الفهرس العام

من حقوق أهل البيت (عليهم السلام) 4 ـ الصلوات عليهم
بلاغ وإنذار
من حقوق أهل البيت (عليهم السلام) 5 ـ دفع الخمس إليهم
من حقوق أهل البيت (عليهم السلام) 6 ـ الفيء لاَهل البيت (عليهم السلام)
من حقوق اهل البيت (عليهم السلام) 7 ـ الاَنفال لاَهل البيت (عليهم السلام)
من حقوق أهل البيت (عليهم السلام) 8 ـ ترفيع بيوتهم


  الاَمر الثاني : الاعتماد على الروايات والمنقولات
  فلو كان هذا هو الميزان فقد صرح كثير منهم بأنّ أربعةً آيات من سورة الشورى مكّية ، حتى أنّ المصاحف المطبوعة في الاَزهر وغيره، تصرح بذلك و تُقرأ فوق السورة هذه الجملة: سورة الشورى مكية الآيات إلاّ ثلا ث وعشرين وأربع وعشرين وسبع وعشرين.
  أضف إلى ذلك انّ كثيراً من المفسرّين و المحدِّثين صرحوا بذلك. (1)
  وهذا هو البقاعيّ موَلف (نظم الدرر وتناسب الآيات والسور) يصرح بأنّ الآيات مكية ، كما نقله المحقّق الزنجاني في (تاريخ القرآن). (2)
  السوَال الرابع
  الاِنسان مفطور على حب الجميل وكراهة القبيح فيكون الودّأمراً خارجاً عن الاختيار، فكيف يقع في دائرة السوَال ويطلبه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الموَمنين مع أنّه كذلك.
  والجواب : أوّلاً: انّالحبّ لو كان أمراً خارجاً عن الاختيار فلا يتعلَّق به الاَمر، كما لا يتعلَّق به النهي، مع انّه سبحانه ينهى عن ود من حادَّ اللّه ورسوله، ويقول: (لا تَجد قَوماً يُوَْمِنُونَ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوادّونَ من حادّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ) .(3)

---------------------------
(1) انظر الكشاف : 3|81 ، تفسير الرازي: 7|655 ، تفسير أبي السعود في هامش تفسير الرازي نفس الصفحة ، تفسير أبي حيان : 7|516 ، تفسير النيسابوري :6|312 ، وأمّا من المحدّثين كمجمع الزوائد للهيتمي :9|168 ، الصواعق المحرقة: 101 ـ 135، والزرقاني في شرح المواهب: 7|3 و 9 21.
(2) تاريخ القرآن : 57.
(3) المجادلة : 22.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 152_

  كما أنّه ص يدعو إلى التراحم والتعاطف النابعين عن الود والحب، ويقول:
  مثل الموَمنين في توادّهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه شيء تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) .(1)
  كلّ ذلك يدل على انّ الودّ والبغض ليس على النسق الذي وصفه السائل، ولذلك نرى الدعوة الكثيرة إلى الحب في اللّه والبغض في اللّه.
  قال الاِمام الصادق (عليه السلام): (من أوثق عرى الاِيمان أن تحب في اللّه وتبغض في اللّه). (2)
  وقد كتب الاِمام علي (عليه السلام) إلى عامله في مصر مالك الاَشتر رسالة قال فيها : (واشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم ، واللطف بهم). (3)
  روى الخطيب في تاريخه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (عنوان صحيفة الموَمن حبّ علي بن أبي طالب (عليه السلام)).(4)
  و قال (ص) : (من سرّه أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن غرسها ربي ، فليوال علياً بعدي، وليوال وليّه ، وليقتد بالاَئمّة من بعدي ، فانّهم عترتي خلقوا من طينتي، رزقوا فهماً و علماً). (5)
  روى أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (من أحبني فليحب عليّاً). (6)

---------------------------
(1) مسند أحمد : 4|270.
(2) سفينة البحار : 2|11 مادة الحبّ.
(3) نهج البلاغة : قسم الرسائل: الرسالة 53.
(4) تاريخ بغداد : 4|410.
(5) حلية الاَولياء : 1|86.
(6) مسند أحمد : 5|366 ، صحيح مسلم : ج كتاب الفتن : 119.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 153_

  و أخرج أحمد في مسنده عن الرسول: (من أحبني وأحب هذين وأباهما و أُمُّهما، كان معي في درجتي يوم القيامة). (1)
  وثانياً ـ أنّ الاِيصاء إنّما لا يفيد إذا لم يتوفر في الموصى له ملاك الحب والود كما إذا كان الرجل محطاً للرذائل الاَخلاقية، وأمّا إذا كان الموصى له إنساناً مثالياً متحلياً بفضائل الاَخلاق ومحاسنها ، فانّالاِيصاء به يعطف النظر إليه وبالتالي يجيش حبه كلَّما تعمَّقت الصلة به.
  وحاصل الكلام : أنّ دعوة الناس إلى الحبّ تقوم على إحدى دعامتين:
  الاَُولى ـ الاشادة بفضائل المحبوب وكمالاته التي توجد في نفس السامع حبّاً وولعاً إليه.
  الثانية ـ الاِيصاء بالحب والدعوة إلى الودّ، فانّه يعطف نظر السامع إلى الموصى له ، فكلَّما توطَّدت الاَواصر بنيهما وانكشفت آفاق جديدة من شخصيته ازداد الحبّ والود له ، وعلى كلّتقدير فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو المحبوب التام لعامة المسلمين، فحبُّه لا ينفك عن حبّ من أوصى بحبِّه وأمر بودّه.
  وخير ما نختم به هذا البحث حديث مروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نقله صاحب الكشاف حيث قال ، قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : (من مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً ، ألا و من مات على حبّ آل محمّد مات مغفوراً له ، ألا ومن مات على حبّآل محمّد مات تائباً ، ألا و من مات على حبّ آل محمّد مات موَمناً مستكمل الاِيمان، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشرَّه ملك الموت بالجنة ثمّ منكر ونكير ، ألا و من مات على حبّآل محمد يُزفُّ إلى الجنة كما تزفُّ

---------------------------
(1) مسند أحمد:1|77.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 154_

  العروس إلى بيت زوجها ، ألا و من مات على حبّ آل محمّد فتح اللّه له في قبره بابين إلى الجنّة، ألا ومن مات على حبّآل محمّد جعل اللّه قبره مزار ملائكة الرحمة، ألا و من مات على حبّ آل محمّد مات على السنّة والجماعة ، ألا و من مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيساً من رحمة اللّه ، ألا و من مات على بغض آل محمّد مات كافراً ، ألا و من مات على بغض آل محمّد لم يشم رائحة الجنة). (1)
  وروى أيضاً: انّه لما نزلت هذه الآية، قيل : يا رسول اللّه من قرابتك هوَلاء الذين وجبت علينا مودتهم ؟
  فقال (ص) : (علي و فاطمة وأبناهما) .(2)

---------------------------
(1) الكشاف : 3|82، تفسير سورة الشورى، ط عام 1367.
(2) الكشاف : 3|81.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 155_

من حقوق أهل البيت (عليهم السلام)
4 ـ الصلوات عليهم

  إنّمن حقوق أهل البيت (عليهم السلام) هي الصلوات عليهم عند الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال سبحانه : (إِنَّ اللّهَ وَمَلائكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيّ يا أَيُّهَاالّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وََسَلِّمُوا تَسْلِيماً) .(1)
  ظاهر الآية هو تخصيص الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لكن فهمت الصحابة انّ المراد هو الصلاة عليه وعلى أهل بيته ، وقد تضافرت الروايات على ضمّ الآل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عند التسليم والصلاة عليه، وقد جاء ذلك في الصحاح والمسانيد ، نقتصر منها على ما يلي :
  1 ـ أخرج البخاري عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : لقيني كعب بن عجرة ، قال : ألا أُهدي لك هدية سمعتها من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقلت : بلى ، فأهدها لي ، فقال : سألنا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقلنا : يا رسول اللّه، كيف الصلاة عليكم أهل البيت، فانّ اللّه قد علّمنا كيف نسلم ، قال :
  (قولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، كما صلّيت على إبراهيم

---------------------------
(1) الاَحزاب : 56.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 156_

  وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، اللّهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حَميدٌ مجيد).(1)
  وأخرجه أيضاً في كتاب التفسير عند تفسير سورة الاَحزاب. (2)
  كما أخرجه مسلم في باب الصلاة على النبي من كتاب الصلاة. (3)
  2 ـ أخرج البخاري أيضاً، عن أبي سعيد الخدري، قال : قلنا يا رسول اللّه، هذا التسليم فكيف نصلّي عليك ؟ قال : (قولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد عبدك ورسولك، كما صلّيت على آل إبراهيم، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد ، كما باركت على إبراهيم) . (4)
  3 ـ أخرج البخاري، عن ابن أبي حازم عن يزيد ، قال : (كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمّد و آل محمّد ، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم) .(5)
  4 ـ أخرج مسلم، عن أبي مسعود الاَنصاري، قال : أتانا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) و نحن في مجلس سعد بن عبادة ، فقال له بشير بن سعد : أمرنا اللّه تعالى أن نصِّلي عليك ، يا رسول اللّه : فكيف نصلي عليك ؟
  قال : فسكت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى تمنينا انّه لم يسأله.
  ثمّ قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : (قولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على

---------------------------
(1) صحيح البخاري: 4|146 ضمن باب (يزفُّون النَسَلان في المشي) من كتاب بدء الخلق.
(2) صحيح البخاري: 6|151 تفسير سورة الاَحزاب.
(3) صحيح مسلم: 2|16.
(4) صحيح البخاري: 6|151، تفسير سورة الاَحزاب.
(5) المصدر السابق.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 157_

  آل إبراهيم في العالمين انّك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم). (1)
  إنّ ابن حجر ذكر الآية الشريفة، وروى جملة من الاَخبار الصحيحة الواردة فيها، وانّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قرن الصلاة على آله بالصلاة عليه، لمّا سئل عن كيفية الصلاة والسلام عليه ، قال : وهذا دليل ظاهر على أنّالاَمر بالصلاة على أهل بيته ، وبقية آله مراد من هذه الآية، وإلاّ لم يسألوا عن الصلاة على أهل بيته وآله عُقب نزولها ولم يجابوا بما ذكر ، فلمّا أُجيبوا به دلّعلى أنّ الصلاة عليهم من جملة المأمور به ، وانّه ص أقامهم في ذلك مقام نفسه ، لاَنّ القصد من الصلاة عليه مزيد تعظيمه، ومنه تعظيمهم ، ومن ثمّ لمّا أُدخل من مرّفي الكساء، قال : (اللّهمّ انّهم منّي وأنا منهم ، فاجعل صلاتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك عليّ وعليهم) ، وقضية استجابة هذا الدعاء: انّ اللّه صلّى عليهم معه فحينئذٍ طلب من الموَمنين صلاتهم عليهم معه.
  ويروى : لا تصلوا عليّالصلاة البتراء، فقالوا : وما الصلاة البتراء ؟ قال : تقولون : اللّهمّ صلّ على محمّد وتمسكون بل قولوا : اللّهم صلّ على محمّد وعلى آل محمد ، ثمّ نقل عن الاِمام الشافعي قوله :

يـا أهل بيت رسول اللّه iiحبكم      فرض من اللّه في القرآن أنزله
كـفاكم  مـن عظيم القدر iiإنّكم      من لم يصلِّ عليكم لا صلاة iiله
  فقال : فيحتمل لا صلاة له صحيحة فيكون موافقاً لقوله بوجوب الصلاة على الآل، ويحتمل لا صلاة كاملة فيوافق أظهر قوليه. (2)

---------------------------
(1) صحيح مسلم : 2|46، باب الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد التشهد من كتاب الصلاة.
(2) الصواعق المحرقة: 146، ط عام 1385هـ.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 158_

  هذا كلّه حول الصلاة على الآل عند الصلاة على الحبيب.
  وأما حكم الصلاة على آل البيت في التشهد، فقال أكثر أصحاب الشافعي: انّه سنّة.
  وقال التربجي: من أصحابه هي واجبة ، ولكن الشعر المنقول عنه يدل على وجوبه عنده ، ويوَيده رواية جابر الجعفي ـ الذي كان من أصحاب الاِمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) ، وفي طبقة الفقهاء ـ ، عن أبي جعفر عن أبي مسعود الاَنصاري، قال : قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): (من صلّى صلاة لم يصل فيها عليّ ولا أهل بيتي لم تقبل منه). (1)
  وأبو جعفر الجعفي ممَّن ترجمه ابن حجر في تهذيبه ، ونقل عن سفيان في حقّه:
  ما رأيت أورع في الحديث منه ، وقال وكيع : مهما شككتم في شيء فلا تشكّوا في أنّ جابراً ثقة.
  وقال سفيان أيضاً لشعبة : لاَن تكلَّمت في جابر الجعفي لاَتكلمنَّ فيك إلى غير ذلك . (2)
  قال ابن حجر : أخرج الدار قطني والبيهقي حديث من صّلى صلاة ولم يصل فيها عليّ وعلى أهل بيتي لم تقبل منه ، وكأنّهذا الحديث هو مستند قول الشافعي انّ الصلاة على الآل من واجبات الصلاة، كالصلاة عليه ص لكنّه ضعيف ، فمستنده الاَمر في الحديث المتفق عليه، قولوا: اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، والاَمر للوجوب حقيقة على الاَصحّ .(3)
  وقال الرازي: إنّ الدعاء للآل منصب عظيم، ولذلك جعل هذا الدعاء

---------------------------
(1) سنن الدارقطني : 1|355.
(2) تهذيب التهذيب : 2|46.
(3) الصواعق المحرقة: 234، ط الثانية، عام 1385هـ.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 159_

  خاتمة التشهد في الصلاة، وقوله: اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، وارحم محمّداً وآل محمّد.
  وهذا التعظيم لم يوجد في حقّ غير الآل، فكلّ ذلك يدل على أنّ حبّ آل محمّد واجب، وقال الشافعي:
يا راكباً قف بالمحصَّب من iiمنى      واهتف  بساكن خيفها iiوالناهض
سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى      فـيضاً كما نظم الفرات iiالفائض
إن كـان رفـضاً حبُّ آل محمّد      فليشهد  الثقلان أنّي رافضي (1)
  وقال النيسابوري في تفسيره عند قوله تعالى : (قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ المَوَدَّة فِي القُربى) كفى شرفاً لآل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وفخراً ختم التشهد بذكرهم والصلاة عليهم في كل ّصلاة. (2)
  وروى محب الدين الطبري في الذخائر عن جابر بن عبد اللّه الاَنصاري (رض) عنه انّه كان يقول : لو صلّيت صلاة لم أُصلِّ فيها على محمّد وعلى آل محمّد ما رأيت أنّها تقبل. (3)
  وقال المحقّق الشيخ حسن بن عليّ السقاف : تجب الصلاة على آل النبي ص في التشهد الاَخير على الصحيح المختار، لاَنّ أقصر صيغة وردت عن سيدنا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ثبت فيها ذكر الصلاة على الآل، ولم ترد صيغة خالية منه في صيغ تعليم الصلاة، فقد تقدّم حديث سيدنا زيد بن خارجة ، انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال :

---------------------------
(1) تفسير الفخر الرازي : 27|166 ، تفسير سورة الشورى.
(2) تفسير النيسابوري: تفسير سورة الشورى.
(3) ذخائر العقبى: 19، ذكر الحث على الصلاة عليهم.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 160_

  (صلّوا عليّ واجتهدوا في الدعاء، وقولوا:اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد). (1)
بلاغ وإنذار

  لقد تبين ممّا سبق كيفية الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و انّه لا يصّلى عليه إلاّ بضم الآل إليه، ومع ذلك نرى أنّه قد راجت الصلاة البتراء بين أهل السنَّة في كتبهم ورسائلهم، مع أنّ هذه البلاغات من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نصب أعينهم ولكنَّهم رفضوها عملاً واكتفوا بالصلاة عليه خاصة، حتى أنّ ابن حجر الهيتمي(899 ـ 974هـ) نقل كيفية الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكن كتابه المطبوع مليء بالصلاة البتراء، وإليك نصّ ما قال : ويروى لا تصلوا عليّ الصلاة البتراء، قالوا : وما الصلاة البتراء، قال : تقولون : اللّهمّ صلّ على محمّد وتمسكون، بل قولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ولا ينافي ما تقرر حذف الآل في الصحيحين، قالوا : يا رسول اللّه : كيف نصلّي عليك ؟ قال : قولوا اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى أزواجه وذريّته، كما صليت على إبراهيم إلى آخره.
  لاَنّ ذكر الآل ثبت في روايات أُخر، وبه يعلم أنّه (ص) قال : ذلك كلّه فحفظ بعض الرواة مالم يحفظه الآخر. (2)
  وفي الختام نذكر ما ذكره الرازي، انّه قال: أهل بيته ساووه في خمسة أشياء: في الصلاة عليه و عليهم في التشهد، وفي السلام، والطهارة، وفي تحريم الصدقة، وفي المحبّة .(3)

---------------------------
(1) صحيح صفة صلاة النبي: 214.
(2) الصواعق المحرقة : 146، ط الثانية، عام 1385.
(3) الغدير : 2|303، ط طهران نقله عن تفسير الرزاي : 7|391 ولم نعثر عليه في الطبعتين.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 161_

من حقوق أهل البيت (عليهم السلام)
5 ـ دفع الخمس إليهم

  الاَصل في ضريبة الخمس، قوله سبحانه : (وَاعْلَمُوا انّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيءٍ فَانّ للّه خُمُسهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكِين وَابْنِ السَّبيل إِنْكُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَومَ الفُرقانِ يَومَ التَّقَى الجَمْعانِ وَاللّهُ عَلى كُلِّ شيَْيءٍ قَدِير ...). (1)
  نزلت الآية يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان وهي غزوة بدر الكبرى، واختلف المفسرون في تفسير الموصول في (ما غنمتم)هل هو عام لكلّما يفوز به الاِنسان في حياته ، كما عليه الشيعة الاِمامية، أو خاص بما يظفر به في الحرب، وهذا بحث مهم لا نحوم حوله ، لاَنّه خارج عّما نحن بصدده ، وقد أشبعنا الكلام فيه في كتابنا(الاعتصام بالكتاب والسنة) وأثبتنا بفضل القرآن والاَحاديث النبوية انّالخمس يتعلَّق بكلّ ما يفوز به الاِنسان في حياته ، وانّ نزول الآية في مورد الغنائم الحربية لا يُخصص الحكم الكلي. (2)

---------------------------
(1) الاَنفال : 41.
(2) الاعتصام بالكتاب والسنَّة : 91 ـ 105.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 162_

  إنّما الكلام في تبيين مواضع الخمس، وقد قسم الخمس في الآية إلى ستة أسهم، أعني: للّه و للرسول و لذي القربى واليتامى و المساكين وابن السبيل.
  فالسهمان الاَولان واضحان ، إنّما الكلام في السهم الثالث ومن بعده، فالمراد من ذي القربى هم أقرباء النبي وذلك بقرينة الرسول ص، و قد سبق منّا القول في تفسير آية المودة:انّ تبيين المراد من القربى رهن القرائن الحافَّة بالآية فربما يراد منها أقرباء الناس، مثل قوله : (وَإِذا قُلتُمْ فاعْدِلُوا وَلَو كانَذا قُربى) .(1)
  المراد أقرباء المخاطبين، بقرينة قوله: (قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ ) نظير قوله:( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى) والمراد أقرباء الميت.
  وعلى ضوء ذلك فإذا تقدَّم عليه لفظ (الرسول) يكون المراد منه أقرباء الرسول كما في الآية (َلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى) ، و مثله قوله : (ما أفاءَ اللّهُ عَلى رسولهِ من أهلِ القُرى فللّهِ ولِلرَّسول وَ لِذِى القُربى وَ اليَتامى وَ المَساكِين وَ ابْن السَّبِيل) ،(2) وقوله: (فَآت ذَا القُرْبَى حَقّهُ والمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) ،(3) فالمراد من ذي القربى هم أقرباء الرسول بقرينة توجَّه الخطاب إليه أعني (فآت).
  ومنه يعلم المراد من المساكين في الآيتين وآية الخمس، أي مساكين ذي القربى وأيتامهم وأبناء سبيلهم.
  هذا هو المفهوم من الآية، و على ما ذكرنا فكلّما يفوز به الاِنسان في مكسبه ومغنمه أو ما يفوز به في محاربة المشركين والكافرين، يُقسم خمسه بين ستة سهام كما عرفت.

---------------------------
(1) الاَنعام : 152.
(2) الحشر : 7.
(3) الروم : 38.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 163_

  ويوَيده الروايات التالية:
  1 ـ روي عن ابن عباس : كان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقسّم الخمس على ستة : للّه وللرسول سهمان وسهم لاَقاربه ، حتى قبض . (1)
  2 ـ وروي عن أبي العالية الرياحي: كان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يوَتى بالغنيمة فيقسمها على خمسة فتكون أربعة أخماس لمن شهدها، ثمّ يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه فيأخذ منه الذي قبض كفه ، فيجعله للكعبة وهو سهم اللّه، ثم يقسَّم ما بقي ، على خمسة أسهم: فيكون سهم للرسول ، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لابن السبيل ، قال : والذي جعله للكعبة فهو سهم اللّه.(2)
  وأمّا تخصيص بعض سهام الخمس بذي القربى ومن جاء بعدهم من اليتامى والمساكين وابن السبيل، فلاَجل الروايات الدالة على أنّه لا تحل لهم الصدقة، فجعل لهم خمس الخمس.
  أخرج الطبري عن مجاهد ، انه قال : كان آل محمّد ص لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم الخمس (3)
  و أخرج ايضاً عنه: قد علم اللّه أنّفي بني هاشم الفقراء فجعل لهم الخمس مكان الصدقة (4) .
  كما تضافرت الروايات عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) أنّ السهام الاَربعة من الخمس، لآل محمّد ((صلى الله عليه وآله وسلم).(5)

---------------------------
(1) تفسير النيسابوري: 10|4 ، المطبوع بهامش الطبري.
(2) تفسير الطبري: 10|4 ، أحكام القرآن: 3|60.
(3) الظاهر زيادة لفظ (خمس) بقرينة ما نقله ثانياً عن مجاهد.
(4) تفسيرالطبري : 10|5.
(5) الوسائل: 6|الباب 29 من أبواب المستحقّين للزَّكاة.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 164_

  هذا ظاهر الآية ويا للاَسف لعب الاجتهاد دوراً كبيراً في تحويل الخمس عن أصحابه وظهرت أقوال لا توافق النص القرآني، وإليك مجملاً من آرائهم:
  1 ـ قالت الشافعية و الحنابلة: تقسم الغنيمة، وهي الخمس إلى خمسة أسهم: واحد منها سهم الرسول ويصرف على مصالح المسلمين، و واحد يعطى لذوي القربى وهم من انتسب إلى هاشم بالابوة من غير فرق بين الاَغنياء والفقراء، والثلاثة الباقية تنفق على اليتامى والمساكين وأبناء السبيل سواء أكانوا من بني هاشم أو من غيرهم.
  2 ـ وقالت الحنفية: إنّسهم الرسول سقط بموته، أمّا ذوو القربى فهم كغيرهم من الفقراء يعطون لفقرهم لا لقرابتهم من الرسول.
  3 ـ وقالت المالكية: يرجع أمر الخمس إلى الاِمام يصرفه حسبما يراه من المصلحة.
  4 ـ وقالت الاِمامية: إنّ سهم اللّه وسهم الرسول وسهم ذوي القربى يفوِّض أمرها إلى الاِمام أو نائبه ، يضعها في مصالح المسلمين، والاَسهم الثلاثة الباقية تعطى لاَيتام بني هاشم ومساكينهم وأبناء سبيلهم ولا يشاركهم فيها غيرهم. (1)
  5 ـ وقال ابن قدامة في المغني بعد ما روى أنّأبا بكر وعمر قسَّما الخمس على ثلاثة أسهم : و هو قول أصحاب الرأي أبي حنيفة وجماعته ، قالوا : يقسم الخمس على ثلاثة : اليتامى، والمساكين، وابن السبيل، وأسقطوا سهم رسول اللّه بموته وسهم قرابته أيضاً.
  6 ـ وقال مالك : الفيء والخمس واحد يجعلان في بيت المال.
  7 ـ وقال الثوري : والخمس يضعه الاِمام حيث أراه اللّه عزّوجلّ.

---------------------------
(1) الفقه على المذاهب الخمسة: 188.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 165_

  وما قاله أبو حنيفة مخالف لظاهر الآية فإنّ اللّه تعالى سمّى لرسوله وقرابته شيئاً وجعل لهما في الخمس حقاً ، كما سمّى الثلاثة أصناف الباقية، فمن خالف ذلك فقد خالف نصّ الكتاب، و أمّا جعل أبي بكر وعمر سهم ذي القربى، في سبيل اللّه، فقد ذُكر لاَحمد فسكت وحرك رأسه ولم يذهب إليه، و رأى أنّ قول ابن عباس و من وافقه أولى، لموافقته كتاب اللّه وسنة رسوله. (1)
  وقد أجمع أهل القبلة كافة على أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يختص بسهم من الخمس ويخص أقاربه بسهم آخر منه، وأنّه لم يعهد بتغيير ذلك إلى أحد حتى دعاه اللّه إليه ، واختار اللّه له الرفيق الاَعلى.
  فلمّا ولى أبوبكر تأوّل الآية فأسقط سهم النبي وسهم ذي القربى بموت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، و منع بني هاشم من الخمس، وجعلهم كغيرهم من يتامى المسلمين ومساكينهم وأبناء السبيل منهم.
  قال الزمخشري عن ابن عباس : الخمس على ستة أسهم : للّه ولرسوله سهمان ، وسهم لاَقاربه ، حتى قبض فأجرى أبو بكر الخمس على ثلاثة ، وكذلك روي عن عمر و من بعده من الخلفاء، قال : وروي أنّ أبابكر منع بني هاشم الخمس. (2)
  وقد ارسلت فاطمة (عليها السلام)، تسأله ميراثها من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) مما أفاء اللّه عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه

---------------------------
(1) الشرح الكبير على هامش المغني : 10| 493 ـ 494.
(2) الكشاف: 2|126.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 166_

  حتى توفيت ، وعاشت بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يوَذن بها أبا بكر وصلّى عليها. (1)
  وفي صحيح مسلم عن بريد بن هرمز ، قال : كتب نجدة بن عامر (الحروري الخارجي) إلى ابن عباس ، قال ابن هرمز : فشهدت ابن عباس حين قرأ الكتاب وحين كتب جوابه ، وقال ابن عباس : واللّه لولا أن أرد عن نَتْن يقع فيه ، ما كتبت إليه ولا نُعْمةَ عينٍ ، قال : فكتب إليه إنّك سألت عن سهم ذي القربى الذي ذكرهم اللّه من هم ؟ وإنّا كنّا نرى أنّ قرابة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) هم نحن فأبى ذلك علينا قومنا.(2)

---------------------------
(1) صحيح البخاري: 3|36 باب غزوة خيبر.
(2) صحيح مسلم : 2|105 ، كتاب الجهاد و 167 السير، باب النساء الغازيات.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 167_

من حقوق أهل البيت (عليهم السلام)
6 ـ الفيء لاَهل البيت (عليهم السلام)

  الفيء عبارة عن الغنائم التي يحصل عليها المسلمون بلا خيل ولا ركاب ، فإنّ هذه الاَموال تقع تحت تصرّف الرسولص باعتباره رئيساً للدولة الاِسلامية، وكان الفيء في حياة الرسول ص أمراً هاماً في تنمية الثروة في المجتمع الاِسلامي ولا سيما إنتقال الثروة من يد الاَغنياء إلى يد الفقراء.
  والاَساس فيه قوله سبحانه : (وَما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍوَلكِنَّ اللّه يُسَلّطُ رُُُسُلهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير) .(1)
  (ما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرى فَلِلّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكِين وَابْن السَّبيلِ ِكَيْ لا يَكُونَ دَولَةً بَيْنَ الاََغْنياء مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ و َما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ العِقاب) (2)
  بَّين سبحانه أحكام الفيء، وقال: (وَما أفاءَ اللّه عَلى رَسُولهِ مِنْهُمْ) الضمير

---------------------------
(1) الحشر : 6.
(2) الحشر : 7.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 168_

  يرجع إلى اليهود، ولكن الحكم سار على جميع الكفّار.
  (فَما أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا مِنْ رِكاب) أي الفيء عبارة عن الاَموال التي استوليتم عليها بلا إيجاف خيل ولا إبل ولم تسيروا إليها على خيل ولا إبل.
  هذا هو الفيء، وأمّا المواضع التي يصرف بها هذا الفيء فقد بيَّنها سبحانه في الآية الثانية، وقال : (مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ) ، أي ما ردَّ ما كان للمشركين على المسلمين بتمليك اللّه إيّاهم ذلك ، (فَلِلَّهِ) و (لِلرَّسُولِ) و (لِذِي الْقُرْبَى) ، فهو للّه بالذات وللرسول و لذي القربى بتمليك اللّه إيّاه.
  والمراد من ذي القربى بقرينة الرسول أهل بيت رسول اللّه وقرابته، و هم بنو هاشم.
  (وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) أي منهم ، بقرينة الرسول، فيكون المعنى ويتامى أهل بيته ومساكينهم وأهل السبيل منهم.
  وعلى ذلك فالفيء يقسم على ستة أسهم:
  1 ـ سهم للّه المالك لكلّشيء غير محتاج لشيء، جعل نفسه قريناً لسائر الاسم تكريماً السهام.
  2 ـ سهم الرسول و هو يوَمن بذلك حاجاته وحاجة الدولة الاِسلامية.
  3 ـ سهم ذوي القربى أي أقرباء الرسول، فبما أنّ الصدقة تحرم عليهم حلّ ذلك محلّه.
  4 ـ سهم اليتامى.
  5 ـ سهم المساكين.
  6 ـ سهم أبناء السبيل.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 169_

وبكلمة جامعة
  (الغنيمة) ـ كلّما أُخذ من دار الحرب بالسيف عنوة مما يمكن نقله إلى دار الاِسلام، ومالا يمكن نقله إلى دار الاِسلام ـ لجميع المسلمين ينظر فيه الاِمام، و يصرف انتفاعه إلى بيت المال لمصالح المسلمين.
  (الفيء) ـ كلّما أخذ من الكفّار بغير قتال أو انجلاء أهلها ـ للنبي، يضعه في المذكورين في هذه الآية، ولمن قام مقامه من الاَئمّة وقد بيّنه سبحانه في ضمن الآيتين. (1)

---------------------------
(1) التبيان:9|564.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 170_

من حقوق اهل البيت (عليهم السلام)
7 ـ الاَنفال لاَهل البيت (عليهم السلام)

  وردت لفظة (الاَنفال) في القرآن مرتين في آية واحدة، قال سبحانه: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الاََنْفالِ قُلِ الاََنْفالُ للّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّه وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطيعُوا اللّهَوَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُوَْمِنين). (1)
  أقول: إنَّ الضرائب الواردة في القرآن الكريم لا تتجاوز الاَربع:
  أ ـ الزكاة ومقسمها ثمانية.
  ب ـ الخمس ومقسمه هو الستة
  ج ـ الفيء ومقسمه مقسم الخمس كما عرفت.
  د ـ الاَنفال ومقسمها اثنان، وهما ما ذكر في الآية من قوله :( للّهِ والرَّسُول) ، لكن الكلام في بيان المراد من الاَنفال.
  اختلف المفسّرون في تفسير الاَنفال اختلافاً كثيراً، والذي يمكن أن يقال انّالاَنفال من النفل و هو الزائد من الاَموال، فيشمل كلّ زائد عن حاجات الحياة،

---------------------------
(1) الاَنفال: 1.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 171_

  و لكن السنة المروية عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) فسرته بالنحوالتالي:
  1 ـ روى حفص البختري عن الاِمام الصادق (عليه السلام) قال: (الاَنفال مالم يوجف عليه بخيل أو ركاب، أوقوم صالحوا، أو قوم أُعطوا بأيديهم، وكلّ أرض خربة، وبطون الاَودية، فهو لرسول اللّه، وهو للاِمام بعده يضعه حيث يشاء). (1)
  2 ـ وروى حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن الاِمام الكاظم (عليه السلام) في حديث : (والاَنفال كلّأرض خربة باد أهلها، وكلّأرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ولكن صالحوا صلحاً وأعطوا بأيديهم على غير قتال ، وله روَوس الجبال وبطون الاَودية والآجام وكلّ أرض ميتة لا ربّ لها ، وله صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب، لاَنّ الغصب كلّه مردود ، و هو وارث من لا وارث له ، يعول من لا حيلة له).(2)
  3 ـ موثقة إسحاق بن عمّار المروية في تفسير القمي قال : سألت أبا عبداللّه (عليه السلام) عن الاَنفال ، فقال (عليه السلام) :(هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها، فهي للّه وللرسول ص ، و ما كان للملوك فهو للاِمام ، و ما كان من الاَرض الخربة لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، وكلّأرض لا ربّلها ، والمعادن منها ، من مات و ليس له مولى فماله من الاَنفال). (3)
  إلى غير ذلك من الروايات.
  وعلى الرواية الاَُولى يكون الفيء من أقسام الاَنفال، ولم نجد في تفاسير أهل السنة من يوافق الشيعة الاِمامية في تفسير الاَنفال إلاّ شيئاً قليلاً ، فقد عقد أبو

---------------------------
(1) وعلى هذا يكون الفيء قسماً من الاَنفال.
(2) وسائل الشيعة: 6 ، الباب الاَوّل من أبواب الاَنفال، الحديث 1، 4، 20.
(3) وسائل الشيعة: 6 ، الباب الاَوّل من أبواب الاَنفال، الحديث 1، 4، 20.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 172_

  إسحاق الشيرازي باباً للاَنفال وفسرها بقوله : يجوز لاَمير الجيش أن ينفل لمن فعل فعلاً يفضي إلى الظفر بالعدو ، كالتجسيس ، والدلالة على طريق أو قلعة ، أو التقدم بالدخول إلى دار الحرب أو الرجوع إليها بعد خروج الجيش منها . (1)

---------------------------
(1) المهذب في فقه الاِمام الشافعي: 2|243.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 173_

من حقوق أهل البيت (عليهم السلام)
8 ـ ترفيع بيوتهم

  لقد أذن اللّه تعالى في ترفيع البيوت التي يذكر فيها اسمه ويسبِّح له بالغدوِّ والآصال في آية مباركة ، وقال :(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَفِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالغُدُوِّ وَالآصال* رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَاقام الصَّلاة وإيتاءِالزَّكاة يَخافُونَ يَوماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالاََبْصار) .(1)
  وتفسير الآية رهن دراسة أمرين:
  الاَوّل ـ ما هو المقصود من البيوت ؟
  الثاني ـ ما هو المراد من الرفع ؟
  أمّا الاَوّل فربما قيل انّالمراد من البيوت هو المساجد.
  قال صاحب الكشّاف : (فِي بُيُوتٍ) يتعلّق بما قبله ، مثل نوره كمشكاة في بعض بيوت اللّه، وهي المساجد . (2)
  ولكن الظاهر أنّ التفسير غير صحيح، لاَنّ البيت هو البناء الذي يتشكَّل من

---------------------------
(1) النور: 36 ـ 37.
(2) الكشاف: 2|389.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 174_

  جدران أربعة وعليها سقف قائم ، فالكعبة بيت اللّه لاَجل كونها ذات قوائم أربعة وعليها سقف ، والقرآن يعزّ عن اليت بالمكان المسقَّف، ويقول: (وَلَولا أَنْ يَكُونَ النّاسُ أُمّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سَقْفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمعارِج عَلَيْها يَظهَرُون) . (1)
  فالمستفاد من الآية أنّ البيت لا ينفك عن السقف، هذا من جانب.ومن جانب آخر : لا يشترط في المساجد وجود السقف، هذا هو المسجد الحرام تراه مكشوفاً تحت السماء ودون سقف يظلّله.
  وقد ورد لفظ البيوت في القرآن الكريم (36 مرّة) بصور مختلفة ، واستعمل في غير المسجد ، يقول سبحانه : (طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفينَ وَالعاكِفينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود) (2) ،(وَاذْكُرُن ما يُتلى في بُيوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللّه وَالحِكْمَة) . (3)
  إلى غير ذلك من الآيات، فكيف يمكن تفسيره بالمساجد ؟
  وبما أنّ جميع المساجد ليس على هذا الوصف، التجأ صاحب الكشاف بإقحام كلمة (بعض)، وقال : في بعض بيوت اللّه وهي المساجد، وهو كما ترى، وهناك حوار دار بين قتادة فقيه البصرة وأبي جعفر الباقر (عليه السلام) يوَيد ما ذكرنا.
  حضر قتادة في مجلس الاِمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) فقال له الاِمام: من أنت ؟
  قال : أنا قتادة بن دعامة البصري.
  فقال أبو جعفر : أنت فقيه أهل البصرة ؟
  فقال : نعم ، قال قتادة : أصلحك اللّه، ولقد جلستُ بين يدي الفقهاء وقدام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدام واحد منهم ، ما اضطرب قدامك !

---------------------------
(1) الزخرف : 33.
(2) البقرة : 125.
(3) الاَحزاب : 34.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 175_

  فقال أبو جعفر (عليه السلام) : ما تدري أين أنت ؟ أنت بين يدي (بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَفِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالغُدُوِّ وَالآصال * رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وإقام الصَّلاة وإيتاءِالزَّكاة) ونحن أُولئك.
  فقال له قتادة : صدقت ، واللّه جعلني فداك ، واللّه ماهي بيوت حجارة ولا طين . (1)
  و يوَيّد ما رواه الصدوق في الخصال عن النبيّص: ان اللّه اختار في البيوتات أربعة ثم قرأ هذه الآية: (إنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً و آلَ إِبْراهِيمَ و آلَ عِمْرانَ لِلْعالَمِينَ ذُرِّيَةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) (2) ـ (3)
  وعلى هذا الحوار فالمراد من البيت، بيت الوحي وبيت النبوَّة، ومن يعيش في هذه البيوت من رجال لهم الاَوصاف المذكورة في الآية الكريمة.
  هذا كلّه حول الاَمر الاَوّل،
  وأمّا الاَمر الثاني، أعني ما هو المراد من الرفع ؟ فيحتمل وجهين:
  الاَوّل ـ أن يكون المراد الرفع المادي الظاهري الذي يتحقق بإرساء القواعد وإقامة الجدار والبناء، كما قال سبحانه : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهيمُ الْقَواعِد مِنْ البَيْت وَإِسماعيل) (4) و على هذا تدل الآية على جواز تشييد بيوت الاَنبياء والاَولياء وتعميرها في حياتهم بعد مماتهم.
  الثاني ـ أن يكون المراد الرفع المعنوي والعظمة المعنوية، وعلى هذا تدل الآية بتكريم تلك البيوت وتبجيلها وصيانتها وتطهيرها مما لا يليق بشأنها .

---------------------------
(1) البرهان في تفسير القرآن : 3|138.
(2) آل عمران : 33 ـ 34.
(3) الخصال : 1 | 107.
(4) البقرة : 127.