قال الرازي: المراد من رفعها، بنائها لقوله تعالى : (رَفَعَ سَمْكَها وفَسَوّاها )(1)و ثانيها (تُرْفَعَ) اي تعظم. (2)
هذا كلّه حسب ما تدل عليه الآية، وأمّا بالنظر إلى الروايات فنذكر منها ما يلي :
1 ـ روى الحافظ السيوطي عن أنس بن مالك و بريدة ، انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قرأ قوله تعالى: (في بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْترفَع) فقام إليه رجل وقال: أيّ بيوت هذه يا رسول اللّه ؟
فقال (ص) : بيوت الاَنبياء.
فقام إليه أبو بكر وقال : يا رسول اللّه، وهذا البيت منها ؟ وأشار إلى بيت علي و فاطمة (عليهما السلام).
فقال النبيص : نعم من أفاضلها.(3)
2 ـ روى ابن شهراشوب عن تفسير مجاهد و أبي يوسف ، يعقوب بن سفين ، قال ابن عباس في قوله تعالى : (وَإِذا رَأَوا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً) : إنّدحية الكلبي جاء يوم الجمعة من الشام بالميرة ، فنزل عند احجار الزيت، ثمّضرب بالطبول ليوَذن الناس بقدومه، فمضوا الناس إليه إلاّعلي والحسن والحسين وفاطمة (عليهم السلام) وسلمان وأبو ذر والمقداد وصهيب ، وتركوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قائماً يخطب على المنبر، فقال النبيص: قد نظر اللّه يوم الجمعة إلى مسجدي فلولا هوَلاء الثمانية الذين جلسوا في مسجدي لاَضرمت
المدينة على أهلها ناراً، وحُصُّبوا بالحجارة كقوم لوط ، ونزل فيهم رجال لا تلهيهم تجارة.(1)
وقد وصف الاِمام أمير الموَمنين (عليه السلام) هوَلاء الرجال الذين يسبِّحون في تلك البيوت ، عند تلاوته : (رِجالٌ لا تُلهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّه) : وإنّ للذكر لاَهلاً أخذوه من الدُّنيا بدلاًً، فلم يشغلهم تجارة ولا بيع عنه ، يقطعون به أيام الحياة، ويهتفون بالزواجر عن محارم اللّه في أسماع الغافلين، ويأمرون بالقسط ويأتمرون به ، وينهون عن المنكر ويتناهون عنه فكأنَّما قطعوا الدنيا إلى الآخرة وهم فيها ، فشاهدوا ما وراء ذلك ، فكأنّما اطَّلعوا غيوب أهل البرزخ في طول الاِقامة فيه ، وحقَّقت القيامة عليهم عِداتهُا ، فكشفوا غطاء ذلك لاَهل الدنيا، حتى كأنّهم يرون ما لا يرى الناس ويسمعون ما لا يسمعون. (2)
---------------------------
(1) البرهان في تفسير القرآن: 3 / 139.
(2) نهج البلاغة: الخطبة 222.
إلى هنا تمّ ما أردنا استعراضه من سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم، ولو حاول الباحث أن يستعرض أوصافهم وخصوصيّاتهم الواردة في الاَحاديث النبوية لاحتاج إلى تأليف مفرد، و بما انّمحور بحوثنا هو القرآن الكريم اقتصرناعلى ذلك ، وهذا لا يمنعنا أن نذكر ما روي عن علي (عليه السلام) في ذلك المجال:
1 ـ يقول في حقّهم : ( ... فَإنّهم عيش العلم ، وموت الجهل، هم الذين يُخبركم حُكمُهم عن علمهم ، وصَمتُهم عن منطقهم، وظاهرهُم عن باطنهم ، لا يخالفون الدين، ولا يختلفون فيه ، فهو بينهم شاهدُ صادق، وصامت ناطق). (1)
2 ـ وفي خطبة أُخرى : (لا يقاس بآل محمّد ص من هذه الاَُمّة أحد، ولا يُسوَّى بهم مَن جرت نعمتهم عليه أبداً ، هم أساسُ الدين ، وعمادُ اليقين، إليهم يفيءُ الغالي، وبهم يُلحق التالي، ولهم خصائص حقِّ الولاية، وفيهم الوصيةوالوراثة، الآن إذا رجع الحقّ إلى أهله، ونُقل إلى منتقله) .(2)
3 ـ وقال (عليه السلام): (نحنُ الشعار والاَصحاب ، والخزنة والاَبواب، ولا توَتى البيوتُ إلاّ من أبوابها ، فمن أتاها من غير أبوابها سُمّي سارقاً).
فيهم كرائمُ القرآن، وهم كنوز الرحمن، إن نطقوا صدقوا ، وإن صمتوا لم يسبقوا. (1)
4 ـ وقال (عليه السلام):(ألا إنّ مثل آل محمّدٍ (ص) ، كَمَثَلِ نجوم السَّماء: إذا خوى نجم، طَلَعَ نَجم ، فكأنّكم قد تكاملت من اللّه فيكم الصنائع، وأراكم ما كنتم تأملون). (2)
5 ـ وقال (عليه السلام): (ألا و إنّ لكلِّ دمٍ ثائراً ، ولكلِّ حقٍّ طالباً و إنَّ الثّائِرَ في دمائِنا كالحاكِمِ في حقِّ نفسِهِ ، وهُوَ اللّهُ الذي لا يُعجِزُهُ من طَلَبَ ، ولا يفُوتُهُ من هرب). (3)
6 ـ وقال (عليه السلام): (أيّهاالناس، خذوها عن خاتم النبيّين (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّه يموت من ماتَ منّا وليس بميِّت، ويبلى من بَلي منَّا وليس ببال)، فلا تقولوا بما لا تعرِفُون، فإنّ أكثرَ الحقِّ فيما تُنكِرون ، واعذِروا من لا حُجّة لكم عليه ـ و هو أنّا ـ ألم أعمل فيكم بالثَّقل الاَكبر، وأترُك فيكم الثَّقل الاَصغر ، قد ركْزتُ فيكُمْ راية الاِيمانِ، ووقفتُكُم على حُدودِ الحلالِ والحرام، وألبستُكُمُ العافيةَ من عدلي ، وفرشتكم المعروف من قولي وفعلي،وأريتُكُم كرائمَ الاَخلاقِ من نفسي، فلا تستعملوا الرأيَ فيما لا يُدْرِكُ قعرَهُ البصرُ، ولا تتغلغل إليهِ الفِكر)ُ. (4)
إلى غير ذلك الكلمات الناصعة في خطبه ورسائله وقصار كلمه مما نقله
الرضي في (نهج البلاغة) وغيره في الكتب الحديثية والتاريخية، ولنقتصر على ذلك فانّ الاِفاضة في القول في هذا المضمار يوجب الاِطالة.
وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين
جعفر السبحاني
قم ـ موَسسه الاِمام الصادق (عليه السلام)
في صبيحة يوم الثلاثاء الموافق لـ 12 من شهر رمضان المبارك
من شهور عام 1420 هـ