الزنديق : فإن الله خلق خلقه غلفاً غير تم خلق الله ، وجعلتم فعلكم في قطع الغلفة أصوب مما خلق الله ، وعبتم الأغلف والله خلقه ، ومدحتم الختان وهو فعلكم أم تقولون : إن ذلك كان من الله خطأ غير حكمة ؟
  فقال ابو عبدالله : ذلك من الله حكمة وصواب غير أنه سن ذلك وأوجبه على خلقه ، كما أن المولود إذا خرج من بطن أمه وجدتم سرته متصلة بسرة أمه المولود ، كذلك أمر الله الحكيم فأمر العباد بقطعها وفي تركها فساد بين المولود والأم ، وكذلك أظفار الإنسان أمر إذا طالت أن تقلم وكان قادراً يوم دبر خلقة الإنسان أن يخلقه خلقة لا يطول ، وكذلك الشعر في الشارب والرأس يطول ويجز ، وكذلك الثيران خلقها فحولة وإخصاؤها أوفق وليس في ذلك عيب في تقدير الله عزوجل ).
  هذا الحديث كله في ختان الصبي.
  أما ختان الفتاة فإن الإسلام جعل ذلك مكرمة أي هبة ان فعلت كانت حسنة وإن لم تفعل لا ضير فيها ، وفي زماننها هذا قل ختان الفتيات ، نعم ، في أفريقيا ما زال هذا العمل قائماً وإن كان بطريقة خاطئة ، إذ المعمول به هناك هو استئصال البظر كاملاً ، وهذا الذي نهي عنه الإسلام ، وحث على المرأة التي تريد ختان ابنتها أن تبقي منه شيئاً حتى تحس مما يجب عند الزواج ، وفي قصة طويلة خلاصتها : أنه كانت هناك امرأة تسمى أم حبيبة وكانت خافظة هاجرت إلى المدينة رآها الرسول فسألها عن بقائها في عملها ؟ فأجابت بالإيجاب ، فقال لها رسول الله : ( إذا أنت فعلت فلا تنهكي أي لا تستأصلي وأشمي ، فإنه أشرق للوجه وأحظى عند الزوج ).
  وفي رواية عن أميرالمؤمنين علي ( عليه السلام ) قال : ( يا معشر الناس إذا خفضت بناتكن فبقين من ذلك شيئاً ، فإنه أتقى لألوانهن وأحظى لهن ).

عبقـرية مبكـرة لأطفالنا   ـ 127 ـ

الرابع : العقيقة
  العقيقة من الأمور الضرورية التي يجب عملها عن الطفل ويستحب تماثل الذكر بالذكر والأنثى بالأنثى من الشاة، ويفضل أن تكون سمينة وهي لازمة على الأغنياء والفقراء إذا تيسروا ، فإذا لم يعق عن الولد يعق عن نفسه حتى مع الكبر ، والعقيقة لا تعطى إلا لأهل الولاية ، فإن أراد أن يوزعها فليوزعها على الفقراء وعلى الأغنياء على السواء لا فرق ، وإن أراد أن يقيم عليها وليمة .
  عن ابي عبدالله ( عليه السلام ) قال : ( كل امرئ مرتهن يوم القيامة بعقيقة والعقيقة أوجب من الأضحية ).
  وكما يلزم من ذبح العقيقة ولا يكفي التصرف بثمنها ، كما جاءت الرواية عن ابي جعفر لما عسرت أن يجد العقيقة لا يذبحها فسألة زيد بن علي بقوله : قسرت علي الأخرى فأتصدق بثمنها ؟ قال : لا أطلبها فإن الله عزوجل يحب إهراق الدماء وإطعام الطعام.
  أقول : والظاهر أن لزوم العقيقة ، وأن الله يحب الدماء أنها لأمرين ، أولها لسلامة المولود عن المخاطر : فهو عند الذبح يقول : ( لحمها بلحمه ودمها بدمه وعظمها بعظمه اللهم اجعله وقاء لفلان بن فلان ).
 ويمكن أن يقال في الأمر الثاني : إن الروح قبل أن تلج في المولود كانت في عالم الأرواح تعيش معها ، وتأنس بها ، كما جاءت الرواية : ( أن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف )، فهي تعيش في ذلك العالم وعند ولوجها في بدن الإنسان فارقت ذلك العالم مما أوجدت مكانا خالياً فاستوحشت الأرواح لفقدانها ، وعند ذبح العقيقة، روح العقيقة تكون هي مكانها في ذلك العالم حتى تعود إليه ، والله العالم.
  كما يلزم عند ذبح العقيقة أن يدعو بما هو المأثور ومنها :

عبقـرية مبكـرة لأطفالنا   ـ 128 ـ

  عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : يقال عند العقيقة : ( اللهم منك ولك ما وهبت وأنت أعطيت اللهم فتقبله منا على سنة نبيك ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
  وتستعين بالله من الشيطان الرجيم وتسمي وتذبح وتقول : ( لك سفكت الدماء لا شريك لك ، والحمد لله رب العالمين اللهم اخسئ الشيطان الرجيم ).
  ويعطي من الذبيحة القابلة ربعها ، أو الرجل والورك كما يكره للاب ، أو أحد عياله ـ وخصوصاً الأم ـ أن يأكل من العقيقة، فإن أكلت الأم من العقيقة لا ترضع ولدها ، لأنه يؤثر سلباً على الطفل ، وقد تكلمنا بما فيه الكفاية عن أثر الأكل على المرأة الحامل وولديها فلا نعيد .
  وعن الصدوق في المقنع وفي فقه الرضا ( عليه السلام ) يقول : ( وإذا أردت أن تعق عنه فليكن عن الذكر ذكراً وعن الأنثى أنثى ، وتعطي القابلة الورك ولا يأكل منه الأبوان ، فإن أكلت منه الأم فلا ترضعه ، وتفرق لحمها على قوم مؤمنين محتاجين ، وإن أعددته طعاماً ودعوت عليه قوماً من إخوانك فهو أحب إلي ، وكلما أكثرت فهو أفضل ، وحدة عشره أنفس وما زاد ، وأفضـل ما يطبـخ به ماء وملح ) (1).
  الخامس : أن يلطخ رأسه بالزعفران وهو أن يؤتى بماء يوضع فيه زعفران ويأخذ هذا الماء ويغسل رأس الطفل بهذا الماء ، وأما ثمرة هذا الفعل وأثره فالله ورسوله أعلم.

**************************************************************
(1) البحار : ج 104 ، ص 116.

عبقـرية مبكـرة لأطفالنا   ـ 129 ـ

  ملحق
يوم الولادة :
 هذا اليوم والذي يعد أول يوم لمخلوق جديد على بسيطة الأرض والذي يترقب الوالدان ، بل الأهل أجمعون يترقبون اليوم الذي يولد فيه بل الساعة بفارغ الصبر ، هل خطر على بال أحد من الوالدين ، أو الأهل أن اليوم الذي يولد فيه يكون له أثر على المولود من حيث السعادة أو الشقاء فتكتب له السعادة .
  نعم ، فقد يولد في يوم سعيد وطالع سعيد حسن ، وقد يولد في يوم شؤم فيكتب له الشقاء إلا أن يشاء الله ويمحو وعنده أم الكتاب .
  في رواية طويلة جداً تتحدث عن الأيام من حيث سعادتها وشقاوتها ، وما يصلح فيها ، ذكرها العلامة المجلسي في البحار وكذلك النوري في مستدركه للوسائل ونحن نوردها لتعم الفائدة أكثر.
  عن الصادق ( عليه السلام ) أنه قال في اليوم الأول من الشهر : هو يوم مبارك محمود فيه خلق الله آدم ، ومن يولد فيه كان محبوباً مقبولاً مرزوقاً مباركاً .
  الثاني : يوم محمود خلق الله تبارك وتعالى فيه حواء ، ومن ولد فيه كان مباركاً ميموناً .
  الثالث : يوم نحس فيه قتل هابيل قتله أخوه قابيل ( عليه اللعنة والعذاب السرمد ) ، ومن ولد فيه كان منحوساً ، وفي رواية أخرى : ( ومن ولد فيه كان مرزوقاً طويل العمر ).
  الرابع : يوم متوسط صالح لقضاء الحوائج فيه ولد هبة الله شيث ابن آدم ... ومن ولد فيه كان مباركاً .

عبقـرية مبكـرة لأطفالنا   ـ 130 ـ

  الخامس : يوم نحس فيه لعن إبليس وهاروت وماروت ... ومن ولد فيه كان مشؤوماً ثقيلاً عسير الرزق.
  السادس : يوم صالح ولد فيه نوح ( عليه السلام ) ، ومن ولد فيه كان مباركاً موسعاً عليه في حياته .
  السابع : يوم سعيد مبارك فيه ركب نوح ( عليه السلام ) السفينة ... ومن ولد فيه كان مباركاً ميموناً على نفسه وأبوه خفيف النجم موسعاً عيشه.
  الثامن : ومن ولد فيه كان متوسط الحال طويل العمر، ( إنه يوم مبارك ).
  التاسع : يوم صالح محمود فيه ولد سام بن نوح ( عليه السلام ) ، ومن ولد فيه يكون محبوباً مقبولاً عند الناس يطلب العلم ويعمل عمل الصالحين.
  العاشر : يوم محمود رفع الله فيه إدريس مكاناً علياً ... ومن ولد فيه كان مباركاً حليماً صالحاً عفيفاً .
  الحادي عشر : ومن ولد فيه كان مباركاً صالح التربية ( يكون مباركاً مرزوقاً في حياته طويل العمر ولا يفتقر أبداً ).
  الثاني عشر : يوم مبارك ... ومن ولد فيه كان عفيفاً ناسكاً صالحاً .
  الثالث عشر : يوم نحس ... ومن ولد فيه كان مشؤوماً عسير الرزق كثير الحقد نكر الخلق.
  الرابع عشر : يوم صالح ... ومن ولد فيه عاش سليماً سعيداً وكان في أموره مسدداً محموداً مرزوقاً .
  وفي رواية أخرى : ( من ولد فيه يكون في آخر عمره كثير المال يكون حسن الكمال مشغوفاً ( شدة الحب ) بطلب العلم ويعمر طويلاً ويكثر ماله في آخر عمره ويكون غشوماً ظلوماً ).

عبقـرية مبكـرة لأطفالنا   ـ 131 ـ

  الخامس عشر : ومن ولد فيه يكون ألتغ اللسان أو أخرس ، ( يوم المبارك ). وفي رواية أخرى : ( يوم محذور ).
  السادس عشر : يوم نحس رديء مذموم لا خير فيه ... ومن ولد فيه يكون مشؤوماً عسر التربية منحوساً في عيشه وفي رواية أخرى : ( ومن ولد فيه في صبيحته إلى الزوال كان مجنوناً ومن ولد فيه بعد الزوال أعمال صالحة ( يكون مخبلاً ) .
  السابع عشر : من ولد فيه كان مباركاً سعيداً في كل أمره.
  الثامن عشر : من ولد فيه كان حسن التربية محمود العيش.
  التاسع عشر : يوم مختار مبارك ... ومن ولد فيه كان ثانياً مباركاً مرزوقاً.
  العشرون : يوم جيد محمود صالح مسعود مبارك ... ومن ولد فيه كان طويل العمر ملكاً يملك بلداً أو ناحية منه.
  وفي رواية أخرى : ( يوم متوسط .. ومن ولد فيه عاش في صعوبة ).
  الحادي والعشرون : يوم نحس مذموم ... ومن ولد فيه كان ضيق العيش نكد الحياة ( ومن يولد فيه يكن محتاجاً فقيراً في أكثر أمره ودهره ).
  الثاني والعشرون : يوم سعيد مبارك ... من ولد فيه كان مباركاً ميموناً سعيداً.
  الثالث والعشرون : يوم سعيد ... ومن ولد فيه كان سعيداً وعاش عيشاً طيباً ( يكون مباركاً صالحاً ).
  الرابع والعشرون : يوم نحس مستمر ... ومن ولد فيه كان منحوساً ، وفي رواية أخرى : ( ولد فيه فرعون والمولود يقتل في آخر عمره إذا حرص على طلب الرزق أو يغرق ).

عبقـرية مبكـرة لأطفالنا   ـ 133 ـ

  الخامس والعشرون : يوم نحس مكروه ثقيل نكد ... ومن ولد فيه يكون ثقيل التربية نكد الحياة.
  السادس والعشرون : يوم صالح ... ومن ولد فيه كان متوسط الحال ، وفي رواية أخرى : ( المولود يطول عمره ).
  السابع والعشرون : يوم صاف مبارك من النحوس ، ومن ولد فيه كان مباركاً خفيف التربية ، ( إنه يكون طويل العمر كثير الخير ).
  الثامن والعشرون : يوم مبارك ... ومن ولد فيه يكون مباركاً خفيف التربية ، ( إنه يكون طويل العمر كثير الخير ).
  وفي رواية أخرى أنه يوم مبارك ... ومن ولد فيه يكون مباركاً مقيداً ( إن يعقوب ولد فيه ومن ولد فيه ، يكون محزوناً طويلاً عمره ويصيبه الغم ويبتلى في بدنه ).
  ( ومن يولد فيه يكون مرزوقاً محبباً إلى الناس وإلى أهله ، محسناً إليهم ، إلا أنه تصبيه الهموم والغموم ويبتلى في آخر عمره ولا يؤمن عليه من ذهاب بصره ).
  التاسع والعشرون : يوم مبارك ... ومن ولد فيه كان مباركاً ( الذي يولد فيه يكون حليماً ).
  الثلاثون : يوم مبارك مسعود ... ومن ولد فيه كان مباركاً ميموناً مقبلاً حسن التربية موسعاً عليه (1) .
  وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام) في خصوص من يولد في يوم الثلاثين :

**************************************************************
(1) مستدرك الوسائل : ج 8 ، ص 146.

عبقـرية مبكـرة لأطفالنا   ـ 134 ـ

  ( ومن ولد فيه يكون حكيماً حليماً صادقاً مباركاً مرتفعاً أمره ويعلو شأنه ، ويكون صادق اللسان صاحب وفاء ) (1).
  أقول أولاً : إن معنى السعادة والنحوسة بلحاظ الآثار الواقع فيها لا بخصوص نفس الأيام ، فاليوم بما هو أربع وعشرون ساعة لا نحس فيه ولا سعادة ، وكما قال الإمام علي ( عليه السلام) : ( كل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد ) ، وعلى هذا لقي الخير في أيامه والحوادث الحسنة ويتخلص من الشؤم والنحوسة ، كما قال آية الله مظاهري بالتوكل على الله وبواسطة الدعاء وقراءة القرآن والصدقة حتماً سيزول الحزن ، وانتهى كلامه على فرض وجودها.
  ويقسم العلماء سعادة الأيام ونحوستها على قسمين :
  القسم الأول : يقول بوجود سعادة وشقاوة مستدلاً بقوله تعالى : ( فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات ) (2).
  هذا في النحس.
  القسم الثاني : لا سعادة ولا شقاوة في الأيام.
  وذلك أولاً : لأن لحاظها بالآثار الواقعة فيها وهو ما ذهبنا إليه.
  ثانياً : قد يحصل في أيام النحوسة ولادة إمام طاهر مثل ميلاد الإمام علي ابن أبي طالب في الثالث عشر ، والحسين في الثالث من شعبان ، وزين العابدين في الخامس منه إلى غير ذلك. وهذا لا يدل على نحوستهم ـ والعياذ بالله ـ بل قد يظهر في واقع المصاب فرحة عظيمة تغطي نحوسة ذلك

**************************************************************
(1) مستدرك الوسائل : ج 8 ، ص 169.
(2) فصلت : آية 15.

عبقـرية مبكـرة لأطفالنا   ـ 135 ـ

  اليوم ، فمثلاً : قد يحدث أن شخصاً يركب سيارته ثم يحدث له حدث عظيم فهو عليه نحس وفي نفس الوقت يكون سعيداً لخروجه حياً من الموت المحقق فخروجه أنساه النحوسة.
  ثالثاً : مع تسليم وجود أيام سعادة وأيام نحوسة فإنه إرشاد الإمام ، وإن من يولد فيها يكون كذا أو كذا ما هو إلا إشارة إلى قابليته واستعداده لذلك ، وقد تقدم إيضاح ذلك في مقدمة النكاح فراجع .

عبقـرية مبكـرة لأطفالنا   ـ 136 ـ

الباب الثاني
تمهيد

عبقـرية مبكـرة لأطفالنا   ـ 137 ـ

مهيد
  قبل بلوغ الإنسان مرحلة الكمال والاعتماد على النفس والاستقلال عن الآخرين والتي تسمى بسن الرشد أي رشده وفقهه للحياة ، وكونه قادراً على مواجهة الحياة بما اكتسب من خبرة منها ـ نجده قد مر بمراحل حتى وصل إلى هذه المرحلة ( الرشد ) ، وعند النظر في هذه المرحلة نلاحظ لها خصوصيات ، ومقومات تقوم كل مرحلة على حدة ، بحيث إن كل فترة من الفترات لها آثار تختلف كلياً عما قبلها .
  فمثلاً نرى أن الحديث مع طفل لم يتجاوز الرابعة والخامسة من عمره يختلف عن الحديث مع من تجاوز ثلاث عشرة سنة وهكذا مع الشاب أو الرجل الكبير.
 منشأ هذه الاختلافات وجود الفوارق في المستويات والقابليات التي يحملها كل فرد من هذه الأنواع بحيث تؤثر على تصرفاته الخارجية.
  فنلاحظ مثلاً أن الطفل الصغير يروق له أن يستمع إلى القصص الخيالية ، والطفل الذي يتجاوز اثنتي عشرة سنة يرغب في قصص المغامرات ، والبالغ تشده القصص الغرامية ، والرجل الكبير يركن إلى التاريخية والواقعية .
  ووجود هذه التفاوتات راجع إلى التفاوت لكل فرد كل حسب مستوى عمره ، ولكي يكتب للتربية النجاح لابد أن نراعي هذه الاختلافات ، والتفاوت حتى نستطيع أن نتعامل مع كل مرحلة بما يوافقها من الاستعدادات ، وعند التأمل نجد الإنسان قد مر بثلاث مراحل حتى وصل إلى النضج والرشد ، وهذه المراحل هي :

عبقـرية مبكـرة لأطفالنا   ـ 138 ـ

  1 ـ مرحلة الطفولة الساذجة.
  2 ـ مرحلة الطفولة المميزة.
  3 ـ مرحلة النضج الفكري.
  وهذا الذي أشارت إليه الروايات حيث قسمت التربية ثلاثة أقسام ، لكل قسم طريقة خاصة يجب أن نسلكها ، تخالف التي غيرها وتكون مقدمة لما بعدها .
  قال الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ): ( الولد سيد سبع سنين ، وعبد سبع سنين ، ووزير سبع سنين ، فإن رضيت خلائقه لإحدى وعشرين ، وإلا فاضرب على جنبه فقد أعذرت إلى الله ).
  وفي رواية أخرى عن الصادق ( عليه السلام) قال : ( دع ابنك يلعب سبع سنين ، ويؤدب سبعاً ، والزمه نفسك سبع سنين ، فإن أفلح وإلا فإنه من لا خير فيه ).
  فالسبع الأولى من حياة الإنسان والتي تعد الطفولة الساذجة ، والسبع الثانية والتي تعد مرحلة التميز في حياة الطفل لها أحكام خاصة يلزم فيها الطفل ، والمرحلة الثالثة هي بلوغه النضج والإدراك ودخول حيز التكليف والخطاب الإلهي من إقامة الصلوات والصيام وكل الواجبات الشرعية تلزمه كما تلزم الرجل البالغ من العمر تسعين سنة ، لا فرق بينها إلا بالتجارب والخبرة وإلا من حيث القابليات فواحدة .
  ونحن سنحاول تناول هذه المراحل الثلاث ، وما يجب فيها حتى يكون الولد رجلاً كاملاً والبنت امرأة كاملة ناضجة .

عبقـرية مبكـرة لأطفالنا   ـ 139 ـ

الباب الثاني
الفصل الاول

عبقـرية مبكـرة لأطفالنا   ـ 141 ـ

مصادر الثقافة لدى الطفل
  عندما يخرج الطفل إلى الحياة الدنيا ويقبل على عالم مغاير لعالمه الذي كان فيه قبل مجيئه ، جاء إلى هذا العالم وهو لا يحمل من الإدراك ، أو الوعي شيئاً ، يخرج وهو جاهل بأبسط الأشياء غير أن غريزة الجوع تحثه على طلب الغذاء من ثدي أمه فقط وهذه غريزة لا معرفة ، فالله سبحانه وتعالى يقول : ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً ) (1).
  يأتي السؤال هل توجد طريقة مثلى لكي يتعلم الطفل المعارف والعلوم في مثل هذه السن ؟
  للجواب عن هذا السؤال نقول : هناك طرق ، من ابرزها طريقان :
  الطريق الأول : التقليد :
  والتقليد حقيقة في محاكاة فعل الغير وتصرفاته سواء كان عن وعي لهذا التقليد أو لا ، صادر عن تعظيم المقلد وإجلاله أو غير ذلك .
  وفي هذه المرحلة والتي يكون الطفل فيها في مرحلة السذاجة يقوم بتقليد والديه بشكل خاص ، والمحيطين به بصورة عامة في تصرفاتهم التي يراها منهم ، بحيث يصب الطفل في هذه الفترة جل اهتمامه على مراقبة حركات وسلوك المحيطين به بشكل دقيق .
  اختلف العلماء في تحديد مقدار بداية تقليد الطفل لوالديه ، فمنهم من يقول : بعد ثلاثة أشهر من الولادة : ومنهم من يقول : بعد أشهر أو سنة .

**************************************************************
(1) النحل : 16.

عبقـرية مبكـرة لأطفالنا   ـ 142 ـ

  ولكن هناك نظرية تقول : إن الطفل يبدأ تقليده بعد ستة وثلاثين ساعة بعد الولادة ، حيث قام الأطباء بجامعة ميامي الأمريكية بإجراء تجربة على مجموعة كبيرة من الأطفال حديثي الولادة أثبتت أن الطفل لديه قدرة كلية على التحكم في عضلات وجهه ، والتقليد في سن مبكرة تبدأ بعد ست وثلاثين ساعة من ولادته ، كما أن ضحك الطفل ليس لأنه يشعر بالسعادة ، وإنما يقلد التعبيرات المرسومة على وجه أمه ، والدليل على ذلك أنه يرسم التكشيرة على وجهه لو كان التعبير على وجه الأم غير سعيد .
  وقد قام الأطباء بمواجهة مجموة من الأطفال بممثلات قمن بعمل تعبيرات مختلفة بعضلات الوجه قلدها الأطفال ، وانتقلوا من تعبير السعادة للحزن والاندهاش بسرعة ، وأكد الأطباء أن هذه التعبيرات يتعلمها الطفل في سن مبكرة ، وتكون بدون معنى على أنها تأخذ المعنى فيما بعد (1).
  وكيفما كان سواء بدأ التقليد عند ست وثلاثين ساعة ، أو بعد ولادته أو بعد أشهر قلائل ، فإن أثر هذه الأفعال الخارجية تنطبع في ذهن الطفل ، وفي مركز اللاوعي ، وحتى إذا بدأ يشعر ويفهم معاني الأمور تظهر عليه ثقافته وتأثره بالأمور بلا شعور .
  ومن الطريف الذي نقله الشيخ مظاهري في أحد كتبه هذه القصة يقول :
  ( في حكاية جرت إبان الحرب العالمية الثانية في أثناء الاحتلال الألماني لفرنسا ، إن امرأة احتاجت إلى جراحة في رأسها ، وفي أثناء العملية الجراحية أصاب مبضع الجراح شرياناً في دماغها ، وإذا سيطر عليها المخدر أخذت تقرأ النشيد الألماني، فلما أصاب المبضع ذلك الشريان من دماغها سكتت عن قراءة النشيد .

**************************************************************
(1) اطفالنا ومشاكلهم الصحية : ص 221.

عبقـرية مبكـرة لأطفالنا   ـ 143 ـ

  وللمرة الثانية ضرب الجراح هذا الشريان بمبضعة فعادت لقراءة النشيد الألماني ، فتحير الأطباء من هذا الأمر ، وبعد ذهاب تأثير المخدر منها ازداد تعجب الأطباء من عدم معرفتها باللغة الألمانية ، وعدم قدرتها على ذلك أبداً .
  وللتحقق من هذه الظاهرة ودوافعها اجتمع عدد من الأطباء ، وعلماء النفس للتحقيق في هذا الأمر ، وبعد المطالعات الكثيرة ، والمضنية توصلوا إلى أن هذه المرأة وعندما كانت طفلة وحين هجوم الجيش الألماني على المنزل الذي كانت تعيش فيه كان الجنود اثناء الهجوم يرددون النشيد الألماني فأثر على دماغها ، وترك أثره على شريان الذهن ليبقى ذكرى خالدة ).
  ومما يعضد ذلك ويقويه ( أن الطفل يتأثر بما يراه ويشاهده ويبقى ذلك إلى فترة طويلة من عمره ) ما روي عن علي ( عليه السلام ) قال : ( نهى الرسول من أن يجامع الرجل امراته والصبي في المهد ينظر إليهما ).
  وفي رواية قال الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ): ( والذي نفسي بيده لو أن رجلاً غشى أمراته وفي البيت صبي مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما أو نفسيهما ما أفلح أبداً إن كان غلاما كان زانياً أو جارية كانت زانية ).
  إلى غير تلك من الروايات التي تشير إلى أن الطفل سواء كان في المهد ، أو تعدى عن طوره ، فإن الأحداث تؤثر على الطفل وتبقى تشكل أثراً في مسيرة حياته .
  لذا يستطيع أن يستفيد المربون ، أو الوالدان من هذه الصفة في الوليد بأن يعلموه ما يريدون أن يعرفه من خلال تصرفاتهما أمامه ، فهو يحاكي تصرفاتهم ويقلدهم ، فأنت إذا أردت أن يتعلم ولدك القراءة ويحبها مثلاً يجب عليك أن تمسك أمامه كتاباً وتقرأ ، وهو سيحاول أن يقلدك ويأخذ كتاباً يعبث به لأنه يريد أن يستكشف الشيء الذي جذب اهتمامك وتفكيرك ، وأنت بهذه

عبقـرية مبكـرة لأطفالنا   ـ 144 ـ

  الطريق لا تحتاج أن تلقي عليه محاضرات في أهمية القراءة والكتاب ، وهكذا كل فكرة تحب أن تغرسها في ذهن أطفالك ، فما عليك إلا أن تظهرها لهم بشكل تجذبهم إلى أن يقلدوك ويتعلقوا بهذا الشيء الذي تعلقت أنت به .
  ومن الطريف أن والد السيد محمد حسين الطباطبائي علم الهدى لاحظ أن ولده يردد الآيات التي كانت أمه تقرأها يومياً ، وعندها سعى والده أن ينمي في ولده هذه الصفة ( حفظ القرآن ) حتى بلغ ست سنوات وهو يحفظ كل القرآن.
  فإن الطريقة التي اتبعها السيد في تعليم ولده على صغره ليس الجبر ، بل إشباع رغبته وفضوله في التعلم ، وترديد ما تقوله الأم من كلمات ، توجد مقالة تقول ( أولاد العلماء نصف علماء ) وذلك لأنهم يقلدون آباءهم في تصرفاتهم ، والجو العلمي مهيأ أمامهم ، بخلاف الكثيرين الذين يريدون من أبنائهم أن يتعلموا أشياء ، أو يبدعوا في أشياء وهم فاقدون هذه الصفة ، أو الصفات ، فبيت يخلو من الكتاب كيف يتعلق أبناؤه بالكتاب ؟
  لذا أول طريق تعليم الطفل هو إظهارك الأمور التي يجب أن يعملها أو يتعلمها الطفل أمامه وبشكل مستمر حتى ترسخ هذه الأمور في ذهنه .
  ومن أروع الصور التي يحفظها التاريخ هي تلك الحادثة التي كانت فيها بنت الإمام الحسين ( عليه السلام) بطلة القضية حينما حان وقت الصلاة أخذت سجادة الصلاة ، وفرشتها أمام القبلة وجلست تنتظر أباها الحسين ( عليه السلام ) لكي يصلي ولما تأخر الحسين عن المجيء إلى مصلاه ، تساءلت بنت الحسين عن سر تأخر أبيها عن الصلاة ، فليست هذه عادته فإن الحسين عودها أن يصلي أول الوقت ، وأن تهيئ له سجادة وهذه المرة خلاف المعتاد ، نعم ، كانت هذه الحادثة في خربة الشام بعد مقتل الحسين على يد عدو الله يزيد بن معاوية عليه لعنة الله ورسوله وملائكته والناس أجمعين إلى قيام يوم الدين ، وعلماء

عبقـرية مبكـرة لأطفالنا   ـ 145 ـ

  النفس يقولون : إن تقليد الطفل يشتد عند بلوغه الثالثة حتى السابعة من عمره ثم يقل تقليده شيئاً فشيئاً .
  ولهذا يجب أن يبعد الطفل عن كل مظهر سيء أو كل الأفراد السيئين حتى لا يتأثر ولتراع وهذه المسألة بما تستحق من الأهمية.
  الطريق الثاني : الاستكشاف للعالم الخارجي :
  أ ـ ما يكون الاستكشاف لكل الأطفال على حد سواء .
  إن مصادر الثقافة عند البشر تعتمد على أساسيات الحواس الخمس ، فهي المحرك الأول للثقافة عنده ، فالعلم بالمبصرات ومعرفة حقيقة الألوان تتوقف على النظر إليها ومشاهدتها وهكذا باقي المعارف ، لذلك قيل : ( من فقد حساً فقد علماً ).
  والطفل الحديث الولادة يتعامل مع الأمور الخارجية من خلال تفاعله مع هذه الحواس ، وما يؤثر فيها سلباً أو إيجاباً.
  في بداية تعرفه على العالم يبدأ الطفل من خلال حاستين السمع والبصر ، فهو يحتاج إلى تقوية هاتين الحاستين من خلال عدة أمور ، وقد ذكرنا منها الموسيقى على رأي ابن سينا ، وكل صوت ناعم يشكل أراجيز وأشعاراً مصغرة بشكل جميل تطرق مسامع الطفل فترهف نفسه ، وتحسن روحه لهذه النغمات الهادئة ، وكذلك حاسة الإبصار حيث ينظر إلى الوجود ، وإلى الصور وإلى الأشياء المختلفة : فيحاول التعرف عليها لذلك يبتسم لها ويفرح لفرحها ويحزن لحزنها سواء كان تقليداً لما يراه كما قلنا ، أو تقمصه حقيقة ما يقلد وهذا في حد ذاته قدرة على التعامل مع الظواهر الخارجية له .
  وهكذا يبقى حاله حتى ثلاثة أشهر حيث يكتشف عضواً آخر من جسده ، وهي يده فيقوم بمصها كأسلوب لمعرفتها جيداً.

عبقـرية مبكـرة لأطفالنا   ـ 146 ـ

  ويحدق فيها في الفترة التي يكون فيها في حالة اليقظة ، ويلاحظ حركتها ويلفت انتباه هذا الحدث عنده ، ومن خلال يده يحاول التوصل إلى الأشياء القريبة منه ، وهذه الخطوة تعد أول خطوات نمو القدرة والذكاء حيث تنمي عنده حاسة البصر ، وقوة التركيز على الأمور القريبة منها ، فهو ينظر لها بشيء من الإرادة.
  ويمكننا القول إنه يتعرف على كل الأمور بالشكل المتاح له ، والذي يستطيع أن يفعله ، وهذه الملاحظة تعد المحور الأساسي في عملية متابعة حركة النمو عند الطفل ، فبلحاظ كل فترة زمنية له خصوصية تؤثر فيها بعض الأمور ، وتقيم على حسب حاله ، تختلف عنها في الفترة الأخرى : فقد يكون في المرحلة المتقدمة يعد متطوراً ولكن بلحاظ المرحلة الثانية يعد متخلفاً : فمثلاً عندما يعزم طفل بلغ من العمر ست شهور على أخذ شيء ملقى على وجه الأرض هذا الفعل بالنسبة للإنسان الذي يفوق هذا العمر يجد هذا الفعل لا يدل على شيء من الذكاء أو المقدرة : فهذا أمر عادي جداً ، ولكن بالنسبة لهذا الطفل يعد شيئاً رائعاً ويدل على ذكاء وقدرة عالية عند الطفل ، لأنه يظهر قدراً كافياً من التنسيق في سلوكه فعليه عدة أمور حتى يحصل على الشيء الذي يريده وهي :
  أولاً : عليه أن يحدد مكان الشيء من خلال عملية الإبصار قبل أن يصل إليه ويتناوله .
  ثانياً : يقوم بمد يده بسرعة وبدقة إلى مكان تواجد هذا الشيء.
  ثالثاً : ويقوم بطريق تدل على قدرة من النضج ، وقبل أن يصل إلى ذلك الشيء يقوم إما بفتح يد أصابعه وإما يطبقها للمسك بهذا الشيء.
  رابعاً : وعندما يمسك ذلك الشيء يقوم بأكثر من عمل ، كأن يحدق فيه ويقوم بتحريكه إلى الأمام ، أو إلى الخلف ويقلبه لكي يحصل على أكبر من لقطة له ، وليتعرف عليه من خلال زوايا متعددة .

عبقـرية مبكـرة لأطفالنا   ـ 147 ـ

  إلى غير ذلك من الأدلة التي أثبتتها تجارب العالم السويسري ( جين بياجه ). وهكذا يستمر نمو الطفل حتى يصل إلى مرحلة من خلالها يتفاعل ببعض الأمور المحاط بها.
  وهذه المعارف تحصل لكل الأطفال بشكل قهري ما لم يكن هناك عيب خلقي كالتشوه ، أو تخلف لا سمح الله، والأطفال في ذلك كلهم متساوون في هذه المعارف والعلوم .
  بـ ـ ما يكون الاستكشاف فيه متفاوتاً ( اللعب ) :
  ما يقال عنه لعباً في هذه الفترة هو في الحقيقة ليس باللعب. بل هو ضرب من ضروب التعرف ونوع من أنواع الاكتشافات التي تعد اللبنة الأولى لكل إنسان في فترة طفولته ، وتتفاوت المقدرة والذكاء من شخص إلى آخر بلحاظ هذه الفترة ومقدار الاستفادة التي استفاد منها في طفولته .
  فبعد أن يعي الطفل ويؤتى من القدرة ما يجعله يتعامل مع الواقع الخارجي ينبثق بروح عالية ، ونفس متطلعة نحو كشف المجهول الذي يراه أمامه ، فيقدم عليه بكل ثقة واطمئنان لكي يلمس هذا ، أو يتذوق ذاك يحدق في هذه ، أو يرفع تلك ، جاهلاً بالأخطار التي تجلبها هذه الأمور.
  فهو في حركة للمعرفة والتي تتشكل بأشكال مختلفة سماها الآخرون لعباً ، أو تخريباً أو مشغبة ونحوه. ونحن سنحاول التعرض إلى هذه المسائل بعدة نقاط :
  النقطة الأولى : اللعب حاجة روحية للطفل :
  إن اللعب يشكل جزءاً كبيراً من حياة الطفل إذا لم نقل إنه يشكلها كلها ، فباللعب يعقل شخصيته ويبلورها ، فلا تتحقق الطفولة إلا به كما لا يتحقق العرس إلا بالفرح ، ولو فرضنا أن عرساً أقيم من غير فرح فإنه عرس ناقص ، وكذلك

عبقـرية مبكـرة لأطفالنا   ـ 148 ـ

  الطفولة إذا لم يكن فيها لعب ومرح فهي طفولة ناقصة محكوم عليها بالبتر والتشوه ، لذلك نجد الإسلام يركز على هذا الجانب ، ويأمر الوالدين أن يدعا أبناءهما في اللعب لمدة سبع سنوات أو ست سنوات كما جاءت به بعض الروايات.
  وكثيراً ما يخطئ بعض المربين والآباء في تقليل مدة اللعب ( سبع سنوات ) وملئها بالحياة الجدية ، والسعي لأن يكون الطفل في حالة التقدم العلمي والرقي ، فينقص التكامل الروحي للطفل على حساب التفوق العلمي ، يقول بيرتون وايت : ( وما نريد أن نوضحه هو تحذير المربين من التركيز على النبوغ دون الاهتمام بالنمو الجيد لأننا غالباً ما نحصل على التفوق العقلي على حساب كثير من المظاهر التي تساوي النبوغ في الأهمية ) (1).
  وهذا الذي تؤكده التجارب حيث أقيم على بعض الأطفال المتفوقين في الجوانب المعلوماتية أنهم غير سعداء وغير راضين عن أنفسهم وعن تعامل الآخرين معهم : فهم كالشخص الذي يعاني من شدة الجوع ويكابده وأنت تريد أن تلقي عليه محاضرة ما ، أو عن التضحية فمثل هذا الشخص لن يعي منك كلمة واحدة لأن ما هو فيه ، وما حرم منه يجعله لا يفكر إلا في الشيء الذي حرم منه ، وهذا حال الطفل الذي منع عن اللعب : فيبقى هذا الحرمان حسرة في قلبه مما يؤدي ذلك إلى توقف عقله عن التفكير المطلوب.
  لذلك دع ابنك يلعب سبعاً ، أو خل عنه سبعاً حتى يشبع من اللعب ويعود إليك يكتسب المعارف بطريقة أخرى.
  النقطة الثانية : اللعب ميدان الاستكشاف :
  عندما نضع طفلاً في مكان فماذا يا ترى سيفعل ؟

**************************************************************
(1) الطفل من ثلاث سنوات : ص 201.

عبقـرية مبكـرة لأطفالنا   ـ 149 ـ

  إن الطفل الذي قد يشكل لك إحراجاً عندما تكون مدعوا في منزل صديق لك ، أو في مكتب أو أي مكان فهو في حقيقة تصرفه لا يعمل إلا ما هو مطلوب منه ، وذلك لأن من خلال حركته نحو التليفون ، أو التفاز ، أو الطاولة ، أو نحو الباب أو غير ذلك فهو يتجه نحو اكتشاف هذه الأشياء الجديدة في عالمه ، وقد ذكرنا سابقاً كيف يكون مقدار الذكاء عند وصل الطفل إلى الشيء الذي يقع تحت نظره من تركيز وإرادة للحصول عليه ، وأما الطفل في هذه الفترة فإنه في عملية الاستكشاف قد يقف شيء حاجزاً له عن الوصول إلى فضوله. فهو عند ذلك يتحرك لتخلص من هذا العائق بطريقته التفكير في عدة بدائل واختيار أحسن الطرق توصله إلى الشيء الذي يريده : فهو الذي اطلق عليه بياجه الذكاء ( الحس الحركي ) .
  فهو في هذه المرحلة أصبح مفكراً : لأنه تحول من حل المشكلات من خلال العمل أي المحاولات المتكررة إلى محاولة حلها من خلال التفكير ، وهو بهذا ساعد على تطور ذكائه ومقدرته الفكرية .
  فهو في حركته الطويلة لانتقاله من هذا المكان إلى ذلك المكان يشبع رغبته وفضوله نحو الاستكشاف : فيقوم برفع الأشياء ووضعها ويغلق الأبواب وفتحها فيسمع الأصوات التي تصدر منها ويلتذ بمشاهدة هذه الأشياء الغريبة عنه .
  فهو عندما يطلق له العنان أو يراقب عن كثب يتولد لديه من هذا العمل الذي يزاوله تعميق دافع حب الاستطلاع ، وتنمية ذكائه بشكل كبير مما يساعد في صقل شخصيته ، وتزويدها بالخبرات اللازمة له عن المحيط الذي يعيشه ويتعامل معه ، فالطفل الذي تلسعه المدفئة بحرارتها فإنه يتعلم من هذه اللسعة أن هذا الجهاز مؤذي بالنسبة له ، وهذه أفضل طريقة لتعلميه ، وإنك لو ألقيت عليه آلاف المحاضرات عن ضرر الاقتراب من المدفئة ، فإنه

عبقـرية مبكـرة لأطفالنا   ـ 150 ـ

  لا يفهم ذلك ولسعة واحدة تكفيه. فهو عندما يتقدم بالقرب منها تجده ينظر إليك ويقول : آح ! مثلاً :
  لذلك ينصح علماء التربية بعدم وضع الأطفال في الحابسة التي يوضع فيها مع بعض الألعاب ، فإن ذلك يوثر سلباً على نفسيته وعلى حب الاستطلاع ، ومما يؤدي إلى إعاقة الأسلوب التربوي له في هذه الفترة وهي الاكتشاف للبيئة والمحيط الخارجي.
  النقطة الثالثة : القدرة على التحليل والتوقع :
  الطفل الذي يجعل البيت والبيئة ساحة لعب له ، ويقوم بالاستكشاف يتطور ذكاؤه ، وذلك عبر حركته الدؤوبة في فتح الأشياء وغلقها ورميها وإحداثها للأصوات إلى غير ذلك من الآثار ، يقوم الطفل في أثناء لعبه بملاحظة تلك أي الآثار التي تنشأ من لعبه فيقوم بالربط بينها ، فهو عندما يلعب بمفتاح النور : ( المصباح الكهربائي ) فعندما يرفعه تضاء الغرفة وعندما ينزل الزر يطفأ النور، فيقوم ويكرر العملية مرات بحيث يرسخ في ذهنه أن سبب الإضاءة هو رفع مفتاح النور ، وسبب الظلام هو إنزال مفتاح النور.
  فهو من خلال لعبه يتعرف على نتائج فعله ويسعد بهذا الإنجاز والاكتشاف ، لذا نجده يكرر الأفعال كثيراً حتى تستقر نفسه إلى التعليل الذي توصل إليه ، بل يرقى إلى مدارك أن يتوقع ماذا سيحدث لو فعل شيئاً معيناً ، وذلك بعد قدرته على التعليل : فإننا نلاحظ أن الطفل عندما يتصرف بتصرف معين كالبكاء للحصول على شيء معين من قبل والديه ، ويجد أن والديه قد استجابا لهذا الفعل بهذه الطريق ، فإنه يتوقع حدوث الشيء الذي يريده بالبكاء : لأنه جربه أكثر من مرة فنفع عنده ، لذلك لا يبكي عندما لا يجد استجابة من والديه بل يفكر في طريقة أخرى لجلب انتباههما.