قال سعد : فحمدنا الله جل ذكره على ذلك وجعلنا نختلف بعد ذلك اليوم إلى منزل مولانا ( عليه السلام ) أياما فلا نرى الغلام بين يديه ، فلما كان يوم الوداع دخلت أنا وأحمد بن إسحاق وكهلان من أهل بلدنا ، فانتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائما وقال :
يا بن رسول الله قد دنت الرحلة ، واشتدت المحنة ، فنحن نسأل الله أن يصلي على المصطفى جدك ، وعلى المرتضى أبيك ، وعلى سيدة النساء أمك فاطمة الزهراء وعلى سيدي شباب أهل الجنة عمك وأبيك ، وعلى الأئمة من بعدهما آبائك ، وأن يصلي عليك وعلى ولدك ، ونرغب إليه أن يعلي كعبك ، ويكبت عدوك ، ولا جعل الله هذا آخر عهدنا من لقائك .
( قال ): فلما قال هذه الكلمة استعبر مولانا ( عليه السلام ) حتى استهملت دموعه وتقاطرت عبراته ثم قال :
يا بن إسحاق لا تكلف في دعائك شططا، فإنك ملاق الله في صدرك هذا ، فخر أحمد مغشيا عليه ، فلما أفاق قال :
سألتك بالله وبحرمة جدك إلا ما شرفتني بخرقة أجعلها كفنا ، فأدخل مولانا يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهما فقال :
خذها ولا تنفق على نفسك غيرها فإنك لن تعدم ما سألت والله لا يضيع أجر المحسنين .
قال سعد : فلما صرنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا ( عليه السلام ) من حلوان على ثلاثة فراسخ ، حم أحمد بن إسحاق وثارت عليه علة صعبة أيس من حياته بها ، فلما وردنا حلوان ونزلنا في بعض الخانات ، دعا أحمد بن إسحاق رجلا من أهل بلده كان قاطنا بها ثم قال : تفرقوا عني هذه الليلة واتركوني وحدي!
فانصرفنا عنه ورجع كل واحد إلى مرقده .
( قال ) سعد : فلما حان أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فكرة ففتحت عيني، فإذا أنار بكافور الخادم خادم مولانا أبي محمد وهو يقول :
الإحتجاج
(الجزء الثاني) _ 277 _
أحسن الله بالخير عزاكم ، وختم بالمحبوب رزيتكم ، قد فرغنا من غسل صاحبكم ومن تكفينه ، فقوموا لدفنه فإنه من أكرمكم محلا عند سيدكم ، ثم غاب عن أعيننا ، فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والنحيب والعويل حتى قضينا حقه وفرغنا من أمره رحمه الله.
وعن الشيخ الموثوق أبي عمرو العمري ـ ره ـ (1) قال : تشاجر ابن أبي غانم
---------------------------
(1) هو عثمان بن سعيد العمري ـ بفتح العين وسكون الميم ـ أول النواب الأربعة يكنى أبا عمرو السمان ويقال له الزيات والعسكري ذكره الشيخ الطوسي في عداد أصحاب الهادي ( عليه السلام ) ص 420 وقال : ( ... خدمه ( عليه السلام ) وله إحدى عشر سنة ، وله إليه عهد معروف) وفي أصحاب العسكري ص 434 وقال : ( ... جليل القدر ثقة وكيله ( عليه السلام ) وفي كتاب الغيبة ص 214 قال : ( فأما السفراء الممدوحون في زمان الغيبة ، فأولهم : من نصبه أبو الحسن علي بن محمد العسكري وأبو محمد الحسن بن علي بن محمد ابنه( عليهم السلام ) وهو الشيخ الموثوق به : أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري ، وكان أسديا وإنما سمي العمري لما رواه أبو نصر هبة الله ابن محمد بن أحمد الكاتب أنه ابن بنت أبي جعفر العمري ـ رحمه الله ـ قال أبو نصر كان أسديا فنسب إلى جده فقيل العمري ، وقد قال قوم من الشيعة : أن أبا محمد الحسن بن علي ( عليه السلام ) قال : لا يجتمع على أمره بين عثمان وأبو عمرو فأمر بكسر كنيته فقيل العمري، إلى أن قال : ويقال له : (السمان) لأنه كان يتجر في السمن تغطية على الأمر ، وكان الشيعة إذا حملوا إلى أبي محمد ( عليه السلام ) ما يجب عليهم حمله من الأموال أنفذوا إلى أبي عمرو فيجعله في جراب السمن وزقاقه ويحمله إلى أبي محمد ( عليه السلام ) تقية وخوفا) وقال العلامة في القسم الأول من خلاصته ص 6؟ 1 : ( ... ويقال له :
الزيات الأسدي من أصحاب أبي جعفر محمد بن علي الثاني عليهما السلام خدمه وله إحدى عشر سنة وله إليه عهد معروف وهو ثقة جليل القدر وكيل أبي محمد ( عليه السلام ) وفي ج 2 من سفينة البحار ص 158 : ( أبو عمرو عثمان بن سعيد السمان العمري أول النواب الأربعة، ما ورد في شأنه من الجلالة والعدالة والأمانة أكثر من أن يذكر وهو أجل وأشهر من أن يصفه مثلي (كش) كان باب الجواد ( عليه السلام ) ... وحكي:
=>
الإحتجاج
(الجزء الثاني) _ 278 _
القزويني وجماعة من الشيعة في (الخلف) فذكر ابن أبي غانم : أن أبا محمد ( عليه السلام ) مضى ولا خلف له ، ثم إنهم كتبوا في ذلك كتابا وأنفذوه إلى الناحية ، وأعلموه بما تشاجروا فيه .
فورد جواب كتابهم بخطه صلى الله عليه وعلى آبائه:
بسم الله الرحمن الرحيم
عافانا الله وإياكم من الفتن ، ووهب لنا ولكم روح اليقين ، وأجارنا وإياكم من سوء المنقلب ، أنه أنهي إلي ارتياب جماعة منكم في الدين ، وما دخلهم من الشك والحيرة في ولاة أمرهم، فغمنا ذلك لكم لا لنا ، وساءنا فيكم لا فينا ، لأن الله معنا فلا فاقة بنا لي غيره ، والحق معنا فلن يوحشنا من قعد عنا ، ونحن صنايع ربنا والخلق بعد صنايعنا .
يا هؤلاء ما لكم في الريب تترددون ، وفي الحيرة تنعسكون ، أو ما سمعتم الله يقول: ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) (1) أو ما علمتم ما جاءت به الآثار مما يكون ويحدث في أئمتكم ، على الماضين والباقين منهم السلام؟ أو ما رأيتم كيف جعل الله لكم معاقل تأوون إليها ، وأعلاما تهتدون بها ، من لدن آدم ( عليه السلام ) إلى أن ظهر الماضي ( عليه السلام ) ، كلما غاب علم بدا علم ، وإذا أفل نجم طلع نجم ، فلما قبضه الله إليه ظننتم : أن الله أبطل دينه ، وقطع السبب بينه وبين خلقه ، كلا ما كان ذلك ولا يكون ، حتى تقوم الساعة ويظهر أمر الله وهم كارهون ، وأن الماضي ( عليه السلام ) مضى سعيدا فقيدا على منهاج آبائه ( عليهم السلام ) ، ( حذو النعل بالنعل ) وفينا وصيته وعلمه ، ومنه خلفه ومن يسد مسده ، ولا ينازعنا موضعه إلا ظالم آثم، ولا يدعيه دوننا إلا كافر جاحد ، ولو لا أن أمر الله لا يغلب ، وسره لا يظهر ولا يلعن ، لظهر لكم من حقنا ما تبتز منه عقولكم ، ويزيل شكوكم
---------------------------
<=
أنه يقال له : العمري لأنه ينتسب من قبل الأم إلى عمر الأطرف بن علي ( عليه السلام ) ... وقبره في الجانب الغربي ببغداد .
(1) النساء ـ 58 .
الإحتجاج
(الجزء الثاني) _ 279 _
ولكنه ما شاء الله كان ، ولكل أجل كتاب ، فاتقوا الله وسلموا لنا وردوا الأمر إلينا فعلينا الإصدار كما كان منا الايراد ، ولا تحاولوا كشف ما غطي عنكم ، ولا تميلوا عن اليمين وتعدلوا إلى اليسار ، واجعلوا قصدكم إلينا بالمودة على السنة الواضحة فقد نصحت لكم ، والله شاهد علي وعليكم ، ولو لا ما عندنا من محبة صاحبكم ورحمتكم ، والإشفاق عليكم ، لكنا عن مخاطبتكم في شغل مما قد امتحنا به من منازعة الظالم العتل ، الضال المتتابع في غيه ، المضاد لربه ، المدعي ما ليس له ، الجاحد حق من افترض الله طاعته ، الظالم الغاصب ، وفي ابنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعليها إلي أسوة حسنة ، وسيتردى الجاهل رداء عمله ، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار .
عصمنا الله وإياكم من المهالك والأسواء ، والآفات والعاهات كلها برحمته إنه ولي ذلك والقادر على ما يشاء ، وكان لنا ولكم وليا وحافظا ، والسلام على جميع الأوصياء والأولياء والمؤمنين ورحمة الله وبركاته ، وصلى الله على النبي محمد وآله وسلم تسليما .
وعن سعد بن عبد الله الأشعري ، عن الشيخ الصدوق أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري ( ره ) : أنه جاء بعض أصحابنا يعلمه أن جعفر بن علي كتب إليه كتابا يعرفه نفسه ، ويعلمه أنه القيم بعد أخيه ، وأن عنده من علم الحلال والحرام ما يحتاج إليه ، وغير ذلك من العلوم كلها .
قال أحمد بن إسحاق : فلما قرأت الكتاب كتبت إلى صاحب الزمان ( عليه السلام ) وصيرت كتاب جعفر في درجه ، فخرج إلي الجواب في ذلك :
بسم الله الرحمن الرحيم
أتاني كتابك أبقاك الله والكتاب الذي أنفذت درجه ، وأحاطت معرفتي بجميع ما تضمنه على اختلاف ألفاظه ، وتكرر الخطأ فيه ، ولو تدبرته لوقفت على بعض ما وقفت عليه منه ، والحمد لله رب العالمين حمدا لا شريك له على إحسانه إلينا وفضله علينا ، أبى الله عز وجل للحق إلا إتماما ، وللباطل إلا زهوقا ، وهو شاهد
الإحتجاج
(الجزء الثاني) _ 280 _
علي بما أذكره ، ولي عليكم بما أقوله ، إذا اجتمعنا اليوم الذي لا ريب فيه ، ويسألنا عما نحن فيه مختلفون .
وأنه لم يجعل لصاحب الكتاب على المكتوب إليه ولا عليك ولا على أحد من الخلق جميعا إمامة مفترضة ، ولا طاعة ولا ذمة ، وسأبين لكم جملة تكتفون بها إن شاء الله.
يا هذا يرحمك الله! إن الله تعالى لم يخلق الخلق عبثا ، ولا أهملهم سدى ، بل خلقهم بقدرته ، وجعل لهم أسماعا وأبصارا وقلوبا وألبا ، ثم بعث النبيين( عليهم السلام ) مبشرين ومنذرين ، يأمرونهم بطاعته وينهونهم عن معصيته ، ويعرفونه ما جهلوه من أمر خالقهم ودينهم ، وأنزل عليهم كتابا وبعث إليهم ملائكة ، وباين بينهم وبين من بعثهم إليهم بالفضل الذي جعله لهم عليهم ، وما آتاهم الله من الدلائل الظاهرة والبراهين الباهرة ، والآيات الغالبة ، فمنهم : من جعل النار عليه بردا وسلاما واتخذه خليلا ، ومنهم : من كلمه تكليما وجعل عصاه ثعبانا مبينا ، ومنهم: من أحيى الموتى بإذن الله وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله، ومنهم من علمه منطق الطير وأوتي من كل شئ .
ثم بعث محمدا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رحمة للعالمين وتمم به نعمته ، وختم به أنبياءه : وأرسله إلى الناس كافة ، وأظهر من صدقه ما أظهر ، وبين آياته وعلاماته ما بين ، ثم قبضه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حميدا فقيدا سعيدا ، وجعل الأمر من بعده إلى أخيه وابن عمه ووصيه ووارثه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، ثم إلى الأوصياء من ولده واحدا بعد واحد ، أحيى بهم دينه ، وأتم بهم نوره ، وجعل بينهم وبين أخوتهم وبني عمهم والأدنين فالأدنين من ذوي أرحامهم فرقا بينا ، تعرف به الحجة من المحجوج ، والإمام من المأموم بأن : عصمهم من الذنوب ، وبرأهم من العيوب ، وطهرهم من الدنس ، ونزههم من اللبس ، وجعلهم خزان علمه ، ومستودع حكمته ، وموضع سره ، وأيدهم بالدلائل ولو لا ذلك لكان الناس على سواء ، ولادعى أمر الله عز وجل كل أحد ، ولما عرف الحق من الباطل ، ولا العلم من الجهل.
وقد ادعى هذا المبطل المدعي على الله الكذب بما ادعاه ، فلا أدري بأية حالة
الإحتجاج
(الجزء الثاني) _ 281 _
هي له ، رجا أن يتم دعواه بفقه في دين الله ؟! فوالله ما يعرف حلالا من حرام ولا يفرق بين خطأ وصواب ، أم بعلم ؟! فما يعلم حقا من باطل ، ولا محكما من متشابه ، ولا يعرف حد الصلاة ووقتها ، أم بورع؟! فالله شهيد على تركه الصلاة الفرض ( أربعين يوما ) يزعم ذلك لطلب الشعوذة ، ولعل خبره تأدى إليكم ، وهاتيك ظروف مسكره منصوبة ، وآثار عصيانه لله عز وجل مشهورة قائمة ، أم بآية ؟!
فليأت بآية ، أم بحجة ؟! فليقمها ، أم بدلالة ؟! فليذكرها ، قال الله عز وجل في كتابه : ( بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون * قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات إئتوني بكتاب من قبل هذا أو إثارة من علم إن كنتم صادقين * ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين ) (1) .
فالتمس تولى الله توفيقك من هذا الظالم ما ذكرت لك ، وامتحنه واسأله عن آية من كتاب الله يفسرها، أو صلاة يبين حدودها وما يجب فيها ، لتعلم حاله ومقداره ، ويظهر لك عواره ونقصانه ، والله حسيبه .
حفظ الله الحق على أهله ، وأقره في مستقره ، وأبى الله عز وجل أن تكون الإمامة في الأخوين إلا في الحسن والحسين ، وإذ أذن الله لنا في القول ظهر الحق واضمحل الباطل ، وانحسر عنكم ، وإلى الله أرغب في الكفاية ، وجميل الصنع والولاية وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على محمد وآل محمد .
محمد بن يعقوب الكليني (2) عن إسحاق بن يعقوب قال : سألت محمد بن عثمان
---------------------------
(1) الأحقاف 1 ـ 6 .
(2) قال المحقق الشيخ عباس القمي في ج 3 من الكنى والألقاب ص 98 :
(هو الشيخ الأجل قدوة الأنام ، وملاذ المحدثين العظام ، ومروج المذهب في غيبة الإمام ( عليه السلام ) ، أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي الملقب :
=>
الإحتجاج
(الجزء الثاني) _ 282 _
العمري رحمه الله (1) أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي
---------------------------
<=
( ثقة الإسلام ) ألف الكافي الذي هو أجل الكتب الإسلامية وأعظم المصنفات الإمامية والذي لم يعمل للإمامية مثله ، قال المولى محمد أمين الاسترآبادي في محكي فوائده : سمعنا مشايخنا وعلمائنا أنه لم يصنف في الإسلام كتاب يوازيه أو يدانيه وكان خاله علان الكليني الرازي) وقال النجاشي ص 292 : ( شيخ أصحابنا بالري ووجههم وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم... ) وقال العلامة في القسم الأول من الخلاصة ص 145 :
( ... صنف كتاب الكافي في عشرين سنة ومات ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثماية ) وقال الشيخ الطوسي وقال النجاشي : في سنة تسع وعشرين وثلاثماية ، سنة تنائر النجوم وصلى عليه محمد بن جعفر الحسيني أبو قيراط ودفن بباب الكوفة في مقبرتها ... ).
(1) محمد بن عثمان العمري رحمه الله هو ثاني الوكلاء الأربعة ذكره الشيخ في رجاله ص 59 وقال: ( ... يكنى أبا جعفر وأبوه يكنى أبا عمرو جميعا وكيلان من جهة صاحب الزمان ( عليه السلام ) ولهما منزلة جليلة عند الطائفة ) وقال في الغيبة ص 218 : فلما مضى أبو عمرو عثمان بن سعيد قام ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان مقامه بنص أبي محمد ( عليه السلام ) عليه ونص أبيه عثمان عليه بأمر القائم ( عليه السلام ) وفي ج 1 من سفينة البحار ص 228 ( ... أبو جعفر باب الهادي وهو وكيل الناحية في خمسين سنة الذي ظهر على يديه من طرف المأمول المنتظر ( عليه السلام ) معاجز كثيرة .
وكان محمد رحمه الله شيخا متواضعا في بيت صغير ليس له غلمان ... وروي عنه قال : إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم مع الناس كل سنة يرى الناس فيعرفهم ويرونه ولا يعرفونه وروي أنه قيل له : رأيت صاحب هذا الأمر ؟ قال : نعم وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام وهو يقول : اللهم أنجز لي ما وعدتني ، وعنه أيضا قال : رأيته صلوات الله عليه متعلقا بأستار الكعبة في المستجار وهو يقول : اللهم انتقم بي من أعدائك ، وروى أنه حفر لنفسه قبرا وسواه بالساج ونقش فيه آيات من القرآن وأسماء الأئمة( عليهم السلام ) على حواشيه قيل سئل عن ذلك فقال : للناس أسباب ، وكان في كل يوم ينزل في قبره ويقرأ جزءا من القرآن ثم يصعد ) قال العلامة في القسم الأول من الخلاصة ص 149 ثم سئل بعد ذلك فقال : قد أمرت أن أجمع أمري ، فمات بعد شهرين من ذلك في جمادى الأولى سنة خمس وثلاثمائة وقيل : سنة أربع وثلاثمائة ، وقال عند موته :
=>
الإحتجاج
(الجزء الثاني) _ 283 _
فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان ( عليه السلام ) :
أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك ، ووقاك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمنا .
فاعلم : أنه ليس بين الله عز وجل وبين أحد قرابة ، ومن أنكرني فليس مني وسبيله سبيل ابن نوح .
وأما سبيل ابن عمي جعفر وولده ، فسبيل أخوة يوسف ( عليه السلام ).
وأما الفقاع فشربه حرام ولا بأس بالشلماب .
وأما أموالكم فلا نقبلها إلا لتطهروا ، فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع ، وما آتانا الله خير مما آتاكم .
وأما ظهور الفرج فإنه إلى الله وكذب الوقاتون .
وأما قول من زعم أن الحسين لم يقتل ، فكفر وتكذيب وضلال .
وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله.
وأما محمد بن عثمان العمري ، فرضي الله عنه وعن أبيه من قبل ، فإنه ثقتي وكتابه كتابي .
وأما محمد بن علي بن مهزيار الأهوازي، فسيصلح الله قلبه ، ويزيل عنه شكه .
وإماما وصلتنا به ، فلا قبول عندنا إلا لما طاب وطهر ، وثمن المغنية حرام .
وأما محمد بن شاذان بن نعيم ، فإنه رجل من شيعتنا أهل البيت.
وأما أبو الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع ، ملعون وأصحابه ملعونون فلا تجالس أهل مقالتهم ، فإني منهم برئ ، وآبائي( عليهم السلام ) منهم براء .
وأما المتلبسون بأموالنا ، فمن استحل منها شيئا فأكله فإنما يأكل النيران وأما الخمس ، فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا
---------------------------
<=
أمرت أن أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح وأوصى إليه ... ) وقبره ببغداد مشيد ويعرف : بالشيخ الخلاني .
الإحتجاج
(الجزء الثاني) _ 284 _
لتطيب ولادتهم ، ولا تخبث .
وأما ندامة قوم شكوا في دين الله علي ما وصلونا به ، فقد أقلنا من استقال فلا حاجة إلى صلة الشاكين .
وأما علة ما وقع من الغيبة ، فإن الله عز وجل يقول : ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) (1) أنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وأني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي .
وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي ، فكالإنتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب ، وأني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ، فاغلقوا أبواب السؤال عما لا يعنيكم ، ولا تتكلفوا علم ما قد كفيتم ، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ، فإن ذلك فرجكم، والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتبع الهدى.
أبو الحسن علي بن أحمد الدلال القمي (2) قال : اختلف جماعة من الشيعة في أن الله عز وجل فوض إلى الأئمة صلوات الله عليهم أن يخلقوا ويرزقوا ، فقال قوم : هذا محال لا يجوز على الله تعالى ، لأن الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله عز وجل ، وقال آخرون : بل الله أقدر الأئمة على ذلك وفوض إليهم فخلقوا ورزقوا ، وتنازعوا في ذلك نزاعا شديدا ، فقال قائل : ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمد بن عثمان فتسألوه عن ذلك ليوضح لكم الحق فيه ، فإنه الطريق إلى صاحب الأمر ، فرضيت الجماعة بأبي جعفر وسلمت وأجابت إلى قوله ، فكتبوا المسألة وأنفذوها إليه ، فخرج إليهم من جهته توقيع ، نسخته :
---------------------------
(1) المائدة ـ 104 .
(2) ج 3 من رجال المامقاني ص 11 باب الكنى: أبو الحسن الدلال ليس له ذكر في كلمات أصحابنا الرجاليين وإنما الذي عثرنا عليه رواية الكليني رحمه الله في باب تربيع القبر من الكافي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن إسماعيل عنه عن يحيى بن أبي عبد الله.
الإحتجاج
(الجزء الثاني) _ 285 _
إن الله تعالى هو الذي خلق الأجسام ، وقسم الأرزاق لأنه ليس بجسم ولا حال في جسم ، ليس كمثله شئ ، وهو السميع البصير .
وأما الأئمة( عليهم السلام ) ، فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق ، ويسألونه فيرزق إيجابا لمسألتهم ، وإعظاما لحقهم .
عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ـ ره ـ (1) قال :
حدثني محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (2) قال : كنت عند الشيخ أبي القاسم
---------------------------
(1) قال الشيخ عباس القمي ف ج 8 من الكنى والألقاب ص 212 : ( أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، شيخ الحفظة ووجه الطائفة المستحفظة رئيس المحدثين والصدوق فيما يرويه عن الأئمة الطاهرين ( عليهم السلام ) ولد بدعاء مولانا صاحب الأمر ( عليه السلام ) ، ونال بذلك عظيم الفضل والفخر فعمت بركته الأنام ، وبقيت آثاره ومصنفاته مدى الأيام ، له نحو من ثلاثمائة مصنف ، قال ابن إدريس في حقه ( ره ) أنه كان ثقة جليل القدر بصيرا بالأخبار ناقدا للآثار عالما بالرجال ، وهو أستاذ المفيد محمد بن محمد بن النعمان ( ره ) وقال العلامة في ترجمته : شيخنا وفقيهنا ووجه الطائفة بخراسان ورد بغداد سنة 355 وسمع منه شيوخ الطائفة، وهو حدث السن كان جليلا حافظا للأحاديث بصيرا بالرجال ناقدا للأخبار لم ير في القميين مثله في حفظه وكثرة علمه له نحو من ثلاثمائة مصنف ذكرنا أكثرها في كتابنا الكبير مات ( ره ) بالري سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة انتهى وقال الأستاذ الأكبر في التعليقة : نقل المشايخ معنعنا عن شيخنا البهائي وقد سئل عنه فعدله ووثقه وأثنى عليه ، وقال : سئلت قديما عن زكريا بن آدم والصدوق محمد بن علي بن بابويه أيهما أفضل وأجل مرتبة فقلت :
زكريا بن آدم لتوافر الأخبار بمدحه فرأيت شيخنا الصدوق قدس سره عاتبا علي وقال:
من أين ظهر لك فضل زكريا بن آدم علي؟ وأعرض عني كذا في حاشية المحقق البحراني على بلغته ، وقبره رحمه الله في بلدة الري قرب عبد العظيم الحسني مزار معروف في بقعة عالية في روضة مونقة وله خبر مستفيض مشهور ذكره ( صا ) وعده من كراماته وأطراف قبره قبور كثيرة من أهل الفضل والإيمان ) .
(2) في ج 2 من جامع الرواة ص 43 محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني
الإحتجاج
(الجزء الثاني) _ 286 _
الحسين بن روح رضي الله عنه (1) مع جماعة منهم علي بن عيسى القصري ، فقام إليه رجل فقال له :
أريد أن أسألك عن شئ .
فقال له : سل عما بدا لك .
---------------------------
<=
رحمه الله ـ عنه أبو جعفر بن بابويه مترضيا وهو عن الحسين بن روح قدس الله روحه ما ينبئ عن حسن حاله واعتقاده (كتاب ميرزا محمد ) .
(1) الحسين بن روح : أحد النواب الأربعة في الجزء الأول من سفينة البحار ص 271 : ( أخبرنا جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى قال أخبرني أبو علي محمد بن همام رضي الله عنه وأرضاه أن أبا جعفر محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه ، جمعنا قبل موته وكنا وجوه الشيعة وشيوخها فقال لنا : إن حدث الموت فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي فقد أمرت أن أجعله في موضعي بعدي فارجعوا إليه وعولوا في أموركم عليه وفي رواية أخرى ما حاصلها أنه لما اشتدت حال أبي جعفر رحمه الله اجتمع جماعة من وجوه الشيعة فدخلوا عليه فقالوا له : إن حدث أمر فمن يكون مكانك ؟ فقال لهم : هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي والسفير بيتكم وبين صاحب الأمر ، والوكيل والثقة الأمين ، فارجعوا إليه في أموركم وعولوا عليه في مهماتكم ، فبذلك أمرت وقد بلغت ، وعن أم كلثوم بنت أبي جعفر ـ رض قالت : كان الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح ( ره ) وكيلا لأبي جعفر ـ أي : محمد ابن عثمان ـ سنين كثيرة ينظر له في أملاكه ويلقى بأسراره الرؤساء من الشيعة ، وكان خصيصا به، حتى أنه كان يحدثه ما يجري بينه وبين جواريه لقربه منه وأنسه ، وكان يدفع إليه في كل شهر ثلاثين دينارا رزقا له غير ما يصل إليه من الوزراء والرؤساء من الشيعة مثل آل الفرات وغيرهم ولوضعه وجلالة محله عندهم ، فحصل في أنفس الشيعة محلا جليلا لمعرفتهم باختصاص أبي إياه وتوثيقه عندهم ، ونشر فضله ودينه وما كان يحتمله من هذا الأمر فتمهدت له الحال في حياة أبي إلى أن انتهت الوصية إليه بالنص عليه فلم يختلف في أمره ولم يشك فيه أحد إلا جاهل بأمر أبي ... وكان أبو سهل النوبختي يقول في حقه : أنه لو كان الحجة تحت ذيله وقرض بالمقاريض ما كشف الذيل ، مات رحمه الله في شعبان سنة 226 وقبره في بغداد ... )
الإحتجاج
(الجزء الثاني) _ 287 _
فقال الرجل : أخبرني عن الحسين بن علي عليهما السلام أهو ولي الله ؟
قال : نعم .
قال : أخبرني عن قاتله لعنه الله أهو عدو لله ؟
قال : نعم .
قال الرجل : فهل يجوز أن يسلط الله عز وجل عدوه على وليه ؟
فقال أبو القاسم قدس الله روحه : إفهم عني ما أقول لك ! إعلم أن الله تعالى لا يخاطب الناس بمشاهدة العيان، ولا يشافههم بالكلام ، ولكنه جلت عظمته يبعث إليهم من أجناسهم وأصنافهم بشرا مثلهم ، ولو بعث إليهم رسلا من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم ، ولم يقبلوا منهم ، فلما جاؤوهم وكانوا من جنسهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ، قالوا لهم : أنتم بشر مثلنا لا نقبل منكم حتى تأتونا بشئ نعجز من أن نأتي بمثله ، فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه ، فجعل الله عز وجل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها .
فمنهم : من جاء بالطوفان بعد الإعذار والإنذار فغرق جميع من طغى وتمرد .
ومنهم : من ألقي في النار فكانت عليه بردا وسلاما .
ومنهم : من أخرج من الحجر الصلب الناقة، وأجرى من ضرعها لبنا .
ومنهم : من فلق له البحر وفجر له من العيون، وجعل له العصا اليابسة ثعبانا تلقف ما يأفكون .
ومنهم : من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله، وأنبأهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم .
ومنهم : من انشق له القمر وكلمته البهائم، مثل البعير والذئب وغير ذلك .
فلما أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله ، كان من تقدير الله جل جلاله ولطفه بعباده وحكمته : أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين وأخرى مغلوبين ، وفي حال قاهرين وأخرى مقهورين ، ولو جعلهم الله في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ، ولم يبتلهم ولم يمتحنهم لأتخذهم الناس آلهة
الإحتجاج
(الجزء الثاني) _ 288 _
من دون الله عز وجل ، ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والاختيار ، ولكنه جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ، ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين ، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبرين ، وليعلم العباد أن لهم ( عليهم السلام ) إلها هو خالقهم ومدبرهم فيعبدوه ويطيعوا رسله ، وتكون حجة الله ثابتة على من تجاوز الحد فيهم ، وادعى لهم الربوبية ، أو عاند وخالف ، وعصى وجحد ، بما أتت به الأنبياء والرسل ، وليهلك من هلك عن بينة ، ويحيى من حي عن بينة .
قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق ( ره ): فعدت إلى الشيخ أبي القاسم الحسين ابن روح (ره) في الغد وأنا أقول في نفسي : أتراه ذكر لنا ما ذكر يوم أمس من عند نفسه فابتدأني وقال : يا محمد بن إبراهيم لئن أخر من السماء فتختطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق أحب إلي من أن أقول في دين الله برأيي ، ومن عند نفسي ، بل ذلك عن الأصل ، ومسموع من الحجة صلوات الله عليه وسلامه .
ومما خرج عن صاحب الزمان صلوات الله عليه ، ردا على الغلاة من التوقيع جوابا لكتاب كتب إليه على يدي محمد بن علي بن هلال الكرخي .
يا محمد بن على تعالى الله وجل عما يصفون ، سبحانه وبحمده ، ليس نحن شركاؤه في علمه ولا في قدرته ، بل لا يعلم الغيب غيره ، كما قال في محكم كتابه تباركت أسماؤه : ( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) (1) .
وأنا وجميع آبائي من الأولين : آدم ونوح وإبراهيم وموسى ، وغيرهم من النبيين ، ومن الآخرين محمد رسول الله، وعلي بن أبي طالب ، وغيرهم ممن مضى من الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين ، إلى مبلغ أيامي ومنتهى عصري ، عبيد الله عز وجل يقول الله عز وجل : ( من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا
---------------------------
(1) النمل ـ 65 .
الإحتجاج
(الجزء الثاني) _ 289 _
فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ) (1) .
يا محمد بن علي قد آذانا جهلاء الشيعة وحمقاؤهم ، ومن دينه جناح البعوضة أرجح منه .
فأشهد الله الذي لا إله إلا هو وكفى به شهيدا ، ورسوله محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وملائكته وأنبياءه ، وأولياءه( عليهم السلام ) .
وأشهدك ، وأشهد كل من سمع كتابي هذا ، أني برئ إلى الله وإلى رسوله ممن يقول : إنا نعلم الغيب ، ونشاركه في ملكه، أو يحلنا محلا سوى المحل الذي رضيه الله لنا وخلقنا له ، أو يتعدى بنا عما قد فسرته لك وبينته في صدر كتابي .
وأشهدكم : أن كل من نبرأ منه فإن الله يبرأ منه وملائكته ورسله وأولياءه وجعلت هذا التوقيع الذي في هذا الكتاب أمانة في عنقك وعنق من سمعه أن لا يكتمه لأحد من موالي وشيعتي حتى يظهر على هذا التوقيع الكل من الموالي لعل الله عز وجل يتلافاهم فيرجعون إلى دين الله الحق ، وينتهون عما لا يعلمون منتهى أمره ، ولا يبلغ منتهاه ، فكل من فهم كتابي ولا يرجع إلى ما قد أمرته ونهيته ، فقد حلت عليه اللعنة من الله وممن ذكرت من عباده الصالحين .
روى أصحابنا : أن أبا محمد الحسن السريعي كان من أصحاب أبي الحسن علي ابن محمد( عليهم السلام ) ، وهو أول من ادعى مقاما لم يجعله الله فيه من قبل صاحب الزمان ( عليه السلام ) وكذب على الله وحججه( عليهم السلام ) ، ونسب إليهم ما لا يليق بهم وما هم منه براء ، تم ظهر منه القول بالكفر والإلحاد ، وكذلك كان محمد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمد الحسن ( عليه السلام ) ، فلما توفي ادعى البابية لصاحب الزمان ، ففضحه الله تعالى بما ظهر منه من الالحاد والغلو والتناسخ ، وكان يدعي أنه رسول نبي أرسله علي بن محمد ( عليه السلام ) ، ويقول بالإباحة للمحارم ، وكان أيضا من جملة الغلاة أحمد بن هلال الكرخي ، وقد كان من قبل في عدد أصحاب أبي محمد ( عليه السلام ) ، ثم تغير عما كان عليه وأنكر بابية أبي جعفر محمد بن عثمان ، فخرج التوقيع بلعنه من قبل صاحب الأمر
---------------------------
(1) طه ـ 124 ـ 126 .
الإحتجاج
(الجزء الثاني) _ 290 _
والزمان وبالبراءة منه ، في جملة من لعن وتبرء منه ، وكذا كان أبو طاهر محمد بن علي بن بلال ، والحسين بن منصور الحلاج ، ومحمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقري ، لعنهم الله، فخرج التوقيع بلعنهم والبراءة منهم جميعا ، على يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ( ره ) ونسخته :
عرف أطال الله بقاك ! وعرفك الله الخير كله وختم به عملك ، من تثق بدينه وتسكن إلى نيته من إخواننا أدام الله سعادتهم : بأن ( محمد بن علي المعروف بالشلمغاني ) عجل الله له النقمة ولا أمهله ، قد ارتد عن الإسلام وفارقه ، وألحد في دين الله وادعى ما كفر معه بالخالق جل وتعالى ، وافترى كذبا وزورا ، وقال بهتانا وإثما عظيما ، كذب العادلون بالله وضلوا ضلالا بعيدا ، وخسروا خسرانا مبينا .
وأنا برئنا إلى الله تعالى وإلى رسوله صلوات الله عليه وسلامه ورحمته وبركاته منه ، ولعناه عليه لعاين الله تترى ، في الظاهر منا والباطن ، في السر والجهر ، وفي كل وقت وعلى كل حال ، وعلى كل من شايعه وبلغه هذا القول منا فأقام على تولاه بعده .
أعلمهم تولاك الله! أننا في التوقي والمحاذرة منه على مثل ما كنا عليه ممن تقدمه من نظرائه ، من : ( السريعي ، والنميري ، والهلالي ، والبلالي ) وغيرهم .
وعادة الله جل ثناؤه مع ذلك قبله وبعده عندنا جميلة ، وبه نثق وإياه نستعين وهو حسبنا في كل أمورنا ونعم الوكيل (1) .
---------------------------
(1) قال الشيخ الطوسي رحمه الله في كتاب الغيبة ص 244: (ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية لعنهم الله) أولهم المعروف بالسريعي (أخبرنا) جماعة عن أبي محمد التلعكبري ، عن أبي علي محمد بن همام ( قال ) : كان السريعي يكنى : ب ( أبي محمد ) ( قال ) هارون : وأظن اسمه كان ( الحسن ) ، وكان من أصحاب أبي الحسن علي بن محمد ثم الحسن بن علي بعده عليهم السلام .
وهو أول من ادعى مقاما لم يجعله الله فيه، ولم يكن أهلا له ، وكذب على الله وعلى حججه( عليهم السلام ) ، ونسب إليهم ما لا يليق بهم ، وما هم منه براء ، فلعنته
=>
الإحتجاج
(الجزء الثاني) _ 291 _
---------------------------
<=
الشيعة وتبرأت منه ، وخرج توقيع الإمام ( عليه السلام ) بلعنه والبراءة منه .
( قال ) هارون : ثم ظهر منه القول بالكفر والإلحاد .
( قال ) وكل هؤلاء المدعين إنما يكون كذبهم أولا على الإمام وأنهم وكلاؤه ، فيدعون الضعفة بهذا القول إلى موالاتهم ، ثم يترقى الأمر بهم إلى قول الحلاجية كما اشتهر من أبي جعفر الشلمغاني ونظرائه عليهم جميعا لعائن الله تترى .
( ومنهم ) : محمد بن نصير النميري ( قال ابن نوح ) : أخبرنا أبو نصر هبة الله ابن محمد ( قال ) : كان محمد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام فلما توفي أبو محمد إدعى مقام أبي جعفر محمد بن عثمان أنه صاحب إمام الزمان ، وادعى له البابية ، وفضحه الله تعالى بما ظهر منه من الالحاد والجهل ، ولعن أبي جعفر محمد بن عثمان له وتبريه منه ، واحتجابه عنه ، وادعى ذلك الأمر بعد السريعي .
( قال أبو طالب الأنباري ) لما ظهر محمد بن نصير بما ظهر لعنه أبو جعفر رضي الله عنه وتبرأ منه ، فبلغه ذلك فقصد أبا جعفر رضي الله عنه ليعطف بقلبه عليه أو يعتذر إليه فلم يأذن له وحجبه ورده خائبا .
( وقال ) سعد بن عبد الله، كان محمد بن نصير النميري يدعي أنه رسول نبي وأن علي بن محمد ( عليه السلام ) أرسله ، وكان يقول بالتناسخ ، ويغلو في أبي الحسن ـ ع ويقول فيه بالربوبية ، ويقول بالإباحة للمحارم ، وتحليل نكاح الرجال بعضهم بعضا في أدبارهم، ويزعم : أن ذلك من التواضع والإخبات والتذلل في المفعول به ، وأنه من الفاعل إحدى الشهوات والطيبات ، وأن الله عز وجل لا يحرم شيئا من ذلك ، وكان محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات يقوي أسبابه ويعضده .
(أخبرني) بذلك عن محمد بن نصير أبو زكريا يحيى بن عبد الرحمن بن خاقان :
أنه رآه عيانا وغلام على ظهره ( قال ) : فلقيته فعاتبته على ذلك فقال : أن هذا من اللذات ، وهو من التواضع لله وترك التجبر.
( قال ) سعد : فلما اعتل محمد بن نصير العلة التي توفي فيها ، قيل له وهو مثقل اللسان ـ : لمن هذا الأمر من بعدك ؟
=>
الإحتجاج
(الجزء الثاني) _ 292 _
---------------------------
<=
فقال ـ بلسان ضعيف ملجاج ـ : أحمد فلم يدروا من هو ، فافترقوا بعده ثلاث فرق قالت فرقة : أنه أحمد ابنه ، وفرقة قالت : هو أحمد بن محمد بن موسى بن الفرات ، وفرقة قالت : أنه أحمد بن أبي الحسين بن بشر بن يزيد فتفرقوا فلا يرجعون إلى شئ ( ومنهم ) أحمد بن هلال الكرخي ، قال أبو علي بن همام : كان أحمد بن هلال من أصحاب أبي محمد ( عليه السلام ) ، فاجتمعت الشيعة على وكالة محمد بن عثمان ـ رضي الله عنه ـ بنص الحسن ( عليه السلام ) في حياته ، ولما مضى الحسين ( عليه السلام ) قالت الشيعة الجماعة له :
ألا تقبل أمر أبي جعفر محمد بن عثمان وترجع إليه وقد نص عليه الإمام المفترض الطاعة ؟
فقال لهم : لم أسمعه ينص عليه بالوكالة وليس أنكر أباه ـ أي : عثمان بن سعيد ـ فأما أن أقطع أن أبا جعفر وكيل صاحب الزمان فلا أجسر عليه .
فقالوا : قد سمعه غيرك ، فقال أنتم وما سمعتم ، ووقف على أبي جعفر فلعنوه وتبرؤا منه، ثم ظهر التوقيع على يد أبي القاسم بن روح بلعنه والبراءة منه في جملة من لعن .
( ومنهم ) : أبو طاهر محمد بن علي بن بلال ، وقصته معروفة فيما جرى بينه وبين أبي جعفر محمد بن عثمان العمري ـ نضر الله وجهه ـ وتمسكه بالأموال التي كانت عنده للإمام ، وامتناعه من تسليمها ، وادعائه أنه الوكيل ، حتى تبرأت الجماعة منه ولعنوه ، وخرج فيه من صاحب الزمان ما هو معروف .
( وحكى ) أبو غالب الرازي : قال : حدثني أبو الحسن محمد بن محمد بن يحيى المعاذي قال :
كان رجل من أصحابنا قد انضوى إلى أبي طاهر بن بلال بعد ما وقعت الفرقة ثم إنه رجع عن ذلك وصار في جملتنا فسألناه عن السبب قال :
كنت عند أبي طاهر بن بلال يوما وعنده أخوه أبو الطيب وابن حرز وجماعة من أصحابه إذ دخل الغلام فقال :
أبو جعفر على الباب ، ففزعت الجماعة لذلك وأنكرته للحال التي كانت جرت .
=>
الإحتجاج
(الجزء الثاني) _ 293 _
---------------------------
<=
وقال : يدخل .
فدخل أبو جعفر ـ رضي الله عنه ـ فقام له أبو طاهر والجماعة وجلس في صدر المجلس ، وجلس أبو طاهر كالجالس بين يديه ، إلى أن سكتوا ثم قال : يا أبا طاهر نشدتك بالله ألم يأمرك صاحب الزمان بحمل ما عندك من المال إلي ؟
فقال : اللهم نعم .
فنهض أبو جعفر ـ رضي الله عنه ـ منصرفا ، ووقعت على القوم سكتة ، فلما تجلت عنهم قال له أخوه أبو الطيب :
من أين رأيت صاحب الزمان ؟
فقال أبو طاهر : أدخلني أبو جعفر ـ رضي الله عنه ـ إلى بعض دوره فأشرف علي من علو داره فأمرني بحمل ما عندي من المال إليه .
فقال له أبو الطيب : ومن أين علمت أنه صاحب الزمان ( عليه السلام ) ؟
قال قد وقع علي من الهيبة له ، ودخلني من الرعب منه ، ما علمت أنه صاحب الزمان ( عليه السلام ) ، فكان هذا سبب انقطاعي عنه .
(ومنهم) : الحسين بن منصور الحلاج ، أخبرنا الحسين بن إبراهيم عن أبي العباس أحمد بن علي بن نوح عن أبي نصر هبة الله بن محمد الكاتب ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري قال :
لما أراد الله تعالى أن يكشف أمر الحلاج، ويظهر فضيحته ويخزيه ، وقع له أن أبا سهل بن إسماعيل بن علي النوبختي ـ رضي الله عنه ـ ممن تجوز عليه مخرقته ، ووجه إليه يستدعيه وظن أن أبا سهل كغيره من الضعفاء في هذا الأمر بفرط جهله وقدر أن يستجره إليه فيتمخرق به ، ويتسوف بانقياده على غيره ، فيستتب إليه ما قصد إليه من الحيلة والبهرجة على الضعفة لقدر أبي سهل في أنفس الناس ومحله من العلم والأدب أيضا عندهم .
وقول له في مراسلته إياه : إني وكيل صاحب الزمان ( عليه السلام ) ـ وبهذا أو لا كان يستجر الجهال ثم يعلو منه إلى غيره ـ وقد أمرت بمراسلتك وإظهار ما تريده من النصرة لك لتقوي نفسك ، ولا ترتاب بهذا الأمر
=>
الإحتجاج
(الجزء الثاني) _ 294 _
---------------------------
<=
فأرسل إليه أبو سهل رضي ـ الله عنه ـ يقول له :
أني أسألك أمرا يسيرا يخف مثله عليك ، في جنب ما ظهر على يديك، من الدلائل والبراهين ، وهو أني رجل أحب الجواري وأصبو إليهن ، ولي منهن عدة أتحظاهن والشيب يبعدني عنهن ، واحتاج أن أخضبه في كل جمعة وأتحمل منه مشقة شديدة لأستر عنهن ذلك ، وإلا انكشف أمري عندهن ، فصار القرب بعدا ، والوصال هجرا ، وأريد أن تغنيني عن الخضاب وتكفيني مؤنته ، وتجعل لحيتي سوداء ، فإني طوع يديك ، وصائر إليك ، وقائل بقولك ، وداع إلى مذهبك ، مع ما لي في ذلك من البصيرة ولك من المعونة .
فلما سمع ذلك الحلاج من قوله وجوابه علم أنه قد أخطأ في مراسلته ، وجهل في الخروج إليه بمذهبه ، وأمسك عنه ولم يرد إليه جوابا ، ولم يرسل إليه رسولا ، وصيره أبو سهل ـ رضي الله عنه ـ أحدوثة وضحكة ويطنز به ( أي : يسخر ) عند كل أحد ، وشهر أمره عند الكبير والصغير ، وكان هذا الأمر سببا لكشف أمره ، وتنفير الجماعة عنه و ( منهم ) : ابن أبي العزاقر ، أخبرني الحسين بن إبراهيم عن أحمد بن نوح عن أبي نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري ـ رضي الله عنه ـ (قال) : كان أبو جعفر بن أبي العزاقر وجيها عند بني بسطام وذلك أن الشيخ أبا القاسم ـ رضي الله تعالى عنه وأرضاه - كان قد جعل له عند الناس منزلة وجاها ، فكان عند ارتداده يحكي كل كذب وبلاء ، وكفر لبني بسطام ويسنده عن الشيخ أبي القاسم ، فيقبلونه منه ويأخذونه عنه ، حتى انكشف ذلك لأبي القاسم ـ رضي الله عنه ـ فأنكره وأعظمه ، ونهى بني بسطام عن كلامه وأمرهم بلعنه والبراءة منه فلم ينتهوا ، وأقاموا على توليه وذاك أنه كان يقول لهم :
أنني أذعت السر وقد أخذ علي الكتمان فعوقبت بالإبعاد بعد الإختصاص ، لأن الأمر عظيم لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن ممتحن ، فيؤكد في نفوسهم عظم الأمر وجلالته ، فبلغ ذلك أبا القاسم ـ رضي الله عنه ـ فكتب إلى بني بسطام بلعنه والبراءة منه وممن تابعه على قوله وأقام على توليه ، فلما وصل إليهم أظهروه عليه فبكى
=>
الإحتجاج
(الجزء الثاني) _ 295 _
---------------------------
<=
بكاء عظيما ثم قال : إن لهذا القول باطنا عظيما وهو : أن اللعنة ( الإبعاد ) فمعنى قوله لعنه الله أي : باعده الله عن العذاب والنار ، والآن قد عرفت منزلتي ومرغ خديه على التراب وقال : عليكم بالكتمان لهذا لأمر ، قالت الكبيرة ـ رضي الله عنها ـ : وقد كنت أخبرت الشيخ أبا القاسم أن أم أبي جعفر بن بسطام قالت لي يوما وقد دخلنا إليها فاستقبلتني وأعظمتني وزادت في إعظامي حتى انكبت على رجلي تقبلها فأنكرت ذلك وقلت لها :
مهلا يا ستي !
فقالت لي : إن الشيخ أبا جعفر محمد بن علي قد كشف لنا السر .
قالت : فقلت لها : وما السر ؟
قالت : قد أخذ علينا كتمانه ، وأفزع إن أنا أذعته عوقبت .
قالت : وأعطيتها موثقا أني لا اكشفه لأحد واعتقدت في نفسي الاستثناء بالشيخ ـ رضي الله عنه ـ يعني أبا القاسم الحسين بن روح .
قالت : إن الشيخ أبا جعفر قال لنا : أن روح رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وسلم انتقلت إلى أبيك يعني : أبا جعفر محمد بن عثمان ـ رضي الله عنه ـ وروح أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) انتقلت إلى بدن الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ، وروح مولاتنا فاطمة عليها السلام انتقلت إليك فكيف لا أعظمك يا ستنا ؟!
فقلت لها : مهلا لا تفعلي فإن هذا كذب يا ستنا !
فقالت لي : سر عظيم وقد أخذ علينا أننا لا نكشف هذا لأحد فالله الله في لا يحل لي العذاب ، ويا ستي لولا أنك حملتيني على كشفه ما كشفته لك ولا لأحد غيرك .
قالت الكبيرة أم كلثوم ـ رضي الله عنها ـ : فلما انصرفت من عندها دخلت على الشيخ أبي القاسم بن روح ـ رضي الله عنه ـ فأخبرته بالقصة وكان يثق بي ويركن إلى قولي .
فقال لي : يا بنية إياك أن تمضي إلى هذه المرأة بعد ما جرى منها ، ولا تقبلي لها رقعة إن كاتبتك ، ولا رسولا إن أنفذته إليك ، ولا تلقيها بعد قولها ، فهذا كفر بالله تعالى ، وإلحاد قد أحكمه هذا الرجل الملعون في قلوب هؤلاء القوم ليجعله طريقا إلى أن يقول لهم بأن الله تعالى اتحد به وحل فيه كما يقول النصارى في المسيح ( عليه السلام ) ، ويعدو
=>
الإحتجاج
(الجزء الثاني) _ 296 _
وأما الأبواب المرضيون ، والسفراء الممدوحون في زمان الغيبة :
فأولهم : الشيخ الموثوق به أبو عمرو ( عثمان ) بن سعيد العمري ، نصبه أولا أبو الحسن علي بن محمد العسكري ، ثم ابنه أبو محمد الحسن ، فتولى القيام بأمورهما حال حياتهما ( عليهما السلام ) ، ثم بعد ذلك قام بأمر صاحب الزمان ( عليه السلام )، وكان توقيعاته وجواب المسائل تخرج على يديه .
فلما مضى لسبيله ، قام ابنه أبو جعفر ( محمد ) بن عثمان مقامه ، وناب منابه في جميع ذلك .
فلما مضى هو ، قام بذلك أبو القاسم ( حسين بن روح ) من بني نوبخت .
فلما مضى هو ، قام مقامه أبو الحسن ( علي ) بن محمد السمري (1) ولم يقم
---------------------------
<=
إلى قول الحلاج لعنه الله.
قالت : فهجرت بني بسطام ، وتركت المضي إليهم ، ولم أقبل لهم عذرا ، ولا لقيت أمهم بعدها ، وشاع في بني نوبخت الحديث فلم يبق أحد إلا وتقدم إليه الشيخ أبو القاسم وكاتبه بلعن أبي جعفر الشلمغاني والبراءة منه وممن يتولاه ورضي بقوله أو كلمه فضلا عن موالاته ، ثم ظهر التوقيع من صاحب الزمان ( عليه السلام ) بلعن أبي جعفر محمد بن علي والبراءة منه وممن تابعه وشايعه ورضي بقوله وأقام على توليه بعد المعرفة بهذا التوقيع ، وله حكايات قبيحة ننزه كتابنا عن ذكرها ، ذكرها ابن نوح وغيره .
(1) قال في الجزء الثاني من سفينة البحار ص 249 : ( الشيخ الأجل علي بن محمد السمري رضي الله عنه ، أبو الحسن ، قام بأمر النيابة بعد الحسين بن روح رضي الله عنه ، ومضى في النصف من شعبان سنة (329) تسع وعشرين وثلاثمائة، وأخرج إلى الناس توقيعا قبل وفاته بأيام :
بسم الله الرحمن الرحيم
يا علي بن محمد السمري ، أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد الخ، فلما كان اليوم السادس دخلوا عليه وهو يجود بنفسه فقيل له :
من وصيك من بعدك ؟
=>
الإحتجاج
(الجزء الثاني) _ 297 _
أحد منهم بذلك إلا بنص عليه من قبل صاحب الأمر ( عليه السلام ) ، ونصب صاحبه الذي تقدم عليه ، ولم تقبل الشيعة قولهم إلا بعد ظهور آية معجزة تظهر على يد كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر ( عليه السلام )، تدل على صدق مقالتهم ، وصحة بابيتهم .
فلما حان سفر أبي الحسن السمري من الدنيا وقرب أجله قيل له :
إلى من توصي ؟
فأخرج إليهم توقيعا نسخته :
بسم الله الرحمن الرحيم
يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام ، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامة ، فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طول الأمد ، وقسوة القلوب ، وامتلاء الأرض جورا .
وسيأتي إلى شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
فنسخوا هذا التوقيع وخرجوا ، فلما كان اليوم السادس عادوا إليه وهو يجود بنفسه .
فقال له بعض الناس : من وصيك من بعدك ؟
فقال : لله أمر هو بالغه ، وقضى فهذا آخر كلام سمع منه (ره) .
( ذكر طرف مما خرج أيضا عن صاحب الزمان ( عليه السلام ) من المسائل الفقهية وغيرها، في التوقيعات على أيدي الأبواب الأربعة وغيرهم ) .
عن محمد بن يعقوب الكليني ، رفعه عن الزهري ، قال : طلبت هذا الأمر طلبا
---------------------------
<=
فقال : لله أمر هو بالغه ، وقضى رحمه الله... روي أنه قال يوما لجمع من المشايخ عنده آجركم الله في علي بن الحسين ـ أي : ابن بابويه ـ فقد قبض في هذه الساعة .
قالوا : فأثبتنا تاريخ الساعة واليوم والشهر ، فلما كان بعد سبعة عشر يوما أو ثمانية عشر ، ورد الخبر : أنه قبض في تلك الساعة التي ذكرها الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه ، وقبره ببغداد بالقرب عن قبر الكليني رحمه الله) .
الإحتجاج
(الجزء الثاني) _ 298 _
شافيا حتى ذهب لي فيه مال صالح ، فوقعت إلى العمري وخدمته ولزمته ، فسألته بعد ذلك عن صاحب الزمان ( عليه السلام ) .
قال : ليس إلى ذلك وصول ، فخضعت له .
فقال لي : بكر بالغداة .
فوافيت ، فاستقبلني ومعه شاب من أحسن الناس وجها ، وأطيبهم ريحا ، وفي كمه شئ ، كهيئة التجار ، فلما نظرت إليه دنوت من العمري ، فأومى إليه فعدلت إليه وسألته فأجابني عن كل ما أردت .
ثم مر ليدخل الدار وكانت من الدور التي لا يكترث بها .
فقال العمري : إن أردت أن تسأل فاسأل فإنك لا تراه بعد ذا ، فذهبت لأسأل فلم يستمع ودخل الدار وما كلمني بأكثر من أن قال :
ملعون ملعون من أخر العشاء إلى أن تشتبك النجوم ، ملعون ملعون من أخر الغداة إلى أن تنقضي النجوم ، ودخل الدار .
وعن أبي الحسن محمد بن جعفر الأسدي (1) قال : كان فيما ورد علي من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه في جواب مسائل إلى صاحب الزمان :
أما ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ، فلئن كان كما يقول الناس : ( إن الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان ) فما أرغم أنف الشيطان شئ أفضل من الصلاة ، فصلها وارغم الشيطان أنفه .
وأما ما سألت عنه من أمر الوقف على ناحيتنا ، وما يجعل لنا ثم يحتاج إليه صاحبه ، فكل ما لم يسلم فصاحبه فيه بالخيار ، وكل ما سلم فلا خيار لصاحبه فيه
---------------------------
(1) قال العلامة في الخلاصة ص 160 : ( محمد بن جعفر بن محمد بن عون الأسدي أبو الحسين الكوفي سكن الري يقال له محمد بن أبي عبد الله كان ثقة صحيح الحديث إلا أنه روى عن الضعفاء ، وكان يقول بالجبر والتشبيه فإنا في حديثه من المتوقفين ، وكان أبوه وجها روى عنه أحمد بن محمد بن عيسى وقال الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله ص 496 :
( محمد بن جعفر الأسدي كان يكنى أبو الحسين الرازي كان أحد الأبواب ) .
الإحتجاج
(الجزء الثاني) _ 299 _
احتاج أو لم يحتج ، افتقر إليه أو استغنى عنه .
وأما ما سألت عنه من أمر من يستحل ما في يده من أموالنا ويتصرف فيه تصرفه في ماله من غير أمرنا ، فمن فعل ذلك فهو ملعون ، ونحن خصماؤه يوم القيامة ، وقد قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( المستحل من عترتي ما حرم الله ملعون على لساني ولسان كل نبي مجاب ) فمن ظلمنا كان في جملة الظالمين لنا ، وكانت لعنة الله عليه لقوله عز وجل : ( ألا لعنة الله على الظالمين ) (1) .
وأما ما سألت عنه عن أمر المولود الذي نبتت غلفته بعد ما يختن مرة أخرى فإنه يجب أن يقطع غلفته فإن الأرض تضج إلى الله تعالى من بول الأغلف أربعين صباحا .
وأما ما سألت عنه من أمر المصلي والنار والصورة والسراج بين يديه ، هل يجوز صلاته ؟
فإن الناس قد اختلفوا في ذلك قبلك ، فإنه جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الأصنام والنيران أن يصلي والنار والسراج بين يديه ، ولا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عبدة الأوثان والنيران .
وأما ما سألت عنه عن أمر الضياع التي لناحيتنا ، هل يجوز القيام بعمارتها وأداء الخراج منها ، وصرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية ، احتسابا للأجر ، وتقربا إليكم ؟
فلا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه ، فكيف يحل ذلك في مالنا من فعل ذلك بغير أمرنا فقد استحل منا ما حرم عليه ، ومن أكل من أموالنا شيئا فإنما يأكل في بطنه نارا وسيصلى سعيرا .
وأما ما سألت عنه من أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعة ، ويسلمها من قيم يقوم بها ويعمرها ، ويؤدي من دخلها خراجها ومؤنتها ، ويجعل ما بقي من الدخل لناحيتنا فإن ذلك جائز لمن جعله صاحب الضيعة قيما عليها ، إنما لا يجوز ذلك لغيره .
---------------------------
(1) الأعراف ـ 43 .
الإحتجاج
(الجزء الثاني) _ 300 _
وأما ما سألت عنه من الثمار من أموالنا يمر به المار فيتناول منه ويأكل ، هل يحل له ذلك ؟
فإنه يحل له أكله ويحرم عليه حمله .
وعن أبي الحسين الأسدي أيضا قال : ورد علي توقيع من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري ـ قدس الله روحه ـ ابتداء لم يتقدمه سؤال عنه ، نسخته :
بسم الله الرحمن الرحيم
لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، على من استحل من أموالنا درهما .
قال أبو الحسين الأسدي (ره) : فوقع في قلبي أن ذلك فيمن استحل من مال الناحية درهما دون من أكل منه غير مستحل ، وقلت في نفسي : أن ذلك في جميع من استحل محرما ، فأي فضل في ذلك للحجة ( عليه السلام ) على غيره ؟!
قال : فوالذي بعث محمدا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالحق بشيرا ، لقد نظرت بعد ذلك في التوقيع فوجدته قد انقلب إلى ما كان في نفسي :
بسم الله الرحمن الرحيم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على من أكل من مالنا درهما حراما .
وقال أبو جعفر بن بابويه في الخبر الذي روي فيمن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا أن عليه ثلاث كفارات فإني أفتي به فيمن أفطر بجماع محرم عليه أو بطعام محرم عليه لوجود ذلك في روايات أبي الحسن الأسدي (ره) فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان ( ره ) .
وعن عبد الله بن جعفر الحميري (1) قال : خرج التوقيع إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان قدس الله روحه في التعزية بأبيه (ره) في فصل من الكتاب :
---------------------------
(1) قال العلامة في القسم الأول من الخلاصة ص 106 : ( عبد الله بن جعفر ابن الحسين بن مالك بن جامع الحميري ـ بالحاء المهملة ـ أبو العباس القمي شيخ القميين ووجههم ، قدم الكوفة سنة نيف وتسعين ومائتين ، ثقة من أصحاب أبي محمد الحسن العسكري ( عليه السلام ).