القاصة :
  واذا تعذر استرجاع المال المغصوب بالطرق الطبيعية المتعارف عليها ، جاز استخدام بعض الطرق الاستثنائية ، ومنها ، ما يعرف بالمقاصة ، التي عرفها الفقاء بانها ( جعل ما له مثل ما على صاحبه ) ، ومثالها جعل الدين في مقابلة ا لدين ، فيؤخذ من مال الغاصب لارجاع الحق المغصوب ، فان كان من جنس ماله جاز الأخذ بمقداره ، وان لم يكن جاز الأخذ بمقدار قيمته ، وان لم يكن الا ببيعه جاز بيعه واخذ مقدار قيمة ماله ورد الزائد .
  والمدار ان الحق لو كان دينا وكان المديون جاحدا او مماطلاً جازت المقاصة من ماله وذلك بالرجوع الى الحاكم الشرعي ، حيث تتحقق بالتسلط والأخذ من مال الغريم ، ولا بد للمتسلط من مراعاة الاطار الاخلاقي الذي رسمه الاسلام ، فلا يجوز له التعدي ولا الافراط .
  وللمقاصة شروط شرعية منها :
  الاول : كون المدعي جازماً بالاستحقاق ن فلو كان ظاناً ، او متوهماً لم يجز .
  الثاني : عدم وقوع الفتنة المخشي معها تلف الانفس والاموال .
  الثالث : عدم اداء المقاصة الى انتهاك العرض وسوء المقالة ، كما لو وجد عين ماله لو عوضها وخاف النسبة الى السرقة فعرض نفسه لسوء القول وقبح العاقبة .
  الرابع : قال الشيخ وجماعة يشتر عدم كون المال وديعة عنده ،

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 108 ـ

  لقوله (ص) : ( أد الامانة الى من ائتمنك ولا تخن من خانك ) (1) .
  وقال غيره بالجواز ، لاصالة الجواز ومنع كن هذا خيانة بل احسان الى الغريم بابراء ذمته ، ولما روي ان النبي (ص) قال لهند بنت عتبة : ( خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ) (2) ومال الرجل كالوديعة عند المرأة ، نعم ذلك مكروه لمكان النهي ) (3) .

**************************************************************
(1) التهذيب ج 6 ص 348 .
(2) سنن ابن ماجة ج 2 ص 769 .
(3) التنقيح الرائع للسيوري الحلي ج 4 ص 269 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 109 ـ

السرقة وشروط الحد :
  ولا شك ان الشطر الثاني من الجرائم المرتكبة ضد الملكية اشد ايلاماً على النظام الاجتماعي من الغصب ، الا وهي جرائم السرقة ، ولذلك تعين الحد على السارق دون الغاصب ، والسرقة هي ابتغاء أخذ الاموال من غير حلها ، وقد شددت فيها العقوبة ، كما ورد في قوله تعالى : ( والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم ) (1) ، ويتوقف اقامة الحد على السارق حسب نظر المسروق ، فاذا طلب الحد أقيم ، واذا لم يطلبه فلا يقام ، وينتقل حق المطالبة الى الورثة ايضاً اذا مات المسروق قبل القبض على السارق ، واذا اقيم الحد على السارق فلا بد له من اعادة المادة المسروقة ، حيث لا يسقط عنه بحال من الاحوال ، لقول الامام (ع) : ( السارق يتبع بسرقته ، وان قطعت يده ولا يترك ان يذهب بمال امرئ مسلم ) (2) و ( ان تلفت العين المسروقة اغرم السارق مثلها ، او قيمتها ان لم يكن لها مثل ، وان نقصت ، فعليه ارش النقصان ، ولو مات صاحبها ، دفعت الى ورثته ، فان لم يكن له وارث فالى الامام ) (3) ويعتبر ( اللص محارباً ، فاذا هجم على انسان ، جاز للمهاجم ان يقاتله ويدفعه عن نفسه ، فان ادى ذلك الى قتل اللص ، لم يكن على قاتله شيء من

**************************************************************
(1) المائدة : 38 .
(2) التهذيب ج 10 ص 106 .
(3) شرائع الاسلام ج 4 ص 178 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 110 ـ

  قود ولا دية ، وكان دمه هدراً ) (1) .
  ونستلهم من كتب التاريخ عدالة النظرية الاسلامية في معاقبة المنحرفين ، فقد روي ان امرأة من طبقة الاشراف سرقت ، فتشفع لدى رسول الله (ص) احد الصحابة ، فقال (ص) وخطب في الناس خطبة قوية قصيرة ، معلنا فيها مبدأ مساواة جميع الافراد امام الشريعة والقانون : ( ايها الناس ، انما ضل من قبلكم انهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف تركوه ، واذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد ، وأيم الله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها ) (2) .
  أ ـ الشروط :
  لا يحد السارق الا مع توفر الشروط الشرعية ، وهي :
  1 ـ البلوغ : فلا يحد الصبي حتى لو كرر السرقة لقاعدة : ( رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم ... ) (3) بل يعرزه الحاكم بما يراه ، تأديباً .
  2 ـ العقل : فلا يحد المجنون ، حسب القاعدة المذكورة في فقرة ( البلوغ ) .
  3 ـ الاختيار وعدم الاضطرار ، فلا يحد لو سرق شيئاً مأكولاً في سنة المجاعة ، لقوله (ع) : ( لا يقطع السارق في عام سنة مجدبة يعني في المأكول دون غيره ) (4) بمعنى ان ( لا تكون الحاجة عذراً الا في سرقة الطعام في عام مجاعة فانه لا قطع حينئذ ) (5) .

**************************************************************
(1) النهاية للشيخ الطوسي ص 721 .
(2) البخاري : كتاب الحدود باب 12 .
(3) سفينة البحار ج 1 ص 530 .
(4) من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 43 .
(5) ايضاح الفوائد لفخر المحققين ج 4 ص 519 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 111 ـ

  4 ـ ارتفاع الشبه : ومع وجودها لا يقطع السارق لقوله (ع) : ( ادرأوا الحدود بالشبهات ) (1) ومثال ذلك اذا توهم فرد اخذ المال ظاناً انه ملكه ، ثم تبين انه ملك الغير ، فانه لا يقطع بسبب وجود الشبهة .
  5 ـ ان يكون المال المسروق في حرز ، والحرز هو ما تودع فيه الاموال المنافع تقفل كالبيوت والحوانيت ونحوها ، وليست هناك حقيقة شرعية له ، بل كل ما يعده العرف حرزاً فهو حرز ، فمن سرق قطة ذهبية مثلاً في حانوت مقفل يحد ، وترجع القطعة المسرقة الى صاحبها ، اما اذا سرقها من محل عام ، فلا يحد بل يعزره الحاكم بما يراه ، لقوله (ع) : ( لا يقطع الا من نقب بيتا او كسر قفلا ) (2) ، وقوله ايضاً : ( كل مدخل يدخل فيه بغير اذن فسرق منه السارق فلا قطع فيه ) (3) وعليه ، فانه ( لا قطع على من سرق من الجيب او الكم الظاهرين ويقطع لو كانا باطنين ) (4) .
  6 ـ ان لا يكون السارق اباً ، فلا يقطع الوالد لمال ولده ، لقوله (ص) : ( أنت ومالك لابيك ) (5) ويقطع الزوج اذا سرق من زوجته ما احرزته دونه ، والزوجة اذا سرقت من زوجها ما احرزه دونها بلا خلاف ولا اشكال ، نعم ، لا بأس بسرقة الزوجة مقدار النفقة اذا منعها منها ، فان هنداً قالت للنبي (ص) : ان ابا سفيان رجل شحيح ، لا يعطيني وولدي الا ما أخذته سراً ؟ قال النبي (ص) : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ، ويقطع الولد ان سرق

**************************************************************
(1) المقنع للشيخ الصدوق ص 147 .
(2) تفسير العياشي ج 1 ص 319 .
(3) الكافي ج 7 ص 231 .
(4) ايضاح الفوائد ج 4 ص 530 .
(5) الكافي ج 2 ص 26 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 112 ـ

  والده .
  7 ـ ان تبلغ قيمة المسروق نصاب القطع وهو ربع دينار ذهباً خالصاً مسكوكاً بسكة المعاملة ، لقول الامام (ع) : ( يقطع السارق في ربع دينار ) (1) و ( لا فرق بين الثياب والطعام والفاكهة ... الضابط كل ما يملكه المسلم سواء كان اصله الاباحة او لم يكن ) (2) .
  ب ـ طرق الاثبات .
  ويثبت الحد عن طرق الاثبات التالية :
  1 ـ يثبت الحد ( القطع ) والغرم ( رد المال المسروق ) اذا شهد رجلان عدلان بوقوع الانحراف بصورة تفصيلية ، بمعنى ان الشهادة يجب ان تكون مفصلة من قبل البينة ، كأن يقول : ( بأن فلاناً البالغ العاقل المختار غير المضطر قد هتك حرزاً ، واخذ مالاً بلغ النصاب ) ، حتى ترتفع جميع الشبهات التي يدرأ بها الحد .
  2 ـ يثبت الحد والغرم ، بالاقرار مرتين من قبل السارق العاقل البالغ المختار ، ويثبت الغرم فقط ، بالاقرار مرة واحدة بالسرقة ، واذا رجع بعد الاقرار مرتين ، واكذب نفسه ، ثبت الغرم دون الحد ، لقوله (ع) : ( لا يقطع السارق ، حتى يقر بالسرقة مرتين ، فان رجع ضمن السرقة ، ولم يقطع اذا لم يكن شهود ) (3) .
  3 ـ يثبت الغرم فقط بشاهد ويمين ، او بشاهد وامرأتين ، لانه من الحقوق

**************************************************************
(1) المقنع للشيخ الصدوق 150 .
(2) القواعد للعلامة الحلي نقلاً عن الايضاح ج 4 ص 521 .
(3) الكافي ج 7 ص 219 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 113 ـ

  المالية ، اما الحد فلا يثبت الا بشهادة العدلين .
  ج ـ طريقة القطع .
  1 ـ اذا ثبت ما يوجب الحد في السرقة الاولى ، تقطع اصابعه الاربع من اليد اليمنى فقط ، وتترك له الراحة والابهام ، ( لخبر محمد بن مسلم عن ابي جعفر : أتي امير المؤمنين (ع) بقوم لصوص قد سرقوا فقطع ايديهم من نصف الكف وترك ( الراحة ) والابهام لم يقطعها ) (1) ، ليعتمدوا عليها في العبادات ويغسلوا بهما وجوههم للصلاة .
  2 ـ اذا قطع ، ثم سرق مرة أخرى ، تقطع رجله اليسرى من مفصل القدم ، بمعنى ان ما تحت قبة القدم تقطع حتى يبقى له النصف منها ومقدار قليل من محل المسح ، لقول الامام (ع) : ( القطع من وسط الكف ، ولا يقطع الابهام ، واذا قطعت الرجل ترك العقب ( الكاحل ) ، لم يقطع ) (2) .
  3 ـ اذا سرق مرة ثالثة ، بعد قطع اليد والرجل ، يحبس مؤبداً حتى يموت ، ( بلا خلاف اجده في شيء من ذلك نصاً وفتوى ، بل يمكن دعوى القطع به من النصوص ، وفي بعضها عن ابي جعفر (ع) : ( قضى امير المؤمنين (ع) في السارق اذا سرق قطعت يمينه ، ثم اذا سرق مرة أخرى قطعت رجله اليسرى ، ثم اذا سرق مرة اخرى سجن وتركت رجله اليمنى يمشي عليها ، ويده اليسرى يأكل بها ، واني لا ستحي من الله ان اتركه لا ينتفع بشيء ، ولكن اسجنه حتى يموت في السجن ، وقال : ما قطع رسول الله (ص) من

**************************************************************
(1) الجواهر ج 41 ص 529 .
(2) التهذيب ج 10 ص 103 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 114 ـ

  سارق بعد يده ورجله ) (1) .
  4 ـ اذا سرق وهو في السجن يقتل ، اجماعاً ونصاً ، لقوله (ع) : ( اذا أخذ السارق قطعت يده من وسط الكف ، فان عاد قطعت رجله من وسط القدم ، فان عاد استودع في السجن ، فان سرق في السجن قتل ) (2) .
  و ( اذا تكررت منه السرقة فسرق مراراً من واحد ومن جماعة ولما قطع ، فالقطع مرة واحدة لانه حد من حدود الله ، فاذا ترادفت تداخلت كحد الزنا وشرب الخمر ، فاذا ثبت ان القطع واحد ينظر ، فان اجتمع المسروق منهم وطالبوه باجمعهم قطعناه وغرم لهم ، وان سبق واحد منهم فطالب بما سرق منه وكان نصابا غرم وقطع ، ثم كل من جاء بعده من القوم فطالب بما سرق منه غرمناه ولم نقطعه لانا قد قطعناه بالسرقة فلا يقطع قبل ان يسرق مرة اخرى ) (3) .
  ولكن على صعيد آخر ، اذا تاب السارق ، قبل ان تثبت عليه السرقة ، فلا حد عليه ، لقوله (ع) : ( اذا جاء من قبل نفسه تائباً الى الله سبحانه ، ترد سرقته الى صاحبها ولا قطع عليه ) (4) واذا تاب بعد قيام البينة لا يسقط الحد ، وليس للحاكم العفو عنه ، لقول النبي (ص) لصفوان بن امية حين سرق رداؤه فقبض على السارق وقدمه الى النبي (ص) ، ثم وهبه : ( فهلا كان هذا قبل أن ترفعه الي ) (5) ، وقول الامام علي (ع) : ( اذا قامت

**************************************************************
(1) الجواهر ج 4 ص 534 .
(2) الكافي ج 7 ص 233 .
(3) المبسوط ج 8 ص 38 .
(4) الكاف ج 7 ص 220 .
(5) مستدرك الوسائل ج 3 ص 240 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 115 ـ

  البينة فليس للأمام ان يعفو ) (1) .
  وقبل ان نختم الحديث عن الغصب والسرقة ، لابد من استعراض بعض الروايات الواردة بهذا الخصوص :
  1 ـ عن علي بن أبي رافع قال : كنت على بيت مال علي بن ابي طالب (ع) وكاتبه ، وكان في بيت ماله عقد لؤلؤ كان اصابه يوم البصرة ، قال : فارسلت الي بنت أمير المؤمنين (ع) فقالت لي : بلغني ان في بيت مال أمير المؤمنين (ع) عقد لؤلؤ وهو في يدك وانا احب ان تعيرينه أتجمل به في ايام عيد الاضحى فارسلت اليها : عارية مضمونة مردودة بعد ثلاثة ايام ، فدفعته اليها ، وان أمير المؤمنين (ع) رآه عليها فعرفه فقال لها : من اين صار اليك هذا العقد ؟ فقالت : استعرته من علي بن ابي رافع خازن بيت مال امير المؤمنين لا تزين به في العيد ثم ارده ، قال : فبعث الي أمير المؤمنين فجئته ، فقال لي : أتخون المسلمين يا ابن ابي رافع ؟ فقلت له : معاذ الله ان أخون المسلمين ، فقال : كيف اعرت بنت أمير المؤمنين العقد الذي في بيت مال المسلمين بغير اذني ورضاهم ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين انها ابنتك وسألتني ان اعيرها اياه تتزين به فاعرتها اياه عارية مضمونة مردودة ، فضمنته في مالي وعلي ان ارده سليماً الى موضعه ، قال : فرده من يومك واياك ان تعود لمثل هذا فتنالك عقوبتي ثم اولى لابنتي لو كانت اخذت العقد على غير عارية مضمونة مردودة لكانت اذن اول هاشمية قطعت يدها في السرقة (2) .

**************************************************************
(1) التهذيب ج 10 ص 129 .
(2) التهذيب ج 10 ص 151 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 116 ـ

  2 ـ عن الحارث بن حضيرة ، قال : مررت بحبشي وهو يستقي بالمدينة فاذا هو اقطع ، فقلت له : من قطعك ؟ قال : قطعني خير الناس ، انا أخذنا في سرقة نحن ثماية نفر فذهب بنا الى علي بن ابي طالب (ع) فاقررنا بالسرقة فقال لنا : تعرفون انها حرام ؟ فقلنا : نعم ، فأمر بنا فقطعت اصبعنا من الراحة وخليت الابهام ، ثم امر بنا فحبسنا في بيت يطعمنا فيه السمن والعسل حتى برئت ايدينا ، ثم امر بنا فاخرجنا وكسانا فاحسن كسوتنا ثم قال لنا : ان تتوبوا وتصلحوا فهو خير لكم يلحقكم الله بايديكم في الجنة ، والا تفعل يلحقكم الله بايديكم في النار (1) .

**************************************************************
(1) الكافي ج 7 ص 264 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 117 ـ

الجناية على الحيوان :
  ويمكن اعتبار الجناية على الحيوان من باب الجناية على ما يتملكه الفرد ، لأنه ( اتلاف لبعض منافع المالك فيضمن التالف ... والغرض ان ذوات القيم تضمن قيمتها ، وهذا قول المفيد في المقنعة والشيخ في النهاية والقاضي ، قال ابن ادريس بل يضمن الارش وهو التفاوت بين كونه حياً ومذبوحاً ) (1) وهي على اقسام :
  1 ـ ما يؤكل لحمه عادة كالانعام الثلاثة ونحوها فمن اتلف منها شيء بالذكاة لزمه دفع ثمن التفاوت بين كون المجنى عليه حياً وبين كونه مذكى ، اي لو كان ثمن بقرة غير مذبوحة اربعين ديناراً ، واخرى مذبوحة ثلاثين ديناراً لزم الجاني دفع عشرة دنانير للمالك ، وهو مبلغ التفاوت ، ولو اتلف الحيوان من غير تذكية لزمته قيمة الاتلاف الكلية .
  2 ـ ما لا يؤكل لحمه لكن تقع عليه التذكية للاستفادة من جلدها وشعرها ونحوه ، كالدببة والثعالب ، فان اتلفت بالذكاة ضمن الارش ، وكذلك لو جرحها باي شكل من الاشكال ، وان اتلفها بغير ذكاة ضمن قيمتها حين وقوع التلف .
  3 ـ ما لا تقع عليه الذكاة ، ككلاب الصيد وفيها دية شرعية مقدرة ، ففي كلب الصيد اربعون درهماً ، وكلب الغنم عشرون درهماً .

**************************************************************
(1) التنقيح الرائع ج 4 ص 521 ، والسرائر ص 440 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 118 ـ

الاستنتاج :
  ومن اجل تحليل نظرية العقوبات الاسلامية المتعلقة بجرائم الملكية ، لابد لنا من وضع النقاط التالية :
  اولاً : ان الاقرار باحكام اليد ودلالتها على الملكية ، تضع للمجتع الانساني الحدود العامة لانتقال الملكية ، ودوران المال بين افراد النظام الاجتماعي ، عيناً كان ذلك المال او نقداً ، منقولاً كان او غير منقول ، ولولاها لاضطرب النظام الاقتصادي والاجتماعي ، وانعدم البيع والشراء الذي هو الاصل في سد حاجات الناس الاستهلاكية والكمالية ، ولذلك فان اقرار الاسلام لهذا الاصل وربطه بالصدق العرفي ، ينسجم مع الطبيعة الفطرية للتعامل الاجتماعي وتنظيم سلوك الافراد .
  ثانياً : ان حرمة الغصب تتعدى من مجرد الاثم الى وجوب الرد على الغاصب وضمانه تلف المادة المغصوبة ، فالغاصب ، حسب النظرية الاسلامية ، يتحمل مسؤولية كاملة في ارجاع المادة المغصوبة سليمة من كل عيب ، بل يتعين عليه وجود الرد فوراً ودون تأخير ، بينما لا يتحقق الضمان ولا الفورية في قانون العقوبات الرأسمالي .
  ثالثاً : ان المباشرة او التسبيب او اجتماعهما في تلف المغصوب توجب الضمان باي حال من الاحوال ، باعتبار ان الخطابات الوضعية تشمل الجميع ، وعليه فان الطفل والمجنون اذا اتلفا مال الغير ، تعين على وليهما دفع البدل ان كان لهما مالاً ، والمسبب لتلف مال الغير يدفع للمالك بدل التالف من المثل والقيمة ، والمستولي على مال الغير بغير اذن ونحوه يدخل في عهدته ، وعليه

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 119 ـ

  مسؤولية تلفه اذا تلف ، والنتيجة ان وجوب الضمان يحفظ اموال الافراد من الضياع والتلف ، ويصون الثروة الاجتماعية والانسانية من التبذير والهدر .
  رابعاً : اذا نما المال وقت الغصب ، فعلى الغاصب ارجاع الاصل من النماء ، فاذا اغتصب شجرة ذابلة مثلاً ، فسقاها حتى اينعت ، ثم هزلة مرة اخرى ، تعين على الغاصب ارجاعها الى المالك يانعة ، لأن الصفات تتبع العين عند المالك او عند غيره ، ولذلك فان الصفات اذا تخلفت لدى الغاصب تعين عليه الضمان .
  خامساً : وجوب تسلط الحاكم الشرعي على مال الغاصب بالقوة لاسترجاع الحق المغصوب ، ويطلق على هذه العملية اسم المقاصة ، فاذا كان من جنس ماله تعين الاخذ بمقداره والا جاز الاخذ بمقدار قيمته ، واذا تعذر كل ذلك وامكن بيعه ، جاز البيع واخذ مقدار قيمة المال المغصوب ورد الزائد .
  سادساً : لابد للسارق من اعادة الشيء المسروق ( الغرم ) ، حيث لا يسقط عنه بحال من الاحوال ، حتى مع اقامة الحد ، وهذا الضمان لا تلتزم به النظرية الرأسمالية ، فاذا صرف السارق المال المسروق في المجتمع الرأسمالي ، فانه يعاقب بالسجن ولا يجبر على رد ما سرقه الى صاحبه .
  سابعاً : ان السارق لا يحد الا بتوفر الشروط الشرعية ، وهي البلوغ ، والعقل ، والاختيار ، وارتفاع الشبهة ، وكون المال المسروق في حرز ، وان تبلغ قيمة المسروق نصاب القطع وهو ربع دينار ذهباً ، بمعنى ان المضطر الجائع لا يقطع اذا سرق ما يسد رمقه ورمق عائلته ، ومع وجود الشبهة لا ينفذ الحد لقاعدة ( ادرأوا الحدود بالشبهات ) ، واذا تمت السرقة في مكان عام

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 120 ـ

  غير مقفل لان يقطع ايضاً ، لا القطع مختص بكون المال المسروق موضوع في حرز او نحوه ، واذا طلب الفرد المسروق عدم معاقبة السارق بالحد ، يترك السارق لأن عقوبة السرقة تتعلق بالحقوق المالية للناس وليست من حقوق الله .
  ثامناً : ان طريق القطع ، المراد منه تأديب المنحرفين وردعهم عن ارتكاب الجريمة ، لا تجعل الفرد معاقاً عن العمل الانتاجي ، فالاصل في القطع ، هو الاصابع الاربع فقط من اليد اليمنى للمنحرف ، فتترك له الراحة والابهام ، وهذا لا يعتبر تعطيلاً لانتاجية الفرد ، بل ان للفرد الحق بعد توبته الدخول في الحقل الانتاجي الاجتماعي ليكون عضوا نافعاً في مجتمعه الانساني ، علماً بأن عنصر ابداع الانسان في العمل والبناء يعتمد على الابهام وراحة اليد بالاصل ، على عكس نظام العقوبات الرأسمالي ، الذي يجعل السجن محور العقوبات ، مما يسبب انخفاضاً في الانتاج واستهلاكاً لموارد وثروات المجتمع .
  تاسعاً : ان النظرية الاسلامية تعاقب المجرم المحترف معاقبة صارمة ، فتقطع يده اليمنى في السرقة الاولى ، ورجله اليسرى في السرقة الثانية ، ويحبس مؤبداً حتى يموت في السرقة الثالثة ، ويقتل اذا سرق وهو في السجن ، وهذا دليل على ان الاسلام يهدف من محاربته المجرمين المحترفين ، اجتثاث جذور الانحراف نهائياً من المجتمع الانساني .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 121 ـ

3 ـ الجرائم الخلقية :
  وليس غريباً على رسالة السماء الاخلاقية ، التعامل بشدة مع الجرائم والانحرافات الخلقية ، لان القاعدة الاخلاقية بنظر الاسلام ، هي القاعدة الاساسية لضمان سلامة جميع اجهزة النظام الاجتماعي وتكاملها لبناء المجتمع السعيد ، وعلى ضوء ذلك فقد اوجب الاسلام في الانحرافات المنافية للنظام الاخلاقي الذي جاء به ، كالزنى واللواط والسحق والقيادة والقذف وتناول المسكر ، اوجب فيها الحدود المقدرة شرعأً ، ولا شك ان الحدود ، منحصرة بالعقوبات التي نص عليها الشارع لردع المحرمات .
  واسبابها تنحصر بالانحرافات الجنسية كالزنى واللواط والمساحقة والقيادة ، والانحرافات السلوكية كالقذف وشرب الخمر ، والانحرافات العقائدية كالارتداد ، والانحرافات المتعلقة بالملكية كالسرقة وقطع الطريق ، وترك الاسلام ، للحاكم الشرعي تقدير العقوبة على الكبائر من فعل الحرام في غير ذلك ، وسمى تلك العقوبة المفوضة للحاكم الشرعي بالتعزير .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 122 ـ

الزنى وشرط الحد :
  وبطبيعة الحال ، فان الشريعة التي جاءت بنظام اجتماعي يتكامل من خلاله سلوك الافراد ، حرمت اول ابواب الانحراف الخلقي وهو الانحراف الجنسي تحريماً ثابتاً بضرورة الدين ، ولا شك ان الزنى يحتل اعلى قائمة الانحرافات الجنسية ، وتحريمه واضح بالنص الشريف : ( وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً ) (1) ، وقوله تعالى في وصف المؤمنين : ( ولا يزنون من يفعل ذلك يلق آثاماً ) (2) ، وقوله ا يضاً : ( الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) (3) ، قوله ايضاً : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (4) وقد اشار الفقهاء الى ان من استحل هذا اللون من الانحراف الاخلاقي ، من غير شبهة تدرأ الحد ، فقد تلبس بالكفر ، ومن فعله متهاوناً ومستخفاً فقد ادان نفسه بالفسق والفجور ، واتفقوا على ان المجب لحد الزنا هو ( ايلاج الانسان ذكره في فرج امرأة محرمة ، من غير عقد ولا ملك ولا شبهة ، و يشترط في تعلق الحد ، العلم بالتحريم والاختيار ، والبلوغ ، وفي تعلق الرجم ـ مضافاً الى ذلك ـ

**************************************************************
(1) الاسراء : 32 .
(2) الفرقان : 68 .
(3) النور : 3 .
(4) النور : 2 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 123 ـ

  الاحصان ) (1) .
  أ ـ شروط الحد :
  ولا يتحقق مفهوم الزنى الموجب للحد الا بتوفر الشروط الشرعية وهي :
  1 ـ البلوغ والعقل ، للنص النبوي الشريف : ( رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ، والنائم حتى يستيقظ ) (2) ولكن يعزر غير البالغ اذا زنى ، لقوله (ع) عندما سئل عن غلام لم يدرك عشر سنين زنى بامرأة ؟ : ( يجلد الغلام دون الحد ، و تجلد المرأة الحد كاملاً ، قيل : فان كانت محصنة : ؟ اجاب (ع) : لا ترجم ، لان الذي نكحها ليس بمدرك ، لو كان مدركاً رجمت ) (3) اما المجنون فلا حد عليه .
  2 ـ ادخال الحشفة ، بدليل النص : ( اذا التقى الختانان ، وجب المهر والعدة والغسل ) (4) .
  3 ـ العلم ، وهو ان يقوم بالانحراف ، هو عالم بالحكم والموضوع ، أما اذا كان جاهلا بهما فلا يقام عليه الحد لقاعدة : ( اداروا الحدود بالشبهات ) ، فاذا عقد على اخته من الرضاع ، وهو جاهل بالحكم او الموضوع ، يسقط عنه الحد ، لقول الامام الصادق (ع) : ( لو ان رجلاً دخل في الاسلام واقربه ، ثم شرب الخمر ، وزنى ، وأكل الربا ، ولم يتبين له شيء من الحلال والحرام لم أقم عليه

**************************************************************
(1) شرائع الاسلام ج 4 ص 149 .
(2) سفينة البحار ج 1 ص 530 .
(3) علل الشرائع ج 2 ص 221 .
(4) الكافي ج 2 ص 114 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 124 ـ

  الحد اذا كان جاهلاً ، الا ان تقوم عليه البينة انه قرأ السورة التي فيها الزنى والخمر وأكل الربا ، واذا جهل ذلك اعلمته واخبرته ، فان ركبه بعد ذلك جلدته ، اقمت عليه الحد ) (1) بل ان كل من يدعي الاشتباه والجهل يقبل منه دون بينة استناداً الى القاعدة السابقة ، وعليه ، فان الحد يسقط في كل موضع يتوهم فيه الحل ، بمعنى انه ( يشترط في تعلق الحد بالزاني والزانية العلم بالتحريم عليه حين الفعل او ما يقوم مقامه من الاجتهاد والتقليد ، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه فضلاً عن محكيه ، مضافاً الى الاصل وخبر درء الحد بالشبهة وغير ذلك ) (2) .
  4 ـ الاختيار ، فاذا أكرهت على الزنى سقط عنها الحد باجماع الفقهاء ، لقول الرسول (ص) : ( رفع عن امتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) (3) ، وقول الامام (ع) : ( ليس على المستكرهة حد اذا قالت : انما استكرهت ) (4) وفي احدى الروايات ، ان امرأة جيء بها الى علي أمير المؤمنين (ع) مع رجل كان قد فجر بها ، فقالت : استكرهني والله يا أمير المؤمنين ، فدرأ عنها الحد (5) .
  ب : طرق الاثبات :
  ويثبت الزنا الموجب للحد بالطرق التالية

**************************************************************
(1) من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 39 .
(2) الجواهر ج 41 ص 261 .
(3) الخصال ج 2 ص 184 .
(4) التهذيب ج 10 ص 18 .
(5) الكافي ج 7 ص 196 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 125 ـ

  1 ـ اقرار الزانية او الزاني اربع مرات ، لقول الامام (ع) : ( لا يرجم الزاني ، حتى يقر اربع مرات بالزنا اذا لم يكن شهود ، فان رجع ترك ، ولم يرجم ) (1) ، بشرط ان يكون المقر بالغاً ، عاقلاً ، مختاراً .
  واذا أقر على نفسه بما يوجب الرجم ثم انكر ورجع عن اقراره سقط الرجم ، و ( الاجماع ( على ذلك ) مضافاً الى النصوص المعتبرة المستفيضة التي منها قول الامام (ع) في حسنة محمد بن مسلم : من أقر على نفسه اقمت عليه ( الحد ) الا الرجم ، فانه اذا أقر على نفسه ، ثم جحد لم يرجم )(2) اما اذا اقر على نفسه بما يوجب الجلد ، ثم انكر ورجع عن اقراره لم يسقط الحد ، لقاعدة ( عدم سماع الانكار بعد الاقرار ) .
  ولكن اذا تاب بعد الاقرار ، فللحاكم الشرعي الخيار بين اقامة الحد والعفو عنه ، فقد جاء رجل الى أمير المؤمنين علي (ع) ، فاقر بالسرقة ، فقال له : ( أتقرأ شيئاً من القرآن ؟ قال : نعم ، سورة البقرة ، قال : قد وهبت يدك لسورة البقرة ، فقال الاشعث : اتعطل حداً من حدود الله ؟ فقال له الامام : وما يدريك ما هذا ؟ اذا قامت البينة فليس للامام ان يعفو ، اذا اقر الرجل على نفسه فذاك الى الامام ان شاء عفا ، ووان شاء قطع ) .
  2 ـ شهادة اربعة شهود عدول ، سواء كان الزنا موجباً للرجم ، او للجلد ، لقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) .

**************************************************************
(1) الكافي ج 7 ص 219 .
(2) الجواهر ج 41 ص 291 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 126 ـ

  إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (1) .
  وقول أمير المؤمنين (ع) في ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا ، فقال : اين الرابع ؟ قالوا : الآن يجيء ، فقال : ( حدوا الشهود ، فليس في الحدود نظر ساعة ) (2) ، وقول الامام الصادق (ع) : ( حد الرجم ان يشهد اربعة انهم رأوه يدخل ويخرج ) (3) .
  ومن الطبيعي ان يتوارد الشهود الأربعة على المشهود به من الناحية الواقعية ، بمعنى انه لابد من اتفاقهم على المشهود به زماناً ومكاناً وفعلاً ، فاذا نقص عدد الشهود ، او اختلفوا في التفصيل حد الشهود على القذف .
  3 ـ شهادة ثلاثة رجال وامرأتين في الزنا ، الموجب للرجم والجلد فـ ( لا يكفي في البينة اقل من اربعة رجال ، او ثلاثة وامرأتين ) (4) ، لقول الامام الصادق (ع) عندما سئل عن رجل فجر بامرأة ، فشهد عليه ثلاثة رجال وامرأتان ؟ ( وجب عليه الرجم ، وان شهد عليه رجلان واربع نسوة فلا تجوز شهادتهم ولا يرجم ، ولكن يضرب حد الزاني ) (5) .
  4 ـ شهادة رجلين واربع نسوة ، للزنا الموجب للجلد فقط دون الرجم .
  وقد روي ان امرأة حامل اتت امير المؤمين (ع) ، فقالت : اني زنيت فطهرني طهرك الله فان عذاب الدنيا ايسر من عذاب الآخرة الذي لا ينقطع ، فقال لها : مم اطهرك ؟ فقالت : اني زنيت ، فقال لها : او ذات بعل انت أم غير

**************************************************************
(1) النور : 4 ـ 5 .
(2) من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 24 .
(3) الكافي ج 7 ص 183 .
(4) المختصر النافع للمحقق الحلي ص 293 .
(5) من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 16 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 127 ـ

  ذلك ؟ فقالت : بل ذات بعل ، فقال لها : افحاضر كان بعلك اذ فعلت ما فعلت ام غائباً كان عنك ؟ قالت : بل حاضراً فقال لها : انطلقي فضعي ما في بطنك ثم اتيني اطهرك ، فعل ذلك اربعاً ، والمرأة تذهب وترجع وتقول له طهرني ، الى أن قال : اللهم انه قد ثبت لك عليها اربع شهادات ، وانك قلت لنبيك (ص) فيما اخبرته به من دينك : يا محمد من عطل حداً من حدودي فقد عاندني وطلب بذلك مضادتي ، اللهم فاني غير معطل حدودك ، ولا طالب مضادتك ولا مضيع لاحكامك ، بل مطيع لك ومتبع سنة نبيك (ص) ... الى آخر الرواية حيث امر باقامة الحد عليها (1) .
  5 ـ علم الحاكم ، حيث يحق للحاكم الشرعي اقامة الحد على المنحرفين اذا قبض عليهما بالجرم المشهود ، لان حكم الحاكم بعلمه ( أقوى من البينة ، وحينئذ فيجب على الحاكم اقامة حدود الله تعالى بعلمه كحد الزنى لان المطالب به والمستوفي له ، واما حقوق الناس فتقف اقامتها على المطالبة حداً كان او تعزيراً ، كما يرشد اليه خبر الحسين بن خالد عن ابي عبد الله (ع) سمعته يقول : الواجب على الامام اذا نظر الى رجل يزني او يشرب الخمر ان يقيم عليه الحد ، ولا يحتاج الى بينة مع نظره ، لأنه أمين الله في خلقه ، واذا نظر الى رجل يسرق فالواجب عليه أن يزجره وينهاه ويمضي ويدعه ، قلت : كيف ذلك ؟ قال : لأن الحق اذا كان لله فالواجب على الامام اقامته، واذا كان للناس فهو للناس ) (2) .

**************************************************************
(1) الكافي ج 7 ص 185 .
(2) الجواهر ج 41 ص 366 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 128 ـ

  ج ـ صورة الرجم والجلد :
  1 ـ في صورة الرجم : يتم تغسيل المنحرف وتحنيطه والباسه الكفن ، ثم تحفر له حفرة ، فاذا كان رجلاً وضع فيها الى حقويه ، واذا كانت امرأة وضعت فيها الى صدرها ، ثم يرمي الناس بالاحجار على الزاني او الزانية ، للنص الشريف : ( تدفن المرأة الى وسطها ، ثم يرمي الامام ، ويرمي الناس باحجار صغار ، ولا يدفن الرجل اذا رجم الا الى حقويه ) (1) ثم يصلى عليه او عليها صلاة الميت .
  2 ـ في صورة الجلد : يجلد الرجل ، وهو واقف بعد أن يجرد من ثيابه ، فيما اذا وجد عارياً حين الزنا ، والا فلا ، اما المرأة فتجلد وهي جالسة بكامل ثيابها ، وينبغي اتقاء الوجه والفرج عند الضرب ، كما ورد في قوله (ع) : ( يضرب الرجل الحد قائماً ، والمرأة قاعدة ويضرب كل عضو ويتكرك الرأس والمذاكير ) (2) ، وقوله ايضاً ( يفرق الحد على الجسد كله ، ويتقي الفرج والوجه ، ويضرب بين الضربين ) (3) .
  د ـ في بعض موارد الزنا :
  1 ـ اذا اكره المنحرف ، امرأة على الزنا وجب قتله ، محصناً ، كان او غير محصن ، بالاجماع والنص ، فقد سئل الامام الباقر (ع) عن رجل اغتصب امرأة فرجها ؟ قال : ( يقتل محصناً كان او غير محصن ) (4) .

**************************************************************
(1) الكافي ج 7 ص 184 .
(2) الكافي ج 7 ص 183 .
(3) التهذيب ج 10 ص 31 .
(4) الكافي ج 7 ص 189 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 129 ـ

  2 ـ واذا زنى بذات محرم نسباً ، كالام والبنت والاخت وبنت الاخ وبنت الاخت والعمة والخالة ، وجب قتله بالاجماع ، وقد ورد ما يؤيد ذلك نصاً ، كقول الامام الصادق (ع) : ( من أتى ذات محرم ضرب ضربة بالسيف اخذت منه ما أخذت ) (1) .
  3 ـ ويرجم المحصن او المحصنة بعد ان يثبت منهما الزنا ، والمراد بالاحصان ، هو ان يكون الفرد البالغ العاقل متزوجاً بعقد دائم ، متهيأ له الوطء متى شاء ، فاذا لم يكن ذلك ممكناً لا يترتب عليه حكم الاحصان ، كما ورد في الرولاية عن معنى المحصن ) (2) ، وقوله (ع) ايضاً : ( لا يكون محصناً حتى يكون عنده امرأة يغلق عليها بابه ) (3) والمطلقة الرجعية حكمها حكم الزوجة ما دامت في العدة ، و ( ان كان ( الزاني المحصن ) شيخاً او شيخة جلد ، ثم رجم ، بلا خلاف محقق معتدبه ، بل الاجماع عليه ، لرواية عبد الله بن طلحة عن الامام (ع) : اذا زنى الشيخ والعجوز جلدا ، ثم رجما عقوبة لهما ، واذا زنى النصف من الرجال ( الصغير ) رجم ولم يجلد اذا كان احصن ، واذا زنى الشاب الحدث السن جلد ، ونفي سنة من مصره ، ونحوها رواية عبد الله بن سنان مضافاً الى اطلاق خبر أبي بصير المنزل على ذلك : ( الرجم حد الله الاكبر ، والجلد حد الله الاصغر ) ، فاذا زنى الرجل المحصن رجم ، ولم يجلد ) (4) .
  4 ـ لا تحد الحامل ، رجماً ولا جلداً حتى تضع الحمل وترضعه ان لم يكن له

**************************************************************
(1) التهذيب ج 10 ص 23 .
(2) الكافي ج 7 ص 179 .
(3) الاستبصار ج 4 ص 204 .
(4) الجواهر ج 41 ص 319 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 130 ـ

  مرضعة ، كما جاء في الحديث النبوي الشريف ، انه (ص) قال لها : ( حتى تضعي ما في بطنك ، فلما ولدت قال لها : اذهبي ، فارضعيه ) .
  5 ـ يجب حضور الشهود والحاكم الذي حكم بالرجم ، فاذا ( ثبت الرجم بالبينة ، فاول من يبدأ بالرجم الشهود ثم الامام ثم الناس ، وان ثبت باعترافه بدأ برجمه الامام ثم الناس ) (1) .
  6 ـ يقتل غير المحصن المصر على الزنى في المرة الرابعة ، فاذا جلد مائة جلدة في الاولى ، ثم عاد ثانية وجلد ، ثم عاد وجلد ، يقتل في الرابعة ، و ( هذا هو المشهور ، بل عن صاحب الانتصار والغنية الاجماع عليه ، لموثق ابي بصير عن ابي عبد الله (ع) : الزاني اذا زنى يجلد ثلاثاً ، ويقتل في الرابعة ) (2) .
  7 ـ اذا زنى غير المسلم بامرأة غير مسلمة ، يكون الحاكم الشرعي مخيرا بين الحكم عليهما بشرع الاسلام ، او الاعراض عنهما وتسليمهما الى اهل ملتهما ، لقوله تعالى : ( فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) (3) .
  8 ـ ورد في بعض الروايا ان النظام الاجتماعي والسياسي ، المتمثل بالامام مسؤول عن معالجة ظاهرة الزنا ، وذلك بتزويج الزانية رجلاً يمنعها من ارتكاب هذا اللون من الانحراف ، فقد ورد في قول الامام الباقر (ع) ( ان علياً

**************************************************************
(1) المبسوط للشيخ الطوسي ج 8 ص 4 .
(2) الجواهر ج 41 ص 331 .
(3) المائدة : 42 .

الإنحِرافُ الإجتِماعِيُ وأساليب العلاج   ـ 131 ـ

  أمير المؤمنين (ع) قضى في امرأة زنت وشردت ان يربطها امام المسلمين بالزوج ، كما يربط البعير الشارد بالعقال ) (1) .
  9 ـ ولا شك ان الاسلام لم يغلق ابواب الاصلاح والتوبة ، خصوصاً اذا جاءت بمبادرة الفرد المنحرف نفسه ، بل وضع للمنحرفين ، اساليب شخصية عديدة للخروج من دائرة الانحراف الاخلاقي ، ومن ذلك الاستتار والتوبة الخالصة ، كما ورد عن رسول الله (ص) قوله : ( من اتى من هذه القاذورات شيئاً فاستتر ستره الله ، وان من أبدى صفته اقمنا عليه الحد ) (2) ، وقول أمير المؤمنين (ع) : ( أيعجز احدكم اذا قارف هذه السيئة ان يستر على نفسه ، كما ستر الله عليه ) (3) ، وقوله (ع) للرجل الذي اقر عنده اربعاً : ( ما اقبح بالرجل منكم أن يأتي بعض هذه الفواحش ، فيفضح نفسه على رؤوس الملأ ، أفلا تاب في بيته ؟ فوالله لتوبته فيما بينه وبين الله افضل من اقامتي عليه الحد ) (4) .
  يترتب على توبة المذنب قبل قيام البينة عليه ، سقوط الحد رجماً كان او جلداً ، اما اذا قامت عليه البينة ثم تاب فلا يسقط عنه الحد ، واذا اقر بالذنب ، ثم تاب ، فللامام الخيرا ان شاء عفا ، وان شا عقاب .
  وعليه ، فانه يمكننا تقسيم حدود الزنى ، الى الاقسام التالية : الاول : القتل ، وهي عقوبة من زنى بذات محرم للنسب كالام والبنت والاخت وشبهها وكذلك من زنى بامرأة ابيه ، ويقتل من زنى بامرأة مكرها

**************************************************************
(1) التهذيب ج 10 ص 154 .
(2) سنن البيهقي ج 8 ص 330 .
(3) من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 21 .
(4) الكافي ج 7 ص 188 .