.
وقال (عليه السلام) مخاطباً لهم بالنهروان : (أيتها العصابة ، التي أخرجتها اللجاجة ، وصدّها عن الحق الهوى ، فأصبحت في لبسٍ وخطأ)
.
وفي نص آخر ، أنه قال لهم : (يا قوم ، إنه قد غلب عليكم اللجاج والمراء ، واتبعتم أهواءكم ، فطمح بكم تزيين الشيطان لكم الخ )
).
وحسب نص آخر : (أيتها العصابة التي أخرجها المراء واللجاج عن الحق ، وطمح بها الهوى إلى الباطل)
.
وعند الطبري : (أيتها العصابة التي أخرجها عداوة المراء ، واللجاجة ، وصدها عن الحق الهوى ، وطمح بها النزق ، وأصبحت في اللبس ، والخطب العظيم)
.
وفي نص آخر لم يذكر قوله: (وطمح بها النزق الخ...). لكنه قال: (إن أنفسكم الأمارة سولت لكم فراقي لهذه الحكومة التي أنتم ابتدأتموها ، وسألتموها وأنا لها كاره. وأنبأتكم أن القوم إنما فعلوها مكيدة ، فأبيتم علي إباء المخالفين ، وعندتم علي عناد العاصين الخ )
.
سبقه ما يثير احتمال تعدد الواقعة ، فدعا ذلك إلى التركيز على خصوصيات مختلفة تتناسب مع الحالات المختلفة.
ونلاحظ : أنه (عليه السلام) قد قرر في كلماته تلك :
ألف : أن (الخوارج) كانوا يتوقعون الظفر في حربهم له (عليه السلام).
ب : أنه كانت لديهم أماني قد غرتهم.
ج : إن أنفسهم الأمارة وأمانيهم قد زينت لهم المعاصي.
د : أن الشيطان زين لهم وغرهم ، فأوردهم موارد الهلكة.
هـ : أنهم قد التبست عليهم الأمور ، ووقعوا في الخطأ ، حينما لم يعرفوا الحق.
و : أن الهوى قد صدهم عن الحق.
ز : إنهم كانوا قد غلب عليهم اللجاج والمراء.
ح : إن النزق قد طمح بهم.
ط : ان النزق دعاهم إلى الخلاف والعناد.
ي : إنهم إنما يقاتلون من أجل الدنيا ، كما سيأتي في كلامه (عليه السلام) مع زرعة بن البرج.
وستأتي كلمات أخرى له (عليه السلام) ، فيها إشارات أخرى إلى دوافعهم ، وحالاتهم.
ثم إن مما يدل على ما ذكره أمير المؤمنين (عليه السلام) من أن الشيطان قد زين لهم المعاصي ، ما كانوا يرتكبونه في حق الأبرياء من جرائم ، وموبقات ، ومآثم ، وذلك في أول ظهورهم ، وحتى قبل معركة النهروان الشهيرة ، وقبل أن يضعوا لأنفسهم منهجاً عقائدياً يبيحون فيه لأنفسهم
الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الثاني _ 24 _
ارتكاب تلك الموبقات والمآثم.
أضف إلى ذلك : أن حربهم لأمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) لم تكن مبررة عندهم بالقدر الكافي ، فلم يكن لديهم في ذلك برهان ، ولا كانوا واثقين من صواب موقفهم ، بل كانوا مجرد شكاك ، فمضوا على شكهم حتى قتل أكثرهم ، وقتل بسببهم أو على أيديهم كثيرون آخرون ، وقد تحدثنا عن شكهم هذا في موضع آخر من هذا الكتاب.
ونحن هنا بهدف توفير الوقت ، وادخار الجهد سوف نقتصر على نماذج قليلة من مخالفاتهم ، ومواقفهم اللاإنسانية ، وأفعالهم التي تخالف اعتقاداتهم وأقوالهم ، وهي التالية:
القتال على الأموال :
إن من يراجع تاريخ الوقائع والأحداث لا يساوره شك في أن قتالهم لم يكن جهاداً في سبيل الله ، بل كان على الأموال ، ومن أجل الدنيا بصورة عامة ، فقد قال سيد الوصيين علي أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) ، لزرعة بن البرج ، في احتجاجه على أهل النهروان : (لو كنت محقاً كان في الموت على الحق تعزية عن الدنيا ، إن الشيطان قد استهواكم ، فاتقوا الله عز وجل ، إنه لا خير في دنيا تقاتلون عليها)
(1) .
ويقول النص التاريخي أيضاً : ( ... وجعلت الخوارج تقاتل على القدح يؤخذ منها ، والسوط ، والعلف ، والحشيش أشد قتال)
(2) .
---------------------------
(1) تاريخ الأمم والملوك ، ج4 ص53 وبهج الصباغة ، ج7 ص164.
(2) الكامل في الأدب ، ج3 ص397 والعقد الفريد ، ج1 ص223 وفيه كانت الخوارج تقاتل إلخ... وشرح النهج للمعتزلي ، ج4 ص208 راجع : فجر الإسلام ، ص264.
الإمام علي عليه السلام والخوارج ـ الجزء الثاني _ 25 _
وقد قلنا حين الحديث عن تركيبة (الخوارج) أن معقلاً الذي أرسله علي (عليه السلام) لقتال الخريت الخارجي قد قال لأصحابه عن الخوارج : إنهم علوج كسروا الخراج ، ولصوص الخ...
(1) .
ويؤيد ذلك أيضاً : نصوص تاريخية أخرى
(2) .
ويقول المعتزلي : (وقد خرج بعد هذين جماعة من خوارج كرمان ، وجماعة أخرى من أهل عمان ، لا نباهة لهم ، وقد ذكرهم أبو إسحاق الصابي ، في كتاب (الناجي) وكلهم بمعزل عن طرائق سلفهم ، وإنما وكدهم ، وقصدهم إلى إخافة السبيل ، والفساد في الأرض ، واكتساب الأموال من غير حلها)
(3) .
هذا ، وقد سأل الحسن البصري رجل من (الخوارج) ، فقال : ما تقول في (الخوارج) ؟
فقال : هم أصحاب دنيا.
قال : من أين قلت ، وأحدهم يمشي في الرمح حتى ينكسر فيه ، ويخرج من أهله وولده ؟!
قال الحسن : حدثني عن السلطان ، أيمنعك من إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والحج والعمرة ؟
قال : لا.
قال : فأراه إنما منعك الدنيا فقاتلته عليها.
قال إسحاق : فحدثت بهذا الحديث الغاضري ـ ظريفاً كان بالمدينة
---------------------------
(1) الغارات ، ج1 هامش ص353.
(2) راجع : تاريخ الأمم والملوك ج4 ص93 والكامل في التاريخ ج3 ص367.
(3) شرح النهج للمعتزلي ج5 ص76.