2 ـ قام نفر من رجال التربية بوضع أساسيات التعليم والعمل بها وهم ( كلباتريك ، وكولنجز ، وستفنسون ، والفيلسوف جون ديوي ) ، وتقوم فكرتهم على أساس إنشاء وحدة نشاط يقوم المتعلم في محيط يشبه محيطه الاجتماعي وظروف شبهة تماماً بظروف الحياة ، وله غرض محدد وهدف يجب تحقيقه من وراء هذا النشاط.
والغاية من ذلك إثارة فضول الطفل نحو أشياء معينة من محيطه يقام تعريفه بهذا الشيء ، كما يعتمد هذا الأسلوب على كون المتعلم له كامل الحرية.
والخلاصة : هذه المدرسة تريد أن تجعل المدرسة عبارة عن الحياة نفسها وليس إعداداً لها .
وهذه المدرسة تعتمد على الإجابة على فضول الطفل عن البيئة الخارجية ، والشيء الذي قامت به فقط هو التوجيه الصحيح من إشباع فضول الطفل فقط ، أما فضوله وحب الاستطلاع فناتج عن البيئة الخارجية التي يلعب فيها الطفل ، فبلعبه يحتك مع الأشياء ويتعرف عليها ، وقد تقدم أن التصابي مع الولد يعطيه التوجيه الصحيح للمعرفة وإشباع فضوله .
3 ـ قامت مربية إيطالية بإنشاء مدرسة أسمتها ( بيوت الأطفال ) واعتمدت في تعليمها على عدة نقاط :
أ ـ توفير الجو المدرسي الفني بالوسائل الشيقة القادرة على إثارة اهتمام الطفل ( وهذا الذي يخلقه اللعب في نفسية الطفل ) .
بـ ـ يتمتع الطفل بقدر كبير من الحرية إذ لا يفرض عليه أي عمل لا يرغب فيه .
( حتى لا يصاب بالإحباط أو الملل مما يؤدي إلى عدم تعلمه الشيء الذي يراد تعليمه ) .
عبقـرية مبكـرة
لأطفالنا
ـ 164 ـ
ج ـ أهمية اللعب ليس لمجرد تمضية الوقت بل للتعليم عن طريق اللعب .
د ـ التركيز على الفروقات الفردية القائمة بين الأطفال .
هـ ـ ليس النظام مشكلة بحد ذاته في المدرسة فرغبة الأطفال هي المهمة .
و ـ تربية الحواس هي في أساسيات اهتمام مدرستها .
ونحن عندما نتأمل نجد أن هذه النقاط المراد منها خلق جو مرح ليس فيه تقييد لحرية الأطفال مما يساعدهم على التعليم ، وهذا الذي نجده في اللعب تماماً ، والفارق الوحيد هو التوجيه أي الحاجة إلى الموجة للإجابة على أسئلة الأطفال.
4 ـ استفاد دالتون من تجربة مدرسة ريفية في الولايات المتحدة ، حيث كانت تدرس أربعين طالباً موزعين على ثمانية صفوف وكانت هي المعلمة الوحيدة : فكانت تشرح الدرس وتراقب باقي الفصول فكان عليها أن تجد عملاً يشغل بقية الطلاب عن الفوضى ، فحولت المدرسة إلى مختبر ، أو معامل تربوية يشغل الطلاب بدلاً من الروتين .
فاستفاد دالتون وجعل طريقة التعليم عنده تعتمد على الحرية والتعاون وتحمل المسؤولية .
أقول : وهذا الشيء ما يولده اللعب الجماعي مع بقية الأطفال ، حيث يلعبون بكامل حريتهم مع التعاون القائم بينهم لنجاح اللعب ، وهو في حد ذاته تحمل المسؤولية .
ومهما يكن من أمر سواء اعتمد النظام المدرسي نظام الفروقات بين الأطفال ، كما أوصى به المربي ( أكوزينبيه ) من الاتجاه الفرنسي ، أو تركز على الاهتمام على موضوع مشترك بين التلاميذ كما اقترح دوكر ولي ، أو
عبقـرية مبكـرة
لأطفالنا
ـ 165 ـ
استهدف القيام بعمل جماعي كالمطبعة في بعض المدارس الفرنسية ، أو كان العمل المدرسي جزءاً من بنية اجتماعية كما في المدارس التعاونية اليوغوسلافية ، أو حتى المدرسة والأسرة التي ينتمي إليها التلاميذ ، والوسط الاجتماعي الذي يكتنفهم على المساهمة في العمل التربوي كما يحصل في مدارس الصين الشعبية الجماعية ، فإن الهدف التربوي يبقى هو الوصول إلى أفضل حالات اندماج الفرد بالجماعة ، وهذا ما يحققه اللعب الجماعي بين الأطفال كما تقدم علاوة على الفوائد التي يقدمها اللعب ، والتي لا يحتاج إلى إعدادها، ومن خلال هذا البحث نقول أخيراً للآباء الذين يريدون أن يقحموا أبناءهم في المدارس والتعليم الإجباري أن يقوموا هم بتعليمهم ، وملاحظتهم وتشجيعهم من خلال مراقبة لعب الأطفال سواء كانت على شكل فرادي أو جماعي .
ومن هنا نعرف السر الذي أولاه الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم )وأهل بيته للعب الذي يمارسه الأطفال .
عبقـرية مبكـرة
لأطفالنا
ـ 167 ـ
الباب الثاني
الفصل الثالث
عبقـرية مبكـرة
لأطفالنا
ـ 169 ـ
طريقة توجيه الخطاب إلى الطفل
إن الأوامر التي يراد توجيهها إلى الطفل لابد أن تحمل في داخلها مصالح يراد من خلالها إفادة المأمور به ، أو مفاسد يراد تجنبها إلى المنهي عنه ، فعليه لابد أن تكون الأوامر الموجهة إلى الطفل ذات أهمية ، وغير عبثية حتى تعود على الطفل بالمنفعة له وللآخرين .
وهذه الأمور أو النواهي يجب أن تكون قابلة لتعقل الطفل وإلى عالمه البسيط ، حتى يستطيع أن يتفاعل مع هذه الأوامر ، ومن المهم قبل أن نوجه الأمر إلى الطفل ـ وخصوصاً في النواهي والزجر ـ أن يرفع أساس هذا الأمر حتى لا يعود على نفسية الطفل بالإحباط والسلب ، فمثلاً عندما تريد أن تنهى طفلك عن العبث بالكتاب يجب عليك من الأول أن تزيل عن عينيه الكتاب حتى لا يعبث به ، ومن خلال ذلك توفر عليك توجيه الخطاب إلى الطفل .
ويشير ابن سينا إلى هذا المطلب في كتابه ( القانون ) يقول : ( يجب أن يكون وكد العناية مصروفاً إلى مراعاة أخلاق الصبي ، فيعدل وذلك بأن يحفظ كيلا يعرض له غضب شديد أو خوف شديد أو غم سهر ، وذلك بأن يتأمل كل وقت ما الذي يشتهيه ويحن إليه فيقرب إليه وما الذي يكرهه فينحى عن وجهه ، وفي ذلك منفعتان أحدهما في نفسه بأن ينشأ من الطفولة حسن الأخلاق ، ويصير ذلك له ملكة لازمة ، والثانية لبدنه فإنه كما أن الأخلاق الرديئة تابعة لأنواع سوء المزاج فكذلك إذا حدثت عن العادة استنبعث سوء المزاج المناسب لها ، فإن الغضب يسخن جداً ، والغم يجفف جداً ، والبليد يرخي القوة النفسانية وتميل بالمزاج البلغمية ففي تعديل الأخلاقية حفظ للنفس والبدن جميعاً معاً ) ج 1 ، ص 157 .
عبقـرية مبكـرة
لأطفالنا
ـ 170 ـ
أقول : قد يقول شخص إن إعطاء الولد كل ما يريد قد يفسد أخلاقه ويجعله مايعاً ، أو من أين يمكن تنفيذ كل ما يرغب إليه الولد خصوصاً إذا كانت إمكانية الوالدين محدودة ؟
الجواب قلت : إن الطلب والرغبة متفرعة على المعرفة ، والعلم به وعند الجهل بها لا يمكن طلبها ، لذا يسعى أن لا يطلع الطفل على الأشياء التي يجب أن لا يحصل عليها ، فالطفل الذي يعيش في الصحراء مثلاً لا يشتاق إلى الشوكلاته فضلاً عن عدم معرفته بها ، هكذا نستطيع أن نتحكم في ميولات ورغبات الطفل من خلال رفعه من أمامه قبل مشاهدته حتى لا يطلبه .
كما أنه من البديهي أن الطفل لأن يحصل على كل ما يريد بل التوازن بين القبول والرفض ، بين العطاء والمنع حتى لا يحدث تفريط ولا إفراط .
وإذا تقرر هذا نقول : يجب أن يكون في طريقة الأمر أو النهي عدة أمور :
الأمر الأول : توجيه الأمر أو النهي بشكل فيه الأدب والاحترام لشخصية الطفل ، كأن يقول له : ( من فضلك ارفع المنديل ) وهكذا ، أو بنبرة لا حدة فيها حتى لا يحس بالإهانة أو التحقير فضلاً عن عدم الأمر بصور التقريع أو الشتم .
الأمر الثاني : أن يقرن الأمر أو النهي بتعليل بسيط الذي دعا لإيجاد الأمر حتى يكون الباعث إليه أشد وأقوى ، بخلاف الأمر المجرد والذي يصدر إليه ويحس أنه مطالب به من غير معرفة ولماذا ؟
كأن نقول له : ( لا تقترب من الإبريق فإنه حار جداً ) فقد يتعقل الأمر والتعليل معاً ، وقد يحدوه الفضول وعدم التعقل إلى التجري والمخالفة من غير معرفة الآثار التي ستحدث له ، وقد يكون ترك الطفل لكي يخالف بعض الأوامر فيها إيجاب بشرط أن لا يكون ضررها أكثر من النفع ، ففي مثالنا
عبقـرية مبكـرة
لأطفالنا
ـ 171 ـ
السابق قد يقدم على لمس الإبريق فيلسعه ومنها يتعقل معنى الحرارة وأثر المخالفة، وعليه فإنه يستحيل أن يلمس إبريقاً آخر ما لم يتأكد من أنه غير حار .
الأمر الثالث : تطبيق الأمور التي يلزم بها الطفل سواء كانت سلباً أو إيجاباً ولو ظاهراً أمامه ، لأنه لا يفرق بين كونه صغيراً أو كبيراً : فعندما تقول له ، : قم إلى النوم وأنتم تشاهدون التلفاز ، فإنه لا يفهم أنه صغير أو يلزمه النوم مبكراً حتى يذهب إلى المدرسة ، فإنه عندما يرى الكبار ، أو يراك لم تذهب إلى النوم فلن يذهب بل حتى لو ذهب لكان في نفسه شيء من هذا الأمر .
لذا طبق ما تقوله له حتى يقتدي بك .
الأمر الرابع : حبب إلى الطفل ما تريد أن تأمره به ، وهذا الأمر من فنون توجيه الخطاب ليس إلى الطفل أو الصغير فحسب بل حتى الكبير يجب أن تصور له الفائدة التي سيحصل عليها من خلال استجابته للأمر : كأن تصور له أن من يفعل هذا الفعل يكون ولداً محبوباً ، أو ذكياً كأن تقول له : الولد المؤدب هو الذي لا يعمل الفوضى عند مجيء الضيوف مثلاً .
وبإمكانك أيضاً أن تقدم له الإغراءات من أجل استجابته للأمر ، كأن تقول له : إذا عملت واجباتك المدرسية سآخذك في نزهة قصيرة ، أو أشتري لك هدية وهكذا حتى يكون الباعث له للاستجابة قوياً .
الأمر الخامس : مراعاة قدرة الطفل على تنفيذ المأمور به أي ملاحظة قابلية البدنية والنفسية للاستجابة للأمر والانبعاث نحو تنفيذه : فلا يمكن قبول توجيه أمر لطفل لا يتجاوز عمره السابعة أو الثامنة من عمره في تحمل أعباء تنظيف البيت مثلاً ، وخير ما قيل : ( إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع ) .
عبقـرية مبكـرة
لأطفالنا
ـ 172 ـ
الأمر السادس : توجيه النقد للعمل وليس للطفل بعد أن يتصرف الولد بتصرف غير لائق في الخطوة الأولى والتي تسبق عملية العقاب هو أن نوجه النقد للعمل الذي قام به ، كأن نقول : هذا العمل غير جيد ، أو الولد المؤدب لا يفعل هذا .
وفائدة ذلك أن يحافظ على شخصية الطفل وكرامته أمام نفسه ، فهو ما زال مؤدباً وطفلاً جيداً ، ولكن هذا الفعل الذي صدر منه ليس من سجيته أو تعمده بل وقع خطأ واشتباهاً فيكون تغيره بالنسبة إليه أمراً سهلاً .
الأمر السابع : توخي توجيه اللوم أو النقد للطفل وإرجاعه إلى نقطة إيجابية فيه : فإن من شأن ذلك أن يجعل الطفل يتهرب من النقد بواسطة نفي النقطة الإيجابية التي يتحلى بها ، وشيئاً فشيئاً قد تؤثر عليه سلباً كأن يقول لطفل : أنت تعتقد أنك ذكي فلماذا لم تحفظ هذا الشيء أو القصيدة ؟ مثلاً فيحاول في رفع اللوم عنه بأن يقول : أنا لست ذكياً فتؤثر عليه سلباً .
الأمر الثامن : أن يكافأ الولد على الاستجابة ، أو يعاقب عند المخالفة بصورة فورية ، بحيث إن أحسن في فعله ورأى أثر هذا الفعل قد عاد عليه بالمنفعة تشتاق نفسه إلى هذا العمل لشوقها إلى العطاء الذي ناله ، نعم ، يشير علماء التربية إلى أن إهداء الطفل على شكل فترات متقطعة خير من إهدائه شيئاً دفعة واحدة : فإعطاؤك الطفل خمس بلونات في أوقات متفرقة يجعله يشعر بأنه محبوب جداً وتجدد له السعادة أيضاً ، بخلاف العكس .
وكذا العقاب على مخالفته الأوامر التي توجه إليه مع الملاحظة أن هذا العقاب مجرد تأديب لا تشفي ، أو إطفاء غضب ، ومن هنا تعلم ما معنى قول
عبقـرية مبكـرة
لأطفالنا
ـ 173 ـ
أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : ( ضربكم لأولادكم مثل السماد للزرع فإن زاد أو نقص أفسد ) .
ومن الضروري أن لا يقوم بتأديبه أو ضربه أحد غير الوالدين وذلك حتى لا يحس الولد أنه حقير أو ذليل ، أو تنشأ عنده عقدة نفسية من جراء ذلك فتذهب شخصيته واحترامه لنفسه ، فإن العزيز لا يرضى أن يهان أو يحقر بأي صورة أو شكل وهذه العزة يجب أن تغرس فيه منذ طفولته .
تنبيه :
إن أهم نقطة والتي تشكل العمود الفقري في كل ما تقدم هي الهيبة التي يجب أن يتحلى بها الأب أو الأم حتى يكون انبعاثاً حقيقياً ، وإلا مع فقد الهيبة والاحترام والسلطنة فلا فائدة فيما تقدم ، لذا يلزم المحافظة على صورة الأب أو الأم ولو ظاهرياً ، ومن هنا يجب على كل من الزوجين أن لا يخالف الأوامر التي يصدرها الآخر بخصوص الطفل ، فإذا قال الأب : لا تشاهد التلفاز في الوقت الفلاني ، أو لا تخرج في الساعة الفلانية مثلاً لا تأتي الأم وتسمح للطفل مخالفة أبيه وكذا العكس ، نعم ، يمكن أن يظهر بصورة المتوسط الذي يدعو الطرف المقابل إلى التنازل عن رأيه لأجله وهكذا .
الأمر التاسع : استخدام الإيحاء للطفل أي الإيحاء إليه أنه قادر على تنفيذ المأمور به ، كأن تقول له مثلاً : أنت شجاع تستطيع أن تحمل هذا الصحن إلى المطبخ ، أو أنت ذكي تستطيع أن تحل المسألة وتعمل الواجب وهكذا ، فبإستخدامك لهذا الإيحاء فإنه يمثل دوراً في نفسية الطفل في تأدية الشيء .
قد يرتكب الولد خطأ فعند استجوابه من قبل والديه قد يقول الحق والصدق ، ففي هذه الصورة يجب أن لا يعاقب الولد على فعله ، لإنه إن
عبقـرية مبكـرة
لأطفالنا
ـ 174 ـ
عوقب قد يلتجئ لرفع العقاب عنه مرة أخرى بالكذب فينجو من العقاب مثلاً ، فعندها يعتقد أن الصدق غير جيد وأن الكذب حسن فيتعود هذا الأسلوب .
عبقـرية مبكـرة
لأطفالنا
ـ 175 ـ
الباب الثاني
الفصل الرابع