8 ـ سلس البول : والمشهور ، في تسبيبه دية كاملة ، و ( فيه روايتان ضعيفتا السند عن الامام الصادق (ع) ، الا انهما منجبران بعمل الفقهاء ) (1) .
  د ـ ديات الشجاج .
  وجمعها ( شجة ) ، وهي الجراح المختصة بالرأس ، او الوجه فقط ، فاذا وقع الشجاج عمداً ، وكان القصاص ممكناً مثلاً بمثل ثبت القصاص ، او التراضي بين الجاني والمجنى عليه ، والا فالدية ، وهي على تسعة اصناف :
  1 ـ الحارصة : وهي التي تشق الجلد قليلاً كالخدش ، من غير ان تظهر الدم ، وديتها بعير واحد ، والبعير هو الجمل الجذع الذي انشقت نابه وقوي وصلح للركوب او الحمل ، ويطلق على الذكر والانثى (2) .
  2 ـ الدامية : وهي التي تقطع الجلد ، ويظهر منها الدم ويسيل عن محله دون ان تقطع اللحم ، وديتها بعيران ، ووجه التسمية ان الدم يسيل معها (3) .
  3 ـ الباضعة : وهي التي تتعدى الجلد وتقطع اللحم ، ولكنها لا تبلغ العظم ، وفيها ثلاث من الابل ، والسبب في تسميتها لانها تبضع اللحم وتقطعه (4) .
  4 ـ السمحاق : وهي الجلدة الرقيقة على العظم ، فاذا بلغها الجرح كانت الدية اربعاً من الابل (5) .

**************************************************************
(1) الجوهر 42 ص 314 .
(2) التهذيب ج 10 ص 293 .
(3) التهذيب ج 10 ص 293 .
(4) من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 124 .
(5) التهذيب ج 10 ص 290 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 83 ـ

  5 ـ الموضحة : وهي التي تطهر العظم وتوضحه وديتها خمس من الابل (1) .
  6 ـ الهاشمة : وهي التي تهشم العظم وتكسره دون أن تنقله من محله ، وفيها عشرة من الابل (2) .
  7 ـ المنقلة : وهي التي تكسر العظم وتنقله عن محله ، وفيها خمس عشرة من الابل (3) .
  8 ـ المأمومة : وهي التي تبلغ أم الرأس ، وفيها ثلاث وثلاثون من الأبل (4) .
  9 ـ الجائفة : وهي التي تصير في جوف الدماغ ، وفيها ثلاث وثلاثون من الابل (5) .
  وعليه ، فانه يمكن تصنيف هذه الشجاج حسب موضعها من الوجه والرأس الى اربعة مواضع .
  أ ـ ما يختص بالجلد ، ولا يتعداه : الحارصة ، والدامية .
  ب ـ ما يختص باللحم ولا يتعداه : الباضعة ، والسمحاق ، والموضحة .
  ج ـ ما يختص بالعظام : الهاشمة ، والمنقلة .
  د ـ ما يختص بالرأس : المأمومة والجائفة .
  وشجاج الذكر والانثى سواء في الدية حتى تبلغ ثلث دية الذكر ، وعندها تكون دية شجاج الانثى نصف دية الذكر ، كما هو الحكم في القطع والجروح .

**************************************************************
(1) الكافي ج 7 ص 326 .
(2) التهذيب ج 10 ص 293 .
(3) التهذيب ج 10 ص 290 .
(4) الكافي ج 7 ص 326 .
(5) الكافي ج 7 ص 326 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 84 ـ

  هـ ـ دية اسقاط الجنين .
  وفي جناية الفرد على امرأة حامل بحيث يؤدي الى اسقاط حملها ، دية مقسة بحسب عمر الجنين ، الذي يحدده أهل الخبرة من الاطباء ، وهو كما يلي :
  1 ـ اذا ولجته الروح ، فاذا كان الجنين ذكراً فدية الذكر ، واذا كان انثى فدية الانثى .
  2 ـ اذا كان الجنين تام الخلقة ولكن لم تلجه الروح فديته مائة دينار ، ذكراً كان أو انثى .
  3 ـ اذا كان عظماً فديته ثمانون دينار .
  4 ـ اذا كان مضغة فديته ستون ديناراً ، والمضغة هي القطعة من الخلايا بمقدار ما يمضغ .
  5 ـ اذا كان علقة فديته اربعون دينارً ، والعلقة هي القطعة من الدم العالقة في جدار الرحم .
  6 ـ اذا كان نطفة مستقرة في الرحم ، فديته عشرون ديناراً ، ويكفي في ثبوت العشرين مجرد الالقاء في الرحم مع تحقق الاستقرار .
  والاصل في ذلك قوله تعالى في خلق الجنين : ( ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة ، فخلقنا العلقة مضغة ، فخلقنا المضغة عظاماً ، فكسونا العطام لحماً ، ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ) (1) ، وقول الامام (ع) :

**************************************************************
(1) المؤمنون 12 ـ 14 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 85 ـ

  ( دية الجنين خمسة اجزاء : خمس للنطفة عشرون ديناراً ، وللعلقة خمسان اربعون ديناراً ، وللمضغة ثلاثة أخماس ستون دينارأً ، واذا تم الجنين كان له مائة دينار ، فاذا أنشئ فيه الروح فديته الف دينار ، او عشرة الاف دينار ان كان ذكراً ، ون كان انثى فخمسمائة دينار ) (1) وعلى صعيد آخر ، فمن ( عزل من زوجته الحرة بغير اذنها لزم لها دية النطفة عشرة دنانير وان كان ذلك فأفزع غيره فالدية لهما عليه ، ومن جنى على امرأة فالقت نطفة فعليه من ماله ديتها عشرون ديناراً ... ) (2) .
  اما لو قتلت المرأة فمات ما في جوفها فديتها كاملة ، ودية اخرى لموت حملها ، ولو القت حملها اجهاضاً فعليها دية ما القته ، ولا نصيب لها من هذه الدية ، لقول الامام الباقر (ع) عندما سئل عن امرأة شربت دواءاً وهي حامل ولم يعلم زوجها بذلك فالقت ولدها ؟ قال : ( ان كان له عظم وقد نبت عليه اللحم عليها دية تسلمها الى ابيه ، وان كان حين طرحته علقة ، او مضغة فان عليها اربعين ديناراً او غرة تؤديها الى ابيه ، قيل له : فهي لا ترث ولدها من ديته مع ابيه ؟ قال : لا ، لانها قتلته فلا ترثه ) (3) .
  وتجب الكفارة بقتل الجنين حيث تلجه الروح كالمولود ، وتكون دية الجنين في مال الجاني ان كان القتل عمداً او شبياً بالعمد حيث لا يقتل به ، اما في الخطأ فتكون الدية في مال العاقلة كالمولود .

**************************************************************
(1) الكافي ج 7 ص 443 .
(2) الغنية ص 99 .
(3) الكافي ج 7 ص 241 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 86 ـ

العاقلة :
  وهو اصطلاح تكرر ذكره مرات متعددة ، ومعناه عصبة القاتل التي تتحمل دية الخطأ ، وسميت بذلك لوجوه ، منها : انها مأخوذة من العقل وهو الشد ، ذلك ان اقارب الجاني يشدون الأبل عند اولياء المقتول ، ويعقلونها قبل تسليمها لهم ، ومنها : ان معنى العقل هو الدية ، وسميت بذلك لانها تعقل لسان ولي المقتول ، ومنها : ان معنى العقل المنع ، حيث ان اقارب الجاني وعشيرته يمنعونه ، فالعشيرة تحفظ القاتل بدفع المال عنه .
  وفي العاقلة امران .
  الاول : تعيين المحل ، وهو العصبة ثم المعتق ثم ضامن الجريرة ثم الامام ( ع) ، وضابط ( العصبة ) من تقرب الى القاتل بالابوة وهم الاخوة والاعمام واولادهم وان نزلو ، وضامن الجريرة هو ضامن الجناية ومعناه ان يتفق اثنان على ان يضمن كل منهما جناية الآخر ، ويصح ذلك بشرط ان لا يكون للمضمون وارث قريب . فالذي يتحمل دية الخطأ عن القاتل ، اذن ، قرابة الاب كالاخوة والاعمام واولادهم ، فان ام يكونوا فالمعتق في حالة الرق ، فان لم يكن فضامن الجريرة ، فان لم يكن فبيت المال ، لقوله (ع) : ( لا يبطل دم امرئ مسلم ) (1) .
  والثاني : كيفية التقسيط ، وفيها اقوال ، منها : ان على الغني عشرة قراريط ، اي نصف دينار ، وعلى الفقير خمسة قراريط . وفي قول آخر ان الامام او نائبه يقسطها على من يراه حسب أحوال العاقلة بحيث لا يجحف على احد منهم ، وي قول ثالث ان العاقلة على

**************************************************************
(1) التهذيب ج 6 ص 226 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 87 ـ

  الغني والفقير سواء .
  والمشهور ان ( المأة لا تعقل ولا الصبي ولا المجنون وان ورثوا من الدية بلا خلاف ، ولا يتحمل الفقير شيئاً منها ولكن يعتبر فقره عند المطالبة وهو حول الحول ) (1) .
  ويبدأ زمن التأجيل في دية القتل خطأ من وقت الموت ، وفي الجناية على الاطراف من حين وقوع الجناية ، وفي السراية من حين الاندمال ، ولو لم تكن له عاقلة غير الامام ، او عجزت العاقلة عن دفع الدية تؤخذ من الامام دون القاتل ، والدية في العمد وشبهه في مال الجاني كما هو واضح ، ولكن لو هرب ولم يقدر عليه اخذت من ماله المتروك ان كان له مال ، والا فمن الاقرب اليه فالأقرب ، فان لم تكن له قرابة ، اداها الامام (ع) ، او نائبه ( اي الحكومة الاسلامية ) في زمن بسط اليد .

ملحق : بعض الروايات الواردة في القسامة
  1 ـ سئل الامام جعفر الصادق (ع) عن القسامة ، فقال : ( الحقوق كلها ، البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ، الا في الدم خاصة ، فان رسول الله (ص) بينما هو بخيبر اذ فقدت الانصار رجلاً منهم فوجوده قتيلاً فقالت فقالت الانصار : ان فلان اليهودي قتل صاحبنا ، فقال رسول الله (ص) للطالبين : اقيموا رجلين عدلين من غيركم اقيده برمته ، فان لم تجدوا شاهدين فاقيموا قسامة خمسين رجلاً اقيده برمته ، س فقالوا : يا رسول الله ما عندنا شاهدان من غيرنا واننا لنكره ان نقسم على ما لم نره فوداه رسول الله (ص) ، وقال : انما

**************************************************************
(1) الجواهر ج 42 ص 421 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 88 ـ

  حقن دماء المسلمين بالقسامة لكي اذا رأى الفاجر الفاسق فرصة ( من عدوه ) حجزه مخافة القسامة ان يقتل به فكف عن قتله والا حلف المدعى عليه قسامة خمسين رجلاً ماقتلنا ولا علمنا قاتلاً ، والا اغرموا الدية اذا وجدوا قتيلاً بين اظهرهم اذا لم يقسم المدعون ) (1) .
  2 ـ وعنه (ع) ايضاً ، قال : ( ان الله حكم في دمائكم بغير ما حكم به في اموالكم ، حكم في اموالكم ان البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ، وحكم في دمائكم ان البينة على المدعى عليه واليمين على من ادعى ، لئلا يبطل دم امرئ مسلم ) (2) .
  3 ـ وعنه (ع) ايضاً ، قال : ( اذا وجد رجل مقتول في قبيلة قوم حلفوا جميعاً ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلاً فان أبوا ان يحلفوا اغرموا الدية فيما بينهم في اموالهم سواء سواء بين جميع القبيلة من الرجال المدركين ) (3) .
  4 ـ ومع ان رواية سلمة بن كهيل التالية ضعيفة السند ، استضعفها بالخصوص الشهيد الثاني في شرح اللمعة الدمشقية ، وذكر ان طريق رواتها جاء من طرق العامة ، الا اننا ندرجها هنا لمجرد توضيح الاسلوب المفترض اتخاذه في التعامل مع العاقلة في قتل الخطأ ، ونص الرواية كما يلي : ( أتي امير المؤمنين برجل قد قتل رجلاً خطأ ، فقال له (ع) : من عشيرتك وقرابتك ؟ فقال : ما لي بهذا البلد عشيرة ولا قرابة ، فقال : فمن اي البلدان انت ؟ قال : انا رجل من اهل الموصل ولدت بها ولي بها قرابة وأهل بيت ، قال : فسأل عنه

**************************************************************
(1) علل الشرائع : ج 2 ص 228 .
(2) من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 72 .
(3) التهذيب ج 10 ص 206 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 89 ـ

  امير المؤمنين (ع) فلم يجد له بالكوفة قرابة ولا عشيرة ، قال : فكتب الى عامله على الموصل : اما بعد فان فلان بن فلان وحليته كذا وكذا ، قتل رجلاً من المسلمين خطأ فذكر انه رجل من أهل الموصل وان له بها قرابة وأهل بيت وقد بعثت به اليك مع رسولي فلان وحليته كذا وكذا فاذا ورد عليك انشاء الله وقرأت كتابي فافحص عن امره وسل عن قرابته من المسلمين ، فان كان من أهل الموصل ممن ولد به واصبت له قرابة من المسلمين فاجمعهم اليك ، ثم انظر ، فان كان رجل منهم يرثه له سهم في الكتاب لا يحجبه عن ميراثه احد من قرابته فالزمه الدية وخذه بها نجوماً في ثلاث سنين ، فان لم يكن له من قرابته احد له سهم في الكتاب وكانوا قرابته سواء في النسب وكان له قرابة من قبل ابيه وامه سواء في النسب ففض الدية على قرابته من قبل ابيه وعلى قرابته من قبل امه من الرجال المدركين المسلمين ، ثم خذهم بها واستأدهم الدية في ثلاث سنين ، وان لم يكن له قرابة من قبل ابيه ولا قرابة من قبل امه ففض الدية على اهل الموصل ممن ولد ونشأ بها ولا تدخلن فيهم غيرهم من أهل البلد ، ثم استأد ذلك منهم في ثلاث سنين في كل سنة نجماً حتى تستوفيه انشاء الله ، فان لم يكن لفلان بن فلان قرابة من أهل الموصل ولم يكن من اهلها وكان مبطلاً في دعواه فرده الي مع رسولي فلان بن فلان انشاء الله فانا وليه والمودي عنه ، ولا يبطل دم امرئ مسلم ) (1) .

**************************************************************
(1) الكافي ج 7 ص 364 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 90 ـ

كفارة القتل :
  وهي كفارة اوجبها الشارع اضافة الى الدية في قتل المؤمن عمداً ، او قتل شبه الخطأ او قتل الخطأ المحض ، تقسم الى قسمين :
  1 ـ في قتل المؤمن عمداً وظلماً ، تجب كفارة الجمع وهي عتق رقبة مع صيام شهرين متتابعين واطعام ستين مسكيناً ، و ( الاجماع على ذلك مضافاً الى النصوص التي منها صحيح بن سنان عن ابي عبد الله (ع) : سئل عن المؤمن يقتل عمداً ، أله توبة ؟ قال : ان كان قتله لايمانه فلا توبة له ، وان كان قتله لغضب او سبب من اسباب الدنيا فان توبته ان يقاد منه ، وان لم يكن علم به احد انطلق الى اولياء المقتول ، فأقر بقتل صاحبهم فان عفوا عنه ، ولم يقتلوه اعطاهم الدية ، واعتق نسمة ، وصام شهرين متتابعين ، واطعم ستين مسكيناً توبة الى الله عز وجل ) (1) .
  2 ـ في قتل الخطأ المحض ، وشبه العمد ، تجب الكفارة المرتبة ، وهي عتق رقبة ، فان عجز فصيام شهرين متتابعين ، فان عجز فاطعام ستين مسكيناً .
  ويتخير في الاطعام الواجب بين اشباع المساكين والتسليم اليهم ، والمدار في الاشباع ان يأكلو بمقدار شبعهم قل او كثر ، ولا بد من اكتمال عدد المساكين الذين يتبغي اطعامهم ، وهو ستين مسكيناً ، فلا يجزي اشباع فرد مرتين ، بل لابد من اطعام ستين فرداً ، ويجزي في الاشباع كل ما يتعارف عليه من غذاء يأكله الناس مطبوخاً كان او غير مطبوخ ، اما في التسليم

**************************************************************
(1) الجواهر ج 42 ص 408 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 91 ـ

  فالواجب مد ، والافضل مدين ، ومقدار المد ثلاثة ارباع الكيلو غرام الواحد ، والاصل في التسليم الى المسكين انه تمليك له ، فيملك ما قبضه ويفعل به ما شاء ، ويتساوى الصغير والكبير بكمية التسليم ، والمراد بالمسكين هنا ، الفقير الذي يستحق الزكاة ، وهو من لا يملك قوت سنته ، لا فعلاً ولا قوة ، فالموظف ذو الدخل المحدود مثلاً يملك قوت سنته بالقوة ، والغني يملك قوت سنته بالفعل ، وليس المسكين منهما .
  ولا شك ان الكفارات المالية بحكم الديون فلو مات من وجبت عليه الكفارة اخرجت من اصل المال ، واما الكفارات البدنية كالصيام فلا يجب على الورثة اداؤها الا اذا اوصى بها الميت ، فتخرج حينئذ من ثلثه .

الدفاع عن النفس :
  وبطبيعة الحال ، فان الشريعة الاسلامية لم تسمح للفرد بالاستسلام للظلم الذي ينزله عليه فرد آخر ، بل أكدت على وجوب الدفاع عن النفس بكل الوسائل الممكنة ، كجرح المهاجم او قتله ، من غير حاجة الى اذن الامام (ع) او نائبه ، اي دون الحاجة الى الحصول على اذن خاص من الدولة ، فلو هجم فرد على آخر ناوياً قتله وجب دفعه بكل الوسائل مع الامن من الفساد وليس على القاتل حينئذ شيء على صعيد العقوبات المنصوصة ، ولكن لا يجوز للمدافع ان يتعدى الى القتل مع امكان الدفع بالجرح ، ولو تعدى الى القتل بلا لزوم ، ضمن الدية .
  اما في حالة هجوم لص او غيره على دار فرد او نحوها ليسرقه او ليتجاوز على عرض زوجته او بناته ، وجب دفعه ايضاً باي نحو كان ولو

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 92 ـ

  انجر الى قتل المهاجم ، ولا يجوز للمعتدى عليه الاستسلام للمهاجم ، كما اجمع الفقهاء ، بل عليه التصدي له مع مراعاة الايسر فالايسر ، ومع التعدي يضمن المدافع الضرر ، والنصوص الشرعية العامة واضحة في ذلك كقول الرسول (ص) : ( من قتل دون ماله فهو شهيد ) (1) ، وقوله (ع) : ( اذا دخل عليك رجل يريد اهلك ومالك فبادره بالضربة ان استطعت ، فان اللص محارب لله ولرسوله (ص) ) (2) وبالاجمال فـ ( اذا قصد رجل دم رجل او ماله او حريمه فله ان يدفعه بأيسر ما يمكن دفعه به ، فان كان في موضع يلحقه الغوث اذا صاح دفعه عن نفس بالصياح ، وان كان في موضع لا يلحقه الغوث دفعه باليد ، فان لم يندفع باليد دفعه بالعصا ، فان لم يندفع بالعصا دفعه بالسلاح ) (3) ولو ادبر المهاجم واعرض فلا يجوز الاضرار به .
  ويحد المحارب ، وهو كل من جهز سلاحاً لأرعاب الناس وارادة الافساد في الارض ، بالقتل أو الصلب او القطع مخالفاً ، وسنذكر ذلك لاحقا عند حديثنا عن الجرائم المرتكبة ضد النظام الاجتماعي العام .

**************************************************************
(1) من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 64 .
(2) التهذيب ج 10 ص 136 .
(3) المبسوط للشيخ الطوسي ج 8 ص 75 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 93 ـ

الاستنتاج :
  ونستخلص من دراسة احكام العقوبات الاسلامية الخاصة بالجرائم المرتكبة ضد النفس الانسانية وما دونها ، جملة من العوامل المهمة التي تدعم عدالة النظام الاجتماعي وتؤدي بالنتيجة الى قطع دابر الانحراف ، ونوردها كما يلي :
  اولاً : عامل المماثلة في القصاص ، وتكون على مستويين ، الاول : مماثلة شخصية الفاعل بالمفعول به في الحرية والدين والعقل والبلوغ .
  والثاني : مماثلة الجنية كالقتل والقطع والجرح بالجاني ، اي التقاصي مثلاً بمثل عندما تكون المماثلة ممكنة ، وتثبت الدية في كل مورد تتعذر فيه المماثلة والمساواة ، وكذلك في الضرب الذي لا يسبب جرحاً ، والرفس واللطم والوكز فلا يتعين القصاص ، بل يتعين الارش ، فالاصل ، اذن وجوب المماثلة في القتل والقطع بشروطها المذكورة ما لم يتم التراضي بين الطرفين على الدية ، وهو اقرب الى العدالة الاجتماعية من قواعد نظام العقوبات الرأسمالي ، ففي حين يعلن الاسلام بكل قوة ، وجوب المماثلة في القصاص ، يقوم النظام الرأسمالي في تشريعه لعقوبة الانحراف ، بفرض القيود على حرية المجرم عن طريق السجن او العلاج او خدمة مؤسسات الادارة المحلية ، او بتعويض الضحية مالياً .
  وهذه الاساليب لا تبعد المنحرف عن انحرافه ولا تقدم للضحية مثالاً واقعياً لمعاقبة الجاني ، بل تربك النظام الاجتماعي وتستهلك موارده المالية ، لان السجن والطب النفسي اثبتا فشلهما في علاج المنحرف علاجاً حقيقياً ، كما لاحظنا ذلك سابقاً .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 94 ـ

  ثانياً : عامل التعويض المالي المتمثل بالدية او الضمان ، وهو مختص اصلاً بجرائم قتل الخطأ وشبه العمد ، فانهما يوجبان الدية دون القصاص ، وبالتراضي بين الطرفين فيما عدا ذلك ، وفي الضرب الذي لا يجرح ولكنه يولد احمراراً ونحوه ، الارش او الحكومة ، وفي الضرب الذي يسبب الالم فقط التعزير ، وتتعين دية المقتول عمداً في حالات استثنائية فقط منها ، فوات المحل كموت القاتل ونحوه .
  والدية المقدرة شرعاً في قتل المسلم الذكر عمداً الف دينار ، وهو ما يعادل اكثر من 3,5 كيلو غرام ذهباً او ما قدر شرعاً من الشياه والابل والابقار والحلل والفضة .
  وهذه الكمية من المال كافية لاغناء العائلة المفجوعة بفقد معيلها ، حتى لا تمد يدها لاستعطاء الناس ، فيضمن القاتل الدية اذا قصد القتل او الفعل الذي يؤدي اليه ، اما في اجتماع السبب والمباشر فانه ينظر ، فاذا كن المباشر اقوى ضمن المباشر ، واذا كان السبب اقوى ضمن المسبب ، واذا اجتمع السببان لامر واحد ، اتجه الضمان على الاثنين .
  ولم يتوقف دفع الدية على القتل فحسب ، بل تعدى الى تلف الاعظاء كالعين والانف والشفة واللسان والاسنان ونحوها ، وتلف المنافع كالعقل والسمع ووالبصر والشم والنطق ونحوه ، والجراح المختصة بالرأس والوجه كالحارصة والدامية والباضعة والسمحاق والموضحة والهاشمة والمأمومة ونحوها ، وفي غير ذلك يتعين الارش الذي تقدره الحكومة .
  وبطبيعة الحال فان تقدير قيمة الضمان ، في النظام الاسلامي ، تخدم المجتمع عن طريق عاملين ، الاول : تعويض الضحية او اسرته تعويضاً مالياً يسد حاجاتهم الاساسية التي حرموا من اشباعها بفقدن المعيل .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 94 ـ

  والثاني : ردع الانحراف الاجتماعي ، بابلاغ المنحرفين علنا بان انحرافهم لا يمر دون ثمن باهض يدفعونه لصالح الضحية وبالتالي لصالح النظام الاجتماعي ، وهذا الضمان ليس واضحاً في نظام العقوبات الرأسمالي ، حيث يترك القانون الرأسمالي للقاضي او لهيئة المحلفين تعيين قيمة ذلك الضمان عند اقراره ، واذا كان المنحرف لا يملك مالاً ضاع حق الضحية في التعويض المالي ، على عكس النظام الاسلامي الذي يتعهد فيه بيت المال بدفع الدية اذا عجز القاتل او عاقلته عن دفعها .
  ثالثا : عامل الدقة في تشخيص العقوبات الخاصة بمختلف الانحرافات ، ففي الوقت الذي حددت فيه الشريعة القتل العمد وارجعته الى قصد القتل او الفعل القاتل ، والقتل شبيه العمد وارجعته الى العمد في فعله والخطأ في قصده ، والقتل الخطأ وارجعته الى ارادة الفرد شيئاً فاصاب غيره ، فانها وضعت طرقاً دقيقة للاثبات ، منها الاقرار مرة واحدة ، والبينة الشرعية وهي شهادة العدلين ، واللوث او القسامة وهو تحليف المدعي وعشيرته في حالة قيام القرينة مع عدم استجماع شرائط القبول خمسين حلفاً ، وبذلك وضع النظام الاسلامي المجتمع وجهاً لوجه امام الانحراف ، بالمشاركة الجماعية في اسستثصاله .
  واضاف انه لا قصاص على المجنون ولا على الصبي ، ولكن دية انحرافهما تؤخذ من العاقلة ، لأن عمد الصبي والمجنون وخطأهما واحد ، في نفس الوقت الزم المكلف البالغ بمسؤوليته في دفع الانحراف الاجتماعي ، بحيث ان الفرد لو اعتدى على آخر بجرح او قطع او ذهاب منفعة مهما كنت يسيرة ألزمه بتحمل مسؤوليتها كاملة .
  رابعاً : العامل الاجتماعي في دفع الدية ، وهو ما اصطلح عليه شرعاً بالعاقلة وهي عصبة القاتل وعشيرته التي تتحمل دية الخطأ كاملاً ، فاذا لم تكن له عاقلة .
  تعين على المعتق دفع الدية ، فاذا لم يكن ، فضامن الجريرة ، وفي انعدامه يكون الامام (ع) او بيت المال مسؤولاً عن دفعها للمجنى عليه ، وتعتبر الدية في القتل العمد وشبه العمد في مال الجاني ، ولكنه اذا هرب اخذت من ماله ان كان له مال ، والا فمن قرابته الاقرب فالاقرب ، فان لم تكن له قرابة ، دفعها الامام (ع) مباشرة ، اما العامد المتمكن مالياً ، فانه يمهل في دفع الدية مدة سنة واحدة ، بينما تمهل العاقلة ثلاث سنين .
  ولا شك ان اشراك العاقلة في دفع الدية واشراك القسامة في التحليف حالة اللوث ، تعتبر ان من اهم العوامل الرادعة للانحراف الاجتماعي ، لان الفرد ، لكونه كائناً اجتماعياً ، يرتبط بعشيرته ومحلته وقريته بروابط الزواج والاخوة والاسرية والمصلحة الاجتماعية ، وهذه الروابط تقلل من فرص زيغه عن النظام الاجتماعي العام ، وتجعل الجريمة التي يرتكبها فضيحة اجتماعية تجلب عليه وعلى اسرته وعشيرته وصمة لا تمحو آثارها السنون ، اما اذا كانت الجناية خطأ ، فن مشاركة العصبة او العشيرة في تسديد ثمنها المالي ، يعتبر بمثابه المشاركة الجماعية في مساعدة العائلة المفجوعة ، وتقويتها امام المحن والمصاعب الاقتصادية القادمة .
  ويمكننا تلخيص اهمية العاقلة في المشاركة في دفع دية الخطأ بالنقاط التالية :
  1 ـ ان مساهمة العاقلة في دفع دية الخطأ يخفف من تحمل الفرد كاهل دفع تلك الدية لوحده ، هو مبلغ هائل ، كما تبين لنا ذلك في الصفحات الماضية .
  2 ـ ان مساهمة العاقلة في دفع الدية يساهم في تقوية العلاقات والاواصر الاجتماعية بين ابناء العشيرة الواحة ويجعلها تقف متحدة في المحن والمصائب التي يتعرض لها افرادها .
  3 ـ ان جمع مبلغ الدية عن طريق العاقلة يخفف من العبء الذي تتحمله عائلة المجنى عليه ، خصوصاً اذا عجز الجاني عن تسديد ذلك المبلغ ، فتصبح العائلة المفجوعة ضحية لجريمة اقتصادية ومعايشة خارجة عن ارادتها ، فتكون العاقلة عندئذ وسيلة ضمان لاستلام الدية .
  خامساً : ان القيمومة الشرعية على الاسرة هو المقياس في مقدار الدية ، وليس تفضيل جنس على جنس كما يدعيه اعداء النظرية الدينية ، فدية قتل الذكر المسلم عمداً الف دينار ذهب او نحوه ، ودية المرأة الحرة المسلمة على النصف من اصناف الديات الست ، سواء كانت الجناية عليها عمداً او خطأ او شبه عمد ، صغيرة كانت او كبيرة ، عاقلة كانت او مجنونة ، وكذلك الجراح والقطع والشجاج فانه يتساوى مع الرجل قصاصاً ودية الى حد الثلث ، فان زاد عن الثلث رجعت ديتها على النصف من الرجل .
  وقد ذكرنا سابقاً ان مقادير هذه الديات لم توضع لتقدير قيمة المرأة ، فيكون مقدارها نصف قيمة الرجل ، بل ان الاسلام اراد منها معالجة وضع ما بعد الجريمة .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 95 ـ

  فالرجل المقتول الذي يفترض فيه ان يكون معيلاً لعائلة ما ، تذهب ديته الى عائلته التي افتقدت المعيل ، فيكون الدخل المقدر بالف دينار ذهب او نحوه ضمان لنفقات العائلة المعيشية ، اما المرأة المقتولة ، فان ديتها المقدرة بنصف دية الرجل تدخل وارد الرجل الذي يفترض فيه ان يكون قيماً على عائلته ، زوجة كانت المجنى عليها او اختا او بنتا ، ودليل آخر على مساواة الاسلام للمرأة والرجل في نظام العقوبات ، هو ان حد القذف وحد المسكر وهو ثمانون جلدة يتساوى فيه القاذف والشارب ، ذكراً كان أو أنثى .
  سادساً : ان عقوبة الاجهاض في النظام الاسلامي ، تعتبر من ادق العقوبات التي جاءت بها الشريعة السماوية ، فقسمت ديتها بحسب عمر الجنين ، ففي النطفة المستقرة في الرحم عشرون ديناراً ، وفي العلقة اربعون ، وفي المضغة ستون ، وفي العظم ثمانون ، وفي الجنين التام الذي لم تلجه الروح مائة دينار ، وفي الجنين الذي ولجته الروح دية كاملة .
  وفي حين حل الاسلام مشكلة الاجهاض من الصميم قبل نشوء الثورة الصناعية بقرون ، الا ان قضاة النظام الرأسمالي يحاولون لحد اليوم الاجابة على السوال الذي يناقش أحقية المرأة في الاجهاض ، فمنذ تشريع المحكمة العليا الامريكية سنة 1973 م القاضي بشرعية الاجهاض في قضية ( جين رو ضد هنري ويد ) ، والقانون يتبدل بين شد وجذب ، ويمين ويسار ، وجواز وحرمة ، وكلما يتبدل عضو من اعضاء المحكمة العليا يتبدل القانون الخاص بالاجهاض ، وهذا الاضطراب دليل قوي على فشل النظام الرأسمالي في معالجة مشاكل قضائية خطيرة عالجها الاسلام بكل دقة قبل اربعة عشر قرناً من الزمان .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 96 ـ

  سابعاً : شرعية الدفاع عن النفس ، وهو حق مشروع اقره الاسلام وحث عليه ، بل اوجبه دفاعاً عن نفس ومال وعرض الفرد بكل الوسائل الممكنة كجرح المهاجم او قتله ، ولا يتحمل المدافع أية مسؤولية شرعية تجاه المهاجم ، ولكن لا يجوز للمدافع التعدي الى القتل مع امكان الدفع بالجرح مثلاً ، واذا تعدى الى القتل بلا لزوم ، ضمن الدية .
  ثامناً : ومع ان الاصل في تشريع العقوبات معالجة الانحراف ، الا ان الاسلام لم يترك جانب مساعدة المحرومين وتثبيت اسس العدالة الاجتماعية ، فشرع كفارة القتل ، حيث اوجبها اضافة الى الدية في قتل المؤمن عمداً ، او شبه العمد ، او الخطأ المحض ، ففي قتل المؤمن عمداً وظلماً اوجب كفارة الجمع ، وفي قتل شبه العمد والخطأ المحض الكفارة المرتبة ، ولا شك ان هذا اللون من الكفارات يصب في مصلحة الفقراء ايضاً ، خصوصاً الاطعام ، تسليما كان او دعوة لهم لتناول وجبة غذائية كاملة .
  لان كل انحراف او معصية تعالجها الكفارة الكبيرة الخاصة بالاطعام ، تشبع ستين مسكيناً ، حيث يتوجب اكتمال عدد الذين ينبغي اطعامهم ، فلا يجزي اشباع الفرد مرتين .
  وهذه النظرة الانسانية في النظام الاسلامي ترفع الطبقة الفقيرة ، بجانب الموارد الحقوقية الاخرى ، الى مستوى الطبقة العامة من الناس .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 97 ـ

2 ـ جرائم ضد الملكية :
  وبطبيعة الحال ، فان النظرية الاسلامية الخاصة بالعقوبات الجنائية تنظر الى الجرائم المتعلقة بالملكية نظرة خاصة وترتب عليها عقوبات صارمة ، لان ضمان سلامة حقوق الناس من تعدي الآخرين تعتبر من أهم اسباب استقرار النظام الاجتماعي وتطوره الاقتصادي ، وتقسم النظرية الاسلامية ، الجرائم المتعلقة بالملكية الى قسمين ، الاول :
  الانحرافات التي تؤدي الى سلب الملكية من مالكها قهراً وظلماً كالغصب ويتحقق بصدق الاستيلاء عرفاً على حق الغير ، والثاني : السرقة وهي سلب مال الغير المودع في حرز سراً وفيها شروط ، والسرقة اشد من الغصب ، ولذلك اوجب الشارع الحد فيها على السارق دون الغاصب ، وحتى نفهم احكام الاسلام في الغصب والسرقة ، لابد من دراسة معنى وضع اليد على الشيء .

أحكام اليد
  المراد بوضع اليد على الشيء ان يستطيع صاحبها التصرف بذلك الشيء تصرف المالك في ملكه ، كمن ملك داراً فاحب أن يسكنها او يستاجرها او يوهبها ، فله مطلق الحرية في التصرف بملكه ، والاصل ، ان وضع اليد يدل على الملك ، والعبرة فيها هو الصدق العرفي .
  ولا شك ان وضع اليد على الاموال يدل على الملكية ايضاً ، سواء كانت الاعيان منقولة او غير منقولة ، وقد اتفق الفقهاء على ان وضع اليد على الملك لا يثبت الا بشرطين ، الاول : جهل كيفية ابتدء وضع اليد على

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 98 ـ

  العين ، والثاني : قابلية العين بطبيعتها للنقل والانتقال ، والتملك والتمليك ، فاذا كانت وقفاً تسقط اليد عن الدلالة على الملك .
  وبالاجمال فان كان ما كان تحت استيلاء شخص وفي يده بشكل من الاشكال فهو محكوم بملكيته له ، سواء من الاعيان او المنافع او الحقوق او غيرها ، فلو كانت في يده ارض زراعية موقوفة مدعياً انه هو المتولي ، يحكم بكونه متولياً على تلك الارض ، ولو تنازع اثنان في عين مثلاً ، فان كانت تحت يد احدهما فالقول قوله بيمينه ، وعلى غيره البينة ، ولو تنازع الزوجان في متاع البيت سواء حال الزواج او بعد الطلاق فيكون المتاع المختص بالرجال كألبستهم ومقتضياتهم ملك للرجل ، وما يكون للنساء كألبسة النساء ومقتضياتهن ملك للمرأة ، وما يكون للرجال والنساء ملك لهما معاً .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 99 ـ

الغصب :
  والمقصود به ، الاستيلاء على مال الغير دون اذن المالك ، عيناً كان او منفعة ، وبتعبير الفقهاء ( الاستقلال باثبات اليد على مال الغير عدواناً ) (1) .
وهو على انواع :
  1 ـ غصب عين مع منفعة ، كغصب الدار من مالكها .
  2 ـ غصب عين بلا منفعة ، كغصب المستأجر العين المستأجرة انتزاعاً من مالكها في مدة الاجارة .
  3 ـ غصب منفعة مجردة ، كأخذ المؤجر العين المستأجرة انتزاعا من يد المستأجر والاستيلاء على منفعتها مدة الاجارة .
  4 ـ غصب حق مالي متعلق بعين ، كالاستيلاء على عين مرهونة بالنسبة الى المرتهن الذي له فيها حق الرهانة .
  وللغصب حكمان تكليفيان وحكم وضعي ، وللحكمان التكليفيان : هما الحرمة ووجوب الرد على مالكه ، او وليه وجوباً فورياً ، ويجري هذان الحكمان التكليفيان في جميع اقسام الغصب ، فالغاصب آثم فيها ويجب عليه الرد ، والحكم الوضعي ، وهو ضمان اليد بمعنى كون المغصوب على عهدة الغاصب ، فاذا تلف المغصوب وجب على الغاصب دفع بدله ، عيناً كان او منفعة .
  ويتحقق الغصب بصدق الاستيلاء على الشيء ، كأن يقهر مالك الدار

**************************************************************
(1) شرائع الاسلام ج 3 ص 235 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 100 ـ

  بمغدرتها ويأمر اهله بسكن تلك الدار ، او يطرد راع لقطيع من الغنم ويستولي بعدئذ على غنمه ، او يجبر مزارعاً على ترك مزرعته ليحتلها بعد ذلك ، الى غير ذلك من الحالات .
  وقد شدد الاسلام على حرمة غصب اموال الناس ، وحرم التصرف بالمال مطلقاً الا مع العلم بالاذن الشرعي ، لقوله تعالى : ( ولا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل ) (1) وعوم قوله (ص) : ( لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفس منه ) (2) وقول الامام : ( الحجر الغصب في الدار رهن على خرابها ) (3) وقوله (ص) : ( من غصب شبراً من الارض طوقه من سبع ارضين ) (4) .

**************************************************************
(1) البقرة : 188 .
(2) الكافي ج 7 ص 274 .
(3) الوسائل ج 17 ص 309 .
(4) كنز العمال ج 10 ص 639 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 101 ـ

موجبات ضمان الغصب :
  واجمع الفقهاء على انه يحرم على الغاصب التصرف في الشيء المغصوب ، بل يجب عليه شرعاً رد العين المغصوبة ، او رد بدلها ان تلفت ، كما ذكرنا ذلك سابقاً ، وحصروا موجبات الضمان في مواضع :
  1 ـ المباشرة ، سواء كان المتلف عيناً كحرق الثوب ، او منفعة كسكنى الدار .
  2 ـ التسبيب ، وهو ( هو كل فعل يحصل التلف بسببه ) (1) ومصداقها قاعدة الغرر .
  3 ـ اليد ، ومصاديقها العارية ، والمقبوض بالعقد الفاسد ، والمقبوض بالسوم .
  4 ـ اجتماع المباشرة والتسبيب .
  1 ـ المباشرة : وهو مباشرة الفرد اتلاف مال الغير بنفسه ، كأن يكسر اناءاً او يقطع شجرة ، او يهدم بيتاً ، قاصداً كان ام غافلاً ، عاقلاً كان ام مجنوناً ، بالغاً كان ام صبياً ، فعلى المباشر ، في هذه الحالات ، الضمان ، لان الخطابات الوضعية تشمل الجميع ، واذا اتلف الطفل او المجنون مال الغير ، يتحتم على الولي دفع البدل ان كان لهما مال ، والا انتظر المالك الميسرة ، ويعتبر المتلف الضامن غاصباً في كل الحالات ، فان كان عاقلاً اثم مع تحقق الضمان ، ان كان قاصراً او مجنوناً لم يأثم ولكن عليه او على وليه الضمان لان الخطابات الشرعية الوضعية غير مقيدة بالعلم او الجهل ، ولا العمد او

**************************************************************
(1) شرائع الاسلام ج 3 ص 237 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 102 ـ

  الخطأ .
  2 ـ التسبيب : وهو اتيان الفرد بفعل يوجب التلف ، ولو بضميمة فعل آخر معه ، كالحفر الذي يؤدي الى وقوع المارة في وجرحهم ، بمعنى انه لو لم يتم الحفر لما وقع التلف ، وفي حالة التسبيب يتوجب على الفاعل المسبب ان يدفع للمالك بدل التالف من المثل والقيمة ، لقول الامام الصادق (ع) : ( كل شيء يضر بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه ) .
  وفي حالات معينة لا يضمن الفاعل المسبب ، التلف ، ومثالها : ( ان من ارسل في ملكه ماء او اجج ناراً لمصلحته فتعدى الماء او النار الى ملك غيره فافسده واضر به لا يضمن شيئاً ، بشرط ان لا يزيد على مقدار حاجته من الماء والنار اولاً ، وان لا يظن ان عمله مضر بغيره ثانياً ، لانه ماذون شرعاً بالتصرف ، وحديث ( الناس مسلطون على اموالهم ) لا يمنع من العمل به مانع ) (1) .
  وعلى نفس الصعيد ، اذا منع الظالم ، مالكاً من التصرف في ملكه ، دون أن يستولي عليه ، كأن منعه من السكن في داره ، ثم تصدعت بعد ذلك ، ذهب المشهورين بين الفقهاء الى ( ان الظالم يأثم ولا يغرم ، لان يده لم تثبت على العين ، فلا يكون غاصباً ) (2) .
  واذا منعه الظالم من بيع سلعته ، ثم تضررت قيمتها السوقية دون ان يصيب البضاعة ذاتها ضرر ، يأثم الظالم ولكنه لا يغرم ، لانه لم يفوت عليه العين ، بل فوت عليه الربح ، ولا ضمان في ذلك .

**************************************************************
(1) المسالك ـ باب الغصب .
(2) المسالك ـ باب الغصب .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 103 ـ

  ولكن في حالة حبس الفرد القادر على العمل والانتاج ، ظلماً وعدوانا ، قال بعض الفقهاء ( عليه ضمان عمله ، لان في عدم الضمان ضرراً عظيماً ، فانه يموت هو وعياله جوعاً ، مع كون الحابس ظالماً معتدياً ، وجزاء سيئة سيئة مثلها ، والقصاص ، ونحو ذلك ) (1) وفي حالة غصب الحيوان ، فعلى الغاصب ضمانه وضمان منافعه .
  ومن مصاديق التسبيب ايضاً قاعدة الغرر ، ومثالها : بيع الفرد مال غيره بعنوان انه المالك ، وتصرف المشتري بينة صحة البيع ، ثم يتبين غش البائع وتدليسه .
  3 ـ اليد : وهي من اسباب الضمان ، ويمكن توضيحها بالمثال التالي : اذا استولى فرد على مال الغير بلا اذن فقد دخل في عهدة الغاصب وعليه مسؤولية تلفه اذا تلف ، وعليه ارجاعه الى مالكه عيناً او ارجاع عوضه عن التلف ، ولا يفرق سواء تعمد الاستيلاء عليه كالسارق ، او استولى عليه خطأ ، كمن اشتبهت عليه حاجته مع حاجة غيره ، لعموم : ( على اليد ما اخذت حتى تؤدي ) (2) ، الا ما خرج بدليل خاص كالولي والوصي والوكيل ونحوهم .
  ويلحق باسباب الضمان عن طريق اليد :
  أ ـ العارية : وهي عارية الذهب والفضة وغيرهما مع شروط الضمان ، فيضمنها المستعير مع عدم التعدي والتفريط .
  ب ـ المقبوض بالعقد المعاوضي الفاسد ، فالمبيع او المثمن الذي يأخذه

**************************************************************
(1) مفتاح الكرامة ـ باب الغصب .
(2) مستدرك الوسائل ج 3 ص 145 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 104 ـ

  المشتري ، والثمن الذي اخذه البائع في البيع الفاسد يكون ضمانهما كالمغصوب ، سواء كانا عالمين بالفساد ، اولا ، كذلك الاجرة التي يأخذها المؤجر في الاجارة الفاسدة ، لعوم ( على اليد ما أخذت حتى تؤدي ) ، ولان ( كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ) .
  ج ـ المقبوض بالسوم : وهو اخذ المشتري الحاجة من اجل شرائها ، فتتلف في يده قبل ان يتم الشراء ، فعلى المشتري الضمان .
  4 ـ اجتماع المباشرة والتسبيب : وفيه حالتان :
  الاولى : ان يكون المباشر اقوى من المسبب ، فعليه الضمان ، ومثالها : ان يحفر زيد حفرة ، فيأتي عمرو ويدفع خالداً نحوها فيقع فيها ويموت ، فالضمان هنا يثبت على الدافع دون الحافر ، لان مباشرته اقوى من السبب .
  الثانية : ان يكون المسبب اقوى من المباشر ، فعليه الضمان ، ومثالها : التغرير وهو سرقة اموال الناس والتصدق بها بعنوان تملكه لها ، فيأخذها المحتاج ويتصرف بها معتقداً حلها ، فيكون المسبب ، وهو السارق ، ضامناً دون المباشر ، وهو المحتاج ، لانه لولا الغرر لما حصل التصرف في المال ، بناء على قاعدة تقول بان الضمان يستقر في النهاية على من تلف المال في يده الا اذا كان صاحب اليد مغرراً به ، ومثالها ايضاً : الاكراه على اتلاف المال ، فيكون المكره ضامناً دون المباشر ، لان المباشر ، في هذه الحالة ، اضعف من المسبب .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 105 ـ

مسؤولية الغاصب :
  وبطبيعة الحال ، فان من مسؤولية الغاصب الشرعية رد المادة المغصوبة فوراً الى صاحبها ، وعليه مؤنة الرد مهما بلغت ، فاذا غصب اخشابا وبنى عليها داره مثلاً ، هدم البناء اذا توقف رد الخشب على الهدم (1) واذا غير الغاصب صفة الشيء المغصوب ، كمن غصب حديداً وعمل منه آلة معينة ، وجب على الغاصب رد المغصوب مع الارش ان نقصت قيمته السوقية ، اما اذا ازدادت قيمة المغصوب فلا شيء للغاصب ، واذا تلفت العين المغصوبة وجب على الغاصب رد بدلها مثلاً او قيمة المغصوب الى المالك ، حتى لو كن سبب التلف طبيعياً ، ويجب اولاً رد العين مع الامكان لان المالك صاحبها ، والا فالمثل مع الامكان لان المثل مساو للعين في الجنس والصفات ، وان لم يقدر فالقيمة لانها الطريق الوحيد لتخليص الذمة ، والمراد بالمثلي في كلام الفقهاء هو الذي له مثل ، بمعنى انه مساو له في جميع ما له مدخلية في ماليته من صفاته الذاتية لا العرضية ، وما عدا ذلك فهو قيمي ، ومع رده ( لا يرد زيادة القيمة السوقية وترد الزيادة لزيادة في العين او الصفة ) (2) وقيل ان على الغاصب دفع اعلى قيم المغصوب من حين الغصب الى حين التلف (3) ( لان الغاصب مأخوذ باشق الاحوال لمكان تعديده فناسب عقوبته بضمان الزائد ، ولانه مضمون عليه في جميع حالاته فالزائد

**************************************************************
(1) شرائع الاسلام ج 3 ص 239 .
(2) شرائع الاسلام ج 3 ص 239 .
(3) السرائر لابن ادريس ص 276 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 106 ـ

  مال تلف على المالك فيكون مضموناً على الغاصب ، ولان نقص الصفة انما ضمن بسبب نقص القيمة فيكون اولى بالضمان ) (1) .
  وعل صعيد آخر ، يضمن الغاصب ، المنافع المباحة للمالك ، فاذا اغتصب داراً فعليه ارجاعها وارجاع منفعتها من تأخير او نحوه الى المالك ، واذا اغتصب شجرة ذابلة ، فسقاها حتى اينعت ، ثم عادت الى الهزالة مرة أخرى ، فعلى الغاصب ارجاعها الى المالك يانعة ، لان الصفات تتبع العين ، سواء حصلت عند المالك او الغاصب ، فاذا تخلفت او فاتت بعض الصفات في يد الغاصب ، ضمنها للمالك .
  ولكن اذا اغتصب فرد ارضاً فزرعها ، يكون الزرع حنيئذ للغاصب ، الذي يصيبه الاثم فق على عمله ، وترجع الارض لمالكها ، لقوله (ع) عندما سئل عن فرد زرع ارض فرد آخر بغير اذنه ، حتى اذا بلغ الزرع جاء صاحب الارض فقال : زرعت بغير اذني ، فزرعك لي ، وعلي ما انفقت ، أله ذلك ام لا ؟ : ( للزارع زرعه ، ولصاحب الارض كراء ارضه ) (2) .

**************************************************************
(1) التنقيح الرائع ج 4 ص 70 .
(2) التهذيب ج 7 ص 206 .