( العلامة شهاب الدين القسطلاني )
  وكذلك اعترف العلامة القسطلاني في شرحه على البخاري بإنكار ابن مسعود للمعوذتين ، قال :
  ( ( قال سألت أبي بن كعب عن المعوذتين ) بكسر الواو المشددة ، وعند ابن حبان وأحمد من طريق حماد بن سلمة عن عاصم قلت : لأبي بن كعب أن ابن مسعود لا يكتب المعوذتين في مصحفه ـ إلى قوله ـ وعند الحافظ أبي يعلى عن علقمة قال : كان عبد الله يحك المعوذتين من المصحف ويقول : إنما أمر رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم أن يتعوذ بـهما ولم يكن عبد الله يقرأ بـهما .
  ورواه عبد الله ابن الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن يزيد وزاد : ويقول أنـهما ليستا من كتاب الله ، وهذا مشهور عند كثير من القراء والفقهاء أن ابن مسعود كان لا يكتبهما في مصحفه ).
  واعترف به أيضا في تفسير سورة الناس : ( ( إن أخاك ) في الدين ( ابن مسعود ) عبد الله ( يقول كذا وكذا ) يعني أن المعوذتين ليستا من القرآن كما مر التصريح به ) (1) .

( الحافظ الإمام أبو بكر البزار )
  اعترف الحافظ البزار في مسنده البحر الزخار بإنكار ابن مسعود للمعوذتين بقوله :
  ( لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة وقد صح عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أنه قرأ بـهما في الصلاة وأثبتتا في المصحف ) (2) .

( فقيه الحنابلة الإمام ابن الجوزي )
  وهذا اعتراف من الإمام ابن الجوزي بإنكار بعض سلفهم الصالح قرآنية بعض كلمات القرآن :
  ( واختلفت القراء في قوله تعالى (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ) (طه/63) فقرأ أبو عمرو بن العلاء ( إنَّ هذين ) على إعمال (إنّ) ، وقال : إني لأستحي من الله أن أقرأ (هَذَانِ) )
  ( فأما قراءة أبي عمرو فاحتجاجه في مخالفة المصحف بما روي عن عثمان وعائشة أن هذا غلط من الكاتب ) (3) .
  وفي تفسير قوله تعالى (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ) (النساء/162) قام بذكر الأقوال التي تبين سبب عدم توافقها مع قواعد اللغة العربية ، فقدم الوجه الذي ينص على أن يد التحريف والتبديل امتدت إلى الآية الكريمة ، ويعترف أن عائشة كانت تقول بـهذا الرأي بكل صراحة ، فقال :

--------------------
(1) إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ج7ص441 ـ 442 ط دار صادر.
(2) الدر المنثور ج4ص416 ط دار المعرفة .
(3) زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي ج5ص297 ط المكتب الإسلامي للطباعة والنشر .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 727 _
  ( وفي نصب (الْمُقِيمِينَ) أربعة أقوال ، أحدها : أنه خطأ من الكاتب ، وهذا قول عائشة ، وروي عن عثمان بن عفان أنه قال : إن في المصحف لـحنا ستقيمه العرب بألسنتها ) (1) .
  واعترف أيضا في تفسير قوله تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ) (الإسراء/23) أن ابن عباس كان يعتقد وقوع التحريف فيها ، فقال : ( (وَقَضَى رَبُّكَ) روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال : أمر ربك ، ونقل عنه الضحاك أنه قال : إنما هو ( وصى ربك ) فالتصقت إحدى الواوين بالصاد ، وكذلك قرأ أبي بن كعب وأبو المتوكل وسعيد ابن جبير (ووصى) ، وهذا على خلاف ما انعقد عليه الإجماع فلا يلتفت إليه ) (2) .
  وكلامه الأخير دليل على ثبوت هذه المقولة عن ابن عباس في نظر ابن الجوزي وإلا لكذبه ولم يقل أنه مخالف للإجماع ، وقد مرت الإشارة لذلك فيما سبق .

( العلامة الإمام البغـوي )
  اعترف الإمام البغوي في تفسيره أن بعض الصحابة قالوا إن لفظ القرآن (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ) (النساء/162) هو تحريف وخطأ من الكاتب حينما كتب المصحف :
  ( (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ) اختلفوا في وجه انتصابه ، فحكي عن عائشة وأبّان بن عثمان أنه غلط من الكاتب ينبغي أن يكتب ( والمقيمون الصلاة ) وكذلك قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ) وقوله (وإِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) ، قالوا : ذلك خطأ من الكاتب .
  وقال عثمان إن في المصحف لـحنًا ستقيمه العرب بألسنتها فقيل له : ألا تغيّره ؟ فقال : دعوه ! فإنه لا يُحلّ حراما ولا يحرم حلالا ، وعامة أهل العلم على أنه صحيح ) (3) .
  لاحظ قوله ( عامة أهل العلم ) الذي يدل على أن بعضا منهم أخذ برأي عائشة وعثمان وابنه أبان في وجود خطأ وتحريف في الآية سببه الكُـتّاب ، إلا أن يقصد أن عائشة وعثمان وابنه هم أهل العلم الذين قالوا بتحريف هذه المواضع من القرآن .

--------------------
(1) ن.م ج2ص151.
(2) ن.م ج5ص17.
(3) تفسير البغوي ج1ص398 ط دار الكتب العلمية .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 728 _
  واعترف أيضا عند تفسيره لقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (النور/27) ، بأن ابن عباس كان يعتقد وقوع التحريف في هذه الآية :
  ( قيل معنى قوله (حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا ) أي حتى تستأذنوا ، وكان ابن عباس يقرأ ( حتى تستأذنوا ) ويقول (تَسْتَأْنِسُوا) خطأٌ من الكاتب ، وكذلك كان يقرأ أبي بن كعب ) (1) .
  وقال أيضا عند قوله تعالى (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ) (طه/63) : ( قرأ هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين : أنه خطأ من الكاتب ) (2) .

--------------------
(1) ن.م ج3ص336.
(2) ن.م ج3ص187 ، ولعل كلمة (قرأ) خطأ والصحيح (قال).

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 728 _
( العلامة الإمام الـقرطـبي )
  اعترف الإمام القرطبي في تفسيره أن ابن مسعود أنكر قرآنية المعوذتين ، قال :
  ( وزعم ابن مسعود انّهما تعوّذ به وليسا من القرآن وخالف به الإجماع من الصحابة وأهل البيت ) (1) .
  واعترف في محل آخر بقول بعض سلفهم الصالح بوقوع التحريف والخطأ في كتابة المصحف :
  ( وقد خطأها قوم حتى قال أبو عمرو : إني لأستحي من الله أن أقرأ (وإِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ) ، وروي عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنـها سألت عن قوله تعالى (لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) ثم قال (وَالْمُقِيمِينَ) وفي المائدة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ)، (وإِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) فقالت : يا ابن أختي ! هذا من خطأ الكُـتـّاب (2) .
  وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه : في المصحف لحن و ستقيمه العرب بألسنتها .

--------------------
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج 20 ص251 ، ط دار إحياء التراث العربي .
(2) علق عليه العلامة الآلوسي ـ الآتي ذكره ـ في تفسيره روح المعاني ج16ص221 ب‍ ( وإسناده صحيح على شرط الشيخين كما قال الجلال السيوطي ) .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 729 _
  وقال أبان بن عثمان : قرأت هذه الآية عند أبي عثمان بن عفان فقال : لـحـن وخـطأ ، فقال له قائل : ألا تغيّروه ؟ فقال : دَعوه ! فإنه لا يحرّم حلالا ولا يحلل حراماً ) (1) .
  واعترف القرطبي أيضا أن بعض علمائهم (2) قد قال بتحريف القرآن : ( وقال بعض من تعسف في كلامه : إن هذا غلط من الكـتّاب حين كتبوا مصحف الإمام ، قال : والدليل على ذلك ما روي عن عثمان أنه نظر في المصحف ، فقال : أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها ، وهكذا قال : في سورة النساء (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ) وفي سورة المائدة (وَالصَّابِئُونَ) ) (3) .
  واعترف أيضا عند ذكره للتوجيهات التي ذكرها أهل السنة لبيان علة عدم انطباق قواعد اللغة العربية الظاهر على قوله تعالى (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ) ، فكان من ضمن التوجيهات قول بعض سلفهم كأبان بن عثمان بتحريف هذا الموضع من القرآن ، قال :
  ( والجواب السادس : ما روي أن عائشة أنـها سئلت عن هذه الآية وعن قوله (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) ، وقوله (وَالصَّابِئُونَ) في المائدة فقالت للسائل : يا ابن أخي الكتّاب أخطئوا .
  وقال أبان بن عثمان : كان الكاتب يُملى عليه فيكتب فكتب (لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ) ثم قال له : ما أكتب ؟ قيل له : أكتب (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ) ، فكتب ما قيل له ، فمن ثـم وقع هذا ) (4) .
  لاحظ إن ذكر هذه الكلمات كرأي ووجه من الوجوه يدل على أن بعض علمائهم قد قال به كجواب عن مشكلة الإعراب الموهومة ، وقد مر ذلك عند البغوي .
  واعترف في تفسير قوله تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ) (الإسراء/23) باعتقاد ابن عباس والضحاك بن مزاحم وقوع التحريف في هذه الآية :

--------------------
(1) الجامع لأحكام القرآن ج11ص216 .
(2) قلنا بأنه من بعض علمائهم لان من البديهي أن لا يعتني العلماء كالقرطبي بما يلوكه عوام الناس ولا يكتبونه في تفاسيرهم فضلا عن الرد عليها .
(3) تفسير القرطبي ج2ص240.
(4) ن.م ج6ص104 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 730 _
  ( وفي مصحف ابن مسعود ( ووصّى ) وفي قراءة أصحابه ، وقراءة ابن عباس أيضا وعليّ وغيرهما وكذلك عند أبي بن كعب ، وقال ابن عباس : إنـما هو ( و وصّى ربك ) فالتصقت إحدى الواويين فقرئت (وَقَضَى رَبُّكَ) إذ لو كانت على القضاء ما عصى الله أحد .
  وقال الضحاك : تصحّفت (1) على قوم ( وصّى ) ب‍ ( قضى ) حين اختلطت الواو بالصاد وقت كَـتْب المصحف ) (2) .
  ومع كل هذه الاعترافات الصريحة من أعاظم علماء أهل السنة يأتي بعض الجهلة ليقول : ايتونا بعالم أو بشبه عالم من أهل السنة قال بتحريف القرآن !

( العلامة الإمام الطحاوي )
  اعترف الإمام الطحاوي في كتابه مشكل الآثار بإنكار ابن مسعود للمعوذتين حين نقل الروايات الصحيحة التي فيها ذكر لحك ابن مسعود للمعوذتين من المصحف وقوله لا تلحقوا فيه ما ليس منه وقوله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يتعوذ بـهما فقط وليستا من القرآن ، فأشكل على الطحاوي ما ادعاه ابن مسعود ، مع العلم أن كل ما أشكل عليه في مشكل الآثار صحيح في نظره وهذا نص كلامه في المقدمة :
  ( فإني نظرت في الآثار المروية عنه صلى الله عليه وآله وسلم بالأسانيد المقبولة التي نقلها ذوو التثبت فيها والأمانة عليها وحسن الأداء لها فوجدت فيها أشياء مما سقطت معرفتها والعلم بما فيها عن أكثر الناس فمال قلبي إلى تأملها وتبيان ما قدرت عليه من مشكلها ) (3) .
  وبعد أن أخذت منه أقوال ابن مسعود كل مأخذ ، حاول إثبات قرآنية المعوذتين بالروايات بعد أن ذكر الشك فيهما : ( ثم تأملنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيهما سوى ذلك هل نجد فيه حقيقة أنـهما من القرآن أو أنـهما ليستا من القرآن ؟ ) (4) .

--------------------
(1) التصحيف أي الخطأ والالتباس .
(2) تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن ج10ص237 ط دار إحياء التراث العربي .
(3) مقدمة مشكل الآثار .
(4) مشكل الآثار ج1ص33 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 731 _
  ثم ذكر سبع روايات ست منها ينتهي سندها إلى عقبة بن عامر والأخيرة مرسلة !! ، وأنـهى مشكله بقوله : ( فكان فيما روينا تحقيق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنـهما من القرآن فاتفق جميع ما رويناه عنه في ذلك لما صح وخرجت معانيه ولم يخالف شيء منه شيئا ) (1)
  أقول : وهل يكفي خبر الآحاد لإثبات قرآنية سورتين ؟! بالطبع لا ! (2) .
( إمام السلف ابن قتيبة )
  اعترف ابن قتيبة الدينوري أن ابن مسعود أخطأ حينما أنكر قرآنية المعوذتين وكذا أبي بن كعب أخطأ بزيادة القنوت في القرآن ، قال في تأويل مشكل القرآن : ( وأما نقصان مصحف عبد الله بـحذفه أُمّ الكتاب والمعوذتين وزيادة أبي سورتي القنوت فإنا لا نقول : إن عبد الله وأُبـيًّا أصابا وأخطأ المهاجرون والأنصار ، ولكن عبد الله ذهب فيما يرى أهل النظر إلى أن المعوذتين كانتا كالعُوذَةِ والرُّقية وغيرها ، وكان يرى رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يُعَوّذ بـهما الحسن والحسين وغيرهما ، كما كان يُعوّذ بكلمات الله التامة ، وغير ذلك ، فظن أنـهما ليستا من القرآن ، وأقام على ظنـّه ومخالفته الصحابة ) (3) .
  واعترف ابن قتيبة في رده على من شنع على ابن مسعود إنكاره المعوذتين ، بأن ابن مسعود قد وهم في ذلك وأخطأ في ظنه كما هو حال أبي بن كعب في إدخاله ما ليس من القرآن فيه ، فقال في تأويل مشكل الحديث :
  ( وطعنه عليه لجحده سورتين من القرآن العظيم يعني المعوذتين ، فإن لابن مسعود في ذلك سببا والناس قد يظنون وإذا كان هذا جائزا على النبيين والمرسلين فهو على غيرهم أجوز ، وسببه في تركه إثباتـهما في مصحفه أنه كان يرى النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم يعوذ بـهما الحسن والحسين ويعوذ غيرهما كما كان بأعوذ بكلمات الله التامة فظن أنـهما ليستا من القرآن فلم يثبتهما في مصحفه وبنحو هذا السبب أثبت أبي بن كعب في مصحفه افتتاح دعاء القنوت وجعله سورتين لأنه كان

--------------------
(1) ن.م ص36 .
(2) والمستفاد من هذا أن لو وجد أهل السنة طرقا متواترة للقرآن الكريم بكل سوره وآياته لما كان هناك معنى لتشبث إمامهم الطحاوي وغيره كابن كثير والقرطبي والطبري إلخ بروايات الآحاد لإثبات قرآنية المعوذتين ، ( فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ) (الحشر/2).
(3) تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص33 تحقيق سيد أحمد صقر ط ، الحلبي .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 732 _
  يرى رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يدعو بـهما في الصلاة دعاء دائما فظن أنه من القرآن ) (1) .

( العلامة الإمام البيهقي )
  بعد أن أخرج الإمام البيهقي إنكار ابن مسعود للمعوذتين في سننه اعترف بإخراج البخاري له في صحيحه ولا شك أن كل ما أخرجه البخاري فهو صحيح عند البيهقي : (حدثنا سفيان ثنا عبدة بن أبي لبابة وعاصم بن بـهدلة أنـهما سمعا زر بن حبيش يقول : سألت أبي بن كعب عن المعوذتين ، فقلت : يا أبا المنذر ! أن أخاك بن مسعود يحكهما من المصحف ! قال : إني سألت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم قال : فقيل لي فقلت ، فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ، ـ قال البيهـقي ـ رواه البخاري في الصحيح عن قتيبة وعلي بن عبد الله عن سفيان ) (2) .
( الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي )
  اعترف السيوطي بإنكار ابن مسعود لقرآنية المعوذتين وأنه كان يرى دخول ما ليس من القرآن في مصحف المسلمين :
  ( أخرج أحمد والبزار والطبراني وابن مردوية من طرق صحيحة عن ابن عباس وابن مسعود أنه كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول لا تخلطوا القرآن بما ليس مه إنـهما ليستا من كتاب الله إنما أمر النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أن يتعوذ بـهما وكان ابن مسعود لا يقرأ بـهما ، قال

--------------------
(1) تأويل مختلف الحديث ج1ص25 ـ 26
أقول : والأخزى هنا قول ابن قتيبة بجواز إسقاط الأنبياء والمرسلين كلمات الله المنـزلة في الكتب السماوية خطأ وسهوا ! ، ولا ندري كيف وثق ابن قتيبة بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أكمل تبليغ القرآن ولم ينس شيئا منه ؟! وبعبارة أخرى إن هذه الدعوى ترفع مصداقية الآيات التي تنص على تسديد الله عز وجل للرسول صلى الله عليه وآله وسلم فمن المحتمل أن تكون هذه الآيات العاصمة من عند غير الله عز وجل ، وبسبب الخطأ والسهو نسبها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لله عز وجل ؟! وهو أمر ممكن على كلام إمامهم ابن قتيبة ، نعوذ بالله من هذه الكلمات وممن يتكلم بـها .
(2) سنن الكبرى ج2ص394ح3851.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 733 _
  البزار : لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة وقد صح عن النبي صلى الله عليه (وآله) أنه قرأ بـهما في الصلاة وأثبتتا في المصحف ) (1) .
  ولا بأس بالتذكير أن الإمام السيوطي قد ألحق سورتي الحفد والخلع ـ المزعوتين ـ بآخر تفسيره الدر المنثور !

( الشيخ العلامة الـخفاجي )
  اعترف علامتهم الخفاجي أن عثمان ادعى أن في القرآن أخطاء ولحنا ، وقال إن قول عثمان هذا مشكل :
  ( وأما قول عثمان : إني أرى في المصحف لـحـنا وستقيمه العرب بألسنتها ، فكلام مشكل ) (2) .

( العلامة الإمام الآلوسي )
  اعترف العلامة الآلوسي في تفسيره بإنكار ابن مسعود لقرآنية المعوذتين حيث قال : ( وعن ابن مسعود أنه أنكر قرآنيتهما ، أخرج الإمام أحمد والبزار والطبراني وابن مردوية من طرق صحيحة عنه أنه كان يحك المعوذتين من المصحف ، ويقول لا تخلطوا القرآن بما ليس منه انـهما ليستا من كتاب الله تعالى إنما أمر النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أن يتعوذ بـهما وكان ابن مسعود لا يقرأ بـهما ، ثم ذكر اعتراف البزار ).
  ورد الآلوسي دعوى ابن مسعود بقوله : ( وقد صح عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أنه قرأ بـهما في الصلاة وأثبتتا في المصحف وأخرج الإمام أحمد والبخاري والنسائي وابن حبان وغيرهم عن زر بن حبيش قال : أتيت المدينة فلقيت أبي بن كعب فقلت له : يا أبا المنذر إني رأيت ابن مسعود لا يكتب المعوذتين في مصحفه فقال : أما والذي بعث محمداً صلى الله عليه (وآله) وسلم بالحق لقد سألت

--------------------
(1) الدر المنثور ج6ص416 ط دار المعرفة .
(2) حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي ج6ص212 ط دار صادر .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 734 _
  رسول الله صلى الله عليه (وآله) عنهما وما سألني عنهما من أحد منذ سألت غيرك فقال قيل لي :? قل ? فقلت ، فقولوا ، فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ) (1) .
  وقد مر أن هذه الرواية لا تدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان متأكدا من قرآنيتهما ، وكذا نص عليه بعض علماء أهل السنة .
  وسجل الآلوسي اعترافه أيضا على بعض سلفهم الصالح الذين قالوا بوقوع التحريف في هذه الآيات الكريمة : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) (المائدة/69) وقوله تعالى (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) (طه/63) وقوله تعالى (لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا) (النساء/162) ، فقال : ( وبالجملة لا يلتفت إلى من زعم أن هذا من لـحن القرآن وأن الصواب (المقيمون) بالواو كما في مصحف عبد الله وهي مالك بن دينار والجحدري وعيسى الثقفي ، إذ لا كلام في نقل النظم تواترا فلا يجوز اللحن فيه أصلا ) (2) .
  واعترف أيضا في موضع آخر : ( واستشكلت هذه القراءة حتى قيل إنـها لـحن وخطأ ، بناء على ما أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن عن هشام ابن عروة عن أبيه قال : سألت عائشة عن لـحن القرآن عن قوله تعالى (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) وعن قوله تعالى (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) وعن قوله تعالى (وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ) فقالت : يا ابن أخي هذا عمل الكتاب أخطئوا في الكتاب ، وإسناده صحيح على شرط الشيخين كما قال الجلال السيوطي ) (3) .
  وقال الآلوسي أيضا في تفسير الآية (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ) (الإسراء/23) ما يلي : ( ثم إن لزوم أن لا يعبد أحد غير الله تعالى ادعاه ابن عباس فيما يروى للقضاء من غير تفصيل ، فقد أخرج أبو عبيد ، وابن منيع ، وابن المنذر ، وابن مردويه من طريق ميميون بن مهران أنه قال : أنزل الله تعالى هذا الحرف على لسان نبيكم ( ووصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) فلصقت إحدى الواوين بالصاد فقرأ الناس (وَقَضَى رَبُّكَ) إذ لو كان على القضاء ما عصى الله أحد .
   وأخرج مثل ذلك عنه جماعة من طريق سعيد بن جبير وابن أبي حاتم من طريق الضحاك ) (4) .

--------------------
(1) روح المعاني للآلوسي ج30ص279 ط دار إحياء التراث العربي.
(2) ن.م ج6ص15.
(3) ن.م ج16ص221.
(4) ن.م ج15ص53 ـ 54.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 735 _
( إمام المحققين الفخر الرازي )
  اعترف الفخر الرازي بأن ابن مسعود ذهب إلى إنكار المعوذتين ولكنه يرجو منا حسن الظن بابن مسعود ! ، قال : ( وأيضا فقد نقل عن ابن مسعود حذف المعوذتين وحذف الفاتحة عن القرآن ويجب إحسان الظن به وأن نقول : إنه رجع عن هذه المذاهب ) (1) ، ونحن يهمنا اعتراف الرازي أن ابن مسعود ذهب هذه المذاهب ، ونترك حسن الظن له ولغيره من المحسنين .
( المفسر الإمام ابن عاشور )
  اعترف كذلك المفسر ابن عاشور بإنكار ابن مسعود للمعوذتين :
  ( واشتهر عن عبد الله بن مسعود في الصحيح أنه كان ينكر أن تكون ( المعوذتان ) من القرآن ، ويقول : إنما أُمِر رسول الله أن يتعوذ بـهما أي ولم يؤمر بأنـهما من القرآن ) (2) .
( الإمام العلامة ابن منظور )
  وقال ابن منظور (3) معترفا في تحفته الرائعة لسان العرب أن ابن عباس كان يقول بوقوع تحريف للقرآن في هذه الآية (حَتـّى تَسْتَأْنِسُوا ) (النور/27) :

--------------------
(1) التفسير الكبير ج1ص213 ط البهية ، مصر ، مع أن ابن حجر قال في فتح الباري ج 8ص743 إن الفخر الرازي قال في أوائل تفسيره : ( الأغلب على الظن أن هذا النقل عن ابن مسعود كذب باطل ) ولم أعثر عليه ، واعتمدنا ما وجدناه .
(2) تفسير التحرير والتنوير ج30 ص624-625 ط الدار التونسية للنشر .
(3) النعوت التي تسبق اسم العالم أخذناها من عناوين كتبهم وتراجمهم ، ولا بأس هنا بنقل ما ذكره المعلق على لسان العرب عن ابن منظور في ص8 ـ 9 : ( وابن منظور الذي أهمل شيوخه لم يهمله تلاميذه ، فالمؤرخون لابن منظور يذكرون من بينهم السبكي والذهبي ، يقول الصفدي في أعيان العصر و النكت : وكتب عنه شيخنا شمس الدين الذهبي .
   ويزيد السيوطي واحدا أخر فيقول في البغية : وروى عنه السبكي والذهبي ، وما من شك أن الذهبي أفرد لشيخه ابن منظور مكانا في تاريخه ، أشار إلى ذلك الصفدي في أعيان العصر والسيوطي في البغية وتكاد تكون نُقول المراجع جميعها عن الذهبي ، على الرغم من إهمال بعضها الإشارة إلى ذلك ، ونقرأ في هذا الذي خص به الذهبي أستاذه الإنصاف له حين يقول عنه : تفرد في العوالي وكان عارفا بالنحو واللغة والكتابة ، وبعد هذين التليمذين نجد ذكرا لثالث وهو قطب الدين ولد ابن منظور هذا ، وكان قطب الدين كاتب الإنشاء بمصر وذكروا له أنه روى عن أبيه شيئا ).

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 736 _
  ( فهو يَسْتَأْنِسُ أَي يَتَبَصَّرُ ويتلفت هل يرى أَحداً ، أَراد أَنه مَذْعُور فهو أَجَدُّ لعَدْوِه وفراره وسرعته ، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقرأ هذه الآية ( حتى تستأذنوا ) قال : (تَسْتَأْنِسُوا ) (النور/27) خطأ من الكاتب ، قال الأزهري : قرأ أبي وابن مسعود ( تستأذنوا ) كما قرأ ابن عباس ، والـمعنى فـيهما واحد ) (1) .
(العلامة الشيخ الخطيب الشربيني )
  وكذا اعترف المفسر صاحب السراج المنير باعتقاد بعض سلفهم الصالح تحريف القرآن :
  ( وحكي عن عائشة وأبان بن عثمان : أنّ ذلك غلط من الكاتب ، ينبغي أن يكتب ( والمقيمون الصلاة ) ، كذلك قوله في سورة المائدة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى) وقوله تعالى : (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) قالا : ذلك خطأ من الكاتب ، وقال عثمان : إنّ في المصحف لحناً و ستقيمه العرب بألسنتها ، فقيل له : ألا تغيّره ؟‍! فقال : دعوه فإنّه لا يحلّ حراما ولا يحرّم حلالاً ، وعامة الصحابة وأهل العلم على أنّه صحيح ) (2) .
  قوله الأخير هذا ( وعامة الصحابة وأهل العلم على أنّه صحيح ) يفيد أن كلمة الصحابة وأهل العلم لم تتفق على أن هذه الآيات سليمة من التحريف بل بعضهم قال بتحريف القرآن .

--------------------
(1) لسان العرب ج6ص16.
(2) السراج المنير ج1ص345 ط دار المعرفة .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 737 _
( الفقيه أبو بكر بن أبي إسحاق )
  نقل اعتراف الفقيه ابن أبي إسحاق الإمام البيهقي في السنن الكبرى وكذا الزيلعي في نصب الراية ، حيث قالا :
  ( قال أبو بكر بن أبي إسحاق الفقيه : هذه علة لا تسوى سماعها لأن رفع اليدين قد صح عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم ثم عن الخلفاء الراشدين ثم عن الصحابة والتابعين ، وليس في نسيان عبد الله بن مسعود رفع اليدين ما يوجب أن هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم لم يروا النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم رفع يديه ، قد نسي ابن مسعود من القرآن ما لم يختلف المسلمون فيه بعد وهي المعوذتان ).
  ( ونسي كيف كان يقرأ النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى ) (الليل/3) ، وإذا جاز على عبد الله أن ينسى مثل هذا في الصلاة خاصة كيف لا يجوز مثله في رفع اليدين ) (1) .
  وهذا بيان لسبب إنكار ابن مسعود للمعوذتين ، ولا ريب أن القول بأن إنكار ابن مسعود للمعوذتين كان لأجل ذاكرته الضعيفة توجيه سخيف يعارض دلالة الروايات ، وعلى أي حال لا تـهمنا علة إنكار ابن مسعود للمعوذتين ، فيكفي اعتقاده أن القرآن قد زاد فيه الصحابة ما ليس منه فصار محرفا في نظره .
(العلامة شمس الحق العظيم آبادي )
  وكذا اعترف العلامة العظيم آبادي في عون المعبود بما اعترف به الفقيه ابن أبي إسحاق :
  ( قلتُ : ما ذكر الإمام الخطابي بقوله قد يجوز أن يذهب ذلك إلخ ، فليس مما يستغرب فقد نسي ابن مسعود من القران ما لم يختلف فيه المسلمون وهو المعوذتان ).
  ( ونسي كيف قرأ رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ( وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى ) (الليل/3) وإذا جاز على ابن مسعود أن ينسي مثل هذا في الصلاة كيف لا يجوز مثله في رفع اليدين ) (2) .

--------------------
(1) السنن الكبرى ج2ص81 ، نصب الراية للزيلعي ج1ص398.
(2) عون المعبود ج2ص317 ، واضح أنه اقتبس كلام أبي بكر بن إسحاق ! ، فهم يفضلون نقل كلمات من اعترف من السابقين دون أن ينسج بنفسه كلاما يذكر فيه فعل ابن مسعود ، والأمر واضح لدى من تأمل كثرة استشهادهم باعتراف البزار ، إذ أن كلامه كان ملجأ لكل من أراد من علماء أهل السنة رمي التبعة والمحاسبة على الأموات !

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 738 _
( العلامة أبو العلا المباركفوري )
  وأمضى المباركفوري في كتابه تحفة الأحوذي الاعتراف السابق وتبناه : ( ولو تنـزلنا وسلمنا أن حديث ابن مسعود هذا صحيح أو حسن ، فالظاهر أن ابن مسعود قد نسيه كما قد نسي أمورا كثيرة ، ثم ذكر الأمثلة من كلام الفقيه ابن أبي إسحاق السابق ) (1) .
 عبرة لمن يخشى !
  لنلاحظ كيف أن قولهم إن ابن مسعود نسي كيف كان يقرأ النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم ( وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى ) (الليل/3) يتناقض تماما مع دعواهم أن قراءته ( والذكر والأنثى ) نزلت من السماء ضمن الأحرف السبعة ! أو أنـها من منسوخ التلاوة !
  فيتضح بكثرة الشواهد صحة ما ذكرناه سابقا من أن هؤلاء القوم إنما اتخذوا الأحرف السبعة والقراءات ونسخ التلاوة ذريعة لتصحيح عوار ما فعله سلفهم الصالح ، فكلها أدوات ووسائل للتخريج والتأويل ، وما أن يحسوا بالإحراج وضيق الخناق من تلاعب سلفهم الصالح في القرآن وألفاظه في موارد أخرى غير القراءات حتى ينبذوا كل تأويل وتخريج ليعترفوا بأن الأمر ما هو إلا تحريف وتلاعب ، لأن اعترافهم بالواقع على ما هو عليه في خصوص هذه الجزئية يحل المشكلة ويكفيهم شر القتال .
  وحتى لا تفوتنا العبرة هنا نقول إن هذه التذبذبات والمفارقات في الترك والأخذ والاعتماد والنبذ هي حال من يخترع ويبتدع في دين الله عز وجل ما ليس منه ، لأن دين الله عز وجل بناء متماسك ونظام متكامل ما أن يقحم فيه الهجين الغريب حتى تظهر نتائجه الفاسدة ويبدأ التآكل يظهر في جوانبه الأخرى ، وهذا ملاحظ في كثير من الأمور التي تبناها أهل السنة كعدالة الصحابة والاجتهاد والشورى والكثير من الأقوال التي تتناقض مع الدين والسنة النبوية الشريفة .

--------------------
(1) تحفة الأحوذي ج2ص93.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 739 _
( الإمام الشيخ البروسوي والفقيه )
  اعترف مفسرهم البروسوي في ضمن نقله لاعترافات عدة من علمائهم أن ابن مسعود ادعى أن القرآن سوره مائة واثنتا عشرة سورة فقط بحذف المعوذتين منه ، وكذا أن أبي بن كعب كان يرى القرآن مائة وست عشرة سورة بإضافة سورتي الحفد والخلع :
  ( قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه جميع سور القرآن مائة واثنتا عشرة سورة .
  قال الفقيه في البستان : إنما قال إنـها مائة واثنتا عشرة سورة لأنه كان لا يعد المعوذتين من القرآن وكان لا يكتبهما في مصحفه ويقول انـهما منـزلتان من السماء وهما من كلام رب العالمين ولكن النبي عليه السلام كان يرقي ويعوذ بـهما فاشتبه عليه أنـهما من القرآن أو ليستا منه فلم يكتبهما في المصحف ) (1) .
  ( وقال أبي بن كعب رضي الله عنه جميع سور القرآن مائة وست عشرة سورة وإنـما قال ذلك لأنه كان يعد القنوت سورتين إحداهما من قوله (اللهم إنا نستعينك) إلى قوله (من يفجرك) والثانية من قوله (اللهم إياك نعبد) إلى قوله (ملحق) ) (2) .
  ونقل لنا العلامة البروسوي في الأثناء اعتراف الفقيه في البستان ، فالبروسوي والفقيه صاحب كتاب البستان ممن اعترفوا أن ابن مسعود وأبي بن كعب يدينون لله بتحريف القرآن .

( الإمام محمد الزبيدي الحنفي )
  اعترف الزبيدي بأن ابن عباس كان يقول بوقوع التحريف في القرآن :
  ( وكان ابن عباس يقرأ هذه الآية ( حتى تستأذنوا ) قال : ( تَسْتَأْنِسُوا) (النور/27) خطأ من الكاتب ! ) (3) .

--------------------
(1) وواضح أن كلامه في اشتباه ابن مسعود في أمر المعوذتين غير صحيح لأن ابن مسعود لم يكن مترددا في نفي قرآنية المعوذتين ، وكلامه يناقض نفسه لأنه قال في البداية عن ابن مسعود ( لأنه كان لا يعد المعوذتين من القرآن ) ! ، ولا غرابة في ذلك لأن كلامه الأخير ليس إلا امتصاصا لقوة الكلمة الأولى .
(2) تفسير روح البيان ج10ص542 ط دار إحياء التراث .
(3) تاج العروس ج4ص100 ـ 101 ط مكتبة الحياة .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 740 _
( العلامة الإمام ابن كثير )
  بعد أن ذكر ابن كثير الروايات التي تنص على إنكار ابن مسعود للمعوذتين وأنه كان يقوم بحكهما من الصحف ويدعي أنـهما ليستا من كتاب الله ، سكت عنها ابن كثير ، وقال معترفا :
  ( وهذا مشهور عند كثير من القراء والفقهاء وأن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه فلعله لم يسمعهما من النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم ولم يتواتر عنده ، ثم لعله قد رجع عن قوله ذلك إلى قول الجماعة فإن الصحابة رضي الله عنهم أثبتوهما في المصاحف الائمة ونفذوها إلى سائر الآفاق كذلك ولله الحمد والمنة ) (1) .
  ويكفينا اعتراف ابن كثير بأن ابن مسعود أنكر المعوذتين سواء كان السبب هو عدم سماعها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أي شيء آخر ، وأما قوله لعله رجع عن تحريفه ، فلا يسوى سماعه ! إذ ما ينفعنا الإحتمال والكل يمكنه احتمال أي شيء لأي شيئ ؟!

( إمام الحفاظ ابن حجر العسقلاني )
  اعترف الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري أن الإجماع لم يتحقق بين الصحابة على قرآنية المعوذتين ، لأن ابن مسعود أنكر قرآنيتهما ، فقال :
  ( وأما قول النووي في شرح المهذب ( أجمع المسلمون على أن المعوّذتين والفاتحة من القرآن ، وأن من جحد منهما شيئا كفر ، وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح ) ، فـفيه نـظر ).
  ثم قال ( والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل ، بل الرواية صحيحة والتأويل مقبول (2) ، والإجماع الذي نقله إن أراد شمـوله لكل عصر فهو مخدوش ، وأن أراد استقراره فهو مقبول ) (3) .
  ويكفينا خدش ابن حجر في تحقق الإجماع لإثبات إنكار البعض لقرآنية المعوذتين ، وبقرينة نظره في ادعاء النووي بطلان ما نقل من إنكار ابن مسعود للمعوذتين نعلم أن منبع الخدش في هذا الإجماع هو إنكار ابن مسعود للمعوذتين .

--------------------
(1) تفسير ابن كثير ج4ص611 ، ط دار المعارف ـ بيروت .
(2) أي إن فكرة تأويل كلام ابن مسعود أمر مقبول في نفسه ، وعدم إمكان تأويله لا يصحح الطعن في الروايات الصحيحة لقوله ( والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل ).
(3) فتح الباري ج 8ص743 .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 741 _
  وقد اعترف ابن حجر ضمنا بإنكار ابن مسعود للمعوذتين حينما مرر جوابا سخيفا حسب أنه تخلص به من إشكال الفخر الرازي ، فقال ابن حجر : ( وأجيب باحتمال أنه كان متواترا في عصر ابن مسعود لكن لم يتواتر عند ابن مسعود فانـحلت العقدة بعون الله تعالى ) (1) .
  فابن حجر لم يدع انحلال عقدة التكفير إلا بعد تسليمه المسبق بإنكار ابن مسعود للمعوذتين وإلا لما وجدت العقدة ! ، ويكفينا اعترافه بإنكار ابن مسعود ، ولا يهمنا اثبات التكفير له !
  وكذا أقر العسقلاني باعتقاد إمامهم الضحاك بن مزاحم تحريف القرآن ، فقال :
  ( وتفسير (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا) (الإسراء/23) بمعنى وصّى منقول من مصحف أبي بن كعب ، أخرجه الطبري وأخرجه أيضا من طريق قتادة قال : هي في مصحف ابن مسعود ( ووصى ) ومن طريق مجاهد في قوله (وَقَضَى)قال : وأوصى ، ومن طريق الضحاك أنه قرأ ( ووصى ) ، وقال : ألصقت الواو بالصاد فصارت قافا فقرأت ( وقضى ) ، كذا قال ـ أي الضحاك ـ واستنكروه منه ) (2) .
  وسجل ابن حجر اعترافه أيضا على تحريف ابن عباس للقرآن بقوله : ( معناه حتى تستأنسوا بأن تسلموا ، وحكى الطحاوي أن الاستئناس في لغة اليمن الاستئذان ، وجاء عن ابن عباس إنكار ذلك ، فأخرج سعيد بن منصور والطبري والبيهقي في الشعب بسند صحيح أن ابن عباس كان يقرأ ( حتى تستأذنوا ) ويقول : أخطأ الكاتب ) (3) .

--------------------
(1) فتح الباري ج8ص743 ، وقد مر الجواب عن تخريج ابن حجر الفاسد وعدم معقوليته .
(2) فتح الباري ج8ص295.
(3) فتح الباري ج11ص7.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 742 _
( الفقيه الإمام ابن حزم الأندلسي )
  اعترف ابن حزم في كتابه الإحكام في أصول الأحكام بأن بعض كبار الصحابة قد التزموا تحريف القرآن ودانوا به ، وهذا نص كلامه :
  ( فإن ذكر ذاكر الرواية الثابتة بقراءات منكرة صححت عن طائفة من الصحابة رضي الله عنهم مثل ما روي عن أبي بكر الصديق ( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد) ، ومثل ما صح عن عمر من قراءة ( صراط لذين أنعمت عليهم غير لمغضوب عليهم ولا لضالين ) ، ومن أن ابن مسعود لم يعد المعوذتين من القرآن ، وأن أبيا رضي الله عنه كان يعد القنوت من القرآن ونحو هذا .
  قلنا كل ذلك موقوف على من روى عنه شيء ليس منه عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم البتة ، ونحن لا ننكر على من دون رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم الـخـطـأ ، فقد هتفنا به هتفا ، ولا حجة فيما روي عن أحد دونه عليه السلام ولم يكلفنا الله تعالى الطاعة له ولا أمرنا بالعمل به ولا تكفل بـحفظه ، فالـخطـأ فيه واقع فيما يكون من الصاحب فمن دونه مـمن روى عن الصاحب والتابع ولا معارضة لنا بشيء من ذلك وبالله تعالى التوفيق .
  وإنما تلزم هذه المعارضة من يقول بتقليد الصاحب على ما صح عن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وعلى القرآن فهم الذين يلزمهم التخلص من هذه المذلة ، وأما نحن فلا والحمد لله رب العالمين ) (1) .
  صدق ابن حزم ، فإنـها لعمري مذلة ، وأي مذلة !!

--------------------
(1) الإحكام لابن حزم ج4ص558، أقول : قصد بكلامه الأخير المذاهب أهل السنة الأربعة .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 743 _
( العلامة الإمام الشوكاني )
  وهو أحد المجتهدين والدعاة إلى الاجتهاد ونبذ التقليد (1) ، قال : ( وحكي عن عائشة أنـها سئلت عن (الْمُقِيمِينَ) في هذه الآية وعن قوله (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) وعن قوله (وَالصَّابِئُونَ) في المائدة ؟ فقالت : يا ابن أخي الكتّاب أخطئوا ، أخرجه عنهما أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر .
  وقال أبان بن عثمان : كان الكاتب يُملى عليه فيكتب فكتب (لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَ المُؤمِنونَ) ثم قال : ما أكتب ؟ قيل له : أكتب (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ) ، فمن ثـم وقع هذا ، أخرجه عنه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر .
  قال القشيري : وهذا باطل لأن الذين جمعوا الكتاب كانوا قدوة في اللغة فلا يظن بـهم ذلك ، ويـجاب عن القشيـري بأنه قد روي عن عثمان أنه لما فرغ من المصحف أتـي به إليه قال : أرى فيه شيئا من اللحن ستقيمه العرب بألستنها ، أخرجه ابن أبي داود من طرق ) (2) .

--------------------
(1) أبجد العلوم ج3ص201 : ( محمد بن علي بن محمد الشوكاني ، شيخنا الإمام ، العلامة ، الرباني والسهيل الطالع من القطر اليماني ، إمام الأئمة ، ومفتي الأمة ، بحر العلوم ، وشمس الفهوم ، سند المجتهدين الحفاظ ، فارس المعاني والألفاظ ، فريد العصر ، نادر الدهر ، شيخ الإسلام ، قدوة الأنام ، علامة الزمان ، ترجمان الحديث والقرآن ، علم الزهاد ، أوحد العباد ، قامع المبتدعين ، آخر المجتهدين ، رأس الموحدين ، تاج المتبعين ، صاحب التصانيف التي لم يسبق إلى مثلها ، قاضي الجماعة ، شيخ الرواية والسماعة ، عالي الإسناد ، السابق في ميدان الاجتهاد ، على الأكابر الأمجاد ، المطلع على حقائق الشريعة وموارها ، العارف بغوامضها ومقاصدها )
وقال الأستاذ إبراهيم هلال في مقدمة تحقيقه على كتاب قطر الولي على حديث الولي للشوكاني ص28 ط المدني : ( فإذا كان هناك تطور في عقيدة الإمام الشوكاني وصل به إلى أن تساوى مع عقيدة ابن عبد الوهاب أو قرب منها ، فإنما هذا باجتهاده الخاص ، ولا يعدو أن يكون مجرد توافق والتقاء طبيعي على نتيجة واحدة لمذهبين ، جعلا منهلهما واحدا : هو الكتاب ، والسنة ، وآثار السلف الصالح ، وهكذا إذا كان المبدأ متحداً ، فلابد أن تكون الغاية والنتيجة متشابـهة ، هذا بالنسبة لابن عبد الوهاب ، وبالنسبة لابن تيمية ، فالأمر يكاد أن يكون كذلك ، رغم أنه نقل عن هذا الأخير ، بعض نقول ، وتأثر به في اتجاهه التصوفي الأخير ، كما هو واضح في كتاب قطر الولي ).
(2) فتح القدير ج1ص536 ط عالم الكتب.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 744 _
( شيخ الوهابية ابن تيمية )
  أما شيخ الوهابية ابن تيمية (1) فبصريح العبارة وواضح الكلام يعترف أن سلفهم الصالح كبعض الصحابة والتابعين كانوا يدينون لله بتحريف القرآن ولا يتوانى ابن تيمية عن الجهر به ، فقد قال شيخ الوهابية في مجموع الفتاوى :

--------------------
(1) قد كفانا ابن حجر العسقلاني مؤونة ترجمة المسمى بابن تيمية إذ ذكر في درره الكامنة ج1ص159 ـ 160 : ( وقرأت بخط الحافظ صلاح الدين العلائي في ثبت شيخ شيوخنا الحافظ بـهاء الدين عبد الله بن محمد بن خليل ما نصّه ـ وسمع بـهاء الدين المذكور على الشيخين ، شيخنا ، وسيدنا ، وإمامنا فيما بيننا وبين الله تعالى ، شيخ التحقيق ، السالك بمن اتبعه أحسن طريق ، ذي الفضائل المتكاثرة ، والحجج القاهرة ، التي أقرّت الأمم كافة أن هممها عن حصرها قاصرة ، ومتـّعنا الله بعلومه الفاخرة ، ونـفعنا به في الدنيا والآخرة ، وهو الشيخ ، الإمام ، العالم ، الرباني ، والحبر ، البحر ، القطب ، النوراني ، إمام الأئمة ، بركة الأمة ، علامة العلماء ، وارث الأنـبـيـاء ، آخر المجتهدين ، أوحد علماء الدين ، شيخ الإسلام ، حجّة الأعلام ، قدوة الأنام ، برهان المتعلّمين ، قامع المبتدعين ، سيف المناظرين ، بحر العلوم ، كنـز المستفيدين ، ترجـمان القرآن ، أعجوبة الزمان ، فريد العصر والأوان ، تقي الدين ، إمام المسلمين ، حـجـة الله على العالـمين ، اللاحق بالصالحين ، والمشبه بالماضين ، مفتي الفرق ، ناصر الحق ، علامة الـهدى ، عمدة الحفّاظ ، فارس المعاني والألفاظ ، ركـن الشريـعة ، ذو الفنون البديعة ، أبو العباس ابن تيمية )اه .
أقول : حجة الله على العالمين ووارث الأنبياء وركن الشريعة هذا قد كفره علماء عصره وفقهاء المذاهب والفرق الإسلامية كلها وحكموا بفساد معتقده ودعوا بالخذلان لمتبعي ملته وحوكم وحبس في قلعة إلى أن فسد ونتن ومات مذموما مدحورا ، وقد مر في أول الأبحاث بعض الكلام عنه لا حط الله عنه وزرا ولا رفع له ذكرا .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 745 _
  ( وأيضا فإن السلف أخطأ كثير منهم في كثير من هذه المسائل ، واتفقوا على عدم التكفير بذلك ، مثل ما أنكر بعض الصحابة أن يكون الميت يسمع نداء الحي و أنكر بعضهم أن يكون المعراج يقظة وأنكر بعضهم رؤية محمد ربه ولبعضهم في الخلافة والتفضيل كلام معروف ، وكذلك لبعضهم في قتال بعض ولعن بعض وإطلاق تكفير بعض أقوال معروفة (1)
  وكان القاضي شريح يذكر قراءة من قرأ ( بل عجبتُ ) ويقول : إن الله لا يعجب ! فبلغ ذلك إبراهيم النخعي فقال : إنما شريح شاعر يعجبه علمه ، وكان عبد الله أفقه منه ، فكان يقول ( بل عجبت ) فهذا قد أنكر قراءة ثابتة (2) ، وأنكر صفة دل عليها الكتاب والسنّة ، واتفقت الأمة على أنه إمام من الأئمة ، وكذلك بـعـض السلـف أنـكـر بـعضهم حـروف الـقرآن ، من إنكار بعضهم قوله ( أَفَلَمْ يَيْئَسْ الَّذِينَ آمَنُوا ) (الرعد/31)، وقال (3) : إنـما هي ( أولم يتبين الذين آمنوا ) ، وأنكر الآخر قراءة قوله (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ) (الإسراء/23) وقال (4) : إنـما هي ( ووصى ربك ) ، وبعضهم (5) كان حذف المعوذتين ، آخر (6) يكتب سورة القنوت .
  وهذا خطأ معلوم بالإجماع والنقل المتواتر (7) ، ومع هذا فلم يكن قد تواتر النقل عندهم بذلك لم يكفروا ، وإن كان يكفر بذلك من قامت عليه الحجة بالنقل المتواتر ) (8) .

--------------------
(1) قاتل الصحابة بعضهم بعضا ولعنوا بعضهم بعضا وكفروا بعضهم بعضا ومع ذلك كلهم عدول ! ، فمتى يفسق المرء إن لم يفسق على اللعن والتكفير والقتل ؟! ومن أين تأتي العدالة وعندهم في صحيح البخاري ج1ص20ح31 ( عن الأحنف بن قيس قال : ذهبت لأنصر هذا الرجل ـ يقصد عليا عليه السلام ـ فلقيني أبو بكرة فقال : أين تريد ؟ قلت : أنصر هذا الرجل ! قال : ارجع فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يقول : إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ! فقلت : يا رسول الله هذا القاتل ، فما بال المقتول ؟ قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه ) ، عادل وفي النار ! وأيضا في صحيح البخاري ج5ص2264ح5754 (عن ثابت بن الضحاك عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قال : من حلف بملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال ، ومن قتل نفسه بشيء عذب به في نار جهنم ، ولعن المؤمن كقتله ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله ) ، وكما قلنا الإسلام دين متكامل ومتجانس وأي دس فيه يظهر أثره ويفتضح أمره !
(2) الدر المنثور ج5 ص272 : ( أخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق الأعمش عن شقيق بن سلمة عن شريح أنه كان يقرأ هذه الآية (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) (الصافات/12) بالنصب ويقول : إن الله لا يعجب من الشيء إنـما يعجب من لا يعلم ، قال الأعمش : فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي فقال : إن شريـحا كان مـعجبا برأيه وعبد الله بن مسعود كان أعلم منه كان يقرؤها ( بل عجبتُ ) ).
(3) قد مر أن هذا المنكر هو حبر الأمة ابن عباس .
(4) قصد الضحاك بن مزاحم .
(5) قصد عالم القرآن عبد الله بن مسعود .
(6) قصد سيد القراء أبي بن كعب .
(7) مع اعترافه بإنكار أعلام السلف لكلمات القرآن تجده يقول إن هذا خطأ ، وهذا عين ما نقمته الوهابية على الشيعة عندما قالوا عمن قال بتحريف القرآن منهم أنه مخطئ ، قال الوهابي ( عثمان الخميس ) في شريطه الشيعة والقرآن : ( إن أقصى ما يقوله علماء الشيعة عن أئمتهم القائلين بالتحريف كلمة مخطئين ... وهل كلمة مخطئ تكفي إذا قالوها عمن قال بتحريف القرآن ؟! إن الذي يخالف بمسألة اجتهادية فقهية يقال له مخطئ أما ما ينكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة فهذا ـ كبعض الصحابة الذين أشار لكلماتـهم ابن تيمية ـ أقل ما يقال فيه كافر أو ملحد أو زنديق أو منافق أو طاغوت أو مرتد أو ما شابه هذه الألفاظ )
أقول مع أن شيخ إسلامهم ابن تيمية يقولها ولا من نكير ! ناهيك عن أن إنكار هؤلاء السلف أشنع لأنـهم أنكروا الموجود وأضافوا غيره أي هو حذف من القرآن مع الزيادة ! بخلاف بعض الشيعة الذين قالوا بنقصه فقط ، وهكذا الشيعة على مر العصور يستضعفون بالباطل ، قال تعالى (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص/5 ـ 6) صدق الله العلي العظيم .
(8) مجموع فتاوى ابن تيمية ج12ص492 مطابع الرياض ط الأولى 1382ه‍ .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 746 _
  ولسنا بحاجة لطلب الدليل من ابن تيمية وأتباعه على أن التواتر لم يبلغ هؤلاء المنكرين ، إذ من هوان الدنيا على الله مخاطبة من يدعي أن القرآن قد تواتر عنده ولم يتواتر عند الصحابة كابن مسعود معلم القرآن وصاحب العرض الأخير للقرآن ! ، ولم يتواتر كذلك عند سيد القراء أبي بن كعب وهو من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصحابة استقراءه القرآن كما في البخاري وكذلك كان ابن مسعود ، ولم يتواتر كذلك عند حبر الأمة ابن عباس ! ، ثم ما دخل التواتر هنا ؟! وما حاجتهم له وقد أخذوا القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مشافهة ؟!! سبحان الله !
  وعلى أي حال فنحن لا نريد تكفير أحد ، فيكفينا اعترافه أن سلفه الصالح اعتقد وقوع التحريف في القرآن .
  واعترف في عدة مواضع أن هناك من كان يقول بوقوع التحريف في القرآن حينما رد ابن تيمية على من قال بخطأ الكاتب في كتابة المصحف :
  ( وهذا يبين أن المصاحف التي نسخت كانت مصاحف متعددة وهذا معروف مشهور ، وهذا مما يبين غلط من قال في بعض الألفاظ إنه غلط من الكاتب أو نقل ذلك عن عثمان ) (1) .
  وقال أيضا : ( فكيف يتفقون كلهم على أن يكتبوا (إِنْ هَذَانِ) (طه/63) وهم يعلمون أن ذلك لـحن لا يجوز في شيء من لغاتـهم أو (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ) (النساء/162) وهم يعلمون أن ذلك لـحن كما زعم بـعضـهم ) (2) .

--------------------
(1) كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير ج15ص252.
(2) ن.م ص253.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 747 _
  وقال أيضا : ( فهذا ونحوه مما يوجب القطع بـخطأ من زعم أن في المصحف لـحنا أو غلطا وإن نقل ذلك عن بعض الناس ممن ليس قوله حجة (1) فالـخطأ جائز عليه فيما قاله ، بخلاف الذين نقلوا ما في المصحف وكتبوه وقرؤوه فإن الغلط ممتنع عليهم في ذلك ) (2) .
  واعترف ابن تيمية كذلك حينما ردّ من ادعى تحريف هذه الآية الكريمة (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) (طه/63) :
  ( ولفظه (هَذَانِ) فهذا نقل ثابت متواتر لفظا ورسما ومن زعم أن الكاتب غلط فهو الغالط غلطا منكرا كما قد بسط في غير هذا الموضع ) (3) .
  وهذا ما تناولته يدي القاصرة من كلمات شيخهم ابن تيمية التي اعترف فيها وأقر مذعنا أن سلفه الصالح من الصحابة والتابعين أنكر كلمات القرآن وبعضا من سوره وجعلوها عرضة للتلاعب ما بين التغيير والتحريف ، وهم أكابر الصحابة بلا ريب ، فلا أدري ! هل يكفرون سلفهم الصالح ؟ أم أن قدسية القرآن لا تضاهي قدسية الصحابة والتابعين!

--------------------
(1) قال ابن حزم سابقا إن أقوال الصحابة ليس بحجة وإنما الحجة قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
(2) ن.م ص254.
(3) ن.م ص255.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _748 _
الخلف على درب السلف !
  لم أتتبع كلمات الـمحدَثين في هذه المهزلة ، وإلا لملأنا الطوامير ولزادت الأسماء والأعلام إلى الضعف بل الضعفين ، ولنقتصر على أمثلة منها :
( المحدِّث الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي )
  قال في تعليقه على الرواية التي فيها ( يا أبا المنذر أن أخاك ابن مسعود يحكهما من المصحف ! ) : ( أخرجه البخاري من طريق قتيبة وعلي بن المديني عن سفيان (ج8ص524) ولم يصرح بـما كان يصنع ابن مسعود ) (1) .

--------------------
(1) المسند للحميدي ج1ص185ح374.

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 749 _
( الشيخ الأزهري ابن الـخطيب )
  قال الشيخ ابن الخطيب في فصل ( لـحن الكُـّتاب في المصحف ) من كتابه الفرقان :
  ( رأي عائشة في خطأ الكُـتّاب : وقد سئلت عائشة عن اللحن في قوله تعالى ( إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) (طه/63) ، وقوله عز من قائل (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) (النساء/162) ، وقوله جل وعز (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ) (المائدة/69)، فقالت : هذا من عمل الكُـتّاب ، أخطأوا في الكتاب (1) .
  وقد ورد هذا الحديث بمعناه بإسناد صحيح على شرط الشيخين .
  وأخرج الإمام أحمد في سنده عن أبي خلف مولى بني جمح أنه دخل على عائشة فقال : جئت أسالك عن آية من كتاب الله تعالى ، كيف كان يقرؤها رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ؟ قالت : أية آية ؟ قال ( والذين يؤتون ما أتوا ) أو (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا) (المؤمنون/60) ؟ قالت أيتهما أحب إليك ؟ قال : والذي نفسي بيده لإحداهما أحب إلي من الدنيا جميعا ، قالت : أيتهما ؟ قال ( والذين يؤتون ما أتوا ) ، فقالت : أشهد أن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم كذلك كان يقرؤها ، وكذلك أنزلت ، ولكن الـهجاء حُـرّف (2) .
  رأي سعيد بن جبير في خطأ الكُـتّاب : وعن سعيد بن جبير قال : في القرآن أربعة أحرف لـحن : (وَالصَّابِئُونَ)،(وَالْمُقِيمِينَ) (3) ، (فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّا لِحِين َ ) ، ( إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ).
  رأي أبان بن عثمان في خطأ الكاتب : وقد سئل أبان بن عثمان : كيف صارت (لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) ما بين يديها وما خلفها رفع وهي نصب ؟! ، قال : من قِبَل الكاتب ، كتب ما قبلها ، ثم سأل

--------------------
(1) كتب ابن الخطيب في الهامش بعض وجوه ذكرت لتصحيح رفع ( هذان ) في قوله تعالى ( إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) (طه/63) فرفض فكرة تصحيحها وقال ( وفي الجميع نظر ، وهو تمحل ظاهر ، وتكلف لا داعي له ) !! ، وكأنه من الخطأ الذي لا مجال لتصحيحه !
(2) وفي الهامش هنا علق ابن الخطيب بقوله ( ولم يؤرد هذه القراءة أحد من القرّاء مع وثوق روايتها عن عائشة ، وهي من هي من قربـها ممن نزل عليه القرآن صلى الله عليه (وآله) وسلم ).
(3) وذكر ابن الخطيب هنا أيضا توجيهين ذكرهما العلماء لتوجيه اختلال القاعدة النحوية في كل من (وَالصَّابِئُونَ) (وَالْمُقِيمِينَ) فرفضهما وقال عن كل واحد منهما ( وهو تعليل سقيم ) !

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 750 _
  المملي : ما أكتب ؟ قال أكتب ( المقيمين الصلاة ) ، فكتب ما قيل له ، لا ما يجب عربية ، ويتعيّن قراءة .
  رأي ابن عباس في خطأ الكُـتّاب : وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى ( حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا) (النور/27) ، قال : إنما هي خطأ من الكاتب ، ( حتى ستأذنوا وتسلموا ).
  وقرأ أيضا ( أفلم يتبين الذين آمنوا أن لو شاء الله لهدى الناس جميعا ) ، فقيل له : إنـها في المصحف ( أَفَلَمْ يَيْئَسْ) (الرعد/31) ، قال : أظن أن الكاتب قد كتبها وهو ناعس .
  وقرأ أيضا ( ووصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) وكان يقول : إن الواو قد التزقت بالصاد (1).
  رأي الضحاك في خطأ الكتاب : وعن الضحاك إنما هي ( ووصى ربك ) وكذلك كانت تقرأ وتكتب فاستمد كاتبكم فاحتمل القلم مدادا كثيرا ، فالتزقت الواو بالصاد ، ثم قرأ ( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ) (النساء/131)، (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ) (العنكبوت/8) ، وقال : لو كانت ( قَضَىْ ) (الإسراء/23) من الرب ، لم يستطع أحد ردّ قضاء الرب تعالى ، ولكنها وصية أوصى بـها عباده (2) .
  وقرأ ابن عباس أيضا (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً ) (الأنبياء/48)، ويقول : خذوا الواو من هنا واجعلوها ههنا ، عند قوله تعالى (الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ

--------------------
(1) علق ابن الخطيب في هامشه بقوله ( وذلك لأنـهم كانوا لا ينقطون الأحرف ، فلم يظهر الفرق بين الواو وقد التصقت بالصاد ( ووصى ) وبين القاف الملتصقة بالضاد (قَضَىْ) ) ! .
(2) علق ابن الخطيب في هامشه مؤيدا لدعوى التحريف بقوله ( يؤيد ما ذهب إليه ابن عباس ، وأيده فيه الضحاك ، قوله تعالى عن لوط عليه السلام : (وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاَءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ)(الحجر/66)، وقد تم ما قضاه الله .
  وقوله تعالى عن سليمان عليه السلام (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ) (سبأ/14)، وقد مات فعلا .
  وقوله تعالى (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ) (الإسراء/4)، وقد حصل الفساد مرتين ، وخلاصة ما يؤيد هذا المذهب قوله تعالى ( إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (مريم/35)، بمعنى أنه تعالى إذا قضى ألا يعبد الناس إلا إياه ، وأن يحسنوا إلى والديهم ، كان ذلك حتما مقضيا بالنسبة لسائر المخاطبين ، ويؤيد القراءة المشهورة قوله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (الأحزاب/36).
  فيكون القضاء بمعنى الحث والاختيار والترغيب ، ويصح أن يؤخذ من هذا أيضا دليل عكسي ، لأن هذه الآية نزلت في زواج زينب بنت جحش بزيد بن حارثة ، وقد تم ما قضاه الله تعالى ، وتزوجت به رغم معارضتها لهذا الزواج وإبائها ) .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 751 _
   فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)(آل عمران/173)، يريد بذلك أن تقرأ ( والذين قال لهم الناس ) (1) .
  وقرأ أيضا ( مثل نور المؤمن كمشكاة ) وكان يقول : هي خطأ من الكاتب ، هو تعالى أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة ) (2) .

--------------------
(1) وعلق في هامشه بقوله ( والقراءة المشهورة (وَضِيَاءً) باثبات الواو حيث لا موجب لوجودها (!) ، والقراءة المشهورة (الَّذِينَ) بدون واو ، مع أن ما قبلها غير متعلق به (!) ).
(2) الفرقان لابن الخطيب ص41 ـ 45 ط دار الكتب العلمية .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 752 _
( الدكتور مصطفى ديب البغا )
  وعلق هو الآخر على رواية البخاري : ( ( أخاك ) أي في الدين ، ( كذا وكذا ) أي أن المعوذتين ليستا من القرآن يعني أنه لم يثبت عند ابن مسعود رضي الله عنه القطع بذلك (!) ، ثم حصل الاتفاق بعد ذلك ) (1).
( الأستاذ عبد السلام محمد هارون )
  وقال معلقا على حديث البخاري : ( ( كذا وكذا ) يريد أن عبد الله بن مسعود يقول إن المعوذتين ليستا من القرآن ) (2) .
  ( المحققان صبري بن عبد الخالق الشافعي ، وسعيد بن عباس الجليمي )   قال محققا تفسير الإمام النسائي : ( قوله ( إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا ) : هكذا وقع مبهما ، وكأن بعض الرواة أبـهمه استعظاما له ، والمراد أن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين

--------------------
(1) صحيح البخاري بشرح وضبط الدكتور مصطفى البغا ج4ص1904ح4693 تفسير سورة الناس ط دار ابن كثير .
(2) الألف المختارة من صحيح البخاري لعبد السلام هارون ج7ص149 تفسير سورة الناس ط دار السلف مصر .

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف _ 753 _
  في مصحفه ، كما جاء مصرحا به في كثير من الروايات وهو مخالف لما تواتر أنـهما من القرآن ، وكما ثبت في حديث القراءة بـها في الصلاة ) (1) .
( المحقق محمد علي الصابوني )
  واعترف الصابوني في تحقيقه على معاني القرآن للفراء عند هذا القول : ( وقرأ أبو عمرو ( إن هذين لساحران ) واحتج أنه بلغه عن بعض أصحاب محمد (2) صلى الله عليه (وآله) وسلم أنه قال : إن في المصحف لـحناً وستقيمه العرب) (3) .
  أن هذا القائل من الصحابة هو عثمان بن عفان ! فذكر في الهامش ما ذكر هنا .

( إمام وخطيب المسجد الحرام أسامة بن عبد الله الخياط )
  اعتمد هذا الوهابي على قول من قال بنسيان ابن مسعود قرآنية المعوذتين وقرآنية قوله تعالى ( وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى ) (الليل/3) ، وواضح أن دعوى النسيان هذه ليست إلا بيانا لسبب إنكاره للمعوذتين ولقراءة الآية السابقة ، قال في كتابه مختلف الحديث بين المحدثين والأصوليين والفقهاء :
  ( أنه على تقدير ثبوت حديث ابن مسعود ، فإنه لا يعارض أحاديث الرفع ، لـجواز أن يكون ابن مسعود قد نسي رفع اليدين ، قال ابن عبد الهادي : ليس في نسيان عبد الله بن مسعود لرفع اليدين ما يوجب أن الصحابة لم يروا النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم رفع يديه ، قد نسي ابن مسعود من القرآن ما لم يختلف المسلمون فيه بعد ، وهما : المعوذتان ).
  وقال : ( ونسي ما كان يقرأ النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى ) (الليل/3) وإذا جاز على عبد الله أن ينسى مثل هذا في الصلاة خاصة ، كيف لا يجوز مثله في رفع اليدين ؟! ) (4) .

--------------------
(1) تفسير النسائي ج2ص625 ط ،مؤسسة الكتب الثقافية .
(2) عثمان بن عفان ، هكذا كتب المحقق محمد علي الصابوني في هامشه .
(3) معاني القرآن للفراء ج2ص483 ط عالم الكتب .
(4) مختلف الحديث بين المحدثين والأصوليين والفقهاء لأسامة بن عبد الله الخياط ص256 ـ 257 ط دار الفضيلة .