قال : فلما انتهى مسير امير المؤمنين ( عليه السلام ) الى الربذة من الكوفة على طريق الحارة ، كاتب عامله بها أبا موسى الاشعري ليستنفر له اهلها ، فلم يكن منه إلا انه ثبتهم على خلافه ، حتى انه قال لهم : انما هي فتنة . فبلغه ذلك ( عليه السلام ) فعزله ، واقام عوضه موص بن كعب الانصاري ، وكتب إليه ( عليه السلام ) : « اعتزل عن عملنا يا ابن الحياكة مذموما مدحورا » . قال الشيخ المفيد ( رحمه الله ) في أرشاده : روي عبد الحميد بن عوان العجلي ، عن سلمة بن سهيل ، قال : لما انتهى مسير امير المؤمنين ( عليه السلام ) الى ذي قار ، بعث ابنه الحسن ( عليه السلام ) وعمار بن ياسر الى اهل الكوفة ، ليستنفرا اهلها ، فأتوه بذي قار [ اي اهل الكوفة ] ، فأخذ عليهم البيعة ، ثم قام فيهم خطيبا ، فحمد الله واثنى عليه ، وصلى على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ثم قال : اما بعد ، ايها الناس : ( « قد جرت علينا أمور صبرنا عليها ـ وفي اعيننا القذى ، وفي القلب شجى ـ تسليما لأمر الله تعالى فيما امتحن به عبده ، رجاء الثواب على ذلك ، فكان الصبر عليها أمثل من أن يتفرق المسلمون ، وتسفك دماؤهم ، فنحن أهل بيت النبوة ، وعترة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأحق الناس بسلطان الرسالة ، ومعدن الكرامة ، التي أبتدأنا الله تعالى بها ، ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) (4) . يا أهل الكوفة : إنكم من أكرم المسلمين ، [ وأصدقهم تقوى ] (5) ، وأعدلهم سنة ، وأفضلهم سهما في الأسلام ، وأجودهم في القرب مركبا ونصابا ، أنتم أشد القرب للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولأهل بيته ، وإنما جئتكم ثقة ـ بعد الله ـ بكم للذي بذلتم من أنفسكم عند نقض طلحة والزبير وخلعهما طاعتي [ واقبالهما بعائشة للفتنة ] . --------------------------- (1) المقشرة : الرطب المقشر . (2) البجر : جمع بجراء ، وهي المنتفخة البطن ، يعني التمر الجيد الكبار . لسان العرب 4 : 40 . (3) الجرد والسمر : يعني الخيل . (4) الجمعة : 4 . (5) في الارشاد : واقصدهم تقويما . واقعة الجمل _ 58 _[ خرجا محتالان على فساد العباد واخراب البلاد ، ألا وإنهما قد بايعا لي طائعين راغبين مختارين ، ثم أستأذناني في الذهاب الى العمرة ، فأذنت لهما ، فأكثرا القول عليها [ اي عائشة ] ، حتى أخرجاها من بيتها يجرانها كما تجر الأمة عند شرائها ، حتى قدما بها البصرة ، فحبسا [ نساءهم في بيوتهم ] (1) ، وأبرزا حبيس رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لهما ولغيرهما في جيش ، فضربوا عاملي بها وأسروه ، وخزان بيت مال المسلمين الذي بيدي ، وعلى اهل المصر [ الذين ] كلهم في طاعتي وعلى بيعتي ، فشتتوا شملهم ، وفرقوا كلمتهم ، وأفسدوا علي جماعتهم ، ووثبوا على شيعتي فقتلوا طائفة منهم ، وطائفة ، عضوا على أسيافهم وضاربوا بها حتى لقوا الله صادقين في الله .لو لم يصيبوا من المسلمين إلا رجلا واحدا معتمدين لقتله بلا جرم ، لحل قتل ذلك الجيش كله ، إذ حضروه فلم ينكروا ولم يدفعوا عنه بلسان ولا يد ، مع ما إنهم قتلوا من المسلمين العدة التي دخلوا بها عليهم . فالذي قتل من السبابجة اربعمائة رجل ، وعزروا بولاتها ] (2) . اللهم ، إنهما قطعاني وظلماني ونكثا بيعتي ، وألبا الناس علي ، فأحلل ما عقدا ، ولا تحكم ما أبرما ، وأرهما المساءة فيما عملا ، فقال له أهل الكوفة : « يا امير المؤمنين ، إنا نحمد الله عزوجل الذي من علينا برؤياك ، وخصنا بجوارك ، وجعلنا من شيعتك وأنصارك واعوانك على أعدائك ، ولو دعوتنا الى اضعافهم احتسبنا الخير ورجونا الشهادة بين يديك ، فطب نفسا وقر عينا بظفرك على اعدائك ان شاء الله تعالى » (3) . قال : فلم يزل الكوفيون وغيرهم يقدمون إليه زمرا ، زمرا ، وهو ( عليه السلام ) مقيم بذي قار . وصول الامام امير المؤمنين ( عليه السلام ) واصحابه الى البصرة : ثم توجه بهم الى البصرة وقام في اصحابه خطيبا ، فحمد الله واثنى عليه ، وصلى على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم قال (4) : --------------------------- (1) في الاصل : نسائها وبيوتها ، وهو تصحيف وقع فيه الناسخ حيث كان يقصد طلحة والزبير . (2) لم يذكر الشيخ المفيد في الارشاد نص الخطبة بهذا الشكل وقال في 1 : 250 [ واقبالهما بعائشة للفتنة ، وإخراجهما إياها من بيتها حتى اقدماها البصرة ، فأستغووا طغامها وغوغاءها ، مع أنه قد بلغها أن أهل الفضل منهم وخيارهم في الدين قد اعتزلوا وكرهوا ما صنع طلحة والزبير ] . (3) في الارشاد 1 : 250 ثم سكت فقال اهل الكوفة : نحن أنصارك وأعوانك مع عدوك ، ولو دعوتنا الى اضعافهم من الناس احتسبنا في ذلك الخير ورجوناه ، فدعا لهم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وأثنى عليهم ، ثم قال : قد علمتم - معاشر المسلمين - أن طلحة والزبير بايعاني طائعين راغبين ، ثم استأذناني في العمرة فأذنت لهما ، فسارا الى البصرة فقتلا المسلمين وفعلا المنكر . اللهم إنهما قطعاني وظلماني ونكثا بيعتي وألبا الناس علي ، فأحلل ما عقدا ، ولا تحكم ما أبرما ، وأرهما المساءة فيما عملا . (4) الارشاد 1 : 251 . واقعة الجمل _ 59 _
« اما بعد ، ايها الناس :
إن الله عز وجل فرض على عباده الجهاد ، وعظمه وجعله نصرة له ، والله ما [ صلحت ] (1) دنيا ولا دين إلا به ، الا وإن الشيطان قد جمع حزبه ، واستجلب خيله ، [ وشب ] (2) في ذلك وخدع ، وقد بانت الأمور ( فتمخضت ) (3) ، والله ما انكروا علي منكرا ولا جعلوا بيني وبينهم [ نصفا ] (4) ، الا وإنهم يطلبون حقا تركوه ، ودما سفكوه ، ولئن كنت شركتهم فيه إن لهم نصيبهم فيه ، ولئن كانوا ولوه [ دوني ] (5) [ فما تبعتهم إلا قبلهم ] (6) ، وإن أعظم حججهم لعلى أنفسهم ، وإني لعلى بصيرتي [ ما لبست علي ] (7) ، وإنها الفئة الباغية [ الحمى والحمة ] (8) قد طالت هلبتها (9) وامكنت درتها ، يرضون أما [ فطمت ] (10) ، يجيبون بيعة تركت ، ليعود الضلال الى نصابه . ما أعتذر مما فعلت ، ولا أتبرأ مما صنعت ، [ فياخيبة للداعي ومن دعا ، لو قيل له : الى من دعواك ؟ والى من أحببت ؟ ومن إمامك ؟ وما سننه ؟ ] (11) ، إذا لزاح الباطل عن مقامه ، ولصمت لسانه فما نطق ، وايم الله ، لأمرطن لهم حوضا أنا [ ماتحه ] (12) ، لا يصدرون عنه ، ولا يلقون [ بعده ريا ] (13) ابدا ، وإني لراض بحجة [ الله عليهم وعذره فيهم ، إذ أنا داعيهم ] (14) ، فمعذر إليهم فان تابوا وقبلوا فالتوبة [ مبذولة ] (15) والحق مقبول وليس على الله كفران ، وإن [ أبوا أعطيتهم ] (16) حد السيف ، وكفى به شافيا من باطل وناصرا للمؤمنين ) (17) . قال : ولما وصل امير المؤمنين الى البصرة ، أرسل الى القوم يناشدهم الله تعالى ، ويذكرهم بقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، متعوذا منهم على ما اصروا عليه ، فلم يجيبوه لذلك ، بل تعصبوا على القتال ، فقام ( عليه السلام ) في اصحابه خطيباً ، فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . --------------------------- (1) في النسخة : علمت ، وهو تصحيف ، والصواب كما ورد في الارشاد . (2) في النسخة : وسب . (3) في النسخة : فسخط . (4) في النسخة سقطت : نصفا ، وقد اثبتناها من الارشاد . (5) في النسخة : ديني . (6) في النسخة : فما بيعتهم إلا قتلهم ، والصواب كما في الارشاد . (7) في النسخة : من امري كما كتبت علي . (8) في الاصل : اللحم والجلد وتفتقد من التصحيفات الناسخ . (9) هلب : هو شعر الذنب ، وفرس مهلوب : مجزوز الهلب . (10) في النسخة : ما عظمت . (11) سقطت من النسخة الخطية واثبتناها من الارشاد . (12) متح : وهو الذي ينزع الدلو ، وقد سقطت من النسخة واثبتناها من الارشاد . (13) في النسخة : معدوما ، وصوابة كما في الارشاد . (14) في النسخة : اسألهم وعذرهم فيها إذ انا فازعتهم ، والصواب كما جاء في الارشاد . (15) في النسخة : هذه ولهم ، والصواب كما في الارشاد . (16) في النسخة : لم يأتوا تائبين فأعطهم ، والصواب كما في الارشاد . (17) انظر الخطبة في : الاستيعاب 2 : 221 ، نهج البلاغة 1 : 38 | 9 و 55 | 21 ، ونقلها العلامة المجلسي في بحار الانوار 32 : 116 ح 93 . واقعة الجمل _ 60 _ثم قال ( عليه السلام ) : « اللهم ، إني أستعين بك على قريش ، فإنهم [ قطعوا ] (1) رحمي ، ( والكفوُّا انائي ) (2) ، واجمعوا على منارعتي حقا كنت أولى به من غيري (3) ، وقالوا : ألا إن في الحق أن تأخذه ، وفي الحق أن تمنعه ، فأصبر مغموما (4) ، أو مت متأسفا ، فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا ذاب ، ولا مساعد ، إلا أهل بيتي ، فضننت بهم عن المنية (5) ، فأغضيت على القذى ، وجرعت (6) ريقي على الشجا ، وفي العين قذى ، فصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم ، والم للقلب من وحز (7) الشفار » (8) .ومن كلامه ( عليه السلام ) حين وصوله الى البصرة ، يحرض اصحابه على الجهاد (9) : « عباد الله ، أنهدوا الى هؤلاء القوم منشرحة صدوركم لقتالهم ، فأنهم نكثوا بيعتي ، واخرجوا عثمان (10) بن حنيف عاملي بعد الضرب المبرح ، والعقوبة الشديدة ، وقتلوا السبابجة (11) ، وقتلوا حكيم بن جبلة العبدي (12) ، وقتلوا رجالا صالحين . ثم اتبعوا من نجا منهم ، يأخذونه من كل حائط ، ومن تحت كل راية . [ ثم يأتون بهم ] (13) فيضربون رقابهم صبرا ، [ فيستحلون اموالهم ] (14) ، مالهم قاتلهم الله انى يؤفكون ، أنهدوا إليهم وكونوا اشداء عليهم ، والقوهم وانتم صابرون محتسبون ، ليعلموا (15) أنكم منازلوهم ومقاتلوهم ، وقد وطنتم انفسكم على الطعن الدعسي (16) والضرب الطلخفي (17) ، ومبارزة الاقران ، وأي امرئ منكم أحس من نفسه رباطة جأش عند اللقاء ، ورأى من أحد من إخوانه فشلا ، فليذب عن أخيه الذي فضل عليه كما يذب عن نفسه ، فلو شاء الله لجعله مثله » . --------------------------- (1) في نهج البلاغة [ قد قطعوا ] . (2) في الغارات : وأصغروا أنائي ، وصغروا عظيم منزلتي . (3) في الغارات : فسلبونيه ثم . (4) في الغارات : كمدا متوضحا ، أو متأسفا حنقا . (5) في الغارات : عن الهلاك . (6) في الغارات : تجرعت . (7) في الاصل : خز ، وفي الغارات : حز ، وهي قريبة للمعنى ، الشفار : السكين الحارة . (8) انظر : شرح نهج البلاغة 3 : 36 ، الغارات : 304 ـ 305 ، بحار الانوار 33 : 69 . جاء في الغارات بأن هذه رسالة علي ( عليه السلام ) الى اصحابه بعد مقتل محمد بن ابي بكر وهي طويلة راجعها في الغارات . وابن ابي الحديد في شرح النهج فقال : انها خطبة للامام ( عليه السلام ) بعد مقتل محمد بن ابي بكر . لذا فأنها سواء كانت رسالة ام خطبة فهي ليس لها علاقة بوقعة الجمل ، وإذا كان ذلك في سبب قتل محمد بن ابي بكر فيظهر من هذا انها بعد وقعة صفين ، فهذا اشتباه وقع فيه المصنف . (9) الارشاد : 134 ، بحار الانوار 32 : 171 ح 131 . (10) في الارشاد : ابن حنيف عاملي . (11) السبابجة : قوم صالحون كان امير المؤمنين ( عليه السلام ) سلم بيت المال بالبصرة اليهم ، فكبسهم أصحاب الجمل وقتلوهم وذلك بعد معاهدتهم ألا يقتلوا اصحاب امير المؤمنين عليه السلام . قال الجوهري في ( الصحاح ) 1 : 321 السيابجه : قوم من السند كانوا جلاوزة بالبصرة واصحاب سجن ، والهاء للنسبة والعجمة ، واصل الكلمة سياه بجكان . (12) في الاصل : غيلة العبدي ، وصوابه كما في الارشاد . (13) سقطت من الاصل واثبتت من الارشاد . (14) سقطت من الارشاد . (15) في الارشاد : تعلمون . (16) الطعن الدعسي : الطعن الشديد . انظر لسان العرب 6 : 83 . (17) الضرب الطلخفي : الشديد من الطعن والضرب . المصدر السابق 9 : 223 . واقعة الجمل _ 61 _ثم قال ( عليه السلام ) : « ايها الناس : إذا هزمتموهم فلا تجهزوا على قتيل ولا جريح ، ولا تقتلوا اسيرا ، ولا تطلبوا موليا ، ولا تتبعوا مدبرا ، ولا تكشفوا عورة ، ولا تمثلوا بقتيل ، ولا تهتكوا سترا ، ولا تربوا شيئا من أموالهم ، إلا أن تجدوه في معسكرهم من سلاح أو كراع وعبيد واماء ، وأما ما سوى ذلك فهو ميراث لورثتهم على ما في كتاب الله عزوجل » (1) .قال المسعودي (2) : ذكر عن المنذر انه ساق الحديث حتى قال : وكان دخول امير المؤمنين ( عليه السلام ) البصرة مما يلي الطف ، فأتى الزاوية (3) ، فخرجت انظر الى القوم (4) ، فرأيت موكبا نحو الف فارس ، يقدمهم فارس [ ومعه راية ] (5) على فرس اشهب عليه قلنسوة وثياب بيض متقلدا بسيف ، وإذا انا بتيجان القوم غالبها بيض وصفر ، مدججين في السلاح والحديد ، فقلت : من هذا ؟ فقيل لي : هذا أبو ايوب الانصاري ، صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وهؤلاء الذين معه الانصار وغيرهم ، ثم تلاه فارس ثان عليه عمامة صفراء وثياب بيض ، متقلدا بسيف ( متنكبا قوسا ) (6) على فرس أشقر ، بيده راية ، معه نحو الف فارس ، فقلت : من هذا ؟ فقيل : لي هذا خزيمة ذو الشهادتين (7) . --------------------------- (1) مروج الذهب م 2 : 371 . (2) مروج الذهب م 2 : 368 ـ 370 . (3) الزاوية : بلفظ زاوية البيت ، عدة مواضع ، منها : قرية بالموصل من كورة بلد . والزاوية : موضع قرب البصرة كانت به الوقعة المشهورة بين الحجاج وعبد الرحمن بن محمد بن الاشعث ، قتل فيها خلق كثير من الفريقين ، وذلك في سنة 83 هـ . انظر : معجم البلدان 3 : 128 . (4) سقطت من الاصل ووردت في مروج الذهب . (5) سقطت من الاصل ووردت في مروج الذهب . (6) سقطت من الاصل ووردت في مروج الذهب . (7) قال الشيخ المفيد : حدثنا محمد بن الحسن ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن غياث بن كلوب ، عن اسحاق بن عمار ، عن جعفر بن محمد ( عليه السلام ) : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إشترى فرسا من أعرابي فأعجبه ، فقام اقوام من المنافقين حسدوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على ما أخذه منه ، فقالوا للاعرابي : لو تبلغت به الى السوق بعته بأضعاف هذا ، فدخل الاعرابي الشره ، فقال : ألا أرجع فأستقيله ؟ فقالوا : لا ، ولكنه رجل صالح ، فإذا جاءك بنقدك فقل : ما بعتك بهذا ! فأنه سيرده عليك ، فلما جاء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أخرج إليه النقد ، فقال : ما بعتك بهذا ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : والذي بعثني بالحق لقد بعتني بهذا ، فقام خزيمة بن ثابت فقال : يا اعرابي اشهد لقد بعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بهذا الثمن الذي قال . فقال الاعرابي : لقد بعته وما معنا من أحد ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لخزيمة : كيف شهدت بهذا ؟ ، فقال : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي تخبرنا عن الله واخبار السموات فنصدقك ، ولا نصدقك في ثمن هذا . فجعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) شهادته شهادة رجلين فهو ذو الشهادتين ، انظر : الاختصاص : 58 . واقعة الجمل _ 62 _
ثم مر بنا فارس ثالث على فرس كميت ، متعمما بعمامة صفراء من تحتها قلنسوة بيضاء ، عليه قباء مصقول ، متقلدا بسيف ، متنكبا قوسا ، معه نحو الف فارس ، وبيد راية ، فقلت : من هذا ؟
فقيل لي : هذا أبو قتادة بن ربعي الانصاري . ثم مر بنا فارس رابع (1) ، شديد الادمة ، على فرس اشهب ، عليه سكينة ووقار ، رافعا صوته بتلاوة القرآن المجيد ، بيده راية بيضاء ، وعليه عمامة سوداء ، وثياب بيض ، متقلدا بسيف ، متنكبا قوسا ، معه نحو الف فارس مختلفي التيجان ، حوله شيوخ وكهول وشبان [ كأنما قد أوقفوا للحساب ] (2) جباههم مسودة من أثر السجود ، فقلت : من هذا ؟ فقيل لي : هذا عمار بن ياسر الانصاري ، والذين معه من المهاجرين والانصار . ثم مر بنا فارس خامس (3) ، على فرس اشقر ، على رأسه قلنسوة عليها عمامة صفراء ، وعليه ثياب بيض ، متقلدا بسيف ، متنكبا فرسا ، تخط رجلاه الارض ، معه الف فارس فارس مختلفي التيجان غالبها الصفرة والبياض ، ومعه راية صفراء ، فقلت : من هذا ؟ فقيل لي : هذا قيس بن سعد بن عبادة الانصاري ، وهؤلاء الذين معه الانصار وغيرهم من قحطان . ثم مر بنا فارس سادس (4) على فرس أشهل (5) ما رأينا مثله ، عليه ثياب بيض وعمامة سوداء سدلها (6) بين يديه ومن خلفه ، وبيده لواء [ ومعه نحو الف فارس من اصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ] (7) ، فقلت : من هذا ؟ فقيل لي : هذا عبد الله بن العباس . ثم تلاه موكب سابع (8) ، يقدمهم فارس اشبه الناس بمن [ قبله ] (9) ، فقلت : من هذا ؟ فقيل لي : هذا [ قثم بن العباس ، أو معبد بن العباس ] (10) . --------------------------- (1) في مروج الذهب : اخر . (2) سقطت من الاصل ، وهكذا وردت في مروج الذهب . (3) في مروج الذهب : اخر . (4) لم ترد في مروج الذهب . (5) أشهل : هو اشهل العين ، وفي عينه شهلة : شوب سوادها زرقة . (6) سدل الثوب سدلا : أرخاه . (7) لم ترد في مروج الذهب . (8) في مروج الذهب : اخر . (9) في مروج الذهب : اشبه الناس بالاولين . (10) في الاصل العبارة غير واضحة ، وهكذا وردت في مروج الذهب . واقعة الجمل _ 63 _
ثم مر بنا موكب تاسع (1) ، فيه خلق عظيم ، مكملين بالسلاح والحديد ، مختلفي التيجان والرايات ، تقدمهم راية كبيرة عظيمة ، في اولهم فارس ، كأنما قد [ كسر وجبر ] (2) ، كأن على رؤوسهم الطير ، فعن يمينه شاب حسن الوجه ، وعن شماله (3) مثله ، وبين يديه شاب ليس هو ببعيد منهما ، فقلت : من هؤلاء ؟ فقيل لي : اما الاوسط فهو امير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) ، وما الشاب الذي على يمنيه ابنه الحسن ( عليه السلام ) ، والذي عن شماله ابنه الحسين ( عليه السلام ) ، واما الذي بين يديه حامل الراية فأبنه محمد بن الحنفية (4) . فساروا حتى نزلوا بالزاوية ، فصلى امير المؤمنين ( عليه السلام ) أربع ركعات ، ثم عفر خديه على التراب وخالطهما بدموعه ، ثم رفع رأسه يقول : « اللهم رب السموات وما اظلت ، ورب الارضين وما اقلت ، ورب العرش العظيم ، هذه البصرة ، فأسألك من خيرها وأعوذ بك من شرها ، اللهم ، انزلنا فيها خير منزل وانت خير المنزلين ، اللهم ، ان هؤلاء القوم ، [ قد بغوا علي ، وخالفوا طاعتي ] (5) ، ونكثوا بيعتي ، اللهم ، احقن دماء المسلمين » . ثم انه ( عليه السلام ) بعث إليهم يناشدهم ، فأبوا إلا الحرب لقتاله !! فبعث إليهم مرة ثانية رجلا من اصحابه يقال له مسلم (6) بمصحف يدعوهم الى كتاب الله عز وجل ، فرموه بالسهام حتى قتلوه ، --------------------------- (1) لم ترد في الاصل . (2) قال المسعودي في مروج الذهب 3 : 369 : قال ابن عائشة : وهذه صفة رجل شديد الساعدين نظره الى الارض اكثر من نظره الى فوق ، وكذلك تخبر العرب في وصفها إذا أخبرت عن الرجل انه كسر وجبر . (3) في مروج الذهب : عن يساره . (4) في مروج الذهب : قيل : هذا علي بن ابي طالب ، وهذا الحسن والحسين عن يمينه وشماله ، وهذا محمد بن الحنفية بين يديه معه الراية العظمى . (5) في مروج الذهب : قد خلعوا طاعتي ، وبغوا علي . (6) روى شيخنا المفيد ( علا الله مقامه ) في مصنفاته 1 : 339 ، [ ان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ] قال : « من يأخذ هذا المصحف فيدعوهم إليه وهو مقتول وأنا ضامن له على الله الجنة ؟ » ، فلم يقم أحد إلا غلام عليه قباء ابيض حدث السن من عبد القيس يقال مسلم كاني اراه ، فقال : أنا أعرضه عليهم يا امير المؤمنين وقد احتسبت نفسي عند الله تعالى ، فأعرض عنه إشفاقا عليه ، ونادى ثانية : « من يأخذ هذا المصحف ويعرضه على القوم وليعلم أنه مقتول وله الجنة ؟ » ، فقام مسلم بعينه وقال : أنا أعرضه ، فأعرض ونادى ثالثة فلم يقم غير الفتى ، فدفع إليه المصحف وقال : « امض إليهم واعرضه وادعهم الى ما فيه » . فأقبل الغلام حتى وقف بإزاء الصفوف ونشر المصحف وقال : هذا كتاب الله عزوجل وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) يدعوكم الى ما فيه ، فقالت عائشة : أشجروه بالرماح قبحه الله ! فتبادروا إليه بالرماح فطعنوه من كل جانب ، وكانت أمه حاضرة فصاحت وطرحت نفسها عليه وجرته من موضعه ، ولحقها جماعة من عسكر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أعانوها على حمله حتى طرحوه بين يدي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وأمه تبكي وتندبه وتقول . . . الشعر . واقعة الجمل _ 64 _فحمل الى امير المؤمنين ( عليه السلام ) قتيلا ، فقالت امه فيه هذه الابيات شعرا (1) :
فمضى إليهم عمار بن ياسر ( رضي الله عنه ) (3) حتى وقف بين الصفين ، وقال : ايها الناس ، ما انصفتم نبيكم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، حين كففتم عقايلكم في بيوتكم ، وابرزتم عقيلته للسيوف ، ثم انه دنا من عائشة وهي في هودجها ، فقال لها : يا ام المؤمنين ما تريدين بهذا الموقف ؟ قالت : طالبة لدم عثمان ، قال : قتل الله تعالى الباغي في هذا اليوم ، والطالب للباطل بغير الحق ، ايها الناس : أتعلمون اينا الممالي في قتل عثمان ، فرشقوه بالنبل ، فرجع وهو يقول :
--------------------------- (1) مروج الذهب م 2 : 370 . (2) في رواية الشيخ المفيد : قناهم وزاد فيه : تأمرهم بالقتل لا تنهاهم . انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 340 . (3) في رواية عن عبد الله بن زياد مولى عثمان بن عفان قال : خرج عمارة بن ياسر يوم الجمل الينا ، فقال : يا هؤلاء على اي شيء تقاتلونا ؟ فقلنا : نقاتلكم على أن عثمان قتل مؤمنا . فقال عمار : نحن نقاتلكم على أنه قتل كافرا . قال : وسمعت عمارا يقول : والله لو ضربتمونا حتى نبلغ سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وانكم على الباطل . وسمعته يقول : والله ما نزل تأويل هذه الاية الا اليوم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) قال : ولما جال الناس تلك الجولة قتل بينهم خلق كثير ، وسمعت اصوات السيوف في الرؤوس كأنها مخاريق . قال الراوي : والله لقد مررت بعد الوقعة بالبصرة فدنوت من دير القصارين فسمعت اصوات الثياب على الحجارة فشبهتها بالاصوات التي كانت من السيوف على الرؤوس يومئذ ، وفي تلك الجولة قتل ظريف بن عدي بن حاتم ، وفقئت عين عدي . انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 2 : 366 ، الطبري 4 : 525 ، شرح نهج البلاغة 14 : 248 . (4) ذكر ابن الاثير قال : وكان سبب اجتماعهم بمكة ان عائشة خرجت إليها ، وعثمان محصور ، ثم خرجت من مكة تريد المدينة ، فلما كانت بسرف لقيها رجل من اخوالها من بني ليث يقال له عبيد بن أبي سلمة ، وهو ابن ام كلاب ، فقالت له : مهيم ؟ قال : قتل عثمان وبقوا ثمانية . قالت : ثم صنعوا ماذا ؟ قال : اجتمعوا على بيعة علي . فقالت : ليت هذه انطبقت على هذه ان تم الامر لصاحبك ! ردوني ردوني ! فانصرفت الى مكة وهي تقول : قتل والله عثمان مظلوما ، والله لاطلبن بدمه ! فقال لها ، ولم ؟ والله ان أول من حرفه لأنت ، ولقد كنت تقولين : اقتلوا نعثلا فقد كفر . قالت : إنهم أستتابوه ثم قتلوه ، وقد قلت وقالوا ، وقولي الاخير خير من قولي الاول . فقال لها ابن ام كلاب :
واقعة الجمل _ 65 _فلما اتى الى امير المؤمنين ( عليه السلام ) قال له : جعلت فداك ، انظرني امرك واجمع اصحابك وانصارك ، فإنه ليس لك عند القوم إلا الحرب .فقال ( عليه السلام ) لاصحابه : « ايها الناس : صافوهم ولا تبدوهم البراز ، ولا ترموهم بالسهام ، ولا تضربوهم بالسيف ، ولا تطعنوهم بالرماح ، حتى يبدوكم فإذا هزمتموهم فلا تجهزوا على جريح ، ولا تقتلوا اسيرا ، ولا تتبعوا موليا ، ولا تقبلوا شيئا من اموالهم ، إلا ما تجدونه في معسكرهم من كراع أو سلاح أو عبيد أو إماء ، وما عدا ذلك فهو ميراث لورثتهم » (1) . مناشدة امير المؤمنين ( عليه السلام ) الزبير بن العوام (2) ثم انه عليه السلام خرج على بغلة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ونادى بالزبير بن العوام ، فجاءه مكملا بالسلاح ، فقالت عائشة رضي الله عنها : واحزنك يا اسماء ! فقيل لها : إن عليا ( عليه السلام ) خرج حاسرا من السلاح ، فطمأنت نفسها . فتقاربا حتى اختلفت اعناق خيلهما . فقال امير المؤمنين ( عليه السلام ) له : يا أبا عبد الله ، انما دعوتك لاذكرك حديثا قال لي ولك رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أتذكر يوما رآك [ اي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ] وانت تعنقني في بني عوف ، إذ قال لك : أتحب يا زبير عليا ؟ --------------------------- (1) مروج الذهب 3 : 371 . (2) ذكر ابن الاثير في الكامل 3 : 239 ، قال : فلما تراءى الجمعان خرج الزبير على فرس عليه سلاح ، وخرج طلحة فخرج إليهما علي ( عليه السلام ) حتى اختلفت اعناق دوابهم ، فقال علي ( عليه السلام ) : لعمري قد اعددتما سلاحا وخيلا ورجالا ، إن كنتما اعددتما عند الله عذرا ، فأتقيا الله ولا تكونا ( كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ) ، الم أكن أخاكما في دينكما تحرمان دمي وأحرم دمكما ، فهل من حدث أحل لكما دمي ؟ قال : طلحة : ألبت على عثمان . قال ( عليه السلام ) : ( يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق )، يا طلحة ، تطلب بدم عثمان فلعن الله قتلة عثمان ! يا طلحة أجئت بعرس رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، تقاتل بها وخبأت عرسك في البيت ! أما بايعتني ؟ قال : بايعتك والسيف على عنقي فقال ( عليه السلام ) للزبير : يا زبير ما اخرجك ؟ قالت : انت ، ولا أراك لهذا الامر اهلا ولا ولي به منا . واقعة الجمل _ 66 _فقلت : اي والله إني لأحبه ، وما يمنعني يا رسول الله عن حبه وهو اخي وابن خالي ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لك : إنك ستخرج عليه وانت ظالم له ! قال : بلى ، قد كان ذلك ! فقال ( عليه السلام ) : انشدك الله ثانياً ، يوم جاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من عند بني عوف وانت معه آخذ بيدي ، فأستبقلته وسلمت عليه ، فضحك في وجهك ، وضحكت إليه ، فقلت له : يا رسول الله ، لا يدع ابن ابي طالب زهوه .فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لك : يا زبير ليس بعلي زهو ، ولتخرجن عليه وتحاربه وانت ظالم له ، قال : اللهم ، نعم لقد كان ذلك ، ولكني نسيت وما ذكرتني انسانيه الدهر !! ولو ذكرته لما خرجت عليك ، فكيف أرجع وقد التقت حلقتا البطان ، والله ان هذا هو العار الذي ليس له مثيل ، فقال ( عليه السلام ) : يا زبير ارجع ، قبل ان تجمع العار والنار . قال : اذن ، لامضين وانا استغفر الله تعالى ، فكر راجعا وهو يقول هذه الابيات شعراً (1) :
فقالت له عائشة : ما خلفت وراءك يا با عبد الله ؟ قال : والله ، ما وقفت موقفا ، ولا شهدت مشهدا في شرك ولا اسلام إلا ولي فيه بصيرة ، وانا اليوم على شك من أمري ، فما كدت ان ابصر موضع قدمي . وقال له ابنه عبد الله : يا ابت لقد رجعت الينا بغير الوجه الذي مضيت به عنا ، قال : نعم والله ، لقد ذكرني علي ( عليه السلام ) حديثا عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد انسانيه الدهر فلا حاجة لي في محاربته ابدا . فرجعت مستغفرا لله عز وجل ، وتارككم منذ اليوم ، فيفعل الله ما يشاء ، قال : بلى ، اني اراك فررت من عيون بني هاشم حين رأيتها تحت المغافر ، وبأيديهم سيوف حداد ، وتحملها فتية امجاد ، قال : ويلك ، يا بني اتهيجني على حربه ، اما اني قد حلفت ان لا أحاربه (3) . --------------------------- (1) مروج الذهب م 2 : 372 . (2) في مروج الذهب : ما إن يقوم لها خلق من الطين . (3) روى الحارث بن الفضل عن عبد الله الاغر ، ان الزبير بن العوام قال لابنه يومئذ : ويلك ، لا تدعنا على حال ، انت والله قطعت بيننا وفرقت الفتنا بما بليت به من هذا المسير ، وما كنت متوليا من ولي هذا الامر واقام به ، والله لا يقوم احد من الناس مقام عمر بن الخطاب فيهم فمن ذا يقوم مقام عمر بن الخطاب ، وان سرنا بسيرة عثمان قتلنا ، فما اصنع بهذا المسير ، وضرب الناس بعضهم بعض ، فقال له عبد الله ابنه : افتدع عليا يستولي على الامر ؟ وانت تعلم انه كان احسن اهل الشورى عند عمر بن الخطاب ، ولقد اشار عمر وهو مطعون يقول لاصحابه اهل الشورى : ويلكم أطمعوا عليا فيها لا يفتق في الاسلام فتقا عظيما ومنوه حتى تجمعوا على رجل سواه . انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 289 . واقعة الجمل _ 67 _فقال : كفر عن يمينك ، لئلا يتحدثن نساء قريش ، أنك جبنت ، وما كنت بجبان ، قال : صدقت إذا ، فغلامي مكحول هو حر كفارة عن يميني (1) .ثم انه نصل سنان رمحه ، وكر راجعا ، فقال امير المؤمنين ( عليه السلام ) : أفرجوا له ، فأنه محرج ، فلم يزل يجول في المعركة يمينا وشمالا ، يشق الصفوف ، حتى اتى وادي السباع ، ثم عاد الى أصحابه ، ثم حمل مرة ثانية وثالثة ، فقال لابنه : ويلك ، اترى ما فعلت ، أهذا جبن ؟ قال : حاشا ، لقد اعذرت بما فعلت . قال [ المصنف في رواية اخرى ] : فلما خرج امير المؤمنين ( عليه السلام ) لطلب الزبير ، خرج حاسراً والزبير دارعا مدججا ، فقال له ( عليه السلام ) : يا ابا عبد الله ، لعمري لقد اعددت سلاحاً وجندا ، فهل اعددت لله عزوجل بعذر ؟ قال : ان مردنا الى الله عزوجل يفعل ما يشاء ، فقال ( عليه السلام ) : ( يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين ) (2) . فكر عنه راجعا نادما (3) ، ورجع امير المؤمنين ( عليه السلام ) الى أصحابه فرحا مسرورا ، فقالوا له : يا امير المؤمنين ، أتبرز الى الزبير حاسرا وهو مستعد بالسلاح ، ألست تعلم بشجاعته ؟ قال : بلى ، ولكنه ليس بقاتلي ، وانما يقتلني رجل خامل الذكر غيلة . --------------------------- (1) فقال عبد الرحمن بن سليمان التميمي :
انظر : الكامل في التاريخ 3 : 240 . وقال همام الثقفي في فعل الزبير وما فعل وعتقه عبده في قتال علي ( عليه السلام ) :
انظر : نهج البلاغة 1 : 234 . بشارة المصطفى : 247 . بحار الانوار 32 : 205 . (2) النور 24 : 25 . (3) وقيل : انما عاد الزبير عن القتال لما سمع ان عمار بن ياسر مع علي ( عليه السلام ) ، وقد قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( يا عمار تقتلك الفئة الباغية ) . انظر : الكامل في التاريخ 3 : 240 . واقعة الجمل _ 68 _مقتل الزبير بن العوام :قال [ المصنف ] : ولما انصرف الزبير الى وادي السباع (1) ، وكان به الاحنف بن قيس في جمع من بني تميم ، فأخبر به فرفع صوته ، وقال : ما معشر بني تميم هذا الزبير بن العوام فما أصنع به ؟ اما انه احق بالقتل . قالوا : بلى والله ، فركب فرسه في الف فارس ، وتبعه عمرو بن جرموز ، ( و ) كان مشهورا ( بالفروسية ) والشجاعة ، فوقف له الزبير وقال : ما شأنك ؟ قال : جئت لأسألك عن أمر الناس ، قال : تركتهم قياما في الركب ، يضرب بعضهم وجه بعض بالسيف ! فسارا معا يتحدثان ، وكل واحد على حذر من صاحبه حتى دخل وقت الصلاة . فقال الزبير : يا هذا انا نريد ان نصلي ، قال : احسنت فيما تقول ، إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ، وقد أردت ان اقول لك ذلك ، قال : أفتؤمنني وأومنك ، قال : نعم ، فحولا عن خيلهما ، واسبغا الوضوء ، وقام الزبير للصلاة فشد عليه عمرو بن جرموز فقتله ، وجز رأسه ، وانتزع خاتمه وسيفه ، وحثا عليه التراب ، واتى بهم الى الاحنف بن قيس . فقال له : والله ما ادري بك ، هل اسأت ام أحسنت ؟ ولكن اذهب بهم الى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، واخبره بخبرك ، فمضى إليه وأخبره ، فقال ( عليه السلام ) له : « انت قتلته ؟ » قال : نعم . قال [ المصنف رحمه الله ] : وفي كثير من الروايات انه لم يأته بالرأس . --------------------------- (1) وادي السباع : جمع سبع ، الذي قتل فيه الزبير بن العوام ، بين البصرة ومكة ، بينه وبين البصرة خمسة أميال . معجم البلدان 5 : 343 . ذكر الشيخ المفيد ( رضي الله عنه ) بعض ما روي في قتل الزبير بن العوام ، فقال : روى المفضل بن فضالة عن يزيد بن الهاد ، عن محمد بن ابراهيم ، قال : هرب الزبير على فرس له يدعى ( ذا الحمار ) حتى وقع بسفوان ، فمر بعبد الله بن سعيد المجاشعي ، وابن مطرح السعدي ، فقالا له : يا حواري رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) انت في ذمتنا لا يصل إليك أحد ، فأقبل معهما فهو يسير مع الرجلين إذ أتى الاحنف بن قيس برجل فقال : أريد ان أسر اليك سرا ادن مني ، فدنا منه ، فقال : يا هذا الزبير قد هرب واني رأيته بين رجلين من بني مجاشع ومنقر اظنه يريد التوجه الى المدينة ، فرفع الاحنف صوته وقال : ما اصنع ان كان الزبير قد القى الفتنة بين المسلمين حتى ضرب بعضهم بعضا ، ثم هو يريد ان يرجع الى اهله الى المدينة سالما ، فسمعه ابن جرموز فنهض ومعه رجل يقال له فضالة بن محابس ، وعلما ان الاحنف انما رفع صوته يذكر ابن الزبير لكراهته ان يسلم وإيثاره ان يقتل ، فأتبعاه جميعا ، فلما رآهما من كان مع الزبير ، قالوا له : هذا ابن جرموز ، وانا نخاف عليك ، فقال لهم الزبير : انا اكفيكم ابن جرموز وأنتم اكفوني ابن محابس ، فحمل عمير على الزبير وعطف عليه ، وقال يا فضالة أعني فأن الرجل قاتلي ، فأعانه وحمل ابن جرموز فقتله وأحتز رأسه . انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 387 . واقعة الجمل _ 69 _فقال ( عليه السلام ) : « والله ما كان ابن صفية جبانا ولا لئيما ، ولكن الحين ومصارع السوء » (1) .ثم قال ( عليه السلام ) : « ناولني سيفه » فناوله اياه ، فأخذه وهزه ، ثم قال ( عليه السلام ) : « اما اني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : بشر قاتل أبن صفية بالنار » ، وقال في حديث آخر : « الزبير وقاتله في النار » . فخرج ابن جرموز خائبا وهو يقول هذه الابيات شعراً (2) :
ثم ان عمرو بن جرموز مضى عن امير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وخرج عليه مع اهل النهروان ، فقتل مع من قتل منهم . وفي رواية قال ( المصنف رحمه الله ) : فبرز له عمرو بن جرموز فقتله ، وقيل الاحنف بن قيس ، فقال عمرو بن جرموز في قتله له هذه الابيات :
مناشدة امير المؤمنين ( عليه السلام ) طلحة بن عبيد الله : ثم ان امير المؤمنين ( عليه السلام ) استدعى طلحة بن عبيد الله ، فقال له : انما دعوتك يا أبا عبد الله لأذكرك ما قاله رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أما سمعته يقول : « اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ؟ » وانت اول من بايعني ، ثم نكثت بيعتك لي ، وقد قال الله تعالى ( فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ ) (3) فقال : استغفر الله ، وكان امر الله قدرا مقدورا ، فرجع وهو يقول هذه الابيات (4) :
--------------------------- (1) طبقات ابن سعد 3 : 110 ، العقد الفريد 4 : 323 ، الفصول المختارة : 108 . (2) مروج الذهب م 2 : 373 . (3) الفتح : 10 . (4) مروج الذهب م 2 : 374 . واقعة الجمل _ 70 _قال [ المصنف رحمه الله ] :ثم برز فقتله مروان بن الحكم (1) ، فقال ( عليه السلام ) : انا لله وانا إليه راجعون ، والله لقد كنت اكره ان أراه صريعا تحت بطون الكواكب ، والله انه لقد كان كما قال الشاعر (2) :
نشوب القتال بين الفريقين : قال المسعودي (3) : وذكره ابن ابي الحديد ، ان اصحاب الجمل حملوا على ميمنة عسكر امير المؤمنين ( عليه السلام ) حتى كشفوها على الميسرة ، فأتى بعض ولد عقيل الى امير المؤمنين ( عليه السلام ) فوجده ( يخصف نعلا ) (4) ، فقال له : يا أمير المؤمنين ! فقال ( عليه السلام ) : « اسكت يا ابن اخي ، ان لعمك يوما لا يعدوه (5) ، والله لا يبالي عمك ( وقع على الموت ام الموت وقع عليه ] (6) ، قال : جعلت فداك ، ان القوم قد بلغت من القوم مرادها من ميمنتك حتى كشفتها على الميسرة بحيث لم تر ، [ وانت جالس تخصف نعلا ] (7) . فقال ( عليه السلام ) : اسكت يا ابن اخي ، ان لعمك يوما لا يتعداه ، والله لا يبالي عمك أوقع على الموت أو الموت وقع عليه . --------------------------- (1) ذكر الشيخ المفيد ( اعلا الله مقامه ) عدة روايات في قضية مقتل طلحة بن عبيد الله ، قال ( رحمه الله ) : وروى اسماعيل بن عبد الملك ، عن يحيى بن شبل ، عن جعفر بن محمد ، عن ابيه ( عليه السلام ) ، قال : حدثني ابي علي زين العابدين ( عليه السلام ) ، قال : قال لي مروان بن الحكم : لما رأيت الناس يوم الجمل قد كشفوا ، قلت : والله لادركن ثأري ولافوزن منه الان ، فرميت طلحة فأصبت نساه فجعل الدم ينزف ، فرميته ثانية فجاءت به ، فأخذوه حتى وضعوه تحت شجرة فبقي تحتها ينزف منه الدم حتى مات . وروى ابن سليمان ، عن ابن خيثمة قال : قال عبد الملك بن مروان يوما وقد ذكر عثمان وقتل طلحة : ولولا ابي قتله لم يزل في قلبي جرحه الى اليوم . وقال عبد الملك : سمعت ابي يقول : نظرت الى طلحة يوم الجمل وعليه درع ومغفر لم أر منه إلا عينيه ، فقلت : كيف لي به ؟ فنظرت الى فتق في درعه فرميته فأصبت نساه فقطعته ، فأني انظر الى مولى له يحمله على ظهره موليا فلم يلبث ان مات . وروى أبو سهل عن الحسن ، قال : لما رمي طلحة ركب بغلا ، وقال لغلامه : التمس لي مكانا أدخل فيه . فقال الغلام : ما أدري اين ادخلك ، فقال طلحة : وما رأيت كاليوم أضيع من دم شيخ مثلي ، وقال الحسن وكان امر الله قدراً مقدوراً ، قال الشيخ المفيد : فهذه الاخبار مختصرة صحيحة في مقتل طلحة بن عبيدالله طريقها من العامة من أوضح طريق ، وسندها اصح اسانيد ، وليس بين فيها اختلاف ، وكل ما يدل ان طلحة قتل وهو مصر على الحرب غير نادم ولا مرعو عن ذلك وفاقا لمذهب الحشوية ، وخلافا لمذهب المعتزلة ، وشاهدا ببطلان ما ادعوه من توبته . انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 383 ، 384 . (2) مروج الذهب م 2 : 373 . (3) مروج الذهب م 2 : 375 . (4) في مروج الذهب : يخفق نعاسا على قربوس فرسه . (5) في النسخة الخطية : لا بعده والصواب كما اثبت من مروج الذهب . (6) في النسخة : على فرسه من سرجه ، وهذا تصحيف ربما من الناسخ والصواب كما ذكره المسعودي . (7) في مروج الذهب : وانت تخفق نعاسا . واقعة الجمل _ 71 _ثم انه ( عليه السلام ) بعث الى صاحب الراية ، وهو ولده محمد بن الحنفية (1) ، يأمره ان يحمل على القوم ، فأبطأ بالحملة عليهم ، وكان بأزائه ( قوم من الرماة قد نفذت سهامهم ) (2) .فأتاه ( عليه السلام ) وقال له : « لم لا حملت على القوم ؟ » ، قال : لم أجد متقدما [ إلا الرماة ، وقد نفدت سهامهم ] (3) ، فضربه بقائم سيفه ، وقال : ( ما ادركك عرق من ابيك ) (4) أحمل بين الاسنة ، [ فإن الموت عليك جنة ] (5) . . . فحمل حتى شبك بين الرماح والسهام ، وقد اخذ منه الراية وحمل علي ( عليه السلام ) على القوم ، وطاف بنو ضبة بالجمل وهم يرتجزون بهذه الابيات (6) :
وكانوا بنو ضبة سبعين رجلا ، فكلما لزم خطام الجمل رجل منهم قطعت يداه (7) ، حتى لم يبق منهم أحد وعرقب الجمل ، ولم يقع حتى قطعت قوائمه الاربع ، فأخذوه بالسيوف قطعا ، وكان المعرقب له أبو جعدة بن غوبة الانصاري . فمن قتل عنده محمد بن طلحة السجاد (8) ، قتله عاصم بن الغيث ، وطلحة بن عبد الله . --------------------------- (1) كان لمحمد يوم البصرة عشرون سنة لان ولادته سنة 16 للهجرة ، وتوفي سنة احدى وثمانين عن خمس وستين سنة . انظر : تذكرة الخواص : 169 ، البداية والنهاية 9 : 38 . (2) في مروج الذهب : قوم من الرماة ينتظر نفاد سهامهم . (3) في مروج الذهب : الا على سهم أو سنان ، واني منتظر نفاد سهامهم واحمل . (4) في مروج الذهب : ادركك عرق من امك . (5) في مروج الذهب : فإن الموت أحب اليك من . (6) ذكر المسعودي في مروج الذهب م 2 : 375 ، وطافت بنو ضبة بالجمل واقبلوا يرتجزون ويقولون :
(7) قال المسعودي : قطع على خطام الجمل سبعون يدا ، من بني ضبة منهم سعد بن سود القاضي متقلدا مصحفا ، كلما قطعت يد واحد منهم فصرع قام آخر فأخذ الخطام وقال : انا الغلام الضبي . وذكر ابن الاثير : ربيعة العقيلي من اصحاب الامام علي ( عليه السلام ) برز الى العدوي بعد ان تولى زمام الجمل ، فبرز له العقيلي وهو يقول :
انظر : الكامل في التاريخ 3 : 248 . (8) ذكر ابن الاثير في الكامل في التاريخ 3 : 249 ، وكان ممن أخذ بزمام الجمل محمد بن طلحة ، وقال : يا امتاه مريني بأمرك . قالت : آمرك ان تكون خير بني آدم ان تركت ، فجعل لا يحمل عليه احد الا حمل عليه ، وقال : حاميم لا ينصرون ، واجتمع عليه نفر كلهم ادعى قتله ، المكعبر الاسدي ، والمكعبر الضبي ، ومعاوية بن شداد ، وعفار السعدي النصري ، فأنفذه بعضهم بالرمح ، ففي ذلك يقول :
واقعة الجمل _ 72 _
قال ( المصنف رحمه الله ) : فجاء خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين الى امير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وقال : جعلت فداك ، لا تنكس رأس محمد ، فأردد الراية إليه ، فدعاه وردها عليه ، فأخذها وقال :
قال : والذي قتل من اصحاب الجمل ستة عشر الف وسبعمائة وسبعون رجلا (1) ، والذي قتل من أصحاب امير المؤمنين أربعة آلاف رجل وقيل ان عبد الله بن الزبير قبض على خطام الجمل ، فصرخت به عائشة تقول : واثكل اسماء ! خل عن الخطام ودونك القوم ، خلاه والتقى بمالك النخعي الاشتر ، فاعتركا مليا حتى سقطا الى الارض ، فعلاه مالك بالسيف ، فلم يجد له سبيلا الى قتله ، وعبد الله ينادي من تحته : اقتلوني ومالكا واقتلوا مالكا معي ، فلم يجبه أحد ، ولا احد يعلم من الذي يعنيه لشدة اختلاط الناس ببعضهم ، وثور النقع ، فلو قال اقتلوني ومالك الاشتر ، لقتلا جميعا (2) ، فقال مالك هذه الابيات (3) :
--------------------------- (1) ذكر المدائني أنه رأى بالبصرة رجلا مصطلم الاذن ، فسألته عن قصته ، فذكر أنه خرج يوم الجمل ينظر الى القتلى ، فنظر الى رجل منهم يخفض رأسه ويرفعه وهو يقول :
فقلت : سبحان الله ! أتقول هذا عند الموت ؟ قل لا اله الا الله ، فقال : يا ابن اللخناء ، إياي تأمر بالجزع عند الموت ؟ فوليت عنه متعجبا منه ، فصاح لي ادن مني ولقني الشهادة ، فصرت إليه ، فلما قربت منه استدناني ، ثم التقم أذني فذهب بها ، فجعلت ألعنه وأدعو عليه ، فقال : إذا صرت الى امك فقالت من فعل هذا بك ؟ فقل : عمير بن الاهلب الضبي مخدوع المرأة التي أرادت ان تكون امير المؤمنين . انظر : مروج الذهب م 2 : 379 . (2) الكامل في التاريخ 3 : 251 . (3) ذكره الشيخ المجلسي في بحار الانوار 32 : 192 ، وزاد فيه
وذكر المناسبة التي قال فيها مالك الاشتر هذه الابيات ، قال : فلما وضعت الحرب أوزارها ، ودخلت عائشة الى البصرة ، دخل عليها عمار بن ياسر ومعه الاشتر ، فقالت : من معك يا ابا اليقظان ؟ فقال : مالك الاشتر ، فقالت : انت فعلت بعبدالله ما فعلت ؟ فقال : نعم ولولا كوني شيخاً كبيراً وطاوياً لقتلته وأرحت المسلمين منه . قالت : أوما سمعت قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ان المسلم لا يقتل إلا عن كفر بعد ايمان ، أو زنى بعد أحصان ، أو قتل النفس التي حرم الله قتلها ؟ فقال : يا ام المؤمنين على أحد الثلاثة قاتلناه ، ثم انشد الشعر . انظر : بحار الانوار 32 : 191 . (4) في الاصل : سيفه والصواب كما ورد في بحار الانوار . واقعة الجمل _ 73 _ولما سقط الجمل بالهودج ، انهزم القوم عنه ، فكانوا كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف (1) .فجاء محمد بن ابي بكر وادخل يده الى اخته ، فقالت له : من هذا المتهجم على حرم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ قال : انا اقرب الناس اليك ، وابغضهم لك ، انا أخوك محمد بعثني اليك أمير المؤمنين ، يقول لك ، هل اصابك شيء من السلاح ؟ قالت : ما اصابني إلا سهم لم يضرني (2) . ثم جاء إليها امير المؤمنين ( عليه السلام ) بذاته ، حتى وقف عليها ، وضرب الهودج بالقضيب ، وقال : « يا حميراء ! هل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أمرك بهذا الخروج علي ؟ ألم يأمرك ان تقري في بيتك ؟ والله ما انصفك الذين أخرجوك من بيتك ، إذ صانوا حلائلهم وابرزوك !! » ثم انه ( عليه السلام ) أمر اخاها محمداً ان ينزلها في دار آمنة بنت الحارث ( ابن طلحة الطلحات ) ، فرفع الهودج وجعل يضرب الجمل بسيفه . امير المؤمنين ( عليه السلام ) يأمر بأعادة عائشة الى المدينة : قال المسعودي (3) : ثم ان امير المؤمنين ( عليه السلام ) بعث عبد الله بن العباس الى عائشة يأمرها بالذهاب الى المدينة المنورة ، فدخل عليها بغير اذنها ، فاجتذب وسادة وجلس عليها . --------------------------- (1) قال الشيخ المفيد ( رحمه الله ) : ولما رأى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) جرأة القوم على القتال وصبرهم على الهلاك ، نادى أصحاب ميمنته ان يميلوا على ميسرة القوم ، ونادى اصحاب ميسرته ان يميلوا على ميمنتهم ، ووقف ( عليه السلام ) في القلب فما كان بأسرع من ان تضعضع القوم ، واخذت السيوف من هاماتهم مأخذها ، فانكشفوا وقد قتل منهم ما لا يحصى كثرة ، واصيب من اصحاب امير المؤمنين نفر كثير ، وأحاطت الازد بالجمل يقدمهم كعب بن سور ، وخطام الجمل بيده ، واجتمع إليه من كان أنفل بالهزيمة ونادت عائشة : يا بني الكرة الكرة ! اصبروا فإني ضامنة لكم الجنة ؛ فحفوا بها من كل جانب واستقدموا بردة كانت معها ، وقلبت يمينها على منكبها الايمن الى الايسر ، والايسر الى الايمن ، كما كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يصنع عند الاستسقاء ؛ ثم قالت : ناولوني كفا من تراب ؛ فناولوها ، فحثت به وجوه أصحاب امير المؤمنين ( عليه السلام ) وقالت : شاهت الوجوه ! كما فعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بأهل بدر ، قال : وجر كعب بن سور بالخطام ، وقال : اللهم إن تحقن الدماء وتطفي هذه الفتنة فاقتل عليا ، ولما فعلت عائشة ما فعلت من قلب البرد وحصب اصحاب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بالتراب ، قال ( عليه السلام ) : « ما رميت إذ رميت يا عائشة ولكن الشيطان رمى وليعودن وبالك عليك إن شاء الله » . انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 328 ، الفتوح م 1 : 484 . (2) روى بن ابي سبرة عن علقمه ، عن امه ، قال : سمعت عائشة تقول : لقد رأيتني يوم الجمل وانه على هودجي الدروع الحديدية ، والنبل يخلص الي منها وانا في الهودج ، فهون ذلك عليّ ما صنعنا بعثمان ، ألبنا عليه حتى قتلناه ، وجرينا عليه الغواة ، فنعوذ بالله من الفرقة بين المسلمين . انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 381 . (3) مروج الذهب م 2 : 376 . واقعة الجمل _ 74 _فقالت له : يا ابن عباس ، لقد أخطأت السنة المأمور بها بدخولك علينا بغير اذن منا ، وجلوسك على رحلنا بغير إذننا (1) ! فقال : نعم ، لو كنت في البيت الذي تركك فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لما دخلت (2) عليك إلا بأذنك ، ولا جلست (3) على رحلك إلا بأمرك ، بعثني امير المؤمنين ( عليه السلام ) إليك يأمرك بسرعة الاوبة ، والتأهب للذهاب الى المدينة .قالت : أبيت عما قلت ، وخالفت امر من وصفت (4) ، فمضى إليه واخبره بأمتناعها ، ( فبعثه ( عليه السلام ) إليها ثانية ] (5) ، وقال : ان امير المؤمنين يعزم عليك ان ترجعي (6) فأنعمت بالاجابة للامر فجهزها ( عليه السلام ) ، واتاها في اليوم الثاني ، ومعه بنوه الحسن والحسين واولاده جميعاً واخوته وبنو هاشم (7) ، فدخلوا عليها فلما ( ابصرته صاحت مع من عندها من النسوة ) (8) في وجهه ( عليه السلام ) ، يا قاتل الاحبة ! فقال ( عليه السلام ) : « لو كنت قاتل الاحبة لقتلت من في هذا البيت » . وهو يشير الى احد تلك البيوت ، قد اختلى فيه مروان بن الحكم ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عامر ، ( وجماعة من بني امية ) (9) ، فضرب كل من كان معه على قائم سيفه ، لما علموا منه ( عليه السلام ) ، مخافة من خروجهم عليهم فيغتالونهم ، فقالت عائشة ( بعد كلام بينهما ) (10) : قد صار ما صار ، فأحب الان ان اقيم معك لعلي اسير لقتال عدوك ، فقال : « بل ارجعي الى البيت الذي تركك فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . فسألته ان يؤمن ابن اختها عبد الله بن الزبير ، فأمنه ، وتكلم الحسن والحسين ( عليهما السلام ) في مروان ، فأمنه (11) ، فقالت : والله ، اني قد ازددت يا ابن ابي طالب كربا ، ووددت اني ، لم اخرج هذا المخرج ، ولقد علمت بما قد اصابني فيه . --------------------------- (1) في مروج الذهب : وجلست على رحلنا بغير امرنا . (2) في مروج الذهب : دخلنا . (3) في مروج الذهب : جلسنا . (4) في مروج الذهب : وخالفت ما من وصفت . (5) في مروج الذهب : فرده إليها . (6) في مروج الذهب : وقال : قل لها : ان أبيت عما قلت لك ، ما تعلمين . (7) في مروج الذهب : وغيرهم وشيعته من همدان . (8) وفيه ايضا : ابصرت به النسوان صحن . (9) سقطت من مروج الذهب . (10) في مروج الذهب : بعد خطب طويل كان بينهما . (11) في مروج الذهب م 2 : 378 وأمن الوليد بن عقبة وولد عثمان وغيرهم من بني امية ، وأمن الناس جميعا ، وقد كان نادى يوم الوقعة ، من ألقى سلاحه فهو آمن ، ومن دخل داره فهو آمن . وخرجت امرأة من عبد القيس تطوف في القتلى ، فوجدت ابنين لها قد قتلا ، وقد كان قتل زوجها وأخوان لها فيمن قتل قبل مجيء علي البصرة ، فأنشأت تقول :
مروج الذهب م 2 : 378 .
واقعة الجمل _ 75 _
وقال له مروان بن الحكم : يا امير المؤمنين ، اني احب ان ابايعك ، واكون في خدمتك ! فقال ( عليه السلام ) : « اولم تبايعني ، بعد ان قتل عثمان ، ثم نكثت ، فلا حاجة لي ببيعتك ، انها كف يهودية ، لو بايعني بيده لغدر بأسته ، اما ان له امرة كلعقة الكلب انفه ، وهو ابن الاكبش الاربعة ، وستلقى الامة منه ، ومن ولده يوما احمر » . قال المسعودي : ولما توجهت عائشة الى المدينة ، بعث امير المؤمنين ( عليه السلام ) معها اخاها عبد الرحمن بن ابي بكر (1) ، وثلاثين رجلا ، وعشرين امرأة من ذوات الدين من آل عبد قيس وهمدان ، ولزم عليهم بخدمتها (2) ، فلما وصلت المدينة ، قيل لها : كيف رأيت مسيرك وما صنع معك علي ( عليه السلام ) ؟ قالت : والله ، لقد كنت بخير ، ولقد اجاد ابن ابي طالب واكثر بالعطاء (3) ، ( ولكنه بعث معي رجالا انكرتهم ، فعرفها النسوة امرهن ، فسجدت وقالت : ما ازددت والله يابن ابي طالب الا كرما ، ووددت اني لم اخرج ، وان اصابتني كيت وكيت من امور ذكرتها ) (4) . قال ( المصنف رحمه الله ) ؛ ومن كلام امير المؤمنين ( عليه السلام ) ، لما أظفره الله تعالى على اصحاب الجمل ، بعد ان حمد الله عز وجل واثنى عليه ، صلى على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال : « اما بعد ، ايها الناس : ان الله عز وجل ، ذو رحمة واسعة ، ومغفرة دائمة ، وعفو جم ، وعقاب اليم ، قضى ان رحمته وسعت كل شيء ، ومغفرته لأهل طاعته من خلقه ، وبرحمته اهتدى المهتدون ، وقضى ان نقمته وسطواته وعقابه على اهل معصيته من خلقه ، وبعد الهدى والبينات ما ضل الضالون ، فما ظنكم يا اهل البصرة وقد نكثتم بيعتي ، وظاهرتم على عدوي (5) » . --------------------------- (1) مروج الذهب م 2 : 379 . (2) في مروج الذهب : ألبسهن العمائم وقلدهن السيوف ، وقال لهن : لا تعلمن عائشة أنكن نسوة وتلثمن كأنكن رجال . (3) في مستدرك احقاق الحق وبالاسناد عن العوام بن حوشب قال : حدثني ابن عم لي من بني الحارث بن تيم الله يقال له مجمع قال : دخلت مع أمي على عائشة ، فسألتها امي قالت : كيف رايت خروجك يوم الجمل ؟ قالت : انه كان قدرا من الله تعالى ، فسألتها عن علي قالت : سألتني عن أحب الناس كان الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . لقد رأيت علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً وقد جمع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لفوعا عليهم ثم قال : هؤلاء اهل بيتي وخاصتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً . انظر : احقاق الحق 2 : 546 . (4) نص ما ذكره المسعودي في مروج الذهب وقد سقط من النسخة . (5) الارشاد 1 : 257 ، بحار الانوار 32 : 230 ، « خطبة الامام ( عليه السلام ) المحصورة بين الاقواس كما جاء في الارشاد وبحار الانوار » . اما ما زاده المصنف وقد حصرناه ايضا بين قوسين فهو ما ورد في كتاب الامام علي ( عليه السلام ) الى اهل الكوفة عندما تحقق النصر على اصحاب الجمل وفتح البصرة ، وربما وقع المصنف في وهم ، فنبهنا عنه » . واقعة الجمل _ 76 _( وقمت بالحجة واقلت العثرة ، والزلة من اهل الردة ، فأستتبت من نكث فيهم بيعتي ، فلم يرجع عما اصر عليه ، فقتل الله تعالى من قتل منهم الناكث ، وولى الدبر الى مصيرهم بشقائهم ، فكانت المرأة عليها اشأم من ناقة الحجر ، فخذلوا وأدبروا دبرا ، فقطعت بهم الاسباب فلما حل بهم ما قدروا سألوني العفو ، فقبلت منهم القول وغمدت عنهم السيف ، واجريت الحق والسنة بينهم ، واستعملت عبد الله بن العباس عليهم ) (1) .فقام إليه رجل منهم ، وقال : نظن خيراً ، ونراك قد ظفرت وقدرت ، فأن عاقبت فقد اجترمنا ذلك ، وان عفوت [ فأنت محل العفو ، والعفو أحب الى الله عزوجل ، والينا ] (2) ، فقال ( عليه السلام ) : « قد عفوت عنكم ، فإياكم والفتنة فأنها اشد من القتل ، فأنكم اول الرعية لنكث البيعة ، وشق عصا هذه الامة » (3) ، ثم جلس ، فأتاه الناس وبايعوه . من كلامه ( عليه السلام ) حين قتل طلحة وانفض اهل البصرة : ومن كلامه ( عليه السلام ) ، لما طاف على القتلى يوم الجمل ، قال الشيخ المفيد رحمه الله في ارشاده (4) : قال امير المؤمنين ( عليه السلام ) : « بنا ( تسنمتم ) (5) الشرف ، وبنا ( انفجرتم ) (6) عن السرار ، وبنا اهتديتم في الظلماء ، ( وقر ) (7) سمع لم يفقه الواعية للنبأة كيف يراع من أصمته الصيحة ، ربط جنان لم يفارقه الخفقان ، ما زلت أتوقع بكم عواقب الغدر ، وأتوسمكم بحيلة المغترين ، سترني عنكم جلباب الدين ، وبصرنيكم صدق النية ، اقمت لكم الحق حيث تعرفون ، ولا دليل وتحتفرون ولا تميهون (8) اليوم ، --------------------------- (1) لم تردك تكملة الخطبة في الارشاد أو في بحار الانوار . (2) في الارشاد : وإن عفوت فالعفو أحب الى الله . (3) قال الواقدي : ولما فرغ امير المؤمنين ( عليه السلام ) من أهل الجمل جاءه قوم من فتيان قريش يسألونه الامان وأن يقبل منهم البيعة ، فأستشفعوا إليه بعبد الله بن عباس ، فشفعه وأمرهم في الدخول عليه ، فلما مثلوا بين يديه قال لهم : « ويلكم يا معشر قريش علام تقاتلونني ! على أن حكمت فيكم بغير عدل ! أو قسمت بينكم بغير سوية ! أو استأثرت عليكم ! أو تبعدي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أو لقلة بلاء في الاسلام ! » . فقالوا : يا امير المؤمنين نحن إخوة يوسف ( عليه السلام ) فأعف عنا ، واستغفر لنا ، فنظر الى أحدهم فقال له : « من انت ؟ » . قال : أنا مساحق بن مخرمة معترف بالزلة ، مقر بالخطيئة ، تائب من ذنبي ، فقال ( عليه السلام ) : « قد صفحت عنكم » ، وتقدم إليه مروان بن الحكم وهو متكئ على رجل ، فقال ( عليه السلام ) : « أبك جراحة ؟ » ، قال : نعم يا امير المؤمنين وما أراني لما بي إلا ميتا ! فتبسم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقال : « لا والله ما انت لما بك ميت ، وستلقى هذه الامة منك ومن ولدك يوما أحمر » . انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 413 . (4) الارشاد 1 : 253 ، بحار الانوار 32 : 236 ح 190 . (5) في النسخة : اكتسبتم ، والصواب كما جاء في الارشاد . (6) في النسخة : افتخرتم من السراء . (7) في النسخة : وقرع . (8) أماه الحافر يميه : إذا أنبط الماء ووصل إليه عند حفره البئر . انظر : الصحاح ـ موه ـ 6 : 225 . واقعة الجمل _ 77 _نطق لكم العجماء ذات البيان ، عزب فهم امرء تخلف عني ، ما شككت في الحق منذ أريته ] (1) ، كان بنو يعقوب على المحجة العظمى حتى عقوا اباهم ، وباعوا أخاهم ، وبعد الاقرار كانت توبتهم ، وباستغفار ابيهم واخيهم غفر لهم » .من كلامه عليه السلام عندما طاف بالقتلى (2) : « هذه قريش ، جدعت أنفي ، وشفيت نفسي ؛ لقد تقدمت اليكم (3) احذركم عض السيوف ، فكنتم أحداثا لا علم لكم بما ترون ، [ فناشدتكم العهد والميثاق ، فتماديتم في الغي والطغيان ، وأبيتم إلا القتال ، فناهضتكم بالجهاد ] (4) ، ولكنّه الحين (5) وسوء المصرع ، فأعوذ بالله من سوء المصرع » . فمرّ ( عليه السلام ) ( بمعبد بن المقداد ) (6) ، فقال ( عليه السلام ) : « رحم الله أبا هذا ، أما إنه لو كان حيا لكان رأيه أحسن من رأي هذا » . فقال عمار بن ياسر : الحمد لله الذي [ رفعك ] (7) يا امير المؤمنين (8) ، وجعل خده الأسفل ، إنا والله يا أمير المؤمنين ( ما نبالي من عند عن الحق من ولد ووالد . فقال أمير المؤمنين ) (9) : « رحمك الله وجزاك عن الحق خيرا » . ثم انه ( عليه السلام ) مر بعبد الله بن ربيعة بن دراج ، فقال ( عليه السلام ) : « هذا البائس ما كان أخرجه ؟ أدين أخرجه أم نصر لعثمان ؟ ! والله ما كان رأى عثمان فيه ولا في [ ابيه ] (10) لحسن » . ثم إنه ( عليه السلام ) مر بمعبد بن زهير بن أبي امية (11) ، فقال ( عليه السلام ) : « لو كانت الفتنة برأس الثريا لتناولها هذا الغلام ، والله ما كان فيها بذي نحيزة (12) ، ولقد أخبرني من أدركه إنه ليولول فرقا من السيف » . ثم مر ( عليه السلام ) بمسلمة بن قرظة ، فقال ( عليه السلام ) : « البر أخرج هذا ! والله لقد كلمني أن أكلم له عثمان في شيء كان يدعيه قبله بمكة ، --------------------------- (1) في النسخة : رأيته . (2) انظر : الارشاد 1 : 254 ـ 256 ، بحار الانوار 32 : 207 ح 163 . مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 391 ، 392 ، 394 . (3) سقطت من النسخة الخطية واثبتناها من الارشاد . (4) سقطت من الارشاد . (5) الحين : الهلاك . (6) في الاصل : سعيد ، وصوابه كما في الارشاد . (7) في الارشاد : أوقعه . (8) سقط من الارشاد . (9) سقطت من النسخة واثبتناها من الارشاد . (10) في النسخة : ابنه . (11) في الاصل ( امية ) ، والصواب هو : معبد بن زهير بن ابي امية بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي ابن أخي ام سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم . انظر : اسد الغابة 4 : 391 ، الاصابة 3 : 479 | 4327 . (12) النحيزة : الطبيعة . الصحاح ـ نحز ـ 3 : 898 . واقعة الجمل _ 78 _( فأعطاه اياه ) (1) ، ثم قال ( لي ) (2) لولا أنت ما اعطيته ( اياه ) (3) ، إن هذا ( ما علمت ) (4) بئس أخو العشيرة ، ثم جاء المشوم للحين (5) ، ( ناصرا يطالب دم عثمان ) » (6) .ثم مر ( عليه السلام ) بعبد الله بن حميد بن زهير ، فقال ( عليه السلام ) : « إن هذا أيضا ممن أوضع في قتالنا ، ( ثم أنه يزعم إنه يطلب رضاء الله بذلك ) (7) ، ولقد كتب إلي كتابا يؤذي عثمان فيه ، فأعطاه شيئا فرضي عنه » . ثم مر ( عليه السلام ) بعبد الله بن حكيم بن حزام ، فقال ( عليه السلام ) : « إن هذا قد خالف أباه في الخروج ، وأبوه حيث لم ينصرنا وقد أحسن في بيعته لنا ، وإن كان قد كف وجلس حيث شك في القتال ، وما ألوم اليوم من كف عنا وعن غيرنا ، ولكن ( اللوم على ) (8) الذي قاتلنا » . ثم مر عليه السلام بعبدالله بن المغيرة بن الأخنس بن [ شريق ] (9) ، فقال ( عليه السلام ) : « وأما هذا ( فقتل ابوه ) (10) يوم قتل عثمان ( في الدار ) (11) خرج مغضبا لقتل أبيه ، وهو غلام حدث ( حين قتله ) (12) » . ثم مر ( عليه السلام ) ( بعبد الله بن عثمان ) (13) بن الأخنس بن شريق ، فقال ( عليه السلام ) : « وأما هذا فكأني أنظر إليه ، وقد أخذ القوم السيوف هاربا يغدو من الصف ، ( فنهنهت ) (14) عنه فلم يسمع من ( نهنهت ) (15) ، حتى قتل ، وكان هذا مما خفي على فتيان قريش ، أغمار لا علم لهم بالحرب ، خدعوا [ واستزلوا ] (16) ، فلما وقفوا ( وقعوا ) (17) فقتلوا » . ثم مر ( عليه السلام ) ( بكعب بن سور ) ((18) ، فقال ( عليه السلام ) : ( وأما هذا الذي خرج علينا ، وفي عنقه المصحف ، يزعم أنه ناصر ( أمِّهِ ) (19) ، يدعو الناس الى ما فيه وهو لا يعلم بما فيه ، ثم استفتح ( وخاب كل ) (20) جبار عنيد ، أما إنه دعا الله أن يقتلني فقتله الله تعالى » . --------------------------- (1) في الارشاد : فأعطاه عثمان . (2) سقطت من الارشاد . (3) سقطت من الارشاد . (4) في النسخة الخطية : اما علمت ان هذا ، والصواب كما اثبت من الارشاد . (5) في النسخة الخطية : لحينه . (6) في الارشاد : ينصر عثمان . (7) في الارشاد : زعم يطلب الله بذلك . (8) في الارشاد : المليم . (9) سقطت من الارشاد . (10) سقطت من المخطوطة واثبتناها من الارشاد . (11) سقطت ايضا واثبتناها من الارشاد . (12) في النسخة : حين قتل ، والصواب كما في الارشاد . (13) في النسخة الاصلية : عبد الله بن ابي عثمان ، وهذا تصحيف ربما من الناسخ واثبتت الصواب من الارشاد . (14) في النسخة الاصلية : فنهيت . (15) في النسخة كلمة مبهمة ويحتمل من تصحيفات الناسخ . (16) في النسخة : يستنبزوا . (17) في النسخة الكلمة غير واضحة واثبتناها من الارشاد . (18) في النسخة : كعب بن ثور ، وهو تصحيف والصواب كما في الارشاد . (19) سقطت من النسخة واثبتت من الارشاد . (20) في النسخة [ وجاء معه ] وهو تصحيف والصواب كما في الارشاد . واقعة الجمل _ 79 _أجلسوا ( كعب بن سور ) (1) فأجلس ، فقال له ( عليه السلام ) : « يا كعب ، قد وجدت ما وعدني ربي حقا ، فهل وجدت ما وعدك ربك حقا ؟ » .ثم قال ( عليه السلام ) : « أضجعوه » ، ثم مر ( عليه السلام ) بطلحة بن عبيد الله (2) ، فقال ( عليه السلام ) : « وأما هذا فهو الناكث لبيعتي ، والمنشئ الفتنة في الأمة ، والمجلب علي ، والداعي إلى قتلي وقتل عترتي » . اجلسوا ( طلحة بن عبيد الله ) (3) فأجلس ، ثم قال ( عليه السلام ) له : « يا طلحة ، قد وجدت ما وعدني ربي حقا ، فهل وجدت ما وعدك ربك حقا ؟! » ثم قال ( عليه السلام ) : « أضجعوه » ، فأضجع . وسار ( عليه السلام ) ، فقال له بعض أصحابه : يا امير المؤمنين ، رأيتك تكلم كعبا وطلحة بعد أن قتلا ، فهل يفقهان ما قلت لهما ؟! فقال ( عليه السلام ) : « [ أم ] (4) والله ، إنهما لقد سمعا كلامي ، كما سمع أهل القليب كلام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم بدر » (5) . قال المسعودي : ولما ان من الله تعالى عليه بما هو اهله من الظفر على أصحاب الجمل ، دخل عليه بجماعة من اصحابه الى بيت مال المسلمين بالبصرة ، فنظر الى ما فيه من العين والورق ، فأدام انظر إليه ، فجعل يقول : « يا صفراء ويا بيضاء ، غري غيري » (6) . ثم قال ( عليه السلام ) : « اقسموه بين اصحابي ، خمسمائة خمسمائة » ، --------------------------- (1) سقطت من الاصل . (2) هو طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عبيد الله بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ، وهو ابن عم أبي بكر الصديق ، ويكنى ابا محمد ، وأمه الصعبة ، وكانت تحت ابي سفيان بن حرب ، وقتل وهو ابن اربع وستين ، وقيل غير ذلك ، ودفن بالبصرة ، وقبره فيها الى هذه الغالية ، وقبر الزبير بوادي السباع . انظر : مروج الذهب م 2 : 374 . (3) سقطت من الاصل . (4) في النسخة : ايم . (5) عن محمد بن الحنفية ( رحمه الله ) ، قال : فوالله لقد رأيت أول قتيل من القوم كعب بن سور بعد ان قطعت يمينه التي كان الخطام بها ، فأخذه بشماله وقتل بعد ذلك ، وقتل معه أخوه وابناه . ثم اخذ خطام الجمل بعده رجل منهم وهو يقول :
فما برح حتى قطعت يداه وطعن فهلك ؛ فقام مقامه آخر منهم فقطعت يمينه وضرب على رأسه فهلك ؛ فما زال كل من اخذ بخطام الجمل قطعت يداه أو جذ ساقه حتى هلك منهم ثمانمائة رجل ، وقبل ذلك قتل حول الجمل سبعون رجلا من قريش . مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 349 ، تاريخ الطبري 4 : 518 . (6) قال الشيخ المفيد ( رضي الله تعالى عنه ) : ورجع طلحة والزبير ، ونزلا دار الاماره ، وغلبا على بيت المال ، فتقدمت عائشة وحملت مالا منه لتفرقه على انصارها فدخل عليها طلحة والزبير في طائفة معهما واحتملا منه شيئا كثيرا ، فلما خرجا جعلا على ابوابه الاقفال ، ووكلا به من قبلهما قوما ، فأمرت عائشة بختمه ، فبرز لذلك طلحة يختمه فمنعه الزبير ، وأراد ان يختمه الزبير دونه فتدافعا ! فبلغ عائشة ذلك فقالت : يختمها عني ابن اختي عبد الله بن الزبير ، فختم يومئذ بثلاثة ختوم . وقال ايضاً : ولما خرج عثمان بن حنيف من البصرة ، وعاد طلحة والزبير الى بيت المال ، فتأملا الى ما فيه من الذهب والفضة قالوا : هذه الغنائم التي وعدنا الله بها ، واخبرنا انه يجعلها لنا !! انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 284 ، 285 . واقعة الجمل _ 80 _فقسموه فأصاب كل رجل منهم خمسمائة ، فلم يزد درهما ولا نقص درهما ! فكان عدد اصحابه اثني عشر الفا ، وقبض ( عليه السلام ) على ما اصابه في معسكرهم ، فباعه وقسمه ايضاً عليهم ، ولم يزد لنفسه ولا لأولاده واهل بيته عن اصحابه بشيء ابدا .ثم اتاه رجل من اصحابه لم يكن حاضر القسمة ، فقال : يا امير المؤمنين ، اني لم آخذ شيئا لعدم حضوري عند القسمة ، فالسبب الموجب لغيابي عنها هو كيت وكيت ، فأعطاه ما اصابه من القسمة (1) . ومن كلامه ( عليه السلام ) حين قدم الكوفة من البصرة : ثم توجه ( عليه السلام ) الى الكوفة ، قال [( المسعودي ) : فقال حين قدومه إليها ؛ بعد ان حمد الله واثنى عليه ، وصلى على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « أما بعد ، فالحمد لله الذي نصر وليه ، وخذل عدوه ، وأعز الصادق المحق ، وأذل الكاذب المبطل ، ايها الناس عليكم (2) بتقوى الله حق تقاته ، واطاعة من اطاع الله من اهل بيت نبيكم ، الذين هم أولى بطاعتكم من المنتحلين المدعين القائلين الينا ، يتفضلون بفضلنا ، ويجاحدونا في أمرنا ، وينازعونا حقنا ويدفعونا عنه ، وقد ذاقوا وبال ما اجترحوا ، فسوف يلقون غيا ، وقد قعد عن نصرتي منكم رجال ، وانا عليهم عاتب زار ، فاهجروهم وأسمعوهم ما يكرهون حتى يعتبونا ونرى ما نُحِبُّ » (3) . --------------------------- (1) مروج الذهب م 2 : 380 . (2) في الارشاد : يا اهل هذا المصر . (3) الارشاد 1 : 259 ، أمالي المفيد : 127 ، بحار الانوار 32 : 351 ح 334 . |