فـضة قـد خلقت من ذهب      فـأنا الـفضة وابن الذهبين
من له جد كجدي في iiالورى      أو  كشيخي فإنا ابن القمرين
فـاطم الـزهراء أمي iiوأبي      قـاصم الـكفر ببدر iiوحنين
عروة  الدين علي المرتضى      هادم الجيش مصلي iiالقبلتين
ولـه فـي يـوم أحد iiوقعة      شفت الغل بقبض iiالعسكرين
ثـم بـالأحزاب والفتح iiمعا      كان فيها حتف أهل iiالقبلتين
فـي سبيل الله ماذا iiصنعت      أمـة الـسوء معا بالعترتين
عترة  البر التقي iiالمصطفى      وعـلى القرم يوم iiالجحفلين
عـبـد  الله غـلاما يـافعا      وقـريش يـعبدون iiالوثنين
وقـلى الأوثان لم يسجد iiلها      مع قريش لا ولا طرفة عين
طـعن الأبـطال لما iiبرزوا      يـوم  بـدر وتبوك iiوحنين

  ثم تقدم الحسين ( عليه السلام ) حتى وقف قبالة القوم وسيفه مصلت في يده آيسا من نفسه ، عازما على الموت، وهو يقول :
أنـا ابـن علي الطهر من آل iiهاشم      كـفاني بـهذا مـفخرا حـين iiأفخر
وجـدي رسـول الله أكرم من iiمشى      ونـحن  سراج الله في الخلق iiنزهر
وفـاطم  أمـي مـن سـلالة iiأحمد      وعـمي يـدعى ذو الجناحين iiجعفر
وفـينا  كـتاب الله أنـزل iiصـادقا      وفـينا  الهدى والوحي بالخير iiتذكر
ونـحـن أمـان الله لـلناس كـلهم      نـطول بـهذا فـي الأنـام iiونجهر
ونـحـن حـماة الـحوض نـسقي      ولاتنا بكأس رسول الله ما ليس ينكر
وشـيعتنا فـي الـحشر أكرم iiشيعة      ومـبغضنا  يـوم الـقيامة iiيـخسر

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 27 _

  عن زيد بن موسى بن جعفر (1) عن أبيه عن آبائه( عليهم السلام ) قال :
  خطبت فاطمة الصغرى ( عليها السلام ) بعد أن ردت من كربلا فقالت :
  الحمد لله عدد الرمل والحصى ، وزنة العرش إلى الثرى ، أحمده وأومن به وأتوكل عليه ، وأشهد : أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن أولاده ذبحوا بشط الفرات من غير دخل ولا تراث ، اللهم إني أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب ، وأن أقول خلاف ما أنزلت عليه من أخذ العهود لوصيه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، المسلوب حقه ، المقتول من غير ذنب ، كما قتل ولده بالأمس في بيت من بيوت الله، وبها معشر مسلمة بألسنتهم ، تعسا لرؤوسهم !
  ما دفعت عنه ضيما في حياته ولا عند مماته ، حتى قبضته إليك محمود النقيبة ، طيب الضريبة ، معروف المناقب ، مشهور المذاهب ، لم تأخذه فيك لومة لائم ، ولا عذل عاذل ، هديته يا رب للإسلام صغيرا ، وحمدت مناقبه كبيرا ، ولم يزل ناصحا لك ولرسولك ( صلى الله عليه وآله وسلم ) صلواتك عليه وآله حتى قبضته إليك ، زاهدا في الدنيا غير حريص عليها ، راغبا في الآخرة مجاهدا لك في سبيلك، رضيته فاخترته ، وهديته إلى طريق مستقيم .
  أما بعد يا أهل الكوفة! يا أهل المكر والغدر والخيلاء ، أنا أهل بيت ابتلانا الله بكم ، وابتلاكم بنا ، فجعل بلائنا حسنا ، وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا ، فنحن عيبة علمه ، ووعاء فهمه وحكمته ، وحجته في الأرض في بلاده لعباده ، أكرمنا الله بكرامته ، وفضلنا بنبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على كثير من خلقه تفضيلا ، فكذبتمونا ، وكفرتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالا ، وأموالنا نهبا ، كأنا أولاد الترك أو كابل،

---------------------------
(1) زيد بن موسى بن جعفر ( عليه السلام ) ـ وهو لأم ولد ـ عقد له محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) أيام أبي السرايا على الأهواز ، ولما دخل البصرة وغلب عليها أحرق دور بني العباس وأضرم النار في نخيلهم وجميع أسبابهم فقيل له : زيد النار ، عمدة الطالب ص 221

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 28 _

  كما قتلتم جدنا بالأمس ، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدم ، قرت بذلك عيونكم ، وفرحت به قلوبكم ، اجتراءا منكم على الله، ومكرا مكرتم والله خير الماكرين ، فلا تدعونكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا (1) ونالت أيديكم من أموالنا ، فإن ما أصابنا من المصائب الجليلة ، والرزايا العظيمة في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور .
  تبا لكم! فانتظروا اللعنة والعذاب ، فكأن قد حل بكم، وتواترت من السماء نقمات فيسحتكم بما كسبتم (2) ويذيق بعضكم بأس بعض ، ثم تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا ، ألا لعنة الله على الظالمين ، ويلكم أتدرون أية يد طاعنتنا منكم ، أو أية نفس نزعت إلى قتالنا ، أم بأية رجل مشيتم إلينا ، تبغون محاربتنا ؟ قست قلوبكم ، وغلظت أكبادكم ، وطبع على أفئدتكم ، وختم على سمعكم وبصركم ، وسول لكم الشيطان وأملى لكم وجعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون .
  تبا لكم يا أهل الكوفة ! كم تراث لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبلكم ، وذحوله لديكم ، ثم غدرتم بأخيه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) جدي ، وبنيه عترة النبي الطيبين الأخيار ، وافتخر بذلك مفتخر فقال :
  ( نحن قتلنا عليا وبني علي بسيوف هندية ورماح ، وسبينا نساؤهم سبي ترك ونطحناهم فأي نطاح ) .
  فقالت : بفيك أيها القائل الكثكث (3) ولك الأثلب (4) افتخرت بقتل قوم زكاهم الله وطهرهم، وأذهب عنهم الرجس ، فاكظم واقع كما أقعى أبوك ، وإنما لكل امرء ما قدمت يداه ، حسدتمونا ويلا لكم على ما فضلنا الله.

---------------------------
(1) الجذل : الفرح
(2) يسحتكم : يستأصلكم
(3) الكثكث : دقاق التراب
(4) الأثلب : دقاق الحجر

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 29 _

فـما ذنـبنا أن جـاش دهر iiبحورنا      وبحرك ساج لا يواري الدعامصا (1)

  ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور .
  قال : فارتفعت الأصوات بالبكاء وقالوا : حسبك يا بنت الطيبين ! فقد أحرقت قلوبنا ، وأنضجت نحورنا ، وأضرمت أجوافنا ، فسكتت عليها وعلى أبيها وجدها السلام خطبة زينب بنت علي بن أبي طالب بحضرة أهل الكوفة في ذلك اليوم تقريعا لهم وتأنيبا .
  عن حذيم بن شريك الأسدي (2) قال لما أتى علي بن الحسين زين العابدين بالنسوة من كربلاء ، وكان مريضا، وإذا نساء أهل الكوفة ينتدبن مشققات الجيوب ، والرجال معهن يبكون .
  فقال زين العابدين ( عليه السلام ) ـ بصوت ضئيل وقد نهكته العلة ـ : إن هؤلاء يبكون علينا فمن قتلنا غيرهم ، فأومت زينب بنت علي بن أبي طالب عليهما السلام إلى الناس بالسكوت ، قال حذيم الأسدي : لم أر والله خفرة قط أنطق منها ، كأنها تنطق وتفرغ على لسان علي ( عليه السلام ) ، وقد أشارت إلى الناس بأن انصتوا فارتدت الأنفاس وسكنت الأجراس ، ثم قالت ـ بعد حمد الله تعالى والصلاة على رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل الختل (3) والغدر ، والخذل !! ألا فلا رقأت العبرة (4) ولا هدأت الزفرة ، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد

---------------------------
(1) الدعامص ـ جمع دعموص ـ وهو : دويبة صغيرة تكون في مستنقع الماء ، والبيت للأعشى .
(2) حذيم بن شريك الأسدي : عده الشيخ في رجاله ص 88 من أصحاب الإمام علي بن الحسين ( عليه السلام ) .
(3) الختل : الخداع .
(4) رقأت : جفت .

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 30 _

  قوة أنكاثا (1) تتخذون أيمانكم دخلا بينكم (2) هل فيكم إلا الصلف (3) والعجب ، والشنف (4) والكذب ، وملق الإماء وغمز الأعداء (5) أو كمرعى على دمنة (6) أو كفضة على ملحودة (7) ألا بئس ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون ، أتبكون أخي ؟! أجل والله فابكوا فإنكم أحرى بالبكاء فابكوا كثيرا ، واضحكوا قليلا ، فقد أبليتم بعارها ، ومنيتم بشنارها (8) ولن ترحضوا أبدا (9) وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة ، وسيد شباب أهل الجنة ، وملاذ حربكم ، ومعاذ حزبكم ومقر سلمكم ، واسى كلمكم (10) ومفزع نازلتكم ، والمرجع إليه عند مقاتلتكم ومدرة حججكم (11) ومنار محجتكم ، ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم، وساء ما تزرون ليوم بعثكم ، فتعسا تعسا ! ونكسا نكسا ! لقد خاب السعي، وتبت الأيدي، وخسرت الصفة ، وبؤتم بغضب من الله، وضربت عليكم الذلة والمسكنة ، أتدرون ويلكم أي كبد لمحمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فرثتم ؟! وأي عهد نكثتم ؟! وأي كريمة له أبرزتم ؟! وأي حرمة له هتكتم ؟! وأي دم له سفكتم ؟! لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا! لقد جئتم بها شوهاء صلعاء ، عنقاء ، سوداء ، فقماء خرقاء (12) كطلاع الأرض، أو ملأ السماء (13)

---------------------------
(1) أي : حلته وأفسدته بعد إبرام .
(2) أي : خيانة وخديعة .
(3) الصلف : الذي يمتدح بما ليس عنده .
(4) الشنف : البعض بغير حق .
(5) الغمز : الطعن والعيب .
(6) الدمنة: المزبلة.
(7) الفضة : الجص ، والملحودة : القبر .
(8) الشنار : العار .
(9) أي لن تغسلوها .
(10) أي : دواء جرحكم .
(11) المدرة زعيم القوم ولسانهم المتكلم عنهم .
(12) الشوهاء : القبيحة ، والفقهاء إذا كانت ثناياها العليا إلى الخارج فلا تقع على السفلى ، والخرقاء : الحمقاء .
(13) طلاع الأرض: ملؤها .

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 31 _

  أفعجبتم أن تمطر السماء دما ، ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون ، فلا يستخفنكم المهل ، فإنه عز وجل لا يحفزه البدار (1) ولا يخشى عليه فوت الثار ، كلا إن ربك لنا ولهم لبالمرصاد ، ثم أنشأت تقول ( عليها السلام ) :
مـاذا  تـقولون إذ قال النبي iiلكم      مـاذا صـنعتم وأنـتم آخر iiالأمم
بـأهل بـيتي وأولادي iiوتكرمتي      مـنهم أسارى ومنهم ضرجوا iiبدم
ما كان ذاك جزائي إذ نصحت لكم      أن  تخلفوني بسوء في ذوي iiرحم
إنـي  لأخشى عليكم أن يحل iiبكم      مثل  العذاب الذي أودى على iiارم

  ثم ولت عنهم .
  قال حذيم : فرأيت الناس حيارى قد ردوا أيديهم في أفواههم ، فالتفت إلي شيخ في جانبي يبكي وقد اخضلت لحيته بالبكاء ، ويده مرفوعة إلى السماء ، وهو يقول : بأبي وأمي كهولهم خير كهول ، ونساؤهم خير نساء ، وشبابهم خير شباب ونسلهم نسل كريم ، وفضلهم فضل عظيم ، ثم أنشد :
كـهولكم  خير الكهول iiونسلكم      إذا عد نسل لا يبور ولا يخزى

  فقال علي بن الحسين ( عليه السلام ) يا عمة اسكتي ففي الباقي من الماضي اعتبار ، وأنت بحمد الله عالمة غير معلمة ، فهمة غير مفهمة ، إن البكاء والحنين لا يردان من قد أباده الدهر ، فسكتت ، ثم نزل ( عليه السلام ) وضرب فسطاطه ، وأنزل نسائه ودخل الفسطاط .

احتجاج علي بن الحسين ( عليهما السلام ) على أهل الكوفة حين خرج من الفسطاط وتوبيخه إياهم على غدرهم ونكثهم

  قال حذيم بن شريك الأسدي : خرج زين العابدين ( عليه السلام ) إلى الناس وأومئ إليهم أن اسكتوا فسكتوا ، وهو قائم ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على نبيه ، ثم قال :

---------------------------
(1) يحفزه : يدفعه ...

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 32 _

  أيها الناس من عرفني فقد عرفني ! ومن لم يعرفني فأنا علي بن الحسين ، المذبوح بشط الفرات من غير دخل ولا تراث ، أنا ابن من انتهك حريمه ، وسلب نعيمه ، وانتهب ماله ، وسبي عياله ، أنا ابن من قتل صبرا ، فكفى بذلك فخرا .
  أيها الناس ناشدتكم بالله هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه ، وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة ؟ قاتلتموه وخذلتموه فتبا لكم ما قدمتم لأنفسكم وسوء لرأيكم ، بأية عين تنظرون إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )، يقول لكم : قتلتم عترتي ، وانتهكتم حرمتي ، فلستم من أمتي.
  قال : فارتفعت أصوات الناس بالبكاء ، ويدعو بعضهم بعضا : هلكتم وما تعلمون .
  فقال علي بن الحسين، رحم الله امرءا قبل نصيحتي ، وحفظ وصيتي في الله وفي رسوله ، وفي أهل بيته ، فإن لنا في رسول الله أسوة حسنة .
  فقالوا بأجمعهم ؟ نحن كلنا يا بن رسول الله سامعون مطيعون حافظون لذمامك ، غير زاهدين فيك ، ولا راغبين عنك ، فمرنا بأمرك رحمك الله فإنا حرب لحربك ، سلم لسلمك ، لنأخذن ترتك وترتنا ، عمن ظلمك وظلمنا .
  فقال علي بن الحسين ( عليه السلام ) : هيهات هيهات !! أيها الغدرة المكرة ، حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم ، أتريدون أن تأتوا إلي كما أتيتم إلى آبائي من قبل كلا ورب الراقصات إلى منى ، فإن الجرح لما يندمل !! قتل أبي بالأمس ، وأهل بيته معه ، فلم ينسني ثكل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وثكل أبي وبني أبي و جدي شق لهازمي ، ومرارته بين حناجري وحلقي ، وغصصه تجري في فراش صدري .
  و مسألتي أن لا تكونوا لنا ولا علينا :
  ثم قال ( عليه السلام ) :
لا غرو أن قتل الحسين وشيخه      قد كان خيرا من حسين iiوأكرما
فلا  تفرحوا يا أهل كوفة iiبالذي      أصيب  حسين كان ذلك iiأعظما
قـتيل  بشط النهر نفسي iiفداؤه      جـزاء الـذي أرداه نار جهنما

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 33 _

إحتجاجه ( عليه السلام ) بالشام على بعض أهلها حين قدم به وبمن معه على يزيد لعنه الله
.
  وعن ديلم بن عمر قال : كنت بالشام حين أتي بسبايا آل محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فأقيموا على باب المسجد حيث تقام السبايا ، وفيهم علي بن الحسين ، فأتاهم شيخ من أشياخ أهل الشام فقال :
  الحمد لله الذي قتلكم ، وأهلككم ، وقطع قرون الفتنة ، فلم يأل عن سبهم وشتمهم ، فلما انقضى كلامه .
  قال له علي بن الحسين ( عليه السلام ) : إني قد أنصت لك حتى فرغت من منطقك ، وأظهرت ما في نفسك من العداوة والبغضاء ، فانصت لي كما أنصت لك .
  فقال له : هات .
  قال علي ( عليه السلام ) : أما قرأت كتاب الله عز وجل ؟
  قال : نعم .
  فقال ( عليه السلام ) له : أما قرأت هذه الآية (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) .
  قال : بلى .
  فقال ( عليه السلام ) : نحن أولئك فهل تجد لنا في سورة بني إسرائيل حقا خاصة دون المسلمين ؟
  فقال : لا .
  فقال : أما قرأت هذه الآية ؟ وآت ذا القربى حقه ؟
  قال : نعم .
  قال علي ( عليه السلام ) : فنحن أولئك الذين أمر الله نبيه أن يؤتيهم حقهم .
  فقال الشامي : إنكم لأنتم هم ؟
  فقال علي ( عليه السلام ) : نعم ، فهل قرأت هذه الآية واعلموا إنما غنمتم من شئ

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 34 _

  فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ؟
  فقال له الشامي : بلى .
  فقال علي ( عليه السلام ) : فنحن ذو القربى ، فهل تجد لنا في سورة الأحزاب حقا خاصة دون المسلمين ؟
  فقال : لا .
  قال علي بن الحسين ( عليه السلام ) : أما قرأت هذه الآية : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ؟
  قال : فرفع الشامي يده إلى السماء ثم قال :
  اللهم إني أتوب إليك ! ثلاث مرات ، اللهم إني أتوب إليك من عداوة آل محمد ، وأبرء إليك ممن قتل أهل بيت محمد ، ولقد قرأت القرآن منذ دهر فما شعرت بها قبل اليوم .

احتجاج زينب بنت علي بن أبي طالب حين رأت يزيد (لعنه الله) يضرب ثنايا الحسين ( عليه السلام ) بالمخصرة .

  روى شيخ صدوق من مشايخ بني هاشم وغيره من الناس : أنه لما دخل علي ابن الحسين ( عليه السلام ) وحرمه على يزيد ، وجيئ برأس الحسين ( عليه السلام ) ووضع بين يديه في طست ، فجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده ، وهو يقول :
لـعبت  هـاشم بـالملك iiفلا      خـبر  جـاء ولا وحي iiنزل
لـيت أشـياخي ببدر iiشهدوا      جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهـلـوا واسـتهلوا فـرحا      ولـقالوا  يـا يـزيد لا iiتشل
فـجـزيناه  بـبـدر مـثللا      وأقـمنا مـثل بـدر iiفاعتدل
لـست من خندف إن لم iiأنتقم      مـن بـني أحمد ما كان فعل

  قالوا : فلما رأت زينب ذلك فأهوت إلى حبيبها فشقت ، ثم نادت بصوت حزين تقرع القلوب ، يا حسيناه ! يا حبيب رسول الله! يا بن مكة ومنى ! يا بن فاطمة الزهراء سيدة النساء ! يا بن محمد المصطفى .

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 35 _

  قال : فأبكت والله كل من كان ، ويزيد ساكت ، ثم قامت على قدميها ، وأشرفت على المجلس، وشرعت في الخطبة ، إظهارا لكمالات محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وإعلانا بأنا نصبر لرضاء الله، لا لخوف ولا دهشة ، فقامت إليه زينب بنت علي وأمها فاطمة بنت رسول الله وقالت :
  الحمد لله رب العالمين ، والصلاة على جدي سيد المرسلين ، صدق الله سبحانه كذلك يقول : (ثم كان عاقبة الذين أساؤا السؤى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤن) أظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الأرض، وضيقت علينا آفاق السماء ، فأصبحنا لك في أسار، نساق إليك سوقا في قطار ، وأنت علينا ذو اقتدار أن بنا من الله هوانا وعليك منه كرامة وامتنانا ، وأن ذلك لعظم خطرك ، وجلالة قدرك ، فشمخت بأنفك ، ونظرت في عطفك (1) تضرب أصدريك فرحا (2) وتنقض مذرويك مرحا (3) حين رأيت الدنيا لك مستوسقة (4) والأمور لديك متسقة (5) وحين صفا لك ملكنا ، وخلص لك سلطاننا ، فمهلا مهلا لا تطش جهلا أنسيت قول الله عز وجل : ( ولا تحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خيرا لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين ) .
  أمن العدل يا بن الطلقاء ؟! تخديرك حرائرك وإمائك ، وسوقك بنات رسول الله سبايا ، قد هتكت ستورهن ، وأبديت وجوههن ، تحدوا بهن الأعداء من بلد إلى بلد ، وتستشرفهن المناقل (6) ويتبرزن لأهل المناهل (7) ويتصفح وجوههن القريب والبعيد ، والغائب والشهيد ، والشريف والوضيع ، والدني والرفيع ليس معهن من رجالهن ولي ، ولا من حماتهن حمي ، عتوا منك على الله (8) وجحودا لرسول الله، ودفعا لما جاء به من عند الله، ولا غرو منك ولا عجب من

---------------------------
(1) نظر في عطفه : أخذه العجب .
(2) الأصدران : عرقان تحت الصدغين
(3) المذروان : أطراف الإليتين .
(4) مستوسقة : مجتمعة .
(5) متسقة : مستوية .
(6) تستشرف : تنظر .
(7) المناهل : مواضع شرب الماء في الطريق .
(8) عتوا : عنادا .

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 36 _

  فعلك ، وأنى يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الشهداء ونبت لحمه بدماء السعداء ونصب الحرب لسيد الأنبياء ، وجمع الأحزاب ، وشهر الحراب ، وهز السيوف في وجه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أشد العرب جحودا ، وأنكرهم له رسولا ، وأظهرهم له عدوانا ، وأعتاهم على الرب كفرا وطغيانا ، ألا إنها نتيجة خلال الكفر، وصب يجرجر في الصدر لقتلى يوم بدر ، فلا يستبطئ في بغضنا أهل البيت من كان نظره إلينا شنفا وإحنا وأظغانا ، يظهر كفره برسول الله، ويفصح ذلك بلسانه ، وهو يقول : ـ فرحا بقتل ولده وسبي ذريته ، غير متحوب ولا مستعظم ـ .
  لأهلوا واستهلوا فرحا ولقالوا يا يزيد لا تسل منحنيا على ثنايا أبي عبد الله ـ وكان مقبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ ينكتها بمخصرته ، قد التمع السرور بوجهه ، لعمري لقد نكأت القرحة (1) واستأصلت الشأفة ، بإراقتك دم سيد شباب أهل الجنة ، وابن يعسوب الدين العرب ، وشمس آل عبد المطلب ، وهتفت بأشياخك ، وتقربت بدمه إلى الكفرة من أسلافك ، ثم صرخت بندائك ولعمري لقد ناديتهم لو شهدوك ! ووشيكا تشهدهم ، ولن يشهدوك ولتود يمينك كما زعمت شلت بك عن مرفقها وجدت ، وأحببت أمك لم تحملك وإياك لم يلد ، أو حين تصير إلى سخط الله ومخاصمك رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  اللهم خذ بحقنا ، وانتقم من ظالمنا ، واحلل غضبك على من سفك دمائنا ونقض ذمارنا ، وقتل حماتنا ، وهتك عنا سدولنا ، وفعلت فعلتك التي فعلت ، وما فريت إلا جلدك، وما جززت إلا لحمك ، وسترد على رسول الله بما تحملت من دم ذريته ، وانتهكت من حرمته ، وسفكت من دماء عترته ولحمته ، حيث يجمع به شملهم ، ويلم به شعثهم ، وينتقم من ظالمهم ، ويأخذ لهم بحقهم من أعدائهم فلا يستفزنك الفرح بقتلهم ، ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ، وحسبك بالله وليا وحاكما ، وبرسول الله خصما ، وبجبرئيل ظهيرا ، وسيعلم من بوأك ومكنك من رقاب المسلمين

---------------------------
(1) نكأت : قشرت قبل أن تبرأ

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 37 _

  أن بئس للظالمين بدلا ، وأيكم شر مكانا وأضل سبيلا ، وما استصغاري قدرك ، ولا استعظامي تقريعك (1) توهما لانتجاع الخطاب فيك (2) بعد أن تركت عيون المسلمين به عبرى ، وصدورهم عند ذكره حرا ، فتلك قلوب قاسية ، ونفوس طاغية ، وأجسام محشوة بسخط الله ولعنة الرسول ، قد عشش فيه الشيطان ، وفرخ ، ومن هناك مثلك ما درج ، فالعجب كل العجب لقتل الأتقياء ، وأسباط الأنبياء ، وسليل الأوصياء ، بأيدي الطلقاء الخبيثة ، ونسل العهرة الفجرة ، تنطف أكفهم من دمائنا (3) وتنحلب أفواههم من لحومنا (4) تلك الجثث الزاكية على الجيوب الضاحية ، تنتابها العواسل (5) وتعفرها أمهات الفواعل (6) فلئن اتخذتنا مغنما لتجد بنا وشيكا مغرما حين لا تجد إلا ما قدمت يداك ، وما الله بظلام للعبيد فإلى الله المشتكى والمعول ، وإليه الملجأ والمؤمل ، ثم كد كيدك ، واجهد جهدك فوالله الذي شرفنا بالوحي والكتاب ، والنبوة والانتخاب ، لا تدرك أمدنا ، ولا تبلغ غايتنا ، ولا تمحو ذكرنا ، ولا يرحض عنك عارنا ، وهل رأيك إلا فند ، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد ، يوم يناد المنادي ألا لعن الله الظالم العادي .
  والحمد لله الذي حكم لأوليائه بالسعادة ، وختم لأصفيائه بالشهادة ، ببلوغ الإرادة، نقلهم إلى الرحمة والرأفة ، والرضوان والمغفرة ، ولم يشق بهم غيرك ، ولا ابتلى بهم سواك ، ونسأله أن يكمل لهم الأجر ، ويجز لهم الثواب والذخر ، ونسأله حسن الخلافة ، وجميل الإنابة ، إنه رحيم ودود .
  فقال يزيد مجيبا لها :
يا  صيحة تحمد من iiصوايح      ما أهون الموت على النوائح

  ثم أمر بردهم ، وقيل : أن فاطمة بنت الحسين كانت وضيئة الوجه ، وكانت

---------------------------
(1) التقريع : التعنيف .
(2) الانتجاع : الانتفاع .
(3) تنطف : أي تقطر .
(4) تتحلب : تسيل .
(5) تنتابها العواسل : تأتي مرة بعد أخرى والعواسل : الذئاب .
(6) تعفرها : تمرغها في التراب ، والفواعل : أولاد الضباع .

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 38 _

  جالسة بين النساء ، فقام إلى يزيد رجل من أهل الشام أحمر فقال :
  يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية ! يعني : فاطمة بنت الحسين ، فأخذت بثياب عمتها زينب بنت علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فقالت :
  أوتم وأستخدم ؟!
  فقالت زينب للشامي : كذبت ولؤمت ، والله ما ذاك لك ولا له ، فغضب يزيد ثم قال :
  إن ذلك لي ولو شئت أن أفعل لفعلت .
  قالت زينب : كلا ، والله ما جعل الله ذلك لك ، إلا أن تخرج من ملتنا ، وتدين بغير ديننا .
  فقال يزيد : إنما خرج من الدين أبوك ، وأخوك .
  قالت زينب : بدين الله، ودين أبي ، ودين أخي ، اهتديت أنت إن كنت مسلما قال يزيد : كذبت يا عدوة الله.
  فقالت زينب : أنت أمير تشتم ظلما ، وتقهر بسلطانك .
  فكأنه استحيى فسكت فعاد الشامي فقال :
  يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية .
  فقال يزيد : أغرب وهب الله لك حتفا قاضيا احتجاج علي بن الحسين زين العابدين على يزيد بن معاوية لما أدخل عليه .
  روت ثقات الرواة وعدولهم أنه لما أدخل علي بن الحسين زين العابدين ( عليه السلام ) في جملة من حمل إلى الشام سبايا من أولاد الحسين بن علي ( عليه السلام ) وأهاليه على يزيد قال له :
  يا علي الحمد لله الذي قتل أباك !
  قال علي ( عليه السلام ) : قتل أبي الناس .
  قال يزيد : الحمد لله الذي قتله فكفانيه !

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 39 _

  قال علي ( عليه السلام ) : على من قتل أبي لعنة الله، أفتراني لعنت الله عز وجل ؟
  قال يزيد : يا علي إصعد المنبر فأعلم الناس حال الفتنة ، وما رزق الله أمير المؤمنين من الظفر !
  فقال علي بن الحسين : ما أعرفني بما تريد ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم قال :
  أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي، أنا ابن مكة ومنى ، أنا ابن المروة والصفا ، أنا ابن محمد المصطفى ، أنا ابن من لا يخفى ، أنا ابن من علا فاستعلا فجاز سدرة المنتهى فكان من ربه قاب قوسين أو أدنى.
  فضج أهل الشام بالبكاء حتى خشى يزيد أن يرحل من مقعده ، فقال ـ للمؤذن ـ : أذن فلما قال المؤذن : ( الله أكبر، الله أكبر ) جلس علي ابن الحسين على المنبر فقال أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، بكى علي بن الحسين ( عليه السلام ) ثم التفت إلى يزيد فقال :
  يا يزيد هذا أبي أم أبوك ؟
  قال : بل أبوك ، فانزل ، فنزل ( عليه السلام ) فأخذ بناحية باب المسجد ، فلقيه مكحول صاحب رسول الله ( عليه السلام ) فقال :
  كيف أمسيت يا بن رسول الله ؟
  قال أمسينا بينكم مثل بني إسرائيل في آل فرعون ، يذبحون أبنائهم ، ويستحيون نسائهم ، وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم .
  فلما انصرف يزيد إلى منزله ، دعى بعلي بن الحسين ( عليه السلام ) فقال :
  يا علي أتصارع ابني خالد ؟
  قال ( عليه السلام ) : وما تصنع بمصارعتي إياه ، أعطني سكينا واعطه سكينا فليقتل أقوانا أضعفنا ، فضمه يزيد إلى صدره ، ثم قال :
  لا تلد الحية إلا الحية ، أشهد أنك ابن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .
  ثم قال له علي بن الحسين ( عليه السلام ) : يا يزيد بلغني أنك تريد قتلي ، فإن كنت

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 40 _

  لا بد قاتلي ، فوجه مع هؤلاء النسوة من يؤديهن إلى حرم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  فقال له يزيد لعنه الله: لا يؤديهن غيرك ، لعن الله ابن مرجانة ، فوالله ما أمرته بقتل أبيك ، ولو كنت متوليا لقتاله ما قتلته ، ثم أحسن جائزته وحمله والنساء إلى المدينة .

إحتجاجه ( عليه السلام ) في أشياء شتى من علوم الدين وذكر طرف من مواعظه البليغة
.
  جاء رجل من أهل البصرة إلى علي بن الحسين ( عليه السلام ) فقال :
  يا علي بن الحسين إن جدك علي بن أبي طالب قتل المؤمنين ، فهملت عينا علي بن الحسين دموعا حتى امتلأت كفه منها ، ثم ضرب بها على الحصى ، ثم قال :
  يا أخا أهل البصرة لا والله ما قتل علي مؤمنا ، ولا قتل مسلما ، وما أسلم القوم ولكن استسلموا وكتموا الكفر وأظهروا الإسلام ، فلما وجدوا على الكفر أعوانا أظهروه، وقد علمت صاحبة الجدب والمستحفظون من آل محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن أصحاب الجمل وأصحاب صفين وأصحاب النهروان لعنوا على لسان النبي الأمي وقد خاب من افترى .
  فقال شيخ من أهل الكوفة : يا علي بن الحسين إن جدك كان يقول :
  ( إخواننا بغوا علينا ) .
  فقال علي بن الحسين ( عليه السلام ): أما تقرأ كتاب الله ( وإلى عاد أخاهم هودا ) فهم مثلهم أنجى الله عز وجل هودا والذين معه وأهلك عادا بالريح العقيم.
  وبالإسناد المقدم ذكره : أن علي بن الحسين ( عليه السلام ) كان يذكر حال من مسخهم الله قردة من بني إسرائيل ويحكي قصتهم ، فلما بلغ آخرها قال : إن الله تعالى مسخ أولئك القوم لإصطيادهم السمك ، فكيف ترى عند الله عز وجل يكون حال من قتل أولاد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وهتك حريمه ؟! إن الله تعالى وإن لم يمسخهم في الدنيا فإن المعد لهم من عذاب الآخرة أضعاف أضعاف عذاب المسخ .

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 41 _

  فقيل له : يا بن رسول الله فإنا قد سمعنا منك هذا الحديث ، فقال لنا بعض النصاب : فإن كان قتل الحسين باطلا فهو أعظم عند الله من صيد السمك في السبت ، أفما كان الله غضب على قاتليه كما غضب على صيادي السمك ؟
  قال علي بن الحسين ( عليه السلام ) : قل لهؤلاء النصاب فإن كان إبليس معاصيه أعظم من معاصي من كفر بإغوائه فأهلك الله من شاء منهم ، كقوم : نوح ، وفرعون ، ولم يهلك إبليس ، وهو أولى بالهلاك ، فما باله أهلك هؤلاء الذين قصروا عن إبليس في عمل الموبقات، وأمهل إبليس مع إيثاره لكشف المحرمات ، أما كان ربنا عز وجل حكيما تدبيره حكمة فيمن أهلك وفيمن استبقى ؟ فكذلك هؤلاء الصائدون في السبت ، وهؤلاء القاتلون للحسين ، يفعل في الفريقين ما يعلم أنه أولى بالصواب والحكمة ، لا يسأل عما يفعل وعباده يسألون .
  وقال الباقر ( عليه السلام ) : فلما حدث علي بن الحسين ( عليه السلام ) بهذا الحديث قال له بعض من في مجلسه : يا بن رسول الله كيف يعاتب الله ويوبخ هؤلاء الأخلاف على قبائح أتاها أسلافهم ـ وهو يقول : ( ولا تزروا وازرة وزر أخرى ) ؟
  فقال زين العابدين ( عليه السلام ): إن القرآن نزل بلغة العرب فهو يخاطب فيه أهل اللسان بلغتهم ، يقول الرجل التميمي ـ قد أغار قومه على بلد وقتلوا من فيه ـ :
  أغرتم على بلد كذا ، وفعلتم كذا ، ويقول العربي : نحن فعلنا ببني فلان ، ونحن سبينا آل فلان ، ونحن خربنا بلد كذا ، لا يريد أنهم باشروا ذلك ، ولكن يريد هؤلاء بالعذل وأولئك بالإفتخار : أن قومهم فعلوا كذا ، وقول الله عز وجل في هذه الآيات إنما هو توبيخ لأسلافهم ، وتوبيخ العذل على هؤلاء الموجودين ، لأن ذلك هو اللغة التي نزل بها القرآن ، والآن هؤلاء الأخلاف أيضا راضون بما فعل أسلافهم ، مصوبون لهم ، فجاز أن يقال : أنتم فعلتم أي : إذ رضيتم قبيح فعلهم وعن أبي حمزة الثمالي (1) قال : دخل قاض من قضاة أهل الكوفة على

---------------------------
(1) قال الشيخ عباس القمي في الكنى والألقاب ج 2 ص 118 :
( الثمالي أبو حمزة ثابت بن دينار ، الثقة الجليل ، صاحب الدعاء المعروف في
=>

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 42 _

  علي بن الحسين ( عليه السلام ) فقال له :
  جعلني الله فداك ! أخبرني عن قول الله عزو جل : ( وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين ) قال له : ما يقول الناس فيها قبلكم ؟
  قال : يقولون : أنها مكة .
  فقال : وهل رأيت السرق في موضع أكثر منه بمكة .
  قال : فما هو ؟
  قال : إنما عنى الرجال .
  قال : وأين ذلك في كتاب الله ؟
  فقال : أو ما تسمع إلى قوله عز وجل: (وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله) وقال : ( وتلك القرى أهلكناهم ) وقال: ( واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها ) أفيسأل القرية أو الرجال أو العير ؟
  قال : وتلا عليه آيات في هذا المعنى.
  قال : جعلت فداك! فمن هم ؟

---------------------------
<=
ـ أسحار شهر رمضان ، كان من زهاد أهل الكوفة ومشايخها وكان عربيا أزديا ، روى عن الفضل بن شاذان قال : سمعت الثقة يقول : سمعت الرضا ( عليه السلام ) يقول ـ : أبو حمزة الثمالي في زمانه ، كسلمان الفارسي في زمانه ، وذلك أنه خدم أربعة منا: علي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وبرهة من عصر موسى بن جعفر ) .
وعده الشيخ في أصحاب علي بن الحسين ص 84 من رجاله فقال : ( ثابت بن أبي صفية دينار الثمالي الأزدي، يكنى أبا حمزة الكوفي ، مات سنة خمسين وماية ، وذكره في أصحاب الباقر ( عليه السلام ) ص 110 و ص 160 في أصحاب الصادق ( عليه السلام ) وقال النجاشي ص 89 لقى علي بن الحسين وأبا جعفر وأبا عبد الله وأبا الحسن( عليهم السلام ) وروى عنهم وكان من خيار أصحابنا ، وثقاتهم ، ومعتمديهم في الرواية والحديث و ( قال ) : وروى عنه العامة ومات سنة خمسين ومائة له كتاب تفسير القرآن .

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 43 _

  قال : نحن هم .
  فقال : أو ما تسمع إلى قوله : ( سيروا فيها ليالي وأياما آمنين ) ؟
  قال : آمنين من الزيغ.
  وروي أن زين العابدين ( عليه السلام ) مر بالحسن البصري وهو يعظ الناس بمنى فوقف ( عليه السلام ) عليه ثم قال :
  امسك أسألك عن الحال التي أنت عليها مقيم ، أترضاها لنفسك فيما بينك وبين الله إذا نزل بك غدا ؟
  قال: لا .
  قال: أفتحدث نفسك بالتحول والانتقال عن الحال التي لا ترضاها لنفسك إلى الحال التي ترضاها ؟ ( قال ) : فأطرق مليا ثم قال : إني أقول ذلك بلا حقيقة .
  قال : أفترجو نبيا بعد محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يكون لك معه سابقة ؟
  قال : لا .
  قال : أفترجو دارا غير الدار التي أنت فيها ترد إليها فتعمل فيها ؟
  قال : لا .
  قال : أفرأيت أحدا به مسكة عقل رضي لنفسه من نفسه بهذا ؟ إنك على حال لا ترضاها ولا تحدث نفسك بالانتقال إلى حال ترضاها على حقيقة ، ولا ترجو نبيا بعد محمد ، ولا دار غير الدار التي أنت فيها فترد إليها فتعمل فيها ، وأنت تعظ الناس ، قال : فلما ولى ( عليه السلام ) قال الحسن البصري : من هذا ؟
  قالوا : علي بن الحسين .
  قال : أهل بيت علم فما رأي الحسن البصري بعد ذلك يعظ الناس .
  وعن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت علي بن الحسين ( عليه السلام ) يحدث رجلا من قريش قال :
  لما تاب الله على آدم واقع حواء ولم يكن غشيها منذ خلق وخلقت إلا في الأرض، وذلك بعد ما تاب الله عليه ، قال : وكان آدم يعظم البيت وما حوله من

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 44 _

  حرمة البيت ، فكان إذا أراد أن يغشى حواء خرج من الحرم وأخرجها معه ، فإذا جاز الحرم غشيها في الحل ، ثم يغتسلان إعظاما منه للحرم ، ثم يرجع إلى فناء البيت .
  قال : فولد لآدم من حواء عشرون ذكرا وعشرون أنثى ، فولد له في كل بطن ذكر وأنثى ، فأول بطن ولدت حواء : ( هابيل ) ومعه جارية يقال لها :
  ( أقليما ) قال : وولدت في البطن الثاني : ( قابيل ) ومعه جارية يقال لها ( لوزا ) وكانت لوزا أجمل بنات آدم ، ( قال ) : فلما أدركوا خاف عليهم آدم الفتنة فدعاهم إليه فقال :
  أريد أن أنكحك يا هابيل لوزا ، وأنكحك يا قابيل أقليما .
  قال قابيل : ما أرضى بهذا أتنكحني أخت هابيل القبيحة ، وتنكح هابيل أختي الجميلة.
  قال : فأنا أقرع بينكما ، فإن خرج سهمك يا قابيل على لوزا ، وخرج سهمك يا هابيل على أقليما ، زوجت كل واحد منكما التي خرج سهمه عليها .
  ( قال ) : فرضيا بذلك ، فاقترعا ، ( قال ) : فخرج سهم هابيل على لوزا أخت قابيل ، وخرج سهم قابيل على أقليما أخت هابيل ، قال : فزوجهما على ما خرج لهما من عند الله، ( قال ) ثم حرم الله نكاح الأخوات بعد ذلك .
  قال : فقال له القرشي : فأولداهما ؟
  قال : نعم .
  قال : فقال القرشي : فهذا فعل المجوس اليوم !
  قال : فقال علي بن الحسين : إن المجوس إنما فعلوا ذلك بعد التحريم من الله.
  ثم قال له علي بن الحسين ( عليه السلام ) : لا تنكر هذا ، إنما هي الشرايع جرت أليس الله قد خلق زوجة آدم منه ثم أحلها له ، فكان ذلك شريعة من شرايعهم ، ثم أنزل الله التحريم بعد ذلك .
  لقي عباد البصري علي بن الحسين ( عليه السلام ) في طريق مكة فقال له :
  يا علي بن الحسين تركت الجهاد وصعوبته ، وأقبلت على الحج ولينه ، وأن

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 45 _

  الله عز وجل يقول : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون ـ إلى قوله ـ وبشر المؤمنين ) .
  فقال علي بن الحسين : إذا رأينا هؤلاء الذين هذه صفتهم فالجهاد معهم أفضل من الحج .
  وسأل ( عليه السلام ) عن النبيذ فقال :
  شربه قوم وحرمه قوم صالحون ، فكان شهادة الذين دفعوا بشهادتهم شهواتهم أولى أن تقبل من الذين جروا بشهادتهم شهواتهم .
  وعن عبد الله بن سنان (1) عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال :
  قال رجل لعلي بن الحسين ( عليه السلام ) : إن فلانا ينسبك إلى أنك ضال مبتدع!
  فقال له علي بن الحسين ( عليه السلام ) : ما رعيت حق مجالسة الرجل حيث نقلت إلينا حديثه ، ولا أديت حقي حيث أبلغني عن أخي ما لست أعلمه ، إن الموت يعمنا ، والبعث محشرنا ، والقيامة موعدنا ، والله يحكم بيننا ، إياك والغيبة ! فإنها أدام كلاب النار ، واعلم أن من أكثر عيوب الناس شهد عليه الاكثار إنه إنما يطلبها بقدر ما فيه .
  وسأل ( عليه السلام ) عن الكلام والسكوت أيهما أفضل فقال ( عليه السلام ).
  لكل واحد منهما آفات، فإذا سلما من الآفات ، فالكلام أفضل من السكوت قيل: وكيف ذاك يا بن رسول الله ؟
  قال : لأن الله عز وجل ما بعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت ، إنما يبعثهم

---------------------------
(1) عبد الله بن سنان : قال العلامة في القسم الأول من خلاصته ص 104 :
( عبد الله بن سنان ـ بالسين المهملة والنون قبل الألف وبعدها ـ ابن طريف مولى بني هاشم ، ويقال مولى بني أبي طالب ، ويقال : مولى بني العباس كان خازنا للمنصور والمهدي والهادي والرشيد ، وكان كوفيا ثقة من أصحابنا ، جليلا لا يطعن عليه في شئ ، روى عن الصادق ( عليه السلام ) وقيل روى عن أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) ولم يثبت قال فيه الصادق ( عليه السلام ) : أما أنه يزيد على السن خيرا ، رواه الكشي في حديث المرسل )

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 46 _

  بالكلام ، ولا استحقت الجنة بالسكوت ، ولا استوجب ولاية الله بالسكوت ، ولا توقيت النار بالسكوت ، ولا نجنب سخط الله بالسكوت ، إنما ذلك كله بالكلام وما كنت لأعدل القمر بالشمس ، إنك تصف فضل السكوت بالكلام ، ولست تصف فضل الكلام بالسكوت .
  روي عن أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) قال : لما قتل الحسين بن علي ( عليه السلام ) أرسل محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين ( عليه السلام ) فخلا به ثم قال :
  يا بن أخي قد علمت أن رسول الله كان جعل الوصية والإمامة من بعده لعلي ابن أبي طالب ( عليه السلام ) ، ثم إلى الحسن ، ثم الحسين ، وقد قتل أبوك رضي الله عنه وصلى عليه ولم يوص، وأنا عمك وصنو أبيك ، وأنا في سني وقدمتي أحق بها منك في حداثتك ، فلا تنازعني الوصية والإمامة ، ولا تخالفني .
  فقال له علي بن الحسين ( عليه السلام ) : إتق الله ولا تدع ما ليس لك بحق ، إني أعظك أن تكون من الجاهلين، يا عم! إن أبي صلوات الله عليه أوصى إلي قبل أن يتوجه إلى العراق ، وعهد إلي في ذلك قبل أن يستشهد بساعة ، وهذا سلاح رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عندي ، فلا تعرض لهذا فإني أخاف عليك بنقص العمر ، وتشتت الحال وأن الله تبارك وتعالى أبى إلا أن يجعل الوصية والإمامة إلا في عقب الحسين ، فإن أردت أن تعلم فانطلق بنا إلى الحجر الأسود حتى نتحكم إليه ونسأله عن ذلك .
  قال الباقر ( عليه السلام ) : وكان الكلام بينهما وهما يومئذ بمكة، فانطلقا حتى أتيا الحجر الأسود فقال علي بن الحسين ( عليه السلام ) لمحمد:
  ابتدء فابتهل إلى الله واسأله أن ينطق لك الحجر ثم سله ، فابتهل محمد في الدعاء وسأل الله ثم دعا الحجر فلم يجبه ، فقال علي بن الحسين ( عليه السلام ):
  أما أنك يا عم لو كنت وصيا وإماما لأجابك !
  فقال له محمد : فادع أنت يا بن أخي ! فدعا الله علي بن الحسين ( عليه السلام ) بما أراد ثم قال : ( أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء وميثاق الأوصياء وميثاق الناس أجمعين ، لما أخبرتنا بلسان عربي مبين من الوصي والإمام بعد الحسين بن علي !

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 47 _

  فتحرك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه ، ثم أنطقه الله بلسان عربي مبين فقال :
  اللهم إن الوصية والإمامة بعد الحسين بن علي بن أبي طالب إلى علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وابن فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فانصرف محمد وهو يتولى علي بن الحسين ( عليه السلام ).
  وعن ثابت البناني (1) قال : كنت حاجا وجماعة عباد البصرة مثل : أيوب السجستاني ، وصالح المروي ، وعتبة الغلام ، وحبيب الفارسي ، ومالك بن دينار فلما أن دخلنا مكة رأينا الماء ضيقا ، وقد اشتد بالناس العطش لقلة الغيث ففزع إلينا أهل مكة والحجاج يسألوننا أن نستسقي لهم ، فأتينا الكعبة وطفنا بها ثم سألنا الله خاضعين متضرعين بها فمنعنا الإجابة ، فبينما نحن كذلك إذا نحن بفتى قد أقبل وقد أكربته أحزانه ، وأقلقته أشجانه ، فطاف بالكعبة أشواطا ثم أقبل علينا فقال :
  يا مالك بن دينار! ويا ثابت البناني ! ويا أيوب السجستاني ! ويا صالح المروي ويا عتبة الغلام ! ويا حبيب الفارسي ! ويا سعد ! ويا عمر ! ويا صالح الأعمى ! ويا رابعة ويا سعدانة! ويا جعفر بن سليمان!
  فقلنا : لبيك وسعديك يا فتى!
  فقال : أما فيكم أحد يحبه الرحمن ؟
  فقلنا : يا فتى علينا الدعاء وعليه الإجابة.
  فقال : ابعدوا عن الكعبة فلو كان فيكم أحد يحبه الرحمن لأجابه ، ثم أتى الكعبة فخر ساجدا فسمعته يقول ـ في سجوده ـ : ( سيدي بحبك لي إلا سقيتهم الغيث ).

---------------------------
(1) ثابت البناني : قال العلامة في القسم الأول من الخلاصة ص 29 ( ثابت البناني يكنى أبا فضالة ، من أهل بدر من أصحاب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قتل بصفين ).
وفي أصحاب علي من رجال الشيخ ص 36 : ثابت الأنصاري البناني يكنى أبا فضالة من أهل بدر قتل معه ( عليه السلام ) بصفين .

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 48 _

  قال : فما استتم الكلام حتى أتاهم الغيث كافواه القرب.
  فقلت : يا فتى من أين علمت أنه يحبك ؟ قال : لو لم يحبني لم يستزرني ، فلما استزارني علمت أنه يحبني ، فسألته بحبه لي فأجباني ، ثم ولى عنا وأنشأ يقول :
من  عرف الرب فلم iiتغنه      معرفة  الرب فذاك iiالشقي
ما ضر في الطاعة ما ناله      فـي طاعة الله وماذا iiلقي
ما يصنع العبد بغير iiالتقى      والـعز كـل العز iiللمتقي

  فقلت يا أهل مكة من هذا الفتى ؟
  قالوا : علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ).
  وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين ( عليه السلام ) قال :
  نحن أئمة المسلمين، وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين، وقادة الغر المحجلين، وموالي المؤمنين، ونحن أمان لأهل الأرض، كما أن النجوم أمان لأهل السماء، ونحن الذين بنا يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها ، وبنا ينزل الغيث، وينشر الرحمة، وتخرج بركات الأرض منا لساخت الأرض بأهلها.
  ثم قال : ولم تخلوا الأرض منذ خلق الله آدم من حجة لله فيها ، ظاهر مشهور أو غائب مستور ، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة الله، ولو لا ذلك لم يعبد الله.
  وعن أبي حمزة الثمالي عن أبي خالد الكابلي (1) قال :

---------------------------
(1) في الكنى والألقاب للشيخ عباس القمي ج 1 ص 60 قال : (قال الفضل بن شاذان ولم يكن في زمن علي بن الحسين ( عليه السلام ) في أول أمره إلا خمسة أنفس : سعيد بن جبير ، سعيد بن المسيب ، محمد بن جبير بن مطعم ، يحيى بن أم الطويل ، أبو خالد الكابلي واسمه وردان ولقبه كنكر) ثم قال : وفي خبر الحواريين أنه من حواري علي بن الحسين ( عليه السلام ) وقد شاهد كثيرا من دلائل الأئمة ( عليهم السلام ) ويأتي في الطاقي رواية تنعلق به ، ويظهر من رسالة أبي غالب الزراري أن آل أعين وهم أكبر بيت في الكوفة
=>

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 49 _

  دخلت على سيدي علي بن الحسين زين العابدين ( عليه السلام ) فقلت له :
  يا بن رسول الله أخبرني بالذين فرض الله طاعتهم ومودتهم ، وأوجب على خلقه الاقتداء بهم بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )؟
  فقال لي : يا أبا كنكر! إن أولي الأمر الذين جعلهم الله أئمة الناس وأوجب عليهم طاعتهم : أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، ثم انتهى الأمر إلينا، ثم سكت .
  فقلت له : يا سيدي روي لنا عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنه قال : ( لا تخلو الأرض من حجة الله على عباده) فمن الحجة والإمام بعدك ؟
  قال : ابني ( محمد ) واسمه في التوراة ( باقر ) يبقر العلم بقرا، هو الحجة والإمام بعدي ، ومن بعد محمد ابنه ( جعفر ) اسمه عند أهل السماء ( الصادق ).
  فقلت له : يا سيدي فكيف صار اسمه : الصادق ، وكلكم صادقون ؟
  فقال حدثني أبي عن أبيه : أن رسول الله قال : ( إذا ولد ابني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، فسموه : الصادق ، فإن الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدعي الإمامة اجتراء على الله، وكذبا عليه ، فهو عند الله ( جعفر الكذاب ) المفتري على الله، المدعي لما ليس له بأهل ، المخالف على أبيه ، والحاسد لأخيه ، ذلك الذي يكشف سر الله عند غيبة ولي الله).
  ثم بكى علي بن الحسين بكاءا شديدا ، ثم قال :
 كأني بجعفر الكذاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي الله، والمغيب في حفظ الله، والتوكيل بحرم أبيه جهلا منه بولادته ، وحرصا على قتله إن ظفر به ، طمعا في ميراث أبيه حتى يأخذه بغير حقه .
  قال أبو خالد : فقلت له : يا بن رسول الله وأن ذلك لكائن ؟
  فقال : إي وربي إنه المكتوب عندنا في الصحيفة : التي فيها ذكر المحن التي تجري علينا بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .

---------------------------
<=
من الشيعة أن أول من عرف منهم عبد الملك عرفه من صالح بن ميثم ثم عرفه حمران من أبي خالد الكابلي .

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 50 _

  قال أبو خالد : فقلت : يا بن رسول الله ثم يكون ماذا ؟
  قال : ثم تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله والأئمة بعده يا أبا خالد ! إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل أهل كل زمان ، لأن الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة ، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله بالسيف ، أولئك المخلصون حقا وشيعتنا صدقا ، والدعاة إلى دين الله سرا وجهرا ، وقال ( عليه السلام ) : انتظار الفرج من أعظم الفرج.
  وبالإسناد المتقدم ذكره عن علي بن الحسين ( عليه السلام ) في تفسير قوله تعالى: (لكم في القصاص حياة) الآية ولكم يا أمة محمد في القصاص حياة لأن من هم بالقتل فعرف أنه يقتص منه فكف لذلك عن القتل ، كان حياة للذي هم بقتله ، وحياة لهذا الجاني الذي أراد أن يقتل ، وحياة لغيرهما من الناس ، إذا علموا أن القصاص واجب لا يجسرون على القتل مخافة القصاص ، يا أولي الألباب: أولي العقول لعلكم تتقون .
  ثم قال ( عليه السلام ) : عباد الله هذا قصاص قتلكم لمن تقتلونه في الدنيا ، وتفنون روحه ، أفلا أنبئكم بأعظم من هذا القتل ، وما يوحيه الله على قاتله مما هو أعظم من هذا القصاص ؟
  قالوا : بلى يا بن رسول الله.
  قال : أعظم من هذا القتل أن يقتله قتلا لا يجبر ولا يحيى بعده أبدا .
  قالوا : ما هو ؟
  قال : أن يضله عن نبوة محمد ، وعن ولاية علي بن أبي طالب ، ويسلك به غير سبيل الله، ويغير به باتباع طريق أعداء علي والقول بإمامتهم ، ودفع علي عن حقه ، وجحد فضله ، وألا يبالي بإعطائه واجب تعظيمه ، فهذا هو القتل الذي هو تخليد المقتول في نار جهنم خالدا مخلدا أبدا ، فجزاء هذا القتل مثل ذلك الخلود في نار جهنم .
  وقال أبو محمد الحسن العسكري صلوات الله عليه : أن رجلا جاء إلى علي بن