الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 145 ـ

  وجميع أبعاد هذه الأمانة الكبرى مما يجب أن يأخذه كلا الزوجين بالحسبان ، ويتذاكره أبعاده وحدوده ، منذ أولى خطواتهما في بيتهما الجديد ، وأن لا ينسياه أبداً مدى حياتهما المشتركة ، لأن لكل من هذه الأبعاد حدوداً شرعية ، لا يجوز لأي منهما تجاوزها ، أو التقصير في شيء من أمرها ، وقد استوفينا الحديث ـ في بعض جوانب هذا الموضوع ـ في الباب الأول من هذه الرسالة . .
  وللأمانة بين الزوجين ـ في الإسلام ـ مفهوم أوسع ما يراه عامة الناس من معنى هذه الكلمة ، ولها في وجوديهما ، وفي حياتهما ، آثار أعمق مما تلاحظه نظرتهم السطحية العابرة للأمور .
  ومما يمكننا ان نشير إليه في هذه الوصية من صور هذه الأمانة ، وأبعادها ، ونتائجها ، ومما يمس منها جانب المرأة بالخصوص :
  أولاً : على المرأة المسلمة ان تعلم انها ـ بعقدها لنفسها على زوجها عقد الزوجية ـ قد تحمّلت ـ في الرؤية الإسلامية ـ نصف دينه ـ كما ورد في بعض الروايات الواردة عن المعصومين ( عليهم السلام ) ـ ، أو ثلثي دينه ـ كما ورد في روايات أخرى ـ ، وجعلته أمانة في عنقها . .
  كما ان الزوج بالمقابل قد تحمل هذا المقدار منها أمانة في عنقه أيضاً . .
  وحين تكون هذه الحدود الكبرى ضمن آفاق الأمانة الإلهية لدى كل من الزوجين ، كانت هذه الحدود الكبرى ـ بدورها ـ هي المورد المنظور للإسلام في تحديده لمسؤولية كل منهما تجاه الآخر ، وحينئذ فمن الطبيعي أن يكون هذا المدى نفسه ، هو الأفق الذي يتطلع إليه المؤمن في وفائه لمسؤولياته ، وتقرّبه إلى الله ـ سبحانه ـ .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 146 ـ

  وفي اطار هذا الوفاء ترد عناوين ، مثل متابعة كل من الزوجين لسلوك الآخر في الأستقامة مع أحكام الشريعة ، والإصرار على تقويمه عند الانحراف عنها ، ومدّه بما يحقق له هذا التقويم ، سواء في عوامل المعرفة والإرشاد ، أم في كفاية المهمات ، التي قد يسبب نقصانها لديه مثل هذا الانحراف . . وهكذا .
  فمثلاً ، حين يلتفت الزوجان ألى أن من الأولويات المطلوبة لهما في الزواج : تصريف الطاقات الخاصة ، وكفاية حاجات الغرائز الجسدية والنفسية وملء التطلعات والميول العاطفية لدى كل منهما إلى الجنس الآخر ، كان لا بد من أن يأخذ كل من الزوجين هذه الأمور كلها ، ضمن مسؤولية الإلهية تجاه زوجه ، وعليه ان يفي له بها حق الوفاء من أجل سلامة المجتمع المسلم ، ونزاهته من رجس الخطيئة ودنسها ، حتى في مستوى التصور وأحلام اليقظة . .
  وهذا يعني ضرورة ان يسعى كل من الزوجين إلى كفاية حاجته ، وحاجة رفيقه معاً ، دون أدنى خجل ، أو حياء ، أو تثاقل ، لئلا يجعله عرضة لهجوم تلك الغرائز ، او التطلع الى غير المستساغ من الأعمال . .
  أما وفاء المرأة ـ خاصة بهذه الأمانة الإلهية لزوجها ـ فيتحقق ـ كما سبق أن قرأناه في الباب الأول ، في تبذّلها لزوجها ، وبروزها أمامه ، بالشكل الذي يملأ عواطفه وتطلعاته إلى المرأة التي تغني حاجته الغريزية ، وتُشبع ميوله ، وتملأ حياته بالحب ، وتُخفف عليه معاناته في حياته الداخلية والخارجية . . وهكذا .
  كما يتحقق وفاء المرأة كذلك في أمرها لزوجها بالمعروف ونهيه عن المنكر ، بطريقة تتناسب وموقعها منه ، وتستقيم مع قوامته عليها ، إذ ما كانت الحياة الزوجية لتغض من مستلزمات ولاية المؤمنين بعضهم لبعض ـ كما قلنا ـ ، بل العكس هو الصحيح ، فالمسؤولية هنا مضاعفة ، لوحدة ما بين الزوجين من كيان ، ووحدة مسيرتهما ومصيرهما المشترك .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 147 ـ

  ثانياً : على المرأة ان تعلم إنما تحلّ في بيت الزوجية ، وفي الغالب ان كل ما في البيت أو أكثره مملوك للزوج ، وانها ـ بحكم صلتها به ، ووظيفتها في بيته ، قد أسند أليها التصرف بتلك الممتلكات ، بمعنى ان تلك الممتلكات قد أصبحت امانة زوجها تحت يدها . .
  فمن الطبيعي ـ حينئذ ـ ان تلتفت الى ان تصرفها في هذه الممتلكات ، يجب ان يكون بمقدار ما فوضها زوجها به ، او ضمن الحد الذي يسمح لها به الحكم الشرعي في الاستفادة منه ، أو المحافظة عليه ، وإصلاح أمره . . وهكذا . .
  وهي ـ كما اعتقد ـ مسألة واضحة ، ولا يحتمل من المرأة المؤمنة ان تجهل شيئاً منها ، كما لا ينتظر منها ـ وبحكم إيمانها وألتزامها ـ ان تتجاوز على الحد الشرعي فيها ، وقد سبق الحديث حولها مفصلاً ، كما سبق ان عرفنا ـ كذلك ـ ان ممتلكات الزوجة في هذا البيت ، تجري مع زوجها ضمن هذا الخط تماماً ، وفي مختلف ما شرع الله ( تعالى ) له من الحدود والاحكام .
  ولكن ها هنا نقطة مهة لا بد من الالتفات إليها ، وهي ان لهذه الأمانة بعداً قد يكون أدق من هذه الملاحظة السريعة ، وعلى كلا الزوجين ان يلتفتا إليه .
  إذ ان لبعض الممتلكات موقعاً في نفس مالكها هو أعمق من قيمته المادية ، كما ان لبعض التصرفات أثراً افي نفس المقابل هو أكبر من حدوده الموضوعية المتعارفة .
  وهي ناحية يجدها كل إنسان من نفسه ، قبل إن يلمسها في غيره من الناس .
  فكثيراً ما يستعزّ المرء بشيء من الأشياء ، أو يهتمّ بأمر من الأمور ، يعدّه الآخرون من أسقاط المتاع ، أو توافه القضايا التي لا تسحتحق الالتفات ، فضلاًَ عن الاعتزاز ، أو الاهتمام .
  وفي مقابل ذلك ، أكثر ما ينفر الإنسان من شيء يراه الآخرون شيئاً جيداً ، أو يستصغر قيمة سلعة يعدها غيره من السلع الثمينة ، أو ذات قيمة كبرى . . وهكذا .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 148 ـ

   فنظرة المرأة للأمور تتأثر عادة بالظروف الشخصية ، او الملابسات الخاصة التي قد تخرجها عن الاعتبار النوعي ، أو الأجتماعي العام . .
  كما ان بعض الناس قد يستلذّ تصرفاً يصدر من شخص من الأشخاص ، أو يحدث في ظرف من الظروف ، بينما هو لا يستسيغه فيما إذا صدر من شخص آخر ، أو في ظرف آخر لاختلاف النظرة ، أو الأمزجة التي تحكم العواطف والتوجهات لدى الأفراد في مختلف المناسبات .
  وهي نواح يجب أن يأخذها الزوجان بالحسبان في تصرفاتهما ، العامة أو الخاصة ، طوال أيام حياتهما الزوجية المديدة . .
  ولهذا ، فلا ينبغي لأي من الزوجين ان يستهين بشيء يرى قرينه مما يهتم به ، وان كان من اتفه الأشياء قيمة . . كما لا ينبغي ان يستصغر أي خطأ يصدر منه هو تجاه قرينه ، وان لم يسبب للطرف الثاني خسارة تذكر ، سواء كانت مادية أو معنوية .
  لأن تلك الأستهانة ، وهذا الاستصغار مما قد يسبب شعور الطرف الثاني بالإحباط ، او يبذر في ذاته القناعة بأن قرينه لا يعير لعواطفه أو أهتماماته أي أهمية ، أو حرص ، ولا ريب ان الآثار السيئة لمثل ذلك الشعور ، وهذا الأقتناع أكبر من أن تتحد نتائجها في أفق خاص ، او حالة معينة من علقتهما الزوجية ، بل هي قد تنسف هذه العلقة من أساس ، ولاسيما ان أستحكما في وهم الطرف الثاني ، نتيجة لتكرر الموقف ، وتأكد أستهانة الطرف الأول واستصغاره .
  كما ان صدور هذه الاستهانة والاستصغار من الزوجة بما يعتز بها زوجها ـ بالخصوص ـ قد يولّدا في نفسه شعوراً بعدم كفاءتها ، وعدم قدرتها على إدارة بيتها وشؤونه ، وعدم أهتمامه بما يجب عليها في تمضية شؤون حياتهما الزوجية . .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 149 ـ

  وهو شعور لا تخفى آثاره السيئة على ذي لب ، ولا سيما إذا أخذنا بالإعتبار قوامة الزوج على زوجته ، وضرورة تبعيتها له في إرادته ، واتباعها له في خطواته التي ينتهجها في مسيرة الحياة الزوجية .
  ومن هذه الآثار السيئة : استصغاره لها ، وسلب ثقته بها ، حتى في الأمور الأخرى التي هي موضع عنايتها ، ومجال كفاءاتها ، وإتقانها في الأعمال .
  وعلى المراة ان تعلم ان هذا الشعور قد يتولد لدى الزوج ، وان لم يكن ممن يهتمّ بالخسارات المادية ، أو ممن يعير لها أهمية كبيرة ، إذ الأمر ـ كما قلت ـ أعمق من الحدود والقضايا المادية في الأشياء ، وإنما هي ـ قبل هذه المرحلة ـ رابطة نفسية ، لها جذورها في كيان الإنسان ، وهذه الجذور هي التي ينبغي ان تؤخذ بالحسبان .
  ثالثاً : على المرأة ان تلتفت إلى ان مما تحملت أمانته في عقد الزوجية كذلك : كرامة زوجها ، وكرامة أسرتهما ، وكرامة حياتهما الزوجية ، ومكانتها في المجتمع .
  فالزوجة ـ وكما كررنا أكثر من مرة ـ إنما تمثل الجانب الداخلي من العلقة الزوجية . . وهي قد أخذت على عاتقها ـ من هذا الجانب بالخصوص ـ ، مسؤولية تلك الكرامة مباشرة ، بعد أن كانت تقف خلف أمها في بيت أبيها ، وأسرتها الأولى .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 150 ـ

  وحيئنذ ، فعليها أن تتصدى ـ قدر طاقتها ـ لإبراز بيتها ، وأسرتها وزوجها ، بالشكل المشرق الذي تريده للجميع ، وبالهيكل الذي يتناسب وموقعها الاجتماعي .
   تماماً ، كما أخذ الزوج ـ ومن خلال موقعه أيضاً ـ مسؤولية هذه الكرامة مباشرة ، في جانبها الخارجي ، حيث لا بد ان يبرز شخصيته وأسرته بالشكل المناسب في المجتمع الذي يعيش فيه .
  وعلى الزوجة ان تتذكر ـ بهذا الصدد ـ ، ان للزوج ـ وبحكم علاقاته الاجتماعية الواسعة ـ ، التزامات معينة ازاء من يتصل بهم من ذويه ومتعلقيه ، ومن كرامته بينهم ، ان يفي بجميع هذه الالتزامات ، كأكمل ما يكون الوفاء ، والا انتهكت تلك الكرامة عندهم ، وصغرت منزلته في أعينهم .
  ومعروف أن بعض هذه الألتزامات ، من وظيفة زوجته ، ومن شؤونها الخاصة ، كإدارة البيت ، وطهي الطعام ، وتنظيف المأكل والملبس ، وتنسيق محتويات البيت وأثاثه ، وأشباه هذه الأمور ، وهذا يعني ان هذه الأمور ـ كما هي مظهر لكرامة زوجها في المجتمع ـ هي مظهر لكرامتها ، وكرامة أسرتها فيه ، أي أنها بعض أبعاد مسؤوليتها الاجتماعية ، وأدائها لأمانة زوجها في عنقها ، وينبغي لها أن تفي بها ـ قدر إمكانها ـ دون خلل أو تهاون ، وعليها أن تعدّ نفسها لهذه الغاية منذ وجودها في بيت أهلها ، وقبل ألتزامها بمتطلبات علقتها الزوجية ، لتربي نفسها على القيام بما لا بد لها من القيام به في بيت الزوجية ، وتبرع في مهماتها التي ستناط بها مسؤولياتها ، لتنال الدرجة التي تأملها هي في نفسها ، ويأملها منها زوجها ، ويأملها من يحيط بهما ، من ذويهما ومتعلقيهما .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 151 ـ

الوصية السادسة عشرة
الزوجية سكن للزوجين

  المرأة سكن لزوجها ، والرجل سكن للزوجته ، فكل منهما موئل للآخر ، بروح عنده ، ويهدأ لديه من عناء الحياة ونكدها ، ومفرّ يلجأ إليه من مشاكل العمل وتقلّبات الظروف العامة الخاصة ، وصدر حنون يجد في الراحة ، ودفء العاطفة ولذة السعادة .
  ولأن الزوجة تشكل عادة الجانب الداخلي من الحياة الزوجية ، فمن الطبيعي ان تكون مهمتها أكبر من مهمة الرجل في هذا الجانب ، لما يصطدم الزوج في معاناة في حياته الخارجية ، وشؤون العمل ، والعلاقات الاجتماعية المختلفة ، فهو في حاجة أكبر إلى ذلك الصدر الحنون ، وذلك الدفء العاطفي ، الذي يجدد له الحيوية ، والثقة بالنفس ، ليخرج إلى الحياة مطمئن النفس ، مع تفاؤل مشرق ، وثبات على الأهداف التي يطمح إليها ، ليستطيع أن يمضي ـ من ثم ـ في طريقه بجدية وكفاءة تامتين .
  وكل هذا مما يجب على المرأة ان تأخذه بالحسبان في حياتها الزوجية ، لأنه من الأهداف الأولى لهذه الحياة ، ولا بد أن تعدّ له العدة المناسبة ، لكي تستطيع أن تؤدي دورها مع زوجها ، كأكمل ، وأتم ما يكون الأداء ، لتحقق آماله فيها ، وتغني تطلعاته ورغباته المختلفة ، التي قد تستشار من خلاله اتصاله بالمجتمع ، وممارسة للحياة خارج البيت . .
  فهناك الأشكال النسائية التي يلتقيها الرجل خارج البيت ، أو في وسائل الدعاية التي تملأ البيوت في هذه الأيام .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 152 ـ

  وهناك تنسيق الأثاث المنزلي ، ونظافة البيوت . .
  وهناك طهي الطعام ، وطرق تقديمه ، والمرغبات فيه . . وهكذا .
  وكل هذه الأمور مجال الإثارة رغبة الإنسان ، حتى بالغرم من بساطة المواد الموجودة ، أو المتوفرة في البيت وقلتها ، إذ أن أكثر هذه الأشياء لا تخضع للغنى ، أو لغلائها المادّي ، بقدر ما تخضع للذوق المشرف على تربيتها ، أو تقديمها .
  وعلى الزوجة الحكيمة ، أن تنتبه إلى مكامن رغبات زوجها في هذا المجال بسرعة ، وبهدوء لا يلفته ، لتثبت جدارتها ، وتفوّقها على ما يراه في غيرها من أشكال نسائية ، أو في غير بيتها من عناية وترتيب ، أو في غير طهيها من نتاج الأخريات .
  ولهذا السبب ، فلا ينبغي لها ان تلزم طريقة واحدة في الحياة ، او في السلوك مع زوجها ، لأن هذا مدعاة لإثارة المَلل ، وان كان هو الذي سبق منه الأقتراح في الطريقة الأولى ، كما لو أنه أقترح نوعاً معيناً من الطعام في يوم ما ، أو أبدى لها رغبته في أمر من الأمور ، فإن تكرار شيء من الأشياء في كل يوم ، يستوجب ضيق الإنسان به ، ونفرته منه ، ولاسيما مع تنوع الأشكال التي يراها في الشارع ، أو في بيوت الأصدقاء ، أو على موائدهم ، إذ أن هذا التنوع مما قد يثير في نفسه الرغبة إلى التجديد والتغيير ، وهو أمر يجده كل إنسان من نفسه كما يراه في غيره ، وهذا ما ينبغي للمرأة ان تسمو إليه في كفاءاتها ، وفي فنها وذوقها ، لتتلافى أي نقص يمكن تراه في تحقيقها لرغبات زوجها ومطالبه .
  وفي مجال تزين المرأة ، وطريقتها في ارتداء الملابس والتجمل خاصة . . على المراة أن تنطلق فيما تقوم به من خلال ما تعلمه من رغبة زوجها فيها ، ومن خلال ميوله الشخصية معها فحسب ، لا من خلال أي منطلق آخر ، مهما يكن رفيع الذوق ، ما لم يؤيده الزوج ، صراحة أو ضمناً .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 153 ـ

  ولها السبب عليها ان تتخذ من نظرات زوجها ، وكلماته معها ، وتعليقاته المستحسنة أو الغير المستحسنة ، أساساًَ لفهم ما يرغبه منها ولا يرغب ، وان تجعل هذه الرغبة وحدها في دستورها في القيام بمسؤوليتها هذه . .
  فمعروف ان مقاييس الجمال تعتمد على الذوق قبل أي شيء آخر . .
  ومعروف ـ كذلك ـ ، ان لكل شخص ذوقه الخاص ، الذي قد يختلف فيه عن أذواق الآخرين . .
  وحيث أن همّ الزوجة الحكيمة ، و ( المؤمنة من حكيمات الزوجات بالخصوص ) هو زوجها فحسب ، وتحقيق تطلعاته ورغباته الشخصية فيها ، وملء ذوقه ، وعواطفه الخاصة معها ، دون أي شخص آخر ، فيجب أن تكفيه كل هذه النواحي ، في كل ما تأتيه من هذه الأمور وما تترك ، وعليها ان تحقق تلك التطلعات منه والرغبات ، وان لم يتفق في ذوقه مع الآخرين ، فالذوق ـ كما قلت ـ أمر شخصي ، لا يخضع إلا إلى موازين الهوى النفسي والعاطفة .
  ولهذا السبب ، فينبغي أن لا تقيس المرأة ذوق زوجها على من عهدتهم من الرجال الذي كانت تعيش معهم قبل زواجها ـ مثل ابيها او اخوتها أو غيرهم من ذويها ـ في أذواقهم مع زوجاتهم . .
  فلا تنظر كيف كان أبوها يتعامل مع أمها ، أو الذي كان يستهويه من ملابسها وزينتها ، أو كيف كان اخوها يرغب من زوجته أن تبرز أمامه في مكياجها ، او ما الذي يرغبه خالها ، أو عمها في ترتيب بيته ، او في نوع طعامه . . وهكذا لتتبع ـ من ثم ـ تلك الأذواق في تعاملها مع زوجها ، وتحقيق رغباته وتطلعاته . .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 154 ـ

  كلا . . أبداً وإن كانت من المعجبين بذلك الذوق المتطلّعين إلى تحقيقه ، وإنما عليها ان تستوحي الأمور التي تعملها من رغبات زوجها وتطلعاته وحده ، لتحقق له ما يريد .
  وفي إطار آخر . .
  ينبغي للمرأة أن تلتفت دائماً ، إلى ان البيت هو ملجأ أفراد العائلة ـ وخصوصاً الرجل ـ ومفرّهم من معاناة الحياة ، وعناء العمل في الخارج ، ومشاكل العلاقات الاجتماعية المختلفة . .
  وان تلتفت ـ أيضاُ ـ إلى مسؤولية البيت تعود إليها نفسها ، قبل غيرها من أفراد العائلة ، ولهذا فمن واجبها الاهتمام كل ما يحتاجه هذا البيت ، من راحة وهدء وأنشراح ، ليجد الجميع فيه سعادتهم وهناءهم ، قبل أن يعودوا إلى الحياة الاجتماعية العامة ، أو إلى العمل ، متجددي النشاط ، هادئي البال ، منشرحي النفوس .
  فابتسامة الحب الصادقة ، يجب ان تكون هي فاتحة اللقاء الأول بين أفراد العائلة في باكورة يومهم الجديد حتى قبل تحية الصباح ، وان تكون هذه الابتسامة ذاتها هي خاتمة وداعهم الأخير فيه ، قبل الأستسلام إلى أغفاءة النوم في المساء ، مروراً بكل لحظة من لحظات ذلك اليوم ، ومع كل عمل يصدرونه فيه .
  فمعروف ان التجهم والعبوس مما يفضي على البيت كآبة يمكن للجميع تجنّبها ، ويضيف إلى كل فرد من أفراد العائلة ـ وخصوصاً الزوج منهم ـ عناء متجدداً ، يجعله عرضة للتوتر الدائم ، وانهيار الأعصاب . . ونتيجة هذا مما لا يخفى على أحد . .
  فما أكثر ما أنهارت زيجات ، كان يمكن لأطرافها أن يتداركوا الأمر على أنفسهم ، لو أنهم استعانوا ـ لديمومتها ـ بابتسامة الحب الصادق في علاقات بعضهم مع بعض . .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 155 ـ

  وما أكثر العوائل التي يسودها التوتر والعصبية ، لأن تلك الابتسامة لم تتخذ طريقها إلى وجوه أفرادها ، لينعكس ذها التجهم منهم والعبوس على الأطفال ـ بالخصوص ـ ثماراً مرّة فجّة ، تجعلهم عرضة للكبت والعقد ، أو حتى مسرحاً للامراض النفسية والجسمية . .
  ومن القضايا المهمة في هذا المجال : ان تلتفت المرأة إلى طريقتها في الحديث ، ولاسيما مع زوجها ، فلا تخرج بيتها عن هدوئه ، وسعادته التي ترغب ان يكون عليها . .
  فصوتها يجب أن لا يتجاوز ـ قدر الإمكان ـ مسامع المخاطب ، كما أن لهجتها في الخطاب ينبغي أن لا يشوبها نوع من الإثارة أو الأستفزاز ، حتى وهي تناقش مع زوجها بعض مشاكل الحياة .
  وكذلك فإن المضوعات التي تطرحها في الحديث مع زوجها ، يجب ان تكون مما تعلم أهتمامه به . . فلا تتعدى فيه جانب الحكمة والتعقل ، ولاسيما في القضايا والاحاديث ذات الصبغة الجدية بينهما . .
  أما حين يضطر الرجل إلى مواصلة عمله في البيت ، ـ كما في مراجعة التاجر في حسابات تجارته ، او تهيئة المدّرس أو الأستاذ لدروسه ، أو مواصلة الطالب لدراساته . . أو غير ذلك ـ ، فيجب ان لا تقحم الزوجة نفسها في عمله ، إلا حيث يطلب منها ذلك ، وان توفر له الجو المناسب لإنجازه كما يريد ، وبالطريقة التي يريد .
  وقد سبق ان نبّهنا ـ في وصية سالفة ـ إلى ما يعنيه نجاح كل من الزوجين لللآخر ، مما يعني أن المرأة تتحمّل قسطاً كبيراً من مسؤولية نجاح زوجها في أعماله ، بتهيئة ما تستطيع تهيئته له من أسباب الراحة والتفرغ لإنجازها .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 156 ـ

الوصية السابعة عشرة
الحياة الزوجية والعلاقات العائلية

  مما ينبغي أن يلتفت إليه الزوجان : ان علاقتهما الزوجية ليست هي العلاقة الأولى والوحيدة في حياة كل منهما ، وان اتسمت هذه العلاقة بمميزات خاصة تختلف عن غيرها من العلاقات . .
  فكل من الزوجين ـ في اغلب الأحيان ـ فرع من شجرة عائلية كبرى ـ يصعب على الفرد ان يقتطع نفسه منها ، بل ويستحيل عليه هذا الاقتطاع ، دون أثر سلبي على صحته النفسية والجسمية ، وعلى حياته الخاصة أو العامة ، ومدى وفائه بسؤوليته الاجتماعية والإلهية ، التي فرضت عليه صلت الأرحام ، وأداء جميع حقوقها الأخرى .
  بمعنى ان الزوج قد نشأ في أسرة ، لها روابطها العائلية ، ولها ألتزاماتها الخاصة ، مما يفرض عليه ـ بالتالي ـ مسؤوليات يجب عليه أن يفي بها تجاه ذويه ، وتجاه تماسك ما بينهم من علاقات ، وتجاه وحدة العائلة في المجتمع ، ومكانتها بين الناس ، وشرفها فيهم .
  وكما أن هذه المسؤولية اجتماعية في مظهرها ، هي ـ كذلك ـ دينية في جذورها وحدودها ، وفي نتائجها وآثارها على علاقة المؤمن ببارىء وجوده ـ سبحانه وتعالى ـ وكل هذا مما يجب على الزوج أخذه بالاعتبار بعد الزواج ، كما كان الأمر قبله .
  وهكذا الشأن مع زوجته . .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 157 ـ

  فهي ـ كذلك ـ فرد من أسرة ، لا يمكن ان تقتطعها الظروف تمام الاقتطاع ، دون اثر سلبي على كيانها النفسي ـ بل والجسمي أيضاً ـ ، وعلى شخصيتها بشكل عام ، أو دون تقصير منها في وفائها بمسؤوليتها الإلهية ، والاجتماعية ، سواء تجاه ذويها أم في صلتها لرحمها ، بل وفي استجابتها العميقة لإرادة زوجها ، وخضوعها لإرادته .
  ومع ان للعلقة الزوجية حكمها الحاسم ـ في بناء الحياة الجديدة ـ على كلا الزوجين ، وان هذا الحكم هو المقدم على اي من احكام العلاقات الأخرى ، إلا ان على الزوجين ـ وهما يرسمان خطوط هذه الحياة ، ولاسيما في الأيام الاولى منها ـ ان لا ينسيا تلك الحقيقة المهمة من وجوديهما ، وأثرها على كيانهما ، وعلى علاقة كل منهما بذوية وأقاربه .
  ولهذا فيجب ان لا تحاول الزوجة أن تفرض على زوجها انتزاع عن علاقته بعائلته ، مهما كانت وجهة نظرها هذه .
  كما يجب على الرجل أن لا يستهين بعلاقة زوجته بذويها وأهلها ، مهما كانت وجهة نظره عنهم كذلك . . بل وان كانت محقاً في فكرته حولهم .
  فلا بد لكلا الزوجين من إبقاء صلتهما بذويهما ، وثيقة كما كانت ، ولا بد لهما من الوفاء بمتطلبات هذه الصلة ، وبمقتضيات موقعهما ودورهما في أسرتيهما ، كأكمل ما يمكن الوفاء . . فصلة الرحم مما أمر الله ( تعالى ) به فهي ـ كأي واجب إلهي آخر ـ ، لها حكمها هذا على الإنسان ، مع غض النظر عن موقف الآخرين منه ، فهي مما تمس علقة المؤمن ببارئه ( تعالى ) ، قبل ان تنعكس عليه ـ في بعدها الاجتماعي ـ كتقصير بحق من له حق عليه .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 158 ـ

  بل ـ وبملاحظة ما ذكرناه من توحّد كياني الزوجين في حياتهما المشتركة ـ ينبغي أن يشعر كل منهما قد اصبح فرداً من عائلة الآخر . .
  بمعنى أن تشعر المرأة بالواقع الجديد الذي دخلت فيه ، وتدرك أنها أصبحت جزءاً من عائلة زوجها ، وفرداً من أفرادها ، وكذلك الزوج ، فهو بزواجه من عائلة زوجته ـ قد أصبح بعض أفرادها ، لا في حدود الشكليات والمجاملة ، وإنما في متطلبات العلاقات الوثيقة ، ومسؤولياتها كافة . .
  أما مع ملاحظة القضية من زاوية أخرى أعم وأعمق ، فإنها ستتخذ أبعاداً أخرى أكثر أهمية . .
  فبحكم أخلاص كل من الزوجين للآخر ، وحبّه له ، وأخلاصهما لعائلتيهما معاً ، وبمساعدة كلتا العائلتين لهما في مهماتهما الاجتماعية ، يمكنهما أن يجعلا من علقتهما الزوجية ـ التي بينهما ـ سبباً في دمج كلتا العائلتين ، وتوحيدهما . .
  وبهذا الدمج والتوحيد ، يحققان بعض متطلبات ولاية إيمانهما ، وأهداف الأسلام في المجتمع المسلم ، في وقت يكونان أقرب من السعادة الحقيقية ، المرجوة لهما ، ولعائلتيهما معاً .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 159 ـ

الوصية الثامنة عشرة
البيئة وبناء شخصيتي الزوجين

  من البدهي أن كلاً من الرجل والمرأة إنما يدخل الحياة الزوجية بعد مرحلة يقطعها من عمره بين أهل بيته وذويه وأصدقائه ، وفي بيئة تتشكل فيها شخصيته ، وتتبلور معالمها النفسية ، والفكرية ، والسلوكية .
  فمعروف ان البيئة دورها الكبير في صياغة مكونات شخصية الفرد ، وتنمية ميوله ، وتكوين عواطفه ، وتوجيه مشاعره ، وطريقته في السلوك ، وممارسة الحياة ، وتهيئة المستوى العقلي ، وتوجيه الفكر والمواقف نحو مختلف الأمور . .
  وليس من السهل على المرء ان يتجرد من تاثير هذه البيئة ، مهما أوتي من سعة في الوعي ، واستقلالية في التفكير ، وقوة في الإرادة ، فالبيئة هي القالب الذي تصبّ في موروثات الفرد ، وإليها تعزى العوامل التي تتبلور من خلالها مكونات شخصيته ، وكلمات علماء النفس في هذا المجال واضحة كل الوضوح . . . كما ان نصوص العصمة ـ قبل هذه الكلمات ـ أكثر دقّة في بيان تأثير هذه البيئة ، ودورها في تكوين الشخصية .
  وهذا يدعونا إلى الالتفات إلى ان لكل بيت مألوفاته الخاصة ، وأخلاقياته ، وتقاليده ، ومستواه الأقتصادي ، وتوجهاته الفكرية والاجتماعية ، ومستواه في التزامه الديني ، وطرائقه في الصرف المادي ، واهتماماته المختلفة في الحياة . . إلى غير ذلك . .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 160 ـ

  وهكذا ، فحين ندرك دخول كل من هذه الأمور في بلورة شخصية الفرد ، وأن لكل منها دوره في بناء مكوناتها ، وتحديد معالمها وتوجاهاتها ، فطبيعي ان نعلم حينئذ أن لكل منها طابعه الخاص في تكوين هذه الشخصية ، لما يلقيه عليها من ظلاله ، السلبية أو الإيجابية ، لتظهر آثاره في عواطفها ، وانفعالاتها واهتماماتها ، وتوجهاتها ، وطرائقها في التفكير ، وممارسة الحياة .
  ولأن البيئة ـ التي يعيش فيها الفرد ـ لا تقتصر على حدود البيت ، الذي يعيش فيه ، فمن الطبيعي أن يتأثر الفرد ـ كذلك ـ بما أوسع دائرة من هذا البيت . .
  فشله الأصدقاء ، وشركاء العمل ، والعلاقات الاجتماعية المختلفة ، والموقع الاجتماعي للأسرة أو للفرد ، كل هذا ـ وأمثاله ـ مما لا ينكر أثره ـ كذلك ـ في تكوين شخصية المرء ، وتحديد ملامحها .
  ومما يجب ان يدركه الزوجان ـ في هذه الناحية ـ ويأخذاه بالحسبان في أي منهجه منهما لحياتهما الزوجية ، وتحديد مواقفهما فيها : ضرورة الإيمان بوجود فوارق بينهما ، ليس من السهل تجاوزها ، ولاسيما في بداية حياتهما المشتركة ، وان تقاربا في الكثير من آفاق حياتهما السابقة . .
  وأولى هذه الفوارق ناشئة من نفس التكوين الطبيعي كرجل وكامرأة ، إذ لشخصية الرجل معالمها الخاصة ، ولشخصية المرأة معالمها الخاصة كذلك ، إضافة إلى تأثير اختلاف البيئتين اللتين نشأ أو عاش فيها كل منهما قبل الزواج .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 161 ـ

  بمعنى ان شخصية الرجل ، وطريقته في التفكير ، وممارسته للحياة ، إنما صبت جميعها من خلال تكوينه الطبيعي كرجل ـ أولاً ـ ومن خلال ما يمكن تسميته بـ ( القالب العام ) للوراثته في للمعالم العامة المشتركة بين ذويه ـ ثانياً ـ ، ومن خلال طرائق الحياة التي يمضي عليها بيته في تقاليده ، وفي عمله ، وطبقته ، ومستواه الاجتماعي والاقتصادي ـ وأشباه هذه النواحي ، التي لها تأثيرها في شخصيته ، وتكوين ملامحها ـ ثالثاً ـ .
  وكذلك المرأة في تكوينها النفسي ، والفكري ، والسلوكي ، والاخلاقي ، وفي تقاليدها ، وعادتها . . كل هذه النواحي إنما نشأت لديها من خلال وجودها ـ كامرأة ـ ، ومن خلال ما ورثته من سلالتها ، وما ألفته في أسرتها ، ووسطها العام ، او الخاص ، الذي كانت تعيش فيه قبل دخولها عتبة الحياة الزوجية .
  ومن أجل إنجاح الحياة الزوجية ، وتيسير شؤونها ، وبلوغ سعادتها المرجوة ، ينبغي على كلا الزوجين أن يأخذا هذا الأختلاف بالحسبان ، وان تكون لديهما مرونة كافية للاستيعاب الفروق الموجودة في شخصيتيهما ، ولا يكون أحداهما ـ أو كلاهما ـ حدياً بالشكل الذي يفرض كل منهما وجودُه ، وإرادته ، وسيطرته ، على الطرف الآخر ، أو على الحياة الزوجية ذاتها ، ليكبت قرين حياته ، ويتجاهل ما في شخصيته من إيجابيات ، او يستهين بما يملتكه من عواطف ومشاعر تجاه ذويه ، إذ ستصبح الحياة ـ حينئذ ـ جحيماً لا يطاق ـ بالنسبة لهذا القرين ، ولا ريب ان سلبيات هذه الشعور مما لا تحمد عقباه بأي حال من الأحوال . .
  وعلى كل من الزوجين ـ ومع هذه المرونة ـ ان يمرّن نفسه على الأنضواء ضمن مقتضيات وحدة الحياة الزوجية ، والتصميم على إزالة الفروق ـ التي يشعرها من ذاته ـ مع حياته الجديدة ، وان يتقّبل شخصية قرينه ـ بكل ما فيها من إيجابيات أو سلبيات ـ بصدر واسع ، وتعقّل للنتائج . .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 162 ـ

  وتتأكد ضرورة هذا التمرين والتصميم والتقّبل بالنسبة إلى المرأة أكثر من الرجل ، فهي التي تدخل ـ عادة ـ في كنف الزوج ، وضمن محيطه ، وفي أسرته ومجتمعه ، وفي كل بيئته التي يحاياها ، إذ ما لم تكن لديها تلك الأمور ، لا يمكنها أن تنسجم ـ بأي حال من الأحوال ـ مع هذا الوسط الجديد برمّته ، مما يؤثر بالتالي على علاقتها بزوجها نفسه .
  ولهذا السبب ، فعليها ان لا تنظر من زوجها ان يكون صورة طبق الأصل منها شخصياً في عاداته وتوجهاته ، فهو ـ قبل أي شيء ـ رجل وهي أمرأة ، وكل منهما له ركائزه الفطرية الخاصة ، وكل منهما ينظر الحياة من زاويته الخاصة ، ويتعامل معها من منطلقه الخاص ، وشتان بين المنطلقين ، وقد سبق ان علمنا بعض عوامل الاختلاف في شخصيتي الجنسين .
  كما ينبغي لها ان لا تنتظر منه ان يكون شبيهاً ـ في طباعة وتعامله ـ بأبيها أو أخيها أو واحد من اللذين ألفت الحياة معهم قبل زواجها ، كأعمامها وأخوالها وغيرهم ، إذ ان لكلٍ بيئته ، ولكلٍ شخصيته ، وله طباعه وأخلاقه . .
  كما لا تنتظر من بيئتها الجديدة أن تجري ـ في اتجاهاتها ، وميولها العامة ، وتقاليدها ، وأخلاقياتها ، واهتماماتها ، وطرائقها في المعاشرة ـ ضمن ما ألفته في محيطها الذي كانت تعيش فيه في بيت اهلها ، مهما كانت الصورة السابقة ، محببة وبسيطة بين الناس ، إذ عليها لا تستبعد الاختلاف ما بين البيئتين ، ولو في بعض الأمور .
  ومن هنا كان على الفتاة العاقلة أن تسعى ـ ومنذ أيام خطوبتها ـ إلى تكوين صورة واضحة لديها عن حياة زوجها ، وعن بيئته وعلاقاته ، ومختلف المؤثرات في شخصيته وأخلاقه ، وتتعلم كيف تستطيع ان تنسجم معه ، وتمنهج حياتها وسلوكها ، وتوجّهاتها العاطفية ، ونظراتها في الحياة ، بطريقة تقترب بها منه ، وتوحدها مع شخصيته ، ومع بيئتها الجديدة التي ستدخلها في حياتها الزوجية .
  وعليها ان تعلم أن أي جهل منها لهذه الحقيقة ، وأي محاولة منها للتصلّب ، وعدم الانسجام مع زوجها ، او التحفّظ على ما كانت عليه في حياتها السابقة لعلاقتها معه ، قد يكون مدعاة للشقاق والنزاع بينهما ، بل هو قد يمس حتى علقتهما الزوجية ذاتها بما يسىء من الآثار . . ومعروف كم أدّى عدم الانسجام بين الزوجين في طريقة الحياة إلى تحطيم الكثير من الحيوات الزوجية . .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 163 ـ

  وتأكد هذه الناحية بالنسبة الى الزوجية ، لا يجّرد الزوج عن مسؤوليته هو في هذا المجال .
  إذ عليه ـ وهو يطمح إلى بناء بيت سعيد ومتماسك ـ ان يتفهّم البيئة التي نشأت فيها زوجته أيضاً ، وان يكوّن صورة واضحة عن المؤثرات في شخصيتها وطباعها ، قبل ان يهيء نفسه ، ويعدّ البيئة التي يحيا فيها لتقبلها ، واحتوائها ، وعدم إشاعراها بالغربة ـ وهي تدخل عليهم ـ ، ولاسيما في بدايات حياتهما المشتركة ، وان يكون على يقظة دائمة لما يمكن ان يطرأ على هذه الحياة ، جراء المفارقات التي بين بيئته وزوجته كوافدة جديدة ، ليضع الأمور في أنصبتها المناسبة ، ويعالج سلبياتها قبل ان تتخذ مساراً خاطئاً ، قد يجر حياتهما الى نتيجة غير محمودة العواقب .
  إلا أن المسؤولية في هذا الجانب ـ كما قلت ـ تبقى أكبر على المرأة منها على الرجل ، فهي التي تدخل في بيئة الزوج في وبيته ومجتمعه ، حيث ستصبح ـ ومنذ أيامها الأولى من حياتها الزوجية ، جزءاً من هذه البيئة ، فهي الوسط الذي ستعيش فيه ، وان شخصيتها ستتبلور معالمها الجديدة من خلال هذا الوسط ، مهما كانت حياتها السابقة ، فعليها ـ ولكي لا تصبح نشازاً في عائلتها الجديدة ـ ان تقرّ بالأمر الواقع ـ وتدّبر أمرها بحكمة وروية ، وان تلتفت إلى ما يمكنها ان تفعله ، او تختاره مع زوجها ، من خلال قوامته عليها ، بعيداّ عن التصلّب ، والحساسية ، والاستفزاز ، بل ومن خلال ( المعروف ) و ( الفضل ) اللذين أمرتها بهما الشريعة المقدسة .
  وعلى الزوجين ـ قبل هذا وبعده ـ ان يعلما ان المسؤولية مشتركة ، وان الحكمة هي السبيل الذي ينبغي ان يعتمداه ، وان الحق هو الرائد الذي يجب ان يركنا إليه ، وان الفضل والمعروف ، وأحكام دين الله ( تعالى ) هي المنهج الواضح ، الذي يلزمهما اتباعه ، لكي تستقيم حياتهما في مسارها السليم والواضح ، وعون الله ( جلّ وعلا ) ـ قبل هذا وبعده ـ هو المسدد لهما في سبيله القويم .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 164 ـ

الوصية التاسعة عشرة
الحياة الاقتصادية للأسرة

  لا يمكن فصل الحياة الزوجية عن المستوى الأقتصادي للأسرة . . وهي حقيقة واضحة لا تحتاج الى تأكيد .
  فطعام الأسرة ، وشرابها ، ولباسها ، وضروراتها المادية الأخرى ، كلها إنما تتأتى لها من خلال اقتصادياتها ، ومدخولها المادي . .
  ولكي تستمر الحياة الأسرية ، ولكي تنال السعادة ، وتستقيم أمورها ـ كما ينبغي لها ان تستقيم ـ ، يجب ان تتناسب المصروفات مع الواردات في تلك الضرورات ، وتتوازن في التزاماتها الاجتماعية وفي غيرها ، وهو أمر طبيعي يعلمه كل ذي بصيرة .
  وهذا التوازن مما يجب ان يتكاتف على تنفيذه الزوج والزوجة معاً ، وكذلك جميع من له حق الصرف من أفراد الأسرة الآخرين ـ إذا كان هناك أفراد آخرون لهم حق الصرف من الواردات المادية للأسرة ـ ، لئلا تصل بهم الأمور الى ما ليس بالحسبان .
  بمعنى ان الزوجة ـ مثلاً ـ وهي تصرف على نفسها ، أو أطفالها ، او ملابسها ، او بيتها ، يجب ان تأخذ باعتبارها المستوى الاقتصادي الذي يستطيعه زوجها في توفيره للأسرة ، وان لا تثقل كاهله بأي مصروف يصدر منها ، لأنها ـ بعد دخولها بيت الزوجية ، وبعد ارتباطها المقدس بزوجها ، وتوحّد حياتها بحايته ، سينالها أي أمر يحصل له في هذه الحياة ، وستنعكس عليها أي نتيجة يكتسبها ، إيجابية كانت أم سلبية .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 165 ـ

  فليس وقوع الزوج في مضايقات الديون ، أو العوز المادي ، مما سيقتصر ـ في أثره السلبي ـ على زوجها وحده دونها ، ّإذ لا بد انه سيصيبها ببعض سلبياته ، مهما كان الزوج قوي الإرادة ، كتوم السر ، عزيز الشخصية في هذا المجال .
  والعكس بالعكس أيضاً ، فإن يسر المستوى الأقتصادي للزوج ، وكفاية العيش فيه ، مما سينعكس عليها ـ كذلك ـ سعادة وهناء ، وراحة بال .
  ويستتبع هذه الناحية ايضاً ، ضروة أن لا تكون الزوجة سبباً في تنغيص العيش لأسرتها ، أو لزوجها حين تعلم بضائقة ماليه يمر بها ، فتشعره بهذه الضائقة ، كما سنحت لها الفرصة ، لتزيده همّاً إلى همّه ومعاناة إلى معاناته . .
  ولهذا ، فيفترض بها ان تسمو ـ في رغباتها وتطلعاتها ـ إلى المستوى القناعة ، والتعفف ، بل ومواساة الزوج في ضائقته المالية ، والتخفيف عن كاهله قدر الإمكان . .
  فلا تبرز رغبتها بشراء ثوب ، أو حذاء ، أو إبداء حاجة من حاجاتها إليه ، إلا وهي تعلم أحتياجها الفعلي إليها ـ أولاً ـ كما تعلم قدرة زوجها على توفيرها لها ـ ثانياً ـ ، ودون ادنى تكلف .
  ومن قوة شخصية الإنسان : أن يصبر عما يرغبه ، ومن سموّ إيمانه : ان يهيمن على أهواء نفسه ، وميوله ، إلا بما يرضي الله ـ سبحانه ـ .
  وعلى المرأة ـ إضافة إلى هذا ـ ان تكون ذات نظر أبعد من الوقت الذي تعيش فيه ، بل وهناك من النساء من هي أبعد نظراً حتى من زوجها نفسه في بعض الأحيان .
  فبعض الأزواج قد تأخذه نشوة آنية ، ونوع من الابتهاج ، عندما يقع تحت يديه مبلغ من المال في بعض الأحيان ، فيلقي به في أمور تافهة ، هنا وهناك ، دون ملاحظة الحاجات الضرورية له ولزوجته ولأسرته ، ودون ألتفات إلى مستقبل الأيام ، التي قد لا يتوفر له فيها حتى ما يكفي به الضروري من الأمور .
  فعلى المرأة ـ في هذه الحال ـ ان لا تنساق مع زوجها في كل ما يأتيه ، وان تكبح جماحه ـ قدر الإمكان ـ وتدبّر أمره ، وامر نفسها وبيتها وأطفالها بتعقّل وحكمة ، وتقف به ـ من حيث يشعر أو لا يشعر ـ على الطريقة المناسبة في الصرف ، وعلى الطريق القويم في التصرف .
  وكم من الزوجات الحكيمات من أنقذن أزواجهن من الوقوع في مهالك العوز في هذا المجال .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 166 ـ

الوصية العشرون
الحياة الزوجية والإعلام

  من الأمور الأساسية التي يجب لا تغفل في هذه الوصايا : دور الأعلام ووسائله ، وتأثيره في دائرة الحياة الإنسانية ، العامة منها والخاصة على حد سواء ، وهو دور وتأثير أوسع وأدق من أن يهمل بشأنه رواد الإصلاح ، وقادة الفكر والأخلاق . .
  فكما لا يمكن فصل الحياة العامة عن هذا الإعلام ، لا يمكن فصل الحياة الخاصة للناس ـ بما فيها الحياة الزوجية ـ عنه ـ كذلك وعن مجرياته ، وعن الأهداف التي يسعى القائمون على وسائله إلى تحقيقها ، وفرضها على أخلاق الناس ، وتطلعاتهم وتصوراتهم .
  فأجمل النساء ، ومع خبرة فنّاني المكياج والتجميل ، ومع مختلف فنون الإغراء وإثارة الغرائز ـ أصبحت بمرأى من أي رجل ، في كل لحظة من لحظات حياته ، حتى تسلمه إلى أحلام النوم ، بعد أن أخذت عليه أحلام اليقظة . .
  وفي المقابل أيضاً ، فإن أجمل الرجال ـ بما فيهم من حيوية الرجولة والشباب ، ومع جميع خبرات الفنانين في إثارة مكامن الشهوة ـ أمام أي أمرأة ، حتى في أعمق تصوّراتها وتطلعاتها .
  ومنتجات خبراء بيوت الأزياء والديكور ، ومهندسي البيوت والأثاث ، كلها بمرأى كل أحد حتى في أقاصي البلاد .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 167 ـ

  وتفاوت الأخلاق والتقاليد ، السائدة في مختلف المجتمعات ، وفي حضارات الشرق والغرب ـ بما فيها من استقامة أو أنحراف ـ ، فرض نفسه على كل شاهد ، وعلى بيئة وبيت ، حتى أصبحت نسبية الأخلاق ، والتقاليد ، والعقائد والالتزامات الاجتماعية ، والدينية ، أمراً مستساغاً لعامة الناس ، فهم قد لا يدركون أن هناك موازين عامة لمعرفة المستقيم أو المنحرف ، أو أصولاً ثابته لإثبات السليم ونبذ السقيم منها .
  بل ، وقد أمكن لهذا الإعلام أن يشيع التعاطف مع الجناة ، ومرتكبي الرذائل ، ومنتهكي الحرمات الإنسانية والأخلاقية ، فضلاً عن الدينية منها ، والعكس بالعكس أيضاً ، إذ استطاع أن ينأى بعواطف الكثير من الناس عن نوازع الخير والاستقامة والفضيلة ، حتى أصبحت هذه الأمور بعيدة كل البعد عن الواقع الفعلي لمجريات الحياة ، أو كأنها من تراث الماضي القديم لا يعنى به إلا فئة خاصة من الناس من حملة الأفكار المتخلفة .
  ولا أطيل في بيان هذه النواحي ، فهي أجلى من أن تحتاج إلى بيان أو تأكيد .
  وكل هذا مما يفرض على الأسر المسلمة ـ بالخصوص ـ ان تلتفت إلى حقائق الأمور وكيفية التعامل السليم مع مختلف وسائل الإعلام ، والأستخدام الأمثل لها ، وان تدرك مواقع الخطأ أو الصواب فيها ، والاستقامة او الأنحراف المفيد أو الضار منها ، لتجنيب حياتها سلبيات قد تمتد إلى أعمق أعماقها ، فتنسف حياتها من أساس . .
  وان تنتبه إلى الأهداف البعيدة للقائمين على الكثير من تلك الوسائل فهي قد تكون بعض معدات الباطل في هدم أصول الحق في أعماق أبنائه ، وتوهين دعائم الخير في بناء مجتمعاته ، كما قد تكون من سبل الهيمنة ، وتسلط المستكبرين على المجتمعات الضعيفة ، ومعروف أن هؤلاء الخبثاء قد يصبرون عقوداً طويلة ، للوصول إلى بغيتهم الشيطانية تلك . .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 168 ـ

  وهذا مما يحتّم على أبناء الإسلام عامة ، والزوجين منهم بالخصوص ـ حيث موضوع الحديث ان ينتبهوا إلى جميع هذه الحقائق ، لينأوا بأنفسهم ، وبأسرهم وأولادهم عن هنات يمكن ان يقعوا فيها . .
  وعليهم أن يعلموا أن سعادة الحياة وهناءها الحقيقيين ، لا يكتسبان الا من واقع الحياة ، وإلا من خلال كلمة الله ( تعالى ) فيها ، ومن خلال استقامتهم التامة مع أمر الله ( تعالى ) ونهيه .
  وان يعلموا ان صراع الحق والباطل صراع أبدي دائم ، وان الحق هو الواقع الذي فطر الله الإنسان عليه ، وشرع احكامه في دينه القويم ، بالرغم من عتوّ الباطل ، وطرقه الملتوية في ذلك الصراع .
  وفي هذا المجال يتحتم على الزوجة المؤمنة ـ بالخصوص ـ :
1 ـ أن تكون ذات إرادة قوية ، وشخصية مستقيمة ، لا تخضع او تنساق وراء كل ما تراه في وسائل الإعلام من صرعات الموضات ، ومنتجات الأزياء ، وأشكال السلوك الخليع ، البعيد عن أخلاقيات دينه ، والتقاليد القويمة لمجتمعها المسلم ، وحدودها الشرعية التي ألزمها بها إيمانها .
  بل ، وعليها أن تسمو بنظرتها إلى ما تفرضه عليها اخلاقها الكريمة ، واستقامتها المطلقة مع امر الله ( تعالى ) ونهيه ، وإن حاربتها جميع وسائل الإعلام ، التي تكتنف حياتها في كل اتجاه .
2 ـ أن لا تستهين بواقعها البسيط ، الذي تعيش فيه ، نتيجة لما تراه أو تسمعه في تلك الوسائل ، من أزياء ، وأثاث ، ومعدّات منزلية ومعيشية أخرى ، وطرق العيش الرغيد الذي يحيا فيه أصحاب تلك الوسائل ، إذ من الضروري أن تعلم تلك الأمور كلها لم تتوفر لاولائك الناس ، ولم يظهروا بتلك الوسائل من خلال جهد واحد ، وبإمكانات فردية ، بل من خلال إمكانات جماعية عليا ، وجهود أشرف عليها خبراء مختلفو الاختصاصات ، من أجل غايات معينة ، قد لا تمت الى الاستقامة والشرف والفضيلة بصلة .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 169 ـ

3 ـ أن لا تشعر بالإحباط ، أو عدم الثقة بالنفس ، لما تراه من جمال من يظهر في وسائل الإعلام من النساء ، فمعظم مفردات هذا الجمال صناعي ، أشرف عليه خبراء واختصاصيون ، وهو ما أسرع ما ينتهي وراء العرض الإعلامي ، حتى دون الدخول الى الحياة الاعتيادية لتلك النساء أنفسهن ، وبإمكان أي امراة ان تستغل جمالها الطبيعي لامتلاك عواطف زوجها ، وشد انتباهه إليها ، وإن تأثر بذلك الجمال المصطنع لحظة من لحظات الضعف .
  ومع ان الرجال أقل من النساء تأثراً بما يجري في وسائل الإعلام ـ عادة ـ ، إلا ان بعضهم قد يستولي عليه الشيطان ، فينفعل بما يراه من أشكال نسوية يراها ، في تلك الوسائل أو في غيرها ، وبعض هؤلاء قد يستولي عليه انفعاله حتى يخرجه عن استقامته . .
  وهنا يأتي دور الزوجة الحكيمة . . إذ عليها أن تملأه عاطفة وحباً ، يقطعان ما بينه وبين الرذيلة والانحراف ، وتشدّه إلى استقامة الأخلاق والسلوك ، بما تقدمه له من رشد يكفيه دون التطلع إلى المحرم ، او الانفعال معه ، وهذا بعض جوانب حسن التبعّل الذي جعلته ألسنة العصمة جهاداً للمرأة ـ كما سبقا أن عرفنا ـ .
4 ـ أن تضاعف دورها ، وتستعين بزوجها ، وبمن تستطيع الاستعانة به من الناس ، وبما تستطيع الاستعانة به من آفاق المعرفة ، وأبواب الثقافة الرشيدة ، في تربية أبنائها ، وتقويم سلوكهم ، وتقوية شخصياتهم ، لتمنعم من الانسياق وراء تلك الوسائل ، والانحراف نحو الغايات الهدامة ، التي يسعى إليها القائمون على الكثير من برامجها ، وعليها أن تتابع إرشادهم الأخلاقي والعاقئدي ، وبناء أفكارهم على أساس ثابت من العقائد الصحيحة ، ليكونوا في مأمن من تأثير تلك الوسائل ، حتى في الأوقات التي لا تستطيع ان تختار لهم ما ينبغي لهم متابعة منها .
  والله ـ سبحانه ـ خير عون ومدد ، وخير ناصر لمن نصره .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 170 ـ

خاتمـــة
  وأخيراً قارئتي الكريمة .
  هذه وصايا عشرون ، استحضرتها لكِ بسرعة ، عسى ان تجدي ـ وأنت على أعتاب الزوجية ـ بغيتكِ فيها ، لأنها تقع في واجهة الحياة الزوجية ، كما تغور إلى أعماقها في الصميم ، فضرورتها مما يجب أن تأخذها المرأة العاقلة بالحسبان ، حين تريد لنفسها أن تسعد متع زوجها ، وتصبح زوجة ناجحة ، وأماً فاضلة ، ونموذجاً حياً للاستقامة والكرامة الفضلى . .
  وحاولت ـ جهدي ـ أن أقدم هذه الوصايا بلغة سهلة الأسلوب ، بعيدة عن التعقيد ، لستفيد منها أكبر شريحة من فتياتنا المؤمنات ، وإن كن متوسطات الثقافة .
  ويمكنني أن أختم هذه الوصايا بكلمة سريعة جامعة ، ينبغي ان يتذكرها الزوج والزوجة ـ معاً ـ في كل لحظة من لحظات حياتهما المشتركة ، وفي كل موقف من مواقفهما فيها ، لأنها مفتاح لكل خير في الحياة الزوجية ، وسبيل إلى كل بركة فيها .
  وهي : أن على الزوجين المؤمنين أن يتخذا من كلمة العاقد بينهما ـ في خطبة العقد ـ : ( على كتاب الله وسنة رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) دستوراً أبدياً في حياتهما الجديدة ، كما هو دستورهما الأساس في كل جانب من جوانب حياتهما العامة . .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 171 ـ

   وأن يكون قول الزوجة لزوجها في عقد الزوجية : ( زوجتك نفسي ) أساساً لمسؤوليتها الإلهية والإنسانية تجاهه ، بكل ما يمليه عليها إيمانها ، لا في الحدود الدنيا من التزامات هذه الحياة ، وإنما في الآفاق العليا منها ، حيث يعنيه هذا الإيمان من تقوى وصلاح ، وما يتطلبه منها دينه القويم ، لتصبح نموذجاً حياً لتعاليمه وأحكامه في حياتها الزوجية ، وفي كيانها كامرأة مؤمنة ، يعتز بها دينها ممثلة له في هذه الحياة ، ويفتخر بها نبيها متبعة له بين الأمم .
  وأن يكون قول الزوج لزوجته في العقد : ( قبلت ) رصيداً أبدياً لمسؤوليته الإلهية تجاهها ، كزوج مؤمن ، أخذ على عاتقه القوامة عليها ، لا في تلك الأوليات الضرورية لاستقامة الحياة العامة ، وإنما كنموذج أعلى للزوج المؤمن ، الذي يعتز به الإسلام ، حيث يجسّد ما فيه من إشراقة الكمال الأعلى ، الجذاب لعامة أفراد الناس .
  فبهذين الالتزامين ـ معاً ـ يمكن للزوجين أن يستشعرا الطعم الحقيقي للسعادة الزوجية ، وان يبلغا ما يريدانه ويطلبانه ، من هنائها ورفاهها واستقامتها .
  والله ـ قبل هذا وبعده ـ هو الولي وهو المعين .