ثم انه ( عليه السلام ) انشد يقول :
ذنـب  لعمري شريك المحض خالصا      وأكلك بالزبد المقشرة (1) البجرا  (2)
ونـحن وهـبناك الـعلاء ولـم iiتكن      عليا وحطنا حولك الجرد والسمرا (3)
   قال : فلما انتهى مسير امير المؤمنين ( عليه السلام ) الى الربذة من الكوفة على طريق الحارة ، كاتب عامله بها أبا موسى الاشعري ليستنفر له اهلها ، فلم يكن منه إلا انه ثبتهم على خلافه ، حتى انه قال لهم : انما هي فتنة .
   فبلغه ذلك ( عليه السلام ) فعزله ، واقام عوضه موص بن كعب الانصاري ، وكتب إليه ( عليه السلام ) : « اعتزل عن عملنا يا ابن الحياكة مذموما مدحورا » .
   قال الشيخ المفيد ( رحمه الله ) في أرشاده :
   روي عبد الحميد بن عوان العجلي ، عن سلمة بن سهيل ، قال : لما انتهى مسير امير المؤمنين ( عليه السلام ) الى ذي قار ، بعث ابنه الحسن ( عليه السلام ) وعمار بن ياسر الى اهل الكوفة ، ليستنفرا اهلها ، فأتوه بذي قار [ اي اهل الكوفة ] ، فأخذ عليهم البيعة ، ثم قام فيهم خطيبا ، فحمد الله واثنى عليه ، وصلى على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ثم قال : اما بعد ، ايها الناس : ( « قد جرت علينا أمور صبرنا عليها ـ وفي اعيننا القذى ، وفي القلب شجى ـ تسليما لأمر الله تعالى فيما امتحن به عبده ، رجاء الثواب على ذلك ، فكان الصبر عليها أمثل من أن يتفرق المسلمون ، وتسفك دماؤهم ، فنحن أهل بيت النبوة ، وعترة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأحق الناس بسلطان الرسالة ، ومعدن الكرامة ، التي أبتدأنا الله تعالى بها ، ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) (4) .
   يا أهل الكوفة : إنكم من أكرم المسلمين ، [ وأصدقهم تقوى ] (5) ، وأعدلهم سنة ، وأفضلهم سهما في الأسلام ، وأجودهم في القرب مركبا ونصابا ، أنتم أشد القرب للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولأهل بيته ، وإنما جئتكم ثقة ـ بعد الله ـ بكم للذي بذلتم من أنفسكم عند نقض طلحة والزبير وخلعهما طاعتي [ واقبالهما بعائشة للفتنة ] .

---------------------------
(1) المقشرة : الرطب المقشر .
(2) البجر : جمع بجراء ، وهي المنتفخة البطن ، يعني التمر الجيد الكبار . لسان العرب 4 : 40 .
(3) الجرد والسمر : يعني الخيل .
(4) الجمعة : 4 .
(5) في الارشاد : واقصدهم تقويما .

واقعة الجمل _ 58 _

   [ خرجا محتالان على فساد العباد واخراب البلاد ، ألا وإنهما قد بايعا لي طائعين راغبين مختارين ، ثم أستأذناني في الذهاب الى العمرة ، فأذنت لهما ، فأكثرا القول عليها [ اي عائشة ] ، حتى أخرجاها من بيتها يجرانها كما تجر الأمة عند شرائها ، حتى قدما بها البصرة ، فحبسا [ نساءهم في بيوتهم ] (1) ، وأبرزا حبيس رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لهما ولغيرهما في جيش ، فضربوا عاملي بها وأسروه ، وخزان بيت مال المسلمين الذي بيدي ، وعلى اهل المصر [ الذين ] كلهم في طاعتي وعلى بيعتي ، فشتتوا شملهم ، وفرقوا كلمتهم ، وأفسدوا علي جماعتهم ، ووثبوا على شيعتي فقتلوا طائفة منهم ، وطائفة ، عضوا على أسيافهم وضاربوا بها حتى لقوا الله صادقين في الله .
   لو لم يصيبوا من المسلمين إلا رجلا واحدا معتمدين لقتله بلا جرم ، لحل قتل ذلك الجيش كله ، إذ حضروه فلم ينكروا ولم يدفعوا عنه بلسان ولا يد ، مع ما إنهم قتلوا من المسلمين العدة التي دخلوا بها عليهم .
   فالذي قتل من السبابجة اربعمائة رجل ، وعزروا بولاتها ] (2) .
   اللهم ، إنهما قطعاني وظلماني ونكثا بيعتي ، وألبا الناس علي ، فأحلل ما عقدا ، ولا تحكم ما أبرما ، وأرهما المساءة فيما عملا ، فقال له أهل الكوفة : « يا امير المؤمنين ، إنا نحمد الله عزوجل الذي من علينا برؤياك ، وخصنا بجوارك ، وجعلنا من شيعتك وأنصارك واعوانك على أعدائك ، ولو دعوتنا الى اضعافهم احتسبنا الخير ورجونا الشهادة بين يديك ، فطب نفسا وقر عينا بظفرك على اعدائك ان شاء الله تعالى » (3) .
   قال : فلم يزل الكوفيون وغيرهم يقدمون إليه زمرا ، زمرا ، وهو ( عليه السلام ) مقيم بذي قار .

وصول الامام امير المؤمنين ( عليه السلام ) واصحابه الى البصرة :
   ثم توجه بهم الى البصرة وقام في اصحابه خطيبا ، فحمد الله واثنى عليه ، وصلى على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم قال (4) :

---------------------------
(1) في الاصل : نسائها وبيوتها ، وهو تصحيف وقع فيه الناسخ حيث كان يقصد طلحة والزبير .
(2) لم يذكر الشيخ المفيد في الارشاد نص الخطبة بهذا الشكل وقال في 1 : 250 [ واقبالهما بعائشة للفتنة ، وإخراجهما إياها من بيتها حتى اقدماها البصرة ، فأستغووا طغامها وغوغاءها ، مع أنه قد بلغها أن أهل الفضل منهم وخيارهم في الدين قد اعتزلوا وكرهوا ما صنع طلحة والزبير ] .
(3) في الارشاد 1 : 250 ثم سكت فقال اهل الكوفة : نحن أنصارك وأعوانك مع عدوك ، ولو دعوتنا الى اضعافهم من الناس احتسبنا في ذلك الخير ورجوناه ، فدعا لهم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وأثنى عليهم ، ثم قال : قد علمتم - معاشر المسلمين - أن طلحة والزبير بايعاني طائعين راغبين ، ثم استأذناني في العمرة فأذنت لهما ، فسارا الى البصرة فقتلا المسلمين وفعلا المنكر .
اللهم إنهما قطعاني وظلماني ونكثا بيعتي وألبا الناس علي ، فأحلل ما عقدا ، ولا تحكم ما أبرما ، وأرهما المساءة فيما عملا .
(4) الارشاد 1 : 251 .

واقعة الجمل _ 59 _

   « اما بعد ، ايها الناس : إن الله عز وجل فرض على عباده الجهاد ، وعظمه وجعله نصرة له ، والله ما [ صلحت ] (1) دنيا ولا دين إلا به ، الا وإن الشيطان قد جمع حزبه ، واستجلب خيله ، [ وشب ] (2) في ذلك وخدع ، وقد بانت الأمور ( فتمخضت ) (3) ، والله ما انكروا علي منكرا ولا جعلوا بيني وبينهم [ نصفا ] (4) ، الا وإنهم يطلبون حقا تركوه ، ودما سفكوه ، ولئن كنت شركتهم فيه إن لهم نصيبهم فيه ، ولئن كانوا ولوه [ دوني ] (5) [ فما تبعتهم إلا قبلهم ] (6) ، وإن أعظم حججهم لعلى أنفسهم ، وإني لعلى بصيرتي [ ما لبست علي ] (7) ، وإنها الفئة الباغية [ الحمى والحمة ] (8) قد طالت هلبتها (9) وامكنت درتها ، يرضون أما [ فطمت ] (10) ، يجيبون بيعة تركت ، ليعود الضلال الى نصابه .
   ما أعتذر مما فعلت ، ولا أتبرأ مما صنعت ، [ فياخيبة للداعي ومن دعا ، لو قيل له : الى من دعواك ؟ والى من أحببت ؟ ومن إمامك ؟ وما سننه ؟ ] (11) ، إذا لزاح الباطل عن مقامه ، ولصمت لسانه فما نطق ، وايم الله ، لأمرطن لهم حوضا أنا [ ماتحه ] (12) ، لا يصدرون عنه ، ولا يلقون [ بعده ريا ] (13) ابدا ، وإني لراض بحجة [ الله عليهم وعذره فيهم ، إذ أنا داعيهم ] (14) ، فمعذر إليهم فان تابوا وقبلوا فالتوبة [ مبذولة ] (15) والحق مقبول وليس على الله كفران ، وإن [ أبوا أعطيتهم ] (16) حد السيف ، وكفى به شافيا من باطل وناصرا للمؤمنين ) (17) .
   قال : ولما وصل امير المؤمنين الى البصرة ، أرسل الى القوم يناشدهم الله تعالى ، ويذكرهم بقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، متعوذا منهم على ما اصروا عليه ، فلم يجيبوه لذلك ، بل تعصبوا على القتال ، فقام ( عليه السلام ) في اصحابه خطيباً ، فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .

---------------------------
(1) في النسخة : علمت ، وهو تصحيف ، والصواب كما ورد في الارشاد .
(2) في النسخة : وسب .
(3) في النسخة : فسخط .
(4) في النسخة سقطت : نصفا ، وقد اثبتناها من الارشاد .
(5) في النسخة : ديني .
(6) في النسخة : فما بيعتهم إلا قتلهم ، والصواب كما في الارشاد .
(7) في النسخة : من امري كما كتبت علي .
(8) في الاصل : اللحم والجلد وتفتقد من التصحيفات الناسخ .
(9) هلب : هو شعر الذنب ، وفرس مهلوب : مجزوز الهلب .
(10) في النسخة : ما عظمت .
(11) سقطت من النسخة الخطية واثبتناها من الارشاد .
(12) متح : وهو الذي ينزع الدلو ، وقد سقطت من النسخة واثبتناها من الارشاد .
(13) في النسخة : معدوما ، وصوابة كما في الارشاد .
(14) في النسخة : اسألهم وعذرهم فيها إذ انا فازعتهم ، والصواب كما جاء في الارشاد .
(15) في النسخة : هذه ولهم ، والصواب كما في الارشاد .
(16) في النسخة : لم يأتوا تائبين فأعطهم ، والصواب كما في الارشاد .
(17) انظر الخطبة في : الاستيعاب 2 : 221 ، نهج البلاغة 1 : 38 | 9 و 55 | 21 ، ونقلها العلامة المجلسي في بحار الانوار 32 : 116 ح 93 .

واقعة الجمل _ 60 _

   ثم قال ( عليه السلام ) : « اللهم ، إني أستعين بك على قريش ، فإنهم [ قطعوا ] (1) رحمي ، ( والكفوُّا انائي ) (2) ، واجمعوا على منارعتي حقا كنت أولى به من غيري (3) ، وقالوا : ألا إن في الحق أن تأخذه ، وفي الحق أن تمنعه ، فأصبر مغموما (4) ، أو مت متأسفا ، فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا ذاب ، ولا مساعد ، إلا أهل بيتي ، فضننت بهم عن المنية (5) ، فأغضيت على القذى ، وجرعت (6) ريقي على الشجا ، وفي العين قذى ، فصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم ، والم للقلب من وحز (7) الشفار » (8) .
   ومن كلامه ( عليه السلام ) حين وصوله الى البصرة ، يحرض اصحابه على الجهاد (9) :
   « عباد الله ، أنهدوا الى هؤلاء القوم منشرحة صدوركم لقتالهم ، فأنهم نكثوا بيعتي ، واخرجوا عثمان (10) بن حنيف عاملي بعد الضرب المبرح ، والعقوبة الشديدة ، وقتلوا السبابجة (11) ، وقتلوا حكيم بن جبلة العبدي (12) ، وقتلوا رجالا صالحين .
   ثم اتبعوا من نجا منهم ، يأخذونه من كل حائط ، ومن تحت كل راية . [ ثم يأتون بهم ] (13) فيضربون رقابهم صبرا ، [ فيستحلون اموالهم ] (14) ، مالهم قاتلهم الله انى يؤفكون ، أنهدوا إليهم وكونوا اشداء عليهم ، والقوهم وانتم صابرون محتسبون ، ليعلموا (15) أنكم منازلوهم ومقاتلوهم ، وقد وطنتم انفسكم على الطعن الدعسي (16) والضرب الطلخفي (17) ، ومبارزة الاقران ، وأي امرئ منكم أحس من نفسه رباطة جأش عند اللقاء ، ورأى من أحد من إخوانه فشلا ، فليذب عن أخيه الذي فضل عليه كما يذب عن نفسه ، فلو شاء الله لجعله مثله » .

---------------------------
(1) في نهج البلاغة [ قد قطعوا ] .
(2) في الغارات : وأصغروا أنائي ، وصغروا عظيم منزلتي .
(3) في الغارات : فسلبونيه ثم .
(4) في الغارات : كمدا متوضحا ، أو متأسفا حنقا .
(5) في الغارات : عن الهلاك .
(6) في الغارات : تجرعت .
(7) في الاصل : خز ، وفي الغارات : حز ، وهي قريبة للمعنى ، الشفار : السكين الحارة .
(8) انظر : شرح نهج البلاغة 3 : 36 ، الغارات : 304 ـ 305 ، بحار الانوار 33 : 69 .
جاء في الغارات بأن هذه رسالة علي ( عليه السلام ) الى اصحابه بعد مقتل محمد بن ابي بكر وهي طويلة راجعها في الغارات . وابن ابي الحديد في شرح النهج فقال : انها خطبة للامام ( عليه السلام ) بعد مقتل محمد بن ابي بكر . لذا فأنها سواء كانت رسالة ام خطبة فهي ليس لها علاقة بوقعة الجمل ، وإذا كان ذلك في سبب قتل محمد بن ابي بكر فيظهر من هذا انها بعد وقعة صفين ، فهذا اشتباه وقع فيه المصنف .
(9) الارشاد : 134 ، بحار الانوار 32 : 171 ح 131 .
(10) في الارشاد : ابن حنيف عاملي .
(11) السبابجة : قوم صالحون كان امير المؤمنين ( عليه السلام ) سلم بيت المال بالبصرة اليهم ، فكبسهم أصحاب الجمل وقتلوهم وذلك بعد معاهدتهم ألا يقتلوا اصحاب امير المؤمنين عليه السلام .
قال الجوهري في ( الصحاح ) 1 : 321 السيابجه : قوم من السند كانوا جلاوزة بالبصرة واصحاب سجن ، والهاء للنسبة والعجمة ، واصل الكلمة سياه بجكان .
(12) في الاصل : غيلة العبدي ، وصوابه كما في الارشاد .
(13) سقطت من الاصل واثبتت من الارشاد .
(14) سقطت من الارشاد .
(15) في الارشاد : تعلمون .
(16) الطعن الدعسي : الطعن الشديد . انظر لسان العرب 6 : 83 .
(17) الضرب الطلخفي : الشديد من الطعن والضرب . المصدر السابق 9 : 223 .

واقعة الجمل _ 61 _

   ثم قال ( عليه السلام ) : « ايها الناس : إذا هزمتموهم فلا تجهزوا على قتيل ولا جريح ، ولا تقتلوا اسيرا ، ولا تطلبوا موليا ، ولا تتبعوا مدبرا ، ولا تكشفوا عورة ، ولا تمثلوا بقتيل ، ولا تهتكوا سترا ، ولا تربوا شيئا من أموالهم ، إلا أن تجدوه في معسكرهم من سلاح أو كراع وعبيد واماء ، وأما ما سوى ذلك فهو ميراث لورثتهم على ما في كتاب الله عزوجل » (1) .
   قال المسعودي (2) :
   ذكر عن المنذر انه ساق الحديث حتى قال : وكان دخول امير المؤمنين ( عليه السلام ) البصرة مما يلي الطف ، فأتى الزاوية (3) ، فخرجت انظر الى القوم (4) ، فرأيت موكبا نحو الف فارس ، يقدمهم فارس [ ومعه راية ] (5) على فرس اشهب عليه قلنسوة وثياب بيض متقلدا بسيف ، وإذا انا بتيجان القوم غالبها بيض وصفر ، مدججين في السلاح والحديد ، فقلت : من هذا ؟ فقيل لي : هذا أبو ايوب الانصاري ، صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وهؤلاء الذين معه الانصار وغيرهم ، ثم تلاه فارس ثان عليه عمامة صفراء وثياب بيض ، متقلدا بسيف ( متنكبا قوسا ) (6) على فرس أشقر ، بيده راية ، معه نحو الف فارس ، فقلت : من هذا ؟ فقيل : لي هذا خزيمة ذو الشهادتين (7) .

---------------------------
(1) مروج الذهب م 2 : 371 .
(2) مروج الذهب م 2 : 368 ـ 370 .
(3) الزاوية : بلفظ زاوية البيت ، عدة مواضع ، منها : قرية بالموصل من كورة بلد . والزاوية : موضع قرب البصرة كانت به الوقعة المشهورة بين الحجاج وعبد الرحمن بن محمد بن الاشعث ، قتل فيها خلق كثير من الفريقين ، وذلك في سنة 83 هـ .
انظر : معجم البلدان 3 : 128 .
(4) سقطت من الاصل ووردت في مروج الذهب .
(5) سقطت من الاصل ووردت في مروج الذهب .
(6) سقطت من الاصل ووردت في مروج الذهب .
(7) قال الشيخ المفيد : حدثنا محمد بن الحسن ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن غياث بن كلوب ، عن اسحاق بن عمار ، عن جعفر بن محمد ( عليه السلام ) : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إشترى فرسا من أعرابي فأعجبه ، فقام اقوام من المنافقين حسدوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على ما أخذه منه ، فقالوا للاعرابي : لو تبلغت به الى السوق بعته بأضعاف هذا ، فدخل الاعرابي الشره ، فقال : ألا أرجع فأستقيله ؟ فقالوا : لا ، ولكنه رجل صالح ، فإذا جاءك بنقدك فقل : ما بعتك بهذا ! فأنه سيرده عليك ، فلما جاء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أخرج إليه النقد ، فقال : ما بعتك بهذا ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : والذي بعثني بالحق لقد بعتني بهذا ، فقام خزيمة بن ثابت فقال : يا اعرابي اشهد لقد بعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بهذا الثمن الذي قال . فقال الاعرابي : لقد بعته وما معنا من أحد ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لخزيمة : كيف شهدت بهذا ؟ ، فقال : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي تخبرنا عن الله واخبار السموات فنصدقك ، ولا نصدقك في ثمن هذا . فجعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) شهادته شهادة رجلين فهو ذو الشهادتين ، انظر : الاختصاص : 58 .

واقعة الجمل _ 62 _

   ثم مر بنا فارس ثالث على فرس كميت ، متعمما بعمامة صفراء من تحتها قلنسوة بيضاء ، عليه قباء مصقول ، متقلدا بسيف ، متنكبا قوسا ، معه نحو الف فارس ، وبيد راية ، فقلت : من هذا ؟ فقيل لي : هذا أبو قتادة بن ربعي الانصاري .
   ثم مر بنا فارس رابع (1) ، شديد الادمة ، على فرس اشهب ، عليه سكينة ووقار ، رافعا صوته بتلاوة القرآن المجيد ، بيده راية بيضاء ، وعليه عمامة سوداء ، وثياب بيض ، متقلدا بسيف ، متنكبا قوسا ، معه نحو الف فارس مختلفي التيجان ، حوله شيوخ وكهول وشبان [ كأنما قد أوقفوا للحساب ] (2) جباههم مسودة من أثر السجود ، فقلت : من هذا ؟ فقيل لي : هذا عمار بن ياسر الانصاري ، والذين معه من المهاجرين والانصار .
   ثم مر بنا فارس خامس (3) ، على فرس اشقر ، على رأسه قلنسوة عليها عمامة صفراء ، وعليه ثياب بيض ، متقلدا بسيف ، متنكبا فرسا ، تخط رجلاه الارض ، معه الف فارس فارس مختلفي التيجان غالبها الصفرة والبياض ، ومعه راية صفراء ، فقلت : من هذا ؟ فقيل لي : هذا قيس بن سعد بن عبادة الانصاري ، وهؤلاء الذين معه الانصار وغيرهم من قحطان .
   ثم مر بنا فارس سادس (4) على فرس أشهل (5) ما رأينا مثله ، عليه ثياب بيض وعمامة سوداء سدلها (6) بين يديه ومن خلفه ، وبيده لواء [ ومعه نحو الف فارس من اصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ] (7) ، فقلت : من هذا ؟ فقيل لي : هذا عبد الله بن العباس .
   ثم تلاه موكب سابع (8) ، يقدمهم فارس اشبه الناس بمن [ قبله ] (9) ، فقلت : من هذا ؟ فقيل لي : هذا [ قثم بن العباس ، أو معبد بن العباس ] (10) .

---------------------------
(1) في مروج الذهب : اخر .
(2) سقطت من الاصل ، وهكذا وردت في مروج الذهب .
(3) في مروج الذهب : اخر .
(4) لم ترد في مروج الذهب .
(5) أشهل : هو اشهل العين ، وفي عينه شهلة : شوب سوادها زرقة .
(6) سدل الثوب سدلا : أرخاه .
(7) لم ترد في مروج الذهب .
(8) في مروج الذهب : اخر .
(9) في مروج الذهب : اشبه الناس بالاولين .
(10) في الاصل العبارة غير واضحة ، وهكذا وردت في مروج الذهب .

واقعة الجمل _ 63 _

   ثم مر بنا موكب تاسع (1) ، فيه خلق عظيم ، مكملين بالسلاح والحديد ، مختلفي التيجان والرايات ، تقدمهم راية كبيرة عظيمة ، في اولهم فارس ، كأنما قد [ كسر وجبر ] (2) ، كأن على رؤوسهم الطير ، فعن يمينه شاب حسن الوجه ، وعن شماله (3) مثله ، وبين يديه شاب ليس هو ببعيد منهما ، فقلت : من هؤلاء ؟ فقيل لي : اما الاوسط فهو امير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) ، وما الشاب الذي على يمنيه ابنه الحسن ( عليه السلام ) ، والذي عن شماله ابنه الحسين ( عليه السلام ) ، واما الذي بين يديه حامل الراية فأبنه محمد بن الحنفية (4) .
   فساروا حتى نزلوا بالزاوية ، فصلى امير المؤمنين ( عليه السلام ) أربع ركعات ، ثم عفر خديه على التراب وخالطهما بدموعه ، ثم رفع رأسه يقول : « اللهم رب السموات وما اظلت ، ورب الارضين وما اقلت ، ورب العرش العظيم ، هذه البصرة ، فأسألك من خيرها وأعوذ بك من شرها ، اللهم ، انزلنا فيها خير منزل وانت خير المنزلين ، اللهم ، ان هؤلاء القوم ، [ قد بغوا علي ، وخالفوا طاعتي ] (5) ، ونكثوا بيعتي ، اللهم ، احقن دماء المسلمين » .
   ثم انه ( عليه السلام ) بعث إليهم يناشدهم ، فأبوا إلا الحرب لقتاله !! فبعث إليهم مرة ثانية رجلا من اصحابه يقال له مسلم (6) بمصحف يدعوهم الى كتاب الله عز وجل ، فرموه بالسهام حتى قتلوه ،

---------------------------
(1) لم ترد في الاصل .
(2) قال المسعودي في مروج الذهب 3 : 369 : قال ابن عائشة : وهذه صفة رجل شديد الساعدين نظره الى الارض اكثر من نظره الى فوق ، وكذلك تخبر العرب في وصفها إذا أخبرت عن الرجل انه كسر وجبر .
(3) في مروج الذهب : عن يساره .
(4) في مروج الذهب : قيل : هذا علي بن ابي طالب ، وهذا الحسن والحسين عن يمينه وشماله ، وهذا محمد بن الحنفية بين يديه معه الراية العظمى .
(5) في مروج الذهب : قد خلعوا طاعتي ، وبغوا علي .
(6) روى شيخنا المفيد ( علا الله مقامه ) في مصنفاته 1 : 339 ، [ ان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ] قال : « من يأخذ هذا المصحف فيدعوهم إليه وهو مقتول وأنا ضامن له على الله الجنة ؟ » ، فلم يقم أحد إلا غلام عليه قباء ابيض حدث السن من عبد القيس يقال مسلم كاني اراه ، فقال : أنا أعرضه عليهم يا امير المؤمنين وقد احتسبت نفسي عند الله تعالى ، فأعرض عنه إشفاقا عليه ، ونادى ثانية : « من يأخذ هذا المصحف ويعرضه على القوم وليعلم أنه مقتول وله الجنة ؟ » ، فقام مسلم بعينه وقال : أنا أعرضه ، فأعرض ونادى ثالثة فلم يقم غير الفتى ، فدفع إليه المصحف وقال : « امض إليهم واعرضه وادعهم الى ما فيه » .
فأقبل الغلام حتى وقف بإزاء الصفوف ونشر المصحف وقال : هذا كتاب الله عزوجل وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) يدعوكم الى ما فيه ، فقالت عائشة : أشجروه بالرماح قبحه الله ! فتبادروا إليه بالرماح فطعنوه من كل جانب ، وكانت أمه حاضرة فصاحت وطرحت نفسها عليه وجرته من موضعه ، ولحقها جماعة من عسكر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أعانوها على حمله حتى طرحوه بين يدي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وأمه تبكي وتندبه وتقول . . . الشعر .

واقعة الجمل _ 64 _

   فحمل الى امير المؤمنين ( عليه السلام ) قتيلا ، فقالت امه فيه هذه الابيات شعرا (1) :
يـا  رب إن مـسلما iiاتاهم      يـتلو  كتاب الله لا يخشاهم
فخضبوا من دمه لحاهم (2)      وامـه قـائمة تـراهم ثـم
   ثم جاء عبد الله بن مدمل بأخيه مقتولا ، وجيء برجل آخر من الميسرة مذبوحا فيه سهم ، فقال ( عليه السلام ) : « اللهم ، اشهد غدر القوم » .
   فمضى إليهم عمار بن ياسر ( رضي الله عنه ) (3) حتى وقف بين الصفين ، وقال : ايها الناس ، ما انصفتم نبيكم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، حين كففتم عقايلكم في بيوتكم ، وابرزتم عقيلته للسيوف ، ثم انه دنا من عائشة وهي في هودجها ، فقال لها : يا ام المؤمنين ما تريدين بهذا الموقف ؟ قالت : طالبة لدم عثمان ، قال : قتل الله تعالى الباغي في هذا اليوم ، والطالب للباطل بغير الحق ، ايها الناس : أتعلمون اينا الممالي في قتل عثمان ، فرشقوه بالنبل ، فرجع وهو يقول :
فمنك البكاء ومنك iiالعويل      ومنك الرياح ومنك المطر
وانـت امرت بقتل iiالامام      وقـاتله  عـندنا من iiأمر
   اشار بقوله هذا إليها ، حيث قالت : اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا (4) !!

---------------------------
(1) مروج الذهب م 2 : 370 .
(2) في رواية الشيخ المفيد : قناهم وزاد فيه : تأمرهم بالقتل لا تنهاهم .
انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 340 .
(3) في رواية عن عبد الله بن زياد مولى عثمان بن عفان قال : خرج عمارة بن ياسر يوم الجمل الينا ، فقال : يا هؤلاء على اي شيء تقاتلونا ؟ فقلنا : نقاتلكم على أن عثمان قتل مؤمنا . فقال عمار : نحن نقاتلكم على أنه قتل كافرا . قال : وسمعت عمارا يقول : والله لو ضربتمونا حتى نبلغ سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وانكم على الباطل . وسمعته يقول : والله ما نزل تأويل هذه الاية الا اليوم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) قال : ولما جال الناس تلك الجولة قتل بينهم خلق كثير ، وسمعت اصوات السيوف في الرؤوس كأنها مخاريق . قال الراوي : والله لقد مررت بعد الوقعة بالبصرة فدنوت من دير القصارين فسمعت اصوات الثياب على الحجارة فشبهتها بالاصوات التي كانت من السيوف على الرؤوس يومئذ ، وفي تلك الجولة قتل ظريف بن عدي بن حاتم ، وفقئت عين عدي .
انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 2 : 366 ، الطبري 4 : 525 ، شرح نهج البلاغة 14 : 248 .
(4) ذكر ابن الاثير قال : وكان سبب اجتماعهم بمكة ان عائشة خرجت إليها ، وعثمان محصور ، ثم خرجت من مكة تريد المدينة ، فلما كانت بسرف لقيها رجل من اخوالها من بني ليث يقال له عبيد بن أبي سلمة ، وهو ابن ام كلاب ، فقالت له : مهيم ؟ قال : قتل عثمان وبقوا ثمانية . قالت : ثم صنعوا ماذا ؟ قال : اجتمعوا على بيعة علي . فقالت : ليت هذه انطبقت على هذه ان تم الامر لصاحبك ! ردوني ردوني ! فانصرفت الى مكة وهي تقول : قتل والله عثمان مظلوما ، والله لاطلبن بدمه ! فقال لها ، ولم ؟ والله ان أول من حرفه لأنت ، ولقد كنت تقولين : اقتلوا نعثلا فقد كفر . قالت : إنهم أستتابوه ثم قتلوه ، وقد قلت وقالوا ، وقولي الاخير خير من قولي الاول . فقال لها ابن ام كلاب :
فـمنك  الـبداء ومنك iiالغير      ومـنك  الرياح ومنك iiالمطر
وانـت  أمـرت بقتل iiالامام      وقـلت  لـنا إنـه قـد iiكفر
فـهبنا أطـعناك فـي قـتله      وقـاتله عـندنا مـن iiأمـر
ولـم يسقط السقف من iiفوقنا      ولـم  ينكسف شمسنا iiوالقمر
وقـد  بـايع الناس ذا iiتدرء      يـزيل الـشبا ويقيم iiالصعر
ويـلبس  لـلحرب iiاثـوابها      وما من وفى مثل من قد غدر
انظر : الكامل في التاريخ 3 : 206 .

واقعة الجمل _ 65 _

   فلما اتى الى امير المؤمنين ( عليه السلام ) قال له : جعلت فداك ، انظرني امرك واجمع اصحابك وانصارك ، فإنه ليس لك عند القوم إلا الحرب .
   فقال ( عليه السلام ) لاصحابه : « ايها الناس : صافوهم ولا تبدوهم البراز ، ولا ترموهم بالسهام ، ولا تضربوهم بالسيف ، ولا تطعنوهم بالرماح ، حتى يبدوكم فإذا هزمتموهم فلا تجهزوا على جريح ، ولا تقتلوا اسيرا ، ولا تتبعوا موليا ، ولا تقبلوا شيئا من اموالهم ، إلا ما تجدونه في معسكرهم من كراع أو سلاح أو عبيد أو إماء ، وما عدا ذلك فهو ميراث لورثتهم » (1) .
   مناشدة امير المؤمنين ( عليه السلام ) الزبير بن العوام (2) ثم انه عليه السلام خرج على بغلة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ونادى بالزبير بن العوام ، فجاءه مكملا بالسلاح ، فقالت عائشة رضي الله عنها : واحزنك يا اسماء ! فقيل لها : إن عليا ( عليه السلام ) خرج حاسرا من السلاح ، فطمأنت نفسها . فتقاربا حتى اختلفت اعناق خيلهما .
   فقال امير المؤمنين ( عليه السلام ) له : يا أبا عبد الله ، انما دعوتك لاذكرك حديثا قال لي ولك رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أتذكر يوما رآك [ اي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ] وانت تعنقني في بني عوف ، إذ قال لك : أتحب يا زبير عليا ؟

---------------------------
(1) مروج الذهب 3 : 371 .
(2) ذكر ابن الاثير في الكامل 3 : 239 ، قال : فلما تراءى الجمعان خرج الزبير على فرس عليه سلاح ، وخرج طلحة فخرج إليهما علي ( عليه السلام ) حتى اختلفت اعناق دوابهم ، فقال علي ( عليه السلام ) : لعمري قد اعددتما سلاحا وخيلا ورجالا ، إن كنتما اعددتما عند الله عذرا ، فأتقيا الله ولا تكونا ( كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ) ، الم أكن أخاكما في دينكما تحرمان دمي وأحرم دمكما ، فهل من حدث أحل لكما دمي ؟ قال : طلحة : ألبت على عثمان . قال ( عليه السلام ) : ( يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق )، يا طلحة ، تطلب بدم عثمان فلعن الله قتلة عثمان ! يا طلحة أجئت بعرس رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، تقاتل بها وخبأت عرسك في البيت ! أما بايعتني ؟ قال : بايعتك والسيف على عنقي فقال ( عليه السلام ) للزبير : يا زبير ما اخرجك ؟ قالت : انت ، ولا أراك لهذا الامر اهلا ولا ولي به منا .

واقعة الجمل _ 66 _

   فقلت : اي والله إني لأحبه ، وما يمنعني يا رسول الله عن حبه وهو اخي وابن خالي ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لك : إنك ستخرج عليه وانت ظالم له ! قال : بلى ، قد كان ذلك ! فقال ( عليه السلام ) : انشدك الله ثانياً ، يوم جاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من عند بني عوف وانت معه آخذ بيدي ، فأستبقلته وسلمت عليه ، فضحك في وجهك ، وضحكت إليه ، فقلت له : يا رسول الله ، لا يدع ابن ابي طالب زهوه .
   فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لك : يا زبير ليس بعلي زهو ، ولتخرجن عليه وتحاربه وانت ظالم له ، قال : اللهم ، نعم لقد كان ذلك ، ولكني نسيت وما ذكرتني انسانيه الدهر !! ولو ذكرته لما خرجت عليك ، فكيف أرجع وقد التقت حلقتا البطان ، والله ان هذا هو العار الذي ليس له مثيل ، فقال ( عليه السلام ) : يا زبير ارجع ، قبل ان تجمع العار والنار .
   قال : اذن ، لامضين وانا استغفر الله تعالى ، فكر راجعا وهو يقول هذه الابيات شعراً (1) :
اخـترت  عـارا على نار iiمؤججة      [ الى خلق بها قوم من الطين ] (2)
نـادى عـلي بـأمر لـست iiاجهله      عـار  لعمرك في الدنيا وفي iiالدين
فـقلت  : حسبك من عذل ابا حسن      فـبعض هـذا الذي قد قلت iiيكفيني
   فقالت له عائشة : ما خلفت وراءك يا با عبد الله ؟ قال : والله ، ما وقفت موقفا ، ولا شهدت مشهدا في شرك ولا اسلام إلا ولي فيه بصيرة ، وانا اليوم على شك من أمري ، فما كدت ان ابصر موضع قدمي .
   وقال له ابنه عبد الله : يا ابت لقد رجعت الينا بغير الوجه الذي مضيت به عنا ، قال : نعم والله ، لقد ذكرني علي ( عليه السلام ) حديثا عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد انسانيه الدهر فلا حاجة لي في محاربته ابدا . فرجعت مستغفرا لله عز وجل ، وتارككم منذ اليوم ، فيفعل الله ما يشاء ، قال : بلى ، اني اراك فررت من عيون بني هاشم حين رأيتها تحت المغافر ، وبأيديهم سيوف حداد ، وتحملها فتية امجاد ، قال : ويلك ، يا بني اتهيجني على حربه ، اما اني قد حلفت ان لا أحاربه (3) .

---------------------------
(1) مروج الذهب م 2 : 372 .
(2) في مروج الذهب : ما إن يقوم لها خلق من الطين .
(3) روى الحارث بن الفضل عن عبد الله الاغر ، ان الزبير بن العوام قال لابنه يومئذ : ويلك ، لا تدعنا على حال ، انت والله قطعت بيننا وفرقت الفتنا بما بليت به من هذا المسير ، وما كنت متوليا من ولي هذا الامر واقام به ، والله لا يقوم احد من الناس مقام عمر بن الخطاب فيهم فمن ذا يقوم مقام عمر بن الخطاب ، وان سرنا بسيرة عثمان قتلنا ، فما اصنع بهذا المسير ، وضرب الناس بعضهم بعض ، فقال له عبد الله ابنه : افتدع عليا يستولي على الامر ؟ وانت تعلم انه كان احسن اهل الشورى عند عمر بن الخطاب ، ولقد اشار عمر وهو مطعون يقول لاصحابه اهل الشورى : ويلكم أطمعوا عليا فيها لا يفتق في الاسلام فتقا عظيما ومنوه حتى تجمعوا على رجل سواه .
انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 289 .

واقعة الجمل _ 67 _

   فقال : كفر عن يمينك ، لئلا يتحدثن نساء قريش ، أنك جبنت ، وما كنت بجبان ، قال : صدقت إذا ، فغلامي مكحول هو حر كفارة عن يميني (1) .
   ثم انه نصل سنان رمحه ، وكر راجعا ، فقال امير المؤمنين ( عليه السلام ) : أفرجوا له ، فأنه محرج ، فلم يزل يجول في المعركة يمينا وشمالا ، يشق الصفوف ، حتى اتى وادي السباع ، ثم عاد الى أصحابه ، ثم حمل مرة ثانية وثالثة ، فقال لابنه : ويلك ، اترى ما فعلت ، أهذا جبن ؟ قال : حاشا ، لقد اعذرت بما فعلت .
   قال [ المصنف في رواية اخرى ] :
   فلما خرج امير المؤمنين ( عليه السلام ) لطلب الزبير ، خرج حاسراً والزبير دارعا مدججا ، فقال له ( عليه السلام ) : يا ابا عبد الله ، لعمري لقد اعددت سلاحاً وجندا ، فهل اعددت لله عزوجل بعذر ؟ قال : ان مردنا الى الله عزوجل يفعل ما يشاء ، فقال ( عليه السلام ) : ( يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين ) (2) .
   فكر عنه راجعا نادما (3) ، ورجع امير المؤمنين ( عليه السلام ) الى أصحابه فرحا مسرورا ، فقالوا له : يا امير المؤمنين ، أتبرز الى الزبير حاسرا وهو مستعد بالسلاح ، ألست تعلم بشجاعته ؟ قال : بلى ، ولكنه ليس بقاتلي ، وانما يقتلني رجل خامل الذكر غيلة .

---------------------------
(1) فقال عبد الرحمن بن سليمان التميمي :
لم  أر كاليوم أخا إخوان      أعجب من مكفر الايمان
انظر : الكامل في التاريخ 3 : 240 .
وقال همام الثقفي في فعل الزبير وما فعل وعتقه عبده في قتال علي ( عليه السلام ) :
أيـعتق  مـكحولا ويعصي iiنبيه      لقد  تاه عن قصد الهدى ثم iiعوق
أينوي  بهذا الصدق والبر iiوالتقى      سـيعلم  يـوما من يبر iiويصدق
لـشتان  ما بين الضلالة iiوالهدى      وشـتان من يعصي النبي iiويعتق
ومـن هـو في ذات الاله iiمشمر      يـكـبر بــرا وبـه iiيـصدق
أفي الحق أن يعصي النبي سفاهة      ويـعتق مـن عـصيانه iiويطلق
كـدافق  مـاء لـلسراب يـؤمه      ألا  فـي ضلال ما يصب ويدفق
انظر : نهج البلاغة 1 : 234 . بشارة المصطفى : 247 . بحار الانوار 32 : 205 .
(2) النور 24 : 25 .
(3) وقيل : انما عاد الزبير عن القتال لما سمع ان عمار بن ياسر مع علي ( عليه السلام ) ، وقد قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( يا عمار تقتلك الفئة الباغية ) .
انظر : الكامل في التاريخ 3 : 240 .

واقعة الجمل _ 68 _

مقتل الزبير بن العوام :
   قال [ المصنف ] : ولما انصرف الزبير الى وادي السباع (1) ، وكان به الاحنف بن قيس في جمع من بني تميم ، فأخبر به فرفع صوته ، وقال : ما معشر بني تميم هذا الزبير بن العوام فما أصنع به ؟ اما انه احق بالقتل .
   قالوا : بلى والله ، فركب فرسه في الف فارس ، وتبعه عمرو بن جرموز ، ( و ) كان مشهورا ( بالفروسية ) والشجاعة ، فوقف له الزبير وقال : ما شأنك ؟ قال : جئت لأسألك عن أمر الناس ، قال : تركتهم قياما في الركب ، يضرب بعضهم وجه بعض بالسيف ! فسارا معا يتحدثان ، وكل واحد على حذر من صاحبه حتى دخل وقت الصلاة .
   فقال الزبير : يا هذا انا نريد ان نصلي ، قال : احسنت فيما تقول ، إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ، وقد أردت ان اقول لك ذلك ، قال : أفتؤمنني وأومنك ، قال : نعم ، فحولا عن خيلهما ، واسبغا الوضوء ، وقام الزبير للصلاة فشد عليه عمرو بن جرموز فقتله ، وجز رأسه ، وانتزع خاتمه وسيفه ، وحثا عليه التراب ، واتى بهم الى الاحنف بن قيس .
   فقال له : والله ما ادري بك ، هل اسأت ام أحسنت ؟ ولكن اذهب بهم الى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، واخبره بخبرك ، فمضى إليه وأخبره ، فقال ( عليه السلام ) له : « انت قتلته ؟ » قال : نعم .
   قال [ المصنف رحمه الله ] : وفي كثير من الروايات انه لم يأته بالرأس .

---------------------------
(1) وادي السباع : جمع سبع ، الذي قتل فيه الزبير بن العوام ، بين البصرة ومكة ، بينه وبين البصرة خمسة أميال .
معجم البلدان 5 : 343 .
ذكر الشيخ المفيد ( رضي الله عنه ) بعض ما روي في قتل الزبير بن العوام ، فقال : روى المفضل بن فضالة عن يزيد بن الهاد ، عن محمد بن ابراهيم ، قال : هرب الزبير على فرس له يدعى ( ذا الحمار ) حتى وقع بسفوان ، فمر بعبد الله بن سعيد المجاشعي ، وابن مطرح السعدي ، فقالا له : يا حواري رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) انت في ذمتنا لا يصل إليك أحد ، فأقبل معهما فهو يسير مع الرجلين إذ أتى الاحنف بن قيس برجل فقال : أريد ان أسر اليك سرا ادن مني ، فدنا منه ، فقال : يا هذا الزبير قد هرب واني رأيته بين رجلين من بني مجاشع ومنقر اظنه يريد التوجه الى المدينة ، فرفع الاحنف صوته وقال : ما اصنع ان كان الزبير قد القى الفتنة بين المسلمين حتى ضرب بعضهم بعضا ، ثم هو يريد ان يرجع الى اهله الى المدينة سالما ، فسمعه ابن جرموز فنهض ومعه رجل يقال له فضالة بن محابس ، وعلما ان الاحنف انما رفع صوته يذكر ابن الزبير لكراهته ان يسلم وإيثاره ان يقتل ، فأتبعاه جميعا ، فلما رآهما من كان مع الزبير ، قالوا له : هذا ابن جرموز ، وانا نخاف عليك ، فقال لهم الزبير : انا اكفيكم ابن جرموز وأنتم اكفوني ابن محابس ، فحمل عمير على الزبير وعطف عليه ، وقال يا فضالة أعني فأن الرجل قاتلي ، فأعانه وحمل ابن جرموز فقتله وأحتز رأسه .
انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 387 .

واقعة الجمل _ 69 _

   فقال ( عليه السلام ) : « والله ما كان ابن صفية جبانا ولا لئيما ، ولكن الحين ومصارع السوء » (1) .
   ثم قال ( عليه السلام ) : « ناولني سيفه » فناوله اياه ، فأخذه وهزه ، ثم قال ( عليه السلام ) :
   « اما اني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : بشر قاتل أبن صفية بالنار » ، وقال في حديث آخر : « الزبير وقاتله في النار » .
   فخرج ابن جرموز خائبا وهو يقول هذه الابيات شعراً (2) :
اتـيت عـليا برأس iiالزبير      ابـغي بـه عـنده الـزلفه
فـبشر  بالنار يوم iiالحساب      فـبئس بـشارة ذي iiالتحفه
فـقلت  لـه ان قتل iiالزبير      لـولا رضـاك مـن الكلفه
فان ترض ذاك فمنك الرضا      ولا فـدونـك لـي iiحـلفه
ورب الـمحلين iiوالمحرمين      ورب الـجـماعة iiوالالـفه
لـسيان عـندي قتل الزبير      وضرطة  عنز بذي iiالجحفه
   ثم ان عمرو بن جرموز مضى عن امير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وخرج عليه مع اهل النهروان ، فقتل مع من قتل منهم .
   وفي رواية قال ( المصنف رحمه الله ) :
   فبرز له عمرو بن جرموز فقتله ، وقيل الاحنف بن قيس ، فقال عمرو بن جرموز في قتله له هذه الابيات :
اتـيت عليا برأس iiالزبير      ابـغي بـه عـنده iiالزلفه
فبشر  بالنار يوم iiالحساب      وبشرت بشارة ذي iiالتحفه
لـشتان عندي قتل iiالزبير      وضرطة نمر بذي الجحفه
مناشدة امير المؤمنين ( عليه السلام ) طلحة بن عبيد الله :
   ثم ان امير المؤمنين ( عليه السلام ) استدعى طلحة بن عبيد الله ، فقال له : انما دعوتك يا أبا عبد الله لأذكرك ما قاله رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أما سمعته يقول : « اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ؟ » وانت اول من بايعني ، ثم نكثت بيعتك لي ، وقد قال الله تعالى ( فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ ) (3) فقال : استغفر الله ، وكان امر الله قدرا مقدورا ، فرجع وهو يقول هذه الابيات (4) :
نـدمـت  وظــل iiلـحمي      ولـهفي  مثل لهف ابي وامي
نـدمـت  نـدامة iiالـكسعي      طلبت رضا بني جرم بزعمي
---------------------------
(1) طبقات ابن سعد 3 : 110 ، العقد الفريد 4 : 323 ، الفصول المختارة : 108 .
(2) مروج الذهب م 2 : 373 .
(3) الفتح : 10 .
(4) مروج الذهب م 2 : 374 .

واقعة الجمل _ 70 _

   قال [ المصنف رحمه الله ] :
   ثم برز فقتله مروان بن الحكم (1) ، فقال ( عليه السلام ) : انا لله وانا إليه راجعون ، والله لقد كنت اكره ان أراه صريعا تحت بطون الكواكب ، والله انه لقد كان كما قال الشاعر (2) :
فتى  كان يدنيه الغنى من iiصديقه      إذا مـا هـو استغنى ويبعد iiالفقر
كـان  الـثريا عـلقت iiبـجبينه      وفي خده الشعرا وفي جبينه البدر
نشوب القتال بين الفريقين :
   قال المسعودي (3) : وذكره ابن ابي الحديد ، ان اصحاب الجمل حملوا على ميمنة عسكر امير المؤمنين ( عليه السلام ) حتى كشفوها على الميسرة ، فأتى بعض ولد عقيل الى امير المؤمنين ( عليه السلام ) فوجده ( يخصف نعلا ) (4) ، فقال له : يا أمير المؤمنين ! فقال ( عليه السلام ) : « اسكت يا ابن اخي ، ان لعمك يوما لا يعدوه (5) ، والله لا يبالي عمك ( وقع على الموت ام الموت وقع عليه ] (6) ، قال : جعلت فداك ، ان القوم قد بلغت من القوم مرادها من ميمنتك حتى كشفتها على الميسرة بحيث لم تر ، [ وانت جالس تخصف نعلا ] (7) .
   فقال ( عليه السلام ) : اسكت يا ابن اخي ، ان لعمك يوما لا يتعداه ، والله لا يبالي عمك أوقع على الموت أو الموت وقع عليه .

---------------------------
(1) ذكر الشيخ المفيد ( اعلا الله مقامه ) عدة روايات في قضية مقتل طلحة بن عبيد الله ، قال ( رحمه الله ) : وروى اسماعيل بن عبد الملك ، عن يحيى بن شبل ، عن جعفر بن محمد ، عن ابيه ( عليه السلام ) ، قال : حدثني ابي علي زين العابدين ( عليه السلام ) ، قال : قال لي مروان بن الحكم : لما رأيت الناس يوم الجمل قد كشفوا ، قلت : والله لادركن ثأري ولافوزن منه الان ، فرميت طلحة فأصبت نساه فجعل الدم ينزف ، فرميته ثانية فجاءت به ، فأخذوه حتى وضعوه تحت شجرة فبقي تحتها ينزف منه الدم حتى مات .
وروى ابن سليمان ، عن ابن خيثمة قال : قال عبد الملك بن مروان يوما وقد ذكر عثمان وقتل طلحة : ولولا ابي قتله لم يزل في قلبي جرحه الى اليوم .
وقال عبد الملك : سمعت ابي يقول : نظرت الى طلحة يوم الجمل وعليه درع ومغفر لم أر منه إلا عينيه ، فقلت : كيف لي به ؟ فنظرت الى فتق في درعه فرميته فأصبت نساه فقطعته ، فأني انظر الى مولى له يحمله على ظهره موليا فلم يلبث ان مات .
وروى أبو سهل عن الحسن ، قال : لما رمي طلحة ركب بغلا ، وقال لغلامه : التمس لي مكانا أدخل فيه . فقال الغلام : ما أدري اين ادخلك ، فقال طلحة : وما رأيت كاليوم أضيع من دم شيخ مثلي ، وقال الحسن وكان امر الله قدراً مقدوراً ، قال الشيخ المفيد : فهذه الاخبار مختصرة صحيحة في مقتل طلحة بن عبيدالله طريقها من العامة من أوضح طريق ، وسندها اصح اسانيد ، وليس بين فيها اختلاف ، وكل ما يدل ان طلحة قتل وهو مصر على الحرب غير نادم ولا مرعو عن ذلك وفاقا لمذهب الحشوية ، وخلافا لمذهب المعتزلة ، وشاهدا ببطلان ما ادعوه من توبته .
انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 383 ، 384 .
(2) مروج الذهب م 2 : 373 .
(3) مروج الذهب م 2 : 375 .
(4) في مروج الذهب : يخفق نعاسا على قربوس فرسه .
(5) في النسخة الخطية : لا بعده والصواب كما اثبت من مروج الذهب .
(6) في النسخة : على فرسه من سرجه ، وهذا تصحيف ربما من الناسخ والصواب كما ذكره المسعودي .
(7) في مروج الذهب : وانت تخفق نعاسا .

واقعة الجمل _ 71 _

   ثم انه ( عليه السلام ) بعث الى صاحب الراية ، وهو ولده محمد بن الحنفية (1) ، يأمره ان يحمل على القوم ، فأبطأ بالحملة عليهم ، وكان بأزائه ( قوم من الرماة قد نفذت سهامهم ) (2) .
   فأتاه ( عليه السلام ) وقال له : « لم لا حملت على القوم ؟ » ، قال : لم أجد متقدما [ إلا الرماة ، وقد نفدت سهامهم ] (3) ، فضربه بقائم سيفه ، وقال : ( ما ادركك عرق من ابيك ) (4) أحمل بين الاسنة ، [ فإن الموت عليك جنة ] (5) . . .
   فحمل حتى شبك بين الرماح والسهام ، وقد اخذ منه الراية وحمل علي ( عليه السلام ) على القوم ، وطاف بنو ضبة بالجمل وهم يرتجزون بهذه الابيات (6) :
نـحن  بنو ضبة اصحاب iiالجمل      ردوا عـلينا شـيخنا ثـم iiحـبل
عثمان ردوه علينا بأطراف الاسل      الـموت أحـلى عندنا من iiالعسل
   وكانوا بنو ضبة سبعين رجلا ، فكلما لزم خطام الجمل رجل منهم قطعت يداه (7) ، حتى لم يبق منهم أحد وعرقب الجمل ، ولم يقع حتى قطعت قوائمه الاربع ، فأخذوه بالسيوف قطعا ، وكان المعرقب له أبو جعدة بن غوبة الانصاري .
   فمن قتل عنده محمد بن طلحة السجاد (8) ، قتله عاصم بن الغيث ، وطلحة بن عبد الله .

---------------------------
(1) كان لمحمد يوم البصرة عشرون سنة لان ولادته سنة 16 للهجرة ، وتوفي سنة احدى وثمانين عن خمس وستين سنة .
انظر : تذكرة الخواص : 169 ، البداية والنهاية 9 : 38 .
(2) في مروج الذهب : قوم من الرماة ينتظر نفاد سهامهم .
(3) في مروج الذهب : الا على سهم أو سنان ، واني منتظر نفاد سهامهم واحمل .
(4) في مروج الذهب : ادركك عرق من امك .
(5) في مروج الذهب : فإن الموت أحب اليك من .
(6) ذكر المسعودي في مروج الذهب م 2 : 375 ، وطافت بنو ضبة بالجمل واقبلوا يرتجزون ويقولون :

نحن بنو ضبة اصحاب iiالجمل      نـنازل الموت إذا الموت iiنزل
ردوا  عـلينا شـيخنا ثم iiبجل      ننعي ابن عفان بأطراف الاسل
والموت أحلى عندنا من iiالعسل
(7) قال المسعودي : قطع على خطام الجمل سبعون يدا ، من بني ضبة منهم سعد بن سود القاضي متقلدا مصحفا ، كلما قطعت يد واحد منهم فصرع قام آخر فأخذ الخطام وقال : انا الغلام الضبي .
وذكر ابن الاثير : ربيعة العقيلي من اصحاب الامام علي ( عليه السلام ) برز الى العدوي بعد ان تولى زمام الجمل ، فبرز له العقيلي وهو يقول :
يـا امـنا أعق أمٍ iiنعلم      والأم تغذو ولدا iiوترحم
ألا ترين كم شجاع يكلم      وتحتلى منه يد iiومعصم
انظر : الكامل في التاريخ 3 : 248 .
(8) ذكر ابن الاثير في الكامل في التاريخ 3 : 249 ، وكان ممن أخذ بزمام الجمل محمد بن طلحة ، وقال : يا امتاه مريني بأمرك . قالت : آمرك ان تكون خير بني آدم ان تركت ، فجعل لا يحمل عليه احد الا حمل عليه ، وقال : حاميم لا ينصرون ، واجتمع عليه نفر كلهم ادعى قتله ، المكعبر الاسدي ، والمكعبر الضبي ، ومعاوية بن شداد ، وعفار السعدي النصري ، فأنفذه بعضهم بالرمح ، ففي ذلك يقول :
وأشـعـث قـوام بـآيات iiربـه      قـليل الاذى فيما ترى العين مسلم
هـتكت لـه بالرمح جيب قميصه      فـخر  صـريعا لـليدين iiولـلفم
يـذكرني  حـاميم والرمح iiشاجر      فـهلا  تـلا حـاميم قـبل iiالتقدم
على غير شيء غير ان ليس تابعا      عـليا ومـن لا يـتبع الحق iiيندم

واقعة الجمل _ 72 _

   قال ( المصنف رحمه الله ) :
   فجاء خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين الى امير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وقال : جعلت فداك ، لا تنكس رأس محمد ، فأردد الراية إليه ، فدعاه وردها عليه ، فأخذها وقال :
أطـعن  بها طعن ابيك تحمد      لا خير في الحرب إذ لم توقد
بـالمشرفي والـقنا iiالـمسدد
   قال : والذي قتل من اصحاب الجمل ستة عشر الف وسبعمائة وسبعون رجلا (1) ، والذي قتل من أصحاب امير المؤمنين أربعة آلاف رجل وقيل ان عبد الله بن الزبير قبض على خطام الجمل ، فصرخت به عائشة تقول : واثكل اسماء !
   خل عن الخطام ودونك القوم ، خلاه والتقى بمالك النخعي الاشتر ، فاعتركا مليا حتى سقطا الى الارض ، فعلاه مالك بالسيف ، فلم يجد له سبيلا الى قتله ، وعبد الله ينادي من تحته : اقتلوني ومالكا واقتلوا مالكا معي ، فلم يجبه أحد ، ولا احد يعلم من الذي يعنيه لشدة اختلاط الناس ببعضهم ، وثور النقع ، فلو قال اقتلوني ومالك الاشتر ، لقتلا جميعا (2) ، فقال مالك هذه الابيات (3) :
أعايش  لولا أنني كنت iiطاويا      ثـلاثا لالفيت ابن أختك iiهالكا
غـداة  ينادي والرماح iiتنوشه      كوقع الضياحي اقتلوني ومالكا
فـنجاه  مني أكله (4)  وشبابه      وأنـي شـيخ لم اكن iiمتماسكا

---------------------------
(1) ذكر المدائني أنه رأى بالبصرة رجلا مصطلم الاذن ، فسألته عن قصته ، فذكر أنه خرج يوم الجمل ينظر الى القتلى ، فنظر الى رجل منهم يخفض رأسه ويرفعه وهو يقول :
لقد أوردتنا حومة الموت أمنا      فلم تنصرف إلا ونحن iiرواء
أطـعنا  بني تيم لشقوة iiجدنا      ومـا تـيم إلا أعـبد iiوإماء
فقلت : سبحان الله ! أتقول هذا عند الموت ؟ قل لا اله الا الله ، فقال : يا ابن اللخناء ، إياي تأمر بالجزع عند الموت ؟ فوليت عنه متعجبا منه ، فصاح لي ادن مني ولقني الشهادة ، فصرت إليه ، فلما قربت منه استدناني ، ثم التقم أذني فذهب بها ، فجعلت ألعنه وأدعو عليه ، فقال : إذا صرت الى امك فقالت من فعل هذا بك ؟ فقل : عمير بن الاهلب الضبي مخدوع المرأة التي أرادت ان تكون امير المؤمنين .
انظر : مروج الذهب م 2 : 379 .
(2) الكامل في التاريخ 3 : 251 .
(3) ذكره الشيخ المجلسي في بحار الانوار 32 : 192 ، وزاد فيه
فـلم يعرفوه إذ دعاهم iiوغمه      خدب عليه في العجاجة باركا
وذكر المناسبة التي قال فيها مالك الاشتر هذه الابيات ، قال : فلما وضعت الحرب أوزارها ، ودخلت عائشة الى البصرة ، دخل عليها عمار بن ياسر ومعه الاشتر ، فقالت : من معك يا ابا اليقظان ؟ فقال : مالك الاشتر ، فقالت : انت فعلت بعبدالله ما فعلت ؟ فقال : نعم ولولا كوني شيخاً كبيراً وطاوياً لقتلته وأرحت المسلمين منه . قالت : أوما سمعت قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ان المسلم لا يقتل إلا عن كفر بعد ايمان ، أو زنى بعد أحصان ، أو قتل النفس التي حرم الله قتلها ؟ فقال : يا ام المؤمنين على أحد الثلاثة قاتلناه ، ثم انشد الشعر .
انظر : بحار الانوار 32 : 191 .
(4) في الاصل : سيفه والصواب كما ورد في بحار الانوار .

واقعة الجمل _ 73 _

   ولما سقط الجمل بالهودج ، انهزم القوم عنه ، فكانوا كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف (1) .
   فجاء محمد بن ابي بكر وادخل يده الى اخته ، فقالت له : من هذا المتهجم على حرم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ قال : انا اقرب الناس اليك ، وابغضهم لك ، انا أخوك محمد بعثني اليك أمير المؤمنين ، يقول لك ، هل اصابك شيء من السلاح ؟ قالت : ما اصابني إلا سهم لم يضرني (2) .
   ثم جاء إليها امير المؤمنين ( عليه السلام ) بذاته ، حتى وقف عليها ، وضرب الهودج بالقضيب ، وقال : « يا حميراء ! هل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أمرك بهذا الخروج علي ؟ ألم يأمرك ان تقري في بيتك ؟ والله ما انصفك الذين أخرجوك من بيتك ، إذ صانوا حلائلهم وابرزوك !! »
   ثم انه ( عليه السلام ) أمر اخاها محمداً ان ينزلها في دار آمنة بنت الحارث ( ابن طلحة الطلحات ) ، فرفع الهودج وجعل يضرب الجمل بسيفه .

امير المؤمنين ( عليه السلام ) يأمر بأعادة عائشة الى المدينة :
   قال المسعودي (3) : ثم ان امير المؤمنين ( عليه السلام ) بعث عبد الله بن العباس الى عائشة يأمرها بالذهاب الى المدينة المنورة ، فدخل عليها بغير اذنها ، فاجتذب وسادة وجلس عليها .

---------------------------
(1) قال الشيخ المفيد ( رحمه الله ) : ولما رأى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) جرأة القوم على القتال وصبرهم على الهلاك ، نادى أصحاب ميمنته ان يميلوا على ميسرة القوم ، ونادى اصحاب ميسرته ان يميلوا على ميمنتهم ، ووقف ( عليه السلام ) في القلب فما كان بأسرع من ان تضعضع القوم ، واخذت السيوف من هاماتهم مأخذها ، فانكشفوا وقد قتل منهم ما لا يحصى كثرة ، واصيب من اصحاب امير المؤمنين نفر كثير ، وأحاطت الازد بالجمل يقدمهم كعب بن سور ، وخطام الجمل بيده ، واجتمع إليه من كان أنفل بالهزيمة ونادت عائشة :
يا بني الكرة الكرة ! اصبروا فإني ضامنة لكم الجنة ؛ فحفوا بها من كل جانب واستقدموا بردة كانت معها ، وقلبت يمينها على منكبها الايمن الى الايسر ، والايسر الى الايمن ، كما كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يصنع عند الاستسقاء ؛ ثم قالت : ناولوني كفا من تراب ؛ فناولوها ، فحثت به وجوه أصحاب امير المؤمنين ( عليه السلام ) وقالت : شاهت الوجوه ! كما فعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بأهل بدر ، قال : وجر كعب بن سور بالخطام ، وقال : اللهم إن تحقن الدماء وتطفي هذه الفتنة فاقتل عليا ، ولما فعلت عائشة ما فعلت من قلب البرد وحصب اصحاب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بالتراب ، قال ( عليه السلام ) : « ما رميت إذ رميت يا عائشة ولكن الشيطان رمى وليعودن وبالك عليك إن شاء الله » .
انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 328 ، الفتوح م 1 : 484 .
(2) روى بن ابي سبرة عن علقمه ، عن امه ، قال : سمعت عائشة تقول : لقد رأيتني يوم الجمل وانه على هودجي الدروع الحديدية ، والنبل يخلص الي منها وانا في الهودج ، فهون ذلك عليّ ما صنعنا بعثمان ، ألبنا عليه حتى قتلناه ، وجرينا عليه الغواة ، فنعوذ بالله من الفرقة بين المسلمين .
انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 381 .
(3) مروج الذهب م 2 : 376 .

واقعة الجمل _ 74 _

   فقالت له : يا ابن عباس ، لقد أخطأت السنة المأمور بها بدخولك علينا بغير اذن منا ، وجلوسك على رحلنا بغير إذننا (1) ! فقال : نعم ، لو كنت في البيت الذي تركك فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لما دخلت (2) عليك إلا بأذنك ، ولا جلست (3) على رحلك إلا بأمرك ، بعثني امير المؤمنين ( عليه السلام ) إليك يأمرك بسرعة الاوبة ، والتأهب للذهاب الى المدينة .
   قالت : أبيت عما قلت ، وخالفت امر من وصفت (4) ، فمضى إليه واخبره بأمتناعها ، ( فبعثه ( عليه السلام ) إليها ثانية ] (5) ، وقال : ان امير المؤمنين يعزم عليك ان ترجعي (6) فأنعمت بالاجابة للامر فجهزها ( عليه السلام ) ، واتاها في اليوم الثاني ، ومعه بنوه الحسن والحسين واولاده جميعاً واخوته وبنو هاشم (7) ، فدخلوا عليها فلما ( ابصرته صاحت مع من عندها من النسوة ) (8) في وجهه ( عليه السلام ) ، يا قاتل الاحبة ! فقال ( عليه السلام ) : « لو كنت قاتل الاحبة لقتلت من في هذا البيت » .
   وهو يشير الى احد تلك البيوت ، قد اختلى فيه مروان بن الحكم ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عامر ، ( وجماعة من بني امية ) (9) ، فضرب كل من كان معه على قائم سيفه ، لما علموا منه ( عليه السلام ) ، مخافة من خروجهم عليهم فيغتالونهم ، فقالت عائشة ( بعد كلام بينهما ) (10) : قد صار ما صار ، فأحب الان ان اقيم معك لعلي اسير لقتال عدوك ، فقال : « بل ارجعي الى البيت الذي تركك فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
   فسألته ان يؤمن ابن اختها عبد الله بن الزبير ، فأمنه ، وتكلم الحسن والحسين ( عليهما السلام ) في مروان ، فأمنه (11) ، فقالت : والله ، اني قد ازددت يا ابن ابي طالب كربا ، ووددت اني ، لم اخرج هذا المخرج ، ولقد علمت بما قد اصابني فيه .

---------------------------
(1) في مروج الذهب : وجلست على رحلنا بغير امرنا .
(2) في مروج الذهب : دخلنا .
(3) في مروج الذهب : جلسنا .
(4) في مروج الذهب : وخالفت ما من وصفت .
(5) في مروج الذهب : فرده إليها .
(6) في مروج الذهب : وقال : قل لها : ان أبيت عما قلت لك ، ما تعلمين .
(7) في مروج الذهب : وغيرهم وشيعته من همدان .
(8) وفيه ايضا : ابصرت به النسوان صحن .
(9) سقطت من مروج الذهب .
(10) في مروج الذهب : بعد خطب طويل كان بينهما .
(11) في مروج الذهب م 2 : 378 وأمن الوليد بن عقبة وولد عثمان وغيرهم من بني امية ، وأمن الناس جميعا ، وقد كان نادى يوم الوقعة ، من ألقى سلاحه فهو آمن ، ومن دخل داره فهو آمن .
وخرجت امرأة من عبد القيس تطوف في القتلى ، فوجدت ابنين لها قد قتلا ، وقد كان قتل زوجها وأخوان لها فيمن قتل قبل مجيء علي البصرة ، فأنشأت تقول :
شهدت الحروب فشيبتني      فلم  أر يوما كيوم iiالجمل
أضـر  على مؤمن فتنة      وأقـتله  لـشجاع iiبطل
فـليت الظعينة في iiبيتها      ولـيتك عسكر لم iiترحل
مروج الذهب م 2 : 378 .

واقعة الجمل _ 75 _

   وقال له مروان بن الحكم : يا امير المؤمنين ، اني احب ان ابايعك ، واكون في خدمتك ! فقال ( عليه السلام ) : « اولم تبايعني ، بعد ان قتل عثمان ، ثم نكثت ، فلا حاجة لي ببيعتك ، انها كف يهودية ، لو بايعني بيده لغدر بأسته ، اما ان له امرة كلعقة الكلب انفه ، وهو ابن الاكبش الاربعة ، وستلقى الامة منه ، ومن ولده يوما احمر » .
   قال المسعودي : ولما توجهت عائشة الى المدينة ، بعث امير المؤمنين ( عليه السلام ) معها اخاها عبد الرحمن بن ابي بكر (1) ، وثلاثين رجلا ، وعشرين امرأة من ذوات الدين من آل عبد قيس وهمدان ، ولزم عليهم بخدمتها (2) ، فلما وصلت المدينة ، قيل لها : كيف رأيت مسيرك وما صنع معك علي ( عليه السلام ) ؟ قالت : والله ، لقد كنت بخير ، ولقد اجاد ابن ابي طالب واكثر بالعطاء (3) ، ( ولكنه بعث معي رجالا انكرتهم ، فعرفها النسوة امرهن ، فسجدت وقالت : ما ازددت والله يابن ابي طالب الا كرما ، ووددت اني لم اخرج ، وان اصابتني كيت وكيت من امور ذكرتها ) (4) . قال ( المصنف رحمه الله ) ؛ ومن كلام امير المؤمنين ( عليه السلام ) ، لما أظفره الله تعالى على اصحاب الجمل ، بعد ان حمد الله عز وجل واثنى عليه ، صلى على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال : « اما بعد ، ايها الناس : ان الله عز وجل ، ذو رحمة واسعة ، ومغفرة دائمة ، وعفو جم ، وعقاب اليم ، قضى ان رحمته وسعت كل شيء ، ومغفرته لأهل طاعته من خلقه ، وبرحمته اهتدى المهتدون ، وقضى ان نقمته وسطواته وعقابه على اهل معصيته من خلقه ، وبعد الهدى والبينات ما ضل الضالون ، فما ظنكم يا اهل البصرة وقد نكثتم بيعتي ، وظاهرتم على عدوي (5) » .

---------------------------
(1) مروج الذهب م 2 : 379 .
(2) في مروج الذهب : ألبسهن العمائم وقلدهن السيوف ، وقال لهن : لا تعلمن عائشة أنكن نسوة وتلثمن كأنكن رجال .
(3) في مستدرك احقاق الحق وبالاسناد عن العوام بن حوشب قال : حدثني ابن عم لي من بني الحارث بن تيم الله يقال له مجمع قال : دخلت مع أمي على عائشة ، فسألتها امي قالت : كيف رايت خروجك يوم الجمل ؟ قالت : انه كان قدرا من الله تعالى ، فسألتها عن علي قالت : سألتني عن أحب الناس كان الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
لقد رأيت علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً وقد جمع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لفوعا عليهم ثم قال : هؤلاء اهل بيتي وخاصتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً .
انظر : احقاق الحق 2 : 546 .
(4) نص ما ذكره المسعودي في مروج الذهب وقد سقط من النسخة .
(5) الارشاد 1 : 257 ، بحار الانوار 32 : 230 ، « خطبة الامام ( عليه السلام ) المحصورة بين الاقواس كما جاء في الارشاد وبحار الانوار » .
اما ما زاده المصنف وقد حصرناه ايضا بين قوسين فهو ما ورد في كتاب الامام علي ( عليه السلام ) الى اهل الكوفة عندما تحقق النصر على اصحاب الجمل وفتح البصرة ، وربما وقع المصنف في وهم ، فنبهنا عنه » .

واقعة الجمل _ 76 _

   ( وقمت بالحجة واقلت العثرة ، والزلة من اهل الردة ، فأستتبت من نكث فيهم بيعتي ، فلم يرجع عما اصر عليه ، فقتل الله تعالى من قتل منهم الناكث ، وولى الدبر الى مصيرهم بشقائهم ، فكانت المرأة عليها اشأم من ناقة الحجر ، فخذلوا وأدبروا دبرا ، فقطعت بهم الاسباب فلما حل بهم ما قدروا سألوني العفو ، فقبلت منهم القول وغمدت عنهم السيف ، واجريت الحق والسنة بينهم ، واستعملت عبد الله بن العباس عليهم ) (1) .
   فقام إليه رجل منهم ، وقال : نظن خيراً ، ونراك قد ظفرت وقدرت ، فأن عاقبت فقد اجترمنا ذلك ، وان عفوت [ فأنت محل العفو ، والعفو أحب الى الله عزوجل ، والينا ] (2) ، فقال ( عليه السلام ) : « قد عفوت عنكم ، فإياكم والفتنة فأنها اشد من القتل ، فأنكم اول الرعية لنكث البيعة ، وشق عصا هذه الامة » (3) ، ثم جلس ، فأتاه الناس وبايعوه .

من كلامه ( عليه السلام ) حين قتل طلحة وانفض اهل البصرة :
   ومن كلامه ( عليه السلام ) ، لما طاف على القتلى يوم الجمل ، قال الشيخ المفيد رحمه الله في ارشاده (4) : قال امير المؤمنين ( عليه السلام ) : « بنا ( تسنمتم ) (5) الشرف ، وبنا ( انفجرتم ) (6) عن السرار ، وبنا اهتديتم في الظلماء ، ( وقر ) (7) سمع لم يفقه الواعية للنبأة كيف يراع من أصمته الصيحة ، ربط جنان لم يفارقه الخفقان ، ما زلت أتوقع بكم عواقب الغدر ، وأتوسمكم بحيلة المغترين ، سترني عنكم جلباب الدين ، وبصرنيكم صدق النية ، اقمت لكم الحق حيث تعرفون ، ولا دليل وتحتفرون ولا تميهون (8) اليوم ،

---------------------------
(1) لم تردك تكملة الخطبة في الارشاد أو في بحار الانوار .
(2) في الارشاد : وإن عفوت فالعفو أحب الى الله .
(3) قال الواقدي : ولما فرغ امير المؤمنين ( عليه السلام ) من أهل الجمل جاءه قوم من فتيان قريش يسألونه الامان وأن يقبل منهم البيعة ، فأستشفعوا إليه بعبد الله بن عباس ، فشفعه وأمرهم في الدخول عليه ، فلما مثلوا بين يديه قال لهم : « ويلكم يا معشر قريش علام تقاتلونني ! على أن حكمت فيكم بغير عدل ! أو قسمت بينكم بغير سوية ! أو استأثرت عليكم ! أو تبعدي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أو لقلة بلاء في الاسلام ! » . فقالوا : يا امير المؤمنين نحن إخوة يوسف ( عليه السلام ) فأعف عنا ، واستغفر لنا ، فنظر الى أحدهم فقال له : « من انت ؟ » . قال : أنا مساحق بن مخرمة معترف بالزلة ، مقر بالخطيئة ، تائب من ذنبي ، فقال ( عليه السلام ) : « قد صفحت عنكم » ، وتقدم إليه مروان بن الحكم وهو متكئ على رجل ، فقال ( عليه السلام ) : « أبك جراحة ؟ » ، قال : نعم يا امير المؤمنين وما أراني لما بي إلا ميتا ! فتبسم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقال : « لا والله ما انت لما بك ميت ، وستلقى هذه الامة منك ومن ولدك يوما أحمر » .
انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 413 .
(4) الارشاد 1 : 253 ، بحار الانوار 32 : 236 ح 190 .
(5) في النسخة : اكتسبتم ، والصواب كما جاء في الارشاد .
(6) في النسخة : افتخرتم من السراء .
(7) في النسخة : وقرع .
(8) أماه الحافر يميه : إذا أنبط الماء ووصل إليه عند حفره البئر .
انظر : الصحاح ـ موه ـ 6 : 225 .

واقعة الجمل _ 77 _

   نطق لكم العجماء ذات البيان ، عزب فهم امرء تخلف عني ، ما شككت في الحق منذ أريته ] (1) ، كان بنو يعقوب على المحجة العظمى حتى عقوا اباهم ، وباعوا أخاهم ، وبعد الاقرار كانت توبتهم ، وباستغفار ابيهم واخيهم غفر لهم » .

من كلامه عليه السلام عندما طاف بالقتلى (2) :
  « هذه قريش ، جدعت أنفي ، وشفيت نفسي ؛ لقد تقدمت اليكم (3) احذركم عض السيوف ، فكنتم أحداثا لا علم لكم بما ترون ، [ فناشدتكم العهد والميثاق ، فتماديتم في الغي والطغيان ، وأبيتم إلا القتال ، فناهضتكم بالجهاد ] (4) ، ولكنّه الحين (5) وسوء المصرع ، فأعوذ بالله من سوء المصرع » .
   فمرّ ( عليه السلام ) ( بمعبد بن المقداد ) (6) ، فقال ( عليه السلام ) : « رحم الله أبا هذا ، أما إنه لو كان حيا لكان رأيه أحسن من رأي هذا » .
   فقال عمار بن ياسر : الحمد لله الذي [ رفعك ] (7) يا امير المؤمنين (8) ، وجعل خده الأسفل ، إنا والله يا أمير المؤمنين ( ما نبالي من عند عن الحق من ولد ووالد . فقال أمير المؤمنين ) (9) : « رحمك الله وجزاك عن الحق خيرا » .
   ثم انه ( عليه السلام ) مر بعبد الله بن ربيعة بن دراج ، فقال ( عليه السلام ) : « هذا البائس ما كان أخرجه ؟ أدين أخرجه أم نصر لعثمان ؟ ! والله ما كان رأى عثمان فيه ولا في [ ابيه ] (10) لحسن » .
   ثم إنه ( عليه السلام ) مر بمعبد بن زهير بن أبي امية (11) ، فقال ( عليه السلام ) : « لو كانت الفتنة برأس الثريا لتناولها هذا الغلام ، والله ما كان فيها بذي نحيزة (12) ، ولقد أخبرني من أدركه إنه ليولول فرقا من السيف » .
   ثم مر ( عليه السلام ) بمسلمة بن قرظة ، فقال ( عليه السلام ) : « البر أخرج هذا ! والله لقد كلمني أن أكلم له عثمان في شيء كان يدعيه قبله بمكة ،

---------------------------
(1) في النسخة : رأيته .
(2) انظر : الارشاد 1 : 254 ـ 256 ، بحار الانوار 32 : 207 ح 163 .
مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 391 ، 392 ، 394 .
(3) سقطت من النسخة الخطية واثبتناها من الارشاد .
(4) سقطت من الارشاد .
(5) الحين : الهلاك .
(6) في الاصل : سعيد ، وصوابه كما في الارشاد .
(7) في الارشاد : أوقعه .
(8) سقط من الارشاد .
(9) سقطت من النسخة واثبتناها من الارشاد .
(10) في النسخة : ابنه . (11) في الاصل ( امية ) ، والصواب هو : معبد بن زهير بن ابي امية بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي ابن أخي ام سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
انظر : اسد الغابة 4 : 391 ، الاصابة 3 : 479 | 4327 .
(12) النحيزة : الطبيعة . الصحاح ـ نحز ـ 3 : 898 .

واقعة الجمل _ 78 _

( فأعطاه اياه ) (1) ، ثم قال ( لي ) (2) لولا أنت ما اعطيته ( اياه ) (3) ، إن هذا ( ما علمت ) (4) بئس أخو العشيرة ، ثم جاء المشوم للحين (5) ، ( ناصرا يطالب دم عثمان ) » (6) .
   ثم مر ( عليه السلام ) بعبد الله بن حميد بن زهير ، فقال ( عليه السلام ) : « إن هذا أيضا ممن أوضع في قتالنا ، ( ثم أنه يزعم إنه يطلب رضاء الله بذلك ) (7) ، ولقد كتب إلي كتابا يؤذي عثمان فيه ، فأعطاه شيئا فرضي عنه » .
   ثم مر ( عليه السلام ) بعبد الله بن حكيم بن حزام ، فقال ( عليه السلام ) : « إن هذا قد خالف أباه في الخروج ، وأبوه حيث لم ينصرنا وقد أحسن في بيعته لنا ، وإن كان قد كف وجلس حيث شك في القتال ، وما ألوم اليوم من كف عنا وعن غيرنا ، ولكن ( اللوم على ) (8) الذي قاتلنا » .
   ثم مر عليه السلام بعبدالله بن المغيرة بن الأخنس بن [ شريق ] (9) ، فقال ( عليه السلام ) : « وأما هذا ( فقتل ابوه ) (10) يوم قتل عثمان ( في الدار ) (11) خرج مغضبا لقتل أبيه ، وهو غلام حدث ( حين قتله ) (12) » .
   ثم مر ( عليه السلام ) ( بعبد الله بن عثمان ) (13) بن الأخنس بن شريق ، فقال ( عليه السلام ) : « وأما هذا فكأني أنظر إليه ، وقد أخذ القوم السيوف هاربا يغدو من الصف ، ( فنهنهت ) (14) عنه فلم يسمع من ( نهنهت ) (15) ، حتى قتل ، وكان هذا مما خفي على فتيان قريش ، أغمار لا علم لهم بالحرب ، خدعوا [ واستزلوا ] (16) ، فلما وقفوا ( وقعوا ) (17) فقتلوا » .
   ثم مر ( عليه السلام ) ( بكعب بن سور ) ((18) ، فقال ( عليه السلام ) : ( وأما هذا الذي خرج علينا ، وفي عنقه المصحف ، يزعم أنه ناصر ( أمِّهِ ) (19) ، يدعو الناس الى ما فيه وهو لا يعلم بما فيه ، ثم استفتح ( وخاب كل ) (20) جبار عنيد ، أما إنه دعا الله أن يقتلني فقتله الله تعالى » .

---------------------------
(1) في الارشاد : فأعطاه عثمان .
(2) سقطت من الارشاد .
(3) سقطت من الارشاد .
(4) في النسخة الخطية : اما علمت ان هذا ، والصواب كما اثبت من الارشاد .
(5) في النسخة الخطية : لحينه .
(6) في الارشاد : ينصر عثمان .
(7) في الارشاد : زعم يطلب الله بذلك .
(8) في الارشاد : المليم .
(9) سقطت من الارشاد .
(10) سقطت من المخطوطة واثبتناها من الارشاد .
(11) سقطت ايضا واثبتناها من الارشاد .
(12) في النسخة : حين قتل ، والصواب كما في الارشاد .
(13) في النسخة الاصلية : عبد الله بن ابي عثمان ، وهذا تصحيف ربما من الناسخ واثبتت الصواب من الارشاد .
(14) في النسخة الاصلية : فنهيت .
(15) في النسخة كلمة مبهمة ويحتمل من تصحيفات الناسخ .
(16) في النسخة : يستنبزوا .
(17) في النسخة الكلمة غير واضحة واثبتناها من الارشاد .
(18) في النسخة : كعب بن ثور ، وهو تصحيف والصواب كما في الارشاد .
(19) سقطت من النسخة واثبتت من الارشاد .
(20) في النسخة [ وجاء معه ] وهو تصحيف والصواب كما في الارشاد .

واقعة الجمل _ 79 _

   أجلسوا ( كعب بن سور ) (1) فأجلس ، فقال له ( عليه السلام ) : « يا كعب ، قد وجدت ما وعدني ربي حقا ، فهل وجدت ما وعدك ربك حقا ؟ » .
   ثم قال ( عليه السلام ) : « أضجعوه » ، ثم مر ( عليه السلام ) بطلحة بن عبيد الله (2) ، فقال ( عليه السلام ) : « وأما هذا فهو الناكث لبيعتي ، والمنشئ الفتنة في الأمة ، والمجلب علي ، والداعي إلى قتلي وقتل عترتي » . اجلسوا ( طلحة بن عبيد الله ) (3) فأجلس ، ثم قال ( عليه السلام ) له : « يا طلحة ، قد وجدت ما وعدني ربي حقا ، فهل وجدت ما وعدك ربك حقا ؟! » ثم قال ( عليه السلام ) : « أضجعوه » ، فأضجع .
   وسار ( عليه السلام ) ، فقال له بعض أصحابه : يا امير المؤمنين ، رأيتك تكلم كعبا وطلحة بعد أن قتلا ، فهل يفقهان ما قلت لهما ؟!
   فقال ( عليه السلام ) : « [ أم ] (4) والله ، إنهما لقد سمعا كلامي ، كما سمع أهل القليب كلام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم بدر » (5) .
   قال المسعودي : ولما ان من الله تعالى عليه بما هو اهله من الظفر على أصحاب الجمل ، دخل عليه بجماعة من اصحابه الى بيت مال المسلمين بالبصرة ، فنظر الى ما فيه من العين والورق ، فأدام انظر إليه ، فجعل يقول : « يا صفراء ويا بيضاء ، غري غيري » (6) .
   ثم قال ( عليه السلام ) : « اقسموه بين اصحابي ، خمسمائة خمسمائة » ،

---------------------------
(1) سقطت من الاصل .
(2) هو طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عبيد الله بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ، وهو ابن عم أبي بكر الصديق ، ويكنى ابا محمد ، وأمه الصعبة ، وكانت تحت ابي سفيان بن حرب ، وقتل وهو ابن اربع وستين ، وقيل غير ذلك ، ودفن بالبصرة ، وقبره فيها الى هذه الغالية ، وقبر الزبير بوادي السباع .
انظر : مروج الذهب م 2 : 374 .
(3) سقطت من الاصل .
(4) في النسخة : ايم .
(5) عن محمد بن الحنفية ( رحمه الله ) ، قال : فوالله لقد رأيت أول قتيل من القوم كعب بن سور بعد ان قطعت يمينه التي كان الخطام بها ، فأخذه بشماله وقتل بعد ذلك ، وقتل معه أخوه وابناه .
ثم اخذ خطام الجمل بعده رجل منهم وهو يقول :
يا امنا عائش لا تراعي      كـل بنيك بطل iiشجاع
فما برح حتى قطعت يداه وطعن فهلك ؛ فقام مقامه آخر منهم فقطعت يمينه وضرب على رأسه فهلك ؛ فما زال كل من اخذ بخطام الجمل قطعت يداه أو جذ ساقه حتى هلك منهم ثمانمائة رجل ، وقبل ذلك قتل حول الجمل سبعون رجلا من قريش .
مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 349 ، تاريخ الطبري 4 : 518 .
(6) قال الشيخ المفيد ( رضي الله تعالى عنه ) : ورجع طلحة والزبير ، ونزلا دار الاماره ، وغلبا على بيت المال ، فتقدمت عائشة وحملت مالا منه لتفرقه على انصارها فدخل عليها طلحة والزبير في طائفة معهما واحتملا منه شيئا كثيرا ، فلما خرجا جعلا على ابوابه الاقفال ، ووكلا به من قبلهما قوما ، فأمرت عائشة بختمه ، فبرز لذلك طلحة يختمه فمنعه الزبير ، وأراد ان يختمه الزبير دونه فتدافعا ! فبلغ عائشة ذلك فقالت : يختمها عني ابن اختي عبد الله بن الزبير ، فختم يومئذ بثلاثة ختوم .
وقال ايضاً : ولما خرج عثمان بن حنيف من البصرة ، وعاد طلحة والزبير الى بيت المال ، فتأملا الى ما فيه من الذهب والفضة قالوا : هذه الغنائم التي وعدنا الله بها ، واخبرنا انه يجعلها لنا !!
انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 284 ، 285 .

واقعة الجمل _ 80 _

فقسموه فأصاب كل رجل منهم خمسمائة ، فلم يزد درهما ولا نقص درهما ! فكان عدد اصحابه اثني عشر الفا ، وقبض ( عليه السلام ) على ما اصابه في معسكرهم ، فباعه وقسمه ايضاً عليهم ، ولم يزد لنفسه ولا لأولاده واهل بيته عن اصحابه بشيء ابدا .
   ثم اتاه رجل من اصحابه لم يكن حاضر القسمة ، فقال : يا امير المؤمنين ، اني لم آخذ شيئا لعدم حضوري عند القسمة ، فالسبب الموجب لغيابي عنها هو كيت وكيت ، فأعطاه ما اصابه من القسمة (1) .

ومن كلامه ( عليه السلام ) حين قدم الكوفة من البصرة :
   ثم توجه ( عليه السلام ) الى الكوفة ، قال [( المسعودي ) : فقال حين قدومه إليها ؛ بعد ان حمد الله واثنى عليه ، وصلى على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « أما بعد ، فالحمد لله الذي نصر وليه ، وخذل عدوه ، وأعز الصادق المحق ، وأذل الكاذب المبطل ، ايها الناس عليكم (2) بتقوى الله حق تقاته ، واطاعة من اطاع الله من اهل بيت نبيكم ، الذين هم أولى بطاعتكم من المنتحلين المدعين القائلين الينا ، يتفضلون بفضلنا ، ويجاحدونا في أمرنا ، وينازعونا حقنا ويدفعونا عنه ، وقد ذاقوا وبال ما اجترحوا ، فسوف يلقون غيا ، وقد قعد عن نصرتي منكم رجال ، وانا عليهم عاتب زار ، فاهجروهم وأسمعوهم ما يكرهون حتى يعتبونا ونرى ما نُحِبُّ » (3) .

---------------------------
(1) مروج الذهب م 2 : 380 .
(2) في الارشاد : يا اهل هذا المصر .
(3) الارشاد 1 : 259 ، أمالي المفيد : 127 ، بحار الانوار 32 : 351 ح 334 .