فقال السيِّد : أمّا قوله (4) : إنّي أقول بالرجعة ، فإنّي أقول بذلك على ما قال الله تعالى : ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّة فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يوزَعُونَ ) (5) وقال في موضع آخر : ( وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) (6) فعلمنا أنّ هاهنا حشرين : أحدهما عامّ والآخر خاصّ ، وقال سبحانه : ( رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا ) (7) وقال تعالى : ( فَأَمَاتَهُ اللهُ مِاْئَةَ عَام ثُمَّ بَعَثَهُ ) (8) وقال تعالى : --------------------------- (1) في المصدر زيادة : وهذا لا يمنع من تمام الظلم عليهم حيناً مع النصر لهم . (2) المسائل العكبرية : 74 ( ضمن مصنّفات المفيد ج 6 ) . (3) في الفصول : الحارث بن عبيدالله الربعي . (4) في ( ح ) : أمّا قولك . (5) سورة النمل 27 : 83 . (6) سورة الكهف 18 : 47 . (7) سورة غافر 40 : 11 . (8) سورة البقرة 2 : 259 . الاِيقاظ مِنَ الهجْعَةِ بالبرهان على الرجعة _ 85 _( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوْا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ) (1) فهذا كتاب الله .وقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( يحشر المتكبّرون (2) في صورة الذرّ يوم القيامة ) . وقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( لم يجر في بني إسرائيل شيء إلا ويكون في اُمّتي مثله ، حتّى الخسف والمسخ والقذف ) ، وقال حذيفة : ما أبعد أن يمسخ الله كثيراً من هذه الاُمّة قردة وخنازير . فالرجعة التي أذهب إليها هي (3) ما نطق به القرآن وجاءت به السنّة ، وإنّي لأعتقد أنّ الله يردّ هذا ـ يعني سواراً ـ إلى الدنيا كلباً أو قرداً أو خنزيراً أو ذرّة ، فإنّه والله متكبِّر متجبِّر كافر ، فضحك المنصور وأنشأ السيِّد يقول :
وقال المفيد أيضاً في الكتاب المذكور : سأل بعض المعتزلة شيخاً من ـ أصحابنا (5) الإماميّة ـ وأنا حاضر في مجلس فيهم (6) جماعة كثيرة من أهل النظر والمتفقّهة فقال : إذا كان من قولك إنّ الله يردّ الأموات إلى دار الدنيا قبل الآخرة عند قيام القائم (7) ( عليه السلام ) ليشفي المؤمنين كما زعمتم من الكافرين ، وينتقم لهم منهم كما فعل من بني إسرائيل ، حيث تتعلّقون بقوله تعالى ( ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ --------------------------- (1) سورة البقرة 2 : 243 . (2) في نسخة ( ش وط ) : المنكرون . (3) ( هي ) أثبتناها من المصدر . (4) الفصول المختارة : 93 / 95 ( ضمن مصنّفات المفيد ج 2 ) . (5) في ( ط ) : أصحاب . (6) في ( ش ) : فيه . (7) في ( ش ) : القيام ، وفي ( ط ) : القائم، بدل قيام القائم، وفي ( ح ) : ظهور القائم ( عليه السلام ) . الاِيقاظ مِنَ الهجْعَةِ بالبرهان على الرجعة _ 86 _عَلَيْهِمْ ) (1) فما الذي يؤمنك أن يتوب يزيد وشمر وابن ملجم ويرجعوا عن كفرهم (2) ، فيجب عليك ولايتهم والقطع بالثواب لهم ؟ وهذا خلاف مذهب الشيعة .فقال الشيخ المسؤول (3) : القول بالرجعة إنّما قلته من طريق التوقيف ، وليس للنظر فيه مجال ، وأنا لا اُجيب عن هذا السؤال; لأنّه لا نصّ عندي فيه ، ولا يجوز لي أن أتكلّف (4) ـ من غير جهة النصّ ـ الجواب ، فشنّع السائل وجماعة المعتزلة عليه بالعجز والإنقطاع . قال الشيخ أيّده الله : فأقول : أنا أردّ (5) عن هذا السؤال جوابين : أحدهما : إنّ العقل لا يمنع من وقوع الإيمان ممّن ذكره السائل ، لأنّه يكون آنذاك قادراً عليه ومتمكِّناً منه ، لكنّ السمع الوارد عن أئمّة الهدى ( عليهم السلام ) بالقطع عليهم بالخلود في النار ، والتديّن بلعنهم والبراءة منهم إلى آخر الزمان منع من الشكّ في حالهم ، وأوجب القطع على سوء اختيارهم ، فجروا في هذا الباب مجرى فرعون وهامان وقارون ، ومجرى من قطع الله على خلوده في النار . ودلّ القطع على أنّهم لا يختارون الإيمان ممّن قال الله : ( وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْء قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله ) (6) يريد إلا أن يلجئهم الله ، والذين قال الله تعالى فيهم : ( وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) (7) وقال الله تعالى لإبليس : ( لاََمْلاََنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ --------------------------- (1) سورة الاسراء 17 : 6 . (2) في المصدر زيادة : وضلالهم ويصيروا في تلك الحال إلى طاعة الإمام ( عليه السلام ) . (3) في ( ح ، ط ) : المسؤول منه . (4) في ( ش ) : ولا يجوز أن أتكلّم . (5) ( فأقول أنا أردّ ) لم يرد في ( ح ) . (6) سورة الأنعام 6 : 111 . (7) سورة الأنفال 8 : 23 . الاِيقاظ مِنَ الهجْعَةِ بالبرهان على الرجعة _ 87 _مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ) (1) وقال : ( وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ) (2) وقال : ( وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ) (3) وقال : ( سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَب ) (4) فقطع عليه (5) بالنار وأمن من انتقاله إلى ما يوجب له الثواب ، وإذا كان الأمر على ما وصفناه بطل ما توهّموه .والجواب الآخر : إنّ الله سبحانه إذا ردّ الكافرين في (6) الرجعة لينتقم منهم لم يقبل لهم توبة ، وجروا في ذلك مجرى فرعون لمّا أدركه الغرق ( قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (7) قال سبحانه له : ( آلاْنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) (8) فردّ الله عليه إيمانه ولم ينفعه في تلك الحال ندمه وإقلاعه ، وكأهل الآخرة الذين لا يقبل الله لهم توبة ولا ينفعهم ندم ، لأنّهم كالملجئين إلى ذلك الفعل ، ولأنّ الحكمة تمنع من قبول التوبة أبداً ، وتوجب اختصاصها ببعض الأوقات . وهذا هو الجواب الصحيح على مذهب الإمامية ، وقد جاءت به آثار متظافرة (9) عن آل محمّد ( عليهم السلام ) فروي (10) عنهم في قوله تعالى : ( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ --------------------------- (1) و (2) سورة ص 38 : 85 و 78 . (3) سورة الأنعام 6 : 28 . (4) سورة المسد 111 : 3 . (5) في ( ش ) : عليهم . (6) في ( ح ، ش ، ط ) : إلى . (7) و (8) سورة يونس 10 : 90 و 91 . (9) في ( ح ) : متظاهرة ، وكذلك المصدر . (10) في ( ح ) : مرويّ ، وفي ( ط ) : فيروي ، وفي المصدر : حتى روي . الاِيقاظ مِنَ الهجْعَةِ بالبرهان على الرجعة _ 88 _انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ ) (1) فقالوا : ( إنّ هذه الآية هو (2) القائم ( عليه السلام ) ، فإذا ظهر لم تقبل توبة المخالف ) وهذا يبطل ما اعتمده (3) السائل .فإن قيل : فيكون الله تعالى (4) قد أغرى عباده بالعصيان ، وأباحهم الهرج والمرج والطغيان ، لأنّهم إذا كانوا يقدرون على الكفر وأنواع الضلال وقد يئسوا من قبول التوبة ، لم يدعهم داع إلى الكفّ عمّا في طباعهم ، ولا انزجروا عن فعل قبيح (5) ، ومن وصف الله بإغراء خلقه بالمعاصي فقد أعظم الفرية عليه . قيل لهم : ليس الأمر على ما ظننتموه ، وذلك أنّ الدواعي لهم إلى المعاصي تكون مرتفعة إذ ذاك (6) ، لأنّهم علموا بما سلف لهم من العذاب إلى وقت الرجعة ، على خلاف أئمّتهم ، ويعلمون في الحال أنّهم معذّبون على ما سبق لهم من العصيان ، وأنّهم إن راموا فعل قبيح تزايد عليهم العقاب في الحال ، وإن لزمنا هذا السؤال لزم جميع أهل الإسلام مثله في أهل الآخرة ، وإبطال توبتهم ، فما أجابوا به فهو جوابنا . فإن قيل على الجواب الأوّل : كيف يتوهّم من القوم الإقامة على العناد ، وقد عاينوا العقاب في القبور وحلّ بهم عند الرجعة العذاب ، وكيف يصحّ أن تدعوهم الدواعي إلى ذلك ؟ --------------------------- (1) سورة الأنعام 6 : 158 . (2) في ( ش ، ط ) : هي . (3) في ( ح ) : ما اعتقده . (4) في المصدر : سؤال : فإن قالوا في هذا الجواب : ما أنكرتم أن يكون الله سبحانه على ما أصّلتموه، بدل من : فإن قيل : فيكون الله تعالى . (5) في المصدر زيادة : يصلون به إلى النفع العاجل . (6) في المصدر زيادة : ولا يحصل لهم داع إلى قبيح على وجه من الوجوه ولا سبب من الأسباب . الاِيقاظ مِنَ الهجْعَةِ بالبرهان على الرجعة _ 89 _قيل : يصحّ ذلك لأنّ جميع ما عدّدتموه لا يمنع من دخول الشبهة عليهم في استحسان الخلاف ، لأنّهم يظنّون أنّهم إنّما بعثوا بعد الموت تكرمة لهم وليّلوا الدنيا كما كانوا يظنّون ، وإذا حلّ بهم العقاب توهّموا قبل مفارقة أرواحهم أجسادهم أنّ هذا ليس على سبيل الإستحقاق (1) ، وأنّه من الله تعالى كما حلّ بالأنبياء ، ولأصحاب (2) هذا الجواب أن يقولوا : ليس ما ذكرناه بأعجب من كفر (3) قوم موسى وعبادتهم العجل ، وقد شاهدوا منه الآيات وعاينوا ما حلَّ بفرعون وملائه من العذاب على الخلاف .ولا بأعجب من إقامة أهل الشرك على خلاف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهم يعلمون عجزهم عن مثل ما أتى به من القرآن ، ويشهدون معجزاته وآياته ، ويجدون وقوع ما يخبر به على حقائقه ، من قوله ( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ) (4) وقوله تعالى : ( لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ) (5) وقوله ( غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ) (6) وغير ذلك ، وما حلّ بهم من العذاب (7) بسيفه ، وهلاك من توعّده بالهلاك هذا ، وفيمن (8) أظهر الإيمان به المنافقون ينضافون في خلافه إلى أهل الشرك . على أنّ هذا السؤال لا يسوغ لأصحاب المعارف من المعتزلة ; لأنّهم يزعمون --------------------------- (1) في ( ش ) : الاستحقار . (2) في ( ش ) : والأصحاب . (3) في المطبوع ونسخة ( ط ) : أمر . (4) سورة القمر 54 : 45 . (5) سورة الفتح 48 : 27 . (6) سورة الروم 30 : 2 / 3 . (7) في المصدر : العقاب . (8) في ( ش ) : أول من ، بدل من : وفيمن . الاِيقاظ مِنَ الهجْعَةِ بالبرهان على الرجعة _ 90 _أنّ أكثر المخالفين على الأنبياء كانوا من أهل العناد (1) ، وأنّ جمهور الذين يظهرون الجهل بالله تعالى يعرفونه على الحقيقة ، ويعرفون أنبياءه وصدقهم ، ولكنّهم على اللجاجة والعناد ، فلا يمتنع أن يكون الحكم في الرجعة وأهلها على هذا الوصف .وقد قال الله تعالى ( وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُم مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) (2) فأخبر الله سبحانه أنّ أهل العقاب لو ردّهم (3) إلى الدنيا لعادوا إلى (4) الكفر والعناد ، مع ما شاهدوا (5) في القبور وفي المحشر من الأهوال ، وما ذاقوا من أليم العذاب (6) . وقال في ( الإرشاد ) عند علامات ظهور القائم ( عليه السلام ) : وأموات ينشرون من القبور إلى الدنيا ، فيتعارفون فيها ويتزاورون (7) . وقال في جواب ( المسائل السرويّة ) (8) لمّا سُئل عمّا يروى عن الصادق ( عليه السلام ) في الرجعة وما معنى قوله ( عليه السلام ) : ( ليس منّا من لم يقل بمتعتنا ويؤمن برجعتنا ) أهي حشر في الدنيا مخصوص للمؤمن ؟ أو لغيره من الظَلَمة الجبّارين قبل يوم القيامة ؟ فكتب الشيخ بعد الجواب عن المتعة . --------------------------- (1) في ( ح ) : الفساد . (2) سورة الأنعام 6 : 27 / 28 . (3) في ( ط ) : أهل العذاب لو ردّوهم . (4) في ( ح ) : في . (5) في ( ح ) : ما شاهدوه . (6) الفصول المختارة : 153 / 157 ( ضمن مصنّفات المفيد ج 2 ) باختلاف . (7) إرشاد المفيد 2 : 369 / 370 . (8) في ( ح ) : المسائل الغروية . الاِيقاظ مِنَ الهجْعَةِ بالبرهان على الرجعة _ 91 _وأمّا قوله : ( من لم يقل برجعتنا فليس منّا ) فإنّما أراد بذلك ما يختصّه من القول به ، في أنّ الله تعالى يحشر قوماً من اُمّة محمد ( صلى الله عليه وآله ) بعد موتهم قبل يوم القيامة ، وهذا مذهب يختصّ به آل محمّد ( عليهم السلام ) ، والقرآن شاهد به ، قال الله تعالى في ذكر الحشر الأكبر يوم القيامة ( وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) (1) وقال سبحانه في حشر الرجعة قبل يوم القيامة ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّة فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا ) (2) فأخبر أنّ الحشر حشران : عامّ وخاصّ .وقال سبحانه مخبراً عمّن يحشر من الظالمين أنّه يقول يوم الحشر الأكبر ( رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوج مِن سَبِيل ) (3) وللعامّة في هذه الآية تأويل مردود ، وهو أن قالوا : المعنى أنّه خلقهم أمواتاً ثمّ أماتهم بعد الحياة . وهذا باطل لا يستمرّ (4) على لسان العرب ، لأنّ الفعل لا يدخل إلا على من كان بغير الصفة التي انطوى اللفظ على معناها ، ومن خلقه (5) الله أمواتاً لا يقال أماته ، وإنّما يدخل (6) ذلك فيمن طرأ عليه الموت بعد الحياة ، كذلك لا يقال أحيا الله ميتاً إلا أن يكون قبل إحيائه ميّتاً ، وهذا بيّن لمن تأمّله . وقد زعم بعضهم أنّ المراد الموتة التي تكون (7) بعد سؤالهم في القبور فتكون --------------------------- (1) سورة الكهف 18 : 47 . (2) سورة النمل 27 : 83 . (3) سورة غافر 40 : 11 . (4) في المصدر : لا يجري . (5) في ( ش ) : خلقهم . (6) في المصدر : يقال . (7) في ( ط ) : الموت الذي يكون . الاِيقاظ مِنَ الهجْعَةِ بالبرهان على الرجعة _ 92 _الاُولى قبل الإقبار ، والثانية بعده ، وهذا أيضاً باطل من وجه آخر ، وهو أنّ الحياة للمسألة ليس للتكليف (1) ، فيندم الإنسان على ما فاته في حاله ، وندم القوم على ما فاتهم في حياتهم المرّتين يدلّ على أنّه لم يرد حياة المسألة ، لكنّه أراد حياة الرجعة التي تكون لتكليفهم (2) الندم على تفريطهم فلا يفعلون ذلك ، فيندمون يوم العرض على ما فاتهم من ذلك .والرجعة عندنا تختصّ بمن محض الإيمان ومحض الكفر ، دون من سوى هذين الفريقين ، فإذا أراد الله تعالى على ما ذكرناه أوهم الشياطين أعداء الله عزّ وجلّ أنّهم إنّما ردّوا إلى الدنيا لطغيانهم على الله ، فيزدادوا عتوّاً ، فينتقم الله منهم بأوليائه ، ويجعل لهم الكرّة عليهم ، فلا يبقى منهم إلا من هو مغموم بالعذاب ، وتصفو الأرض ويكون الدين لله . وقد قال قوم : كيف يعود (3) الكفّار بعد الموت إلى طغيانهم وقد عاينوا عذاب البرزخ ؟ فقلت : ليس ذلك بأعجب من الكفّار الذين يشاهدون العذاب فيقولون ( يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (4) فقال الله تعالى ( وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ) (5) فلم يبق للمخالف بعد هذا شبهة يتعلّق بها (6) . وقال (7) الشيخ المفيد أيضاً في جواب مسائله عن الرجعة : وعمّن يرجع فيها محمّد ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته ، واُمّته الذين محض الإيمان والكفر ، دون من سلف من --------------------------- (1) في ( ح ) : لا للتكليف . (2) في ( ح ) : لتكليف ، وفي ( ش ) : لتكلّفهم . (3) في ( ح ) : يرد . (4) و (5) سورة الأنعام 6 : 27 و 28 . (6) المسائل السروية : 32 / 36 ( ضمن مصنّفات المفيد ج 7 ) باختلاف . (7) من هنا إلى آخر قول المفيد ، أثبتناه من نسخة ( ح ) . الاِيقاظ مِنَ الهجْعَةِ بالبرهان على الرجعة _ 93 _الاُمم الخالية والقرون البالية (1) .وقال السيِّد المرتضى علم الهدى في جواب المسائل التي وردت عليه من الري حيث سألوا عن حقيقة الرجعة ، لأنّ شذّاذ الإماميّة يذهبون إلى أنّ الرجعة رجوع دولتهم في أيّام القائم ( عليه السلام ) دون رجوع أجسامهم (2) . الجواب : إنّ الذي تذهب إليه الشيعة الإماميّة أنّ الله يعيد عند ظهور إمام الزمان المهدي ( عليه السلام ) قوماً ممّن كان تقدّم موته من شيعته ، ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ، ومشاهدة دولته ، ويعيد أيضاً قوماً من أعدائه لينتقم منهم ، والدليل على صحّة ذلك أنّ ذلك لا شبهة على عاقل أنّه مقدور لله غير مستحيل ، فإنّا نرى كثيراً من مخالفينا ينكرون الرجعة إنكار من يراها مستحيلة . وإذا ثبت جواز الرجعة فالطريق إلى إثباتها إجماع الإماميّة ، فإنّهم لا يختلفون في ذلك ، وإجماعهم ـ قد بيّنّا في غير موضع من كتبنا أنّه ـ حجّة ، وبيّنّا أنّ الرجعة لا تنافي التكليف ، فلا يظنّ ظانّ أنّ التكليف معها باطل ، فإنّ التكليف كما يصحّ مع ظهور المعجزات ، فكذا يصحّ مع الرجعة ، لأنّه ليس في ذلك ملجأ إلى فعل الواجب وترك القبيح . فأمّا من تأوّل الرجعة بأنّ معناها رجوع الدولة دون رجوع الأشخاص وإحياء الأموات ، فإنّ قوماً من الشيعة لمّا عجزوا عن نصرة الرجعة عوّلوا على هذا التأويل ، وهذا غير صحيح ، لأنّ الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة (3) فتطرّق التأويلات عليها ، وكيف يثبت ما هو مقطوع على صحّته بأخبار الآحاد --------------------------- (1) المسائل السروية : 35 ( ضمن مصنفات المفيد ج 7 ) باختلاف . (2) في ( ح ) : أجسادهم . (3) ( المنقولة ) لم ترد في ( ط ) . الاِيقاظ مِنَ الهجْعَةِ بالبرهان على الرجعة _ 94 _التي لاتوجب العلم !وإنّما المعوّل في إثبات الرجعة على إجماع الإماميّة على معناها ، بأنّ الله يُحيي أمواتاً عند قيام القائم ( عليه السلام ) من أوليائه وأعدائه ، فكيف يتطرّق التأويل على ما هو معلوم فالمعنى غير محتمل (1) ( انتهى ) . وقال السيِّد رضيّ الدين بن طاووس في ( الطرائف ) : روى مسلم في صحيحه ـ في أوائل الجزء الأوّل ـ بإسناده إلى الجرّاح بن مليح ، قال : سمعت (2) جابراً يقول : عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) ، عن النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) تركوها كلّها . ثمّ ذكر مسلم في ( صحيحه ) : بإسناده إلى محمّد بن عمر الرازي ، قال : سمعت جريراً (3) يقول : لقيت جابر بن يزيد الجعفي (4) فلم أكتب عنه ; لأنّه كان يؤمن بالرجعة . قال ابن طاووس : انظر كيف حرموا أنفسهم الإنتفاع برواية سبعين ألف حديث عن نبيّهم برواية أبي جعفر ( عليه السلام ) الذي هو من أعيان أهل بيته ، الذين (5) أمرهم الله بالتمسّك بهم ، وإنّ أكثر المسلمين أو كلّهم قد رووا إحياء الأموات في الدنيا ، وحديث إحياء الله الأموات في القبور للمسألة ، وقد تقدّمت روايتهم عن أهل الكهف ، وهذا كتابهم يتضمّن ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوْا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ) (6) والسبعون الذين أصابتهم الصاعقة --------------------------- (1) رسائل الشريف المرتضى 1 : 125 / 126 . (2) في ( ط ) : سمعنا . (3) في ( ح ) : حريزاً . (4) ( الجعفي ) لم يرد في ( ط ) . (5) في ( ش ) : الذي . (6) سورة البقرة 2 : 243 . الاِيقاظ مِنَ الهجْعَةِ بالبرهان على الرجعة _ 95 _مع موسى ، وحديث العزير ومن أحياه عيسى بن مريم ، وحديث جريح الذي أجمع على صحّته ، وحديث الذين يحييهم الله في القبور للمسألة ، فأيّ فرق بين هؤلاء وبين ما رواه أهل البيت وشيعتهم من الرجعة ، وأيّ ذنب لجابر في ذلك حتّى يُسقَط حديثه (1) ( انتهى ) .وتأتي جملة اُخرى من عبارات علمائنا في هذا المعنى إن شاء الله تعالى (2) . الخامس : الضرورة ، فإنّ ثبوت الرجعة من ضروريّات مذهب الإماميّة عند جميع العلماء المعروفين والمصنّفين المشهورين ، بل يعلم العامّة أنّ ذلك من مذهب الشيعة ، فلا ترى أحداً يعرف اسمه ويعلم (3) له تصنيف من الإماميّة يصرّح بإنكار الرجعة ولا تأويلها ، ومعلوم أنّ الضروري والنظري يختلف عند الناظرين ، فقد يكون الحكم ضروريّاً عند قوم ، نظرياً عند آخرين ، والذي يعلم بالتتبّع أنّ صحّة الرجعة أمر محقّق معلوم مفروغ منه مقطوع به ، ضروريّ عند أكثر علماء (4) الإماميّة أو الجميع ، حتّى لقد صنّفت الإماميّة كتباً كثيرة في إثبات الرجعة كما صنّفوا في إثبات المتعة وإثبات الإمامة وغير ذلك ، ولا يحضرني أسماء جميع تلك (5) الكتب وأنا أذكر ما حضرني من ذلك . قال الشيخ الجليل رئيس الطائفة أبو جعفر الطوسي في ( فهرست علماء الشيعة ومصنّفيهم ) : أحمد بن داود بن سعيد الفزاري يكنّى أبا يحيى الجرجاني ، كان من أجلّة أصحاب الحديث من العامّة ، ورزقه الله هذا الأمر واستبصر ، وله مصنّفات --------------------------- (1) الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : 190 / 191 ، صحيح مسلم 1 : 20 ـ المقدّمة . (2) إلى هنا انتهى ما سقط من ( ك ) . (3) في ( ح ، ك ) : أو يعلم ، وفي ( ط ) : ويعرف . (4) في ( ط ) : علمائنا . (5) ( تلك ) لم ترد في ( ط ، ش ) . الاِيقاظ مِنَ الهجْعَةِ بالبرهان على الرجعة _ 96 _كثيرة في فنون الاحتجاج على المخالفين ـ إلى أن قال ـ : فمن كتبه كتاب خلاف عمر ـ إلى أن قال ـ : كتاب المتعة ، كتاب الرجعة (1) .وقال النجاشي في كتاب ( الرجال ) : أبو يحيى الجرجاني ، قال الكشّي : كان من أجلّة (2) أصحاب الحديث ، ورزقه الله هذا الأمر ، وصنّف في الردّ على الحشوية (3) تصنيفاً كثيراً ، فمنها كتاب خلاف عمر ـ إلى أن قال ـ : كتاب المتعة والرجعة (4) . وقال النجاشي في ترجمة الحسن بن علي بن أبي حمزة : له كتب منها كتاب القائم ، كتاب الدلائل ، كتاب المتعة ، كتاب الرجعة ، كتاب فضائل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) (5) . وقال النجاشي أيضاً : الفضل بن شاذان كان ثقة أجلّ أصحابنا الفقهاء والمتكلِّمين وله جلالة في هذه الطائفة ، وهو في فضله أشهر من أن نصفه ، ذكر الكنجي أنّه صنّف مائة وثمانين كتاباً وقع إلينا منها : كتاب النقض على الإسكافي ـ إلى أن قال ـ : كتاب إثبات الرجعة ، كتاب الرجعة ، كتاب حذو النعل بالنعل (6) --------------------------- (1) فهرست الطوسي : 80 / 81 ـ 100 . (2) الحشوية : وسمّيت بالحشوية لأنّهم يحشّون الأحاديث التي لا أصل لها في الأحاديث المرويّة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وجميع الحشوية يقولون بالجبر والتفويض ، المقالات والفرق لسعد بن عبد الله الأشعري : 136 . (3) رجال النجاشي : 454 / 1231 . (4) رجال النجاشي : 454 / 1231 . (5) نفس المصدر : 37 / 73 . (6) في حاشية نسخة ( ك ، ط ) : الظاهر أنّه في مشابهة أحوال هذه الاُمّة لأحوال بني إسرائيل في الرجعة وغيرها ، وقد ألّف الراوندي كتاباً مختصراً في ذلك وجعله ملحقاً بكتاب الخرائج والجرائح ( منه ( رحمه الله ) ) . الاِيقاظ مِنَ الهجْعَةِ بالبرهان على الرجعة _ 97 _( انتهى ) (1) .وقال الشيخ الطوسي في ( الفهرست ) : الفضل بن شاذان متكلِّم جليل القدر ، له كتب منها : كتاب الفرائض ـ إلى أن قال ـ : كتاب في إثبات الرجعة (2) ( انتهى ) . وروى الكشّي في مدحه وجلالته أحاديث بليغة تدلّ على صحّة اعتقاداته ، والاعتماد على مؤلّفاته ، فانظر إلى هذا الشيخ الجليل (3) الذي هو أجلّ علماء الشيعة ومصنّفيهم ، قد صنّف كتابين في إثبات الرجعة بل ثلاثة فكيف إذا انضمّ إليه غيره (4) . وقد ذكر النجاشي في ترجمة محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه بعدما ذكر له مدائح جليلة وأنّه ألّف كتباً كثيرة وعدّ منها كتاب المتعة ، كتاب الرجعة ونحوه (5) . ذكر الشيخ في ( الفهرست ) وذكر من كتبه ومصنّفاته كتاب ( حذو النعل بالنعل ) (6) . وقال العلاّمة في ( الخلاصة ) : محمّد بن مسعود العيّاشي ثقة صدوق عين من عيون هذه الطائفة وكبيرها ، جليل القدر واسع الأخبار بصير بالرواية ، مضطلع بها ، له كتب كثيرة ، تزيد على مائتي مصنّف ونحوه (7) . --------------------------- (1) رجال النجاشي : 307 / 840 . (2) فهرست الطوسي : 197 و 198 / 563 . (3) ( الجليل ) لم يرد في ( ح ، ط ، ك ) . (4) رجال الكشّي : 537 / 1023 . (5) رجال النجاشي : 39 / 1049 . (6) فهرست الطوسي : 237 / 710 . (7) خلاصة الأقوال : 246 / 836 . الاِيقاظ مِنَ الهجْعَةِ بالبرهان على الرجعة _ 98 _وقال النجاشي والشيخ وذكرا من جملة كتبه ومصنّفاته كتاب الرجعة (1) .وقد نقل جميع ما ذكرناه من علماء الرجال هنا مولانا ميرزا محمّد الاسترابادي في كتابه في الرجال (2) . وممّا يدلّ على أنّ صحّة الرجعة أمر قد صار ضرورياً ما يأتي نقله عن كتاب ( سليم بن قيس الهلالي ) (3) الذي صنّفه في زمان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقوله : حتّى صرت ما أنا بيوم القيامة أشدّ يقيناً منّي بالرجعة (4) ( انتهى ) . وقد تجدّد بعده من الأحاديث التي يأتي ذكرها ما يزيد ذلك اليقين أضعافاً مضاعفة ، وقد صنّف المتأخِّرون من علمائنا أيضاً رسائل وكتباً في إثبات الرجعة ، وقد حضرني منها ثلاث رسائل ، ولم تصل إلينا الكتب السابقة المذكورة في إثبات الرجعة لننقل بعض ما فيها من الأحاديث والأدلّة ، وفيما وصل إلينا من الأحاديث المتفرّقة في الكتب المشهورة الآن (5) كفاية إن شاء الله تعالى . وقال السيِّد الجليل رضيّ الدين علي بن طاووس في كتاب ( كشف المحجّة لثمرة المهجة ) : جمعني وبعض أهل الخلاف مجلس منفرد ، فقلت لهم : ما الذي تنكرون على الإماميّة ؟ فقالوا : نأخذ عليهم تعرّضهم بالصحابة ، ونأخذ عليهم القول بالرجعة وبالمتعة ، ونأخذ عليهم حديث المهدي وأنّه حيّ مع تطاول زمان --------------------------- (1) رجال النجاشي : 352 / 944 ، فهرست الطوسي : 214 / 604 . (2) منهج المقال : 396 ترجمة أحمد بن داود الجرجاني و 102 ترجمة الحسن بن أبي حمزة و 260 ـ ترجمة الفضل بن شاذان و 307 ترجمة محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه و 319 ترجمة محمّد بن مسعود العيّاشي . (3) ( الهلالي ) لم يرد في ( ح ، ش ، ك ) . (4) كتاب سليم بن قيس الهلالي 2 : 562 . (5) ( الآن ) أثبتناها من ( ح ، ط ، ش ، ك ) . الاِيقاظ مِنَ الهجْعَةِ بالبرهان على الرجعة _ 99 _غيبته .قال : فقلت لهم : أمّا تعرّض من أشرتم إليه بذمّ الصحابة ـ إلى أن قال ـ : وأمّا ما أخذتم عليهم من القول بالرجعة ، فأنتم تروون أنّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) قال : ( إنّه يجري في اُمّته ما جرى في الاُمم السابقة ) . وهذا القرآن يتضمّن ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوْا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ) (1) فشهد أنّه قد أحياهم في الدنيا وهي رجعة ، فينبغي أن يكون في هذه الاُمّة مثل ذلك فوافقوا (2) على ذلك (3) . ثمّ ذكر كلامه معهم في القول بالمتعة وفي غيبة (4) المهدي ( عليه السلام ) . وروى ابن بابويه في كتاب ( كمال الدين وتمام النعمة ) والشيخ الطوسي في كتاب ( الغيبة ) والطبرسي في كتاب ( الاحتجاج ) بأسانيدهم في توقيعات صاحب الأمر ( عليه السلام ) (5) على مسائل محمّد بن عبدالله بن جعفر الحميري أنّه سأله عن رجل ممّن يقول بالحقّ ويرى المتعة ويقول بالرجعة ، إلا أنّ له أهلاً موافقة له قد عاهدها أن لا يتزوّج عليها ولا يتمتّع ولا يتسرّى . الجواب : ( يستحبّ له أن يطيع الله بالمتعة ليزول عنه الحلف في المعصية ولو مرّة واحدة ) (6) . --------------------------- (1) سورة البقرة 2 : 243 . (2) في ( ك ) : موافق . (3) كشف المحجّة : 54 / 55 . (4) في ( ح ، ط ) : وغيبة ، بدل من : وفي غيبة . (5) في ( ح ) : صاحب الزمان ( عليه السلام ) . (6) لم أعثر عليه في الكمال ولا في كتب الصدوق ، وقد أورده المصنّف في الوسائل 21 : 17/3 ، عن الاحتجاج ولم يُشر إلى كتب الشيخ الصدوق ، كتاب الغيبة : 383 ، الاحتجاج 2 : 572 / 573 . الاِيقاظ مِنَ الهجْعَةِ بالبرهان على الرجعة _ 100 _أقول : فهذا يدلّ على أنّ القول بالرجعة من خواصّ الشيعة وعلامات التشيّع مثل إباحة المتعة ونحوها من الضروريّات ، وتقرير المهدي ( عليه السلام ) له على ذلك يدلّ على صحّته .وروى الطبرسي في ( الاحتجاج ) قال : قد كانت لأبي جعفر مؤمن الطاق مقامات مع أبي حنيفة ، فمن ذلك : ما روي أنّه قال يوماً لمؤمن الطاق : إنّكم تقولون بالرجعة ؟ قال : نعم ، قال أبو حنيفة : فأعطني الآن ألف درهم حتّى اُعطيك ألف دينار إذا رجعنا ، قال الطاقي (1) لأبي حنيفة : فأعطني كفيلاً أنّك ترجع إنساناً ولا ترجع خنزيراً (2) . أقول : هذا كما ترى أيضاً (3) يدلّ على أنّ القول بالرجعة أمر معلوم من مذهب الإماميّة يعرفه المؤالف والمخالف ، وهذا معنى ضروري (4) المذهب ، وهذا أعلى مرتبة من الإجماع ، وفيه دلالة واضحة على بطلان تأويل الرجعة برجوع الدولة وقت خروج المهدي ( عليه السلام ) ، مضافاً إلى التصريحات الباقية الآتية . وقد قال النجاشي أيضاً في ( كتاب الرجال ) : محمّد بن علي بن النعمان مؤمن الطاق ، روى عن أبي جعفر وأبي عبدالله ( عليهما السلام ) فأمّا منزلته في العلم وحسن الخاطر فأشهر من أن يذكر ـ ثمّ ذكر جملة من كتبه إلى أن قال ـ : وكان له مع أبي حنيفة حكايات منها أنّه قال له : يا أبا جعفر أتقول بالرجعة ؟ فقال : نعم ، قال : أقرضني من كيسك هذا خمسمائة دينار ، فإذا عدت أنا وأنت رددتها إليك ، فقال له في الحال : --------------------------- (1) في ( ك ) : مؤمن الطاق . (2) الاحتجاج 2 : 313 / 314 . (3) ( أيضاً ) لم ترد في ( ط ) . (4) في ( ط ) : ضرورة . |