فمن لواجب عليّأن أبقى في إحرامي ، أي أنحر هديي بمنى كما أمر اللّه سبحانه و تعالى ، وأما أنتم فمن لم يسق الهدي منكم فإنّ عليه أن يحلّإحرامه ، واحسبوها عمرةً ثمّ احرموا للحجّمرّة أُخرى ، وقد كره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خلال فترة الحجّ أن يمكث في دار أحد ، ولذا فإنّه كان يأمر بضرب ـ أي بإعداد ـ خيمة له خارج مكّة ، وقصد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عرفات في اليوم الثامن من ذي الحجّة عن طريق منى التي توقّف فيها إلى طلوع الشمس من اليوم التاسع ، فركب بعيره نحو عرفات ، ونزل في خيمة أُعدَّت له في نمرة ، وألقى هناك خطاباً تاريخياً هاماً وهو على ناقته ، في جموع بلغت 100 ألف ، وبدأ خطابه قائلاً : «أيّها النّاس اسمعوا قولي واعقلوه ، فإنّي لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً ، أيـّها النّاس ، إنّ دماءَكم وأموالكم ـ وأعراضَكم ـ عليكم حرام إلى أن تلقوا ربّكم كحرمة شهركم هذا وكحرمة بلدكم هذا ، وكحرمة يومكم هذا» ، وقد ألغى في هذا الخطاب عادات الثأر الجاهلية المشوَومة بادئاً بأقربائه ، مثل الانتقام ، والخيانة ، أي أداء الاَمانة ، والربا ، كما استوصى بالنساء خيراً ، «وقد تركتُ فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً ، أمراً بيناً كتاب اللّه وسنّة نبيّه ، والمسلمُ أخو المسلم ، والمسلمون إخوة ، ولا نبي بعدي ولا أُمّة بعدكم ، ألا كلّشيء من أمر الجاهلية موضوعٌ تحت قدمي» ، ثمّ سار بعد الغروب إلى المزدَلَفة ، ووقف فيها من الفجر إلى طلوع الشمس ، وتوجه في اليوم العاشر إلى منى وأدّى مناسكها ، ثمّتوجه نحو مكّة لاَداء بقية المناسك ، وكان الاِمام علي (عليه السلام) يومذاك في اليمن ، فعلم بتوجّه النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» إلى مكّة ، فخرج مع جنوده للمشاركة في الموسم واصطحب معه شيئاً من بز اليمن وحريرها أخذها جزية من أهل نجران ، وبعد أن أدّى مناسك العمرة ، رجع الاِمام (عليه السلام) إلى جنوده حسب ما أمره الرسول «صلى الله عليه وآله وسلم» فوجد أنّ نائبه الذي عينه أثناء غيابه قد وزّع على كلّ فرد منهم حلّة من البز ، كان يريد تسليمها إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فطلب منهم ردّها مع الاَشياء الاَُخرى من جزية أهل نجران .

4 ـ الخلافة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
  هل الخلافة منصبٌ تعييني أو انتخابي ؟ يرى الشيعة أنّ القيادة منصب تعييني فيه نصّ ٌ ، فلابدّ أن يتعيّن خليفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من جانب اللّه سبحانه و تعالى ، بينما يرى أهلُ السنّة أنّها منصب انتخابي جمهوري ، أي تقوم الاَُمّة هي بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) باختيار فرد منهم يتولّى إدارة البلاد ، و لكلّ من الاتّجاهين دلائل ذكرها أصحابها في الكتب العقائدية ، إنّ الظروف السائدة في تلك الفترة حتمت بأن يعيّن النبي ص خليفةً له ، وذلك لما كان عليه الوضع من تهديد العدو للدولة الاِسلامية ، فأوجب مواجهة الاَخطار الخارجية بتعيين قائدٍ سياسىٍّ يمكنه السيطرة على الوضع ، كما أنّ خطر حزب النفاق كان لا يزال له دوره في تقويض دعائم الكيان الاِسلامي داخلياً ، وقد بيّن دورهم التخريبي وخطرهم الاَكيد ، القرآن الكريم في عدّة سور .

السيرة المحمدية _ 151 _

  ولذا فإنّه مع وجود تلك الاَخطار الخارجية والداخلية ، التي كانت تنتهز الفرص للقضاءعلى الدولة الاِسلامية الحديثة ، فإنّه كان لابدّ من تعيين قائد ديني سياسي ، يمكنه القضاء على ما يظهر من اختلاف وانشقاق بعده «صلى الله عليه وآله وسلم» في المجتمع الاِسلامي ، ويكون بذلك ضماناً لبقائه واستمراريته ، وبالاِضافة إلى تلك الاَحوال الاجتماعية والسياسية للمسلمين ، فإنّ هناك روايات وأخباراً أكدت صحّة الموقف والرأي الذي ذهب إليه علماء الشيعة ، وثبتت في المصادر المعتبرة ، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) نصّ على خليفته مراراً ، إذ لم ينص على خليفته ووصيه في أواخر حياته فحسب ، بل بادر إلى ذلك في بدء الدعوة ، وخاصة في الفترة التي أمره فيها سبحانه وتعالى بأن ينذر عشيرته الاَقربين ويدعوهم إلى عقيدة التوحيد ، حينما وقف خطيباً في أربعين رجلاً من زعماء بني هاشم: « أيُّكم يوَازرني على هذا الاَمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ » فأحجم القوم و قام علي (عليه السلام) وأعلن موَازرته له ، فقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا» ، (1) وعُرف هذا الحديث بحديث يوم الدار ، وحديث بدء الدعوة ، كما أنّ حديث الغدير يُعدّ من أهمّ الاَحداث والوقائع التي توَكّد صراحة على خلافته (عليه السلام) إذ أنّه في الطريق إلى المدينة ، بلغ موكب الحجّ العظيم رابغ (2) حيث نزل جبرائيل (عليه السلام) على رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» بمنطقة تدعى غدير خم و بلغه الآية التالية: (يا أَيُّهَا الرَّسُول بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْلَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالتهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَمِنَ النّاسِ) (3) وكان ذلك الاَمر هو الاِعلان عن خلافة الاِمام علي (عليه السلام) أمام 100 ألف شاهد ، وقال في خطابه : «إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبداً ، كتابَ اللّه سببٌ ، طرفٌ بيد اللّه ، وطرفٌ بأيديكم ، فتمسّكوا به؛ والآخر عترتي ، وإن اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا » .

---------------------------
(1) تاريخ الطبري : 2|216 ؛ الكامل في التاريخ : 2|62 .
(2) تقع الآن على طريق مكة ـ المدينة ، وتبعد عن الجحفة ثلاثة أميال ، والتي هي من مواقيت الاِحرام ، وتتشعب منها طرق أهل المدينة ومصر والعراق ، 3 . المائدة : 67 .

السيرة المحمدية _ 152 _

   ثمّ رفع يَدَ الاِمام علي (عليه السلام) قائلاً : «يا أيّها الناس من أولى الناس بالموَمنين من أنفسهم؟» قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّ اللّه مولاي و أنا مولى الموَمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه (1) اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأحب من أحبّه ، و ابغض من أبغضه ، وأدر الحقّ معه حيث دار» ، وفي الحقيقة إنّنا قلّما نجد حادثةً تاريخية حظيت في العالم في التاريخ الاِسلامي والاَُمّة الاِسلامية بمثل ما حَظِيَت به واقعة الغدير ، فقد استقطبت اهتمام فئاتٍ مختلفة من المحدثين والمفسرين والفلاسفة والكتاب والشعراء والاَُدباء والخطباء وأرباب السير والتراجم ، واعتنوا بها أشدّ الاعتناء ، و من أسباب خلودها واستمراريتها ، نزول آيتين حولها في القرآن الكريم (2) كما أنّ المسلمين سابقاً والشيعة بصورة خاصة ، اتّخذوا هذا اليوم عيداً ومناسبةً مفرحةً ، جعله خالداً حتّى الآن ، فقد كان يوم 18 من شهر ذي الحجّة معروفاً بيوم عيد الغدير عندهم ، حتى أنّ بعض الموَرخين أرّخوا به بعض الاَحداث ، كما أنّ أبا ريحان البيروني والثعالبي ، اعتبراه من الاَعياد الاِسلامية (3) كما أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر المهاجرين والاَنصار ، ونساءه بالدخول على الاِمام علي (عليه السلام) لتقديم التهنئة له بهذه الفضيلة الكبرى ، مثلما ذكر زيد بن أرقم ، وأنّ أوّل من صافق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلياً : أبو بكر وعمر و عثمان وطلحة والزبير ، وباقي المهاجرين والاَنصار والناس ، كما أنّ 110 صحابياً تناولوا هذه الواقعة التاريخية الهامة بالرواية والحديث ، كما رواه أيضاً 89 تابعياً ، و 360 شخصاً من علماء أهل الشيعة وفضلائهم ، وصحّحه جمع كبير من الآخرين .

---------------------------
(1) كرر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هذه العبارة ثلاث مرات دفعاً لاَيّ التباس .
(2) المائدة : 67 و 3 .
(3) وفيات الاَعيان :1|60 ؛ الآثار الباقية : 395 ؛ ثمار القلوب : 511 .

السيرة المحمدية _ 153 _

  فقد رواه في القرن 3هـ : 92 عالماً ، وفي القرن 4هـ : 44 عالماً ، إلى القرن 14 هـ حيث رواه عشرون عالماً ، وألّف الطبري في ذلك كتاباً أسماه : الولاية في طرق حديث الغدير روى فيه الحديث عن النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» بـ 57 سنداً ، كما رواه عدد من علماء الحديث أمثال : ابن حجر العسقلاني ، وأبو سعيد السجستاني ، والنسائي ، وأبو العلاء الهمداني ، وبلغ عدد من ألّف رسالة خاصة أو كتاباً مستقلاً حول الواقعة و تفاصيلها 26 شخصاً ، أمّا علماء الشيعة فقد تناولوا فيها كتباً و موَلفات قيّمة ، أشملُها الغدير الذي كتبه العلاّمة القدير آية اللّه الشيخ الاَميني (1) وبعد نزول الآية السابقة ، والاِجراءات التي أقدم عليها النبي ص نزلت الآية : (اليَومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأَتْمَمتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ الاِِسْلامَ دِيناً) ، (2)فكبّر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بصوت عال وقال : «الحمد للّه على إكمال الدّين ، وإتمام النعمة ، ورضى الربّ برسالتي ، وولاية علي بن أبي طالب بعدي» ، ثمّ قام حسّان ابن ثابت الاَنصاري واستأذن النبي «صلى الله عليه وآله وسلم » في أن ينشد أشعاراً بهذه المناسبة .

---------------------------
(1) يشتمل على 11 مجلد في 6 آلاف صفحة .
(2) المائدة : 3 .

السيرة المحمدية _ 154 _

  5 ـ المرتدّون من المتنبّئين في نهاية عام 10هـ قدم نفران من اليمامة وسلّما النبيكتاباً من مسيلمة (الكذّاب) يدّعي فيه النبوة ويُشرِك نفسَه مع رسول الاِسلام في أمر الرسالة ، يريد بذلك أن يعرّف الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) بنبوته هذه : فإنّي قد أُشركتُ في الاَمر معك ، وإنّ لنا نصف الاَرض ، ولقريش نصفُ الاَرض ، ولكن قريشاً قومٌ يعتدون (1) فالتفت النبيّإلى رسولي المتنبىَ و قال : «أما واللّه لولا أنّالرسل لا تُقتل لضربت أعناقكما لاَنّكما أسلمتما من قبل و قبلتما برسالتي فَلِم اتبعتما هذا الاَحمق وتركتما دينكما ؟ » ، ثمّ كتب (صلى الله عليه وآله وسلم) إليه كتاباً مقتضباً : «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ، من محمّد رسول اللّه إلى مسيلمة الكذّاب السّلام على من اتّبع الهدى ، أمّا بعد فإنّ الاَرض للّه يورثُها من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتّقين» ، (2) كما ادّعى النبوة في نفس الوقت ، الاَسود بن كعب العنسي ، في اليمن ، إلاّ أنّ الخلفاء من بعد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تمكّنوا من القضاء على تلك الحركات المرتدة ، إذ أنّها كانت أوّل أعمال الخلفاء الراشدين .
6 ـ الاَخطار الخارجية وكان خطرُ الروم أشدَّ الاَخطار الخارجية ، فاعتبره النبي « صلى الله عليه وآله وسلم » أمراً جدّياً لا يمكن التقليل من شأنه ، ولذا فإنّه أعدّ جيشاً كبيراً في ( سنة 8هـ) لمحاربتهم ، كما سار إلى تبوك في (سنة 9 هـ )لاِظهار قوّة المسلمين أمامهم .

---------------------------
(1) لم يبدأ كتابه باسم اللّه أو مثل ما كان يفعله المشركون في العهد الجاهلي .
(2) السيرة النبوية : 2|600 .

السيرة المحمدية _ 155 _

  ثمّ رأى بعد حجّة الوداع أن يُعدَّ جيشاً من المهاجرين والاَنصار ، واشترك فيه أشخاصٌ بارزون في الدولة أمثال : أبي بكر وعمر وأبي عبيدة و سعد بن أبي وقاص ، وكلّ من هاجر إلى المدينة خاصّة ، وأمر بقيادته : أُسامةَ بن زيد ، وقال له : «سِر إلى موضع قتل أبيك فأوطئهم الخيلَ ، فقد وليتك هذا الجيش ، فاغز صباحاً وشنّ الغارة على أهل أُنبى» (1) وقد أرادَ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بتعيين قائد صغير السنّ على هذا الجيش الكبير ، أن يوَكّد أساس الكفاءة الشخصية في تولّي المناصب والمسوَوليات ، فهي لا ترتبط بالسن والعمر ، بل بالكفاءة والموَهلات المطلوبة ، ولذا فإنّه لم يكن هناك مبررٌ لاعتراض البعض على تولّي قيادته من حيث السنّ وعمر الشباب (2) ذلك أنّ هوَلاء غفلوا عن المصالح و الاَهداف التي توخّاها الرسول « صلى الله عليه وآله وسلم » من هذا الاِجراء ، فقدّروا كلَّ عمل بعقولهم المحدودة ، وقايسوها بمقاييسهم الشخصية ، ممّا أثر ذلك في تأخير تحرك الجيش من معسكر الجرف (3) ، ر الذي استقر به أُسامة منتظراً من سيلحق به من المسلمين .

---------------------------
(1) أنبى ، من مناطق البلقاء في سوريا قرب موَتة بين عسقلان و الرملة .
(2) ذهب بعض إلى أنّه كان في عمر 17 سنة ، و آخرون بأنّه كان في 18 سنة ، على أنّهم اتّفقوا على أنّه لم يتجاوز العشرين .
(3) الجرف : على بعد 3 أميال من المدينة نحو الشام .

السيرة المحمدية _ 156 _

7 ـ مرض النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبعد يوم من إعداد الجيش السابق ، مَرِض النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بصداع شديد تركه طريحَ الفراش ، وهو المرض الذي قضى فيه « صلى الله عليه وآله وسلم » ، وقد علم الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّهناك من تخلّف عن الجيش ، ومن يعرقل التوجه إلى موقعه ، ومن يطعن في قيادة أُسامة ، فغضب لذلك بشدّة وخرج معصّباً جبهته إلى مسجده ، يحذرهم من عواقب أعمالهم غير السليمة وخاطبهم بقوله : «لئن طَعنتم في إمارتي لاَُسامة ، فقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله ، وأيمُ اللّه كان للاِمارة خليقاً ، وأنّ ابنه من بعده لخليق للاِمارة ، وإنَّه كان لمن أحبّ الناس إليّ ، واستوصُوا به خيراً فإنّه من خياركم» ، ونظراً لاَهمية هذا الجيش ، فإنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يقول و هو في الفراش : «جهّزوا جيش أُسامة ، لَعَنَ اللّهُ من تخلّف عنه» (1) وفي الوقت الذي استعدّ فيه أُسامة وآخرون من المهاجرين والاَنصار للسير نحو الجرف ، انتشر بينهم خبرُ تدهورِ صحّة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ممّاجعلهم يعدلون عن قصدهم حتى يوم الاِثنين ، إلاّ أنّه « صلى الله عليه وآله وسلم » حثّه على الخروج قائلاً : «اغدُ على بركة اللّه» (2) فتهيّأ الجيشُ للتحرّك والمغادرة ، إلاّ أنّ خبر احتضارالرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جعلهم يعودون إلى المدينة متجاهلين أوامرَ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقد ذكر الموَرخون أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خرج في الليلة التي توفّي في صبيحتها ، مع الاِمام علي ( عليه السلام ) إلى البقيع مع عدد آخر ، فقال لهم : «إنّي أمرت أن استغفر لاَهل البقيع» ، وعندما وصل إلى المكان سلّم على أهل القبور قائلاً :

---------------------------
(1) الملل و النحل :1|23 ؛ طبقات ابن سعد : 2|190 .
(2) طبقات ابن سعد :2|190 .

السيرة المحمدية _ 157 _

   « السّلامُ عليكم أهل القبور ، ليهنئكم ما أصبحتم فيه ممّا أصبح الناس فيه ، أقبَلَت الفتن كقِطَع اللّيل المظلم يتبع بعضها بعضاً ، يتبع آخرها أوّلها» ، ثمّ التفت إلى الاِمام علي (عليه السلام) و قال : «يا علي ، إنّي خيـّرت بين خزائن الدنيا والخلود فيها أو الجنة ، فاخترت لقاء ربّي والجنّة ، إنّ جبرائيل كان يعرض عليّ القرآن كلّسنة مرّة ، وقد عرضه عليّ العام مرّتين ، ولا أراه إلاّلحضور أجلي» (1)
8 ـ وفاة ابنه إبراهيم وفي هذه السنة ، و بعد 18 شهراً من ولادته ، توفّي إبراهيم ابن النبي « صلى الله عليه وآله وسلم » فحزن عليه وكان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد فَقَد خلال السنوات الماضية ، ثلاثة من أولاده : القاسم و الطاهر والطيّب ، وثلاثة من بناته : زينب ورقية و أُمّ كلثوم ، وبقيت له بنت واحدة هي السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) من خديجة ( عليها السلام ) ، واعتبر النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الحزنَ على الميت رحمةً إذ قال : «إنّما هذا رحمة ، ومن لا يرحم لا يُرحَم ، ولكن نُهيت عن خمش الوجوه ، وشقّالجيوب ، ورنّة الشيطان» (2) .

---------------------------
(1) بحار الاَنوار : 22|466 ؛ طبقات ابن سعد : 2|204 .
(2) السيرة الحلبية : 03|310 .

السيرة المحمدية _ 158 _

أحداث السنة الحادية عشرة من الهجرة

1 ـ الكتاب الذي لم يكتب قرر الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بهدف الحيلولة دون انحراف مسألة الخلافة عن محورها الاَصلي ، والحيلولة دون ظهور الاختلاف و الافتراق ، أن يعزز مكانة علي ( عليه السلام ) ويدعم إمارته وخلافته ، و أهل بيته ، بإثبات ذلك في وثيقة خالدة تضمن بقاء الخلافة في خطها الصحيح ، ففي خلال زيارة بعض الصحابة له أثناء مرضه قال : « إئتوني بدواة وصحيفة ، أكتب لكم كتاباً لا تضلّون بعده » ، فبادر عمر قائلاً : إنّ رسول اللّه قد غلبه الوجع ، حسبنا كتاب اللّه (1) فكثر اللغَط والنقاش حول إحضار ما طلبه النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» أو عدمه ، ممّا أغضب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : «قوموا عنّي لا ينبغي عندي التنازع » ، وقال ابن عباس : الرزية كلّالرزية ما حال بيننا وبين كتاب رسول اللّه (2) وقد نَقل هذه الواقعة فريقٌ كبيرٌ من محدّثي الشيعة والسنة وموَرخيهم ، وتُعتَبر من الروايات الصحيحة ، وإذا سأل أحد عن عدم إصرار النبي « صلى الله عليه وآله وسلم » على كتابة ذلك الكتاب ، فذلك لاَنّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا أصرّ على موقفه ، لاَصرّ هوَلاء في الاِساءة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وخاصة أنّهم قالوا عنه ، أنّه غلبه الوَجَع أو هجر ، ثمّ قيامهم بعد ذلك بإشاعة الاَمر بين الناس .

---------------------------
(1) الملل والنحل : 1|22 .
(2) صحيح البخاري : 1|22 ؛ صحيح مسلم : 2|14 ؛ مسند أحمد : 1|325 .

السيرة المحمدية _ 159 _

  قد روى ابن حجر العسقلاني ، أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال لاَصحابه وقد امتلاَت بهم الحجرة وهو في مرضه : « أيّها الناس يوشك أن أُقبضَ سريعاً فينطلق بي ، وقد قدمت إليكم القولَ معذرةً إليكم ، إلاّ أنّي مخلفٌ فيكم كتابَاللّه ربّي ( عز ّوجلّ ) وعترتي أهل بيتي » ، ثمّ أخذ بيد علي (عليه السلام) وقال : «هذا عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ ، خليفتان نصيران لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض فاسألهما ماذا خلفت فيهما» (1) ومن الواضح أنّالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لفت الاَنظار إلى حديث الثقلين مرّة أُخرى ، برغم ما ذكره في مواضع متعدّدة ، حتّى يوَكد أهمية الثَّقلين ، تدارك ما فات من كتابة الكتاب الذي لم يوفّق لكتابته ، وفي هذه اللحظات ، طلب بعضاً من الدنانير كان قد وضعها عند إحدى زوجاته ، وأمر علياً ( عليه السلام ) ليتصدّق بها ، وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد سُقي دواءً خطأً في علاجه ، فقد تخيلت «أسماء بنت عميس» أنّ مرضَه ـ ذات الجنب ـ تعلمت علاجه من عقار مركب من نبات وأعشاب من الحبشة ، إلاّ أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لما عَلِمَ بالدواء ، ذكر بأنّ مرضه ليس ذات الجنب .
2 ـ اللحظات الاَخيرة في هذه الفترة الحرجة ، كانت السيدة الزهراء ( عليها السلام ) تلازم فراش والدها ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا تفارقه لحظة ، وفجأة طلب منها أن تقرب رأسها إلى فمه ليحدّثها ، فراح يكلّمها بصوت خفيفٍ لم يُعرَف ، ولكن الزهراء ( عليها السلام ) بكت بشدّة ، إلاّ أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أشار إليها مرّة أُخرى فحدّثها بشيء آخر ، فرحت به وتبسمت مستبشرة .

---------------------------
(1) الصواعق المحرقة ، : 57 ، باب 9 ؛ كشف الغمّة : 43 .

السيرة المحمدية _ 160 _

  ولم تكشف عن ذلك إلاّ بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بناء على إصرار عائشة: «أخبرني رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قد حضر أجلُه وأنّه يُقبَض في وجعه ، فبكيت ، ثمّ أخبرني أنّي أوّل أهله لحوقاً به فضحكت» (1) وفي آخر لحظة من حياته الشريفة طلبَ الاِمام عليّاً (عليه السلام) قائلاً : «أُدعوا لي أخي» فعرف الجميع بأنَّه يريد عليّاً (عليه السلام) فدعَوا له عليّاً ، فقال له : «أُدن منّي فدنا منه ، فاستند إليه فلم يزل مستنداً إليه يكلّمه» وسأل رجل ابن عباس : هل توفّي رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم ) في حِجر أحد ؟ قال : توفّي وهو مستند إلى صدر على ٍّ، وهو الذي غسَّله وأخي الفضلُ بن عباس ، وقيل إنّ آخر جملة نطق بها الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هي: «لا ، إلى الرفيق الاَعلى» فكأنّ ملك الموت خيّره عند قبض روحه الشريفة في أن يصح من مرضه أو يلبّي دعوة ربّه ، فاختار اللحاق بربّه وسأل كعب الاَحبار عن آخر كلمة قالها الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال الاِمام علي (عليه السلام) : أنّه قال : الصلاة الصلاة ، وقد ترك الدنيا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم الاِثنين 28 صفر ، فَسُجّي ببرد يماني ، ووُضع في حجرته بعض الوقت ، وارتفعت صرخات العيال ، وعلا بكاء الاَقارب ، وانتشر نبأ وفاته في كلّأنحاء المدينة التي تحولت إلى مأتم كبير ، وقام الاِمام علي ( عليه السلام ) بغسل جسده الشريف وكفّنه ، إذ أنّه كان قد ذكر : «يغسّلني أقربُ الناس إليّ» وصلّى عليه مع المسلمين ، وتقرر دفنُه في حجرته المباركة وحفر قبره أبو عبيدة بن الجراح وزيد بن سهل ، ودفنه الاِمام علي (عليه السلام) يساعده الفضل بن العباس .

---------------------------
(1) طبقات ابن سعد : 2|263 ؛ الكامل في التاريخ : 2|219 .

السيرة المحمدية _ 161 _

  ولمّا فرغ الاِمام (عليه السلام) من غسله (صلى الله عليه وآله وسلم) كشف الاِزار عن وجهه (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال والدموع تنهمر من عينيه : بأبي أنت و أُمّي ، طبتَحيّاً وطبتَميّتا ً ، انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد ممّن سواك من النبوة والاَنباء ، ولولا أنّك أمرت بالصبر ونهيت عن الجزع ، لاَنفدنا عليك ماءَ الشوَون ، ولكان الداءُ مماطلاً ، والكمَدُ محالِفاً وقلاّ لك ، ولكنّه ما لا يُملَك ردّه ولا يستطاع دفعه! بأبي أنت و أُمّي أُذكرنا عند ربّك واجعلنا من بالك» (1) وهكذا غربت شمس أعظم شخصية غيّرت مسار التاريخ البشري بتضحياته الكبرى وجهوده المضنية ، وأعظم رسول ٍإلهيٍ فتح أمام الاِنسانية صفحات جديدة ومشرقة من الحضارة والمدنية ، ومن هنا فإنّنا نختم حديثنا هذا بالشكر للّه تعالى على هذه النعمة الكبرى ، والحمد للّه ربّالعالمين (2) جعفر السبحاني قم المقدّسةالحوزة العلمية شعبان المعظم 1390هـ .

---------------------------
(1) نهج البلاغة : خطبة رقم 235 .
(2) تمّ تدوين هذه المحاضرات وتوثيقها وتحقيقها في شهر شعبان المعظم عام 1409هـ في مدينة قم ، جعفر الهادي .

السيرة المحمدية _ 162 _


  حكايات وروايات موَثرة جاء ذكرها في الكتاب العادات و التقاليد في جزيرة العرب قبل الاِسلام وأد البنات متى بدأت عادة وأد البنات ؟ وقد تأكّد أنّ بني تميم هي أوّل قبيلة أقدمت على هذه الجريمة النكراء ، حينما امتنعوا عن دفع الضرائب لمَلِكِ الحيرة النعمان بن المنذر ، فحاربهم واستولى على أموالهم ونسائهم ، فكلّموه في إرجاع نسائهم ، فقرر أن تختار المرأةُ نفسها العودة أو البقاء ، فاختار بعضهن البقاء وعدم العودة إلى أهاليهن ، وخاصة بنت قيس بن عاصم الذي نذر أن يدسّ كلَّ بنت تُولد له منذ ذلك الوقت ، فسنّبذلك لقومه وأد البنات ، وأخذتها بقية القبائل ، وقد سأل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قيساً عن عدد البنات اللائي وأدهن في الجاهلية فقال : اثنتا عشرة بنتاً له ، بل قيل أكثر من ذلك !! وروى عن ابن عباس ، أنّ الحامل إذا قربت ولادتها حفرت حفرةً فمخضت رأسها فإذا ولدت بنتاً رمت بها في الحفرة ، وإذا كان ولداً حبسته !! موقف النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من الخرافات التي سادت الجزيرة العربية كافَح الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الخرافات والاَساطير والاَفكار الفاسدة الباطلة ، فلمّا مات إبراهيم ابنه (صلى الله عليه وآله وسلم) حزن عليه و بكى بشدّة ، في الوقت الذي حدث كسوف للشمس ، فذهب المولعون بالخرافات على عادتهم إلى ربط هذه الظاهرة بموت إبراهيم ، على أنّه دليل على عظمة المصاب ، فقالوا : انكسَفَت الشمس لموت إبراهيم ابنِ رسول اللّه « صلى الله عليه وآله وسلم » ، إلاّ أنّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) صعد المنبر فقال : « أيّها النّاس إنّالشمسَ والقمر آيتان من آيات اللّه يَجريان بأمره ومطيعان له لا ينكسفان لموتِ أحد ولا لحياته ، فإذا انكسفا أو أحدهما صلّوا » .

السيرة المحمدية _ 163 _

  ثمّ نزل فصلّى صلاة الكسوف وهي صلاة الآيات (1)الحالة الاجتماعية في إيران الساسانية يذكر الشاعر الفارسي : الفردوسي قصة وقعت في العهد الذهبي للدولة الساسانية ، تتناول التعليم ، وخاصّة ما يتعلّق بتعليم الفقراء و حرمانهم من اكتساب الثقافة ، فقد وصل الحال السيّء للدولة أن رغبت في أموال كثيرة تكفي نفقات الحروب المستمرة ، لاِعداد 300 ألف مقاتل ، فاستدعى الملك أنوشروان وزيره بزرجمهر يطلب مساعدته في توفير المال اللازم ، فاقترح عليه بتحصيلها عن طريق القروض الشعبية ، فأرسل مندوبيه إلى المدن الاِيرانية لتحصيل المال اللازم من التجار وأصحاب الثروة ، وظهر من بينهم رجل حذّاء أبدى استعداده لتحمّل نفقات الجيش بمفرده ، بشرط السماح لولده بتحصيل العلم ، إلاّ أنّ الملك غضب على الوزير ونهره قائلاً : دع هذا ، ما أسوأ ما تطلبه ، إنّ هذا لا يكون ، لاَنّ ابن الحذّاء بخروجه من وضعه الطبقي يهدم التقليد الطبقي المتَّبع فينفرط عقد الدولة ، ويكون ضررُ هذا المال علينا أكثر من نفعه ، وشرّه أكثر من خيره ، ويستمر الفردوسي في شرحه لهذا الوضع عن لسان أنوشروان: إذا أصبح ابن الحذّاء عالماً وكاتباً، فإنّه عندما يجلس ولدُنا في الحكم واحتاج إلى كاتب فإنّه سيضطر إلى تعيين ذلك الولد ، وهو من عامة الشعب ومن أبناء الطبقة الدنيا ، في حين جرت العادة أن نستعين بأبناء الاَشراف والنبلاء ، وإذا حصل هذا الحذّاء على العلم والمعرفة حصل على عيون بصيرة ، وآذان سميعة ، فيرى ما يجب ألاّ يراه ، ويسمع ما يجب ألاّ يسمعه ، فتحدث الحسرة والاَسف لاَبناء الملوك بعدئذ !! وبذا فإنّ الملك رفَضَ طلبه وأعاد ماله إليه ، وهذا الملك هو ما يصفه البعض بالعدل «أنوشروان العادل » مع أنّه لم يحل المشكلة الثقافية في مجتمعه ، كما ذكر عنه ، أنّه دفن في القبور أحياء ما يقرب من 80 ألفاً ومائة ألف فرد ، خلال فتنة مزدك ، التي اندلعت بسبب الظلم الاجتماعي والتمايز الطبقي واحتكار الثروات والمناصب ، وحرمان أكثرية الشعب من حقوقها الاَوّلية .

---------------------------
(1) بحار الاَنوار : 91|155 .

السيرة المحمدية _ 164 _

  ومن هنا يظهر بطلان الحديث المروي عن النبي « صلى الله عليه وآله وسلم » : «وُلدتُ في زمن الملك العادل أنو شروان » ، وقد ذُكر الكثير عن البذخ والترف في البلاط الساساني ، من كثرة المجوهرات والاَشياء الثمينة والرسوم ، سَحرت العيون وخلبت الاَلباب ، وممّا اشتهر منها ، سجادة بيضاء كبيرة فرشت في إحدى الصالات ، واسمها : بهارستان كسرى ، إذاجلسوا عليها وقت الشراب وتعاطي الخمر ، فكأنّهم كانوا جالسين في حدائق ورياض ، صنعت أرضيتها من الذهب و وشيها بفصوص وجواهر وحرير ، وكانت 60×60 ذراعاً ، وقيل 150×70 ذراعاً ، ومنسوجة من خيوط الذهب والمجوهرات الغالية !! وممّا قيل عن كسرى خسرو برويز ، أنّه جمع الاَموال مالم يجمع مثله من الملوك ، إذ كان أرغب الناس في اقتناء الجواهر واللآلىَ و الاَواني ، حفر زمزم نَزَلت عندها قبيلة جُرهم التي رأست مكّة لسنين طويلة ، وتستفيد من مياه العين ، إلاّ أنّه بعد تفشي المفاسد والشهوات فقد جفّت العين ، وعندما هددت خزاعة جرهم ، أمر زعيمهم بإلقاء الغزالين الذهبين والسيوف الغالية المهداة إلى الكعبة ، في مقر زمزم و ملئها بالتراب ، حتى لا يستولي عليها خصومُه ، ومتى عاد إلى مكّة استخرج الكنز واستفاد منه ، إلاّ أنّ قتالاً نشب بين الطرفين ، فاضطرت جرهم وأبناء إسماعيل مغادرة مكة إلى اليمن دون الرجوع إليها ثانية ، فتزعم مكة : خزاعة ، ثمّ سيطر عليها قصيّ بن كلاب ، حتى عبد المطلب الذي ترأسها وقرر حفر بئر زمزم ، التي لم يُعرَف موقعها إلاّ بعد بحث طويل ، كما أنّالآخرين رَفَضوا انفراده بالحفر ، طالبين الاشتراك معه في ذلك ، ليحصلوا على الفَخر مثله فقالوا : إنّها بئر أبينا إسماعيل ، وإنّ لنا فيها حقّاً فأشركنا معك ، إلاّ أنّ عبد المطلب أصر على أن ينفرد في ذلك ، حتى يمكنه بعد ذلك أن يسبّل ماءها فيسقي منها جميع الحجاج دون أن يتاجر بها ، ولما طال النزاع بينهم قرروا التحاكم إلى كاهن من العرب سكن ما بين الحجاز والشام ، وفي الطريق أصابهم عطشٌ شديدٌ وأيقنوا بالهلاك ، ففكروا في كيفية دفنهم إذا هَلكوا وماتوا ، فاقترح عبد المطلب أن يحفر كلّ واحد حفيرته ، فإذا مات دفنهُ الآخرون ، فلا تبقى أجسادُهم طعمة للوحوش والطيور ، فقاموا بذلك وانتظروا الموت ، إلاّ أنّ عبد المطلب صاح فجأة يحثهم على البحث عن الماء في الصحراء بصورة جماعية ، ممّا كان له الاَثر في ظهور عين عذبة أنقذتهم من الموت المحقق ، فعادوا من حيث جاءوا وقالوا لعبد المطلب : «واللّه قضى لك علينا يا عبد المطلب ، واللّه لا نخاصمك في زمزم أبداً ، إنّ الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم ، فارجع إلى سقايتك راشداً» .

السيرة المحمدية _ 165 _

  وخلال الحفر عثر على الغزالين والسيوف المرصَّعة ، ممّا سبّب نزاعاً آخر بينه و بين قريش ، التي اعتبرت نفسها شريكةً في هذا الكنز ، فتقرر اللجوءُ إلى القرعة لحلّا لمشكلة ، فخرجت القرعةُ باسم عبد المطلب ، فأصبَحت الاَشياء إليه ، فصنع من السيوف باباً للكعبة ، وعلّق الغزالين فيها ، الوفاء بالعهد والنذر (1) نذر عبد المطلب إذا رزقه اللّه عشرة أولاد، أن يقدّم أحدهم قرباناً لكعبة دون أن يخبر أحداً بذلك، وقد حصل ما أراد ، فكان لابدّ من الوفاء بالنذر ، فشاور أبناءَه بالاَمر فوافَقوا على أن يختار أحدَهم للذبح عن طريق القرعة ، وتمت القرعة فأصابت عبد اللّه والد الرسول الاَكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأخذه إلى مكان الذبح ، و حينما علمت قريش بذلك ، حَزِنوا وبكوا وخاصة الشباب منهم ، فاقترحوا أن يفدى عبداللّه ، وأظهروا استعدادهم لدفع الفدية إذا جاز لك ، وبعد أن تحيّر في هذا الموقف الصعب ، اقترح عليه أحدُهم : لا تفعل وانطلق إلى أحد كهنة العرب عسى أن يجد لك حلاً ، فوافقوا على ذلك ، فتوجهوا نحو يثرب لملاقاة الكاهن الذي سألهم : كم ديةُ المرء عندكم ؟ قالوا : عشرة من الاِبل ، فقال : ارجعوا إلى بلادكم وقرّبوا عشراً من الاِبل واضربوا عليها وعلى صاحبكم ـ أي عبد اللّه ـ القداح ، فإن خرجتِ القرعة على صاحبكم فزيدوا عشراً حتى يرضى ربكم ، وإن خرجت على الاِبل ، فانحروها فقد رضى ربّكم ونجا صاحبكم وكانت عنه فداءً ، فأجروا القرعةَ في مكّة في جماعة من الناس ، وزادوا عشراً عشراً حتى إذا بَلَغَ عدد الاِبل مائة خرجت القِداح على الاِبل ونجا عبد اللّه من الذبح ، ففرحوا ونحرت الاِبل (2) قضايا عجيبة في فترة طفولة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أرادت حليمة السعدية أن ترضع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في حضور أُمّه ، ففتحت جيبها وأخرجت ثديها الاَيسر ، ووضعت الرسول « صلى الله عليه وآله وسلم » في حجرها لترضعه ، فترك النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثديها الاَيسر ومال إلى الثدي الاَيمن الذي كان جهاماً ـ أي خالياً من اللبن و لم يكن يدرّ به ـ فغيّرت الثدي إلى فمه ، خوفاً من ألا يجد فيه النبي « صلى الله عليه وآله وسلم » شيئاً فلا يأخذ بعده الاَيسر ، ولكن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) أصرّ على مصّ الثدي الاَيمن ، ولما استلمه امتلاَ وانفتح ، فأدهش الجميع .

---------------------------
(1) القصة جديرة بالاهتمام ، في أنّها تجسد مدى إيمان عبد المطلب وقوة عزمه وصلابة إرادته وإصراره على الوفاء بعهده والالتزام به .
(2) نقل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله : « أنا ابن الذبيحين» الاَوّل : إسماعيل بن إبراهيم «عليهما السلام» ، والثاني : أبوه ، بحار الاَنوار : 12|123 .

السيرة المحمدية _ 166 _

  وتذكر حليمة أيضاً تلك البركة التي لحقتها وقومها بسبب النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» قائلة : إنّ البوادي أجدبت وحملنا الجهد على دخول البلد ، فدخلتُ مكّة مع نساء بني سعد ، فأخذتُ رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فعرفنا به البركة والزيادة في معاشنا حتى أثرينا وكثرت مواشينا وأموالنا ، وقد احترمها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأجلَّها بعد سنوات عندما كبر ، وحينما قدمت إليه في سنوات الجدب والقحط تزوره ، احترمها وأكرمها وفَرَش رداءه تحت قدميها ، واصغى لها ، ولما شكت حالها وهلاك مواشيها ، طلب ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من السيدة خديجة ( عليها السلام ) أن تعطيها بعيراً و 40 شاة ، فانصرفت مسرورةً ، وقيل ، أنّها جاءته مرّة فلما دخلت عليه قال (صلى الله عليه وآله وسلم) :« أُمّي أُمّي» ، (1)رأي قريش في القرآن كان القرآن من أكبر وأقوى أسلحة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في إخضاع أساتذة الفصاحة والبلاغة أمام حلاوة كلماته وعباراته القوية ، فاعترفوا بأنّ حديثه لم يعرفه البشرُ من قبل ولم يعهد له التاريخ الاِنساني نظيراً ، وربما أدت جاذبيته وتأثير حديثه إلى انهيار قوّة الاَعداء ، ومن تلك النماذج : الوليد بن المغيرة ، الذي كانت العرب ترجع إليه في حلّمشكلاتهم ، فطلبوا رأيه في حلّ مشكلة قوّة انتشار الاِسلام ، والقرآن ، هل هو سحرٌ أم كهانةٌ أم حديث إنسان ؟ فجاء إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقال : أنشدني شعرك ، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «ما هو بشعرٍ ولكنّه كلام اللّه الذي بعث أنبياءه ورسله» ، وقرأ عليه سورة «الرحمن» فاستهزأ وقال : تدعو إلى رجل باليمامة يسمى الرحمان ، قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : «لا ولكنّي أدعوا إلى اللّه وحده الرحمن الرحيم» ، ثمّ افتتح سورة حم السجدة وبلغ إلى قوله تعالى : (فَإِنْ أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ) فاقشعر جلدُه ، وقامت كلّشعرة في رأسه ولحيته ، فمضى إلى بيته ولم يرجع إلى قريش ، فقالت قريش : يا أبا الحكم صبا أبو عبد شمس إلى دين محمّد ، أما تراه لم يرجع إلينا و قبل قوله ومضى إلى منزله ، فاغتمت قريش وسارإليه أبوجهل قائلا ً : يا عمّ نكسّت روَسَنا وفضحتنا ، صبوتَ إلى دين محمّد ؟ فقال : ما صبوتُ وإنّي على دين قومي وآبائي ، ولكنّي سمعت كلاماً صعباً تقشعرّمنه الجلود .

---------------------------
(1) وتنسب حليمة إلى سعد بن بكر بن هوازن ، وهي ابنة أبي ذوَيب ، وزوجها الحارث بن عبد العزى .

السيرة المحمدية _ 167 _

  فقال أبو جهل : أشعرٌ هو ؟
ـ ما هو بشعر ـ فخطب هي ؟
ـ لا و إن الخُطَب كلام متصل ، وهذا الكلام منثورٌ لا يشبه بعضه بعضاً . . . له حلاوة .
ـ فما هو؟ قال : قولوا ، هوسحر فإنّه آخذ بقلوب الناس .
  فأنزل اللّه سبحانه و تعالى فيه : (ذَرْني وَمَنْ خَلقت وَحيداً . . . ) (1) كما حاول عتبة بن ربيعة وهو من كبراء قريش وأشرافها أن يثني النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الجهر بدينه ، فكلّمه وطمّعه في المال و الجاه والشرف ، فأسمعه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) آياتٍ من سورة فصّلت : ( بِسمِ اللّه الرَّحمن الرّحيم : تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ * كِتابٌ فُصِّلَت آياتُهُ قُرآناً عَربيّاً لِقَومٍ يَعْلَمُونَ * بَشيراً وَنَذِيراً فَأَعرَضَ أَكْثَرهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُون * وَقالُوا قُلُوبُنا في أَكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إليه ) (2) فسمع وبقي صامتاًحتى انتهى النبي « صلى الله عليه وآله وسلم » ، فقام إلى أصحابه وقد تغيّرت ملامحه ، فقال بعضهم : نحلف باللّه لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به ، فقالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال : سمعتُ قولاً واللّه ما سمعتُ مثله قط ، واللّه ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة ، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي وخلوّا بين هذا الرجل و بين ما هو فيه فاعتزلوه ، فواللّه ليكوننّ لقوله هذا الذي سمعت نبأ عظيم ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم ، وإن يَظهر على العرب فملكه ملككم وعزّه عزّكم وكنتم أسعد الناس به .

---------------------------
(1) المدثر : 11 ـ 30 .
(2) . فصّلت : 1 ـ 5 .

السيرة المحمدية _ 168 _

  فانزعجوا وقالوا : سَحَرَك واللّه بلسانه ، فقال : هذا رأيي فاصنعوا ما بدا لكم ، لماذا عارضت قريش النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعاندته ؟
1 ـ حسدهم للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقد تمنّوا أن يكونوا هم أصحاب هذا المنصب والمنزلة ، إذ جاء في تفسير قوله تعالى : (وقالُوا لَولا نُزِّلَ هذا القُرآنُ على رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتيْنِِ عَظيِم) (1) أنّه : الوليد بن المغيرة ، الذي قال : أينزلُعلى محمّد وأترك وأنا كبير قريش و سيدها ، ويترك أبو مسعود عمرو بن عمير الثقفي سيد ثقيف ، ونحن عظيما القريتين ، وكذلك أُمّية بن أبي الصلت قال نفس الشيء وتمنّى أن ينال هذا المقام ، فلم يتبع النبيّص إلى آخر حياته .
2 ـ انغماسهم وحبّهم للشهوات ، حيث كانوا أصحاب لَعْب ولهوٍ وفسق ومُجون ، دون أن يقيّدهم في ذلك أيّ أمر ، ممّا جعل دعوة النبي « صلى الله عليه وآله وسلم » مخالفة لعاداتهم القديمة .
3 ـ الخوف من عقوبات اليوم الآخر ، إذ كانت تحدث ضجةٌ كبرى في أوساطهم ، فيهدم مجالسَلهوهم وأنسهم ، فحاربوه حتى لا يسمعوا تهديده ووعيده ، كالآيات : (فَإِذا جاءَتِ الصّاخَّةُ * يوم يَفِرُّ المَرءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمّهِ وَأَبيه * وصاحِبَتِهِ وَبَنيه .

---------------------------
(1) الزخرف : 31 .

السيرة المحمدية _ 169 _

  ِكُلِّ امْرِىٍَ مِنْهُمْ يَومَئِذٍ شَأْنٌ يُغنِيه) (1)
4 ـ الخوف من القبائل المشركة ، فقد ذكر «الحارث بن نوفل بن عبد مناف» للرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إنّا لنعلم أنّ قولك حق ، ولكن يمنعنا أن نتبع الهدى ونوَمن بك مخافة أن يتخطفنا العرب من أرضنا ، إن تركنا الوثنية التي تدين بها ، ويعتبروننا سدنة لاَوثانها ، ولا طاقة لنا بها ، عبس وتولّى رأى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّ إسلام أحد الزعماء وكبار القوم يحل الكثير من المشاكل ، ممّا جعله يصرّ على أن يجر الوليد بن المغيرة والد خالد ، إلى الاِسلام ، إذ كان أكبر سناً في قريش ، وأكثرهم نفوذاً وشخصية ، حيث دُعي حكيم العرب ، فكلّمه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ذات يوم طامعاً في إسلامه ، وفي الاَثناء جاء ابنُ أُمّ مكتوم وهو رجل من المسلمين وكان أعمى يكلّم الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ويستقرئه القرآن ، فشقّ ذلك منه على رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى أضجره ، لاَنّه شغله عمّا كان فيه من أمر الوليد وما طمع فيه من إسلامه ، فلما أكثر عليه انصرف عنه عابساً وتركه ، فنزل قوله تعالى: ( عَبَس َوَتَوَلّى * أَنْ جاءَهُ الاََعْمى . . . ) ، إلاّ أنّ علماء الشيعة فنّدوا هذه الرواية التاريخية واستبعدوا صدور مثل هذا السلوك عن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي امتدحه اللّه سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ، وأنّه ليس فيه ما يدل أنّ الذي عبس و تولّى هو الرسول « صلى الله عليه وآله وسلم » ، وقد روى الاِمام الصادق (عليه السلام) أنّ المراد به رجل من بني أُميّة عبس وتولّى ، عندما حضر ابن أُمّ مكتوم الاَعمى ، عند النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .

---------------------------
(1) عبس: 33 ـ 37 .

السيرة المحمدية _ 170 _

  فنزلت الآيات توبيخاً له ، أُسطورة الغرانيق قيل إنّ الاَسود بن المطلب ، والوليد بن المغيرة ، وأُميّة بن خلف ، والعاص ابن وائل ، قالوا للرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا محمّد هلمّ فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد فنشترك نحن و أنت في الاَمر ، فأنزل اللّه تعالى : ( لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُون * وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُد) (1) ومع ذلك فإنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رغب في أن يساوم قريشاً ويجاريهم ، فقال في نفسه : ليت نزل في ذلك أمرٌ يقرّبنا من قريش ، وبينما كان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يتلوا القرآن في الكعبة ، فبلغ قوله تعالى من سورة النجم : ( أَفَرَأَيْتُمُ اللاّتَ وَالعُزّى * وَمَناةَ الثّالثَةَ الاَُخرى) (2) أجرى الشيطان على لسانه الجملتين الآتيتين : «تلك الغرانيق العُلى منها الشفاعة تُرتَجى» ، فقرأهما من دون اختيار ، ثمّقرأ بعدها من الآيات ، ولما بلغ آية السجدة ، سَجَد هو و من حضر من المسلمين و المشركين أمام الاَصنام ، إلاّ الوليد الذي عاقه كِبـَرُ سنّه عن السجود ، ففرح المشركون وارتفعت صيحاتهم : لقد ذَكَر محمّد آلهتنا بخير ، فانتشر الخبر بالتقارب والمصالحة بين الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والمشركين ، ولكنّهم عرفوا بأنّالاَمر تغيّر ثانية ، حيث نزل مَلَكُ الوحي على النبي « صلى الله عليه وآله وسلم » وأمره بمخالفة الاَصنام ومجاهدة الكفّار ، وأنّ الشيطان هو الذي أجرى تلك الكلمات على لسانه ، فهي ليس من الوحي في شيء أبداً ، فنزلت الآيات في ذلك من سورة الحجّ 52 ـ 54 : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِىٍّ إِلاّ إِذا تَمنّى أَلْقَى الشَّيْطانُ في أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللّهُما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللّهُ آياتِهِ وَاللّهُ عَليمٌ حَكيمٌ . . . ) هذه الاَُسطورة نقلها الطبري في تاريخه ، وردّدها المستشرقون ، وهي باطلة تماماً ، فالعقل يحكم بأنّ المرشدين الذين يبعثهم اللّه تعالى إلى البشرية ، مصونون من أي خطأ وزلل ، حتى لا تزول ثقة الناس بهم وبأفكارهم ، والقرآن شهد ببطلانها أيضاً فكيف تمكّن الشيطانُ من الانتصار على النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وسرّب إلى القرآن شيئاً باطلاً ؟ فيصبح القرآن الذي يعادي الوثنية ويحاربها ، داعياً إلى عبادتها .

---------------------------
(1)الكافرون : 2 ـ 3 .
(2) النجم : 19 ـ 20 .

السيرة المحمدية _ 171 _

  والقرآن يوَكّد : ( إنّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطان) (1) (إِنَّه لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (2) ، ولذا فإنّ الحديث باطل لم ينطق به النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، لمحات من تضحيات وحبّ أبي طالب للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اجتمع أسيادُ قريش وأشرافها في بيت أبي طالب للتحدّث عن رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي كان متواجداً معهم ، وعن دينه والمشكلات السائدة في مكة ، ومحاولة إبعاد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن دعوته ، ولكنّهم يئسوا في الحصول على أيّة نتيجة مرضية ، فتركوا بيت أبي طالب غاضبين مهددين ، وقال عقبة بن أبي معيط : لا نعود إليه أبداً ، وما خير من أن نغتال محمّداً ، فَغَضِبَ أبو طالب دون أن يرد عليهم بشيء لاَنّهم كانوا في بيته ، وحدث أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خرج من بيته في نفس اليوم ولم يعد ، فجمع أبو طالب الفتيان من بني هاشم وبني المطلب ، وطلب منهم أن يتبعوه إلى المسجد ، ويجلس كلُّ واحد منهم إلى عظيم من عظمائهم ، فجاء زيد بن حارثة وسأله أبو طالب : يا زيد أحسستَ ابن أخي ؟ قال : نعم كنت معه آنفاً ، فقال أبو طالب : لا أدخلُبيتي أبداً حتى أراه ، فخرج زيد سريعاً إلى بيت عند الصفا فيه النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» مع أصحابه وأخبره ، فجاء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى أبي طالب ، فقال له : أين كنت ؟ أكنتَفي خير؟ قال : «نعم» ، قال : أدخل بيتك .

---------------------------
(1) الحجر : 42 .
(2) النحل : 99 .

السيرة المحمدية _ 172 _

  وفي الغد خرج أبو طالب ومعه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى أندية قريش و قال : يا معشر قريش هل تدرون ما هممت به ؟ قالوا : لا فقال للفتيان من بني هاشم و بني المطلب : إكشفوا عمّا في أيديكم فكشفوا فإذا كلُّ رجل منهم معه حديدة صارمة فقال : واللّه لو قتلتموه ما بقّيت منكم أحداً حتى نتفانى نحن و أنتم فانكسر القوم ، و كان أبو جهل أشدّهم انكساراً وخيبة تخطيط النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) العسكري يوم بدر يُعتبر الحصول على المعلومات حول العدو ، ومعرفة أسراره العسكرية ومدى استعدادته ، ومبلغ قوته ، ودرجة معنويات أفراده ، على أمر من الاَهمية و القيمة ، عسكرياً ، منذ القدم وحتى اليوم ، ولذا فإنّ الجيش الاِسلامي استقر في منطقة لاءمت مبادىَ التستر ومنع أي عمل من شأنه كشف أسراره ، كما أنّه « صلى الله عليه وآله وسلم » كلف فرقاً مختلفة بتحصيل وجمع المعلومات عن قريش وأفراد جيشها ، حتى توفر لدى القيادة الاِسلامية من المعلومات ، كان أهمها :
ـ معرفة نقطة تواجد قريش ومكان قاعدتهم ، فقد سأل النبي ص بنفسه ، وأحد قواده ، شيخاً من العرب عن قريش و محمّد وأصحابه ، فقال : إنّ محمّداً وأصحابه خرجوا يوم كذا ، فهم الآن بمكان كذا ، وكذلك بالنسبة لقريش .
ـ معلومات عن أعدادهم وعتادهم ، فقد أرسل ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الاِمام عليّاً (عليه السلام) والزبير ابن العوام و سعد بن أبي وقاص إلى ماء بدر لالتماس الاَخبار ، فقبضوا على غلامين وأحضروهما إلى النبي « صلى الله عليه وآله وسلم » الذي سألهما عن قريش ، فقالا : هم و اللّه وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «كم القوم وعدّتهم ؟» فقالا : لا ندري ، هم كثير ، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : كم ينحرون كلّ يوم من الاِبل ؟ قالا : يوماً تسعاً ويوماً عشراً ، فقال ص : « القوم فيما بين التسعمائة والاَلف ، فمن فيهم من أشراف قريش ؟ » قالا : عتبة بن ربيعة ، وأبو البختري بن هشام ، وحكيم بن حزام ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو جهل بن هشام ، وأُميّة بن خلف ، فقال « صلى الله عليه وآله وسلم » لاَصحابه : « هذه مكّة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها » .

السيرة المحمدية _ 173 _

   ـ معلومات حول القافلة ، حيث كلّف ( صلى الله عليه وآله وسلم) شخصين بالتوجه إلى قرية بدر لتقصّي الحقائق عن قافلة قريش ، فسمعا عند الماء جاريتين تقول إحداهما للاَُخرى : إنّما تأتي القافلة غداً أو بعد غد ، فأعملُ لهم ثمّ أقضيك الذي لك ، فقال لها مجدي بن عمرو الجهني : صدقت ، ثمّ خلص بينهما ، فعاد الاثنان إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأخبراه بما سمعا ، فعرف ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بذلك وقت ورود القافلة ومكان تواجدهم ، ممّا مكّنه من الاِعداد والترتيب لملاقاتهم ، وعندما وصل أبو سفيان إلى بدر وسأل مجدي بن عمرو عن محمد ورجاله ، أجابه : ما رأيت أحداً أُنكرُه ، إلاّ أنّي قد رأيت راكبين قد أناخا إلى هذا التل ثمّاستقيا ثمّ انطلقا ، فأخذ أبو سفيان من أبعار بعيريهما ففتّه فإذا فيه النوى ، فقال : هذه واللّه علائف يثرب ، هذه عيون محمّد وأصحابه ، ما أرى القوم إلاّقريباً ، فرجع إلى أصحابه ، واتّخذ جهة ساحل البحر الاَحمر ، مبتعداً عن بدر من أحداث معركة أُحد .
1 ـ نفقات الحرب تحمّل أسياد قريش نفقات المعركة ، من اقتراح قدمه « صفوان بن أُميّة » و «عكرمة بن أبي جهل» إلى أبي سفيان بأن يدفع كلّ واحد منهم مبلغاً من المال قائلين : يا معشر قريش ، إنّمحمّداً قد وَتَرَكم ، وقتل خياركم ، فأعينونا بهذا المال على حربه ، فلعلنا ندرك منه ثأرنا بمن أصاب منّا .

السيرة المحمدية _ 174 _

  وقد أوضح القرآن الكريم موقفهم هذا بقوله : ( إِن الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنْفِقونَها ثُمَّ تَكُون عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُون وَالّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُون) (1) .
2 ـ مشاركة النساء في الحرب فقد شاركت نساء مكّة الوثنيات مع الرجال في هذه المعركة على خلاف عادة العرب ، وذلك حتى يحرّضن الرجال على القتال و الصمود ، ويمنعن المقاتلين من الفرار و الهروب ، لاَنّالفرار يعنى أسرهن ، ويشعلن الحماس في النفوس بدق الدفوف ، وإنشاد الاَشعار المثيرة الداعية إلى الثار .
3 ـ إثارتهم للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حاول عدد من أفراد قريش ، القيام بنبش قبر أُمّ محمّد «صلى الله عليه وآله وسلم» : آمنة بنت وهب ، قائلاً : فإنّ النساء عورة ، فإن يصب من نسائكم أحد قلتم هذه رمّة أُمّك ، فإن كان براً بأُمّه كما يزعم فلعمري ليفادينكم برّمة أُمّه ، وإن لم يظفر بأحد من نسائكم فلعمري فليفدين رمة أُمّه بمال كثير إن كان بها براً ، إلاّ أنّ أهل الرأي منهم رفض الاقتراح وقالوا : لو فَعَلنا ذلك ، نبشت بنو بكر وخزاعة ـ وهم أعداء قريش ـ موتانا .
4 ـ إطلاق الشعارات تصبح مسألة بث الدعاية السيئة وزرعها في النفوس واستثمارها ، سهلة وموَثرة في الاِنسان عند الهزائم وإصابة النكبات ، فتصبح أكثر تقبلاً وأيسر تأثيراً ، ولذا فإنّ أبا سفيان أمر برفع الاَصنام والمناداة بأعلى الاَصوات ، بعد معركة أُحد : أُعلُ هبل ، أُعل هبل ، فأدرك النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عمق الخطورة من هذا الاَسلوب الموَثر في النفوس ، فأمر المسلمين بالاِجابة على ذلك بشعار مضاد قوي ، فقال : «قولوا : اللّه أعلى وأجل ، اللّه أعلى وأجل » ، فاستمر أبو سفيان في إطلاق شعاراته المزيفة : نحن لنا العزى ولا عُزى لكم ، فردّ النبي « صلى الله عليه وآله وسلم » عليهم : « اللّه مولانا ولا مولى لكم » ، فنادى المشركون : يومٌ بيوم بدر ، فأجاب المسلمون : لا سواء ، قتلانا في الجنة ، وقتلاكم في النار .

---------------------------
(1) الاَنفال : 36 .

السيرة المحمدية _ 175 _

  5 ـ عن أُميّة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) روى العلاّمة المجلسي عن الاِمام الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال : كان ممّا منّ اللّه ( عز ّوجلّ ) على رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه كان لا يقرأ ولا يكتب ، إلاّ انّه عندما توجه أبو سفيان إلى أُحد ، كتب العباس بن عبد المطلب إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يخبره بذلك ، فوصله الكتاب وهو في بعض حيطان المدينة ، فقرأه ولم يخبر أصحابه ، وأمرهم أن يدخلوا المدينة فأخبرهم عندئذ (1)
6 ـ التضحية والفداء في سبيل اللّه وخير من مثلها في معركة أُحد : عمرو بن الجموح : كان شيخاً أعرجاً أصيب في رجله ، وله من الاَولاد أربعة يشهدون المشاهد مع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأراد الاشتراك في أُحد ، ولكنّهم منعوه ، فأتى الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقال له : إنّ بنيّ يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه ، فواللّه إنّي لاَرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : «أمّاأنت فقد عَذَرك اللّه ولا جهاد عليك» ، ثمّ توجّه إلى أبنائه وقومه : «لا عليكم ألا تمنعوه ، لعلّ اللّه يرزقه الشهادة» ، فخرج وهو يقول : اللّهم ارزقني الشهادة ولا تردّني إلى أهلي ، وقد حمل على الاَعداء وهو يقول : أنا واللّه مشتاق إلى الجنّة ، فاستشهد في المعركة ، الشاب حنظلة بن أبي عامر : كان له من العمر 24 عاماً ، واشترك أبوه في أُحد إلى جانب قريش ، حيث كان عدواً للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يحرّض على قتاله ، ومعاداة الاِسلام ، فهو السبب لما حدث في مسجد ضرار ، فكان على الباطل ، إلاّ أنّ ابنه حنظلة اتّخذ جانب الحقّ مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وفي يوم المعركة ، كان قد أعدّ للزواج بابنة عبد اللّه بن أبي سلول و يقيم مراسيم الزفاف والعرس في ليلة الخروج إلى أُحد ، ولكنّه سمع نداء الجهاد فاستأذن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ليتوقف في المدينة ليلة واحدة حتى يجري مراسيم العرس و يقيم عند عروسته ، ثمّ يلتحق بالمعسكر الاِسلامي في الصباح ، وقد نزل في ذلك قوله : (إِنَّما الْمُوَْمِنُونَ الّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتّى يَسْتأذنُوه إِنَّ الّذينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الّذِينَ يُوَْمِنُونَ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذا استَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنهِمْ فَأْذَن لمن شِئْت مِنْهُمْ) (2) وخلال المعارك ، استشهد وهو يطارد أبا سفيان ، فقال النبي ( : رأيت الملائكة تغسل حنظلة بين السماء والاَرض بماء المزن في صحائف من ذهب ، فكان يسمّى غسيل الملائكة أو حنظلة الغسيل ، ذلك أنّه خرج إلى الحرب وهو جنب ، وكانت الاَوس تعتبره من مفاخرها فتقول : ومنّا حنظلة غسيل الملائكة ، أمّا أبو سفيان فقال : حنظلة بحنظلة ، ويقصد حنظلة الغسيل بحنظلة ابنه الذي قتل يوم بدر ، والاَمر الغريب هنا ، إنّ العروسين كانا موَمنين متفانيين في سبيل الحقّ ، في مقابل والدين من أعداء الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فعبد اللّه بن أبي سلول والد العروس كان على رأس المنافقين ، وأبو عامر الفاسق والد العريس ، سمّي في الجاهلية بالراهب لعدائه الشديد للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والتحق بالمشركين في مكّة ، وحرض هرقل على ضرب الحكومة الاِسلامية ، وقتل الكثير من المسلمين في أُحد ، إلاّ أنّه عندما التقى المعسكران نادى أبو عامر : يا معشر الاَوس أنا أبو عامر ، فقد تخيل أنّهم سيتركون نصرة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا شاهدوه ، ولكنّهم ردّوا عليه : فلا أنعم اللّه بك عيناً يا فاسق ، فتركهم واعتزل الحرب بعد حين ، أُمّ عمارة تحدّثت النساء إلى الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بشأن اشتراكهن في الجهاد : يا رسول اللّه نحن نقوم بكلّ ما يحتاج إليه الرجال في حياتهم ليجاهدوا ببال فارغ ، فلم حُرِمنا نحن من هذه الفضيلة ؟ فأجاب « صلى الله عليه وآله وسلم » : إنّحُسْنَ التبعّل يعدل ذلك كلّه ، مشيراً إلى الاَسباب الطبيعية والعضوية للمرأة .

---------------------------
(1) النور : 62 .
(2) بحار الاَنوار : 20 |111 .

السيرة المحمدية _ 176 _

  إلاّ أنّ بعضهن خرجن من المدينة لمساعدة جنود الاِسلام ، في السقي وغسل ثيابهم وتضميد الجرحى ، واشتهرت منهن في أُحد : أُمّ عمارة نسيبة المازنية : التي قاتلت دفاعاً عن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فجرحت ، وقالت تشرح موقفها : أقبل ابن قميئة وقد ولّى الناس عن الرسول «صلى الله عليه وآله وسلم» يصيح : دلّوني على محمّد لانجوت إن نجا ، فاعترض له مصعب بن عمير وآخرون ، وكنت فيهم فضربني هذه الضربة ، ولقد ضربته على ذلك عدّة ضربات ، ولكنّه احتمى بدرعين كانا عليه ، وكان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ينظر إليّ ، فرأى جرحاً على عاتقي ، فصاح بأحد أولادي : «أُمّك أُمّك إعصب جرحها» ، فعاونني عليه ، وعندما رأت ابنها وقد جرح أقبلت إليه ومعها عصائب أعدّتها للجراح فربطت جرحه ، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ينظر ، فقالت لولدها : انهض يا بني فضارب القوم ، ممّا أعجب رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) باستقامتها وثباتها وإيمانها فقال : «ومن يطيق ما تطيقين يا أُمّ عمارة» ، وفي هذه الاَثناء أقبل الرجل الذي ضرب ولدها فقال النبي ص هذا ضارب ابنك ، فحملت عليه كالاَسد وضربت ساقه فبرك ، ممّا ازداد من إعجاب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بشجاعتها وبسالتها فتبسم وقال : «استقدت يا أُمّ عمارة ، الحمد للّه الذي ظفّرك وأقرّ عينك من عدوك» ، وبعد المعركة طلبت الانضمام إلى جيش المسلمين الذي سار إلى حمراء الاَسد ، ولكن جراحها منعتها من تأدية الغرض ، وبعد رجوع النبي « صلى الله عليه وآله وسلم » سأل عنها فسرّ لسلامتها ، من أحداث غزوة تبوك .
1 ـ قصّة مالك بن قيس أبو خيثمة : رجع إلى أهله في يوم حار فوجد أنّ المسلمين قد غادروا مع الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى تبوك ، فدخل عريشاً له ، وجد أنّ زوجتيه قد جهّزتا كلّما يحتاج إليه من طعام وماء ، فنظر إليهما وفكّر ما فيه الرسول « صلى الله عليه وآله وسلم » وأصحابه من حال سيّء ، في أشدّ الحرارة وهم قاصدون جهاد العدو ، فقال: رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في الشمس و الحر والريح ، و أبو خيثمة في ظلّ بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء في ماله مقيم ؟ ما هذا بالنصف ، لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق بالرسولوالمجاهدين ، فخرج طالباً الرسولص فأدركه حين نزل تبوك .
2 ـ تنبوَات الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما وصل جيش الاِسلام إلى أرض ثمود وهم في الطريق إلى تبوك ، غطى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وجهه بثوبه واستحثّ راحلته ، ليسرع في المرور على بيوتهم وأطلالهم ، وقال لاَصحابه : «لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا إلاّوأنتم باكون ، خوفاً أن يصيبكم مثل ما أصابهم » ، كما أنّه نهى عن شرب مائها أو التوضّوَ به للصلاة أو الطبخ ، حتى شربوا من البئر التي شربت منها ناقة صالح النبي (عليه السلام) ، وفي تلك الليلة أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه بأن يعقلوا آبالهم ، ولا يخرج منهم أحد لوحده بل يخرج مع صاحبه ، وذلك لمعرفة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بأسرار الجو في تلك البقاع ، ولما خرج أحدهم فريداً فاختنق لشدة الرياح ، واحتملت رجلاً آخر فضربت به الجبل ، انزعج ص وقال : «ألم أنهكم أن لايخرج منكم أحد إلاّو معه صاحبه» .

السيرة المحمدية _ 177 _

  وأصبح الناس دون ماء فعطشوا حتى كاد أن يقطع رقابهم ، لدرجة أنّهم شربوا الماء من كروش إبلهم بعد نحرها ، فأرسل اللّه سبحانه وتعالى سحابة أمطرت فارتوى الناس ، وحدث أن ضلّت ناقة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ببعض الطريق ، فخرج أصحابه في طلبها ، فقال أحد المنافقين : أليس محمّد يزعم أنّه نبيّويخبركم عن خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته ؟ فقال الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : «إنّ رجلاً قال : هذا محمّد يخبركم أنّه نبي ويزعم أنّه يخبركم بأمر السماء وهو لا يدري أين ناقته ؟ وإنّي واللّه ما أعلم إلاّما علمني اللّه ، وقد دلّني اللّه عليها،وهي في هذا الوادي في شعب كذا ، وقد حبَستْها شجرة بزمامها فانطلقوا حتى تأتوني بها» ، فذهب بعض الصحابة وأحضروها ، كما تنبّأ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بحياة أبي ذر و كيفية موته فقال : «رحم اللّه أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده» ، وقد تحقّقت نبوءته «صلى الله عليه وآله وسلم» بعد 23 عاماً حينما نفي إلى الربذة في الشام ، وتوفي هناك وحيداً إلاّ من أهله ، مأساة الدعاة والمبلّغين كان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يبعث بمجموعات من المبلغين والدعاة إلى القبائل داعياً لهم إلى التوحيد وإلى الدين الاِسلامي ، وقد تألّف هوَلاء من قرّاء القرآن الكريم والعارفين بالاَحكام الاِسلامية والتعاليم النبوية ، أبدوا استعداداً تاماً لاَداء مهامهم الصعبة حتى لو كلّفت حياتهم ، ومن القبائل التي تقدمت إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تطلب إرسال عدد من هوَلاء الدعاة : قبيلتا عضل والقارة : «إنّ فينا إسلاماً فاشياً ، فابعث معنا نفراً من أصحابنا يُقْرِئوننا القرآن ويفقهوننا في الاِسلام» ، فتكونت جماعة منهم بقيادة : مرثد بن أبي مرثد الغَنوي ، ساروا حتى وصلوا ماء الرجيع التي تقطن عنده قبيلة هذيل ، فكشفوا عن نواياهم الشريرة بقتلهم والغدر بهم ، إلاّ أنّ المبلغين استعدوا للقتال ، فقال العدو : ما نريد قتالكم وما نريد إلاّ أن نصيب منكم من أهل مكة ثمناً ، ولكم عهد اللّه وميثاقه لا نقتلكم ، فردّعليه أحدهم : إنّي نذرت أن لا أقبل جوار مشرك ، أو قالوا : واللّه لا نقبل من مشرك عهداً ولا عقداً أبداً ، ولذا فقد قاتلوا القوم قتال الاَبطال فاستشهدوا إلاّ ثلاثة منهم : زيد بن دثنّة ، خبيب بن عدي ، وعبد اللّه بن طارق البلوي ، إذ أنَّهم استسلموا فأوثقوهم ، ولكن عبد اللّه ندم على فعله فقاتلهم ثانية حتى قتل فدفن بمر الظهران ، أمّا الآخران فباعوهما في مكّة ، حيث اشترى صفوان بن أُميّة ، زيد بن دثنّة وقتله ثأراً لاَبيه ، فقام أوّل شيء بحبسه في الحديد ، وكان يتهجد بالليل و يصوم النهار ، ثمّ أخرجه إلى التنعيم ليصلبه على مرأى من الناس ، فطلب أن يصلي ركعتين ، ثمّحملوه على الخشبة وقالوا له : يا زيد إرجع عن دينك المحدث واتّبع ديننا ونرسلك ، فيقول : واللّه لا أفارق ديني أبداً .

السيرة المحمدية _ 178 _

  فقال له أبو سفيان : أنشدك باللّه يا زيد أيسرّك أن ّمحمّداً في أيدينا مكانك وأنت في بيتك ؟ فقال زيد بشجاعة : ما يسرني أنّ محمّداً أُشيك بشوكة وإنّي في بيتي وجالس في أهلي ، فأثّرت كلماته في نفس « أبي سفيان» فقال : ما رأينا أصحاب رجل قطّ أشدّ حبّاً في أصحاب محمّد بمحمد ، فصلبوه شهيداً دفاعاً عن العقيدة وحياض الدين ، أمّا خبيب فقد حبسوه فترة من الوقت ثمّ قرروا قتله صلباً أيضاً ، فخرجوا به إلى التنعيم ، وخرجت جماعة من النساء والصبيان و العبيد ومن أهل مكّة ، فقال لهم : إن رأيتم أن تدعوني حتى أركع ركعتين فافعلوا ، فسمحوا له ، ثمّ قال لهم : أما واللّه لولا أن تظنّوا أنّي إنّما طولت جزعاً من القتل لاستكثرت من الصلاة ، فرفعوه على خشبة و قالوا : إرجع عن الاِسلام نخلّسبيلك ، فقال : لا واللّه ما أحبّ إنّي رجعت عن الاِسلام وأنّ لي ما في الاَرض جميعاً ، فقالوا له : أما واللات والعزى لئن لم تفعل لنقتلنك ، فقال : إنّ قتلي في اللّه لقليل ، ثمّ صرفوا وجهه عن القبلة ووجهوه نحو المدينة فقال : أمّا صرفكم وجهي عن القبلة فإنّ اللّه يقول : (فَأيْنما تُوَلّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّه) (1) اللّهم إنّي لا أرى إلاّوجه عدو ، اللّهم إنّه ليس هاهنا أحد يبلغ رسولك السلام عنّي فبلغه أنت عنّي السلام ، ثمّ دعا على القوم : اللّهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً ، ثمّ دعوا أبناء من قتل ببدر فكانوا أربعين غلاماً ، أعطوا كلّواحد منهم رمحاً ، وقالوا لهم : هذا الذي قتل آباءكم ، فطعنوه برماحهم ، فتحرك على الخشبة وصار وجهه نحو الكعبة فقال : الحمد للّه الذي جعل وجهي نحو قبلته التي رضي لنفسه ولنبيّه وللموَمنين ، فغضب أحد المشركين : عقبة بن الحارث لتمسكه بالاِسلام وإخلاصه له ، فطعنه طعنة قاتلة وهو يوحّد اللّه ويشهد أنّمحمّداً رسول اللّه ، وبقي جثمانه فترة على الخشبة بحراسة الكفّار حتى أنزله اثنان من المسلمين الاَشدّاء ودفناه كماأمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد أحزن هذا الحادث الاَليم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وجميع المسلمين ، وأنشد فيهم حسّان بن ثابت أبياتاً ذكرها «ابن هشام» في سيرته ، إسلام كعب بن زهير بن أبي سلمى كان زهير بن أبي سلمى من شعراء العرب البارزين في العهد الجاهلي ، وصاحب إحدى المعلّقات السبع التي نصبت في الكعبة وتفتخر بها العرب ، وتوفي قبل عصر الرسالة ، وكان له ولدين : بجير و كعب ، أمّا بجير فقد آمن بالاِسلام ولازم النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأحبه ، بينما عادى كعب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فكان يهجوه في قصائده وأشعاره ويوَلّب الناس على الاِسلام .

---------------------------
(1) البقرة : 115 .

السيرة المحمدية _ 179 _

   أمّا النبي « صلى الله عليه وآله وسلم » فكان قد هدد بالقتل بعض الشعراء الذين كانوا يهجونه « صلى الله عليه وآله وسلم » وأهدر دماءهم ، فكتب بجير إلى كعب ينصحه : إن كانت لك في نفسك حاجة فَطِر إلى رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فإنّه لا يقتل أحداً جاءه تائباً ، فاطمأنّ لكلام أخيه وتوجه إلى المدينة وقابل النبي « صلى الله عليه وآله وسلم » في المسجد وقت صلاة الصبح ، فصلّى معه لاَوّل مرّة و جلس إليه و وضع يده في يده والنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا يعرفه ، فقال : يا رسول اللّه انّ كعب بن زهير جاء ليستأمن منك تائباً مسلماً فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : «نعم» ، فقال : أنا يا رسول اللّه كعب ابن زهير ، ثمّ أخرج قصيدته اللامية التي مدح فيها رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأنشدها بين يديه في المسجد ليتلافى بها ما سبق أن منه من هجاء و طعن في سيد المرسلينص وقيل أنّ أحد الاَنصار وثب عليه : يا رسول اللّه دعني وعدو اللّه أن أضرب عنقه ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : «دعه عنك فإنّه قد جاء تائباً نازعاً ـ عماّ كان عليه ـ» ، وهذه القصيدة هي من أفضل قصائد كعب ، اعتنى المسلمون بحفظها ونشرها منذ ذلك الوقت ، كما شرحها علماء الاِسلام كثيراً ، وهي تضم 58 بيتاً تنتهي قوافيها باللام المضمومة ، ويبدأ مطلعها : بانَتْ سعادُ فقَلْبي اليومَ متبولُ متيّمٌ إثرهـا لـم يُفـدَ مَكْبُـولُ وسعاد هي زوجته وابنة عمّه ، بدأ بها كعادة شعراء العهد الجاهلي ، إلى أن قال : إَّنَّ الرسول لسيف يستضاء به مهند من سيوف اللّه مسلـول فأبدله النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إنّالنبي لنور يستضاء به . . . . وقيل إنّالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كساه بردة كانت عليه ، طلبها معاوية في زمنه ، فقال كعب : ما كنت لاَُوثر بثوب رسول اللّه أحداً ، فلمّا مات كعب اشتراها معاوية من أولاده بعشرين ألف درهم ، ثمّ تداولها حكّام بني أُميّة والعباس بعد ذلك .

السيرة المحمدية _ 180 _

  إسلام عدي بن حاتم بعث النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) 150 فارساً على رأسهم الاِمام علي ( عليه السلام ) إلى أرض طيء ليحطم صنم طيء و يهدم بيته ، فنجح في مهمته ، وفرّ عدي بن حاتم الطائي رئيس القبيلة إلى الشام ، ويقول هو في ذلك : «فكنت إمرءاً شريفاً ، وكنت نصرانياً ، وأسير في قومي بالمرباع ـ أخذ الربع من الغنائم لاَنّه سيدهم ـ وكنت ملكاً في قومي لما كان يُصنع بي ، فلمّا سمعت برسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» كرهته فقلت لغلام راعياً لاِبلي : إذا سمعت بجيش محمد قد وطىَ هذه البلاد فآذنّي ، ففعل وقال : فإنّي قد رأيت رايات فسألت عنها فقالوا : هذه جيوش محمّد ، فاحتملت بأهلي وولدي وقلت : ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام ، وتركت أُختي في قومي» ، وقد ظفر المسلمون بأُخته في سبايا طيء إلى النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» الذي أبلغوه عن هروبه إلى الشام ، فوضعوها في مكان بباب المسجد ، فكانت تقول للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما تراه : يا رسول اللّه هلك الوالد وغاب الوافد ، فامنُن عليّ منّ اللّه عليك ، قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «ومن وافدك ؟ » قالت : عدي بن حاتم ، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : « الفار من اللّه ورسوله» ، وكررت عليه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قولها ثلاث مرّات ، فقال لها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : «قد فعلت فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ثمّ آذنيني» ، ولمّا قررت السفر مع جماعة من قومها قالت : فكساني رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» وحملني وأعطاني نفقة فخرجت معهم حتى قدمت الشام ، ولما وصلت عند أخيها ، أخذت تلومه : القاطع الظالم ، احتملت أهلك وولدك ، وتركت بقية والدك ، عورتك ، فقال لها : لا تقولي إلاّخيراً فواللّه مالي من عذر ، ثمّ سألها : ماذا ترين عن أمر هذا الرجل ـ أي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت : أرى واللّه أن تلحق به سريعاً ، فإن يكن الرجل نبياً فللسابق إليه فضله ، وإن يكن ملكاً فلن تذلّ في عزّ اليمن وأنت أنت ، فقال : واللّه إنّ هذا هو الرأي ، وعندما قدم إلى المدينة ، اصطحبه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى بيته ، وأجلسه على وسادة طيّبة ، وجلس هو على الاَرض ، فقلت في نفسي : واللّه ما هذا بأمر ملك ، ثمّ قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إيه يا عدي بن حاتم ، ألم تكن ركوسياً ـ وهو دين بين النصارى و الصابئين ـ ؟ » قلت : بلى ، فقال : « أو لم تكن تسير في قومك بالمرباع ؟» قلت : بلى ، فعرفت أنّه نبيّمرسل يعلم ما يُجهل ، فقد تنبأ أمامه بالرخاء وسعة المال للمسلمين ، وازدياد عددهم ، ومساحة الاَرض التي يحصلون عليها ، وسيطرتهم على الملك ، والعيش بالقصور البيض من أرض بابل ، فأسلم عدي بن حاتم ، ورأى بعينيه بعد فترة ، القصور البيض في بابل و قد فتحت ، والمرأة تخرج من القادسية على بعيرها لتحجّالبيت الحرام دون خوف ، وكان عدي يقول : قد مضت اثنتان و بقيت الثالثة . . . وأيم اللّه لتكونن الثالثة ، ليفيضنّ المال حتى لا يوجد من يأخذه .

السيرة المحمدية _ 181 _

المصادر والمراجع

1 ـ ابن أبي الحديد المعتزلي : شرح نهج البلاغة .
2 ـ ابن الاَثير ، عزّ الدين أبو الحسن علي بن محمد الجزري : الكامل في التاريخ .
3 ـ ابن الاَثير ، عزّ الدين أبو الحسن علي بن محمد الجزري : أُسد الغابة .
4 ـ الاَحمدي ، المحقّق الشيخ علي: مكاتيب الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
5 ـ أحمد عادل كمال : الطريق إلى المدائن ، بيروت دار النفائس 1977 م .
6 ـ الاِصفهاني ، أبو الفرج علي بن الحسين : مقاتل الطالبيين .
7 ـ الاِربلي ، علي بن عيسى : كشف الغمّة في معرفة الاَئمّة .
8 ـ الاَميني ، الشيخ عبد الحسين : الغدير .
9 ـ ابن حبيب ، أبو جعفر محمّد : المحبّر .
10 ـ ابن حجر العسقلاني ، الحافظ أحمد بن علي بن محمد : الاِصابة في تمييز الصحابة .
11 ـ ابن حجر ، أحمد الهيتمي : الصواعق المحرقة .
12 ـ ابن حنبل ، أبو عبد اللّه أحمد بن حنبل الشيباني : مسند أحمد .
13 ـ ابن خلّكان ، شمس الدين أبو العباس أحمد بن أبي بكر : وفيات الاَعيان وأنباء أبناء الزمان .
14 ـ ابن سعد ، محمد بن سعد : الطبقات الكبرى .
15 ـ ابن طاووس ، السيد عبد الكريم : إقبال الاَعمال .
16 ـ ابن عبد البرّ ، الحافظ المالكي الاَندلسي : الاِستيعاب في معرفة الاَصحاب .
17 ـ ابن كثير ، الحافظ عماد الدين : البداية والنهاية .
18 ـ ابن هشام ، محمد بن عبد الملك : السيرة النبوية .
19 ـ ابن القيم ، العلاّمة شمس الدين الجوزية : زاد المعاد في هدى خير العباد .
20 ـ ابن معد ، السيد شمس الدين فخار : حجّة الذاهب إلى إيمان أبي طالب .
21 ـ ابن واضح ، أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب : تاريخ اليعقوبي .
22 ـ أبو نعيم ، الاصفهاني : حلية الاَولياء .
23 ـ البحراني ، السيدهاشم : تفسير البرهان .
24 ـ البخاري ، أبو عبد اللّه محمد بن إسماعيل : الصحيح .
25 ـ البرهان فوري ، علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي : كنز العمال .
26 ـ البلاذري ، أحمد بن يحيى بن جابر : فتوح البلدان .
27 ـ البيروني ، أبو الريحان محمد أحمد الخوارزمي : الآثار الباقية عن القرون الخالية .
28 ـ الثعالبي ، أبو منصور عبد الملك : ثمار القلوب .
29 ـ الحاكم النيسابوري ، الحافظ أبي عبد اللّه بن محمد بن عبد اللّه : المستدرك .
30 ـ الحسيني ، السيد علي خان المدني : الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة الاِمامية .

السيرة المحمدية _ 182 _

31 ـ الحرّالعاملي ، محمد بن الحسن : وسائل الشيعة .
32 ـ الحلبي ، الشيخ علي بن برهان الدين الشافعي : السيرة الحلبية .
33 ـ الحيدر آبادي ، محمد حميد اللّه : مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة .
34 ـ الديار بكري ، القاضي حسين بن محمد بن الحسن المالكي : تاريخ الخميس .
35 ـ الرازي ، فخر الدين : مفاتيح الغيب .
36 ـ الزمخشري ، محمود بن عمر : الكشاف عن حقائق التنزيل .
37 ـ السبحاني ، الشيخ جعفر : مفاهيم القرآن .
38 ـ السبحاني ، الشيخ جعفر : معالم التوحيد في القرآن الكريم .
39 ـ السيوطي ، الحافظ عبد الرحمن بن أبي بكر جلال الدين : الدرّالمنثور .
40 ـ الشهرستاني ، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم : الملل و النحل .
41 ـ الصدوق ، محمد بن علي القمي : الخصال .
42 ـ الصدوق ، محمد بن علي القمي : علل الشرائع .
43 ـ الطباطبائي ، السيد محمّد حسين : تفسير الميزان .
44 ـ الطبرسي ، أحمد بن علي : مجمع البيان في تفسير القرآن .
45 ـ الطبرسي ، فضل بن الحسن : إعلام الورى بأعلام الهدى .
46 ـ الطبري ، أبو جعفر محمد بن جرير : تاريخ الاَُمم والملوك .
47 ـ الطوسي ، محمد بن الحسن : الاَمالي .
48 ـ القمي ، الشيخ عباس : سفينة البحار .
49 ـ كحالة ، عمر رضا : أعلام النساء .
50 ـ الكراجكي ، أبو الفتح محمد بن علي : كنز الفوائد .
51 ـ الكليني ، محمد بن يعقوب : فروع الكافي .
52 ـ الكليني ، محمد بن يعقوب : روضة الكافي .
53 ـ الكوفي ، أبو القاسم : الاستغاثة .
54 ـ المجلسي ، محمد باقر : بحار الاَنوار .
55 ـ الشريف الرضي : نهج البلاغة ، شرح محمد عبده .
56 ـ مسلم ، أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيرى النيسابوري : الصحيح .
57 ـ المفيد ، الشيخ محمد بن محمد بن النعمان : الاِرشاد .
58 ـ المقريزي ، تقي الدين أبو محمّد : إمتاع الاَسماع بما للرسول من الاَبناء والاَحوال والحفدة والمتاع .
59 ـ النسائي ، القاضي أحمد بن شعيب بن علي : سنن النسائي .
60 ـ الواقدي ، محمد بن عمرو: المغازي .