بهم ويمسخهم قردة وخنازير ، قال : فبكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبكينا لبكائه وقلنا : يا رسول الله ما يبكيك ؟ فقال : رحمة للاشقياء ، يقول الله تعالى : ( ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب ) ، يعني العلماء والفقهاء .
  يا ابن مسعود : من نعلم العلم يريد به الدنيا وآثر عليه حب الدنيا وزينتها استوجب سخط الله عليه وكان في الدرك الاسفل من النار مع اليهود والنصارى الذين نبذوا كتاب الله تعالى ، قال الله تعالى : ( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) .
  يا ابن مسعود : من تعلم القرآن للدنيا وزينتها حرم الله عليه الجنة .
  يا ابن مسعود : من تعلم العلم ولم تعمل بما فيه حشره الله يوم القيامة أعمى. ومن تعلم العلم رئاء وسمعة يريد به الدنيا نزع الله بركته وضيق عليه معيشته ووكله الله إلى نفسه ، ومن وكله الله إلى نفسه فقد هلك ، قال الله تعالى : ( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) .
  يا ابن مسعود : فليكن جلساؤك الابرار وإخوانك الاتقياء والزهاد ، لان الله تعالى قال في كتابه : الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين .
  يا ابن مسعود : إعلم أنهم يرون المعروف منكرا والمنكر معروفا ففي ذلك يطبع الله على قلوبهم فلا يكون فيهم الشاهد بالحق ولا القوامون بالقسط ، قال الله تعالى : كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والاقربين .
  يا ابن مسعود : يتفاضلون بأحسابهم و أموالهم ، يقول الله تعالى : وما لاحد عنده من نعمة تجزى ، إلا ابتغاء وجه ربه الاعلى ، ولسوف يرضى .
  يا ابن مسعود : عليك بخشية الله تعالى وأداء الفرائض ، فإنه يقول : هو أهل التقوى وأهل المغفرة. ويقول : رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه .
  يا ابن مسعود : دع عنك ما لا يغنيك و عليك بما يغنيك ، فإن الله تعالى يقول : ( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) .
  يا ابن مسعود : إياك أن تدع طاعة الله وتقصد معصيته شفقة على أهلك ، لانه الله تعالى يقول : يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ، إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور .
  يا ابن مسعود : إحذر الدنيا ولذاتها وشهواتها و زينتها وأكل الحرام والذهب

مكارم الأخلاق _ 452 _

  من الروضة قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من رأى يهوديا أو نصرانيا او مجوسيا او واحدا على غير ملة الاسلام فقال : الحمد لله الذي فضلني عليك بالاسلام دينا وبالقرآن كتابا وبمحمد ـ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ نبيا وبالمؤمنين إخوانا وبالكعبة قبلة لم يجمع الله بينه وبينه في النار.

( في عزيمة المسألة )
  يستحب للداعي عزيمة المسألة لقول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لا يقل أحدكم : اللهم اغفر لي إن شئت ، اللهم ارحمني إن شئت وليعزم المسألة فإنه لا يكره له. وإذا استجاب الله دعاء الداعي فليقل : الحمد لله الذي بعزته تتم الصالحات. وإذا أبطأ عليه الاجابة فليقل : الحمد لله على كل حال ، ويكره للداعي استبطاء الاجابة. وليكن مواظبا على الدعاء والمسألة ولا يسأم منهما ، لقول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يستجاب للعبد ما لم يعجل ، يقول : قد دعوت فلم يستجب لي ، وإذا أردت حاجة فقل : اللهم إني أسألك باسمك الاعلى الاكبر الاعز الاجل الاعظم الاكرم أن تفعل بي كذا وكذا ، فإنه لا يرد .

( في الورطة )
  روي عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال لعلي ( عليه السلام ) : إذا وقعت في ورطة فقل : بسم الله الرحمن الرحيم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، اللهم إياك نعبد وإياك نستعين ، فإن الله تعالى يدفع بها البلاء.

( في اسم الله الاعظم )
  روي أن علي بن الحسين عليهما السلام قال : كنت أدعو الله سبحانه سنة عقيب كل صلاة أن يعلمني الاسم الاعظم ، فبينا أنا ذات يوم قد صليت الفجر إذ غلبتني عيناي وأنا قاعد وإذا أنا برجل قائم بين يدي يقول لي : سألت الله تعالى أن يعلمك الاسم الاعظم ، قلت : نعم ، قال : قل : اللهم إني أسألك باسم الله الله الله الله الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم ، قال : فوالله ما دعوت لها لشيء إلا رأيت نجحه .

( في الرعد والصواعق )
  إذا سمعت صوت الرعد ورأيت الصواعق فقل : اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك .

مكارم الأخلاق _ 453 _

( في المطر )
  وإذا أمطرت السماء فقل : صيبا هنيئا (1) .
( في الرياح )
  عن الصادق ( عليه السلام ) قال : إذا هبت الرياح فأكثر من التكبير وقل : اللهم إني أسألك خير ما هاجت به الرياح وخير ما فيها وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها ، اللهم اجعلها علينا رحمة وعلى الكافرين عذابا وصلى الله على محمد وآل محمد .

( في الزرع )
  عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : إذا أردت أن تزرع زرعا فخذ قبضة من البذر بيدك ثم استقبل القبلة وقل : ( أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ) (2) ثلاث مرات ، ثم قل : اللهم اجعله حرثا مباركا وارزقنا فيه السلامة والتمام واجعله حبا متراكبا ولا تحرمني خير ما أبتغي ولا تفتني بما متعتني بحق محمو وآله الطيبين الطاهرين ، ثم ابذر القبضة التي في يدك إن شاء الله.

( الدعاء في الوحدة )
  يا أرض ربي وربك الله ، أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما خلق فيك ومن شر ما يحاذر عليك ، أعوذ بالله من شر كل أسد وأسود وحية وعقرب من ساكن البلد ومن شر والد وما ولد ، أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والارض طوعا وكرها وإليه يرجعون ، الحمد لله بنعمة وحسن بلائه علينا ، اللهم صاحبنا في السفر وأفضل علينا فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله ثم تقرأ ( ألهاكم التكاثر ) إلى آخرها ، فإنه لا يؤذيك شيء من السباع والهوام والحيات والعقارب إذا قرأت ذلك ولو بت على الحية بإذن الله تعالى .

( في العطاس )   عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : من سمع عطسة فحمد الله وأثني عليه وصلى على

---------------------------
(1) الصيب ـ كسيد ـ : من صاب يصوب إذا نزل ، ويقال للسحاب الصيب أي ذو الصوب .
(2) سورة الواقعة : آية 64 .
مكارم الاخلاق ـ 23 )

مكارم الأخلاق _ 454 _

  محمد وأهل بيته لم يشتك ضرسه ولا عينه أبدا ، ثم قال : وإن سمعها وبينه وبين العاطس البحر فلا يدع أن يقول ذلك .
  عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : من قال إذا عطس : الحمد لله رب العالمين على كل حال لم يجد وجع الاذنين والاضراس .
  عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : إذا عطس الرجل ثلاثا ، فسمته ثم أتركه بعد ذلك .
  وعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إن أحدكم ليدع تسميت أخيه إن عطس فيطالبه يوم القيامة فيقضى له عليه .
  وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إذا عطس المرء المسلم ثم سكت لعلة تكون به ، قالت الملائكة عنه : الحمد لله رب العالمين ، فإن قال : الحمد لله رب العالمين ، قال الملائكة : يغفر الله لك .
  عن تسنيم خادم الحسن بن علي عليهما السلام قال : قال لي صاحب الزمان ( عليه السلام ) وقد دخلت عليه بعد مولده بليلة فعطست ، فقال : يرحمك الله ، قال تسنيم : ففرحت بذلك ، فقال : ألا أبشرك بالعطاس ؟ فقلت : بلى ، فقال : هو أمان من الموت ثلاثة أيام .
  عن أبي مريم (1) قال : عطس عاطس عند أبي جعفر ( عليه السلام ) ، فقال أبوجعفر ( عليه السلام ) : نعم الشيء العطاس ، فيه راحة للبدن ويذكر الله عنده ويصلي على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقلت : إن محدثي العراق يحدثون أنه لا يصلي على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في ثلاث مواضع : عند العطاس وعند الذبيحة وعند الجماع ، فقال ( عليه السلام ) : اللهم إن كانوا كذبوا فلا تنلهم شفاعة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : من قال إذا سمع عاطسا : الحمد لله على كل حال ما كان من أمر الدنيا والاخرة وصلى الله على محمد وآله لم ير في فمه سوءا .
  عنه ( عليه السلام ) قال : قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من سبق العاطس بالحمد عوفي من وجع الضرس والخاصرة .
  عن الصادق ( عليه السلام ) قال : إذا عطس الانسان فقال : الحمد لله ، قال الملكان

---------------------------
(1) هو عبد الغفار بن القاسم بن قيس ، المكنى بأبي مريم الانصاري ، ثقة من أصحاب الصادقين ( عليهما السلام ) .

مكارم الأخلاق _ 455 _

  الموكلان به : رب العالمين كثيرا لا شريك له ، فإن قالها العبد ، قال الملكان : وصلى الله على محمد ، فإن قالها العبد ، قالا : وعلى آل محمد ، فإن قالها العبد ، قال الملكان : يرحمك الله.
  قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) في خبر طويل : إذا عطس أحدكم فسمتوه ، فإن قال : يرحمكم الله فقولوا : يغفر الله لكم ويرحمكم ، فإن الله تعالى قال : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) (1) .
  وعن عبد الله بن أبي يعفور قال : حضرت مجلس أبي عبد الله ( عليه السلام ) وكان إذا عطس رجل في مجلسه فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) :
  رحمك الله ، قالوا : آمين ، فعطس أبو عبد الله ( عليه السلام ) فخجلوا ولم يحسنوا أن يردوا عليه ، قال : فقولوا : أعلى الله ذكرك .
  وفي رواية أخرى عنهم عليهم السلام : إذا عطس الانسان ينبغي أن يضع سبابته على قصبة أنفه ويقول : الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ، رغم أنفي لله رغما داخرا صاغرا غير مستنكف ولا مستحسر وإذا عطس غيره فليسمته وليقل : يرحمك الله ـ مرة أو مرتين أو ثلاثا ـ ، فإذا زاد فليقل : شفاك الله.
  وإذا أراد أن يسمت المؤمن فليقل : يرحمك الله ، وللمرأة : عافاك الله ، وللصبي : زرعك الله ، وللمريض : شفاك الله ، وللذمي : هداك الله ، وللنبي والامام ( عليهم السلام ) : صلى الله عليك ، وإذا سمته غيره فليرد عليه وليقل : يغفر الله لنا ولكم .
  روى أبوبصير ، عن أبي عبد الله قال : كثرة العطاس يأمن صاحبها من خمسة أشياء : أولها الجذام ، والثاني الريح الخبيثة التي تنزل في الرأس والوجه ، والثالث يأمن نزول الماء في العين ، والرابع يأمن من شدة الخياشيم (2) ، والخامس يأمن من خروج الشعر في العين ، وقال : وإن أحببت أن يقل عطاسك فاستعط بدهن المرز نجوش ، قلت : مقدار كم ؟ قال : مقدار دانق (3) ، قال : ففعلت ذلك خمسة أيام فذهب عني.

---------------------------
(1) سورة النساء : آية 88 .
(2) الخيشوم ـ وزان فعلول ـ : أقصى الانف والحاجز بين المنخرين وجمعه خياشم ، والخياشم أيضا : عروق في بطن الانف .
(3) الدانق : سدس الدرهم .

مكارم الأخلاق _ 456 _

  عنه ( عليه السلام ) قال : من عطس في مرضه كان له أمانا من الموت في تلك العلة ، وقال : التثاؤب من الشيطان والعطاس من الله عزوجل (1) .
  وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إذا كان الرجل يتحدث فعطس عاطس فهو شاهد حق .
  وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : العطاس للمريض دليل على العافية وراحة للبدن .

( في النسيان )
  عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إذا أنساك الشيطان شيئا فضع يدك على جبهتك وقل : اللهم إني أسألك يا مذكر الخير وفاعله والامر به أن تصلي على محمد وآل محمد وتذكرني ما أنسانيه الشيطان الرجيم .

---------------------------
(1) التثاؤب : فترة يعتري الشخص ففتح فاه واسعا من غير قصد .

مكارم الأخلاق _ 457 _

الباب الحادي عشر : ( في آداب المريض وعلاجه وما يتعلق بهما ، خمسة فصول )
  هذا الباب مختار من طب الائمة ومن مجموع دعوات لمولاي أبي طول الله عمره

الفصل الاول
( في آداب المريض والعائد وعلاجه )
( في ثواب المريض )
  عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : الحمى رائد الموت وسجن الله في أرضه ، وفورها من جهنم وهي حظ كل مؤمن من النار (1) .
  وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا رأى في جسمه بثرة (2) عاذ بالله واستكان له وجار إليه ، فيقال له : يا رسول الله أهو بأس ؟ فيقول : إن الله إذا أراد أن يعظم صغيرا عظمه وإذا أراد أن يصغر عظيما صغره .
  عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : أما إنه ليس من عرق يضرب ولا نكبة ولا صداع ولا مرض إلا بذنب ، وذلك قوله عزوجل في كتابه : ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) (3) ، ثم قال : وما يعفو الله اكثر مما ياخذ به .
  عن علي بن الحسين عليهما السلام قال : نعم الوجع الحمى يعطي كل عضو قسطه من البلاء ولا خير فيمن لا يبتلى .
  عن محمد بن أحمد ، عن يوسف بن إسماعيل بإسناده له قال قال : إن المؤمن إذا حم حماة واحدة (4) تناثرت الذنوب منه كورق الشجر ، فإن صار على فراشه فأنينه تسبيح

---------------------------
(1) الفور : الغليان والاضطراب ، وفار فورا : هاج واضطرب .
(2) البثرة ـ كتمرة ـ خراج صغير .
(3) سورة الشورى : آية 29 .
(4) حم الرجل ـ بالتشديد ـ : أصابته الحمى ، وحم حمه ـ بالتشديد أيضا ـ : قصد قصده .

مكارم الأخلاق _ 458 _

  وصياحه تهليل وتقلبه على الفراش كمن يضرب بسيفه في سبيل الله وإن أقبل يعبدالله عزوجل بين أصحابه كان مغفورا له ، فطوبي له إن مات وويله إن عاد ، والعافية أحب إلينا .
  عن علي بن الحسين عليهما السلام قال : حمى ليلة كفارة سنة ، وذلك لان ألمها يبقى في الجسد سنة .
  عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : حمى ليلة كفارة لما قبلها ولما بعدها .
  عنه ( عليه السلام ) قال : من اشتكى ليلة فقبلها بقبولها وأدى إلى الله شكرها كانت له كفارة ستين سنة ، قال : قلت : وما قبلها بقبولها ؟ قال : صبر على ما كان فيها .
  عن الباقر ( عليه السلام ) قال : سهر ليلة من مرض أفضل من عبادة سنة .
  عن زرارة ، عن أحدهما عليهما السلام قال : سهر ليلة من مرض أو وجع أفضل وأعظم أجرا من عبادة سنة .
  عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : حمى ليلة تعدل عبادة سنة وحمى ليلتين تعدل عبادة سنتين وحمى ثلاث تعدل عبادة سبعين سنة ، قال أبوحمزة : قلت : فإن لم يبلغ سبعين سنة ؟ قال : فلابيه وأمه ، قال : قلت : فإن لم يبلغا ؟ قال : فلقرابته ، قال : قلت : فإن لم تبلغ قرابته ؟ قال : فلجيرانه .
  عن الرضا ( عليه السلام ) قال : المرض للمؤمن تطهير ورحمة ، وللكافر تعذيب ولعنة .
  وإن المرض لا يزال بالمؤمن حتى ما يكون عليه ذنب.
  عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : صداع ليلة يحط كل خطيئة إلا الكبائر .
  عن أبي إبراهيم ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : للمريض أربع خصال : يرفع عنه القلم ، ويأمر الله الملك فيكتب له كل فضل كان يعمله في صحته ، ويتبع مرضه كل عضو في جسده فيستخرج ذنوبه منه ، فإن مات مات مغفورا له وإن عاش عاش مغفورا له .
  عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال : إذا مرض المسلم كتب الله له كأحسن ما كان يعمل في صحته وتساقطت ذنوبه كما يتساقط ورق الشجر .
  عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إن الله إذا أحب عبدا نظر إليه. وإذا نظر إليه أتحفه بواحدة من ثلاث : إما حمى أو وجع عين أو صداع .

مكارم الأخلاق _ 459 _

  عن الكاظم ( عليه السلام ) قال : إن المؤمن إذا مرض أوحى الله عزوجل إلى أصحاب الشمال : لا تكتبوا على عبدي ما دام في حبسي ووثاقي ، وأوحى إلى أصحاب اليمين : أن اكتبوا لعبدي ما كنتم تكتبونه له في صحته من الحسنات .

( في الصبر على العلة )
  عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يقول الله عزوجل : إذا ابتليت عبدي فصبر ولم يشتك على عواده ثلاثا أبدلته لحما خيرا من لحمه وجلدا خيرا من جلده ودما خيرا من دمه ، وإن توفيته توفيته إلى رحمتي وإن عافيته عافيته ولا ذنب عليه .
  عن الرضا ( عليه السلام ) قال : المرض للمؤمن تطهير ورحمة ، وللكافر تعذيب ونقمة .
  عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : إن العبد ليصيبه [ من ] المصائب حتى يمشي على الارض وما عليه خطيئة .
  عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : عودوا مرضاكم واسألوهم الدعاء فإنه يعدل دعاء الملائكة ومن مرض ليلة فقبلها بقبولها كتب الله له عبادة ستين سنة ، قيل له : ما معنى فقبلها بقبولها ؟ قال : لا يشكو ما أصابه فيها إلى أحد .
  عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إنما الشكوى أن يقول الرجل : لقد ابتليت بما لم يبتل به أحد ، أو يقول : لقد أصابني ما لم يصب أحدا ، وليس الشكوى أن يقول : سهرت البارحة وتحممت اليوم ونحو هذا .
  وروي عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنه قال : المرض لا أجر فيه ولكن لا يدع ذنبا إلا حطه وإنما الاجر بالقول واللسان والعمل باليد والرجل ، وإن الله تعالى ليدخل بصدق النية والسريرة الخالصة جما من عباده الجنة .

( في عيادة المريض )
  قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من حق المسلم على المسلم إذا لقيه أن يسلم عليه ، وإذا مرض أن يعوده ، وإذا مات أن يشيع جنازته .
  وعاد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جارا له يهوديا .
  وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده عليه ويسأله كيف أنت ؟

مكارم الأخلاق _ 460 _

  كيف أصبحت وكيف أمسيت ؟ وتمام تحيتكم المصافحة.
  عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ينبغي للمريض منكم أن يؤذن إخوانه بمرضه فيعودونه ويؤجر فيهم ويؤجرون فيه ، فقيل : نعم ، هم يؤجرون فيه لمشيهم إليه وهو كيف يؤجر فيهم ؟ فقال : باكتسابه لهم الحسنات فيؤجر فيهم فيكتب له بذلك عشر حسنات ويرفع له عشر درجات ويحط عنه عشر سيئات .
  قال ( عليه السلام ) : وينبغي لاولياء الميت منكم أن يؤذنوا إخوان الميت فيشهدون جنازته ويصلون عليه ويستغفرون له فيكسب لهم الاجر ويكسب لميته الاستغفار.
  عن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال : عاد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) صعصعة بن صوحان ثم قال : يا صعصعة لا تفخر على إخوانك بعيادتي إياك وانظر لنفسك فكأن الامر قد وصل إليك ولا يلهينك الامل .
  من كتاب زهد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ومن كتاب الجنائز ، عن الصادق ( عليه السلام ) قال : لا عيادة في وجع العين ، ولا تكون العيادة في أقل من ثلاثة أيام فإذا شئت فيوم ويوم لا ، أو يوم ويومين لا وإذا طالت العلة ترك المريض وعياله .
  عنه ( عليه السلام ) قال : إن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال : إن من اعظم العباد أجرا عند الله لمن إذا عاد اخاه خفف الجلوس إلا أن يكون المريض يريد ذلك ويحبه ويسأله ذلك .
  وقال ( عليه السلام ) : من تمام العيادة أن يضع العائد إحدى يديه على يدى المريض أو على جبهته .
  عنه ( عليه السلام ) أيضا قال : تمام العيادة للمريض أن تضع يدك على ذراعيه وتعجل القيام من عنده ، فإن عيادة النوكي (1) أشد على المريض من وجعه .
  وروي عنه ( عليه السلام ) أنه قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد ، العبد إلى الله عز وجل ، فيحاسبه حسابا يسيرا ويقول : يا مؤمن ما منعك أن تعودني حين مرضت ؟ فيقول المؤمن : أنت ربي وأنا عبدك ، أنت الحي القيوم الذي لا يصيبك ألم ولا نصب ، فيقول عزوجل : من عاد مؤمنا في فقد عادني ، ثم يقول له : أتعرف فلان بن فلان ؟

---------------------------
(1) النوكي : جمع أنوك : الاحمق ، العاجز الجاهل ، العيي في كلامه .

مكارم الأخلاق _ 461 _

  فيقول : نعم يا رب ، فيقول له : ما منعك أن تعوده حين مرض ؟ أما إنك لو عدته لعدتني ثم لوجدتني به وعنده ، ثم لو سألتني حاجة لقضيتها لك ولم أردك عنها .
  وقال أبوالحسن ( عليه السلام ) : إذا مرض أحدكم فليأذن للناس أن يدخلوا ، فليس من أحد إلا وله دعوة مستجابة .
  وروي عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال وقد عاد سلمان الفارسي لما أراد أن يقوم : يا سلمان كشف الله ضرك وغفر ذنبك وحفظك في دينك وبدنك إلى منتهى أجلك.
  من أمالي الشيخ أبي جعفر بن بابويه ، عن الصادق ( عليه السلام ) قال : عاد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سلمان الفارسي رضي الله عنه فقال : يا سلمان إن لك في علتك ثلاث خصال : أنت قريب من الله بذكره ودعاؤك مستجاب ، ولا تدع العلة عليك ذنبا إلا حطته ، متعك الله بالعافية إلى إنقضاء أجلك .
  وعنه ( عليه السلام ) قال : العيادة ثلاثة والتعزية مرة .
  عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه قال : أيما مؤمن عاد أخاه في مرضه فإن كان حين يصبح شيعه سبعون ألف ملك فإذا قعد عنده غمرته الرحمة واستغفروا له حتى يمسي ، وإن كان مساء كان له مثل ذلك حتى يصبح .
  عن الباقر ( عليه السلام ) قال : كان فيما ناجى به موسى ( عليه السلام ) ربه أن قال : يا رب ما بلغ من عيادة المريض من الاجر ؟ فقال الله عزوجل : أوكل به ملكا يعوده في قبره إلى محشره .
  عن الصادق ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من عاد مريضا نادى مناد من السماء باسمه : يا فلان طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة .
  وقال ( عليه السلام ) : أعظمكم أجرا في العيادة أخفكم جلوسا .
  وقال ( عليه السلام ) : إذا دخل أحدكم على أخيه عائدا له فليدع له وليطلب منه الدعاء ، فإن دعاءه مثل دعاء الملائكة .
  وقال ( عليه السلام ) : من عاد مريضا في الله لم يسأل المريض للعائد شيئا إلا إستجاب الله له .
  عن علي ( عليه السلام ) : في المرض يصيب الصبي ؟ قال : كفارة لوالديه .
  عن مولى لجعفر بن محمد عليهما السلام قال : مرض بعض مواليه فخرجنا نعوده ونحن عدة من مواليه فاستقبلنا ( عليه السلام ) في بعض الطريق ، فقال : أين تريدون ؟ فقلنا :

مكارم الأخلاق _ 462 _

  نريد فلانا نعوده ، فقال : قفوا ، فوقفنا ، قال : مع أحدكم تفاحة أو سفرجلة أو أترجة أو لعقة من طيب (1) أو قطعة من عود ؟ فقلنا : ما معنا من هذا شيء ، قال : أما علمتم أن المريض يستريح إلى كل ما ادخل به عليه .

( في معالجة المريض )
  قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : تداووا ، فإن الله عزوجل لم ينزل داء إلا وأنزل له شفاء وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : موت الانسان بالذنوب أكثر من موته بالاجل ، وحياته بالبر أكثر من حياته بالعمر .
  وروي عنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال : ما يكون من علة إلا من ذنب ، وما يعفو الله عز وجل عنه أكثر .
  وروي عنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : اثنان عليلان : صحيح محتم وعليل مخلط .
  وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : تجنب الدواء ما احتمل بدنك الداء ، فإذا لم يحتمل الداء فالدواء .
  عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إن نبيا من الانبياء مرض فقال : لا اتداوي حتى يكون الذي امرضني هو الذي يشفيني ، فأوحى الله عزوجل لا أشفيك حتى تتداوى فإن الشفاء مني والدواء مني ، فجعل يتداوي فأتى الشفاء .
  عن الرضا ( عليه السلام ) قال : لو أن الناس قصروا في الطعام لاستقامت أبدانهم .
  عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ليست الحمية من الشيء تركه إنما الحمية من الشيء الاقلال منه .
  عن العالم ( عليه السلام ) قال : الحمية رأس الدواء والمعدة بيت الداء عود بدنا ما تعود .

( في الوصية )
  من كتاب روضة الواعظين قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية .
  وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة إلا ووصيته تحت رأسه .
  وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقصا في مروته وعقله .

---------------------------
(1) اللعقة ـ بالضم ـ : اسم لما يلعق بالملعقة او بالاصابع .

مكارم الأخلاق _ 463 _

  قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : من أوصى ولم يحف ولم يضار كان كمن تصدق به في حياته ، وقال : ما أبالي أضررت بورثتي أو سرقتهم ذلك المال .
  قال الصادق ( عليه السلام ) : الوصية حق على كل مسلم .
  وقال ( عليه السلام ) : من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممن لا يرث فقد ختم عمله بمعصية .

الفصل الثاني : ( في الاستشفاء بالقرآن )
  قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله.
  وقال الصادق ( عليه السلام ) : من قرأ مائة آية من أي آي القرآن شاء ثم قال سبع مرات يا الله ، فلو دعا على الصخور فلقها .
  عن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال : إذا خفت أمرا فاقرأ مائة آية من القرآن من حيث شئت ثم قل : اللهم اكشف عني البلاء ثلاث مرات .
  عن أبي إبراهيم ( عليه السلام ) أنه قال : من استكفى بآية من القرآن من المشرق إلى المغرب كفى إذا كان بيقين .
  وقال العالم ( عليه السلام ) : في القرآن شفاء من كل داء .
( في السور وما جاء فيها )   روي عن العالم ( عليه السلام ) أنه قال : من نالته علة فليقرأ عليها أم الكتاب ـ سبع مرات ـ فإن سكنت وإلا فليقرأها سبعين مرة ، فإنها تسكن .
  روي عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال في الحمد لله ـ سبع مرات ـ : شفاء من كل داء ، فإن عوذ بها صاحبها مائة مرة وكان الروح قد خرج من الجسد رد الله عليه الروح .
  وروي عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه قال : لو قرأت الحمد على ميت سبعين مرة ثم رددت فيه الروح ما كان عجبا .
  عن الباقر ( عليه السلام ) قال : إذا كانت بك علة تتخوف على نفسك منها فاقرأ سورة الانعام ، فإنه لا ينالك من تلك العلة ما تكره .

مكارم الأخلاق _ 464 _

  عنه ( عليه السلام ) قال : من قرأ سورة النحل في كل شهر كفى المغرم في الدنيا (1) وسبعين نوعا من أنواع البلاء ، أهونها الجنون والجذام والبرص .
  في رواية للتحرز من إبليس وجنوده وأشياعه .
  وعنه ( عليه السلام ) قال : من قرأ سورة لقمان في كل ليلة وكل الله عز وجل به في ليلته ملائكة يحفظونه من إبليس وجنوده حتى يصبح ، فإن قرأها بالنهار لم يزالوا يحفظونه من إبليس وجنوده حتى يمسي .
  عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إن لكل شيء قلبا وقلب القرآن يس ، فمن قرأ يس قبل أن يمسي كان في نهاره من المحفوظين والمرزوقين حتى يمسي .
  ومن قرأها في ليلة قبل أن ينام وكل الله به ألف ملك يحفظونه من كل شيطان رجيم ومن كل آفة ، وإن مات في يومه أدخله الله الجنة ( تمام الخبر ) ، وفي رواية تقرأ للدنيا والاخرة وللحفظ من كل آفة وبلية في النفس والاهل والمال .
  وروي أنه من كان مغلوبا على عقله قرئت عليه يس أو كتبه وسقاه فإنه يبرأ ، فإن كتبته بماء الزعفران في إناء من زجاج فهو خير فإنه يبرأ .
  وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : من قرأ سورة الصافات في كل يوم جمعة لم يزل محفوظا من كل آفة ، مدفوعا عنه كل بلية في حياة الدنيا ، مرزوقا في الدنيا بأوسع ما يكون من الرزق ولم يصبه الله في ماله ولا ولده ولا بدنه بسوء من شيطان رجيم ولا من جبار عنيد ، وفي رواية تقرأ للشرف والجاه والعز في الدنيا والاخرة .
  وعنه ( عليه السلام ) قال : من قرأ سورة الزمر في يومه أو ليلته أعطاه الله شرف الدنيا والاخرة وأعزه بلا عشيرة ولا مال .
  ومن قرأ سورة الطور جمع الله عزوجل له خير الدنيا والاخرة .
  ومن قرأ سورة الواقعة في كل ليلة جمعة أحبه الله وحببه إلى الناس أجمعين ولم ير في الدنيا بؤسا أبدا ولا فقرا ولا فاقة ولا آفة من آفات الدنيا ، وهي في أمير المؤمنين وأولاده ( عليهم السلام ) .
  ومن قرأ سورة الحديد والمجادلة في صلاة فريضة وأدمنها لم ير في أهله وبدنه وماله

---------------------------
(1) المغرم ـ كمكرم ـ : المولع بالشيء ، وما يلزمه الانسان من الغرامة .

مكارم الأخلاق ـ 465 ـ

  سوء ولا خصاصة.
  عن علي بن الحسين ( عليهما السلام ) قال : من قرأ سورة الممتحنة في فرائضه ونوافله امتحن الله قلبه للايمان ونور له بصره ولا يصيبه فقر أبدا ولا جنون في بدنه ولا في ولده ، وفي رواية ويكون محمودا عند الناس .
  عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : من أكثر قراءة قل أوحي لم يصبه في حياته الدنيا شيء من أعين الجن [ والانس ولا السخرة ] ولا نفثهم ولا سحرهم ولا كيدهم .
  ومن قرأ سورة المزمل في العشاء الاخرة أو في آخر الليل كان له الليل والنهار شاهدين مع السورة [ وأحياه حياة طيبة وأماته ميتة طيبة ] .
  ومن قرأ سورة والنازعات لم يدخله الله الجنة إلا ريان ولا يدركه في الدنيا شقاء ابدا ، وروي أنها شفاء لمن سقي سما أو لدغة ذو حمة من ذوات السموم (1) .
  ومن قرأ على الماء والسماء ذات البروج [ وسقاه من سقي سما ] فإنه لا يضره إن شاء الله.
  ومن قرأ إنا أنزلناه في كل فريضة من الفرائض نادى مناد : يا عبد الله قد غفر لك ما مضى فاستأنف العمل .
  ومن قرأ إذا زلزلت في نوافله لم تصبه زلزلة أبدا ولم يمت بها ولا بصاعقة ولا بآفة من آفات الدنيا .
  ومن قرأ ويل لكل همزة في فرائضه نفت عنه الفقر وجلبت إليه الرزق وتدفع عنه ميتة السوء .
  ومن قرأ يا أيها الكافرون و قل هو الله أحد في فريضة من الفرائض غفر الله له ولوالديه وما ولد وإن كان شقيا محى من ديوان الاشقياء وأثبت في ديوان السعداء وأحياه الله سعيدا وأماته شهيدا وبعثه شهيدا .
  عن الرض ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إذا أصاب أحدكم صداع أو غير ذلك فبسط يديه وقرأ فاتحة الكتاب و قل هو الله أحد والمعوذتين ومسح بهما وجهه

---------------------------
(1) اللدغة : اللسعة ، والحمة ـ بالتخفيف وقد تشدد ـ : السم والابرة .

مكارم الأخلاق _ 466 _

  روي عن الصادق ( عليه السلام ) أن الله عزوجل عوض فاطمة ( عليها السلام ) من فدك طاعة الحمى لها ، فأيما رجل أحبها وأحب ولدها فأصابته الحمى فقرأ ألف مرة قل هو الله أحد ثم سأل بحق فاطمة ( عليها السلام ) زالت عنه الحمى بإذن الله تعالى .
  ومن قرأ إذا جاء نصر الله في نافلة أو فريضة نصره الله على جميع أعدائه .
  عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : من اصابه مرض أو شدة فلم يقرأ في مرضه أو شدته بقل هو الله أحد ثم مات في مرضه أو في تلك الشدة التي نزلت به فهو من أهل النار .
  وقال ( عليه السلام ) : من آوى إلى فراشه فقرأ قل هو الله أحد إحدى عشرة مرة حفظ في داره وفي دويرات حوله .

  ( في الاستشفاء بآيات التهليل من القرآن )
  ( التهليل في القرآن يستشفى به من سائر الامراض )
  بسم الله الرحمن الرحيم ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ) (1) .
  ( اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) (2) .
  بسم الله الرحمن الرحيم ( اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) (3) ( هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (4) ، ( شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) (5) .
  ( وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا * اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا ) (6) .
  ( ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ) (7) .
  ( اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) (8).
  ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ

---------------------------
(1) سورة البقرة : الاية 158 .
(2) سورة البقرة : الاية 256 .
(3) سورة آل عمران : الاية 1 .
(4) سورة آل عمران : الاية 4 .
(5) سورة آل عمران : الايات 16 و 17 .
(6) سورة النساء : الايات 8 و 98 .
(7) سورة الانعام : الاية 102 .
(8) سورة الانعام : الاية : 106 .

مكارم الأخلاق _ 467 _

  لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) (1) .
  ( وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (2) .
  ( فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) (3) .
  ( حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (4) .
  ( فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ) (5) .
  ( قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ) (6).
  ( يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ ) (7) .
  ( وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى ) (8) .
  ( إنك بالواد المقدس طوى ، وأنا أخترتك فاستمع لما يوحى ، إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني وأقم الصلاة لذكري ، إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ) (9) ، ( إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما ) (10).
  ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) (11) .
  ( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) (12) .

---------------------------
(1) سورة الاعراف : آية : 157 و 158 .
(2) سورة التوبة : آية 31 .
(3) سورة التوبة : آية 129 .
(4) سورة يونس : آية 90 .
(5) سورة هود : آية 14 .
(6) سورة الرعد : آية 29 .
(7) سورة النحل : آية 2 .
(8) سورة طه : آية 6 و 7 .
(9) سورة طه : آية 12 إلى 15 .
(10) سورة طه : آية 98 .
(11) سورة الانبياء : آية 25 .
(12) سورة الانبياء : آية 87 .

مكارم الأخلاق _ 468 _

  أو سائل عن علم .
  يا أباذر : كن بالعمل بالتقوى أشد اهتماما منك بالعمل ، فإنه لا يقل عمل بالتقوى وكيف يقل عمل يتقبل ، يقول الله عزوجل : إنما يتقبل الله من المتقين .
  يا أباذر : لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه ، فيعلم من أين مطعمه ومن أين مشربه ومن أين ملبسه ، أمن حل أم من حرام .
  يا أباذر : من لم يبال من أين يكتسب المال لم يبال الله عزوجل من أين أدخله النار .
  يا أباذر : من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله عزوجل .
  يا أباذر : إن أحبكم إلى الله جل ثناؤه أكثركم ذكرا له ، وأكرمكم عندالله عز وجل أتقاكم له ، وأنجاكم من عذاب الله أشدكم له خوفا .
  يا أباذر : إن المتقين الذين يتقون من الشيء الذي لا يتقى منه ، خوفا من الدخول في الشبهة .
  يا أباذر : من أطاع الله عزوجل فقد ذكر الله وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن .
  يا أباذر : ملاك الدين الورع ورأسه الطاعة .
  يا أباذر : كن ورعا تكن أعبد الناس ، وخير دينكم الورع .
  يا أباذر : فضل العلم خير من فضل العبادة ، واعلم أنكم لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا وصمتم حتى تكونوا كالاوتار ما ينفعكم ذلك إلا بورع .
  يا أباذر : إن أهل الورع والزهد في الدنيا هم أولياء الله تعالى حقا .
  يا أباذر : من لم يأت يوم القيامة بثلاث فقد خسر ، قلت : وما الثلاث ، فداك أبي وأمي ؟ قال : ورع يحجزه عما حرم الله عزوجل عليه ، وحلم يرد به جهل السفهاء ، وخلق يداري به الناس .
  يا أباذر : إن سرك أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله عزوجل. وإن سرك أن تكون أكرم الناس فاتق الله ، وإن سرك أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدالله عزوجل أوثق منك بما في يدك .
  يا أباذر : لو أن الناس كلهم أخذوا بهذه الاية لكفتهم : ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره.

مكارم الأخلاق _ 469 _

  يا أباذر : يقو الله جل ثناؤه : وعزتي وجلالي لا يؤثر عبدي هواي على هواه إلا جعلت غناه في نفسه وهمومه في آخرته وضمنت السموات والارض رزقه وكففت عنه ضيقه وكنت له من وراء تجارة كل تاجر .
  يا أباذر : لو أن ابن آدم فر من رزقه كما يفر من الموت لادركه كما يدركه الموت .
  يا أباذر : ألا أعلمك كلمات ينفعك الله عزوجل بهن ؟ قلت : بلى يا رسول الله ، قال : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده أمامك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، وإذا سألت فاسأل الله عزوجل ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، فقد جرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة ، فلو أن الخلق كلهم جهدوا أن ينفعوك بشيء لم يكتب لك ما قدروا عليه ، ولو جهدوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك ما قدروا عليه ، فإن استطعت أن تعمل لله عزوجل بالرضا في اليقين فافعل ، وإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا ، وإن النصر مع الصبر ، والفرج مع الكرب ، وإن مع العسر يسرا .
  يا أباذر : استغن بغنى الله يغنك الله ، فقلت : وما هو يا رسول الله ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : غداء يوم وعشاء ليلة ، فمن قنع بما رزقه الله فهو أغنى الناس .
  يا أباذر : إن الله عزوجل يقول : إني لست كلام الحكيم أتقبل ولكن همه وهواه ، فإن كان همه وهواه فيما أحب وأرضى جعلت صمته حمدا لي وذكرا [ ووقارا ] وإن لم يتكلم .
  يا أباذر : إن الله تبارك وتعالى لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم وأقوالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم .
  يا أباذر : التقوى ههنا التقوى ههنا ، وأشار إلى صدره .
  يا أباذر : أربع لا يصيبهن إلا مؤمن : الصمت وهو أول العبادة ، والتواضع لله سبحانه ، وذكر الله تعالى في كل حال وقلة الشيء يعني قلة المال .
  يا أباذر : هم بالحسنة وإن لم تعملها لكيلا تكتب من الغافلين .
  يا أباذر : من ملك ما بين فخذيه وبين لحييه دخل الجنة ، قلت : يا رسول الله وإنا لنؤاخذ بما تنطق به ألسنتنا ؟ قال : يا أباذر : وهل يكتب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم ، إنك لا يزال سالما ما سكت فإذا تكلمت كتب الله لك أو عليك.

مكارم الأخلاق _ 470 _

  يا أباذر : إن الرجل يتكلم بالكلمة في المجلس لينصحكم بها فهوى في جهنم ما بين السماء والارض.
  يا أباذر : ويل للذي يحدث ويكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له ويل له .
  يا أباذر : من صمت نجا ، فعليك بالصدق ولا تخرجن من فيك كذبا أبدا.
  قلت : يا رسول الله فما توبة الرجل الذي كذب متعمدا ؟ قال : الاستغفار والصلوات الخمس تغسل ذلك .
  يا أباذر : إياك والغيبة ، فإن الغيبة أشد من الزنا ، قلت : يا رسول الله ولم ذلك بأبي أنت وأمي ؟ قال : لان الرجل يزني ويتوب إلى الله فيتوب الله عليه ، والغيبة لا تغفر حتى يغفرها صاحبها .
  يا أباذر : سباب المؤمن فسوق ، وقتالة كفر ، وأكل لحمه من معاصي الله ، وحرمة ماله كحرمة دمه ، قلت : يا رسول الله وما الغيبة ؟ قال : ذكرك أخاك بما يكره ، قلت : يا رسول الله فإن كان فيه ذاك الذي يذكر به ؟ قال : اعلم إنك إذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته .
  يا أباذر : من ذب عن أخيه المسلم الغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار .
  يا أباذر : من اغتيب عنده أخوه المسلم وهو يستطيع نصره فنصره نصره الله عزوجل في الدنيا والاخرة ، فإن خذله هو يستطيع نصره خذله الله في الدنيا والاخرة .
  يا أباذر : لا يدخل الجنة قتات ، قلت : وما القتات ؟ قال : النمام .
  يا أباذر : صاحب النميمة لا يستريح من عذاب الله عزوجل في الاخرة .
  يا أباذر : من كان ذا وجهين ولسانين في الدنيا فهو ذو لسانين في النار .
  يا أباذر : المجالس بالامانة وإفشاء سر أخيك خيانة فاجتنب ذلك واجتنب مجلس العشيرة .
  يا أباذر : تعرض أعمال أهل الدنيا على الله من الجمعة إلى الجمعة في يوم الاثنين والخميس فيستغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدا كانت بينه وبين أخيه شحناء ، فيقال : أتركوا عمل هذين حتى يصطلحا .
  يا أباذر : إياك وهجران أخيك ، فإن العمل لا يتقبل مع الهجران .
  يا أباذر : أنهاك عن الهجران ، وإن كنت لابد فاعلا تهجره فوق ثلاثة أيام

مكارم الأخلاق _ 471 _

  [ كملا ] ، فمن مات فيها مهاجرا لاخيه كانت النار أولى به .
  يا أباذر : من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار .
  يا أباذر : من مات وفي قلبه مثقال ذرة من كبر لم يجد رائحة الجنة إلا أن يتوب قبل ذلك ، فقال رجل : يا رسول الله إني ليعجبني الجمال حتى وددت إن علاقة سوطي وقبال نعلي حسن فهل يرهب على ذلك ؟ قال : كيف تجد قلبك ؟ قال : أجده عارفا للحق مطمئنا إليه ، قال : ليس ذلك بالكبر ولكن الكبر أن تترك الحق وتتجاوزه إلى غيره وتنظر إلى الناس ولا ترى إن أحدا عرضه كعرضك ولا دمه كدمك .
  يا أباذر : أكثر من يدخل النار المستكبرون ، فقال رجل : وهل ينجو من الكبر أحد يا رسول الله ؟ قال : نعم ، من لبس الصوف وركب الحمار وحلب الشاة وجالس المساكين .
  يا أباذر : من حمل بضاعته فقد برئ من الكبر يعني ما يشترى من السوق .
  يا أباذر : من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله عزوجل إليه يوم القيامة .
  يا أباذر : أزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه ولا جناح عليه فيما بينه وبين كعبيه .
  يا أباذر : من رفع ذيله وخصف نعله وعفر وجهه فقد برئ من الكبر.
  يا أباذر : من كان له قميصان فليلبس أحدهما وليلبس الاخر أخاه.
  يا أباذر : سيكون ناس من أمتي يولدون في النعيم ويغذون به ، همتهم ألوان الطعام والشراب ويمدحون بالقول اولئك شرار أمتي .
  يا أباذر : من ترك لبس الجمال وهو يقدر عليه تواضعا لله عزوجل في غير منقصة وأذل نفسه في غير مسكنة وأنفق ما جمعه في غير معصية ورحم أهل الذل والمسكنة وخالط أهل الفقه والحكمة ، طوبى لمن صلحت سريرته وحسنت علانيته وعزل عن الناس شره ، طوبى لمن عمل بعلمه وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله .
  يا أباذر : البس الخشن من اللباس ، والصفيق من الثياب لئلا يجد الفخر فيك مسلكا .
  يا أباذر : يكون في آخر الزمان قوم يلبسون الصوف في صيفهم وشتائهم ، يرون أن لهم الفضل بذلك على غيرهم اولئك تلعنهم ملائكة السموات والارض .
  يا أباذر : ألا أخبرك بأهل الجنة ؟ قلت : بلى يا رسول الله ، قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : كل أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لابره .

مكارم الأخلاق _ 472 _

  قال أبوذر رضي الله عنه ، ودخلت يوما على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو في المسجد جالس وحده فاغتنمت خلوته ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا أباذر : إن للمسجد تحية ، قلت : وما تحيته يا رسول الله ؟ قال : ركعتان تركعهما .
  ثم التفت إليه فقلت : يا رسول الله أمرتني بالصلاة ، فما الصلاة ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : الصلاة خير موضوع فمن شاء أقل ومن شاء أكثر .
  قلت : يا رسول الله أي الاعمال أحب إلى الله عزوجل ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : الايمان بالله ، ثم الجهاد في سبيله .
  قلت : يا رسول الله أي المؤمنين أكمل إيمانا ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أحسنهم خلقا .
  قلت : وأي المؤمنين أفضل ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من سلم المسلمون من لسانه ويده .
  قلت : وأي الهجرة أفضل ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من هجر السوء .
  قلت : وأي الليل أفضل ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : جوف الليل الغابر .
  قلت : فأي الصلاة أفضل ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : طول القنوت.
  قلت فأي الصوم أفضل ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : فرض مجزئ وعندالله أضعاف ذلك .
  قلت : وفأي الصدقة أفضل ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : جهد من مقل إلى فقير في سر .
  قلت : وأي الزكاة أفضل ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها .
  قلت : وأي الجهاد أفضل ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ما عقر فيه جواده واهريق دمه .
  قلت : وأي آية أنزلها الله عليك أعظم ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : آية الكرسي.
  قال قلت : يا رسول الله فما كانت صحف إبراهيم ( عليه السلام ) ؟ قال : كانت أمثالا كلها : أيها الملك المسلط المبتلي إني لم أبعثك لتجتمع الدنيا بعضها على بعض ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم ، فإني لا أردها وإن كانت من كافر أو فاجر فجوره على نفسه ، وكان فيها أمثال : وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون له ثلاث ساعات : ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يفكر فيها في صنع الله تعالى ، وساعة يحاسب فيها نفسه فيما قدم وأخر ، وساعة يخلو فيها بحاجته من الحلال من المطعم والمشرب ، وعلى العاقل أن يكون ظاعنا إلا في ثلاث : تزود لمعاد ، أو مرمة لمعاش ، أو لذة في غير محرم ، وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه ، مقبلا على شأنه ، حافظا للسانه ، ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه .

مكارم الأخلاق _ 473 _

  قلت : يا رسول الله فما كانت صحف موسى ( عليه السلام ) ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : كانت عبرا كلها : عجب لمن أيقن بالنار ثم ضحك ، عجب لمن أيقن بالموت كيف يفرح ، عجب لمن أبصر الدنيا وتقلبها بأهلها حالا بعد حال ثم هو يطمئن إليها ، عجب لمن أيقن بالحساب غدا ثم لم يعمل .
  قلت : يا رسول الله فهل في الدنيا شيء مما كان في صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام مما أنزله الله عليك ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إقرأ يا أباذر : قد أفلح من تزكى ، وذكر اسم ربه فصلى ، بل تؤثرون الحياة الدنيا ، والاخرة خير وأبقى ، إن هذا ـ يعني ذكره هذه الاربع الايات ـ لفي الصحف الاولى ، صحف إبراهيم وموسى .
  قلت : يا رسول الله أوصني ؟ قال : أوصيك بتقوى الله ، فإنه رأس أمرك كله .
  فقلت : يا رسول الله زدني ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : عليك بتلاوة القرآن وذكر الله عز وجل ، فإنه ذكر لك في السماء ونور في الارض .
  قلت : يا رسول الله زدني ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : عليك بالجهاد ، فإنه رهبانية أمتي .
  قلت : يا رسول الله زدني ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : عليك بالصمت إلا من خير ، فإنه مطردة للشيطان عنك وعون لك على امور دينك.
  قلت : يا رسول الله زدني ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إياك وكثرة الضحك ، فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه .
  قلت : يا رسول الله زدني ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : انظر إلى من هو تحتك ولا تنظر إلى من هو فوقك ، فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عليك .
  قلت : يا رسول الله زدني ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : صل قرابتك وإن قطعوك ، وأحب المساكين وأكثر مجالستهم .
  قلت : يا رسول الله زدني ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : قل الحق وإن كان مرا .
  قلت : يا رسول الله زدني ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لا تخف في الله لومة لائم .
  قلت : يا رسول الله زدني ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا أباذر : ليردك عن الناس ما تعرف من نفسك ولا تجر عليهم فيما تأتي ، فكفى بالرجل عيبا أن يعرف من الناس ما يجهل من نفسه ويجر عليهم فيما يأتي ، قال : ثم ضرب على صدري وقال : يا أباذر : لا عقل كالتدبير ، ولا ورع كالكف عن المحارم ، ولا حسب كحسن الخلق .

مكارم الأخلاق _ 474 _

الفصل السادس : في اختيارات الايام
  عن الصادق ( عليه السلام ) : أول يوم من الشهر سعد يصلح للقاء الامراء وطلب الحوائج والشراء والبيع والزراعة والسفر ، الثاني منه يصلح للسفر وطلب الحوائج ، الثالث منه ردئ لا يصلح لشيء جملة ، الرابع منه صالح للتزويج ويكره السفر فيه ، الخامس منه ردئ نحس ، السادس منه مبارك يصلح للتزويج وطلب الحوائج ، السابع منه مبارك مختار يصلح لكل ما يراد ويسعى فيه ، الثامن منه يصلح لكل حاجة سوى السفر ، فإنه يكره فيه ، التاسع منه مبارك يصلح لكل ما يريده الانسان ، ومن سافر فيه رزق مالا ويرى في سفره كل خير ، العاشر صالح لكل حاجة سوى الدخول على السلطان ، ومن فر فيه من السلطان اخذ ، ومن ضلت له ضالة وجدها ، وهو جيد للشراء والبيع ، ومن مرض فيه برئ ، الحادي عشر يصلح للشراء والبيع ولجميع الحوائج وللسفر ما خلا الدخول على السلطان ، وإن التواري فيه يصلح ، الثاني عشر يوم صالح مبارك ، فاطلبوا فيه حوائجكم واسعوا لها ، فإنها تقضى ، الثالث عشر يوم نحس مستمر فاتقوا فيه جميع الاعمال ، الرابع عشر جيد للحوائج ولكل عمل .
  الخامس عشر صالح لكل حاجة تريدها ، فاطلبوا فيه حوائجكم ، فإنها تقضى .
  السادس عشر ردئ مذموم لكل شيء ، السابع عشر صالح مختار ، فاطلبوا فيه ما شئتم ، وتزوجوا وبيعوا واشتروا وازرعوا وابنوا وادخلوا على السلطان في حوائجكم فإنها تقضى ، الثامن عشر مختار صالح للسفر وطلب الحوائج ومن خاصم فيه عدوه خصمه وغلبه وظفر به بقدرة الله ، التاسع عشر مختار صالح لكل عمل ، ومن ولد فيه يكون مباركا ، العشرون جيد مختار للحوائج والسفر والبناء والغرس والعرس والدخول على السلطان يوم مبارك بمشية الله ، الحادي والعشرون يوم نحس مستمر ، الثاني والعشرون مختار صالح للشراء والبيع ولقاء السلطان والسفر والصدقة .
  الثالث والعشرون مختار جيد خاصة للتزويج والتجارات كلها والدخول على السلطان ، الرابع والعشرون يوم نحس مشيءوم ، الخامس والعشرون ردئ مذموم يحذر فيه من كل شيء ، السادس والعشرون صالح لكل حاجة سوى التزويج والسفر ، وعليكم بالصدقة فيه ، فإنكم تنتفعون به السابع والعشرون جيد مختار للحوائج ولكل ما يراد ولقا السلطان ، الثامن والعشرون ممزوج ، التاسع والعشرون مختار جيد لكل حاجة ما خلا الكاتب ، فإنه يكره له

مكارم الأخلاق _ 475 _

  ذلك ، ولا أرى له أن يسعى في حاجة إن قدر على ذلك ، ومن مرض فيه برئ سريعا .
  ومن سافر فيه أصاب مالا كثيرا ، ومن أبق فيه رجع ، الثلاثون مختار جيد لكل شيء ولكل حاجة من شراء وبيع وزرع وتزويج ، ومن مرض فيه برئ سريعا .
  ومن ولد فيه يكون حليما مباركا ويرتفع أمره ويكون صادق اللسان صاحب وفاء .
  ( ما يقال إذا اضطر الانسان إلى التوجه في أحد الايام )
  ( التي نهى عن السعي فيها في دبر كل فريضة وهو من أدعية الفرج )
  لا حول ولا قوة إلا بالله افرج بها كل كربة ، لا حول ولا قوة إلا بالله أحل بها كل عقدة ، لا حول ولا قوة إلا بالله أجلو بها كل ظلمة ، لا حول ولا قوة إلا بالله أفتح بها كل باب ، لا حول ولا قوة إلا بالله أستعين بها على كل شدة ومصيبة ، لا حول ولا قوة إلا بالله أستعين بها على كل أمر ينزل بي ، لا حول ولا قوة إلا بالله أعتصم بها من كل محذور أحاذره ، لا حول ولا قوة إلا بالله أستوجب بها العفو والعافية والرضا من الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله تفرق أعداء الله وغلبت حجة الله وبقي وجه الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، اللهم رب الارواح الفانية ورب الاجساد البالية ورب الشعور المتمعطة ورب الجلود الممزقة ورب العظام النخرة ورب الساعة القائمة أسألك يا رب أن تصلي على محمد وأهل بيته الطاهرين وافعل بي كذا بخفي لطفك يا ذا الجلال والاكرام آمين آمين يا رب العالمين .

الفصل السابع : في خاتمة الكتاب   ولما افتتحت هذا الكتاب بخطبة أمير المؤمنين صلوات الله عليه تبركا بها ولانها حاوية لمجامع الاداب والاخلاق أردت أن أختتم بخطبته الموسومة بسمات المؤمنين المرموقة بصفات المتقين إذ هو خير إمام للمؤتمين وأنجع موعظة للمتقين ، فاختتمت بذلك الكتاب فصار ختامه مسك .
  روي أن صاحبا له يقال له همام كان رجلا عابدا ، فقال له يا أمير المؤمنين صف لي المتقين حتى كأني أنظر إليهم ؟ فتثاقل علي ( عليه السلام ) عن جوابه ثم قال : يا همام اتق الله وأحسن فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ، فلم يقنع همام بذلك القول حتى عزم عليه ، قال : فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله ثم قال : أما بعد ، فإن الله سبحان وتعالى خلق الخلق حين خلقهم غنيا عن طاعتهم ،

مكارم الأخلاق _ 476 _

  آمنا من معصيتهم ، لانه لا تضره معصية من عصاه ولا تنفعه طاعة من أطاعه ، فقسم بينهم معايشهم ، ووضعهم من الدنيا مواضعهم ، فالمتقون فيها هم أهل الفضائل ، منطقهم الصواب ، وملبسهم الاقتصاد ، ومشيهم التواضع ، غضوا أبصارهم عما حرم الله عليهم ، وقصروا أسماعهم على العلم النافع لهم ، نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء .
  لولا الاجل الذي كتب الله عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم شوقا إلى الثواب ، وخوفا من العقاب ، عظم الخالق في أنفسهم وصغر ما دونه في أعينهم ، فهم والجنة كمن قد رآها ، فهم فيها متنعمون ، وهم والنار كمن قد رآها ، فهم فيها معذبون .
  قلوبهم محزونة ، وشرورهم مأمونة ، وأجسادهم نحيفة ، وحاجتهم خفيفة ، وأنفسهم عفيفة ، ومعونتهم في الاسلام عظيمة ، وصبروا أياما قصيرة فأعقبتهم راحة طويلة وتجارة مربحة يسرها لهم رب كريم ، أرادتهم الدنيا ولم يريدوها ، وطلبتهم فأعجزوها ، وأسرتهم ففدوا أنفسهم منها ، أما الليل فصافون أقدامهم تالين لاجزاء القرآن يرتلونها ترتيلا ، يحزنون به أنفسهم ويستبشرون به دواء دائهم ، فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا وتطلعت نفوسهم إليها شوقا وظنوا أنها نصب أعينهم ، وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وظنوا أن زفير جهنم وشهيقها في اصول آذانهم ، فهم حانون على أوساطهم ، يمجدون جبارا عظيما ، مفترشون لجباههم وأكفهم وركبهم وأطراف أقدامهم ، يطلبون إلى الله في فكاك رقابهم ، وأما النهار فحلماء علماء أبرار أتقياء ، قد براهم الخوف بري القداح ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض ، ويقول : قد خولطوا ولقد خالطهم أمر عظيم ، لا يرضون من أعمالهم القليل ولا يستكثرون الكثير ، فهم لانفسهم متهمون ، ومن أعمالهم مشفقون إذا زكي أحد منهم خاف مما يقال له فيقول : أنا أعلم بنفسي من غيري وربي أعلم بنفسي مني ، اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني أفضل مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون إنك أنت علام الغيوب وستار العيوب.
  فمن علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دين وحزما في لين وإيمانا في يقين وحرصا في علم وعلما في حلم وقصدا في غنى وخشوعا في عبادة وتجملا في فاقة وصبرا في شدة وطلبا في حلال ونشاطا في هدى وتحرجا عن طمع ، يعمل الاعمال الصالحة وهو على وجل ، يمسي وهمه الشكر ويصبح وهمه الذكر ، يبيت حذرا ويصبح فرحا ، حذرا

مكارم الأخلاق _ 477 _

  لما حذر من الغفلة ، وفرحا بما أصاب من الفضل والرحمة ، وإن استصعبت عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما تحب ، قرة عينه فيما لا يزول ، وزهادته فيما لا يبقى ، يمزج الحلم بالعلم ، والقول بالعمل ، تراه قريبا أمله ، قليلا زلله ، خاشعا قلبه ، قانعة نفسه ، منزورا أكله ، سهلا أمره ، حريزا دينه ، ميتة شهوته ، مكظوما غيظه ، قليلا شره ، كثيرا ذكره ، صادقا قوله ، الخير منه مأمول ، والشر منه مأمون ، وإن كان في الغافلين كتب في الذاكرين. وإن كان في الذاكرين لم يكتب من الغافلين ، يعفو عمن ظلمه .
  ويعطي من حرمه ، ويصل من قطعه ، وبعيدا فحشه ، لينا قوله ، غائبا منكره ، حاضرا معروفه ، مقبلا خيره ، مدبرا شره ، في الزلازل وقور ، وفي المكاره صبور .
  وفي الرخاء شكور ، لا يحيف على من يبغض ، ولا يأثم فيمن يحب ، ولا يدعي ما ليس له ولا يجحد حقا هو عليه ، يعترف بالحق قبل أن يشهد عليه ، ولا يضيع ما استحفظ.
  ولا ينسي ما ذكر ، ولا يتنابز بالالقاب. ولا يضار بالجار ، ولا يشمت بالمصائب .
  سريعا إلى الصلوات مؤديا للامانات ، بطيئا عن المنكرات ، يأمرون بالمعروف وينهى عن المنكر ، لا يدخل في الباطل ولا تخرج من الحق ، إن صمت لم يغمه صمته ، وإن نطق لم يقل حظه ، وإن ضحك لم يعل صوته قانع بالذي هو له ، لا يحمح به الغيظ ولا يغلبه الهوى ولا يقهره الشح ، يخالط الناس ليعلم ، ويصمت ليسلم ، ويسأل ليفهم ، ويتجر ليغنم ، ولا يعمل الخير ليفخر به ، ولا يتكلم به لتتجبر به على من سواه ، وإن بغي عليه صبر حتى يكون الله هو الذي ينتقم له ، نفسه منه في غناء ، والناس منه في راحة أتعب نفسه لاخرته ، وأراح الناس من نفسه ، بعده عمن تباعد عنه زهد ونزاهة .
  ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة ، ليس تباعده تكبرا وعظمة ، ولا دنوه لمكر ولا خديعة .
  قال : فصعق همام صعقة كانت نفسه فيها ، فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : أما والله لقد كنت أخافها عليه ، ثم قال : هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها ، فقال له قائل : فما بالك أنت يا أمير المؤمنين ؟ فقال ( عليه السلام ) : ويحك إن لكل أجل وقتا لن يعدوه وسببا لا يتجاوزه ، فمهلا لا تعد لمثلها ، فإنما نفث الشيطان على لسانك .
  هذا آخر ما أردنا أن نجمعه من السير النبوية والاداب المروية وقد وفينا بما شرطناه نسأل الله أن يوفقنا للعمل بذلك خالصا لوجهه وموجبا لرضوانه ومغفرته وموصلا إلى جناته وكرامته بمنه وجوده وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .