الحمد للّه بارىَ النسم ، وسابغ النعم، والصلاة والسلام على أفضل خليقته ، وأشرف بريّته ، أبي القاسم محمد ، وعلى آله الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
أمّا بعد .
لقد حاز أهل البيت (عليهم السلام) على أهمية بالغة في القرآن الكريم، وأشار إليهم في غير واحد من آياته ببيان سماتهم ، وحقوقهم ، وما يمت إليهم بصلة ، لا سيما آية التطهير المعروفة بين المسلمين ، أعني : قوله سبحانه: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) .
ولاَجل أهمية الموضوع ألّف غير واحد من علماء الفريقين كتباً ورسائل حوله، أفاضوا فيها الكلام حول هوية أهل البيت ومناقبهم وفضائلهم.
وقد استرعى انتباهي في الفترة الاَخيرة كتابان حول أهل البيت: أحدهما: ( حقوق أهل البيت (عليهم السلام) ) لابن تيمية (المتوفّى عام 728هـ)، والآخر : (الشيعة وأهل البيت) للكاتب المعاصر إحسان إلهي ظهير حيث بذلا الوسع لبيان نزول الآية في نساء النبي ص، و الكتاب الثاني أشدّ بخساً في هذا المجال، وقد أنصف الكتاب الاَوّل بعض الاِنصاف.
هذا وذاك ممّا دعاني إلى تقديم هذا الكتاب الماثل بين يديك الذي يبيّن هوية أهل البيت من خلال القرائن الموجودة في الآية والروايات المتضافرة، مضافاً إلى بيان سماتهم وحقوقهم عسى أن يجبر بعض ما هضم من حقوقهم في ذينك الكتابين خصوصاً الكتاب الاَخير.
وأود أن أشير في الختام إلى نكتة وهي انّ آية التطهير لحنها لحن الثناء والتمجيد على أهل البيت (عليهم السلام) في حين انّ لحن الآيات الواردة في نساء النبي ص النصح والوعظ تارة، والتنديد والتوبيخ أُخرى.
أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم
_ 6_
أمّا الاَوّل فكما في الآيات الواردة في سورة الاَحزاب.
يقول سبحانه : (يا أَيُّها النَّبيُّ قُل لاََزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحياةَ الدُّنيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَميلاً) .(1) (يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) .(2) (يا نِساءَ النَّبِيّ لَسْتُنَّ كَأحَدٍ منَ النِّساءِ إِن اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالقَوْلِ فَيََطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَولاً مَعْرُوفاً) .(3) (وَقَرَنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجاهِليّةِ الاَُولى وَأَقمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وأَطِعْنَ اللّهَ ورَسُولَهُ) .(4)
وأمّا الثاني أي التنديد و التوبيخ ففي الآيات الواردة في سورة التحريم: (يا أيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرضاةَ أَزْواجِكَ واللّهُ غَفُورٌ رَحيم) .(5) (إِن تَتُوبا إِلى اللّه فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللّهَ هُوَ مَولاهُ وجِبْرِيلُ وصَالِحُ الْمُوَْمِنِينَ والمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِير) .(6) (عَسى رَبُّهُ إِنْطَلَّقْكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُوَْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) .(7)
فأُمّهات الموَمنين كسائر الصحابيات لهنّ من الفضل ما لغيرهنّ، ولكن آية التطهير بلغت من الثناء على أهل البيت بمكان تأبى من الانطباق عليهن بما عرفت لهنّ من السمات في الآيات وستوافيك دلالة الآية على عصمة أهل البيت وتنزيههم من الزلل والخطأ .
لقد وردت لفظة (أهل البيت) مرّتين في القرآن الكريم.
قال سبحانه حاكياً عن لسان الرسل: (قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أمرِ اللّهِ رَحمةُ اللّهِ وبَركاتُهُ عَلَيْكُمْ أهلَ البَيْتِ إنّهُ حَمِيدٌ مَجِيد) .(1)
وقال تعالى :(وقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ولا تَبَرَّجْنَّ تَبَرُّجَ الجاهِلِيَّةِ الاَُولى وأقِمْنَ الصلاةَ وآتِينَ الزكاةَ واطِعْنَّ اللّهَ ورَسُولَهُ إنّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكُم تَطهِيراً) .(2)
فالآية الاَُولى تخاطب أهل بيت خليل اللّه عند ما جاءتهم الرسل فبشّـروا امرأته بإسحاق ومن وراء إسحاق بيعقوب.
ولمّا كانت هذه البشارة على خلاف السنن الكونية حيث كان الخليل شيخاً وزوجته طاعنة في السن، فلذلك تعجبت وقالت مخاطبة الرسل: (يا وَيْلَتي ءَأَلِدُ وأنَا عَجُوزٌ وهذا بَعْلِي شَيْخاً إنّ هَذا لَشَيْءٌ عَجِيب)(3) فوافاها
الجواب من جانب الرسل الذين كانوا ملائكة وتمثّلوا بصورة الاِنسان، قائلين : (أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ) .
وأمّا الآية الثانية فقد وردت في ثنايا الآيات التي نزلت في شأن نساء النبي ص بدعوتهنّإلى التخلّـي عن الدنيا والتحلّـي بالتقوى إلى غير ذلك من الوصايا التي وردت ضمن آيات .(1)
والمهم في هذا المقام هو معرفة أهل البيت في الآية الثانية وما هي سماتهم وحقوقهم في الذكر الحكيم ؟
فهناك مباحث ثلاثة :
من هم أهل البيت (عليهم السلام) ؟
و ماهي سماتهم ؟
وماهي حقوقهم ؟
وها نحن نقوم بدراسة هذه المواضيع في فصول ثلاثة مستمدين من اللّه العون والتوفيق .
---------------------------
(1) انظر سورة الاَحزاب، الآيات: 28 ـ 34.
إنّ المعروف بين المفسرين والمحدّثين، هو انّ المراد من أهل البيت في الآية المباركة، العترة الطاهرة الذين عرّفهم الرسول ص في حديث الثقلين، وقال: (إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه، وعترتي).
غير انّ تحقيق مفاد الآية وتبيين المراد من أهل البيت فيها وانطباقها على حديث الثقلين يستدعي البحث في موردين:
أ ـ أهل البيت لغة وعرفاً.
ب ـ أهل البيت في الآية المباركة.
وإليك الكلام فيهما واحداً تلو الآخر.
هذا اللفظ مركب من كلمتين ولكل مفهوم، ويمكن تحديد مفهوم (الاَهل) من موارد استعماله فيقال:
1 ـ أهل الاَمر والنهي .
2 ـ أهل الاِنجيل.
3 ـ أهل الكتاب.
4 ـ أهل الاِسلام.
5 ـ أهل الرجل.
6 ـ أهل الماء.
وهذه الموارد توقفنا على أنّ كلمة (أهل) تستعمل مضافاً فيمن كان له علاقة قوية بمن أُضيف إليه، فأهل الاَمر والنهي هم الذين يمارسون الحكم والبعث والزجر ، وأهل الاِنجيل هم الذين لهم اعتقاد به كأهل الكتاب وأهل الاِسلام.
وقد اتفقت كلمة أهل اللغة على أنّ الاَهل والآل كلمتان بمعنى واحد ، قال ابن منظور : آل الرجل : أهله، وآل اللّه وآل رسوله : أولياوَه، أصلها أهل ثم أُبدلت الهاء همزة فصارت في التقدير أأل، فلمّـا توالت الهمزتان أبدلوا الثانية ألفاً، كما قالوا : آدم وآخر، وفي الفعل آمن وآزر.
وقد أنشأ عبد المطلب عند هجوم ابرهة على مكة المكرمة، وقد أخذ حلقة باب الكعبة وقال:
وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك وعلى ما ذكرنا، فهذا اللفظ إذا أُضيف إلى شيء يقصد منه المضاف الذي له علاقة خاصة بالمضاف إليه، فأهل الرجل مثلاً هم أخص الناس به ، وأهل المسجد، المتردّدون كثيراً إليه، وأهل الغابة القاطنون فيها ... فإذا لاحظنا موارد
أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم
_ 11_
استعمال هذه الكلمة لا نتردّد في شمولها للزوجة والاَولاد، بل وغيرهم ممّن تربطهم رابطة خاصة بالبيت من غير فرق بين الاَولاد والاَزواج، ولاَجل ذلك ترى أنّه سبحانه يطلقه على زوجة إبراهيم كما عرفت في الآية.
هذا هو حق الكلام في تحديد مفهوم هذه الكلمة، ولنأت ببعض نصوص أئمّة اللغة.
قال ابن منظور : أهل البيت سكانه، وأهل الرجل أخص الناس به ، وأهل بيت النبي: أزواجه وبناته وصهره ، أعني: علياً (عليه السلام)، وقيل : نساء النبي والرجال الذين هم آله. (1)
فلقد أحسن الرجل في تحديد المفهوم أوّلاً، وتوضيح معناه في القرآن الكريم ثانياً ، كما أشار بقوله : (قيل) إلى ضعف القول الآخر، لاَنّه نسبه إلى القيل.
وقال ابن فارس ناقلاً عن الخليل بن أحمد: أهل الرجل: زوجه، والتأهّل ، التزوّج، وأهل الرجل: أخص الناس به، وأهل البيت: سكّانه، وأهل الاِسلام: من يدين به . (2)
وقال الراغب في (مفرداته): أهل الرجل من يجمعه وإيّاهم نسب أو دين أو ما يجري مجراهما من صناعة وبيت وبلد ، فأهل الرجل في الاَصل من يجمعه وإيّاهم مسكن واحد ، ثم تجوز به فقيل : أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإيّاهم النسب وتعورف في أُسرة النبي عليه الصلاة والسلام مطلقاً إذا قيل أهل البيت. (3)
وقال الفيروز آبادي : أهل الاَمر: ولاته ، وللبيت سكّانه، وللمذهب من يدين به ، وللرجل زوجته كأهله ، وللنبي أزواجه وبناته وصهره علي ـ رضي اللّه
تعالى عنه ـ أو نساوَه والرجال الذين هم آله. (1)
هذه الكلمات ونظائرها بين أعلام أهل اللغة كلّها تعرب عن أنّ مفهوم أهل البيت في اللغة هم الذين لهم صلة وطيدة بالبيت ، وأهل الرجل من له صلة به بنسب أو سبب أو غيرهما.
هذا هو الحق الذي لامرية فيه والعجب من إحسان إلهي ظهير الذي ينقل هذه النصوص من أئمّة اللغة وغيرهما ثم يستظهر انّ أهل البيت يطلق أصلاً على الاَزواج خاصة ، ثم يستعمل في الاَولاد والاَقارب تجوّزاً ، ثم يقول : هذا ما يثبت من القرآن الكريم كما وردت هذه اللفظة في قصة إبراهيم بالبشرى ، فقال اللّه عزّ وجلّ في سياق الكلام: (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَـقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ )(2) وقال: فاستعمل اللّه عزّ وجلّ هذه اللفظة على لسان ملائكته في زوجة إبراهيم (عليه السلام) لا غير، وهكذا قال اللّه عزّ وجلّ في كلامه المحكم في قصة موسى عليه الصلاة والسلام : (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الاَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لاَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً )(3) ، فالمراد من الاَهل زوجة موسى (عليه السلام)، وهي بنت شعيب .(4)
نحن نسأل الكاتب من أين استظهر من كلمات أهل اللغة انّ (الاَهل) تطلق
---------------------------
(1) القاموس المحيط: 3|331.
(2) هود: 73.
(3) القصص: 30.
(4) الشيعة وأهل البيت: 16 ـ 17.
أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم
_ 13_
أصلاً على الاَزواج خاصة ، ثم تستعمل في الاَولاد تجوّزاً ؟!
أليس قد تقدّم لنا كلام ابن منظور : أهل الرجل: أخص الناس به؟ ! أليس الاَولاد أخص الناس بالرجل ؟ ومن فسره بقوله : أهل الرجل زوجه لا يريد اختصاصه بالزوج ، بل يشير إلى أحد موارد استعماله ، ولاَجل ذلك يستدركه ويصرح بقوله : أهل الرجل : أخص الناس به.
ثم نسأله عن دلالة الآيتين على اختصاص الاَهل بالاَزواج وهل في منطق اللغة والاَدب جعل الاستعمال دليلاً على الانحصار ؟ فلا شك انّ الاَهل في الآيتين أُطلق على الزوجة، وليس الاِطلاق دليلاً على الانحصار، على أنه أُطلق في قصة الخليل وأُريد الزوجة والزوج معاً ، أي نفس الخليل بشهادة قوله تعالى : (عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) والاِتيان بضمير الجمع المذكر، وإرادة واحد منهما وحمل الخطاب العام على التعظيم، لا وجه له في المقام.
وحصيلة الكلام: انّ مراجعة كتب اللغة، وموارد استعمال الكلمة في الكتاب والسنّة تعرب عن أنّ مفهوم (الاَهل) هو المعنى العام وهو يشمل كل من له صلة بالرجل والبيت صلة وطيدة موَكدة من نسب أو سبب أو غير ذلك ، من غير فرق بين الزوجة والاَولاد وغيرهم ، وانّ تخصيصها بالزوجة قسوة على الحق، كما أنّ تخصيصها لغة بالاَولاد وإخراج الاَزواج يخالف نصوص القرآن واستعمالها كما عرفت في الآيات الماضية.
هذا هو الحق في تحديد المفهوم، فهلّم معي نبحث عما هو المراد من هذا المفهوم في الآية الكريمة، وهل أُريد منه كل من انتمى إلى البيت من أزواج وأولاد أو أنّ هناك قرائن خاصة على أنّ المقصود قسم من المنتمين إليه ؟ وليس هذا بشيء غريب ، لاَنّ المفهوم العام قد يطلق ويراد منه جميع الاَصناف
أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم
_ 14_
والاَقسام كما يطلق ويراد منه حسب القرائن بعضهم ، وقد عرفت أنّ المراد من الاَهل في قصة موسى زوجته وفي قصة إبراهيم زوجته ، وعلى هذا لا شك في شمول كلمة أهل البيت للزوجة والاَولاد وغيرهما إلاّ أن تقوم قرائن على أنّ المراد صنف خاص ، والمدّعى انّه قد قامت القرائن على إرادة صنف خاص منهم ، وتتبيّـن في البحث الآتي:
اختلف المفسرون في بيان ما هو المراد من (أهل البيت) في الآية المباركة على أقوال، غير انّ العبرة بقولين ، والاَقوال الاَُخر شاذة لا يعبأ بها، وانّما اختلقت لحل الاِشكالات الواردة على القول الثاني كما سيوافيك بيانها في آخر البحث.
1 ـ المراد بنت النبي وصهره وولداهما الحسن والحسين (عليهم السلام).
2 ـ نساء النبي ((صلى الله عليه وآله وسلم) . (1)
ولا بد من إمعان النظر في تعيين المراد بعد قابلية اللفظ لشمول كلتا الطائفتين، فيقول : إنّ هناك قرائن تدل بوضوح على أنّ المراد من هذه الكلمة جماعة خاصة منتمين إلى البيت النبوي بوشائج خاصة لا كل المنتمين إليه، وإليك تلك القرائن:
لا شك أنّ اللام قد تطلق ويراد منها الجنس المدخول كقوله سبحانه: (إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ) .(2)
وقد يطلق ويراد منها استغراق أفراده كقوله سبحانه: (يَا أَيُّها النَّبِيُّ جَاهِدِ
---------------------------
(1) وهناك أقوال أُخر شاذة جداً ستوافيك في مختتم البحث.
(2) العصر: 2 .
أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم
_ 15_
الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) .(1)
وثالثة تستعمل في العهد باعتبار معهودية مدخولها بين المتكلّم والمخاطب.
ولا يمكن حمل اللام في (البيت) على الجنس أو الاستغراق، لاَنّ الاَوّل انّما يناسب إذا أراد المتكلم بيان الحكم المتعلّق بالطبيعة كما يعلم من تمثيلهم لذلك بقوله تعالى: (إِنَّ الاِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً)(2) ، ومن المعلوم أنّ الآية الكريمة ليست بصدد بيان حكم طبيعة أهل البيت، كما لا يصح أن يحمل على العموم، أي: جميع البيوت في العالم، أو بيوت النبي، وإلاّ لناسب الاِتيان بصيغة الجمع فيقول : أهل البيوت، كما أتى به عندما كان في صدد إفادة ذلك، وقال في صدر الآية: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) .
فتعين أن يكون المراد هو الثالث، أي البيت المعهود، فالآية تشير إلى إذهاب الرجس عن أهل بيت خاص ، معهود بين المتكلم والمخاطب، وحينئذ يقع الكلام في تعيين هذا البيت المعهود، فما هو هذا البيت ؟ هل هو بيت أزواجه، أو بيت فاطمة وزوجها والحسن والحسين (عليهم السلام) ؟
لا سبيل إلى الاَوّل، لاَنّه لم يكن لاَزواجه بيت واحد حتى تشير اللام إليه، بل تسكن كل واحدة في بيت خاص، ولو أُريد واحداً من بيوتهن لاختصت الآية بواحدة منهم ، وهذا ما اتفقت الاَُمّة على خلافه.
أضف إلى ذلك أنّه على هذا يخرج بيت فاطمة مع أنّ الروايات ناطقة بشمولها، وانّما الكلام في شمولها لاَزواج النبي كما سيوافيك بيانه .
هذا كلّه على تسليم انّ المراد من البيت هو البيت المبني من الاَحجار والآجر والاَخشاب ، فقد عرفت أنّ المتعيّـن حمله على بيت خاص معهود ولا يصح إلاّ حمله على بيت فاطمة ، إذ ليس هناك بيت خاص صالح لحمل الآية عليه.
وأمّا لو قلنا بأنّ البيت قد يطلق ويراد منه تارة هذا النسق، كما في قوله تعالى : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) ، وأُخرى غير هذا النمط من البيت، مثل قول القائل: (بيت النبوة) و (بيت الوحي) تشبيهاً لهما على المحسوس، فلا محيص أن يراد منه المنتمون إلى النبوة والوحي بوشائج معنوية خاصة على وجه يصح مع ملاحظتها ، عدّهم أهلاً لذلك البيت، وتلك الوشائج عبارة عن النزاهة في الروح والفكر، ولا يشمل كل من يرتبط ببيت النبوة عن طريق السبب أو النسب فحسب ، وفي الوقت نفسه يفتقد الاَواصر المعنوية الخاصة، ولقد تفطّن العلاّمة الزمخشري صاحب التفسير لهذه النكتة ، فهو يقول في تفسير قوله تعالى : (قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ )(1) ، لاَنّها كانت في بيت الآيات ومهبط المعجزات والاَُمور الخارقة للعادات، فكان عليها أن تتوقر ولا يزدهيها ما يزدهي سائر النساء الناشئات في غير بيوت النبوة، وان تسبح اللّه وتمجّده مكان التعجب، وإلى ذلك أشارت الملائكة في قولها: (رحمة اللّه وبركاته عليكم أهل البيت) أرادوا انّ هذه وأمثالها ممّا يكرمكم به رب العزة، ويخصّكم بالاَنعام به يا أهل بيت النبوة. (2)
وعلى ذلك لا يصح تفسير الآية بكل المنتسبين عن طريق الاَواصر الجسمانية لبيت خاص حتى بيت فاطمة ، إلاّ أن تكون هناك الوشائج المشار
إليها، ولقد ضل من ضل في تفسير الآية بغير تلك الجماعة عليها السلام، فحمل البيت في الآية على البيت المبني من حجر ومدر مع أنّ المراد غيره.
ولقد جرى بين قتادة ذلك المفسر المعروف وبين أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) محادثة لطيفة أرشده الاِمام فيها إلى هذا المعنى الذي أشرنا إليه، قال ـ عندما جلس أمام الباقر (عليه السلام) ـ : لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدّام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدّام واحد منهم ما اضطرب قدّامك ، قال له أبو جعفر (عليه السلام):
(ويحك، أتدري أين أنت ؟ أنت بين يدي : (في بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ ويُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالغُدُوِّ والآصالِ * رجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وإقامِ الصلاةِ وإيتاءِ الزكاةِ )(1) فأنت ثم ونحن أُولئك) فقال له قتادة : صدقت واللّه جعلني اللّه فداك ، واللّه ما هي بيوت حجارة ولا طين (2) .
وهذه القرينة تحضّ المفسر على التحقيق عن الاَفراد الذين يرتبطون بالبيت بأواصر معينة ، وبذلك يسقط القول بأنّ المراد منه أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، لاَنّه لم تكن تلك الوشائج الخاصة باتفاق المسلمين بينهم وأقصى ما عندهن انهن كن مسلمات موَمنات.
نرى أنّه سبحانه عندما يخاطب أزواج النبي يخاطبهن حسب المعتاد بضمائر التأنيث، ولكنّه عندما يصل إلى قوله : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ ...) يغير الصيغة الخطابية في التأنيث ويأتي بصيغة التذكير، فما هو السر في تبديل الضمائر لو كان المراد أزواج النبي ؟ وإليك نص الآيات:
---------------------------
(1) النور: 36 ـ 37.
(2) الكافي: 6|256 ـ 257.
أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم
_ 18_
(يا نِسَاءَ النَّبِيّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالقَوْلِ فَيَطْمَعَ الّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) .(1) (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الاَُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) .(2) (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنَ آياتِ اللّهِ وَالحِكْمَةِ إنّ اللّهَ كانَ لَطِيفَاً خَبِيراً) .(3)
ترى أنّه سبحانه يخاطبهن في الآية الاَُولَى بهذه الخطابات:
1 ـ لستن .
2 ـ اتقيتن.
3 ـ فلا تخضعن .
4 ـ وقلن.
ويخاطبهن في الآية الثانية بهذه الخطابات:
1 ـ قرن .
2 ـ بيوتكن .
3 ـ لا تبرجن .
4 ـ أقمن.
5 ـ ى آتين .
6 ـ أطعن.
كما يخاطبهن في الآية الثالثة بقوله:
1 ـ واذكرن .
2 ـ بيوتكن.
وفي الوقت نفسه يتخذ في ثنايا الآية الثانية موقفاً خاصاً في الخطاب ويقول:
1 ـ عنكم .
2 ـ يطهركم .
فما وجه هذا العدول إذا كان المراد نساء النبي ؟!
أو ليس هذا يدل على أنّ المراد ليس نساءه (صلى الله عليه وآله وسلم).
وقد حاول القرطبي التفصّي عن الاِشكال فقال : إنّ تذكير الضمير يحتمل لاَن يكون خرج مخرج (الاَهل) كما يقول لصاحبه : كيف أهلك، أي امرأتك ونساوَك؟ فيقول : هم بخير ، قال اللّه تعالى : (أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) .(1)
ولكن المحاولة فاشلة فانّ ما ذكره من المثال على فرض سماعه من العرب، إنّما إذا تقدّم (الاَهل) وتأخّر الضمير، دون العكس كما في الآية، فإنّ أحد الضميرين مقدّم على لفظ (الاَهل) في الآية كما يقول : (عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) .
وأمّا الاستشهاد في الآية فغير صحيح، لاَنّ الخطاب فيها لاِبراهيم وزوجته ، فيصح التغليب تغليب الاَشرف على غيره في الخطاب والمفروض في المقام انّ الآية نزلت في زوجاته ونسائه خاصة فلا معنى للتغليب.
نعم انّما تصح فكرة التغليب لو قيل بأنّ المراد منه ، هو أولاده وصهره وزوجاته ، وهو قول ثالث سنبحث عنه في مختتم البحث، وسيوافيك انّ بقية الاَقوال كلها مختلقة لتصحيح الاِشكالات الواردة على النظرية الثانية، فلاحظ.
سيوافيك الكلام عند البحث في سمات أهل البيت، انّ من سماتهم ، كونهم معصومين من الذنب وذلك بدليل كون من الاِرادة في قوله : (أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ ...) الاِرادة التكوينية، التي لا ينفك المراد فيها عن الاِرادة وتكون متحقّقة وثابتة في الخارج، وبما أنّ المراد هو إذهاب الرجس وإثبات التطهير وتجهيزهم
---------------------------
(1) جامع الاَحكام: 14|182.
أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم
_ 20_
بالاَسباب والمعدّات المنتهية إلى العصمة، فلا يصح أن يراد من أهل البيت أزواج النبي، إذ لم يدّع أحد من المسلمين كونهن معصومات من الذنب ومطهرات من الزلل.
فلا مناص عن تطبيقه على جماعة خاصة من المنتمين إلى البيت النبوي الذين تحقّق فيهم تعلّقهم بالاَسباب والمقتضيات التي تنتهي بصاحبها إلى العصمة ولا ينطبق هذا إلاّ على الاِمام علي وزوجته والحسنين (عليهم السلام)، لاَنّ غيرهم مجمع على عدم اتصافهم بهذه الاَسباب.
القرينة الرابعة انّ الآيات المربوطة بأزواج النبي تبتدىَ من الآية 28 وتنتهي بالآية 34 ، وهي تخاطبهن تارة بلفظ (الاَزواج) ومرتين بلفظ (نساء النبي) الصريحين في زوجاته ، فما هو الوجه في العدول عنهما إلى لفظ (أهل البيت) فإنّ العدول قرينة على أنّ المخاطب به غير المخاطب بهما.
قد وقفت على المراد من أهل البيت في الآية المباركة من خلال دراسة مفردات الآية وجملها وهدفها.
وهناك طريق آخر للتعرّف عليهم ، وهو دراسة الاَحاديث الواردة في كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنّها تكشف عن وجه الحقيقة، فنقول : إنّ للنبي الاَكرم عناية وافرة بتعريف أهل البيت لم ير مثلها إلاّ في أقلِّ الموارد، حيث قام بتعريفهم بطرق مختلفة سيوافيك بيانها ، كما أنّ للمحدّثين والمفسرين وأهل السير والتاريخ عناية كاملة بتعريف أهل بيت نبيه ص في مواضع مختلفة حسب المناسبات التي تقتضي طرح هذه المسألة، كما أنّ للشعراء الاِسلاميين المخلصين في طوال قرون ، عناية بارزة ببيان فضائل أهل البيت والتعريف بهم ، والتصريح بأسمائهم
أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم
_ 21_
على وجه يظهر من الجميع اتفاقهم على نزول الآية في حق العترة الطاهرة، وسيوافيك نزر من شعرهم في مختتم البحث.
كل ذلك يعرب عن أنّ الرأي العام بين المسلمين في تفسير أهل البيت هو القول الاَوّل، وانّ القول بأنّ المقصود منهم زوجاته كان قولاً شاذاً متروكاً ينقل ولا يعتنى به ، ولم ينحرف عن ذلك الطريق المهيع إلاّ بعض من اتخذ لنفسه تجاه أهل البيت موقفاً يشبه موقف أهل العداء والنصب.
قام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتعريف أهل البيت بطرق ثلاثة نشير إليها:
1 ـ صرّح بأسماء من نزلت الآية في حقّهم حتى يتعين المنزول فيه باسمه ورسمه.
2 ـ قد أدخل جميع من نزلت الآية في حقّهم تحت الكساء، ومنع من دخول غيرهم، وأشار بيده إلى السماء وقال : (اللّهم إنّ لكل نبي أهل بيت وهوَلاء أهل بيتي) كما سيوافيك نصه.
3 ـ كان يمر ببيت فاطمة عدة شهور ، كلّما خرج إلى الصلاة فيقول: الصلاة أهل البيت: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) .
وبهذه الطرق الثلاثة حدّد أفراد أهل البيت وعين مصاديقهم على وجه يكون جامعاً لهم ومانعاً عن غيرهم، ونحن ننقل ما ورد حول الطرق الثلاثة في التفسيرين: الطبري والدر المنثور للسيوطي ، ثم نأتي بما ورد في الصحاح الستة حسب ما جمعه ابن الاَثير الجزري في كتابه (جامع الا َُصول) وأخيراً نشير إلى الجوامع التي جمعت فيها أحاديث الفريقين حول نزول الآية في حق الخمسةالطيبة، ونترك الباقي إلى القارىَ الكريم، فإنّ البحث قرآني لا حديثي والاستيعاب في الموضوع يحوجنا إلى تأليف مفرد.
1 ـ روى الطبري : عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : (نزلت هذه الآية في خمسة : فيّ، وفي عليّ رضي اللّه عنه ، وحسن رضي اللّهعنه، وحسين رضي اللّه عنه، وفاطمة رضي اللّه عنها : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) ).
2 ـ عن أبي سعيد ، عن أُم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انّ هذه الآية نزلت في بيتها ( (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) قالت : وأنا جالسة على باب البيت، فقلت : أنا يا رسول اللّه ألست من أهل البيت ؟ قال : ( إنّك إلى خير، أنت من أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ) قالت : وفي البيت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي اللّه عنهم.
وفي (الدر المنثور) ما يلي:
3 ـ روى السيوطي عن ابن مردويه ، عن أُم سلمة قالت : نزلت هذه الآية في بيتي (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) وفي البيت سبعة: جبريل، وميكائيل (عليهما السلام)، وعلي، وفاطمة ، والحسن، والحسين رضي اللّه عنهم ، وأنا على باب البيت، قلت : يا رسول اللّه ألست من أهل البيت ؟ قال : (إنّك إلى خير ، إنّك من أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)).
4 ـ وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن أبي سعيد الخدري ـ رضي اللّه عنه ـ قال : قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): (نزلت هذه الآية في خمسة : فيّ،
إدخالهم تحت الكساء أو (مرط أو ثوب) أو (عباءة أو قطيفة): فقد وردت حوله هذه الروايات:
5 ـ أخرج الطبري قال : قالت عائشة : خرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات غداة وعليه مِرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله معه، ثم جاء علي فأدخله معه ، ثم قال : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) .
6 ـ أخرج الطبري قال: عن أُمّ سلمة قالت : كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندي وعلي وفاطمة والحسن والحسين فجعلت لهم خزيرة فأكلوا وناموا وغطّى عليهم عباءة أو قطيفة ثم قال : (اللّهمّ هوَلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً).
7 ـ أخرج الطبري: عن أبي عمار قال : إنّـي لجالس عند واثلة بن الاَسقع إذ ذكروا عليّاً رضي اللّه عنه فشتموه ، فلمّا قاموا قال : اجلس حتى أخبرك عن هذا الذي شتموا ، انّي عند رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ جاءه علي وفاطمة وحسن وحسين فألقى عليهم كساء له ثم قال : اللّهم هوَلاء أهل بيتي ، اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
8 ـ أخرج الطبري: عن أبي عمار قال : سمعت واثلة بن الاَسقع يحدث قال : سألت عن علي بن أبي طالب في منزله ، فقالت فاطمة : قد ذهب يأتي برسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ جاء ، فدخل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ودخلت ، فجلس رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) على الفراش وأجلس فاطمة عن يمينه وعليّاً عن يساره وحسناً وحسيناً بين يديه ، فلفع عليهم بثوبه ، وقال: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ
أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم
_ 24_
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) اللّهم هوَلاء أهلي اللّهم أهلي).
9 ـ أخرج الطبري: عن أبي سعيد الخدري عن أُمّ سلمة قالت: لمّا نزلت هذه الآية (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) دعا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فجلّل عليهم كساءً خيبرياً ، فقال : (اللّهم هوَلاء أهل بيتي، اللّهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)، قالت : أُمّ سلمة قلت : ألست منهم ؟ قال : (أنت إلى خير).
10 ـ أخرج الطبري: عن أبي هريرة، عن أُم سلمة : قالت : جاءت فاطمة إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ببرمة لها قد صنعت فيها عصيدة تحلها على طبق ، فوضعته بين يديه فقال : (أين ابن عمك وابناك ؟ ) فقالت : (في البيت) فقال : (ادعيهم)، فجاءت إلى علي فقالت : (أجب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنت وابناك)، قالت أُمّ سلمة : فلما رآهم مقبلين مدَّ يده إلى كساء كان على المنامة فمدّه وبسطه وأجلسهم عليه ، ثم أخذ بأطراف الكساء الاَربعة بشماله فضمه فوق روَوسهم وأومأ بيده اليمنى إلى ربِّه ، فقال : (هوَلاء أهل البيت فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً).
11 ـ أخرج الطبري: عن عمر بن أبي سلمة، قال : نزلت هذه الآية على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيت أُمّ سلمة : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) فدعا حسناً وحسيناً وفاطمة فأجلسهم بين يديه ، ودعا علياً فأجلسه خلفه ، فتجلّل هو وهم بالكساء ، ثم قال : (هوَلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)، قالت أُم سلمة : أنا معهم ، قال : (مكانك ، وأنت على خير).
أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم
_ 25_
12 ـ أخرج الطبري: قال عامر بن سعد ، قال : قال سعد : قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) حين نزل عليه الوحي فأخذ علياً وابنيه وفاطمة، وأدخلهم تحت ثوبه ثم قال : (رب هوَلاء أهلي وأهل بيتي).
13 ـ أخرج الطبري : عن حكيم بن سعد قال : ذكرنا علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه عند أُم سلمة، قالت : فيه نزلت (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) قالت أُم سلمة: جاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بيتي فقال : لا تأذني لاَحد، فجاءت فاطمة فلم استطع أن أحجبها عن أبيها، ثم جاء الحسن فلم استطع أن أمنعه أن يدخل على جدّه وأُمّه، وجاء الحسين فلم استطع أن أحجبه، فاجتمعوا حول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على بساط فجللهم نبي اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بكساء كان عليه ثم قال : (هوَلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)، فنزلت هذه الآية حين اجتمعوا على البساط ، قالت فقلت : يا رسول اللّه: وأنا ؟ قال : (إنّك إلى خير).
14 ـ روى السيوطي: وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أُم سلمة رضي اللّه عنهما زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان ببيتها على منامة له عليه كساء خيبري ، فجاءت فاطمة رضي اللّه عنها ببرمة فيها خزيرة ، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): (ادعي زوجك وابنيك حسناً وحسيناً)، فدعتهم ، فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) فأخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بفضلة أزاره فغشاهم إياها، ثم أخرج يده من الكساء وأومأ بها إلى السماء ثم قال : (اللّهم هوَلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)، قالها ثلاث مرات ، قالت أُم سلمة ـ رضي اللّه عنها ـ : فأدخلت رأسي في الستر، فقلت : يا