الفهرس العام


من حقوق أهل البيت (عليهم السلام) 1 ـ ولاية أهل البيت (عليهم السلام)
من حقوق أهل البيت (عليهم السلام) 2 ـ أهل البيت (عليهم السلام) وضرورة إطاعتهمك
من حقوق أهل البيت (عليهم السلام) 3 ـ وجوب مودَّتهم وحبِّهم

  2 ـ روى أبو هريرة ، قال : أخذ الحسن بن علي (عليهما السلام) تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (كخٍ، كخٍ) ليطرحها، ثمّ قال : (أما شعرت انّا لا نأكل الصدقة)، رواه الشيخان البخاري و مسلم.
  ولمسلم: أما علمت انّا لا تحل لنا الصدقة.(1)
  3 ـ عن أنس انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مرّبتمرة في الطريق، وقال: (لولا أن تكون من الصدقةلاَكلتها).
  رواه مسلم وأبو داود. (2)
  4 ـ عن عائشة ، قالت : أُتي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بلحم ، فقلت : هذا ما تصدّق به على بريرة ، فقال : (هو لها صدقة ، ولنا هدية).
  رواه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود. (3)
  5 ـ كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أتي بطعام سأل عنه، فإن قيل: هدية أكل منها ، وإن قيل : صدقة ، لم يأكل منها.
  رواه الترمذي ومسلم. (4)
  6 ـ عن عبد اللّه بن حرث الهاشمي، وساق حديثاً حتى قال : إنّ هذه الصدقات إنّما هي أوساخ الناس وانّها لا تحل لمحمّد ولا لآل محمّد.
  رواه مسلم والنسائي. (5)
  7 ـ عن أبي رافع أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث رجلاً على الصدقة من بني مخزوم ، فقال لاَبي رافع:اصحبني فإنّك تصيب منها ، قال: حتى آتي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأسأله ، فأتاه فسأله ، فقال : مولى القوم من أنفسهم وإنّا لا تحلُّلنا الصدقة.
  أخرجه أبو داود والترمذي وصححه. (6)

---------------------------
(1) التاج الجامع للاَُصول : 2|30ـ 31، ط الثانية.
(2) التاج الجامع للاَُصول : 2|30ـ 31، ط الثانية.
(3) التاج الجامع للاَُصول : 2|30ـ 31، ط الثانية.
(4) التاج الجامع للاَُصول : 2|30ـ 31، ط الثانية.
(5) التاج الجامع للاَُصول : 2|30ـ 31، ط الثانية.
(6) التاج الجامع للاَُصول : 2|30ـ 31، ط الثانية.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 127_

الفصل الثالث
حقوق أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن الكريم

  قد عرفت من هم أهل البيت (عليهم السلام) في الآيات والروايات الواردة على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وما جادت به القرائح العربية حولهم من قصائد وأراجيز كما عرفت سماتهم و خصوصياتهم.
  وحان البحث لبيان حقوقهم على المسلمين الَّتي نزل بها الوحي في الكتاب العزيز، وها نحن نذكر بعض حقوقهم :

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 129_

من حقوق أهل البيت (عليهم السلام)
1 ـ ولاية أهل البيت (عليهم السلام)

  قد دلّت الروايات المتضافرة على انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ارتحل وقد نصب عليّاً (عليه السلام) للولاية والخلافة ، فأبان ولايته وولاية من بعده من الاَئمّة في مواقف مختلفة ، نذكر منها موقفين:
  الاَوّل ـ انّ سائلاً أتى مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليّ (عليه السلام) راكع، فأشار بيده للسائل ، أي اخلع الخاتم من يدي، فنزل قوله سبحانه: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُوَْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُون) .(1)
  وقد تضافرت الروايات على نزول الآية في حقّ علي (عليه السلام) و نقلها الحفاظ، منهم : ابن جرير الطبري (2) والحافظ أبو بكر الجصاص الرازي (3) و الحاكم النيسابوري (4) و الحافظ أبو الحسن الواحدي النيسابوري (5) وجار اللّه الزمخشري (6) إلى غير ذلك من أئمّة الحفاظ و كبار المفسِّرين ربما ناهز

---------------------------
(1) المائدة: 55.
(2) تفسير الطبري : 6|186.
(3) أحكام القرآن : 2|542.
(4) معرفة أُصول الحديث : 102.
(5) أسباب النزول : 113.
(6) الكشاف: 1| 468.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 130_

  عددهم السبعين ، وهم بين محدِّث ومفسّر وموَرِّخ.
  والذي يجب التركيز عليه هو فهم معنى الولي الوارد في الآية المباركة والذي وقع وصفاً للّه سبحانه ولرسوله ومن جاء بعده .
  المراد من الولي في الآية هو الاَولوية الواردة في قوله سبحانه :( النَّبيُّ أولى بِالمُوَْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) .(1)
  فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أولى من الموَمنين بأنفسهم وأموالهم فهو بما انّه زعيم المسلمين ووليّهم ، يتصرّف فيهم حسب ما تقتضيه المصالح في طريق حفظ كيان الاِسلام وصيانة هويَّتهم والدفاع عن أراضيهم ولغاية نشر الاِسلام.
  وليست الغاية من هذه الولاية الموهوبة للنبي ص هي حفظ مصالح النبي ص الشخصية، بل الغاية كما عرفت هو صيانة مصالح الاِسلام والمسلمين.
  فالولاية بهذه المعنى هي المراد من قوله سبحانه : (إِنَّما وَليّكُمُ اللّهَ وَرَسُولُه) و القرائن الدالَّة على تعُّين هذا المعنى كثيرة ، نذكر منها ما يلي :
  الاَوّل ـ إذا كان المراد من الوليّ هو الزعامة يصحّ تخصيصها باللّه سبحانه و رسوله ومن أعقبه ، وأمّا لو كان المراد منه هو الناصر و المحب، فهو ليس مختصاً بهوَلاء، لاَنّ كلّموَمن محب للآخرين أو ناصر لهم كما يقول سبحانه : (وَ المُوَْمِنُونَ وَ المُوَْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَولياءُ بَعْضٍ) .(2)
  الثاني ـ انّ ظاهر الآية انّ هناك أولياء و هناك مولى عليهم، ولا يتحقّق التمايز إلاّ بتفسير الولاية بمعنى الزعامة حتى يتميّز الزعيم عن غيره، وهذا بخلاف ما فسرناه بمعنى الحب والود أو النصر، فتكون الطوائف الثلاث على حد سواء

---------------------------
(1) الاَحزاب: 6.
(2) التوبة: 71.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 131_

  الثالث ـ إذا كان المراد من الولي هو الزعيم، يصحّ تخصيصه بالموَمن الموَدّي للزكاة حال الصلاة ، و أمّا لو كان المراد بمعنى المحبّ والناصر وما أشبهها يكون القيد زائداً أعني : إعطاء الزكاة في حال الصلاة، فانّ شرط الحب هو إقامة الصلاة وأداء الزكاة، وأمّا تأديتها في حال الركوع فليس من شرائط الحب والنصرة، وهذا دليل على انّ المراد فرد أو جماعة خاصة يوصفون بهذا الوصف لا كلّ الموَمنين.
  الرابع ـ انّ الآية التالية تفسر معنى الولاية، يقول سبحانه: (ومَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُون) .(1)
  فانّ لفظة (الّذين آمنوا) في هذه الآية هو الوارد في الآية المتقدمة، أعني: (وَالّذينَ آمَنُوا الّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاة) ، وعلى هذا يكون المراد من القول أخذهم زعيماً وولياً بشهادة انّ حزب اللّه لا ينفك من زعيم يدبِّر أمرهم.
  إلى هنا تبيّن انّ الاِمعان في القرائن الحافَّة بالآية تفّسر معنى الولي وتعّين المعنى و تثبت انّ المقصود هو الزعيم، لكن من نكات البلاغة في الآية انّه سبحانه صرح بولايته و ولاية رسوله ومن جاء بعده و على ذلك صارت الولاية للثلاثة ، وكان اللازم عندئذٍ أن يقول إنّما أولياوَكم يصيغة الجمع لكنّه أتى بصيغة المفرد إشارة إلى نكتة، وهي انّ الولاية بالاَصالة للّه سبحانه وأمّا ولاية غيره فبإيهاب من اللّه سبحانه لهم، ولذلك فرّد الكلمة ولم يجمعها ، لكن هذه الولاية لا تنفك من آثار ، وقد أُشير إلى تلك الآثار في آيات مختلفة ، وإليك بيانها:
  1 ـ (أَطيعُوا اللّهَ وَأَطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الاََمْرِ مِنْكُمْ) .(2)
  فانّ لزوم إطاعة اللّه والرسول وغيرهما من آثار ولايتهم

---------------------------
(1) المائدة: 56.
(2) النساء: 59.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 132_

  وزعامتهم،فالزعيم يجب أن يكون مطاعاً.
  2 ـ (وَماكانَ لِمُوَْمِنٍ وَلا مُوَْمِنَة إِذا قَضى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) .(1)
  فينفذ قضاوَه سبحانه و الَّذي هو من آثار الزعامة، ونظيره قوله سبحانه: (إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الكِتابَ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ) .(2)
  3 ـ (فَلْيَحْذَرِ الّذينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرهِ أنْ تُصيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَو يُصيبَهُمْ عَذابٌ أَليمٌ) ،(3) فحرمة مخالفة أمر اللّه ورسوله من توابع زعامتهم وولايتهم.
  فهذه الحقوق ثابتة للنبي ص بنص القرآن الكريم ولمن بعده بحكم انّهم أولياء بعد النبي فانّ ثبوتها للنبي ص لاَجل ولايته فإذا كانت الولاية مستمرة بعده فيتمتع كلّوليٍّ بهذه الحقوق.
  وبهذا تبيَّنت دلالة الآية على ولاية علي (عليه السلام) وانّها حقّ من حقوقهم لصالح الاِسلام والمسلمين.
  نعم بعض من لا تروقهم ولاية أهل البيت (عليهم السلام) وزعامتهم حاولوا تضعيف دلالة الآية بشبهات واهية واضحة الرد، وقد أجبنا عنها في بعض مسفوراتنا فلنكتف في المقام بهذا المقدار.
  غير انّا نركز على نكتة وهي انّ الصحابة الحضور لم يفهموا من الآية سوى الولاية ولذلك صبَّ شاعر عهد الرسالة حسان بن ثابت ما فهمه من الآية بصفاء ذهنه في قالب الشعر، وقال :

---------------------------
(1) الاَحزاب: 36.
(2) النساء: 105.
(3) النور: 63.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 133_

فأنت الذي أعطيت إذ أنت iiراكع      فـدتك نفوس القوم يا خير iiراكع
بـخاتمك  الـميمون يا خير سيد      و  يـا خير شار ثمّ يا خير iiبايع
فـانزل  فـيك الـلّه خير iiولاية      و بينّها في محكمات الشرائع (1)
  والظاهر ممّا رواه المحدّثون انّ الاَُمّة الاِسلامية سيُسألون يوم القيامة عن ولاية علي (عليه السلام)، حيث ورد السوَال في تفسير قوله سبحانه: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْوَولُون) .(2)
  روى ابن شيرويه الديلمي في كتاب (الفردوس) في قافية الواو، باسناده عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْوَولُون) عن ولاية علي بن أبي طالب. (3)
  ونقله ابن حجر عن الديلمي، وقال: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْوَولُون) أي عن ولاية علي وأهل البيت، لاَنّ اللّه أمر نبيّه ص أن يعرف الخلق أنّه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجراً إلاّ المودة في القربى، والمعنى انّهم يسألون هل والوهم حق الموالاة كما أوصاهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أم أضاعوها وأهملوها فتكون عليهم المطالبة والتبعة. (4)
  الثاني (5) ـ من تلك المواقف هو يوم الغدير و هو أوضحها وآكدها وأعمّها و قد صدع بها في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة الحرام في منصرفه من حجّة الوداع، وقد قام في محتشد كبير بعد ما خطب خطبة مفصَّلة وأخذ من الناس الشهادة على التوحيد والمعاد ورسالته وأعلن انّه فرط على الحوض، ثمّ ذكر الثقلين وعرَّفهما، بقوله:(الثقل الاَكبر، كتاب اللّه، والآخر الاَصغر: عترتي ، وانّ اللطيف الخبير نبَّأني انّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)، ثم ّقال : (أيّها الناس من أولى الناس بالموَمنين من أنفسهم ؟) قالوا : اللّه ورسوله أعلم، قال : (إنّ اللّه مولاي، وأنا مولى الموَمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه

---------------------------
(1) مناقب الخوارزمي : 178 ، كفاية الطالب للكنجي : 200 ، تذكرة ابن الجوزي: 25.
(2) الصّافات: 24.
(3) شواهد التنزيل للحسكاني : 2|106.
(4) الصواعق المحرقة : 149.
(5) مضي الاَوّل: 245.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 134_

  فعلي مولاه)، ثمّ قال : (اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، وأحب من أحبّه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحقّ معه حيث دار ، ألا فليبلغ الشاهد الغائب).
  ففي هذه الواقعة الفريدة من نوعها أعلن النبي ولاية علي (عليه السلام) للحاضرين وأمرهم بإبلاغها للغائبين، ونزل أمين الوحي بآية الاِكمال، أعني : قوله سبحانه : (الْيَومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي) .(1)
  فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : (اللّه أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة ، ورضى الربّ برسالتي ، والولاية لعلي من بعدي).
  ثمّ طفق القوم يهنّئون أمير الموَمنين (عليه السلام) و ممَّن هنَّأه في مقدم الصحابة : الشيخان أبو بكر وعمر ، كلّ يقول :
  بخ بخ لك يابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلّموَمن وموَمنة.
  وقد تلقّى الصحابة الحضور انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أوجب ولايته على الموَمنين، وقد أفرغ شاعر عهد الرسالة حسّان بن ثابت ما تلقّاه عن الرسول، في قصيدته وقال:
فـقال لـه قـم يا عليّ iiفانّني      رضيتك من بعدي إماماً وهادياً
فـمن  كـنت مولاه فهذا iiوليّه      فكونوا له أنصار صدق iiموالياً
  قد ذكرنا مصادر الخطبة والاَبيات عند البحث عن الاِمامة فراجع . (2)

---------------------------
(1) المائدة : 3.
(2) راجع مفاهيم القرآن : الجزء العاشر.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 135_

من حقوق أهل البيت (عليهم السلام)
2 ـ أهل البيت (عليهم السلام) وضرورة إطاعتهم

  أمر سبحانه باطاعة الرسول و أُولي الاَمر، وقال: (يا أَيُّهَاالّذينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الاََمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ في شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلى اللّه والرَّسُول إِنْ كُنْتُمْ تُوَْمِنُونَ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخر ذلِكَ خَيرٌ وَأَحْسَنُ تَأْويلاً) .(1)
  تأمر الآية بإطاعة اللّه كما تأمر بإطاعة الرسول و أُولي الاَمر لكن بتكرار الفعل، أعني: (وأَطيعُوا الرَّسُول) وما هذا إلاّ لاَنّ سنخ الاِطاعتين مختلف، فإطاعته سبحانه واجبة بالذات ، و إطاعة النبي و أُولي الاَمر واجبة بإيجابه سبحانه.
  والمهم في الآية هو التعرُّف على المراد من أُولي الاَمر، فقد اختلف فيه المفسرون على أقوال ثلاثة :
  1 ـ الاَُمراء.
  2 ـ العلماء.
  3 ـ صنف خاص من الاَُمّة، وهم أئمّة أهل البيت (عليهم السلام).

---------------------------
(1) النساء : 59.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 136_

  وبما انّه سبحانه أمر بإطاعة أُولي الاَمر إطاعة مطلقة ، غير مقيدة بما إذا لم يأمروا بالمعصية يمكن استظهار أنّ أولي الاَمر المشار إليهم في الآية والذين وجبت طاعتهم على الاِطلاق، معصومون من المعصية والزلل، كالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى اقترنوا في لزوم الطاعة في الآية.
  وبعبارة أُخرى : انّه سبحانه أوجب طاعتهم على الاِطلاق، كما أوجب طاعته ، وطاعة رسوله ، ولا يجوز أن توجب طاعة أحد على الاِطلاق إلاّ من ثبتت عصمته ، وعلم أنّ باطنه كظاهره ، وأمن منه الغلط والاَمر بالقبيح ، وليس ذلك بحاصل في الاَُمراء، ولا العلماء سواهم ، جلّ اللّه عن أن يأمر بطاعة من يعصيه ، أوبالانقياد للمختلفين في القول والفعل ، لانّه محال أن يطاع المختلفون، كما أنّه محال أن يجتمع ما اختلفوا فيه. (1)
  وقد أوضحه الرازي في تفسيره ، وذهب إلى أنّ المقصود من أُولي الاَمر هم المعصومون في الاَُمّة، وإن لم يخض في التفاصيل، ولم يستعرض مصاديقهم،لكنّه بيّن المراد منهم بصورة واضحة، وقال :
  والدليل على ذلك انّ اللّه تعالى أمر بطاعة أُولي الاَمر على سبيل الجزم في هذه الآية، ومن أمر اللّه بطاعته على سبيل الجزم والقطع ، لابدّ وأن يكون معصوماً عن الخطأ، إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر اللّه بمتابعته ، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ، والخطأ لكونه خطأً منهي عنه ، فهذا يُفضي إلى اجتماع الاَمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد وانّه محال .

---------------------------
(1) مجمع البيان:3|100.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 137_

  فثبت انّ اللّه تعالى أمر بطاعة أُولي الاَمر على سبيل الجزم، وثبت أنّكلّمن أمر اللّه بطاعته على سبيل الجزم، وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ، فثبت قطعاً أنّ أُولي الاَمر المذكور في هذه الآية لابدّ وأن يكون معصوماً . (1)
  وقد أوضح السيد الطباطبائي دلالة الآية على عصمة أُولي الاَمر ببيان رائق وإليك نصّه ، قال : الآية تدل على افتراض طاعة أُولي الاَمر هوَلاء ، ولم تقيده بقيد ولا شرط ، وليس في الآيات القرآنية ما يقيد الآية في مدلولها حتى يعود معنى قوله : (وَأَطيعُوا الرَّسُول وَأُولي الاََمْر مِنْكُمْ) إلى مثل قولنا : وأطيعوا أُولي الاَمر منكم فيما لم يأمروا بمعصية أو لم تعلموا بخطئهم ، فإن أمروكم بمعصية فلا طاعة عليكم ، وإن علمتم خطأهم فقوِّموهم بالردّ إلى الكتاب والسنّة و ليس هذا معنى قوله : (وَأَطيعُوا الرَّسُول وَأُولي الاََمْرِمِنْكُمْ) .
  مع أنّاللّه سبحانه أبان ما هو أوضح من هذا القيد فيما هو دون هذه الطاعة المفترضة، كقوله في الوالدين: (وَوَصَّيْنَا الاِِنْسان بِوالِدَيهِ حُسناً وَإِنْ جاهَداكَ لتشرِكَ بِي مالَيْسَلَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما) ،(2) فما باله لم يُظهر شيئاً من هذه القيود في آية تشتمل على أُس أساس الدين، وإليها تنتهي عامة اعراق السعادة الاِنسانية.
  على أنّ الاَية جمع فيها بين الرسول و أُولي الاَمر، وذكر لهما معاً طاعة واحدة، فقال : (وَأَطيعُوا الرَّسُول وَأُولي الاََمْر مِنْكُمْ) ، ولا يجوز على الرسول أن

---------------------------
(1) التفسير الكبير : 1|114.
(2) العنكبوت: 8.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 138_

  يأمر بمعصية أو يغلط في حكم، فلو جاز شيء من ذلك على أُولي الاَمر، لم يسع إلاّ أن يذكر القيد الوارد عليهم فلا مناص من أخذ الآية مطلقة من غير أن تقيد، ولازمه اعتبار العصمة في جانب أُولي الاَمر، كما اعتبر في جانب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) من غير فرق. (1)
  وبذلك تبَّين انّ تفسير أُولي الاَمر بالخلفاء الراشدين أو أُمراء السرايا أو العلماء أمر غير صحيح ، لاَنّ الآية دلَّت على عصمتهم ولا عصمة لهوَلاء، فلابدّ في التعرُّف عليهم من الرجوع إلى السنَّة التي ذكرت سماتهم ولا سيما حديث الثقلين حيث قورنت فيه العترة بالكتاب ، فإذا كان الكتاب مصوناً من الخطأ، فالعترة مثله أخذاً بالمقارنة.
  ونظيره حديث السفينة: (مَثَل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا و من تخلّف عنها غرق). (2)
  إلى غير ذلك من الاَحاديث التي تنصُّ على عصمة العترة الطاهرة، فإذاً هذه الاَحاديث تشكّل قرينة منفصلة على أنّ المراد من أُولي الاَمر هم العترة أحد الثقلين.
  بل يمكن كشف الحقيقة من خلال الاِمعان في آية التطهير، وقد عرفت دلالتها على عصمة أهل البيت الذين عيَّنهم الرسول بطرق مختلفة.
  وعلى ضوء ذلك فآية التطهير ، وحديث الثقلين، وحديث السفينة إلى غيرها من الاَحاديث الواردة في فضائل العترة الطاهرة كلّها تدل على عصمتهم.
  هذا من جانب و من جانب آخر دلَّت آية الاِطاعة على عصمة أُولي الاَمر،

---------------------------
(1) الميزان : 4|391.
(2) الحاكم:المستدرك: 3|151 أخرجه مسنداً إلى أبي ذر.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 139_

  فبضم القرائن الآنفة الذكر إلى هذه الآية يتضح المرادمن أُولي الاَمر الذين أمر اللّه سبحانه بطاعتهم و قرن طاعتهم بطاعة الرسول.
  وأمّا الرواية عن النبيّ: فقد روى ابن شهراشوب عن تفسير مجاهد انّهذه الآية نزلت في أمير الموَمنين (عليه السلام) حين خلّفه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة، فقال : (يا رسول اللّه، أتخلفّني بين النساء و الصبيان؟) فقال ص : (يا علي ، أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، حين قال له : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ) ، فقال أبلى واللّه: (وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) ) . (1)
  وأمّا ما رُوي عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) حول الآية فحدث عنها ولا حرج ، فلنقتصر في المقام على رواية واحدة نقلها الصدوق باسناده عن جابر بن عبد اللّه الاَنصاري.
  قال : لمّا أنزل اللّه عزّ وجلّ على نبيّه محمد ص : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) قلت : يا رسول اللّه، عرفنا اللّه ورسوله ، فمن أولوا الاَمر الذين قرن اللّه طاعتهم بطاعتك ؟ فقال ص : (هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين من بعدي ، أوّلهم علي بن أبي طالب ، ثمّالحسن ، ثمّالحسين ، ثمّعلي بن الحسين، ثمّ محمد بن علي المعروف في التوارة بالباقر ستدركه ياجابر ، فإذا لقيته فاقرأه مني السلام ، ثمّ الصادق جعفر بن محمد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ علي بن موسى ، ثمّ محمّد بن علي ، ثمّ علي بن محمّد ، ثمّ

---------------------------
(1) المناقب لاِبن شهر اشوب: 1| 5%15 ، ط المطبعة العلميّة.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 140_

  الحسن بن علي ، ثمّ سَمِيِّ محمّد و كنيتي ، حجة اللّه في أرضه وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي ، ذاك الذي يفتح اللّه تعالى على يديه مشارق الاَرض ومغاربها ، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيه على القول بإمامته إلاّ من امتحن اللّه قلبه للاِيمان).
  قال جابر : فقلت له : يا رسول اللّه فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟ فقال ص : (اي والذي بعثني بالنبوة إنّهم يستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلاها سحاب.
  يا جابر هذا من مكنون سر اللّه ومخزون علم اللّه،فاكتمه إلاّ عن أهله). (1)

---------------------------
(1) البرهان في تفسير القرآن: 1|381.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 141_

من حقوق أهل البيت (عليهم السلام)
3 ـ وجوب مودَّتهم وحبِّهم

  قام الرسل بابلاغ رسالات اللّه سبحانه إلى الناس، دون أن يبغوا أجراً منهم ، بل كان عملهم خالصاً لوجهه سبحانه ، لاَنّ إبلاغ رسالاته كانت فريضة إلهية على عواتقهم ، فكيف يطلبون الاَجر للعمل العبادي الذي لا يبعثهم إليه إلاّ طاعة أمره وطلب رضاه، ولذلك كان شعارهم دوماً ، قولهم(وَما أسأَلكم عليهِ منْ أَجْر إِن أَجْري إِلاّعلى اللّه ربّ العالَمين) .(1)
  فقد ذكر سبحانه على لسان الاَنبياء تلك الآية في سورة الشعراء، ونقلها عن عديد من أنبيائه، نظراء :
  نوح (2) ، هود (3) صالح (4) لوط (5) شعيب (6)
  وقد جاء هذا الشعار في سور أُخرى نقلها القرآن الكريم عن رسله وأنبيائه ، فقدكانوا يخاطبون أُمَمهم بقولهم :

---------------------------
(1) الشورى : 109.
(2) الشعراء : 109، 127، 145، 164، 180.
(3) الشعراء : 109، 127، 145، 164، 180.
(4) الشعراء : 109، 127، 145، 164، 180.
(5) الشعراء : 109، 127، 145، 164، 180.
(6) الشعراء : 109، 127، 145، 164، 180.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 142_

  (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْري إِلاّ على اللّه) .(1)
  (يا قَوم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الّذي فطرني) .(2)
  فإذا كان هذا موقف الاَنبياء من أُمّتهم، فكيف يصح للنبي الخاتم ص أن يطلب الاَجر ؟ ! بل هو أولى بأن يكون عمله خالصاً للّه ، لاَنّه خاتم الرسل وأفضلهم، وقد كان يرفع ذلك الشعار أيام بعثته ، بأمر منه سبحانه و يتلو قوله تعالى: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَإِلاّذِكرى لِلْعالَمين) (3)
  هذه هي حقيقة قرآنية لا يمكن إنكارها، ومع ذلك نرى انّه سبحانه يأمره في آية أُخرى بأن يطلب منهم مودة القربى أجراً للرسالة.
  ويقول: (قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّالمَودَّةَ فِي القُربى) .(4)
  فكيف يمكن الجمع بين هذه الآية، وما تقدم من الآية الخاصة بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والآيات الراجعة إلى سائر الاَنبياء، فانّهم (عليهم السلام) كانوا على نهج واحد ؟.
  هذا هو السوَال المطروح في المقام.
  والاِجابة عليه يتوقَّف على نقل ما ورد حول الموضوع في القرآن الكريم، فنقول:
  الآيات التي وردت حول أجر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على أصناف أربعة:
  الاَوّل ـ أمره سبحانه بأن يخاطبهم بأنّه لا يطلب منهم أجراً، قال سبحانه: (قُل ْلا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَإِلاّذِكرى لِلْعالَمين) .(5)

---------------------------
(1) هود : 29.
(2) هود : 51.
(3) الاَنعام : 90.
(4) الشورى : 23.
(5) الاَنعام : 90.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 143_

  الثاني ـ ما يشعر بأنّه طلب منهم أجراً يرجع نفعه إليهم دون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): فيقول سبحانه : (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْأَجْرِيَ إِلاّعلى اللّهِ وهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ شَهيد). (1)
  الثالث ـ ما يُعرّف أجره، بقوله : (قُلْ ما أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِمِنْ أَجْرٍ إِلاّمَنْ شاء أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِسَبيلاً) ، (2) فكان اتخاذ السبيل إلى اللّه هو أجر الرسالة.
  الرابع ـ ما يجعل مودة القربى أجراً للرسالة، ويقول: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّالمَوَدَّةَ فِي القُربى) .
  فهذه العناوين الاَربعة لابدّأن ترجع إلى معنى واحد، وهذا هو الذي نحاول أن نسلّط عليه الاَضواء.
  الجواب ـ انّ لفظة الاَجر يطلق على الاَجر الدنيوي والاَُخروي غير انّ المنفي في تلك الآيات بقرينة نفي طلبه عن الناس هو الاَجر الدنيوي على الاِطلاق، ولذلك لم ينقل التاريخ أبداً أن يطلب نبي ص لدعوته شيئاً بل نقل خلافه.
  هذه هي قريش تقدَّمت إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي طليعتهم أبو الوليد ، فتقدم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال : يابن أخي إن كنت إنّما تريد بما جئت به من هذا الاَمر، مالاًً ، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً ، وإن كنت تريد به شرفاً سوَّدناك علينا، حتى لا نقطع أمراً دونك ، وإن كنت تريد به ملكاً ملّكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيّا تراه لا تستطيع ردّه عن نفسك، طلبنا لك الطبَّ ، وبذلنا فيه أموالنا حتى نُبرئك منه ، فانّه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه ، أو

---------------------------
(1) سبأ : 47.
(2) الفرقان : 57.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 144_

  كما قال له حتى إذا فرغ عتبة، ورسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يستمع منه ، قال : أقد فرغت يا أبا الوليد ؟ قال : نعم ، قال : فاسمع مني قال : أفعل، فقال : (بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِالرَّحيم* حم* تَنْزَيلٌ مِنَ الرَّحْمنِالرَّحيم* كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرآناًعَرَبِياً لِقَومٍ يَعْلَمُونَ* بَشيراً وَنَذِيراً فَأعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُون* وَقالُوا قُلُوبُنا في أَكِنَّةٍ مَمّا تَدْعُونا إِلَيْه) .(1)
  ثمّ مضى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها يقروَها عليه ، فلماّ سمعها منه عتبة ، أنصت لها ، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليها يسمع منه ، ثمّانتهى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى السجدة منها ، فسجد ثمّ قال : قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت ، فأنت وذاك. (2)
  هذا النصّ وغيره يعرب عن أنّ مدار الاِثبات والنفي هو الاَجر الدنيوي بعامة صوره ، وهذا أمر منفي جداً لا يليق لنبي أن يطلبه من الناس.
  قال الشيخ المفيد: إنّ أجر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في التقرُّب إلى اللّه تعالى هو الثواب الدائم، وهومستحق على اللّه تعالى في عدله وجوده وكرمه، وليس المستحق على الاَعمال يتعلَّق بالعباد ، لاَنّ العمل يجب أن يكون للّه تعالى خالصاً ، وما كان للّه فالاَجر فيه على اللّه تعالى دون غيره. (3)
  إذا عرفت ذلك ، فنقول :
  إنّ مودة ذي القربى وإن تجلت بصورة الاَجر حيث استثنيت من نفي الاَجر، لكنّه أجر صوري وليس أجراً واقعياً، فالاَجر الواقعي عبارة عمّا إذا عاد نفعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكنّه في المقام يرجع إلى المحب قبل رجوعه إلى النبي (ص) ، وذلك لاَنّ مودة ذي القربى تجرّ المحب إلى أن ينهج سبيلهم في الحياة،

---------------------------
(1) فصّلت : 1 ـ 5.
(2) السيرة النبوية : 1|293 ـ 294.
(3) تصحيح الاعتقاد: 68.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 145_

  ويجعلهم أُسوة في دينه ودنياه ، ومن الواضح انّ الحبّ بهذا المعنى ينتهي لصالح المحب، قال الصادق (عليه السلام): (ما أحب اللّه عزّ و جلّ من عصاه) ثمّ تمثَّل ، فقال :
تـعصي الاِله وأنت تظهر iiحبه      هـذا مـحال فـي الفعال iiبديع
لـو كـان حبك صادقاً iiلاَطعته      انّ المحبّ لمن يحب مطيع (1)
  وسيوافيك انّ المراد من ذوي القربى ليس كلّ من ينتمي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بنسب أو سبب، بل طبقة خاصة من أهل بيته الذين عرفهم بأنّهم أحد الثقلين في قوله : (إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه، وعترتي أهل بيتي، وانّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض). (2)
  فإذا كان المراد من ذوي القربى هوَلاء الذين أنيط بهم أمر الهداية والسعادة فحبُّهم ومودَّتهم يرفع الاِنسان من حضيض العصيان والتمرد إلى عزّ الطاعة.
  إنّ طلب المودة من الناس أشبه بقول طبيب لمريضه بعد ما فحصه وكتب وصفة: لا أُريد منك أجراً إلاّ العمل بهذه الوصفة، فانّ عمل المريض بوصفة الطبيب و إن خرجت بهذه العبارة بصورة الاَجر، ولكنّه ليس أجراً واقعياً يعود نفعه إلى الطبيب بل يعود نفعه إلى نفس المريض الذي طلب منه الاَجر.
  وعلى ذلك فلابدّ من حمل الاستثناء على الاستثناء المنقطع، كأن يقول : قل لا أسألكم عليه أجراً، وإنّما أسألكم مودة ذي القربى، وليس الاستثناء المنقطع

---------------------------
(1) سفينة البحار: مادة حبَّب.
(2) أخرجه الحاكم في مستدركه : 3|148 ، وقال: هذا حديث صحيح الاسناد على شرط الشيخين، ولم يخرجاه ، وأخرجه الذهبي في تلخيص المستدرك معترفاً بصحته على شرط الشيخين قلت : هذا حديث متواتر وقد ألَّف غير واحد من المحقّقين رسائل حوله.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 146_

  أمراً غريباً في القرآن بل له نظائر مثل قوله : (لا يسمعون فيها لَغْواً إِلاّسَلاماً) .(1)
  وعلى ذلك جرى شيخ الشيعة المفيد في تفسير الآية، حيث طرح السوَال، و قال :
  فإن قال قائل : فما معنى قوله : (قُلْ لا أَسألكم عليهِ أَجْراً إِلاّالمَودَّة فِي القُربى) أو ليس هذا يفيد انّه قد سألهم مودة القربى لاَجره على الاَداء ؟.
  قيل له : ليس الاَمر على ما ظننت لما قدمنا من حجّة العقل والقرآن ، والاستثناء في هذا المكان ليس هو من الجملة لكنّه استثناء منقطع ، ومعناه قل لا أسألكم عليه أجراً لكنّي ألزمكم المودة في القربى و اسألكموها، فيكون قوله : (قُلْ لا أسْألكُمْ عليهِ أَجراً) كلاماً تاماً ، قد استوفى معناه، ويكون قوله : (إِلاّالمودة في القُربى) كلاماً مبتدأً، فائدته لكن المودة في القربى سألتكموها، وهذا كقوله: (فَسَجَد المَلائِكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاّإِبْلِيس) ، (2) والمعنى فيه لكن إبليس، وليس باستثناء من جملة. (3)
  وعلى ضوء ذلك يظهر معنى قوله سبحانه : (ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) .(4)
  وقد تبَّين انّ حبّ الاَولياء والصالحين لصالح المحب قبل أن يكون لصالحهم.
  كما تبَّين معنى قوله سبحانه في شأن ذلك الاَجر : (ما أَسأَلكُمْ عليه مِنْ أَجْر إِلاّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبيلاً) .(5)

---------------------------
(1) مريم : 62.
(2) الحجر : 30 ـ 31.
(3) تصحيح الاعتقاد : 68.
(4) سبأ : 47.
(5) الفرقان : 57.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 147_

  فانّ اتخاذ السبيل لا يخلو من أحد احتمالين:
  1 ـ مودَّة القربى والتفاني في حبهم الذي سينتهي إلى العمل بالشريعة الموجب لنيل السعادة.
  2 ـ نفس العمل بالشريعة الذي يصل إليها الاِنسان عن طريق حبهم ومودتهم.
  وبذلك ترجع الآيات الثلاث إلى معنى واحد من دون أن يكون بينهما أي تناف واختلاف.
  وقد جاء الجمع بين مفاد الآيات الثلاث في دعاء الندبة الذي يشهد علو مضامينه على صدقه ، حيث جاء فيه :
  (ثمّ جعلت أجر محمّد ص مودّتهم في كتابك، فقلت (لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) ، وقلت : ما سألتكم من أجر فهو لكم ، وقلت : (مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا) ، فكانوا هم السبيل إليك ، والمسلك إلى رضوانك).
  وإلى ذلك يشير شاعر أهل البيت و يقول:
موالاتهم فرض وحبهم هدى      وطـاعتهم  ودٍّ وودُّهم iiتقوا
* * *
  وأمّا القربى فهو على وزن البشرى والزلفى بمعنى القرابة، يقول الزمخشري: القربى مصدر كالزلفى والبشرى، بمعنى القرابة والمراد في الآية (أهل القربى). (1)
  وقد استعمل القرآن الكريم لفظة القربى في عامة الموارد بالمضاف، فتارة

---------------------------
(1) الكشاف : 3|81 في تفسير الآية.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 148_

  بلفظة ذي ، قال سبحانه : (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى ) .(1)
  وأُخرى بلفظة ذوي ، قال سبحانه : (وَاتَى المال عَلى حُبِّهِ ذَوي القُربى وَاليَتامى) .(2)
  وثالثة ـ بلفظة (أُولي)، قال سبحانه : (ما كان لِلنَّبيّ وَالّذينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكينَ وَلَوكانُوا أُولي قُربى) .(3)
  و قد جاءت مرة واحدة دون إضافة وهي نفس الآية المباركة، فلاَجل ذلك يلزم تقدير شيء مثل لفظة (أهل) كما قدَّره الزمخشري أو لفظاً غير ذلك مثل كلمة (ذي) أو (ذوي) أو (ذوي قربى).
  إلى هنا تمت الاِجابة عن السوَال الاَوّل حول الآية.
  السوَال الثاني(4)
  دلَّت الآية الكريمة على أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فرض مودة ذي القربى، على المسلمين ولكن يبقى هناك سوَال وهو انّ الآية تحتمل وجهين:
  أ ـ أن يكون المراد مودة ذوي القربى من أقرباء النبي وأهل بيته.
  ب ـ أن يكون المراد ودّ كلّمسلم أقربائه وعشيرته ومن يمُّت إليه بصلة، وليس في الآية ما يدل على المعنى الاَوّل.
  أقول ـ إنّ ذي القربى كما علمت بمعنى صاحب القرابة والوشيجة النسبية، ويتعَّين مورده بتعينُّ المنسوب إليه، وهو يختلف حسب اختلاف موارد

---------------------------
(1) البقرة : 83.
(2) البقرة : 177.
(3) التوبة : 113.
(4) مضي السوَال الاَوّل: 258.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 149_

  الاستعمال، ويستعان في تعيينه بالقرائن الموجودة في الكلام، وهي:
  الاَشخاص المذكورون في الآية أو ما دلَّ عليه سياق الكلام.
  فتارة يراد منه الاَقرباء دون شخص خاص، مثل قوله سبحانه: (ما كانَ لِلنَّبي وَالّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكينَ وَلَو كانُوا ذوي قُربى) .(1)
  وقوله سبحانه : (فَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُربى) .(2)
  فانّ ذكر النبي والذين آمنوا معه آية على أنّ المراد قريب كلّ إنسان إليهما، كما أنّ جملة (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ) آية أنّ المراد كل إنسان قريب إليه.
  وأمّا قوله سبحانه: (قُلْ لا أَسأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ المَوَدَةَ فِي القُربى) فالفعل المتقدّم عليه يعنى (لا أَسأَلُكُمْ) آية انّ المراد أقرباء السائل، مثل قوله سبحانه: (ما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِالقُرى فَلِلّهِ وَالرَّسُولِ وَلِذِي القُربى) .(3)
  فانّ لفظة (على رَسُولِهِ) آية أنّ المراد أقرباء الرسول.
  وعلى ذلك فلابدّ من الرجوع إلى القرائن الحافَّة بالآية وتعيين المراد منه ، و بذلك ظهر أنّالمراد هو أقرباء الرسول.
  يقول الاِمام أمير الموَمنين (عليه السلام) ناقداً انتخاب الخليفة الاَوّل في السقيفة لاَجل انتمائه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرابة:
  وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم فغيـرك أولـى بالنبـي و أقـرب (4)

---------------------------
(1) التوبة : 113.
(2) الاَنعام : 152.
(3) الحشر : 7.
(4) شرح ابن أبي الحديد : 18|416.

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم _ 150_

  السوَال الثالث
  إنّ سورة الشورى سورة مكية، فلو كان المراد من ذوي القربى هو عترته الطاهرة، أعني : عليّاً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) فلم يكن يومذاك بعض هوَلاء كالحسن والحسين (عليهما السلام) ؟.
  والجواب : إنّ الميزان في تمييز المكي عن المدني، أمران، وكلاهما يدلان على أنّالآية نزلت في المدينة المنورة.
  الاَمر الاَوّل: دراسة مضمون الآيات
  فقد كانت مكافحة الوثنية والدعوة إلى التوحيد والمعاد هي مهمة النبي قبل الهجرة، ولم يكن المجتمع المكّي موَهلاً لبيان الاَحكام والفروع أو مجادلة أهل الكتاب من اليهود و النصارى، ولذلك تدور أغلب الآيات المكّية حول المعارف والعقائد والعبرة بقصص الماضين، و ما يقرب من ذلك.
  ولمّا استتب له الاَمر في المدينة المنورة واعتنق أغلب سكّانها الاِسلام حينها سنحت الفرصة لنشر الاِسلام وتعاليمه و لمناظرة اليهود والنصارى حيث كانوا يثيرون شبهاً ويجادلون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فنزلت آيات حول اليهود و النصارى في السور الطوال.
  فلو كان هذا هو الميزان بغية تميّز المكّي عن المدني، فالآية مدنية قطعاً دون ريب لعدم وجود أيَّة مناسبة لسوَال الاَجر أو طلب مودة القربى من أُناس لم يوَمنوا به بل حشَّدوا قواهم على قتله، بخلاف البيئة الثانية فقد كانت تقتضي ذلك حيث التفَّ حوله رجال من الاَوّس والخزرج وطوائف كثيرة من الجزيرة العربية.