ذلك مع (الخوارج) ، فسبوا نساءهم وذراريهم ، واسترقوهم ، ووطأوا نساءهم بملك اليمين ، ولم يفعل ذلك بهم علي (عليه السلام) ، ولم يكن ذلك هو حكم الله سبحانه فيهم.
   قالوا : (كانوا يسبون ذراري (الخوارج) من العرب وغيرهم ، لما قتل قريب وزحاف الخارجيان سبى زياد ذراريهما ، فأعطى شقيق بن ثور السدوسي إحدى بناتهما ، وأعطى عباد بن حصين الأخرى ، وسبيت بنت لعبيدة بن هلال اليشكري ، وبنت لقطري بن الفجاءة المازني ، فصارت هذه إلى العباس بن الوليد بن عبد الملك ، واسمها أم سلمة ، فوطأها بملك اليمين على رأيهم ، فولدت له المؤمل ، ومحمداً ، وإبراهيم ، وأحمد ، وحصيناً بن عباس بن الوليد بن عبد الملك ، وسبي واصل بن عمرو القنا ، واسترق ، وسبي سعيد الصغير الحروري واسترق الخ ...) (1) .
  جاء الآن ما لاشك فيه :
  أما بالنسبة للخوارج أنفسهم ، فإن الأمور كانت واضحة جداً لهم ، فإنه إذا كان لديهم شك في القتال ضد أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث إن مواقفه الرائدة ، وجهاده الفذ في سبيل الله ، وفضائله الظاهرة ، وكراماته الباهرة ، وأقوال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه ـ قد طبقت الآفاق ، فإنهم لا يمكن أن يشكوا في قتال بني أمية ، وهم القائلون حينما تولى معاوية الحكم : (قد جاء الآن ما لاشك فيه ) كما تقدم.
  وقد قال صخر بن عروة : (إني كرهت قتال علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) ، لسابقته ، وقرابته ، فأما الآن ، فلا يسعني إلا الخروج).

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج15 ص241و242.

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الثاني _ 52 _

  نقاط ضعف (الخوارج) :
  ولكن الملاحظة الجديرة بالتسجيل هنا هي : أن ما يظهر منهم من شدة وقسوة كثيراً ما يكون من أجل الحصول على شيء من حطام الدنيا ، فكانوا يقاتلون على القدح يؤخذ منهم ، أو على السوط ، الأمر الذي من شأنه أن يظهر حقيقة طموحاتهم ، وأنها طموحات إلى أمور دنيوية.
  ثم هي طموحات إلى أمور تافهة وحقيرة.
  أضف إلى ذلك : أن بعض الأساليب الشنيعة التي كانوا يمارسونها ضد خصومهم كانت تنفر الناس منهم ، وتجعلهم معزولين في محيطهم الخاص ، فلم يكن لهم هيمنة على عواطف الناس ، ولا على مشاعرهم.
  وكان التأييد الذي ينالونه سرعان ما يتلاشى ، ويذهب أدراج الرياح ، وليتحول إلى تأييد التقية والخوف ، الأمر الذي كانت له آثار سلبية على مسار الحرب مع الأمويين.
  وعلينا أن لا ننسى كثرة انقساماتهم ، وكون تعاليمهم فيها الكثير من القسوة والعنف ، ولاسيما فيما يرتبط بآرائهم وتعاملهم مع غيرهم ، أو مع مرتكب الذنب منهم ، أو من الآخرين ... مع شدة مراعاتهم لأهل الأديان الأخرى.
  هذا إلى جانب تأثير الإغراءات التي كان الأمويون يلوحون بها لزعماء القبائل ولغيرهم من طلاب اللبانات ، مع وجود الكثير من القسوة والاضطهاد ، والحرمان من كثير من الملذات إلى جانب (الخوارج).

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الثاني _ 53 _

  فكل ما تقدم وسواه قد ضيع على (الخوارج) فرصاً كثيرة وكبيرة في مواجهتهم لخصومهم من بني أمية وبني العباس ، وإن كان الزخم القوي والعارم ، كان يغطي أحياناً الكثير من حالات النقص الناجم عما ألمحنا إليه.
  (الخوارج) ينهكون الحكم الأموي :
  وإن الآثار السيئة التي تركتها حروب (الخوارج) على الحكم الأموي قد جعلت أبا مسلم الخراساني يتابع انتصاراته على عاملهم نصر بن سيار ، في حين لم يكن مروان الجعدي [الحمار] قادراً على مدّ يد العون له ، بسبب انشغاله بحرب (الخوارج) (1) ، وقد تمكن أبو مسلم بالتالي من القضاء على الحكم الأموي قضاءً مبرماً ونهائياً.
  ومن الملامح لصورة ما جرى نذكر هنا : أن الأزارقة : (بايعوا نافع بن الأزرق ، وسموه : أمير المؤمنين ، وانضم إليهم خوارج عمان ، واليمامة ، فصاروا أكثر من عشرين ألفاً ، واستولوا على الأهواز ، وما وراءها من أرض فارس وكرمان ، وجبوا خراجها.
   وعامل البصرة يومئذٍ عبد الله بن الحارث الخزاعي ، من قبل عبد الله بن الزبير) (2) .
  والضحاك بن قيس أيضاً : (بايعه ماءة وعشرون ألف مقاتل على مذهب الصفرية ، وملك الكوفة وغيرها ، وبايعه بالخلافة وسلّم عليه بها جماعة من قريش) (3) . وقتل سنة 128هـ.

---------------------------
(1) البداية والنهاية ج10 ص5.
(2) الفرق بين الفرق ص85 ، والملل والنحل ج1 ص118/119 ، وفجر الإسلام ص257/258.
(3) جمهرة أنساب العرب ص322 والخوارج والشيعة ص103 وتاريخ الطبري ج6 ص16 وراجع الكامل لابن الأثير ج5 ص335 ـ 337 وغيرها ، والعيون والحدائق ص159.


الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الثاني _ 54 _

  أما نجدة الحروري فقد : (أقام خمس سنين ، وعماله بالبحرين ، واليمامة ، وعمان ، وهجر ، وطوائف من أرض العرض )(1) .
  ويقول البلاذري ، عن عبد الله بن الزبير : (أتته الخوارج ، فظللهم [كذا] (2) ، وعاب قولهم ، حتى فارقه نافع بن الأزرق الحنفي ، وبنو ماحوز ، فانصرفوا عنه ، وغلبوا على اليمامة ونواحيها إلى حضرموت ، وعامة أرض اليمن) (3) .
  وعند المعتزلي : (واستولى نجدة على اليمامة ، وعظم أمره حتى ملك اليمن ، والطائف ، وعمان ، والبحرين ، ووادي تميم ، وعامر) (4) .
  وقال فلهوزن : (وتكاد جميع ثورات الخوارج التي نسمع بها في العصر الأموي المتأخر أن تكون قد خرجت من الموصل ، ومن آل بكر) (5) .
  ولا ريب في أن سياسة الحكم الأموي تجاه الناس ، قد ساهمت في إقبالهم على الانخراط في صفوف الدعوات المناهضة له ، ومواجهته بالحرب (6) .
  وكان (الخوارج) هم الفئة المبادرة في هذا الاتجاه ، فكان الناس يستجيبون لدعواتهم ، ويقاتلون تحت لوائهم ، حتى ليبلغ عدد جيوش (الخوارج) في بعض المعارك مئة وعشرين ألفاً ، كما هو معلوم ...

---------------------------
(1) تاريخ اليعقوبي ج2 ص272/273.
(2) لعل الصحيح : ضللهم أي حكم عليهم بالضلال.
(3) أنساب الأشراف ج4 ص28.
(4) شرح النهج للمعتزلي ج4 ص133.
(5) الخوارج والشيعة ص101.
(6) الخوارج والشيعة ص94.


الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الثاني _ 55 _

  ولا مجال هنا لتفصيل حروبهم وحركاتهم العسكرية ضد الأمويين ولاسيما حروبهم مع المهلب بن أبي صفرة ، فإن ذلك يحتاج إلى توفر تام ، وتأليف مستقل.
  ولكنها كانت حروباً مرتجلة ، وغير قادرة على إسقاط الحكم الأموي ، وإرساء قواعد حكم جديد لأكثر من سبب وسبب ، كما ربما يتضح في فصول هذا الكتاب.
  غير أن مما لاشك فيه هو ان هذه الحروب قد أنهكت الحكم الأموي وأثارت أمامه الكثير من المشكلات ، وواجهته بالعديد من العقبات الحقيقية التي ألحقت الأذى به ، وعجلت عليه ...

أهل الكتاب يستعملون نفوذهم :
  وقد أدرك أحبار أهل الكتاب ممن أظهر الإسلام منهم خطورة ما يواجهه الحكم الأموي ، فبادروا منذ اللحظات الأولى إلى مدّ يد العون له ، وتأييده ، وإضعاف شوكة (الخوارج) باستخدام ما يزعمونه لأنفسهم من هيمنة علمية وثقافية ، فنجد كعب الأحبار يقول : (للشهيد نور ، ولمن قاتل الحرورية عشرة أنوار ، وكان يقول : لجهنم سبعة أبواب.
  ثلاثة منها للحرورية ، قال : ولقد خرجوا في زمن داود النبي) (1) .
  ومن الواضح : أن كعب الأحبار لم يكن ليؤيد علياً (عليه السلام) في حربه لهم ، لأنه لم يكن من محبيه ولا من مؤيديه ، فهو إنما يتحدث بذلك تأييداً لمعاوية وتقوية له.

---------------------------
(1) المصنف للصنعاني ج10 ص155.

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الثاني _ 56 _

الأمويون ، واسم علي (عليه السلام) :
  كما أن الملهب بن أبي صفرة ، الذي كان يقاتلهم في العهد الزبيري الأموي قد التجأ إلى رفع شعارات طالما جهد الأمويون والزبيريون معاً على طمسها ، والقضاء عليها ، حيث نراه يحاول الاستفادة من اسم ، وعظمة ، وشخصية ، وموقف رجل يعتقد الحكم الأموي والزبيري أيضاً : أن أساس بقائه واستمراره يقوم على محو اسم تلك الشخصية ، وطمس كل فضائلها وكراماتها ، ومحاربة كل ما يرتبط بها ... ألا وهي شخصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام).
  فها نحن نرى المهلب يخطب أصحابه محرضاً لهم على قتال (الخوارج) ، فيقول : ( ... يا أيها الناس ، قد عرفتم مذهب هؤلاء الخوارج ...
  إلى أن قال : فقاتلوهم على ما قاتل عليه أولهم علي بن ابي طالب (صلوات الله عليه) ...) (1) .
  كما أن المهلب هذا قد قال يوماً لأصحابه : (إن هؤلاء الخوارج قد يئسوا من ناحيتكم إلا من جهة البيات ، فإن يكن ذلك ، فاجعلوا شعاركم : حم ، لا ينصرون ، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يامر بها ...
  ويروى : أنه كان شعار أصحاب علي بن أبي طالب (عليه السلام) ...) (2) .

---------------------------
(1) الكامل للمبرد ج3 ص315 وشرح النهج ج4 ص148.
(2) شرح النهج للمعتزلي ج4 ص153

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الثاني _ 57 _

  وروى ابن دريد : أن شعار أصحاب علي (عليه السلام) يوم الجمل ، كان : (حم ، لا ينصرون) (1) .
  وقد روي : أنه قيل لعبيد الله بن زياد ، بعد موت يزيد ، وأفول نجمه : ندمت على ما كان منك ، من قتلك الخوارج ، من أهل البصرة بالظنة والتوهم ؟
  فقال : ( ... وأما قتلي من قتلت من الخوارج ، فقد قتلهم قبلي من هو خير مني علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)) (2) .
  فتراه يحتج لصواب فعله ، بفعل العدو الألد له ولكل أسياده ، ومن كانوا يجهدون لطمس كل فضيلة له ، وتشويه سمعته ، ومحو آثاره ، ألا وهو أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام).
  (الخوارج) ... وقريش ... وخزاعة ... :
  وملاحظة هامة ، لابد منها هنا ، هي :
  أن عبد المطلب كان قد عقد مع خزاعة حلفاً ، بقي النبي (صلى الله عليه وآله) يعمل على الوفاء به ، كما أن خزاعة قد كانت عيبة نصح لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ...
  وبسبب نقض قريش لصلح الحديبية ، بالاعتداء على خزاعة ، كان فتح مكة ، فبقيت قريش تحقد على خزاعة بسبب ذلك كله أشد الحقد ...
  وقد قال معاوية : (إن نساء خزاعة لو قدرت على أن تقاتلني ، فضلاً عن رجالها فعلت) (3) ، وقد استمر هذا الحقد عشرات السنين ، ففي سنة 130

---------------------------
(1) الاشتقاق ص145.
(2) الأخبار الطوال ص284و285.
(3) صفين للمنقري ص247.


الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الثاني _ 58 _

  هجرية حين هاجم أبو حمزة الحروري بلاد الحجاز : (اتهمت قريش خزاعة أن يكونوا داهنوا عليهم الحرورية ...) (1) .
  وعلى حد تعبير أبي الفرج حول مهاجمة أبي حمزة لجمع الناس في قديد : (زعم بعض الناس : أن خزاعة دلت أبا حمزة على عورتهم ، وأدخلوهم عليهم ، فقلتوهم ، وكانت المقتلة على قريش ، وهم كانوا أكثر الناس ، وبهم كانت الشوكة الخ)(2) .
  وفي نص آخر : إن أبا حمزة حينما واقع أهل المدينة بقديد ، وقتل وأسر منهم الكثيرين : (كان إذا رأى رجلاً من قريش قتله ، وإذا رأى رجلاً من الأنصار أطلقه) (3) .
  ويذكرون أيضاً أن عتبان بن وصيلة يخاطب عبد الملك ، فيقول :
  فإنك إلاّ ترض بكر بن وائل يكن لك يوم بالعراق عصيب
  فلا ضير إن كانت قريش عدىً لنا يصيبون منا مرة ، ونصيب
  كما أن شاعراً آخر منهم يفتخر بتحقيق النصر على قريش ، فيقول :
  ألم تر أن الله أنزل نصره وصلّت قريش خلف بكر بن وائل
  ولعل ذلك يرجع إلى : أن (الخوارج) اليمانية القحطانية قد قويت شوكتهم ، ولأن الأنصار محبّي علي (عليه السلام) ، وأنصاره كانوا يمانية قحطانية أيضاً مثلهم ، أما قريش فكانت عدنانية.

---------------------------
(1) تاريخ اليعقوبي ج2 ص339 وتاريخ الأمم والملوك ج6 ص58 والكامل لابن الأثير ج5 ص389 والأغاني [ط ساسي] ج20 ص100.
(2) الأغاني ـ ط ساسي ج20 ص100 والعقود الفضية ص201.
(3) شرح النهج للمعتزلي ج5 ص113 والأغاني ج20 ص102 والعيون والحدائق ص169.


الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الثاني _ 59 _

  هذا بالإضافة إلى أنهم : كانوا ينفسون على قريش نفوذها وشوكتها ، وما لها من اعتبار ، ثم ما استأثرت به لنفسها من امتيازات سياسية ، واجتماعية ، واقتصادية بصورة عامة.
  ولأن الأمويين كانوا من قريش ـ نعم ولأجل ذلك كله ـ صب أبو حمزة جام غضبه على قريش حينما خرجت لحربه ...
  ومن جهة ثانية نلاحظ : أن اليمانية في مصر كانوا على خلاف يمانية المدينة ، حيث يقال : (إن يمانية مصر كانوا يمالئون معاوية ، وعمرو بن العاص ، فبلغ ذلك علياً (عليه السلام) الخ ...) (1) .
  وربما يكون سبب ذلك هو : أن أنصار الرسول قد سمعوا من الرسول ما قاله في علي (عليه السلام) ، كما أنهم قد عاشوا مع علي وعرفوه ، ورأوا كراماته وفضائله عن كثب ... فأحبوه ، وأيدوه ، وكانوا معه في سلمه وحربه ، بخلاف يمانية مصر.
  وهكذا كان الحال بالنسبة لربيعة اليمن فإنها هي وقبائل بني تميم كانت تنفس على قريش الخلافة والسلطان ـ كما سنرى ـ مع أن قبائل ربيعة كانت إلى جانب علي (عليه السلام) في حرب صفين ، وقد أثنى عليهم أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وهذا يدل على أن الذين كانوا موضع الثناء من أجل الولاء هم من عدا سكان الجزيرة ، وبعض اليمن ومن ربيعة.

في العهد العباسي :
  ولم يكن نصيب العباسيين من (الخوارج) بأقل من نصيب أسلافهم الأمويين ، حيث حاربهم (الخوارج) في عدد من المناطق.

---------------------------
(1) تاريخ اليعقوبي ج2 ص194.

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الثاني _ 60 _

  فقد حاربوهم في عمان سنة 134هـ وقتل منهم العباسيون عشرة آلاف.
  ثم حاربوهم في الجزيرة سنة 137هـ.
  وفي نواحي الموصل سنة 148هـ.
  وفي خراسان سنة 160هـ.
  وفي الموصل والجزيرة سنة 168هـ حيث خرج فيها يسر التميمي ، واستولى على أكثر ديار ربيعة ، وعلى الجزيرة.
  ثم خرج بالجزيرة سنة 169هـ حمزة بن مالك الخزاعي.
  وخرج الصحصح بالجزيرة ، واستولى على أكثر ديار ربيعة ، فوجه إليه الرشيد من قتله سنة 171هـ.
  وفي سنة 178هـ خرج الوليد بن طريف بالجزيرة ، فقتله يزيد بن مزيد (1) .
   وقد كانت ثورته قوية ، ومخيفة للحكم العباسي ، حتى قال مسلم بن الوليد الأنصاري ، يمدح يزيد بن مزيد الذي كان يكنى في الحرب بأبي الزبير ـ يمدحه على انتصاره على الوليد :
  لولا سيوف أبي الزبير وخيله نشر الوليد بسيفه الضحاكا
  وفيه يقول :
  لولا يزيد وأيام له سلفت عاش الوليد مع الغاوين أعواما
  الأبيات (2) .

---------------------------
(1) راجع ضحى الإسلام ، ج3 ص337ـ339 وتاريخ ابن خلدون ج3 ص167ـ169.
(2) البيان والتبيين ، ج1 ص342 وراجع : وفيات الأعيان ج6 ص328.


الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الثاني _ 61 _

  ويذكر من ثورات (الخوارج) هنا أيضاً : (أتباع حمزة بن أكرك ، الذي عاش في سجستان ، وخراسان ، ومكران ، وقهستان ، وهزم الجيوش الكثيرة ... إلى أن قال : وكان ظهوره في أيام هارون الرشيد ، سنة تسع وسبعين وماءة. وبقي الناس في فتنته إلى أن مضى صدر من أيام خلافة المأمون )(1) .
  نعم ... وقد حكم (الخوارج) ـ ولاسيما الإباضيون منهم ـ بعض البلاد مدداً طويلةً نسبياً ، أو قصيرة ، ومن ذلك سيطرتهم على عسكر مكرم ، في كرمان ، وحضرموت ، وعمان ، واليمن ، وغير ذلك مما تقدم ، ومن أراد الاطلاع على المزيد فعليه بمراجعة كتب التاريخ وغيرها.
  قال ابن خلدون : (وانقرضت كلمة هؤلاء بالعراق والشام ، فلم يخرج بعد ذلك إلا شذاذ متفرقون ، يستلحمهم الولاة بالنواحي ، إلا ما كان من خوارج البربر بأفريقية الخ ...) (2) .
  وقال المسعودي : (خرج منهم بديار ربيعة على بني حمدان ، وذلك في سنة ثمان عشرة وثلاثمائة ، وهو المعروف بعرون ، وخرج ببلاد كفرتوتي ، وورد إلى نصيبين ، فكانت له مع أهلها حرب أسر فيها وقتل منهم خلق عظيم ...
  والمعروف بأبي شعيب ، خرج في بني مالك وغيرهم من ربيعة ، وقد كان أدخل على المقتدر بالله.

---------------------------
(1) الفرق بين الفرق ص98ـ99.
(2) تاريخ ابن خلدون ج3 ص169.


الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الثاني _ 62 _

  وقد كان بعد العشرين والثلاثمئة للإباضية ببلاد عمان مما يلي بلاد بروى وغيرها حروب ، وتحكيم ، وخروج ، وإمام نصبوه ، فقتل ، وقتل من كان معه ...) (1) .
  هذا ... ويعدون في جملة ثورات (الخوارج) في العهد العباسي ثورة صاحب الزنج التي استمرت حوالي أربعة عشر عاماً ، وقالوا : إن قائد الثورة ، وهو علي بن محمد كان خارجياً أزرقياً (2) .
  ولكن الظاهر هو : أن ذلك غير دقيق ، فإن هؤلاء إنما ثاروا بسبب الظلم الذي حاق بهم ، لا من جهة قولهم بمقالة (الخوارج) ... وقد اختلف في رئيسهم ، وقد وصل نسبه بعلي (عليه السلام) ، وربما يقال بأنهم إسماعيلية ، وقد تكون نسبتهم إلى الأزارقة تهدف إلى تهجين أمرهم ، وحمل الناس على تصديق ما ينسبونه إليهم من أنهم قد ارتكبوا جرائم بشعة لا يرتكبها إلا الأزارقة من (الخوارج) ، فنسبوهم إلى هذه النحلة من أجل ذلك.

(الخوارج) في الشمال الأفريقي :
  قال ابن خلدون بالنسبة لـ : (خوارج البربر بإفريقية ، فإن دعوة الخارجية فشت فيهم ، من لدن مسيرة الظفري سنة ثلاث وعشرين وماءة ، ثم فشت دعوة الإباضية والصفرية منهم في هوارة ، ولماية ، ونغزة ، وفعيلة ، وفي مغراوة ، وبني يفرن من زناته ، حسبما يذكر في أخبار البربر لبني رستم من (الخوارج) بالمغرب دولة في تاهرت من الغرب الأوسط نذكرها في أخبار البربر أيضاً.

---------------------------
(1) مروج الذهب للمسعودي ج3 ص139.
(2) راجع : إسلام درايران ص67.

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الثاني _ 63 _

  ثم سار بإفريقية منهم على دولة العبيديين خلفاء القيروان أبو يزيد بن مخلد المغربي ، وكانت له معهم حروب وأخبار نذكرها في موضعها.
  ثم لم يزل أمرهم في تناقص إلى أن اضمحلت ديانتهم ، وافترقت جماعتهم ، وبقيت آثار نحلتهم في أعقاب البربر الذين دانوا بها أوّل الأمر ، ففي بلاد زناتة بالصحراء منها أثر باق لهذا العهد في قصور ربع وواديه وفي مغراوة من شعوب زناته ويسمعون الراهبية) (1) ، نسبة إلى عبد الله بن وهب الراهبي أول من بويع منهم أيام علي بن أبي طالب ، وهم في قصور هنالك مظهرين لبدعتهم لبعدهم عن مقال أهل السنة والجماعة ، وكذلك في جبال طرابلس وزناته أثر باق من تلك النحلة ، يدين بها أولئك البربر في مجاورة لهم مثل ذلك (2) .
   وقالوا أيضاً : (وقد دخل مذهب الخوارج إلى المغرب في النصف الأول ، من القرن الثاني الهجري في صورة الإباضية والصفرية ، وانتشر بسرعة بين البربر ، حتى أصبح المذهب القومي لهم) (3) .
  ويقول هنري ماسيه : ( ... وفي أيام آخر الخلفاء الأمويين كان الصفرية منتشرين في جميع بلاد الإسلام ، بما في ذلك المغرب ، حيث آزروا الإباضية في ثورة البربر العامة) (4) .
  وقد ثار (الخوارج) في المغرب [تونس وما حولها] ، من صفرية وإباضية ، وانضم كثير من البربر إلى (الخوارج) ، واستولى (الخوارج) على

---------------------------
(1) لعل الصحيح : الواهبية او الوهبية نسبة إلى عبد الله بن وهب الراسبي ، كما هو الصحيح والراهبي تصحيف.
(2) تاريخ ابن خلدون ج3 ص169.
(3) دائرة المعارف الإسلامية ج1 ص13.
(4) الإسلام ص187.


الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الثاني _ 64 _

  القيروان ... حتى أخرجها [أخرجهم منها] منهم يزيد بن حاتم بن قبيصة ، الذي أرسله المنصور العباسي ، وقتلهم ، بعد معارك دامت نحو خمسة عشر سنة.
  وقد قيل : إن مجموع المعارك التي دارت بين (الخوارج) من لدن ظهورهم إلى أن قضي عليهم قد بلغت نحواً من [375] معركة (1) .
  ويقولون أيضاً : ( ... وقد تنازع الصفرية والإباضية على القيروان ، التي كان يحكمها رجل إباضي ، اسمه ابن رستم ، وبعد ذلك بقليل استولى الخوارج على أفريقيا الشمالية كلها ، ولم يتوصل العباسيون إلى إقرار النظام إلا في عام 772 ميلادية) (2) .
  كما أن بعض أسر (الخوارج) : (قد حكمت تاهرت لأكثر من [130] عاماً ، حتى أزالهم الفاطميون ، فتفرقوا في صحراء تونس ، والجزائر ، وجربا ، ولا يزالون يعيشون في هذه المناطق حتى الآن )(3) .
  ويقول ألفرد بل : ( ... ومن ناحية أخرى ، عاشت دويلات صغيرة بربرية خارجية ، بعد هزيمة سنة 124هـ ، وأمكن قيامها في النواحي الأقل تعرضاً لضربات الولاة العرب ، مثال ذلك المملكة الصفرية ، التي لم تعش إلا قليلاً جداً ، والتي أنشأها أحد البربر ، وهو أبو قرة في منطقة تلمسان وملوية ، أو دولة بني مدرار في تافيلالت التي عاشت أطول منها) (4) .

---------------------------
(1) ضحى الإسلام ج3 ص338/339.
(2) الإسلام ص188.
(3) راجع : دائرة المعارف الإسلامية ج1 ص13 والإسلام تأليف هنري ماسيه ص188 ومعجم البلدان ج2 ص8 والفرق الإسلامية في الشمال الأفريقي ص149.
(4) الفرق الإسلامية في الشمال الأفريقي ص149.


الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الثاني _ 65 _

  هذا ويلاحظ : أن مسلمي الجزائر : (لا يختلطون بالمسلمين من أهل السنة إلا لضرورات تجارتهم النافعة ، وقلّما يصاهرون أهل السنة ، لأن هذا الزواج مما تبرأ منه الجماعة) (1) .
  البربر ... و (الخوارج) :
  ولعل تمكن (الخوارج) من النفوذ إلى بلاد المغرب ، أو بالأحرى إلى الشمال الأفريقي بصورة عامة ، هو لأنهم تمكنوا من النفوذ إلى البربر ، الذين أعانوهم على السيطرة على القيروان ...
  ولعل ذلك يرجع إلى أسباب عديدة ، أهمها : وجه الشبه الكبير الذي كان قائماً في ذلك الحين بين البربر و (الخوارج) في عقليتهم ، وظروف ونمط حياتهم ، ووضعهم الثقافي العام ...
  يقول ياقوت ـ وإن كان في كلامه تحامل شديد ، يصل إلى حد الشتم والسباب ـ : ( ... البربر أجفى خلق الله ، وأكثرهم طيشاً ، وأسرعهم إلى الفتنة ، وأطوعهم لداعية الضلالة ، وأصغاهم لنمق الجهالة.
  ولم تخل جبالهم من الفتن وسفك الدماء قط.
  ولهم أحوال عجيبة ، واصطلاحات غريبة ، وقد حسّن لهم الشيطان الغوايات ، وزين لهم الضلالات ، حتى صارت طبائعهم إلى الباطل مائلة ، وغرائزهم في ضد الحق جائلة ، فكم من ادّعى فيهم النبوة ، فقبلوا ، وكم زاعم فيهم أنه المهدي الموعود به ، فأجابوا داعيه ، ولمذهبه انتحلوا ، وكم ادّعى فيهم من مذاهب (الخوارج) ، فإلى مذهبهم بعد الإسلام

---------------------------
(1) المصدر السابق ص150 ودائرة المعارف الإسلامية ج8 ص470.


الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الثاني _ 66 _

  انتقلوا ... ثم سفكوا الدماء المحرمة ، واستباحوا الفروج بغير حق ، ونهبوا الأموال ، واستباحوا الرجال ...) (1) .
  وهذه الصفات ـ عموماً ـ هي بعينها من مميزات (الخوارج) ، وخصائصهم ، كما سنرى ...
  إلا أننا نعتقد أن السبب الأهم في فشوّ مذهب (الخوارج) بين البربر ، هو سذاجة البربر ، وسطحيتهم ، ثم الشعارات البراقة ، التي كان (الخوارج) يرفعونها ، باسم الدين والإسلام ، كما أن لظروف البربر أثراً في ذلك أيضاً ... ولأجل ذلك رأينا : أنه بعد ظهور الفاطميين كان البربر وكتامة ، الذين تشيعوا ـ كانوا ـ دعامة حكم الفاطميين ، ولعل بعض الحملات التي وجهها إليهم ياقوت آنفاً ، وغيره سببها هذا الأمر فيهم.
  كما أننا نرى البعض يشير هنا : إلى المعاملة السيئة ، التي كان البربر يعانون منها ، من قبل الحكم الأموي ، قد سهّل لدعوة (الخوارج) بشعاراتها البراقة ، أن تجد السبيل إلى نفوسهم ، بيسر وسهولة (2).

خارجي يحكم مصر :
  ورغم أن (الخوارج) لم يكن لهم ذلك الانتشار الكبير في مصر ، إلا أن بعض من ينسب إليهم قد استطاع أن يصل لأعلى المراتب فيها ، يقول ابن حزم ، عن عنبسة بن إسحاق ، الذي ولي مصر في زمن المتوكل أربع سنين :

---------------------------
(1) معجم البلدان ج1 ص369 وراجع : المهدية في الإسلام ص185.
(2) تاريخ الشعوب الإسلامية ص158/159.


الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الثاني _ 67 _

  ( ... وكان يتهم بمذهب الخوارج ، لشدة عدله ، وتحريه للحق ، وهو آخر من ولي مصر ...) (1) .

---------------------------
(1) جمهرة أنساب العرب ص204.

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الثاني _ 69 _

  الفصل الثاني
  القتال من أجل الملك

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الثاني _ 71 _

  بداية :
  قد قرأنا في الفصل السابق : أن علياً (عليه السلام) قد وصفهم بأن الشيطان قد زين لهم أنهم ظاهرون ... وأنهم كانوا ينطلقون في حروبهم له مما يجدونه في أنفسهم من حقد وضغينة ... وأن الأماني قد غرتهم ، وأن أنفسهم الامارة وأمانيهم قد زينت لهم المعاصي ... وأن الهوى قد صدهم عن الحق ، وأن النزق قد طمح بهم ... إلى غير ذلك من كلماته (عليه السلام) ، التي بينت لنا دوافعهم لخوض تلك الحرب ضد أهل الإيمان والإسلام ، وضد الأخوة والآباء والأبناء ... والأصدقاء ...
  إن إصرارهم على خوض تلك الحرب ، وقولهم المتقدم ذكره : يرى علي أنا نخافه؟! رغم إقامة الحجة عليهم ، وانقطاع عذرهم ، ليدل دلالة واضحة على أن ما يسعون إليه كان بنظرهم أهم من الالتزام بحقائق الدين ، وأحكامه وشرائعه ...
  ولاشك أن الدنيا وحطامها ، والحصول على الأموال والغنائم كان أحد أهدافهم من حروبهم التي خاضوها ... ولكنه ليس هو الهدف الوحيد ، بل هناك هدف آخر مهم جداً أيضاً ، وهو الذي يجلب لهم المال ، والسبايا ذوات الجمال ... ألا وهو الوصول إلى الحكم ، والإمساك

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الثاني _ 72 _

  بالسلطان ، وسنجد في هذا الفصل شواهد عديدة على ذلك ، فإلى ما يلي من مطالب.

الأهداف الباطلة :
  وفي عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فإنه بعد أن قتل بعض فرسان (الخوارج) ، نجد عبد الله بن وهب الراسبي يبرز للقتال ، ويعلن أنه إنما يفعل ذلك لأجل هدفين اثنين هما :
  1 ـ أخذ ثار من قتل من أصحابه.
  2 ـ إزالة دولة أمير المؤمنين ، وصيرورة الأمر إلى أصحابه (الخوارج) ، فإنه جعل يرتجز بين الصفين ، ويقول :
  أنا ابن وهب الراسبي الشاري أضرب في القوم لأخذ الثار
  حتى تزول دولة الأشرار ويرجع الحق إلى الأخيار (1)
  ألاعيبهم في سبيل الحكم :
  والخريت بن راشد أيضاً كان يسعى إلى الدنيا ، حيث إنه كان يحاول إرضاء كل الفرقاء ، ولا يلزم نفسه بشيء.
  فقد قال لمن معه من (الخوارج) : (إنا على رأيكم ، وإن علياً لم ينبغ له أن يحكّم !!
  وقال للآخرين ، من أصحابه : حكّم ، ورضي ، فخلعه حكمه الذي ارتضاه.
  وهذا كان الرأي الذي خرج عليه من الكوفة ، وإليه كان يذهب.

---------------------------
(1) الفتوح لابن أعثم ج4 ص132 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص190 ونقل أيضاً عن شرح نهج البلاغة للمعتزلي.

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الثاني _ 73 _

  وقال سراً للعثمانية : أنا والله على رأيكم ، قد ـ والله ـ قتل عثمان مظلوماً.
  فأرضى كل صنف منهم.
  وقال لمن منع الصدقة : شدوا أيديكم على صدقاتكم ، وصلوا بها أرحامكم) (1) .
  مع أنه قد علل خروجه على أمير المؤمنين بما يدل على أنه كان حرورياً خارجياً ، حيث قال لأمير المؤمنين (عليه السلام) أول خروجه عليه ، وعصيانه له : ( ... لأنك حكمت ، وضعفت عن الحق ، وركنت إلى القوم الذين ظلموا ، فأنا عليك زارٍ ، وعليهم ناقم ، ولكم جميعاً مباين) (2) .
  يوليه ، فينصرف عن خارجيته :
  وقد كاتب عبد الملك بن مروان شبيباً الخارجي ـ في الطاعة ، على أن يوليه اليمامة ، ويهدر له ما أصاب من الدماء ، فاتهموه في هذه المكاتبة (3) .

---------------------------
(1) تاريخ الأمم والملوك ج4 ص96 والكامل في التاريخ ج3 ص368 ، وشرح النهج للمعتزلي ج3 ص140/141 وتاريخ الدولة العربية ص81.
(2) الكامل في التاريخ ج3 ص364 وتاريخ الأمم والملوك ج4 ص87 وأنساب الأشراف [بتحقيق المحمودي] ج2 ص411 والبداية والنهاية ج7 ص417 وشرح النهج ج3 ص128 وراجع كتاب الغارات ج1 ص333.
(3) العبر وديوان المبتدأ والخبر ج3 ص147.


الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الثاني _ 74 _

  وبلغ زياداً عن رجل يدعى أبا الخير ، من أهل الباس والنجدة : أنه يرى رأي (الخوارج) ، فدعاه ، فولاه جندي سابور ، وما يليها ، ورزقه أربعة آلاف درهم في كل شهر ، وجعل عمالته في كل سنة مئة ألف.
  فكان أبو الخير يقول : ما رأيت شيئاً خيراً من لزوم الطاعة ، والتقلب بين أظهر الجماعة (1) .
  ندماء الملوك :
  وقد كان زياد بن أبيه يبعث إلى الجماعة منهم ، فيقول : ما أحسب الذي يمنعكم من إتياني إلا الرجلة [أي عدم وجود ما يركبونه] فيقولون : أجل.
  فيحملهم ، ويقول : اغشوني الآن ، واسمروا عندي.
  وقد مدحه عمر بن عبد العزيز على ذلك ، فراجع (2) .
  وقد صار سميرة بن الجعد نديماً للحجاج ، وغرّته مباهج القصر ، فلما عاتبه قطري بن فجاءة على ذلك ، حمل سلاحه ، ولحق به ، دون أن ينذر الحجاج بذلك (3) .

مدائحهم للطواغيت :
  وقد مدح الطرماح وهو خارجي الوالي من قبل بني أمية ، خالد بن عبد الله القسري (4) .

---------------------------
(1) راجع : الكامل في الأدب ج3 ص261/262.
(2) المصدر السابق.
(3) راجع : الخوارج في العصر الأموي ص261/262 و279/280 وراجع أيضاً مروج الذهب ج3 ص136/137.
(4) راجع : الأغاني ج10 ص158.

الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الثاني _ 75 _

  وسيأتي أن ابن الكواء يفد على معاوية ، ويأخذ جائزته ، ويمدحه ، ويبين له أيضاً حالات أهل الأمصار.
  صداقات ومحبة :
  كما أن المنذر بن الجارود العبدي ، الذي كانت ابنته زوجة لعبيد الله بن زياد قد كان من أكرم الناس على ابن زياد ، ولكنه حينما أجار عليه ابن مفرغ لم يقبل منه (1) .
  كما أنه كان قريباً إلى معاوية ، ويحضر مجلسه (2) .
  بيعتهم لابن زياد :
  وحينما ظهر أمر ابن زياد قال الناس لعبد الله بن زياد : (أخرج لنا إخواننا من السجون ، وكانت مملوءة من (الخوارج) ، قال : لا تفعلوا ، فأبوا ، فأخرجهم ، فجعلوا يبايعونه ، فما تكامل آخرهم حتى أغلظوا إليه ، ثم عسكروا ، وقيل : خرجوا يمسحون الجدر بأيديهم ، ويقولون : هذه بيعة ابن مرجانة الخ) (3) .
  وفاء حروري للعرش الأموي !! :
  وكان عقفان حرورياً خرج في أيام يزيد بن عبد الملك في ثلاثين رجلاً ، فأراد أن يرسل إليه جنداً فقيل له إن قتل عقفان بهذه البلاد اتخذها (الخوارج) دار هجرة.

---------------------------
(1) راجع : الأغاني ـ ط ساسي ج17 ص56.
(2) راجع : الأغاني ج13 ص48.
(3) سير أعلام النبلاء ج3 ص546و547.