في كياني الزوجين . .
  وضرورة الحب ـ هذه ـ ليست مسألة شاعرية ، أو خيالية ، أو مبالغة تعتمد الوهم ، ـ كما قد يتصوره البعض لما عهده الناس من شيوع كلمة الحب في هذه المجالات ـ ، وإنما هي تقرير لواقع إنساني ـ إلهي المبدأ ( وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ) ، كما يدركه كل من زوجين من نفسيهما ، بمجرد ان ينطقا كلمات عقد النكاح بينهما في الحالات الاعتيادية ، فبينما لم يكن أي من الزوجين شيئاً في كيان شريكه قبل هذه الكلمات ، وإذ هو كل شيء بالنسبة له بعدها ، حيث تتضاءل أمام علقته الجديدة كل العلائق السابقة ، التي ولد عليها ، ونشأ وترعرع فيها .
  وللحب في الحياة الزوجية دوره الكبير إنشائها ، وبناء كيانها ـ أولاً ـ ، وفي أستمرار وجودها ـ ثانياً ـ ، وفي ديمومة سعادتها وهنائها ومتعتها ـ ثالثاً ـ .
  ولهذا السبب ، فإن الإنسان حين يتمكن من مزاولة الجوانب الأخرى من حايته بدون هذا الحبّ ، وان يعاشر الآخرين بعيداً عنه ، ويكسب بعض الثمار والمصالح المفيدة له من تلك المعاشرة ، فإنه في الحياة الزوجية ـ بالخصوص ـ ، لا يستطيع ان ينال ـ ولو ـ شيئاً يسيراً مع سعادتها ، او يحقق بعضاً من غاياتها الأساسية بدونه ، فهو رصيد السعادة فيها ، وهو أساس الاندماج النفسي بين الزوجين ، وهو الموحّد لكيانيهما . .