الفهرس العام

احتجاج النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم الغدير على الخلق كلهم وفي غيره من الأيام بولاية علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ومن بعده من ولده من الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.


احتجاج سلمان الفارسي رضي الله عنه (1) في خطبة خطبها بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على القوم لما تركوا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) واختاروا غيره ونبذوا العهد المأخوذ عليهم وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون .


  اذهبي إلى منزل علي وفاطمة ( عليهما السلام ) ، واقرأيهما السلام، وقولي لعلي ( إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين ( فجاءت فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قولي لها : إن الله يحول بينهم وبين ما يريدون ) .
  ثم قام وتهيأ للصلاة ، وحضر المسجد، وصلى خلف أبي بكر ، وخالد بن الوليد يصلي بجنبه ، ومعه السيف، فلما جلس أبو بكر في التشهد، ندم على ما قال وخاف الفتنة، وعرف شدة علي وبأسه ، فلم يزل متفكرا لا يجسر أن يسلم ، حتى ظن الناس أنه قد سهى .

---------------------------
<=
في الجنان ( عليه السلام ) ثمانية بنين ، وهم عبد الله، وعون، ومحمد الأكبر، ومحمد الأصغر، وعبد الله الأكبر ، وعبد الله الأصغر ، وحميد ، وحسين.
أما (محمد الأكبر) فقتل مع عمه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بصفين.
وأما (عون) و (محمد الأصغر) فقتلا مع ابن عمهما الحسين عليه السلام يوم الطف وأما (عبد الله الأكبر) فهو أحد أجواد بني هاشم الأربعة وهم: (الحسن والحسين وعبد الله بن العباس وهو الرابع ( عليه السلام ) ).
ولم يبايع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) طفلا غير هؤلاء الأربعة.
ولد بأرض الحبشة، وله في الجود أخبار كثيرة حتى لقب بقطب السخاء، حضر مع عمه صفين، وعقد له يوم الجمل على عشرة آلاف، وليس لجعفر عقب إلا منه.
فلما قتل جعفر بن أبي طالب ( عليه السلام ) تزوجها أبو بكر فأولدت له محمدا حبيب على وربيب حجره وواليه على مصر ، قتله معاوية بن أبي سفيان وللأمام ( عليه السلام ) عند قتل محمد بن أبي بكر خطبة موجودة في النهج ولما مات أبو بكر ، تزوجها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فأولدت له يحيى بإجماع ، واختلف في عون بن علي بن أبي طالب فقيل إنه منها .
وروي أنها كانت تحت حمزة بن عبد المطلب فأولدت له بنتا اسمها أمامة.
في كشف الغمة: (عن أسماء بنت عميس قالت : أوصتني فاطمة ( عليها السلام ) أن لا يغسلها إلا أنا وعلي فغسلتها أنا وعلي ( عليه السلام ) راجع: الإصابة، أسد الغابة، أعلام النساء ريحانة الأدب، شرح النهج لابن أبي الحديد، كشف الغمة للإربلي ، أعيان الشيعة.

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 127 _

  ثم التفت إلى خالد ، فقال: ( يا خالد لا تفعلن ما أمرتك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) .
  فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا خالد ما الذي أمرك به ؟ فقال أمرني بضرب عنقك ، قال: أو كنت فاعلا ؟ قال: إي والله، لولا أنه قال لي لا تقتله قبل التسليم لقتلتك .
  قال: فأخذه علي ( عليه السلام ) فجلد به الأرض، فاجتمع الناس عليه، فقال عمر يقتله ورب الكعبة، فقال الناس، يا أبا الحسن الله الله، بحق صاحب القبر، فخلى عنه، ثم التفت إلى عمر ، فأخذ بتلابيبه وقال : يا بن صهاك والله لولا عهد من رسول الله، وكتاب من الله سبق ، لعلمت أينا أضعف ناصرا وأقل عددا ودخل منزله .

رسالة لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى أبي بكر لما بلغه عنه كلام بعد منع الزهراء ( عليها السلام ) فدك .
  شقوا متلاطمات أمواج الفتن بحيازيم سفن النجاة، وحطوا تيجان أهل الفخر بجميع أهل الغدر، واستضاؤا بنور الأنوار ، واقتسموا مواريث الطاهرات الأبرار، واحتقبوا (1) ثقل الأوزار، بغصبهم نحلة النبي المختار ، فكأني بكم تترددون في العمى ، كما يتردد البعير في الطاحونة أما والله لو أذن لي بما ليس لكم به علم لحصدت رؤسكم عن أجسادكم كحب الحصيد، بقواضب من حديد ، ولقلعت من جماجم شجعانكم ما اقرح به اماقكم ، وأوحش به محالكم ، فإني ـ مذ عرفت ـ مردي العساكر، ومفني الجحافل ، ومبيد خضرائكم ، ومخمل ضوضائكم ، وجرار الدوارين إذ أنتم في بيوتكم معتكفون ، وإني لصاحبكم بالأمس ، لعمر أبي وأمي لن تحبوا أن يكون فينا الخلافة والنبوة ، وأنتم تذكرون أحقاد بدر ، وثارات أحد، أما والله لو قلت ما سبق الله فيكم ، لتداخلت أضلاعكم في أجوافكم،

---------------------------
(1) احتقبوا: حملوا على ظهورهم.

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 128 _

  كتداخل أسنان دوارة الرحى، فإن نطقت يقولون حسدا ، وإن سكت فيقال ابن أبي طالب جزع من الموت، هيهات هيهات! الساعة يقال لي هذا ؟! وأنا المميت المائت، وخواض المنايا في جوف ليل حالك، حامل السيفين الثقيلين، والرمحين الطويلين، ومنكس الرايات في غطامط الغمرات (1)، ومفرج الكربات عن وجه خير البريات، ايهنوا فوالله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل إلى محالب أمه هبلتكم الهوابل (2) لو بحت بما أنزل الله سبحانه في كتابه فيكم ، لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة (3) ولخرجتم من بيوتكم هاربين ، وعلى وجوهكم هائمين ، ولكني أهون وجدي حتى ألقى ربي ، بيد جذاء صفراء من لذاتكم ، خلو من طحناتكم ، فما مثل دنياكم عندي إلا كمثل غيم علا فاستعلا ثم استغلظ فاستوى ، ثم تمزق فانجلا ، رويدا فعن قليل ينجلي لكم القسطل (4) وتجنون ثمر فعلكم مرا ، وتحصدون غرس أيديكم ذعافا ممقرا (5) وسما قاتلا وكفى بالله حكيما ، وبرسول الله خصيما ، وبالقيامة موقفا ، فلا ابعد الله فيها سواكم ، ولا اتعس فيها غيركم، والسلام على من اتبع الهدى.
  فلما أن قرأ أبو بكر الكتاب رعب من ذلك رعبا شديدا ، وقال : يا سبحان الله ما أجرأه علي وأنكله عن غيري .
  معاشر المهاجرين والأنصار تعلمون أني شاورتكم في ضياع فدك بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقلتم : إن الأنبياء لا يورثون ، وإن هذه أموال يجب أن تضاف إلى

---------------------------
(1) غطامط: عظيم الأمواج والغمرات جمع غمرة وهي: الشدة وغمرة الشئ شدته ومزدحمه
(2) هبلت فلانا أمه: ثكلته فهي هابل .
(3) الأرشية جمع رشاء: وهو حبل الدلو ، والطوى السقاء الذي يجعلون فيها الماء .
(4) القسطل: الغبار الساطع في الحرب .
(5) الذعاف: السم الذي يقتل من ساعته ـ والممقر: المر.

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 129 _

  مال الفيئ ، وتصرف في ثمن الكراع والسلاح، وأبواب الجهاد، ومصالح الثغور فأمضينا رأيكم ، ولم يمضه من يدعيه ، وهو ذا يبرق وعيدا، ويرعد تهديدا ، إيلاء بحق محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يمضحها (1) دما ذعافا، والله لقد استقلت منها فلم أقل واستعزلتها عن نفسي فلم أعزل، كل ذلك كراهية مني لابن أبي طالب ، وهربا من نزاعه ، ما لي ولابن أبي طالب أهل نازعه أحد ففلج (2) عليه ؟ فقال : له عمر أبيت أن تقول إلا هكذا؟ فأنت ابن من لم يكن مقداما في الحروب ولا سخيا في الجدوب سبحان الله ما أهلع (3) فؤادك ، وأصغر نفسك ، قد صفيت لك سجالا (4) لتشربها فأبيت إلا أن تظمأ كظمائك وأنخت لك رقاب العرب ، وثبت لك الإشارة والتدبير ولولا ذلك لكان ابن أبي طالب قد صير عظامك رميما ، فأحمد الله على ما قد وهب لك مني ، واشكره على ذلك ، فإنه من رقى منبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان حقيقا عليه أن يحدث لله شكرا ، وهذا علي بن أبي طالب الصخرة الصماء التي لا ينفجر ماءها إلا بعد كسرها ، والحية الرقشاء التي لا تجيب إلا بالرقى ، والشجرة المرة التي لو طليت بالعسل لم تنبت إلا مرا ، قتل سادات قريش فأبادهم ، وألزم آخرهم العار ففضحهم ، فطب عن نفسك نفسا ، ولا تغرنك صواعقه ، ولا يهولنك رواعده وبوارقه ، فإني أسد بابه قبل أن يسد بابك ، فقال له أبو بكر: ناشدتك الله يا عمر لما أن تركتني من أغاليطك وتربيدك ، فوالله لو هم ابن أبي طالب بقتلي وقتلك لقتلنا بشماله دون يمينه ، وما ينجينا منه إلا إحدى ثلاث خصال: إحداها: إنه وحيد ولا ناصر له ، والثانية إنه ينتهج فينا وصية رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والثالثة: إنه ما من هذه القبائل أحد إلا وهو يتخضمه (5) كتخضم الثنية الإبل أوان الربيع، فتعلم لولا ذلك لرجع الأمر إليه وإن كنا له كارهين ، أما إن هذه الدنيا أهون إليه من

---------------------------
(1) وفي نسخة يمضخها.
(2) فلج عليه: فاز.
(3) الهلع: الجبن عند اللقاء.
(4) السجال جمع سجل وهو: دلو عظيم فيه ماء .
(5) في بعض النسخ 0 يتهضمه كتهضم ) .

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 130 _

  لقاء أحدنا للموت ، أنسيت له يوم أحد ؟ وقد فررنا بأجمعنا ، وصعدنا الجبل، وقد أحاطت به ملوك القوم، وصناديدهم موقنين بقتله ، لا يجد محيصا للخروج من أوساطهم، فلما أن سدد عليه القوم رماحهم نكس نفسه عن دابته حتى جاوزه طعان القوم، ثم قام قائما في ركابيه وقد طرق عن سرجه وهو يقول: ( يا الله يا الله يا جبرئيل يا جبرئيل يا محمد يا محمد النجاة النجاة ) ثم عمد إلى رئيس القوم فضربه ضربة على أم رأسه فبقي على فك واحد ولسان ، ثم عمد إلى صاحب الراية العظمى فضربه ضربة على جمجمته ففلقها ، ومر السيف يهوي في جسده فبراه ودابته بنصفين: ولما أن نظر القوم إلى ذلك انجفلوا من بين يديه ، فجعل يمسحهم بسيفه مسحا حتى تركهم جراثيم جمودا على تلعة من الأرض، يتمرغون في حسرات المنايا، يتجرعون كؤوس الموت، قد اختطف أرواحهم بسيفه ، ونحن نتوقع منه أكثر من ذلك ، ولم نكن نضبط من أنفسنا من مخافته حتى ابتدئت منك إليه التفاتة، وكان منه إليك ما تعلم ، ولولا أنه نزلت آية من كتاب الله لكنا من الهالكين، وهو قوله تعالى ( : ولقد عفا عنكم (1) ) فاترك هذا الرجل ما تركك ، ولا يغرنك قول خالد أنه يقتله ؟ فإنه لا يجسر على ذلك ، ولو رام لكان أول مقتول بيده ، فإنه من ولد عبد مناف ، إذا هاجوا هيبوا ، وإذا غضبوا أدموا ، ولا سيما علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) نابها الأكبر، وسنامها الأطول ، وهامتها الأعظم، والسلام على من اتبع الهدى.

---------------------------
(1) آل عمران / 152.

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 131 _

  روى عبد الله بن الحسن (1) بإسناده عن آبائه ( عليهم السلام ) : إنه لما أجمع (2) أبو بكر وعمر على منع فاطمة عليها السلام فدكا وبلغها ذلك (3)...

---------------------------
(1) هو عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام. في عمدة الطالب وإنما سمي المحض لأن أباه الحسن بن الحسن ( عليه السلام ) وأمه فاطمة بنت الحسين ( عليه السلام ) وكان يشبه برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
وكان شيخ بني هاشم في زمانه ، وقيل له : بما صرتم أفضل الناس ، قال : لأن الناس كلهم يتمنون أن يكونوا منا ولا نتمنى أن نكون من أحد ، وقال أبو الفرح الأصفهاني ـ في مقاتل الطالبيين ـ عند ذكر من قتل أيام أبي جعفر المنصور وكان أبو جعفر المنصور قد طلب محمدا وإبراهيم فلم يقدر عليهما فحبس عبد الله بن الحسن وإخوته وجماعة من أهل بيته بالمدينة ثم أحضرهم إلى الكوفة فحبسهم بها ، فلما ظهر محمد قتل عدة منهم في الحبس إلى أن قال وعبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، يكنى أبا محمد ، إلى أن قال : وقتل عبد الله بن الحسن في محبسه بالهاشمية ، وهو ابن خمس وسبعين ، سنة خمس وأربعين ومائة .
وفي معجم البلدان: والهاشمية أيضا مدينة بناها السفاح بالكوفة إلى أن قال وبالهاشمية هذه حبس المنصور عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن كان معه من أهل بيته .
(2) أجمع: أحكم النية والعزيمة .
(3) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: قال أبو بكر ـ يعني : الجوهري ـ فحدثني محمد بن زكريا قال : حدثني حعفر بن محمد بن عمارة الكندي قال : حدثني أبي عن الحسين بن صالح بن حي قال حدثني رجلان من بني هاشم عن زينب بنت علي بن أبي طالب ( عليه السلام ).
قال : وقال جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه.
قال أبو بكر: وحدثني عثمان بن عمران العجيفي عن نائل بن نجيح بن عمير بن
=>

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 132 _

  لاثت خمارها (1) على رأسها، واشتملت بجلبابها (2)، وأقبلت في لمة (3) من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها (4)، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (5) حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم (6) فنيطت دونها ملاءة (7) فجلست ثم أنت أنة أجهش (8) القوم لها بالبكاء ، فارتج المجلس، ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم ، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله، فعاد القوم في بكائهم ، فلما أمسكوا عادت في كلامها ، فقالت ( عليها السلام ) :
  الحمد لله على ما أنعم ، وله الشكر على ما ألهم ، والثناء بما قدم ، من عموم نعم ابتداها ، وسبوغ آلاء أسداها ، وتمام منن أولاها ، جم عن الاحصاء عددها ، ونأى عن الجزاء أمدها ، وتفاوت عن الإدراك أبدها ، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها واستحمد إلى الخلائق بإجزالها ، وثنى بالندب إلى أمثالها ، وأشهد أن لا إله إلا الله

---------------------------
<=
شمر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي ( عليه السلام ) .
قال أبو بكر: وحدثني أحمد بن محمد بن زيد عن عبد الله بن محمد بن سليمان عن أبيه عن عبد الله بن حسن بن حسن قالوا جميعا لما بلغ فاطمة ... الخ
(1) اللوث: الطي والجمع ، ولاث العمامة شدها وربطها ، ولانت خمارها لفته والخمار بالكسر : المقنعة، سميت بذلك لأن الرأس يخمر بها أي يغطى .
(2) الاشتمال بالشئ جعله شاملا ومحيطا لنفسه ـ والجلباب: الرداء والإزا
ر (3) في لمة : أي جماعة وفي بعض النسخ في لميمة بصيغة التصغير أي في جماعة قليلة والحفدة بالتحريك : الأعوان والخدم .
(4) أي أن أثوابها كانت طويلة تستر قدميها فكانت تطأها عند المشي وفي بعض النسخ تجر أدراعها والمعنى واحد .
(5) الخرم بضم الخاء وسكون الراء الترك ، والنقص ، والعدول.
(6) الحشد: الجماعة.
(7) نيطت: علقت وناط الشئ علقه: والملاءة الإزار.
(8) أجهش القوم: تهيئوا .

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 133 _

  وحده لا شريك له ، كلمة جعل الإخلاص تأويلها ، وضمن القلوب موصولها ، وأنار في التفكر معقولها ، الممتنع من الأبصار رؤيته ، ومن الألسن صفته ، ومن الأوهام كيفيته ، ابتدع الأشياء لا من شئ كان قبلها ، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها كونها بقدرته ، وذرأها بمشيته ، من غير حاجة منه إلى تكوينها ، ولا فائدة له في تصويرها ، إلا تثبيتا لحكمته ، وتنبيها على طاعته ، وإظهارا لقدرته ، تعبدا لبريته وإعزازا لدعوته ، ثم جعل الثواب على طاعته ، ووضع العقاب على معصيته ، زيادة لعباده من نقمته ، وحياشة (1) لهم إلى جنته ، وأشهد أن أبي محمدا عبده ورسوله اختاره قبل أن أرسله، وسماه قبل أن اجتباه ، واصطفاه قبل أن ابتعثه ، إذ الخلائق بالغيب مكنونة ، وبستر الأهاويل مصونة ، وبنهاية العدم مقرونة علما من الله تعالى بما يلي الأمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بموقع الأمور ابتعثه الله إتماما لأمره ، وعزيمة على إمضاء حكمه ، وإنفاذا لمقادير حتمه ، فرأى الأمم فرقا في أديانها، عكفا على نيرانها، عابدة لأوثانها ، منكرة لله مع عرفانها فأنار الله بأبي محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ظلمها ، وكشف عن القلوب بهمها (2)، وجلى عن الأبصار غممها (3)، وقام في الناس بالهداية ، فأنقذهم من الغواية ، وبصرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم ، ثم قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار ، ورغبة وإيثار ، فمحمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من تعب هذه الدار في راحة ، قد حف بالملائكة الأبرار، ورضوان الرب الغفار ، ومجاورة الملك الجبار ، صلى الله على أبي نبيه ، وأمينه ، وخيرته من الخلق وصفيه ، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته .
  ثم التفتت إلى أهل المجلس وقالت : أنتم عباد الله نصب أمره ونهيه ، وحملة دينه ووحيه، وأمناء الله على أنفسكم ، وبلغائه إلى الأمم ، زعيم حق له فيكم ، وعهد

---------------------------
(1) حاش الإبل: جمعها وساقها .
(2) بهمها : أي مبهماتها وهي المشكلات من الأمور .
(3) الغمم: جمع غمة وهي : المبهم والملتبس وفي بعض النسخ ( عماها ) .

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 134 _

  قدمه إليكم ، وبقية استخلفها عليكم: كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع ، والضياء اللامع، بينة بصائره ، منكشفة سرائره ، منجلية ظواهره ، مغتبطة به أشياعه، قائدا إلى الرضوان أتباعه، مؤد إلى النجاة استماعه، به تنال حجج الله المنورة ، وعزائمه المفسرة، ومحارمه المحذرة، وبيناته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، ورخصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة، فجعل الله الإيمان: تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة : تنزيها لكم عن الكبر، والزكاة:
  تزكية للنفس ، ونماء في الرزق، والصيام: تثبيتا للاخلاص ، والحج: تشييدا للدين، والعدل: تنسيقا للقلوب ، وطاعتنا: نظاما للملة، وإمامتنا: أمانا للفرقة والجهاد: عزا للإسلام ، والصبر ، معونة على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف:
  مصلحة للعامة ، وبر الوالدين: وقاية من السخط، وصلة الأرحام: منساة في العمر (1) ومنماة للعدد ، والقصاص: حقنا للدماء ، والوفاء بالنذر : تعريضا للمغفرة، وتوفية المكائيل والموازين: تغييرا للبخس ، والنهي عن شرب الخمر: تنزيها عن الرجس واجتناب القذف: حجابا عن اللعنة، وترك السرقة: إيجابا بالعفة ، وحرم الله الشرك إخلاصا له بالربوبية ، فاتقوا الله حق تقاته ، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه ، فإنه إنما يخشى الله من عباده العلماء.
  ثم قالت أيها الناس اعلموا: إني فاطمة وأبي محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أقول عودا وبدوا ، ولا أقول ما أقول غلطا ، ولا أفعل ما أفعل شططا (2) لقد جائكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم (3) حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم ، فإن تعزوه (4) وتعرفوه: تجدوه أبي دون نسائكم ، وأخا ابن عمي دون رجالكم (5)

---------------------------
(1) منساة للعمر: مؤخرة .
(2) شططا: الشطط بالتحريك: هو البعد عن الحق ومجاوزة الحد في كل شئ .
(3) عنتم: أنكرتم وجحدتم .
(4) تعزوه: تنبوة
(5) سيأتي قول النبي لعلي أنت أخي وحديث المؤاخاة .

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 135 _

  ولنعم المعزى إليه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فبلغ الرسالة ، صادعا بالنذارة (1) مائلا عن مدرجة المشركين (2) ضاربا ثبجهم (3) آخذا بأكظامهم (4) داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، يجف الأصنام (5) وينكث الهام، حتى انهزم الجمع وولوا الدبر، حتى تفرى الليل عن صبحه (6) وأسفر الحق عن محضه ، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشياطين (7) وطاح وشيظ النفاق (8) وانحلت عقد الكفر والشقاق ، وفهتم بكلمة الإخلاص (9) في نفر من البيض الخماص (10) وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب (11) ونهزة الطامع (12) وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام (13) تشربون الطرق (14)

---------------------------
(1) صادعا: الصدع هو الإظهار: والنذارة بالكسر الإنذار وهو الإعلام على وجه التخويف .
(2) المدرجة: هي المذهب والمسلك .
(3) ثبجهم: الثبج بالتحريك: وسط الشئ ومعظمه .
(4) أكظامهم: الكظم بالتحريك: مخرج النفس من الحلق .
(5) يجف الأصنام: في بعض النسخ ( يكسر الأصنام ) وفي بعضها ( يجذ ) أي يكسر .
(6) تفرى الليل عن صبحه: أي انشق حتى ظهر وجه الصباح.
(7) شقاشق الشياطين: الشقاشق: جمع شقشقة بالكسر وهي: شئ كالربة يخرجها البعير من فيه إذا هاج .
(8) طاح: هلك ، والوشيظ السفلة والرذل من الناس.
(9) كلمة الإخلاص: كلمة التوحيد.
(10) البيض الخماص: المرد بهم أهل البيت ( عليهم السلام ) .
(11) مذقة الشارب: شربته.
(12) نهزة الطامع: بالضم ـ الفرصة أي محل نهزته .
(13) قبسة العجلان: مثل في الاستعجال ، وموطئ الأقدام: مثل مشهور في المغلوبية والمذلة .
(14) الطرق: بالفتح ماء السماء الذي تبول به الإبل وتبعر.

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 136 _

  وتقتاتون القد (1) أذلة خاسئين ، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم ، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وبعد أن مني ببهم (2) الرجال وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، أو نجم قرن الشيطان (3) أو فغرت فاغرة من المشركين (4) قذف أخاه في لهواتها (5) فلا ينكفئ حتى يطأ جناحها بأخمصه (6) ويخمد لهبها بسيفه ، مكدودا في ذات الله، مجتهدا في أمر الله، قريبا من رسول الله، سيدا في أولياء الله، مشمرا ناصحا، مجدا، كادحا ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، وأنتم في رفاهية من العيش، وادعون (7) فاكهون (8) آمنون، تتربصون بنا الدوائر (9) وتتوكفون الأخبار (10) وتنكصون عند النزال، وتفرون من القتال، فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسكة النفاق (11) وسمل جلباب الدين (12) ونطق كاظم الغاوين (13) ونبغ خامل

---------------------------
(1) القد: بكسر القاف وتشديد الدال ـ سير بقد من جلد غير مدبوغ .
(2) بهم الرجال: شجعانهم.
(3) نجم : ظهر ، وقرن الشيطان أمته وتابعوه .
(4) فغرفاه : أي فتحه ، والفاغرة من المشركين: الطائفة منهم .
(5) قذف : رمى ، واللهوات بالتحريك: ـ جمع لهات ـ : وهي اللحمة في أقصى شفة الفم.
(6) ينكفئ: يرجع ، والأخمص ما لا يصيب الأرض من باطن القدم.
(7) وادعون: ساكنون
(8) فاكهون: ناعمون
(9) الدوائر: صروف الزمان أي كنتم تنظرون نزول البلايا علينا.
(10) تتوقعون أخبار المصائب والفتن النازلة بنا.
(11) في بعض النسخ ( حسيكة ) وحسكة النفاق عداوته.
(12) وسمل جلباب الدين: سمل صار خلقا، والجلباب الإزار.
(13) الكظوم: السكوت.

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 137 _

  الأقلين (1) وهدر فنيق المبطلين (2) فخطر في عرصاتكم (3) واطلع الشيطان رأسه من مغرزة هاتفا بكم (4) فألفاكم لدعوته مستجيبين ، وللعزة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافا ، وأحشمكم فألفاكم غضابا (5) فوسمتم غير إبلكم (6) ووردتم غير مشربكم (7) هذا والعهد قريب والكلم رحيب (8)، والجرح لما يندمل (9) والرسول لما يقبر ، ابتدارا، زعمتم خوف الفتنة ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ، فهيهات منكم ، وكيف بكم ، وأني تؤفكون ، وكتاب الله بين أظهركم، أموره ظاهرة ، وأحكامه زاهرة وأعلامه باهرة ، وزواجره لايحة ، وأوامره واضحة ، وقد خلفتموه وراء ظهوركم أرغبة عنه تريدون (*)؟ أم بغيره تحكمون ؟ بئس للظالمين بدلا ، ومن يبتع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين، ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها (10) ويسلس قيادها (11) ثم أخذتم تورون وقدتها (12) وتهيجون جمرتها ، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي، وإطفاء أنوار الدين الجلي

---------------------------
(*) في بعض النسخ ( تدبرون ) .
(1) الخامل: من خفي ذكره وكان ساقطا لا نباهة له.
(2) الهدير: ترديد البعير صوته في حنجرته، والفنيق: الفحل المكرم من الإبل الذي لا يركب ولا يهان .
(3) خطر البعير بذنبه إذا رفعه مرة بعد مرة وضرب به فخذيه .
(4) مغرزه: أي ما يختفى فيه تشبيها له بالقنفذ فإنه يطلع رأسه بعد زوال الخوف
(5) أي حملكم على الغضب فوجدكم مغضبين لغضبه .
(6) الوسم أثر الكي.
(7) الورود: حضور الماء للشرب .
(8) الكلم بالضم : الجرح، الرحب بالضم: السعة.
(9) أي لم يصلح بعد .
(10) نفرتها : نفرت الدابة جزعت وتباعدت .
(11) يسلس : يسهل .
(12) أي: لهبها .

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 138 _

  وإهمال سنن النبي الصفي، تشربون حسوا في ارتغاء (1) وتمشون لأهله وولده في الخمرة والضراء (2) ويصير (*) منكم على مثل حز المدى (3) ووخز السنان في الحشاء، وأنتم الآن تزعمون : أن لا إرث لنا ، أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ؟! أفلا تعلمون ؟ بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية: أني ابنته.
  أيها المسلمون أغلب على إرثي (**)؟ يا بن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك ولا إرث أبي ؟ لقد جئت شيئا فريا! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم ؟ إذ يقول : ( وورث سليمان داود ) (4) وقال : فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا إذ قال : ( فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب (5) ) وقال : ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله (6) ) وقال : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين (7) " وقال: إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين (8) وزعمتم : أن لا حظوة (9) لي ولا إرث من أبي، ولا رحم بيننا ، أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها ؟ أم هل تقولون : إن أهل ملتين لا يتوارثان ؟ أو لست أنا وأبي من أهل ملة واحدة ؟ أم

---------------------------
(*) وفي بعض النسخ ( يصير ) .
(**) في بعض النسخ ( إرثه ) .
(1) الحسو: هو الشرب شيئا فشيئا ، والارتغاء : هو شرب الرغوة وهي اللبن المشوب بالماء وحسوا في ارتغاء: مثل يضرب لمن يظهر ويريد غيره.
(2) الخمر بالفتح : ما واراك من شجر وغيره ، والضراء بالفتح : الشجر الملتف بالوادي .
(3) الحز: القطع، والمدى ، السكاكين.
(4) النمل: 16.
(5) مريم : 6.
(6) الأنفال: 75.
(7) النساء: 11.
(8) البقرة 180.
(9) الحظوة: المكانة.

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 139 _

  أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي ؟ فدونكها مخطومة مرحولة (1) تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد ، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون، ولا ينفعكم إذ تندمون ، ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم ثم رمت بطرفها (*) نحو الأنصار فقالت : يا معشر النقيبة وأعضاد الملة (2) وحضنة الإسلام، ما هذه الغميزة في حقي (3) والسنة عن ظلامتي (4)؟ أما كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أبي يقول (المرء يحفظ في ولده) ؟ سرعان ما أحدثتم، وعجلان ذا إهالة (5) ولكم طاقة بما أحاول، وقوة على ما أطلب وأزاول ، أتقولون مات محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ فخطب جليل : استوسع وهنه واستنهر فتقه (6) وانفتق رتقه، واظلمت الأرض لغيبته، وكسفت الشمس والقمر ، وانتثرت النجوم لمصيبته ، وأكدت (7) الآمال ، وخشعت الجبال، وأضيع الحريم، وأزيلت الحرمة عند مماته ، فتلك والله النازلة الكبرى ، والمصيبة العظمى، لا مثلها نازلة ، ولا بائقة (8) عاجلة، أعلن بها كتاب الله جل ثناؤه ، في أفنيتكم، وفي ممساكم ، ومصبحكم ، يهتف في أفنيتكم هتافا ، وصراخا ، وتلاوة ، وألحانا ، ولقبله ماحل بأنبياء الله ورسله ، حكم

---------------------------
(*) في بعض النسخ ( رنت ).
(1) مخطومة : من الخطام بالكسر وهو: كل ما يدخل في أنف البعير ليقاد به والرحل بالفتح: هو للناقة كالسرج للفرس.
(2) النقيبة: الفتية.
(3) الغميزة: ـ بفتح الغين المعجمة والزاي ـ ضعفة في العمل.
(4) السنة بالكسر: النوم الخفيف.
(5) إهالة: بكسر الهمزة الدسم. وسرعان ذا إهالة مثل يضرب لمن يخبر بكينونة الشئ قبل وقته.
(6) وهنه الوهن: الخرق، واستنهر: اتسع.
(7) أكدت: قل خيرها.
(8) بائقة: داهية.

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 140 _

  فصل ، وقضاء حتم: ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ) (1) أيها بني قيلة (2) أأهضم تراث أبي ؟ وأنتم بمرأى مني ومسمع ، ومنتدى (3) ومجمع تلبسكم الدعوة، وتشملكم الخبرة، وأنتم ذوو العدد والعدة ، والأداة والقوة وعندكم السلاح والجنة (4) توافيكم الدعوة فلا تجيبون ، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون ، وأنتم موصوفون بالكفاح ، معروفون بالخير والصلاح ، والنخبة التي انتخبت، والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت، قاتلتم العرب، وتحملتم الكد والتعب ، وناطحتم الأمم، وكافحتم (*) البهم، لا نبرح أو تبرحون (5) نأمركم فتأتمرون، حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام، ودر حلب الأيام، وخضعت ثغرة الشرك، وسكنت فورة الإفك، وخمدت نيران الكفر، وهدأت دعوة الهرج، واستوسق نظام الدين (6) فأنى حزتم بعد البيان ؟ وأسررتم بعد الإعلان ؟ ونكصتم بعد الإقدام ؟ وأشركتم بعد الإيمان ؟ بؤسا لقوم نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم ، وهموا بإخراج الرسول، وهم بدؤوكم أول مرة ، أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض (7) وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض ، وخلوتم بالدعة (8) ونجوتم بالضيق من السعة، فمججتم ما وعيتم ، ودسعتم الذي تسوغتم (9) فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا

---------------------------
(*) وفي بعض النسخ ( كالحتم ) .
(1) آل عمران: 144.
(2) بنو قيله: قبيلتا الأنصار: الأوس والخزرج.
(3) المنتدى المجلس.
(4) الجنة بالضم: ما استترت به من السلاح.
(5) لا نبرح: لا نزال.
(6) استوسق: اجمتع.
(7) أخلدتم: ملتم. والخفض: السعة والخصب واللين.
(8) الدعة: الراحة والسكون.
(9) الدسع: القئ وتسوغ الشراب شربه بسهولة.

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 141 _

  فإن الله لغني حميد ، ألا وقد قلت ما قلت هذا على معرفة مني بالجذلة التي خامرتكم (1) والغدرة التي استشعرتها قلوبكم ، ولكنها فيضة النفس، ونفثة الغيظ، وخور القناة (2) وبثة الصدر، وتقدمة الحجة ، فدونكموها فاحتقبوها دبرة (3) الظهر نقبة الخف (4) باقية العار، موسومة بغضب الجبار، وشنار الأبد ، موصولة بنار الله الموقدة، التي تطلع على الأفئدة، فبعين الله ما تفعلون وسيعلم الذين ظلموا أي مقلب ينقلبون ، وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد فاعملوا إنا عاملون ، وانتظروا إنا منتظرون .
  فأجابها أبو بكر عبد الله بن عثمان ، وقال: يا بنت رسول الله لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفا كريما ، رؤفا رحيما ، وعلى الكافرين عذابا أليما، وعقابا عظيما، إن عزوناه وجدناه أباك دون النساء، وأخا إلفك دون الأخلاء (5) آثر على كل حميم، وساعده في كل أمر جسيم ، لا يحبكم إلا سعيد ، ولا يبغضكم إلا شقي (6) بعيد فأنتم عترة رسول الله الطيبون، الخيرة المنتجبون، على الخير أدلتنا، وإلى الجنة مسالكنا ، وأنت يا خيرة النساء، وابنة خير الأنبياء، صادقة في قولك، سابقة في وفور عقلك، غير مردودة عن حقك، ولا مصدودة عن صدقك ،

---------------------------
(1) الجذلة: ترك النصر، خامرتكم خالطتكم.
(2) الخور: الضعف، والقناة الرمح ، والمراد من ضعف القناة هنا ضعف النفس عن الصبر على الشدة.
(3) فاحتقبوها: أي احملوها على ظهوركم ودبر البعير أصابته الدبرة بالتحريك وهي جراحة تحدث من الرحل.
(4) نقب خف البعير رق وتثقب .
(5) الألف: هو الأليف بمعنى المألوف والمراد به هنا الزوج لأنه إلف الزوجة وفي بعض النسخ ( ابن عمك ) .
(6) في ذخائر العقبى: ـ لمحب الدين الطبري ـ قال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ( لا يحبنا أهل البيت إلا مؤمن تقي ، ولا يبغضنا إلا منافق شقي ) أخرجه الملا.

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 142 _

  والله ما عدوت رأي رسول الله، ولا عملت إلا بإذنه، والرائد لا يكذب أهله، وأني أشهد الله وكفى به شهيدا ، أني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول: ( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا دارا ولا عقارا وإنما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوة وما كان لنا من طعمة فلولي الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه ) (1) وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسلاح يقاتل بها المسلمون ويجاهدون الكفار، ويجالدون المردة الفجار، وذلك بإجماع من المسلمين، لم انفرد به وحدي ، ولم استبد بما كان الرأي عندي (2) وهذه حالي ومالي ، هي لك وبين يديك ، لا تزوى عنك،

---------------------------
(1) نقل الإمام المجاهد السيد عبد الحسين شرف الدين ( قدس سره ) في كتابه الجليل ( النص والاجتهاد ( عن الأستاذ المصري المعاصر محمود أبو رية ما يلي ) ( قال ): بقي أمر لا بد أن نقول فيه كلمة صريحة ، ذلك هو موقف أبي بكر من فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وما فعل معها في ميراث أبيها، لأنا إذا سلمنا بأن خبر الآحاد الظني يخصص الكتاب القطعي، وأنه قد ثبت أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد قال : إنه لا يورث ، وإنه لا تخصيص في عموم هذا الخبر، فإن أبا بكر كان يسعه أن يعطي فاطمة رضي الله عنها بعض تركة أبيها ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كأن يخصها بفدك ، وهذا من حقه الذي ليس يعارضه فيه أحد، إذ يجوز للخليفة أن يخص من يشاء بما يشاء.
( قال ): وقد خص هو نفسه الزبير بن العوام ومحمد بن مسلمة وغيرهما ببعض متروكات النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على أن فدكا هذه التي منعها أبو بكر لم تلبث أن أقطعها الخليفة عثمان لمروان ، هذا كلامه بنصه.
ثم أعقب السيد ( ره ) قائلا:
ونقل ابن أبي الحديد عن بعض السلف كلاما مضمونه العتب على الخليفتين والعجب منهما في مواقفهما مع الزهراء بعد أبيها ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قالوا في آخره:
" وقد كان الأجل أن يمنعهما التكرم عما ارتكباه من بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فضلا عن الدين ) فذيله ابن أبي الحديد بقوله:
( هذا الكلام لا جواب عنه ) النص والاجتهاد ص 123 - 124
(2) خطر ببالي وأنا أفكر في قول الخليفة: " وذلك بإجماع المسلمين لم انفرد به "
=>

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 143 _

  ولا ندخر دونك، وأنك وأنت سيدة أمة أبيك، والشجرة الطيبة لبنيك، لاندفع

---------------------------
<=
وقوله في آخر الحديث الذي تفرد بنقله عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ( وما كان لنا من طعمة فلولي الأمر أن يحكم فيه بحكمه ) نعم خطر ببالي وأنا أفكر في هاتين الفقرتين وما إذا كانت فدك من حق المسلمين حتى يؤخذ رأيهم فيه أم من حقه الخاص حتى يحكم فيه بحكمه كما جاء في ذيل الحديث الذي استنكرته الصديقة الطاهرة ( عليها السلام ) واعتبرته كذبا وزورا وافتراء على الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اعتلالا منهم لما أجمعوا على الغدر بذريته كما اعتبرته طعنا في عصمته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لو صدر ذلك منه ، وأسمع ذلك كله في جوابها لأبي بكر: ( سبحان الله، ما كان أبي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن كتاب الله صادفا، ولا لأحكامه مخالفا ، بل كان يتبع أثره، ويقفوا سوره ، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور ، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغى له من الغوائل في حياته ) ثم إن كان من حقه الخاص فلماذا لم يعطها سيدة النساء وبنت سيد الأنبياء إكراما لمقام أبيها ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وإذا كان من حق المسلمين لماذا لم يؤخذ رأيهم أولا في إعطائه إياها.
نعم خطر ببالي وأنا أجيل الفكر في هذا وشبهه قول الشريف قتادة بن إدريس من قصيدته العصماء في رثاء سيدة النساء ( عليها السلام ) والتي يقول في أولها:
ما  لعيني غاب عنها iiكراها      وعراها من عبرة ما عراها
الـدار  نـعمت فيها iiزمانا      ثـم فـارقتها فـلا أغشاها

إلى أن يقول:
بـل  بـكائي لـمن iiخصها      الله تـعالى بـلطفه واجتباها
وحـباها  بالسيدين iiالجليلين      الـعظمين مـنه حين iiحباها
ولفكري في الصاحبين اللذين      استحسنا  ظلمها وما iiراعياها
مـنعا بعلها من الحل iiوالعقد      وكـان  الـمنيب iiوالأواهـا

  والتي يقول فيها:
وأتت فاطم تطالب بالإرث      من  المصطفى فما iiورثاها

  إلى أن قال ـ وهو محل الشاهد منها ـ:
أترى المسلمين كانوا iiيلومونهما      فـي الـعطاء لـو iiأعـطياها
كان  تحت الخضراء بنت iiنبي      نـاطق صـادق أمـين iiسواها
بنت من ؟ أم من ؟ حليلة من ؟      ....  مـن سـن ظلمها iiوأذاها

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 144 _

  مالك من فضلك ، ولا يوضع في فرعك وأصلك ، حكمك نافذ فيما ملكت يداي فهل ترين أن أخالف في ذلك أباك ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالت عليها السلام: سبحان الله ما كان أبي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن كتاب الله صادفا (1) ولا لأحكامه مخالفا ! بل كان يتبع أثره، ويقفو سوره، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور ، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغى له من الغوائل (2) في حياته هذا كتاب الله حكما عدلا، وناطقا فصلا يقول: يرثني ويرث من آل يعقوب (3) ويقول: وورث سليمان داود (4) وبين عز وجل فيما وزع من الأقساط ، وشرع من الفرائض والميراث ، وأباح من حظ الذكران والإناث ، ما أزاح به علة المبطلين ، وأزال التظني والشبهات في الغابرين، كلا بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون .
  فقال أبو بكر: صدق الله ورسوله، وصدقت ابنته ، أنت معدن الحكمة وموطن الهدى والرحمة ، وركن الدين، وعين الحجة، لا أبعد صوابك ، ولا أنكر خطابك هؤلاء المسلمون بيني وبينك ، قلدوني ما تقلدت، وباتفاق منهم أخذت ما أخذت غير مكابر ولا مستبد، ولا مستأثر ، وهم بذلك شهود.
  فالتفتت فاطمة عليها السلام إلى الناس وقالت:
  معاشر المسلمين المسرعة إلى قيل الباطل (5) المغضية على الفعل القبيح الخاسر أفلا تتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ؟ كلا بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم، فأخذ بسمعكم وأبصاركم ، ولبئس ما تأولتم ، وساء ما به أشرتم، وشر ما منه اغتصبتم لتجدن والله محمله ثقيلا ، وغبه وبيلا ، إذا كشف لكم الغطاء وبان بأورائه الضراء، وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون ، وخسر هنالك المبطلون.

---------------------------
(1) صادفا معرضا.
(2) الغوائل: المهالك.
(3) سورة مريم: 6
(4) سورة النمل: 16
(5) في بعض النسخ ( قبول الباطل ) .

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 145 _

  ثم عطفت على قبر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقالت:
قـد كـان بـعدك أنـباء iiوهـنبثة      لـو  كنت شاهدها لم تكثر iiالخطب
إنـا  فـقدناك فـقد الأرض iiوابلها      واخـتل قـومك فاشهدهم ولا iiتغب
وكـل  أهـل لـه قـربى iiومنزلة      عـند الإلـه عـلى الأدنين iiمقترب
أبدت رجال لنا نجوى صدورهم (1)      لـما مـضيت وحالت دونك iiالترب
تـجهمتنا رجـال واسـتخف iiبـنا      لـما فـقدت وكل الأرض iiمغتصب
وكـنت بـدرا ونـورا يستضاء به      عـليك يـنزل من ذي العزة iiالكتب
وكـان  جـبريل بـالآيات iiيونسنا      فـقد فـقدت وكـل الخير iiمحتجب
فـليت قـبلك كـان الموت iiصادفنا      لما مضيت وحالت دونك الكثب (2)ii

  ثم انكفأت ( عليها السلام ) ، وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) يتوقع رجوعها إليه ، ويتطلع طلوعها عليه ، فلما استقرت بها الدار، قالت : لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) :
  يا بن أبي طالب ، اشتملت شملة الجنين، وقعدت حجرة الظنين، نقضت قادمة الأجدل (3) فخانك ريش الأعزل (4) هذا ابن أبي قحافة يبتزني نحلة أبي وبلغة (5) ابني! لقد أجهد (6) في خصامي ، وألفيته ألد في كلامي (7) حتى حبستني قيلة نصرها والمهاجرة وصلها ، وغضت الجماعة دوني طرفها ، فلا دافع ولا مانع ، خرجت كاظمة ، وعدت راغمة ، أضرعت خدك (8) يوم أضعت حدك

---------------------------
(1) النجوى: السر.
(2) الكثب ـ بضمتين ): جمع الكثيب وهو: الرمل.
(3) قوادم الطير: مقادم ريشه وهي عشرة ـ والأجدل: الصقر.
(4) الأعزل من الطير: ما لا يقدر على الطيران.
(5) يبتزني: يسلبني والبلغة ما يتبلغ به من العيش.
(6) في بعض النسخ ( أجهر )
(7) ألفيته: وجدته ، والألد: شديد الخصومة.
(8) ضرع: خضع وذل.

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 146 _

  افترست الذئاب، وافترشت التراب، ما كففت قائلا ، ولا أغنيت طائلا (1) ولا خيار لي ، ليتني مت قبل هنيئتي ، ودون ذلتي عذيري الله منه عاديا (2) ومنك حاميا ، ويلاي في كل شارق ! ويلاي في كل غارب! مات العمد، ووهن العضد (3) شكواي إلى أبي! وعدواي (4) إلى ربي! اللهم إنك أشد منهم قوة وحولا، وأشد بأسا وتنكيلا.
  فقال أمير المؤمنين عليه السلام: لا ويل لك بل الويل لشانئك (5) ثم نهنهي عن وجدك (6) يا ابنة الصفوة، وبقية النبوة، فما ونيت (7) عن ديني ، ولا أخطأت مقدوري (8) فإن كنت تريدين البلغة، فرزقك مضمون، وكفيلك مأمون ، وما أعد لك أضل مما قطع عنك ، فاحتسبي الله.
  فقالت : حسبي الله وأمسكت.
  وقال سويد بن غفلة: (9) لما مرضت فاطمة ( سلام الله عليها ) ، المرضة التي

---------------------------
(1) أي ما فعلت شيئا نافعا ، وفي بعض النسخ (ولا أغنيت باطلا): أي كففته
(2) العذير بمعنى العاذر أي: الله قابل عذري ، وعاديا ، متجاوزا.
(3) الوهن: الضعف في العمل أو الأمر أو البدن.
(4) العدوي: طلبك إلى وال لينتقم لك من عدوك.
(5) الشانئ: المبغض
(6) أي كفي: عن حزنك وخففي من غضبك.
(7) ما كللت ولا ضعفت ولا عييت
(8) ما تركت ما دخل تحت قدرتي أي لست قادرا على الانتصاف لك لما أوصاني به الرسول " ص ".
(9) قال العلامة في الخلاصة: سويد بن غفلة الجعفي قال البرقي: إنه من أولياء أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، انتهى وفي أسد الغابة ( أدرك الجاهلية كبيرا وأسلم في حياة رسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولم يره، وأدى صدقته إلى مصدق النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم قدم المدينة فوصل يوم دفن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكان مولده عام الفيل وسكن الكوفة... )
=>

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 147 _

  توفيت فيها (1) دخلت عليها نساء المهاجرين والأنصار يعدنها، فقلن لها : كيف أصبحت من علتك يا بنت رسول الله ؟ فحمدت الله، وصلت على أبيها، ثم قالت :
  أصبحت والله: عائفة لدنيا كن ، قالية لرجالكن ، لفظتهم بعد أن عجمتهم (2) وسئمتهم بعد أن سبرتهم (3) فقبحا لفلول الحد ، واللعب بعد الجد، وقرع الصفات وصدع القناة، وختل الآراء (4) وزلل الأهواء، وبئس ما قدمت لهم أنفسهم:
  أن سخط الله عليهم، وفي العذاب هم خالدون ، لا جرم لقد قلدتهم ربقتها وحملتهم اوقتها (5) وشننت عليهم غاراتها (6) فجدعا ، وعقرا وبعدا ، للقوم الظالمين.
  ويحهم أنى زعزعوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة والدلالة، ومهبط الروح الأمين، والطبين بأمور الدنيا (7) والدين ؟! ألا ذلك هو الخسران المبين!
  وما الذي نقموا من أبي الحسن ( عليه السلام ) ؟! نقموا والله منه نكير سيفه ، وقلة مبالاته

---------------------------
<=
وفي تهذيب ) أدرك الجاهلية وقد قيل إنه صلى مع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولا يصح وقدم المدينة حين نفضت الأيدي من دفن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهذا أصح... إلى أن قال : قال ابن معين والعجلي: ثقة ... وقال أبو نعيم مات سنة ثمانين وقال أبو عبيد القاسم بن سلام وغير واحد مات سنة إحدى وثمانين وقال عمرو بن علي وغيره مات سنة 88
(1) قال ابن أبي الحديد في المجلد الرابع من شرحه على النهج ( قال أبو بكر وحدثنا محمد بن زكريا قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن المهلبي عن عبد الله بن حماد بن سليمان عن أبيه عن عبد الله بن حسن بن حسن عن أمه فاطمة بنت الحسين ( عليهما السلام ) قالت لما اشتد بفاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الوجع وثقلت في علتها دخلت عليها ... الخ
(2) لفظتهم: رميت بهم وطرحتهم بعد أن عجمتهم: أي بعد أن اختبرتهم وامتحنتهم
(3) سئمتهم: مللتهم ، وسبرتهم: جربتهم واختبرتهم واحدا واحدا.
(4) ختل الآراء: زيفها وخداعها
(5) اوقتها: ثقلها
(6) شننت الغارة عليهم: وجهتها عليهم من كل جهة
(7) الطبين: الفطن الحاذق العالم بكل شئ.

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 148 _

  لحتفه، وشدة وطأته ، ونكال (1) وقعته ، وتنمره في ذات الله (2) وتالله لو مالوا عن المحجة اللايحة، وزالوا عن قبول الحجة الواضحة، لردهم إليها، وحملهم عليها ولسار بهم سيرا سجحا (3) لا يكلم حشاشه (4) ولا يكل سائره (5) ولا يمل راكبه ، ولأوردهم منهلا نميرا ، صافيا ، رويا ، تطفح ضفتاه ولا يترنق جانباه ولأصدرهم بطانا ، ونصح لهم سرا وإعلانا ، ولم يكن يتحلى من الدنيا بطائل ، ولا يحظى منها بنائل ، غير ري الناهل ، وشبعة الكافل، ولبان لهم : الزاهد من الراغب والصادق من الكاذب، ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض، ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون، والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين! ألا هلم فاسمع ؟! وما عشت أراك الدهر عجبا! وإن تعجب فعجب قولهم!... ليت شعري إلى أي أسناد استندوا ؟!
  وإلى أي عماد اعتمدوا ؟! وبأية عروة تمسكوا ؟! وعلى أية ذرية أقدموا واحتنكوا (6) لبئس المولى ولبئس العشير، وبئس للظالمين بدلا، استبدلوا والله الذنابى بالقوادم (7) والعجز بالكاهل (8) فرغما لمعاطس (9) قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ، ويحهم أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ؟! أما لعمري لقد لقحت ، فنظرة ريثما تنتج ، ثم احتلبوا ملاء القعب دما عبيطا (10) وزعافا مبيدا ، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف البطالون غب (11) ما أسس الأولون، ثم طيبوا عن دنياكم

---------------------------
(1) النكال: ما نكلت به غيرك كائنا ما كان
(2) تنمر: عبس وغضب
(3) سجحا: سهلا
(4) كلمه: جرحه
(5) يكل: يتعب
(6) احتنكه: استولى عليه
(7) الذنابى: ذنب الطائر، وقوادمه: مقادم ريشه
(8) العجز: مؤخر الشئ، والكاهل : مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق
(9) المعطس: الأنف
(10) القعب: القدح، والدم العبيط: الخالص الطري
(11) الغب: المعاقبة ؟

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 149 _

  أنفسا، واطمأنوا للفتنة جاشا ، وابشروا بسيف صارم ، وسطوة معتد غاشم ، وبهرج شامل ، واستبداد من الظالمين: يدع فيئكم زهيدا ، وجمعكم حصيدا ، فيا حسرة لكم ! وأنى بكم وقد عميت عليكم! أنلزمكموها وأنتم لها كارهون .
  قال سويد بن غفلة فأعادت النساء: قولها ( عليها السلام ) على رجالهن فجاء إليها: قوم من المهاجرين والأنصار متعذرين ، وقالوا: يا سيدة النساء، لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا لأمر قبل أن يبرم العهد، ويحكم العقد، لما عدلنا عنه إلى غيره، فقالت ( عليها السلام ) : إليكم عني فلا عذر بعد تعذير كم ، ولا أمر بعد تقصيركم

احتجاج سلمان الفارسي رضي الله عنه (1) في خطبة خطبها بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على القوم لما تركوا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) واختاروا غيره ونبذوا العهد المأخوذ عليهم وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون .

  عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه ( عليهم السلام ) قال: خطب الناس سلمان الفارسي

---------------------------
(1) أبو عبد الله سلمان الفارسي أو المحمدي ويلقب أيضا بسلمان الخير أصله من رامهرمز وقيل من أصفهان من بلدة يقال لها: جى .
كان من أوصياء عيسى ( عليه السلام ) ، وهذا هو السبب الذي جعل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يحضر عنده بالمدائن حين حضرته الوفاة، ويتولى تغسيله بيده الشريفة، إذ أن الوصي لا يغسله إلا وصي مثله .
هرب سلمان ( عليه السلام ) من فارس لأن أهلها كانوا يعبدون النار وصادف ذلك سفر قافلة إلى الشام فذهب معها ، ونزل بحمص وكان يجتمع بالقسس والرهبان ويجادلهم في الدين برهة من الزمن.
ثم صحب جماعة من التجار وسار معهم قاصدا مكة المكرمة ليحظى بالتشرف بحضرة النبي الأمي وصحبته ، وكان سلمان ( عليه السلام ) يعلم أنه سيبعث من هناك لأنه كما مر كان
=>

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 150 _

  رحمة الله عليه، بعد أن دفن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بثلاثة أيام، فقال فيها:

---------------------------
<=
من أوصياء عيسى ( عليه السلام ) .
واعتدى عليه هؤلاء الذين سار بصحبتهم وأساءوا الصحبة فانتهبوا ما كان عنده وأسروه ثم باعوه من يهودي في المدينة على أنه رق.
وبقي عند ذلك اليهودي إلى أن هاجر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى المدينة وكان سلمان ( عليه السلام ) كاتب ذلك اليهودي على أن يدفع له مبلغا من المال ليحرره من الرق ، فأعانه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على ذلك فتحرر .
ولما زحف الجيش بقيادة أبي سفيان ـ لقتل النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأصحابه وهدم المدينة على أهلها ، في غزوة الأحزاب ـ أشار سلمان بحفر الخندق، فقال أبو سفيان لما رآه هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها .
وكان إذا قيل له ابن من أنت ؟ يقول أنا سلمان بن الإسلام، أنا من بني آدم.
وقد روى عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من وجوه أنه قال: لو كان الدين في الثريا لناله سلمان ، وفي رواية أخرى لناله رجل من فارس وروى عنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال: ( إن الله يحب من أصحابي أربعة ـ فذكره منهم ) وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ): ( ثلاثة تشتاق إليهم الحور العين: على ، وسلمان ، وعمار ) وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ): ( أنا سابق ولد آدم، وسلمان سابق أهل فارس ) .
وعنه أيضا: سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول: ( إن الجنة تشتاق إلى أربعة: على وسلمان ، وعمار ، والمقداد ) .
ودخل ذات يوم مجلس رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فوجد وجهاء قريش فتخطاهم وجلس في صدر المجلس، فغلى الدم في عروقهم ، وقال له بعضهم: ( من أنت حتى تتخطانا ؟ ) وقال له آخر: ( ما حسبك ونسبك ؟! ).
قال سلمان أنا ابن الإسلام، كنت عبدا فاعتقني الله بمحمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ووضيعا فرفعني بمحمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وفقيرا فأغناني بمحمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فهذا حسبي ونسبي .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : صدق سلمان ، صدق سلمان ، من أراد أن ينظر إلى رجل نور الله قلبه بالإيمان، فلينظر إلى سلمان .
=>