الفهرس العام

أبان وكتاب سليم في البصرة وأحاديثه

من سمات أهل البيت (عليهم السلام) 3 ـ استجابة دعائهم (عليهم السلام)
من سمات أهل البيت (عليهم السلام) 4 ـ ابتغاء مرضاة اللّه تعالى
من سمات أهل البيت (عليهم السلام) 5 ـ الاِيثار
من سمات أهل البيت (عليهم السلام) 6 ـ هم خير البريّة
من سمات أهل البيت (عليهم السلام) 7 ـ أهل البيت (عليهم السلام) ورثة الكتاب
من سمات أهل البيت (عليهم السلام) 8 ـ حرمة الصدقة عليهم

  موَمن ،(1)
  وقد أعرب عن ذلك الاِمام علي بن الحسين (عليهما السلام) في خطبته في جامع دمشق ، عند ما صعد المنبر وعرَّف نفسه فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ خطب خطبة أبكى منها العيون، و أوجل منها القلوب ، ثمّ قال :
  (أيّها الناس أُعطينا ستّاًو فُضِّلنا بسبع ، أعطينا: العلم، والحلم، والسماحة، والفصاحة ، والشجاعة، والمحبة في قلوب الموَمنين). (2)
  و لا عجب في أنّه تبارك و تعالى سمّاهم كوثراً أي الخير الكثير، وقال: (إِنّا أَعْطَيْناكَ الكَوثر ...) قال الرازي: الكوثر أولاده، لاَنّ هذه السورة إنّما نزلت على من عابه (عليه السلام) بعدم الاَولاد ، فالمعنى انّه يعطيه نسلاً يبقون على مرّالزمان فانظر كم قتل من أهل البيت (عليهم السلام) والعالم ممتلوَ منهم ولم يبق من بني أُمية في الدنيا أحد يعبأ به ، ثمّ انظر كم كان فيها من الاَكابر من العلماء كالباقر و الصادق و الكاظم والرضا (عليهم السلام) .(3)
  إنّ محبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للحسين (عليه السلام) لم تكن محبة نابعة من حبه لنسَبه بل كان واقفاً على ما يبلغ إليه ولده الحسين (عليه السلام) في الفضل والكمال والشهادة في سبيله، ونجاة الاَُمّة من مخالب الظلم، والثورة على الظلم والطغيان وهناك كلام للعلاّمة المجلسي يقول:
  إنّ محبة المقربين لاَولادهم وأقربائهم وأحبّائهم ليست من جهة الدواعي

---------------------------
(1) بحار الاَنوار: 45|138.
(2) تفسير الفخر الرازي:32|124.
(3) تفسير الفخر الرازي: 32 | 124.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 102_

  النفسانية والشهوات البشرية ، بل تجرّدوا عن جميع ذلك و أخلصوا حُبَّهم ، و وُدَّهم للّه ، و حُبّهم لغير اللّه إنّما يرجع إلى حبهم له ، ولذا لم يحُبَّ يعقوب من سائر أولاده مثل ماأحب يوسف (عليه السلام) منهم ، و لجهلهم بسبب حبه له نسبوه إلى الضلال، و قالوا : نحن عصبة ، ونحن أحقّ بأن نكون محبوبين له ، لاَنّا أقوياء على تمشية ما يريده من أُمور الدنيا، ففرط حبّه يوسف إنّما كان لحب اللّه تعالى له واصطفائه إيّاه فمحبوب المحبوب محبوب . (1)

---------------------------
(1) سفينة البحار: 1 | 496، مادة حبب.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 103_

من سمات أهل البيت (عليهم السلام)
3 ـ استجابة دعائهم (عليهم السلام)

  الابتهال إلى اللّه وطلب الخير منه أو طلب دفع الشرِّ ومغفرة الذنوب أمر مرغوب ، يقوم به الاِنسان تارة بنفسه ، وأُخرى يتوصل إليه بدعاءالغير.
  واستجابة الدعاء رهن خرق الحجب و الوصول إليه سبحانه ، حتى يكون الدعاء مصداقاً لقوله سبحانه : (أُدْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (1) وليس كلّدعاء مستجاباً و صاعداً إليه سبحانه ، فانّ لاستجابة الدعاء شروطاً مختلفة قلّما تجتمع في دعاء الاِنسان العادي.
  نعم هناك أُناس مطهرون من الذنوب يكون دعاوَهم صاعداً إلى اللّه سبحانه و مستجاباً قطعاً ولذلك حثَّ سبحانه المسلمين على التشرّف بحضرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و طلب الاستغفار منه ، قال سبحانه: (وَلَو انّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أنفسهُمْ جاءُوكَ فاستغْفروا اللّه وَاسْتَغْفر لَهُمُ الرَّسُول لَوَجدوا اللّه تَوّاباً رَحيماً) .(2)
  وقال سبحانه : (وَإِذا قيلَ لَهُمْ تَعالَوا يَسْتَغْفِر لَكُمْ رَسُول اللّه لَوّوا رُوَوسهُمْ

---------------------------
(1) غافر: 60.
(2) آل عمران: 65.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 104_

  (وَرأيتهم يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) .(1)
  ولذلك طلب أبناء يعقوب أباهم أن يستغفر في حقّهم (قالُوا يا أَبانا استَغْفِر لَنا ذُنُوبنا إنّاكُنّا خاطِئين) .(2)
  ويظهر ممّا جرى بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و وفد نجران من المحاجَّة والمباهلة انّأهل البيت إذ أمَّنوا لدعاء النبيص يُستجاب دعاءه، فقد وفد نصارى نجران على الرسول وطلبوا منه المحاجَّة، فحاجَّهم الرسولص ببرهان عقلي تشير إليه الآية المباركة : (إِنَّ مَثل عيسى عِنْدَاللّه كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍثُمَّ قال لَهُ كُنْ فَيَكُون) .(3)
  فقد قارعهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا البيان البليغ الذي لا يرتاب فيه ذو مرية ، حيث كانوا نصارى نجران يحتجون ببنوة المسيح بولادته بلا أب فوافاهم الجواب: (بأنّ مثل المسيح كمثل آدم، إذ لم يكن للثاني أب ولا أُمّ مع أنّه لم يكن إبناً للّه سبحانه) وأولى منه أن لا يكون المسيح إبناً له.
  ولمّا أُفحموا في المحاجة التجأوا إلى المباهلة والملاعنة ، وهي وإن كانت دائرة بين الرسولص و رجال النصارى، لكن عمَّت الدعوة للاَبناء والنساء ، ليكون أولى على اطمئنان الداعي بصدق دعوته وكونه على الحقّ وذلك لما أودع اللّه سبحانه في قلب الاِنسان من محبة الاَولاد والشفقة عليهم ، فتراه يقيهم بنفسه ويركب الاَهوال و الاِخطار دونهم، ولذلك قدَّم سبحانه في الآية المباركة الاَبناء على النساء ، وقال: (فَمَنْ حاجّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكََ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعالَوا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءُكُمْ وَنساءَناو نساءكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنُفسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِل فَنَجْعَل لَعْنَة اللّه

---------------------------
(1) المنافقون: 5.
(2) يوسف : 97.
(3) آل عمران: 59.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 105_

  عَلى الكاذِبين) .
  وحيث إنّه سبحانه أتى بلفظ الاَبناء بصيغة الجمع يعرب عن أنّ طرف الدعوى لم يكن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحده بل أبناوَه ونساوَه، ولذلك عدَّدتهم الآية نفس النبي ونساء النبي وأبناءه من بين رجال الاَُمة ونسائهم و أبنائهم.
  ثمّ إنّالمفسرين قد ساقوا قصة المباهلة بشكل مبسوط منهم صاحب الكشاف، قال: لما دعاهم إلى المباهلة، قالوا : حتى نرجع و ننظر، فلّما تخالوا.
  قالوا للعاقب، وكان ذا رأيهم: يا عبد المسيح ما ترى ؟ فقال : واللّه لقد عرفتم يامعشر النصارى انّمحمّداً نبي مرسل ، ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم ، واللّه ما باهل قوم نبياً قط، فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لتهلكنّ ، فإن أبيتم إلا اِلف دينكم والاِقامة على ما أنتم عليه ، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.
  فأتوا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد غدا محتضناً الحسين، آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشى خلفه، وعليّ خلفها ، وهو يقول : (إذا أنا دعوت فأمَّنوا).
  فقال أُسقف نجران : يا معشر النصارى! إنّي لاَرى وجوهاً لو شاء اللّه أن يُزيل جبلاً من مكانه لاَزاله بها فلا تباهلوا فتُهلكوا ، ولا يبقى على وجه الاَرض نصراني إلى يوم القيامة، فقالوا : يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك ، وأن نقرّك على دينك ، ونثبت على ديننا ، قال : (فإذا أبيتم المباهلة، فأسلموا ، يكن لكم ما للمسلمين ، وعليكم ما عليهم).

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 106_

  فأبوا ، قال : (فانّي أُناجزكم)، فقالوا : ما لنا بحرب العرب طاقة ، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ، ولا تخيفنا ، ولا تردُّنا عن ديننا ، على أن نوَدي إليك كلّ عام ألفي حلّة ، ألف في صفر ، وألف في رجب ، وثلاثين درعاً عادية من حديد ، فصالحهم على ذلك.
  وقال : (والذي نفسي بيده انّ الهلاك قد تدلى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولا ضطرم عليهم الوادي ناراً ، ولاستأصل اللّه نجران وأهله حتى الطير على روَوس الشجر ، ولما حال الحول على النصارى كلّهم حتى يهلكوا).
  وعن عائشة انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج وعليه مرط مرجل من شعر أسود ، فجاء الحسن فأدخله ، ثمّ جاء الحسين فأدخله، ثمّ فاطمة،ثمّ علي ، ثمّ قال : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) .(1)
  الشاهدعلى استجابة دعائهم أمران:
  أ ـ قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أنا دعوت فأمّنوا، فكان دعاء النبي يصعد بتأمينهم ، وأيُّ مقام أعلى وأنبل من أن يكون دعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صاعداً بفضل دعائهم.
  ب ـ قول أُسقف نجران : (انّي لاَرى وجوهاً لوشاء اللّه أن يزيل جبلاً من مكانه لاَزاله بها) والضمير يرجع إلى الوجوه ، أي لازاله بدعائهم أو لاَزاله بالقسم على اللّهبهم ، وقد أيَّد القول الثاني ابن البطريق في (العمدة) حيث قال : المباهلة بهم تصدق دعوى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد صار إبطال محاجَّة أهل نجران في القرآن الكريم بالقسم على اللّه بهم . (2)

---------------------------
(1) الزمخشري: الكشاف: 1|326ـ 327، ط عام 1367هـ.
(2) العمدة: 243.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 107_

  وقد تركت مباهلة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته أثراً بالغاً في نفوس المسلمين، يشهد بها ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص،عن أبيه، قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً ، فقال : ما يمنعك أن تسبَّ أباتراب ؟ فقال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلن أسبَّه، لاَن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم.
  سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه ، فقال له علي : يا رسول اللّه، خلّفتني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبوّة بعدي ؟
  و سمعته يوم خيبر، يقول : لاَُعطينّ الراية رجلاً يحب اللّه ورسوله،ويحبّه اللّه ورسوله.
  قال : فتطاولنا لها ، فقال : ادعوا لي عليّاً، فأُتي به أرمد العين، فبصق في عينيه، ودفع الراية إليه، ففتح اللّه على يديه.
  ولما نزلت هذه الآية: (فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ) دعا رسول اللّه عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، وقال: اللّهم هوَلاء أهل بيتي . (1)

---------------------------
(1) صحيح مسلم : 7|120، باب فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام).

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 108_

من سمات أهل البيت (عليهم السلام)
4 ـ ابتغاء مرضاة اللّه تعالى

  الاِنسان الكامل هو الذي لا يفعل شيئاً ولا يتركه إلاّلابتغاء مرضاة اللّه تبارك و تعالى ، فيصل في سلوكه ورياضاته الدينيَّة إلى مكان تفنى فيه كلّالدوافع والحوافز إلاّ داع واحد و هو طلب رضى اللّه تبارك و تعالى، فإذا بلغ هذه الدرجة فقد بلغ الذروة من الكمال الاِنساني، وربَّما يبلغ الاِنسان في ظل الرضا درجة لا يتمنّى وقوع مالم يقع، أو عدم ما وقع، وإلى ذلك المقام يشير الحكيم السبزواري بما في منظومته:

وبـهجة بـما قـضى اللّه iiرضا      وذو الرضا بما قضى ما اعترضا
اعظم  باب اللّه، الرضا وُعي (1)      وخـازن  الـجنة رضواناً iiدُعي
فقرا  على الغنى صبورٌ iiارتضى      وذا  ن سـيّان لـصاحب الرضا
عـن عـارف عمّر سبعين iiسنة      إن لـم يـقل رأسـاً لاَشيا iiكائنة
يـا  لـيت لم تقع ولا لما iiارتفع      مماّ  هو المرغوب ليته وقع (2)ii

---------------------------
(1) إشارة إلى ما روي انّ الرضا باب اللّه الاَعظم.
(2) شرح منظومة السبزواري : 352.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 109_

  وممَّن يمثل ذلك المقام في الاَُمّة الاِسلامية هو إمام العارفين وسيد المتّقين علي أمير الموَمنين (عليه السلام) فهو في عامة مواقفه في جهاده و نضاله ، وعزلته وقعوده في بيته، وفي تسنّمه على منصَّة الخلافة بإصرار من الاَُمّة، فهو في كلّهذه الاَحوال والمواقف ، لا همّ له إلاّ طلب رضوانه تعالى.
  و قد صرح الاِمام بذلك عندما طلب منه تسلّم مقاليد الخلافة، فقال:(أما والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر، وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ اللّه على العلماء ألاّ يقارُّوا على كظّة ظالم، ولا سغب مظلوم، لاَلقيت حبلها على غاربها ، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولاَلفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنزٍ) .(1)
  وقد تجلت هذه الخصلة في علي (عليه السلام) حين مبيته في فراش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
  روى المحدّثون أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أراد الهجرة خلّف علي بن أبي طالب (عليه السلام) بمكة لقضاء ديونه و ردّ الودائع التي كانت عنده ، وأمره ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه فقال ص له : يا علي اتَّشح ببردي الحضرمي الاَخضر ، ثمّ نم على فراشي ، فانّه لا يخلص إليك منهم مكروه، إن شاء اللّه عزّوجلّ ، ففعل ذلك (عليه السلام) فأوحى اللّه عزّوجلّ إلى جبرئيل وميكائيل (عليهما السلام) إنّي قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، فأيّكما يوَثر صاحبه بالحياة ، فاختار كلاهما الحياة ، فأوحى اللّه عزّوجلّ إليهما : ألا كنتما مثل علي بن أبي طالب ، آخيت بينه وبين محمّد ص فنام على فراشه يفديه بنفسه ويوَثره بالحياة ، اهبطا إلى الاَرض فاحفظاه من عدوّه ، فنزلا فكان جبرئيل عند رأسه و ميكائيل عند رجليه .

---------------------------
(1) نهج البلاغة:الخطبة 3.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 110_

  فقال جبرئيل : بخ بخ مَن مثلك يابن أبي طالب ؟ يباهي اللّه بك الملائكة، فأنزل اللّه تعالى على رسوله ص و هو متوجِّه إلى المدينة في شأن علي بن أبي طالب (عليه السلام): (وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْري نَفْسَهُ ابْتِغاءَمَرْضاتِ اللّه) .(1)
  وقد نقل غير واحد نزول الآية في حقّ علي (عليه السلام).
  وقال ابن عباس : أنشدني أمير الموَمنين شعراً قاله في تلك الليلة:
وقـيت  بـنفسي مـن وطىَ iiالحصا      وأكـرم خـلق طاف بالبيت iiوالحجر
وبـتَّ أراعـي مـنهم مـا iiيسوءني      وقد صَّبرت نفسي على القتل iiوالاَسر
وبـات رسـول الـلّه في الغار iiآمناً      ومازال في حفظ الاِله وفي الستر (2)
  وإلى هذه الفضيلة الرابية وغيرها يشير حسان بن ثابت في شعره عند مدح علي (عليه السلام):
مـن  ذا بخاتمه تصدَّق iiراكعا      و أسـرّها فـي نفسه iiإسرارا
من كان بات على فراش محمّد      ومـحمد اسـرى يـوَم iiالغارا
مـن كـان فـي القرآن iiسمّي      في  تسع آيات تلين iiغزارا (3)
محاولة طمس الحقيقة لولا ...
  إنّ عظمة هذه الفضيلة وأهمية هذا العمل التضحويّ العظيم دفعت بكبار علماء الاِسلام إلى اعتبارها واحدة من أكبر فضائل الاِمام علي (عليه السلام)

---------------------------
(1) البقرة: 207.
(2) شواهد التنزيل: 1|130، أُسد الغابة: 4|25.
(3) سبط ابن الجوزى: تذكرة الخواصّ: 25، ط عام 1401 هـ .

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 111_

  وإلى أن يَصِفُوا بها علياً بالفداءو البذل و الاِيثار،وإلى أن يعتبروا نزول الآيةالمذكورة في شأنه من المسلّمات، كلّما بلغ الحديث في التفسير والتاريخ إليها . (1)
  إنّ هذه الحقيقة ممّا لا ينسي أبداً، فانّه من الممكن إخفاء وجه الواقع والتعتيم عليه بعض الوقت إلاّ أنّه سرعان ما تمزّق أشعةُ الحقيقة الساطعة حجبَ الاَوهام، وتخرج شمس الحقيقة من وراء الغيوم.
  إنّ معاداة معاوية لاَهل بيت النبوة وبخاصة للاِمام أمير الموَمنين علي (عليه السلام) ممّا لا يمكن النقاش فيه.
  فقد أراد هذا الطاغية من خلال تطميع بعض صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يلوّث صفحات التاريخ اللامعةويخفي حقائقه بوضع الاَكاذيب،ولكنّه لم يحرز في هذا السبيل نجاحاً.
  فقد عمد(سمرة بن جندب) الذي أدرك عهد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمّ انضمّ بعد وفاته ص إلى بلاط معاوية بالشام ، عمد إلى تحريف الحقائق لغاية أموال أخذها من الجهاز الاَموي، الحاقد على أهل البيت.
  فقد طلب منه معاوية بإصرار أن يرقى المنبر ويكذّب نزول هذه الآية في شأن علي (عليه السلام)، ويقول للناس أنّها نزلت في حقّ قاتل عليّ (أي عبد الرحمن بن ملجم المرادي) ، ويأخذ في مقابل هذه الاَُكذوبة الكبرى، وهذا الاختلاق الفضيع الذي أهلك به دينه ، مائة ألف درهم.
  فلم يقبل (سمرة) بهذا المقدار ولكن معاوية زاد له في المبلغ حتى بلغ أربعمائة ألف درهم ، فقبل الرجل بذلك ، فقام بتحريف الحقائق الثابتة، مسوَّداً

---------------------------
(1) الغدير : 2|48.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 112_

  بذلك صفحته السوداء أكثر من ذي قبل ، وذلك عندما رقى المنبر وفعل ما طلب منه معاوية . (1)
  وقبل السامعون البسطاء قوله ، ولم يخطر ببال أحد منهم أبداً انّ (عبد الرحمن بن ملجم) اليمنيّ لم يكن يوم نزول الآية في الحجاز بل لعلّه لم يكن قد وُلِد بعد آنذاك ، فكيف يصحّ ؟!
  ولكن الحقيقة لا يمكن أن تخفى بمثل هذه الحجب الواهية، ولا يمكن أن تُنسى بمثل هذه المحاولات العنكبوتية الرخيصة.
  فقد زالت حكومة معاوية و زال معها أعوانها، واندثرت آثار الاختلاق والافتعال الذي وقع في عهدها المشوَوم، و طلعت شمس الحقيقة من وراء حُجبُ الجهل والافتراء مرة أُخرى ، واعترف أغلبُالمفسرين الاَجلّة والمحدّثين الاَفاضل ـ في العصور والاَدوار المختلفة ـ بأنّ الآية المذكورة نزلت في (ليلة المبيت)في بذل علي (عليه السلام) ومفاداته النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفسه .

---------------------------
(1) لاحظ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:4|73.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 113_

من سمات أهل البيت (عليهم السلام)
5 ـ الاِيثار

  إنّه سبحانه تبارك وتعالى وصف الاِيثار في كتابه الكريم وهو من صفات الكرام حيث يقدِّمون الغير على أنفسهم، يقول سبحانه في وصف الاَنصار: (وَالّذِينَ تَبَوَّءُو الدّارَ وَالاِِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّون َ مَنْ هاجَرَإِليْهِمْ وَلا يَجِدُونَ في صُدُورِهمْ حَاجةً مِمّا أُوتوا ويُوَْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْكانَ بِهِمْ خَصاصَة وَمَنْ يوقَ شُحَّ نَفْسهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون) .(1)
  كما أنّه سبحانه أمر بالوفاء بالنذر ، قال سبحانه: (ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نذر فَانَّ اللّهَ يعلمهُ) (2) ، وقال سبحانه: (ثُمَّ لْيقضُوا تَفثهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورهُمْ) .(3)
  وفي الوقت نفسه ندب إلى الخوف من عذابه يقول سبحانه: (يَخافُونَ يَوماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوب وَالاََبْصار ...) ،(4) وقال سبحانه: (وَالّذِينَ يصلُونَ ما أَمَر اللّهبهِ أَنْ يُوصل وَيَخشونَ ربّهم ويخافُونَ سُوء الحِساب) .(5)

---------------------------
(1) الحشر: 9.
(2) البقرة: 270.
(3) الحجّ: 29.
(4) النور: 37.
(5) الرعد: 21.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 114_

  ما ذكرنا من الصفات الثلاث هي من أبرز الصفات التي يتحلىّ بها أولياوَه سبحانه ، ونجد هذه الصفات مجتمعة في أهل البيت (عليهم السلام) في سورة واحدة ، يقول سبحانه:
  (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوماًكانَ شَرُّهُ مُسْتَطيراً *وَيطعِمُونَ الطَّعام عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسيراً* إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّه لا نُريدُ مِنْكُمْ جزاءً وَلا شكوراً* إِنَّا نَخاف مِنْ رَبِّنا يَوماً عَبُوساً قَمْطَريراً) .(1)
  فقوله سبحانه:( ويُطْعِمُونَ الطَّعام عَلى حُبِّه) إشارة إلى إيثارهم الغير على أنفسهم، والضمير في (عَلى حُبِّهِ) يرجع إلى الطعام أي انّهم مع حبّهم للطعام قدَّموا المسكين على أنفسهم، كما أنّ قوله: (يُوفُونَ بِالنَّذْر ...)إشارة إلى صلابتهم في طريق إقامة الفرائض.
  ثمّ قوله : (وَيَخافُونَ يَوماً) إشارة إلى خوفهم من عذابه سبحانه يوم القيامة.
  وقد نقل أكثر المفسرين لو لم نقل كلّهم، انّ الآيات نزلت في حقّ أهل البيت (عليهم السلام).
  روي عن ابن عباس (رض) انّ الحسن والحسين (عليهما السلام) مرضا فعادهما رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في أُناس معه ، فقالوا : يا أبا الحسن لونذرت على ولدك ، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما ، إن شفاهما اللّه تعالى أن يصوموا ثلاثة أيام فشفيا وما معهم شيء ، فاستقرض علي (عليه السلام) من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير ، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص

---------------------------
(1) الاِنسان : 7 ـ 10.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 115_

  على عددهم ووضعوها بين أيديهم ليفطروا ، فوقف عليهم سائل ، فقال : السلام عليكم أهل بيت محمّد مسكين من مساكين المسلمين ، أطعموني أطعمكم اللّه من موائد الجنة، فآثروه وباتوا ولم يذوقوا إلاّالماء وأصبحوا صائمين .
  فلماّ أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم ووقف عليهم يتيم فآثروه ، وجاءهم أسير في الثالثة، ففعلوا مثل ذلك فلما أصبحوا أخذ علي (عليه السلام) بيد الحسن والحسين (عليهما السلام) و دخلوا على الرسول ص فلماّ أبصرهم، وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع، قال : ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم ، وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها وغارت عيناها فساءه ذلك.
  فنزل جبرئيل (عليه السلام) وقال : خذها يا محمّد هنّأك اللّهُ في أهل بيتك، فاقرأها السورة.(1)
  روى السيوطي في الدر المنثور، وقال : اخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (ويُطعمون الطَّعام على حُبِّهِ) الآية، قال : نزلت هذه الآيةفي علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول اللّه ((صلى الله عليه وآله وسلم). (2)
  ورواه الثعلبي في تفسيره ، وقال : نزلت في علي بن أبي طالب و فاطمة (عليهما السلام) وفي جاريتهما فضة ، ثمّذكر القصة على النحو الذي سردناه لكن بصورة مبسطة.
  وقال : وذهب محمّد بن علي صاحب الغزالي على ما ذكره الثعلبي في كتابه المعروف بـ(البلغة) انّهم (عليهم السلام) نزلت (عليهم السلام) مائدة من السماء فأكلوا منها سبعة أيّام ، وحديث المائدة ونزولها عليهم في جواب ذلك

---------------------------
(1) الكشاف: 3|297 ، تفسير الفخر الرازي: 30|244.
(2) الدر المنثور : 8|371 ، تفسير سورة الاِنسان.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 116_

  مذكور في سائر الكتب . (1)
  وقد سرد سبب نزول هذه الآية في حقّ أهل البيت (عليهم السلام) غير واحد من أئمّة الحديث . (2)

---------------------------
(1) ابن البطريق : العمدة: 2|407ـ 410.
(2) شواهد التنزيل للحافظ الحاكم الحسكاني:2|405 ـ 408 ، أُسد الغابة : 5|530، مناقب ابن المغازلي : 272.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 117_

من سمات أهل البيت (عليهم السلام)
6 ـ هم خير البريّة

  إنّ خير الناس في منطق القرآن الكريم من آمن باللّه ورسوله وعرف خالقه ومنعمه ، وقد قال سبحانه : (لَيْسَ البِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهكُمْ قِبَل الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ البِرَّ مَنْآمَنَ بِاللّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ وََالمَلائِكَةِ وَالكِتابِ وَالنَّبِيّينَ وَآتَى المالَ عَلى حُبّهِ ذَوِي القُربَى وَاليَتامَى وَالْمَساكينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسّائلينَ وَفِي الرِّقابِ و أقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذاعَاهَدُوا وَالصَّابِرينَ فِي البَأْساءِ والضَّرّاءِ وحِينَ البَأْس أُولئكَ الّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ الْمُتَّقُون) .(1)
  وهذه الصفات المذكورة في الآية تجدها ، متمثلة في أهل البيت (عليهم السلام) شهد على ذلك سيرتهم ، ولذلك صاروا خير البرية.
  أخرج الطبري في تفسير قوله سبحانه : (إِنَّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحات أُولئِكَ هُمْ خَيْرُالْبَرِيَّة) ،(2) باسناده عن أبي الجارود،عن محمد بن علي، قال :

---------------------------
(1) البقرة: 177.
(2) البيّنة: 7.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 118_

  قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (أنت يا علي و شيعتك). (1)
  روى الخوارزمي عن جابر قال : كنّا عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأقبل علي بن أبي طالب ، فقال رسول اللّه : (قد أتاكم أخي) ثمّ التفت إلى الكعبة فضربها بيده ، ثمّ قال : (والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة)، ثمّ قال : (إنّه أوّلكم إيماناً معي ، وأوفاكم بعهد اللّه، وأقومكم بأمر اللّه، وأعدلكم في الرعيّة، وأقسمكم بالسوّية ، وأعظمكم عند اللّه مزيّة) ، قال : وفي ذلك الوقت نزلت فيه : (إِنَّ الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحات أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ البَرِيَّة) ، و كان أصحاب النبي ص إذا أقبل عليّ، قالوا:قد جاء خير البرية. (2)
  وروى أيضاً من طريق الحافظ ابن مردويه ، عن يزيد بن شراحيل الاَنصاري، كاتب علي (عليه السلام)، قال سمعت عليّاً ، يقول : (حدَّثني رسول اللّه وأنا مُسْنده إلى صدري ، فقال:(أي عليّ)!
  ألم تسمع قول اللّه تعالى : (إِنَّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحات أُولئكَ هُمْ خَيْرُ البَرِيَّة) ؟ أنت وشيعتك ، وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الاَُمم للحساب تُدعون غرّاً محجّلين.(3)
  وأرسل ابن الصباغ المالكي في فصوله عن ابن عباس ، قال : لمّا نزلت هذه الآية ، قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) : (أنت و شيعتك تأتي يوم القيامة ، أنت و هم راضين مرضيين ، ويأتي أعداوَك غضاباً مقمحين) . (4)

---------------------------
(1) تفسير الطبري : 30|146.
(2) المناقب للخوارزمي : 66.
(3) المناقب للخوارزمي : 178.
(4) الفصول: 122.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 119_

من سمات أهل البيت (عليهم السلام)
7 ـ أهل البيت (عليهم السلام) ورثة الكتاب

  اختلفت الاَُمّة الاِسلامية بعد رحيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمر الخلافة ـ وإن كان اللائق بها عدم الاختلاف فيها للنصوص الصحيحة الصادرة عنه في مختلف الموارد ـ وقد استقصينا البحث فيها في مبحث الاِمامة من هذا الجزء.
  والذي نركِّز عليه في هذا البحث هو تبيين المرجع العلمي بعد رحيله ـ سواء أكانت الخلافة لمن نصَّ عليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في يوم الغدير أو من اختاره بعض الصحابة في سقيفة بني ساعدة ـ .
  والمراد من المرجع العلمي مَن ترجع إليه الاَُمّة في أُصول الدين وفروعه ، ويصدر عنهم في تفسير القرآن وتبيين غوامضه، ويستفهم منه أسئلة الحوادث المستجدَّة.
  يقول سبحانه: (وَالّذي أَوحَيْنا إِلَيْكَ الكِتابَ هُوَ الحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللّه بِعِبادِهِ لَخبير بَصير* ثُمَّ أَورَثْنَا الكِتاب الّذينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالخَيرات بِإِذْنِ اللّه ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 120_

  الكَبير) .(1)
  المراد من الكتاب في قوله (أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابِ ) هو القرآن بلا شكّ وكونه حقّاً لاَجل براهين قطعية تُثبت انّه منزل من ربّه فانّ قوانينه تنسجم مع الفطرة الاِنسانية والقصص الواردة فيها مصونة من الاَساطير، والمجموع خالٍ من التناقض إلى غير ذلك من القرائن الدالة على أنّه حقّ. ومع ذلك هو مصدِّق لما بين يدي الرسول ص من الكتاب السماوي.
  هذا هومفاد الآية الاَُولى.
  ثمّ إنّه سبحانه يقول : (ثُمَّ أَورَثْنا الكتاب) المراد من الكتاب هو القرآن: لاَنَّ الّلام للعهد الذكري أي الكتاب المذكور في الآية المتقدمة، والوراثة عبارة عمّا يستحصله الاِنسان بلا مشقة وجهد، والوارث لهذا الكتاب هم الذين ُأشير إليهم بقوله: (الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) ، فلو قلنا بأنّ (من) للتبيين فيكون الوارث هو الاَُمة الاِسلامية جميعاً ، ولو قلنا : إنّ (مِن) للتبعيض فيكون الوارث جماعة خاصة ورثوا الكتاب.
  والظاهر هو التبيين كما في قولنا : (وَسَلامٌ عَلى عِبادِه الّذينَ اصْطَفى) .(2)
  ولكن الاَُمة الاِسلامية صاروا على أقسام ثلاثة:
  أ ـ ظالم لنفسه الَّذين قصرَّوا في وظيفتهم في حفظ الكتاب والعمل

---------------------------
(1) فاطر : 31 ـ 32.
(2) النمل: 59.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 121_

  بأحكامه ، وفي الحقيقة ظلموا أنفسهم، فلذلك صاروا ظالمين لاَنفسهم.
  ب ـ مقتصد : الذين أدُّوا وظيفتهم في الحفظ و العمل لكن لا بنحو كامل بل قصرّوا شيئاً فيهما.
  ج ـ سابق بالخيرات بإذن اللّه: هم الجماعة المثلى أدّوا وظائفهم بالحفظ والعمل على النحو الاَتم، فلذلك سبقوا إلى الخيرات كما يقول سبحانه: (سابِقُوا إلى الخَيرات بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) .
  و على هذا ورثة الكتاب في الحقيقة هم الطائفة الثالثة أعني الذين سبقوا بالخيرات.
  وأمّا ما هو المراد من الطائفة الثالثة فيتكفَّل الحديث لبيان ملامحها.
  روى الكليني عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في تفسير الآية انّه قال : (السابق بالخيرات الاِمام، والمقتصد العارف بالاِمام، والظالم لنفسه الذي لا يعرف الاِمام).
  وروي نفس الحديث عن الاِمام الرضا (عليه السلام).
  وهناك روايات أُخرى توَيد المضمون فمن أراد فليراجع. (1)
  ثمّ إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أوضح ورثة الكتاب في حديثه المعروف الذي اتّفق على نقله أصحاب الصحاح والمسانيد.
  أخرج مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم رضي اللّه عنه، قال : قام رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً فينا خطيباً ، بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة ، فحمد اللّه تعالى ، وأثنى عليه ووعظ وذكّر ، ثمّ قال :
  (أمّا بعد : ألا أيّها الناس فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ،

---------------------------
(1) البرهان في تفسير القرآن: 3|363.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 122_

  وأنا تارك فيكم ثقلين: أوّلهما كتاب اللّه فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب اللّه استمسكوا به)، فحثّ على كتاب اللّه ورغبَّ فيه، ثمّ قال: (وأهل بيتي، أذكِّركم اللّه في أهل بيتي، أذكِّركم اللّه في أهل بيتي، أذكِّركم اللّه في أهل بيتي). (1)
  هذا ما أخرجه مسلم ، و من الواضح انّه لم ينقل على وجه دقيق وذلك، لاَنّ مقتضى قوله:
  أوّلهما ـ أن يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
  ثانيهما ـ أهل بيتي مع أنّه لم يذكر كلمة (ثانيهما).
  وقد رواها الاِمام أحمد بصورة أفضل ممّا سبق كما رواه النسائي في فضائل الصحابة كذلك.
  أخرج أحمد في مسنده عن أبي الطفيل، عن زيد بن الاَرقم، قال : لما رجع رسول اللّه عن حجّة الوداع ونزل غدير خم ، أمر بدوحات فقمن ، ثمّ قال : (كأنّي قد دعيت فأجبت : إنّي قد تركت فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما ، فانّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض).
  ثمّ قال:(إنّ اللّه مولاي ، وأنا ولي كلّ موَمن) ، ثمّ أخذ بيد عليّ، فقال: (من كنت وليه فهذا وليه، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه). (2)
  هذه إلمامة سريعة بحديث الثقلين ، ومن أراد أن يقف على أسانيده ومتونه فعليه أن يرجع إلى الكتب الموَلفة حوله ، وأبسط كتاب في هذا الموضوع ما ألفه السيد المجاهد مير حامد حسين حيث خص أجزاءً من كتابه (العبقات) لبيان تفاصيل أسانيده ومضمونه وقد طبع ما يخصَّ بالحديث في ستَّة أجزاء.
  كما بسط الكلام في أسانيده وأسانيده غيره سيد مشايخنا البروجردي

---------------------------
(1) صحيح مسلم : 4|1873 برقم 2408، ط عبد الباقي.
(2) مسند أحمد : 1|118.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 123_

  (1292 ـ 1380 هـ) في كتابه (جامع أحاديث الشيعة)، فقال بعد استيفاء نصوص الحديث وأسانيده : وقد ظهر ممّا ذكرنا انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أوجب على الاَُمّة قاطبة التمسُّك بالعترة الطيبة في الاَُمور الشرعية والتكاليف الاِلهية ، وأكَّد وجوبه وشدَّده و أوثقه وكرَّره بكلمات عديدة وألفاظ مختلفة بحيث لا يمكن إنكاره ولا يجوز تأويله ، و قد اكتفينا بذلك و أنّ كثيراً من طرق الحديث قد ضمن مضافاً إلى المذكورات ، ما يدل على حجّية أقوالهم ووجوب اتّباعهم وحرمة مخالفتهم.(1)
  والجدير بالمسلمين التركيز على مسألة تعيين المرجع العلمي بعد رحيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ لا يسوغ في منطق العقل أن يترك صاحب الرسالة ، الاَُمّة المرحومة بلا راع ، وهويعلم أنّه ص برحيله سوف يواجه المسلمون حوادث مستجدة ووقائع جديدة تتطلب أحكاماً غير مبيّنة في الكتاب والسنَّة ، فلا محيص من وجود مرجع علمي يحُلُّ مشاكلها ويذلّل أمامها الصعاب ، وقد قام ص ببيان من يتصدّى لهذا المنصب بحديث الثقلين.
  ومن العجب انّكثيراً من المسلمين يطرقون كلّباب إلاّباب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) مع أنّه ص لم يذكر شيئاً ممّا يرجع إلى غير هوَلاء ، فلا أدري ما هو وجه الاِقبال على غيرهم والاِعراض عنهم ؟!
  قال السيد شرف الدين العاملي : والصحاح الحاكمة بوجوب التمسك بالثقلين متواترة ، وطرقها عن بضع وعشرين صحابياً متضافرة ، وقد صدع بها رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في مواقف له شتى.
  تارة يوم غدير خم كما سمعت ، وتارة يوم عرفة في حجّة الوداع، وتارة

---------------------------
(1) جامع أحاديث الشيعة : 1|131 ـ 132.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 124_

  بعد انصرافه من الطائف، ومرّة على منبره في المدينة ، وأُخرى في حجرته المباركة في مرضه ، والحجرة غاصَّة بأصحابه ، إذ قال : (أيّها الناس يوشك أن ُأقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي ، وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم ألا إنّي مخلّف فيكم كتاب اللّه عزّوجلّ وعترتي أهل بيتي) ، ثمّ أخذ بيد علي فرفعها ، فقال : (هذا علي مع القرآن ، والقرآن مع علي ، لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض).
  وقد اعترف بذلك جماعة من أعلام الجمهور، حتى قال ابن حجر: ثم اعلم انّ لحديث التمسك بهما طرقاً كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابياً.
  قال : ومرّ له طرق مبسوطة في حادي عشر الشبه، وفي بعض تلك الطرق انّه قال : ذلك بحجّة الوداع بعرفة ، وفي أُخرى انّه قاله بالمدينةفي مرضه ، وقد امتلاَت الحجرة بأصحابه ، وفي أُخرى انّه قال : ذلك بغدير خم ، وفي أُخرى انّه قال : ذلك لمّا قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف.
  قال : ولا تنافي إذ لا مانع من أنّه كرّر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة.
  وحسب أئمّة أهل العترة الطاهرة أن يكونوا عند اللّه ورسوله بمنزلة الكتاب، لا يأتيه ا لباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وكفى بذلك حجة تأخذ بالاعناق إلى التعبُّد بمذهبهم ، فانّ المسلم لا يرتضي بكتاب اللّه بدلاً ، فكيف يبتغي عن اعداله حولاً .(1)

---------------------------
(1) المراجعات : المراجعة رقم 8.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 125_

من سمات أهل البيت (عليهم السلام)
8 ـ حرمة الصدقة عليهم

  اتّفق الفقهاء على أنّه لا تحل الصدقة المفروضة على بني هاشم الواردة في الآية المباركة ، أعني : قوله سبحانه : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقة تُطهِّرهُمْ وَتَزَّكِيهِمْ بِها وَتُصلِّ عليهم انَّ صَلاتكَ سَكنٌ لَهُمْ) ،(1) وذلك لاَنّ التطهير والتزكية إنّما يتعلَّق بما فيه وسخ وأهل البيت أعلى من أن يعيشوا بأوساخ الناس.
  قال ابن قدامة : (لا نعلم خلافاً في أنّ بني هاشم لا تحلُّ لهم الصدقة المفروضة) . (2)
  وقد تضافرت الروايات على ذلك وجمعها ابن حجر العسقلاني في بلوغ المرام، نقتبس منها ما يلي :
  1 ـ عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث، قال : قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : (إنّ الصدقة لا تنبغي لآل محمّد ، إنّما هي أوساخ النّاس). (3)
  وفي رواية : (وانّها لا تحلُّ لمحمد ولا لآل محمد) رواه مسلم.(4)

---------------------------
(1) التوبة : 103.
(2) المغني : 2|547.
(3) بلوغ المرام : 129 ، برقم 665.
(4) بلوغ المرام : 129 ، برقم 665.