تأليف
العلامة الشيخ الأميني

من فيض الغدير

عيد الغدير في الإسلام _ 5 _

   عيد الغدير في الإسلام والتتويج والقربات يوم الغدير
   تأليف : العلامة الشيخ الأميني
   إعداد : الشيخ فارس تبريزيان عيد الغدير في الإسلام العلامة الشيخ الأميني

عيد الغدير في الإسلام _ 7 _

   كتاب الغدير : كتاب يتجدد أثره ويتعاظم كلما ازداد به الناس معرفة ، ويمتد في الآفاق صيته كلما غاص الباحثون في أعماقه وجلوا أسراره وثوروا كامن كنوزه .
   ... إنه العمل الموسوعي الكبير الذي يعد بحق موسوعة جامعة لجواهر البحوث في شتى ميادين العلوم : من تفسير ، وحديث ، وتاريخ ، وأدب ، وعقيدة ، وكلام ، وفرق ، ومذاهب ... جمع ذلك كله بمستوى التخصص العلمي الرفيع وفي صياغة الأديب الذي خاطب جميع القراء ، فلم يبخس قارئا حظه ولا انحدر بمستوى البحث العلمي عن حقه .
   ونظرا لما انطوت عليه أجزاؤه الأحد عشر من ذخائر هامة ، لا غنى لطالب المعرفة عنها ، وتيسيرا لاغتنام فوائدها ، فقد تبنينا استلال جملة من المباحث الاعتقادية وما لها صلة برد الشبهات المثارة ضد مذهب أهل البيت عليهم السلام ، لطباعتها ونشرها مستقلة ، وذلك بعد تحقيقها وتخريج مصادرها وفقا للمناهج الحديثة في التحقيق .

عيد الغدير في الإسلام _ 8 _

مقدمة الاعداد
   في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة عشرة للهجرة ، جمع النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) المسلمين عند رجوعه من الحج في مكان يسمى غدير خم ، وخطبهم خطبة مفصلة ، وفي آخر خطبته قال : ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه ؟ قالوا : بلى ، فأخذ بيد علي فقال : اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه فلقيه عمر بعد ذلك فقال : هنيئا لك يا بن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ، فهل لهذا اليوم منزلة في الشريعة ؟

عيد الغدير في الإسلام _ 9 _

   ذهب الشيعة إلى أنه يوم عيد وفرح وسرور ، واعتمدوا على روايات كثيرة استدلوا بها على كونه عيدا .
   وذهب قوم من المسلمين إلى أنه ليس بعيد ، ومن اتخذه عيدا فهو مبتدع ! ! وتعصب هذا البعض من المسلمين أشد التعصب ضد الشيعة ، وأباح دماءهم لأجل اتخاذهم يوم الغدير يوم عيد .
   ومن نقب صفحات التاريخ يجد فيها الكثير من هذه التعصبات والمجازر الطائفية ضد مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) لأجل اتخاذهم يوم الغدير عيدا ، ويوم عاشوراء ـ الذي قتل فيه ريحانة الرسول وسبطه الحسين بن علي ( عليه السلام ) يوم حزن وعزاء .
   ووصل التعصب إلى حد كانت فيه الدماء تراق والبيوت والمساجد وأماكن العبادة تحرق ... لا لأجل شئ ، سوى الاحتفال بيوم الغدير وإقامة المأتم والعزاء يوم عاشوراء .
   ولما لم تؤثر هذه الأفاعيل القبيحة ضد الشيعة في نقص عزائمهم ، بل زادتهم إيمانا وقوة في التمسك بما يعتقدونه عن دليل ، اتخذ أهل السنة منهجا جديدا للوقوف أمام هذه الشعائر : حيث عملوا في مقابل الشيعة يوم الثامن عشر من المحرم ـ وقال ابن كثير : اليوم الثاني عشر ـ مثل ما تعمله الشيعة في عاشوراء ، من إقامة المأتم والعزاء ، وقالوا : هو يوم قتل مصعب بن الزبير ،

عيد الغدير في الإسلام _ 10 _

   وزاروا قبره بمسكن ، كما يزار قبر الحسين ( عليه السلام ) بكربلاء ، ونظروه بالحسين ! وقالوا : إنه صبر وقاتل حتى قتل ، وإن أباه ابن عمة النبي كما أن أبا الحسين ابن عم النبي ! ! وعملوا في مقابل الشيعة يوم السادس والعشرين من ذي الحجة زينة عظيمة وفرحا كثيرا ، واتخذوه عيدا ، كما تفعله الشيعة في يوم عيد الغدير الثامن عشر من ذي الحجة ، وادعوا أنه يوم دخول النبي وأبي بكر الغار ، وأقاموا هذين الشعارين زمنا طويلا .
   راجع : المنتظم 7 : 206 ، البداية والنهاية 11 : 325 ـ 326 ، الكامل في التاريخ 9 : 155 ، العبر 3 : 42 ـ 43 ، شذرات الذهب 3 : 130 ، تاريخ الإسلام : 25 .
   والتعصب إذا استحوذ على كيان الإنسان فإنه يعميه ويصمه ، ويجعله يغير حتى المسلمات لأجل الوصول إلى أغراضه : فنشاهد الطبري في تاريخه 6 : 162 يصرح بأن مقتل مصعب كان في جمادى الآخرة ، فمع هذا فإنهم يجعلوه في اليوم الثامن عشر من المحرم ليكون في مقابل يوم استشهاد الحسين ( عليه السلام ) يوم العاشر من المحرم .
   ويوم الغار معلوم لدى الكل ـ حتى من له أدنى معرفة بالتاريخ ـ أنه لم يكن في ذي الحجة ولا في اليوم السادس والعشرين منه ، ومع

عيد الغدير في الإسلام _ 11 _

   هذا فإنهم يجعلوه في اليوم السادس والعشرين من ذي الحجة ليكون بعد يوم الغدير بثمانية أيام .
   وكنا نتمنى أن تنتهي هذه التعصبات والمجازر الطائفية في عصرنا هذا الذي يسمى بعصر التقدم والنور ... وكنا لا نحتاج إلى إثارة هذه المطالب من جديد .
   ولكن ومع الأسف الشديد نرى أن هذه التعصبات لا زالت قائمة ، وأن الشيعة سنويا تقتل وتحرق مساجدها لأجل إقامة مراسم العزاء على السبط الشهيد وإقامة الفرح والسرور بيوم الغدير .
   وتصاعدت طباعة الكتب ضد مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) ، فإنها تطبع وبأعداد هائلة وفي أكثر البلدان ملؤها الافتراء والبهتان ، ولا رادع ولا صادع ! ! فإنا لله وإنا إليه راجعون .
   وهذا الكتيب الذي نقدمه بين يدي القارئ العزيز ، مستل من كتاب الغدير للعلامة الأميني ، فيه ثلاثة بحوث مهمة :
  1 ـ عيد الغدير في الإسلام .
  2 ـ التتويج يوم الغدير .
  3 ـ صـوم يوم الغدير .

عيد الغدير في الإسلام _ 12 _

   كتبها العلامة الأميني ، معتمدا فيها على أهم المصادر المعتبرة بين المسلمين .
   وبعد أن استخرجتها من كتابه الغدير ، الطبعة المتداولة ، وقابلتها مع طبعة النجف ، واستفدت من بعض الفوارق ، أعدت النظر في تقويم النص وفقا للأساليب الحديثة ، وأجريت عملية استخراج الأقوال والأحاديث من المصادر الحديثة ، وبالنسبة للمصادر المفقودة ذكرت الوسائط الناقلة عنها ، وذكرت استدراكا لما ذكره العلامة الأميني في بحوثه هذه لحديث التهنئة وحديث صوم يوم الغدير ، وحديث التعمم يوم الغدير .
   فارس تبريزيان الحسون

عيد الغدير في الإسلام _ 13 _

مقدمة المؤلف
   ومما شئ من جهته لحديث الغدير الخلود والنشور ، ولمفاده التحقق والثبوت ، اتخاذه عيدا يحتفل به وبليلته بالعبادة والخشوع ، وإدرار وجوه البر ، وصلة الضعفاء ، والتوسع على النفس والعائلات ، واتخاذ الزينة والملابس القشيبة .
   فمتى كان للملا الديني نزوع إلى تلكم الأحوال فبطبع الحال يكون له اندفاع إلى تحري أسبابها ، والتثبت في شؤونها ، فيفحص عن رواتها ، أو أن الاتفاق المقارن لهاتيك الصفات يوقفه على من ينشدها ويرويها ، وتتجدد له وللأجيال في كل دور لفتة إليها في كل


عيد الغدير في الإسلام _ 14 _

   عام ، فلا تزال الأسانيد متواصلة ، والطرق محفوظة ، والمتون مقروءة ، والأنباء بها متكررة .

صلة المسلمين بعيد الغدير
   إن الذي يتجلى للباحث حول تلك الصفة أمران : الأول : أنه ليس صلة هذا العيد بالشيعة فحسب ، وإن كانت لهم به علاقة خاصة ، وإنما اشترك معهم في التعيد به غيرهم من فرق المسلمين : فقد عده البيروني في الآثار الباقية في القرون الخالية : 334 : مما استعمله أهل الإسلام من الأعياد .
   وفي مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي : 53 : يوم غدير خم ، ذكره ( أمير المؤمنين ) في شعره (1) ، وصار ذلك اليوم عيدا

---------------------------
(1) وهو قوله ( عليه السلام ) : محمد النبي أخي وصنوي وحمزة سيد الشهداء عمي وجعفر الذي يضحي ويمسي يطير مع الملائكة ابن أمي وبنت محمد سكني وعرسي منوط لحمها بدمي ولحمي وسبطا أحمد ولداي منها فأيكم له سهم كسهمي سبقتكم إلى الإسلام طرا على ما كان من فهمي وعلمي فأوجبت لي ولايته عليكم رسول الله يوم غدير خم فويل ثم ويل ثم ويل لمن يلقى الإله غدا بظلمي ذكر هذه الأبيات العلامة الأميني في كتابه الغدير 2 : 25 ـ 30 ، وذكر من رواها من أعلام العامة : الحافظ البيهقي المتوفى 458 ه‍ ، وأبو الحجاج يوسف بن محمد المالكي المتوفى حدود 605 في كتابه ألف باء 1 : 39 ، وأبو الحسين الحافظ زيد بن الحسن الكندي الحنفي المتوفى 613 في كتابه المجتنى : 39 ، وياقوت الحموي في معجم الأدباء 5 : 266 ، ومحمد بن طلحة الشافعي المتوفى 652 في مطالب السؤول : 11 ، وسبط ابن الجوزي الحنفي المتوفى 654 في تذكرة خواص الأمة : 62 ، وابن أبي الحديد المتوفى 658 في شرح نهج البلاغة 2 : 377 ، ... إلى ستة وعشرين نفر ممن رواها من أعلام العامة ، (*)

عيد الغدير في الإسلام _ 15 _

   وموسما ، لكونه كان وقتا نصه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بهذه المنزلة العلية ، وشرفه بها دون الناس كلهم .
   وقال ص 56 : وكل معنى أمكن إثباته مما دل عليه لفظ المولى لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقد جعله لعلى ، وهي مرتبة سامية ، ومنزلة سامقة ، ودرجة علية ، ومكانة رفيعة ، خصصه بها دون غيره ، فلهذا صار ذلك اليوم يوم عيد وموسم سرور لأوليائه . انتهى .
   تفيدنا هذه الكلمة اشتراك المسلمين قاطبة في التعيد بذلك اليوم ، سواء رجع الضمير في ( أوليائه ) إلى النبي أو الوصي صلى الله عليهما وآلهما .
   أما على الأول : فواضح ، وأما على الثاني : فكل المسلمين يوالون أمير المؤمنين عليا شرع ، سواء في ذلك من يواليه بما هو خليفة الرسول بلا فصل ،

عيد الغدير في الإسلام _ 16 _

   ومن يراه رابع الخلفاء ، فلن تجد في المسلمين من ينصب له العداء ، إلا شذاذ من الخوارج مرقوا عن الدين الحنيف .
   وتقرئنا كتب التاريخ دروسا من هذا العيد ، وتسالم الأمة الإسلامية عليه في الشرق والغرب ، واعتناء المصريين والمغاربة والعراقيين بشأنه في القرون المتقادمة ، وكونه عندهم يوما مشهودا للصلاة والدعاء والخطبة وإنشاد الشعر على ما فصل في المعاجم .
   ويظهر من غير مورد من الوفيات لا بن خلكان التسالم على تسمية هذا اليوم عيدا : ففي ترجمة المستعلي ابن المستنصر 1 : 60 : فبويع في يوم عيد غدير خم ، وهو الثامن عشر من ذي الحجة سنة 487 (1) .
   وقال في ترجمة المستنصر بالله العبيدي 2 : 223 :وتوفي ليلة الخميس لاثنتي عشر ليلة بقيت من ذي الحجة سنة سبع وثمانين وأربعمائة رحمه الله تعالى .
   قلت : وهذه الليلة هي ليلة عيد الغدير ، أعني ليلة الثامن عشر من ذي الحجة ، وهو غدير خم ـ بضم الخاء وتشديد الميم ـ ورأيت جماعة كثيرة يسألون عن هذه الليلة متى كانت من ذي الحجة ، وهذا المكان بين مكة والمدينة ، وفيه غدير ماء ويقال : إنه غيضة هناك ، ولما رجع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من مكة شرفها الله تعالى عام حجة الوداع ووصل إلى هذا المكان وآخى علي بن أبي

---------------------------
(1) وفيات الأعلام 1 : 180 رقم 74 ، ط دار صادر ، (*)

عيد الغدير في الإسلام _ 17 _

   طالب ( رضي الله عنه ) قال : على مني كهارون من موسى ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وللشيعة به تعلق كبير ، وقال الحازمي : وهو واد بين مكة والمدينة عند الجحفة [ به ] غدير عنده خطب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وهذا الوادي موصوف بكثرة الوخامة وشدة الحر ، انتهى (1) .
   وهذا الذي يذكره ابن خلكان من كبر تعلق الشيعة بهذا اليوم هو الذي يعنيه المسعودي في التنبيه والإشراف : 221 بعد ذكر حديث الغدير بقوله : وولد على ( رضي الله عنه ) وشيعته يعظمون هذا اليوم .
   ونحوه الثعالبي في ثمار القلوب ـ بعد أن عد ليلة الغدير من الليالي المضافات المشهورة عند الأمة ـ بقوله ص 511 : وهي الليلة التي خطب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في غدها بغدير خم على أقتاب الإبل ، فقال في خطبته : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، فالشيعة يعظمون هذه الليلة ويحيونها قياما ، انتهى (2) .
   وذلك [ ل‍ ] اعتقادهم وقوع النص على الخلافة بلا فصل فيه ، وهم وإن انفردوا عن غيرهم بهذه العقيدة ، لكنهم لم يبرحوا مشاطرين مع الأمة التي لم تزل ليلة الغدير عندهم من الليالي

---------------------------
(1) المصدر السابق 5 : 230 ـ 231 رقم 728 .
(2) ثمار القلوب في المضاف والمنسوب : 636 رقم 1068 ، (*)

عيد الغدير في الإسلام _ 18 _

   المضافة المشهورة ، وليست شهرة هذه الإضافة إلا لاعتقاد خطر عظيم ، وفضيلة بارزة في صبيحتها ، ذلك الذي جعله يوما مشهودا أو عيدا مباركا .
   ومن جراء هذا الاعتقاد في فضيلة يوم الغدير وليلته وقع التشبيه بهما في الحسن والبهجة .
   قال تميم بن المعز صاحب الديار المصرية المتوفى 374 من قصيدة له ذكرها الباخرزي في دمية القصر : 38 :

تروح علينا بأحداقها حسان      حـكتهن مـن نـشر iiهنه
نواعم لا يستطعن النهوض      إذا قـمن من ثقل iiأردافهنه
حسن  كحسن ليالي iiالغدير      وجئن ببهجة أيامهنه  (1)
   ومما يدل على ذلك : التهنئة لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) من الشيخين وأمهات المؤمنين وغيرهم من الصحابة بأمر من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، كما ستقف على ذلك مفصلا إن شاء الله ، والتهنئة من خواص الأعياد والأفراح .

مبدأ عيد الغدير
   الأمر الثاني : إن عهد هذا العيد يمتد إلى أمد قديم متواصل

---------------------------
(1) دمية القصر وعصرة أهل العصر 1 : 113 ، ط مؤسسة دار الحياة ، وفي قائل هذه الأبيات كلام تجده في هامش ص 111 و 175 .

عيد الغدير في الإسلام _ 19 _

   بالدور النبوي ، فكانت البدأة به يوم الغدير من حجة الوداع بعد أن أصحر نبي الإسلام ( صلى الله عليه وآله ) بمرتكز خلافته الكبرى ، وأبان للملا الديني مستقر إمرته من الوجهة الدينية والدنيوية ، وحدد لهم مستوى أمر دينه الشامخ ، فكان يوما مشهودا يسر موقعه كل معتنق للإسلام ، حيث وضح له فيه منتجع الشريعة ، ومنبثق أنوار أحكامها ، فلا تلويه من بعده الأهواء يمينا وشمالا ، ولا يسف به الجهل إلى هوة السفاسف وأي يوم يكون أعظم منه ؟ وقد لاح فيه لاحب السنن ، وبان جدد الطريق ، وأكمل فيه الدين ، وتمت فيه النعمة ، ونوه بذلك القرآن الكريم .
   وإن كان حقا اتخاذ يوم تسنم فيه الملوك عرش السلطنة عيدا يحتفل به بالمسرة والتنوير وعقد المجتمعات وإلقاء الخطب وسرد القريض وبسط الموائد كما جرت به العادات بين الأمم والأجيال ، فيوم استقرت فيه الملوكية الإسلامية والولاية الدينية العظمى لمن جاء النص به من الصادع بالدين الكريم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، أولى أن يتخذ عيدا يحتفل به بكل حفاوة وتبجيل ، وبما أنه من الأعياد الدينية يجب أن يزاد فيه على ذلك بما يقرب إلى الله زلفى من صوم وصلاة ودعاء وغيرها من وجوه البر ، كما سنوقفك عليه في الملتقى إن شاء الله تعالى .
   ولذلك كله أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من حضر المشهد من أمته ،

عيد الغدير في الإسلام _ 20 _

   ومنهم الشيخان ومشيخة قريش ووجوه الأنصار ، كما أمر أمهات المؤمنين ، بالدخول على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وتهنئته على تلك الحظوة الكبيرة بإشغاله منصة الولاية ومرتبع الأمر والنهي في دين الله .

عيد الغدير في الإسلام _ 21 _

حديث التهنئة
   أخرج الإمام الطبري محمد بن جرير في كتاب الولاية حديثا بإسناده عن زيد بن أرقم ، مر شطر كبير منه ص 214 ـ 216 (1) ، وفي آخره فقال : معاشر الناس ، قولوا : أعطيناك على ذلك عهدا عن أنفسنا وميثاقا بألسنتنا وصفقة بأيدينا نؤديه إلى أولادنا وأهالينا لا نبغي بذلك بدلا وأنت شهيد علينا وكفى بالله شهيدا ، قولوا ما قلت لكم ، وسلموا على على بإمرة المؤمنين ، وقولوا : ( الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ ) (2) فإن الله يعلم كل صوت وخائنة كل نفس ، ( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ) (3) ، قولوا ما يرضي الله عنكم ف‍ ( إن تكفروا فإن الله غني عنكم ) (4) .

---------------------------
(1) أي : 1 : 214 ـ 216 من كتابه الغدير .
(2) الأعراف : 43 .
(3) الفتح : 10 .
(4) الزمر : 7 ، (*)

عيد الغدير في الإسلام _ 21 _

   قال زيد بن أرقم : فعند ذلك بادر الناس بقولهم : نعم سمعنا وأطعنا على أمر الله ورسوله بقلوبنا ، وكان أول من صافق النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعليا : أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وباقي المهاجرين والأنصار وباقي الناس ، إلى أن صلى الظهرين في وقت واحد ، وامتد ذلك إلى أن صلى العشاءين في وقت واحد ، وأوصلوا البيعة والمصافقة ثلاثا (1) .
   ورواه أحمد بن محمد الطبري الشهير بالخليلي في كتاب مناقب علي بن أبي طالب ، المؤلف سنة 411 بالقاهرة ، من طريق شيخه محمد بن أبي بكر بن عبد الرحمن ، وفيه : فتبادر الناس إلى بيعته وقالوا : سمعنا وأطعنا لما أمرنا الله ورسوله بقلوبنا وأنفسنا وألسنتنا وجميع جوارحنا ، ثم انكبوا على رسول الله وعلى علي بأيديهم ، وكان أول من صافق رسول الله (2) أبو بكر وعمر وطلحة والزبير ثم باقي المهاجرين والناس على طبقاتهم ومقدار منازلهم ، إلى أن صليت الظهر والعصر في وقت واحد والمغرب والعشاء الآخرة في وقت واحد ، ولم يزالوا يتواصلون البيعة والمصافقة ثلاثا ، ورسول الله كلما بايعه فوج بعد

---------------------------
(1) كتاب الولاية : نقل عنه بواسطة كتاب ضياء العالمين ، وروى الفتال في روضة الواعظين : مثله عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) .
(2) فيه سقط تعرفه برواية الطبري الأول المؤلف ( قدس سره )

عيد الغدير في الإسلام _ 22 _

   فوج يقول : الحمد لله الذي فضلنا على جميع العالمين ، وصارت المصافقة سنة ورسما ، واستعملها من ليس له حق فيها .
   وفي كتاب النشر والطي (1) : فبادر الناس بنعم نعم سمعنا وأطعنا أمر الله وأمر رسوله آمنا به بقلوبنا ، وتداكوا على رسول الله وعلي بأيديهم ، إلى أن صليت الظهر والعصر في وقت واحد وباقي ذلك اليوم إلى أن صليت العشاءان في وقت واحد ، ورسول الله كان يقول كلما أتى فوج : الحمد لله الذي فضلنا على العالمين (2) .
   وقال المولوي ولي الله اللكهنوي في مرآة المؤمنين في ذكر حديث الغدير ما معربه : فلقيه عمر بعد ذلك فقال له : هنيئا يا بن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت ... إلى آخره ، وكان يهنئ أمير المؤمنين كل صحابي لاقاه (3) .

---------------------------
(1) قال السيد ابن طاووس : فمن ذلك ما رواه عنهم مصنف كتاب الخالص ، المسمى بالنشر والطي ، وجعله حجة ظاهرة باتفاق العدو والولي ، وحمل به نسخة إلى الملك شاه مازندران رستم بن علي لما حضره بالري ، الإقبال 2 : 240 .
(2) النشر والطي : وعنه في الإقبال لابن طاووس 2 : 247 ، ط مكتب الإعلام الإسلامي .
(3) مرآة المؤمنين : 41 ، (*)

عيد الغدير في الإسلام _ 23 _

   وقال المؤرخ ابن خاوند شاه المتوفى 903 في روضة الصفا (1) في الجزء الثاني من 1 : 173 بعد ذكر حديث الغدير ما ترجمته : ثم جلس رسول الله في خيمة تخ [ ـ ت‍ ] ـ ص به ، وأمر أمير المؤمنين عليا ( عليه السلام ) أن يجلس في خيمة أخرى ، وأمر أطباق الناس بأن يهنئوا عليا في خيمته ، ولما فرغ الناس عن التهنئة له أمر رسول الله أمهات المؤمنين بأن يسرن إليه ويهنئنه ففعلن ، وممن هنأه من الصحابة عمر بن الخطاب فقال : هنيئا لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى جميع المؤمنين والمؤمنات (2) .
   وقال المؤرخ غياث الدين المتوفى 942 في حبيب السير (3) في الجزء الثالث من 1 : 144 ما معربه : ثم جلس أمير المؤمنين بأمر من النبي ( صلى الله عليه وآله ) في خيمة تخ‍ [ ـ ت‍ ]ـ ص به يزوره الناس ويهنئونه وفيهم عمر بن الخطاب ، فقال : بخ بخ

---------------------------
(1) ينقل عنه عبد الرحمن الدهلوي في مرآة الأسرار وغيره معتمدين عليه المؤلف ( قدس سره ) .
(2) تاريخ روضة الصفا 2 : 541 ، ط انتشارات خيام .
(3) في كشف الظنون 1 : 419 : أنه من الكتب الممتعة المعتبرة ، وعده حسام الدين في مرافض الروافض من الكتب المعتبرة ، واعتمد عليه أبو الحسنات الحنفي في الفوائد البهية وينقل عنه في : 86 و 87 و 90 و 91 وغيرها المؤلف ( قدس سره ) ، راجع : كشف الظنون 1 : 629 ، ط وكالة المعارف الجليلة ، (*)

عيد الغدير في الإسلام _ 24 _

   يا بن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ، ثم أمر النبي أمهات المؤمنين بالدخول على أمير المؤمنين والتهنئة له (1) .

   وخصوص حديث تهنئة الشيخين
   رواه من أئمة الحديث والتفسير والتاريخ من رجال السنة كثير لا يستهان بعدتهم ، بين راو مرسلا له إرسال المسلم ، وبين راو إياه بمسانيد صحاح برجال ثقات تنتهي إلى غير واحد من الصحابة : كابن عباس ، وأبي هريرة ، والبراء بن عازب ، وزيد بن أرقم ، فممن رواه :
  1 ـ الحافظ أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ، المتوفى 235 ، المترجم ص 89 (2) .
   أخرج بإسناده في المصنف ، عن البراء بن عازب قال : كنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في سفر ، فنزلنا بغدير خم ، فنودي الصلاة جامعة ،

---------------------------
(1) حبيب السير 1 : 411 .
(2) قال في صفحة 89 من كتابه الغدير الجزء الأول : الحافظ عبد الله بن محمد بن أبي شيبة أبو بكر العبسي الكوفي ، المتوفى 235 ، وثقه العجلي وأبو حاتم وابن خراش ، وقال ابن حبان : كان متقنا حافظا دينا .
   ترجمه الذهبي في تذكرته 2 : 20 ، والخطيب في تاريخه 10 : 66 ـ 71 ، وابن حجر في تهذيبه 6 : 4 ، (*)

عيد الغدير في الإسلام _ 25 _

   وكسح لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تحت شجرة فصلى الظهر ، فأخذ بيد علي فقال : ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه ؟ (1) قالوا : بلى ، فأخذ بيد علي فقال : اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، فلقيه عمر بعد ذلك فقال : هنيئا لك يا بن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة (2) .
  2 ـ إمام الحنابلة أحمد بن حنبل ، المتوفى 241 : في مسنده 4 : 281 عن عفان ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء بن عازب قال : كنا مع رسول الله ... إلى آخر اللفظ المذكور من طريق ابن أبي شيبة ، غير أنه ليست فيه كلمة : اللهم الأولى (3) .

---------------------------
(1) في المصدر : فقال ألستم تعلمون [ أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : بلى ، قال : ألستم تعلمون ] أني أولى بكل مؤمن من نفسه ؟ قالوا : بلى ...
(2) المصنف 12 : 78 ح 12167 ، ط الدار السلفية في الهند ، و 7 / 503 ح 55 من باب 18 من كتاب الفضائل ، ط دار الفكر .
(3) مسند أحمد 5 : 355 ح 18011 ، ورواه في المسند أيضا 5 : 355 عن هدبة بن خالد ، عن حماد بن سلمة ... إلى آخر السند والمتن المذكور .
   ورواه أحمد أيضا بنفس الإسناد والمتن في فضائل الصحابة 2 : 596 ح 1016 ، ط مؤسسة الرسالة .
   ورواه أيضا في فضائل الصحابة 2 : 610 ح 1042 قال : حدثنا إبراهيم ، قثنا حجاج ، قثنا حماد ... إلى آخر السند والمتن المذكور .
   وأخرجه أيضا في كتاب مناقب أمير المؤمنين ، وعنه في العبقات 7 : 45 و 63 .