وكتب الى عبد الله بن عامر : اما بعد ، فأن المنبر مركب ذلول سهل الرياض لا ينازعك اللجام ، وهيهات ذلك إلا بعد ركوب اثباج (10) المهالك ، واقتحام امواج المعاطب ، فكأني بكم يا بني أمية شعارير (11) كالاوراق تقودها الحداة (12) ، أو كرخم الخندمة (13) تذرف خوف العقاب ، فثب الان قبل ان يستشري الفساد ، --------------------------- (1) البرد : جمع بريد . (2) وجف الفرس : عدا . (3) تتوجس : تسمع الى الصوت الخفي . (4) الحاوي : جامع الحيات . (5) الافكاك : التراخي . (6) اللماظة : ما يبقى في الفم من الطعام . (7) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب . والشظف : شدة العيش . (8) اي اجمع جمع الذرة . (9) جمهرة رسائل العرب 1 : 302 . (10) اثباج : جمع ثبج بالتحريك ، وهو ما بين الكاهل الى الظهر . (11) يقال : ذهبوا شعاليل وشعارير اي متفرقين . (12) الحداة : جمع الحادي وهو سائق الابل . (13) الخندمة : جبل بمكة . واقعة الجمل _ 40 _وندب السوط جديد ، والجرح لما يندمل ، ومن قبل استضراء الأسد ، والتقاء لحييه على فريسته ، وساور الامر مساورة الذئب الأطلس (1) كسيرة القطيع ، ونازل الرأي ، وانصب الشرك ، وأرم عن تمكن ، وضع الهناء مواضع النقب (2) ، واجعل اكبر عدتك الحذر ، وأحد سلاحك التحريض ، وأغض عن العوراء ، وسامح عن اللجوج ، واستعطف الشارد ، ولاين الأشوس (3) ، وقو عزم المريد ، وبادر العقبة ، وأزحف زحف الحية ، وإسبق قبل أن تسبق ، وقم قبل ان يقام لك ، واعلم أنك غير متروك ولا مهمل ، فأني لك ناصح امين ، والسلام .ثم انه كتب في اسفل الكتاب هذه الابيات شعرا (4) :
اما بعد ، يا ابن عقبة : كن الجيش ، وطيب العيش ، أطيب من سفع سموم (5) الجوزاء عند اعتدال الشمس في أفقها ، إلا ان أخاك (6) عثمان أصبح منك بعيدا ، فصرت بعده مزيدا ، فأطلب لنفسك ظلا تأوي إليه فتستكن به ، فأني اراك على التراب رقودا ، وكيف بالرقاد بك ؟ لا رقاد لك ! فلو قد استتب هذا الامر لمريده الفيت كشريد النعام يفزع من ظل الطائر ، وعن قليل تشرب الرنق (7) ، وتستشعر الخوف (8) ، ألا واني أراك فسيح الصدر ، مسترخي اللبب (9) ، رحوا الحزام ، قليل الاكتراث ، وعن قليل يجتث أصلك ، والسلام . وكتب في آخره هذين البيتين شعرا (10) :
(1) الذئب الاطلس : الذي في لونه غبرة الى السواد . (2) الهناء : القطران ، والنقب بضم ففتح : القطع المتفرقة . (3) الشوس بالتحريك : النظر بمؤخر العين تكبرا أو تغيظا . (4) انظر : جمهرة رسائل العرب 1 : 303 . والابيات لعبدة بن الصليب يرثي بها قيس بن عاصم كما في رواية الاصفهاني في الاغاني 18 : 163 وفيه يقول :
(6) الوليد بن عقبة أخو عثمان لامه . (7) ماء رنق : اي كدر . (8) يستشعر الخوف : جعله شعارا له . (9) اللبب : ما يشد في صدر الدابة لتثبيت الرحل . (10) جمهرة رسائل العرب 1 : 304 . واقعة الجمل _ 41 _وكتب الى يعلى بن أمية :اما بعد ، احاطك الله بكلاءته ، وأيدك بتوفيقه ، كتبت الي صبيحة ورد علي كتاب مروان بن الحكم ، يخبرني بأستشهاد أمير المؤمنين وشرح الحال ، وانه قد طال به العمر حتى نقضت قواه ، وثقلت نهضته ، وظهرت به الرعشة في اعضائه ، فلما رأى ذلك منه اقوام لم يكن لهم عنده موضعا للامامة والامانة ، وتقليل الولاية ، وثبوا إليه وألبوا عليه ، فكان اعظم ما نقموا عليه وأعابوه به ، ولايتك اليمن ، وطول مدتك عليها ، ثم ترامى بهم الامر حالا بعد حال ، حتى ذبحوه ذبح النطيحة مبادرا بها الموت (1) ، وهو مع ذلك صائم ، معانق المصحف ، يتلو كتاب الله تعالى ، فقد عظمت مصيبة الاسلام باستشهاد صهر (2) الرسول ، والامام المقتول على غير جرم سفكوا دمه ، وانتهكوا حرمته ، وانت تعلم ان بيعته في أعناقنا ، وطلب ثأره لازم علينا ، فلا خير في امرئ يعدل عن الحق ، ويميل الى الباطل ، عن نهج الصدق ، النار ولا العار ، الا وان الله جل ثناؤه لا يرضى بالتعذير في دينه ، فشمر أطرافك لدخول العراقين (3) ، فأني قد كفيتك الشام واهلها ، واحكمت امرها ، واعلم اني كتبت الى طلحة بن عبيد الله ان يلقاك بمكة لاجتماع رأيكما لاظهار الدعوة لطلب دم عثمان ، وكتبت ايضا الى عبد الله بن عامر ، يمهد لكم اهل العراقين ويسهل لكم حزونة عتابها واعلم ان القوم فاصدوك بادئ بدء ، لاستنزاف (4) ما حوته يداك من المال ، فأعلم ذلك واعمل على حسبه ، ايدك الله تعالى بمشيئته والسلام ، وكتب في اسفله هذه الابيات شعرا (5) :
اما بعد ، فقد وصل الي كتابك ، فنعم كتاب زعيم العشيرة ، وحامي الذمار (6) ، فأخبرك أن القوم على سنن استقامة [ إلا شظايا شعب ] (7) شننت بينهم مقولي (8) على غير مجابهة ، حسب ما تقدم من أمرك ، فأنما كان ذلك دسيس (9) العصاة ورمي الجذر من اغصان الدوحة ، ولقد طويت أديمهم على نغل (10) يحلم منه الجلد ، كذبت نفس الضان بنا ترك المظلمة ، وحب الهجوع الا تهويمة (11) الراكب العجل ، --------------------------- (1) في الاصل : الفوت وهو تصحيف وصوابه كما جاء في جمهرة رسائل العرب . (2) سقطت من الاصل . (3) في الاصل : العراقيين وهو تصحيف وصوابه كما جاء في الجمهرة . (4) في الاصل : الاستضاف وهو تصحيف وصوابه كما جاء في الجمهرة . (5) جمهرة رسائل العرب 1 : 305 ـ 306 . (6) الذمار : ما يلزمك حفظه وحمايته . (7) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب . (8) المقول : اللسان . (9) دسيس : إخفاء المكر . (10) الاديم : الجلد المدبوغ ، ونغل الاديم : فسد في الدباغ . (11) التهويم : هز الرأس من النعاس . واقعة الجمل _ 42 _حتى تجذ الجماجم جذ [ العراجين امهدلة حين ] (1) انبياعها ، وانا على صحة نيتي ، وقوة عزيمتي ، لتحريك الرحم لي وغليان الدم مني ، غير سابقك بقول ، ولا متقدمك بفعل ، وانت ابن حرب وطلاب الترات (2) ، وابي الضيم ، وكتابي إليك وانا كحرباء السبسب (3) في الهجير ترقب عين الغزالة (4) ، وكالسبع المفلت من الشرك يفرق (5) من صوت نفسه ، منتظرا لما تصح به عزيمتك ، ويرد به امرك فيكون العمل به والمحتذى عليه .وكتب في اسفل الكتاب هذه الابيات شعراً (6) :
اما بعد ، فإن امير المؤمنين كان لنا الجناح الحاضنة تأوي إليها فراخها تحتها ، فلما أقصده السهم صرنا كالنعام الشارد ، ولقد كنت مشرد (7) الفكر ، ضال الفهم ، التمس [ درية ] (8) استجن بها من خطأ الحوادث ، حتى وقع الي كتابك ، فأنتبهت من غفلة طار فيها رقادي ، فأنا كواجد المحجة (9) كان الى جانبها حائرا ، وكأني اعاين ما وصفت من تصرف الاحوال ، فالذي أخبرك به ان الناس في هذا الامر : تسعة لك ، وواحد عليك ، ووالله ان الموت في طلب العز احسن من الحياة في الذلة . وانت ابن حرب فتى الحروب ، ونصار بني عبد شمس ، والهمم بك منوطة لأنك منهضها ، فإذا نهضت فليس لنا التخلف عنك ، بل ولا لأحد من الناس القعود حين نهوضك ، وانا اليوم على خلاف ما كانت عليه عزيمتي : من طلب العاقبة ، وحب السلامة قبل قرعك سويداء (10) القلب بسوط الملام ، ولنعم مؤدب العشيرة انت ، وإنا لنرجوك بعد عثمان كهفا لنا ، نتوقع لوعدك ، نترقب لامرك وما يكون منك لأمتثله واعمل عليه ، إن شاء الله تعالى . --------------------------- (1) سقطت من الاصل ، وتجذ : تقطع ، والعراجين : جمع عرجون وهو اصل العذق . (2) الترات : جمع ترة ، وهي الثأر . (3) السبسب : المفازة . (4) الغزالة : الشمس . (5) يفرق : يخاف . (6) جمهرة رسائل العرب 1 : 306 ـ 307 . (7) سقطت من الاصل . (8) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب . الدريئة : كل ما استتر به الصيد ليختل . واستجن : استتر . (9) المحجة : الطريق الواضح . (10) سويداء القلب : حبته . واقعة الجمل _ 43 _
وكتب في اسفله هذه الابيات شعراً :
اما بعد ، فإنك ابن حرب (2) وسيد قريش ، واكملهم عقلا ، واحسنهم فهما ، واصوبهم رأيا ، واعرفهم لحسن السياسة (3) ، إذ انت معدن الرياسة (4) ، تورد بمعرفة ، وتصدر عن منهل روي ، مناويك كالمنقلب من العيون ، تهوي به عواصف الشمال في لجة البحر . كتبت الي تذكر كن الجيش ، ولين العيش ، [ فملأت بطني على حمام ] (5) الى مسكة الرحق (6) ، حتى افري أوداج قتلة عثمان فري الأهب (7) بشبا الشفار (8) ، واما اللين فهيهات ، إلا خفية ا (9) ولم نبد صفحاتنا بعد ، وليس دون الدم بالدم مزحل (10) إذ لا يخفى عند ذوي المعرفة والمروءة ان العار منقصة والضعف ذل ، أيخبط قتلة عثمان زهوة الحياة الدنيا ، ويسقون برد العين ، وكما يمتطوا الخوف ، ويستحلسوا (11) الحذر مع بعد مسافة الطرد (12) ، وامتطاء العقبة الكئود (13) وفي الرحلة ؟ لا دعيت لعقبة ! ان كان ذلك ، حتى انصب لهم حربا ، تضع الحوامل لها اطفالها ، فقد ألوت (14) بنا المسافة ، ووردنا حياض المنايا ، وقد عقلت نفسي على الموت عقل البعير ، واحتسبت اني قتيل ثاني بعد عثمان أو أقتل قاتله ، فعجل علي بما تتوقاه من رأيك الحسن (15) ، فإنا منوطون بك منتظرون لوعدك متبعون لعقبك ، [ ليس لنا من مخالف لامرك ] (16) ، ولم احسب الحال يتراخى بك الى هذه الغاية لما انا خائف من احكام القوم لأمورهم ، كما لا يخفى عليك ، والسلام عليك . --------------------------- (1) جمهرة رسائل العرب : 1 : 307 ـ 308 . (2) في جمهرة رسائل العرب : اسد قريش عقلا . (3) في الجمهرة : معك حسن السياسة . (4) في الجمهرة : وانت موضع الرياسة . (5) سقطت من الاصل واثبتناها من الجمهرة . (6) رحق : الرحيق وهو الخالص من الخمر ، وتقول : يا شارب الرحيق ابشر بعذاب الحريق ، ومن المجاز : مسك الرحيق ، لا غش فيه . انظر : اساس البلاغة : 157 . (7) الاهب : اخذ للسفر أهبته وتأهب له . (8) شبا الشفار : الشفرة الحادة . (9) المداجاة : المداراة . (10) مزحل : مبعد ، من زحل مال عنه ، ودخل عليه فزحل له عن مكانه . (11) استحلس فلان الخوف : إذا لم يفارقه الخوف . (12) طرد : طرده طردا وطردا ، وطرده وأطرده : ابعده ونحاه . (13) العقبة الكئود : الصعبة . (14) ألوى بهم الدهر : أهلكهم . (15) في الجمهرة : فعجل علي ما يكون من رأيك . (16) لم ترد في الجمهرة . واقعة الجمل _ 44 _وكتب في اسفل الكتاب هذه الابيات شعرا (1) :
اما بعد ، فانا وانتم بني امية كالحجر ، الذي لا يبنى بغير مدر (2) ، وكالسيف لا يقطع الا بضاربه . وصل الي كتابك يخبرنا بخبر القوم وحالهم ، فلئن كانوا ذبحوه ذبح النطيحة بودر بها الموت ، فانا بني أمية ، والله لنخرجن ذابحه ، ولننحرنه نحر البدنه (3) وافى بها الهدي الاجل ! ! ثكلتني (4) من انا ابنها ان نمت عن طلب وتر عثمان رضي الله عنه ، من ان اذبح القوم ، واني مدلج (5) وان كان قصدهم ما حوته يداي من المال ، فالمال أيسر مفقود ان دفعوا الينا القاتل ، وان منعوا عن تسليمه ، أنفقنا المال على قتالهم ، وان لنا واياهم لمعركة [ نتناحر فيها نحر الجزار النقائع عن قليل تصل لحومها ] (6) . وكتب في اسفل الكتاب (7) :
اما بعد ، فإن الحزم في التثبت ، والخطأ في العجلة ، والشؤم في البدار ، واسهم سهمك ما لم ينبض به الوتر ، وان يرد الحالب في الضرع اللبن ، قد ذكرت ما لعثمان علينا من الحقوق والقرابة فيه ، وانه قتل فينا ، فهنا خصلتان ذكرهما نقص ، والثالثة تكذب (8) ، وامرتنا بطلب دمه ، فأي جهة تسلك فيها ابا عبد الرحمن ؟ ردمت الفجاج (9) ، واحكم الامر عليك ، وولي زمامه غيرك ، فدع مناوأة من لو كان افترش فراشه صدر الامر لم يعدل به غيره ، وقلت : كأنا عن قليل لا نتعارف ، فهل نحن الا حي من قريش ، ان لم تنلنا الولاية لم يفتئ عن الحق ؟ انها خلافة منافية (10) ، وبالله أقسم قسما بارا لئن أصبحت عزيمتك على ما ورد به كتابك لألفيتك في الحالتين طليحا (11) ، وهبني اخالك بعد خوض الدماء تنال الظفر ، هل في ذلك عوض من ركوب المآثم ونقص في الدين . --------------------------- (1) جمهرة رسائل العرب 1 : 308 ـ 309 . (2) المدر : قطع الطين اليابس . (3) البدنة : من الابل والبقر ، كالاضحية من الغنم تهدي الى مكة وتنحر بها ، والهدي : ما يهدي الى مكة . (4) ثكلته امه : فقدته . (5) أدلج : سار من أول الليل . (6) سقطت عن الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب . النقائع : جمع نقيعة ، وهي كل جزور جزرت للضيافة . (7) جمهرة رسائل العرب 1 : 210 ، مع اختلاف يسير . (8) تكذب : تكلف الكذب . (9) الفجاج : جمع فج ( بالفتح ) وهو الطريق الواسع . وردم : سد . (10) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب ، ومنافية نسبة الى عبد مناف جد الامام علي عليه السلام ومعاوية ، يعني بذلك ان الخلافة ان صارت في البيت العلوي ، فهي لن تخرج من بني عبد مناف . (11) طلح فهو طليح كقولهم هزل فهو هزيل . واقعة الجمل _ 45 _اما انا فلا علي بني امية ولا لهم علي ان اجعل الحزم داري والبيت سجني واتوسد الاسلام ، واستشعر العاقبة ، فأعدل ابا عبد الرحمن زمام راحلتك الى محجة الحق ، واستوهب العافية لاهلك وعشيرتك ، واسعطف الناس على قول الصدق قبل ان تهلك ] (1) .[ وهيهات من قبولك ما اقول حتى يفجر مروان ينابيع الفتن وأجَجُ في البلاد ، وكأني بكما عند ملاقاة الاقران تعتذران بالعذر ، ولبئس العاقبة الندامة عما قليل يضح الامر لك والسلام ] (2) . كتاب محمد بن ابي بكر الى معاوية بن ابي سفيان : قال أبو علي أحمد بن الحسين بن احمد بن عمران في كتاب « الاختصاص » (3) : ان محمد بن ابي بكر كتب الى معاوية بن ابي سفيان : اما بعد ، فان الله بجلالته وعظمته وسلطانه وقدرته على كافة خلقه وعز برهانه ، [ خلق خلقه ] (4) بلا عبث منه ولا ضعف في قوة ولا من حاجة له إليهم ، ولكنه سبحانه خلقهم عبيداً فجعل منهم غوياً ورشيداً (5) وشقياً وسعيداً ، ثم اختار على علم فأصطفى وانتخب (6) محمداً ( صلى الله عليه وآله ) فاصطفاه نجيبا وانتجبه خليلا فبعثه برسالته امينا وأرسله بوحيه وائتمنه على أمره رسولاً مصدقاً وهادياً ودليلاً ومبشراً ونذيراً ، فكان اول من أجاب وصدق وأناب وآمن واسلم ، وسلم اخوه وابن عمه وصفيه ووصيه ووارث علمه ، وخليفته من بعده بوحي من الله عز وجل لنبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فنص رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على أمير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) فصدقه بالغيب المكتوم ، وآثره على كل حميم ، ووقاه كل هول ، وواساه بنفسه في كل خوف ، فحارب من حاربه وسالم من سالمه ، ولم يزل باذلا نفسه بين يديه في ساعة الخوف والجوع والجد والهزل ، حتى اظهر الله تعالى دعوته ، وافلج حجته . وقد رأيتك ايها الغاوي (7) تساميه وانت انت ، وهو هو المبرز (8) السباق في كل حين ، اصدق الناس نية وافضلهم سجية واخصهم زوجة وارفعهم منزلة ، الباذل روحه حين مهاجرته عن اعدائه ، --------------------------- (1) في جمهرة رسائل العرب : واستعطف الناس على قومك . (2) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب . انظر : جمهرة رسائل العرب 1 : 311 مع بعض الاختلاف اليسير وصححت بعض الكلمات الغامضة أو الساقطة . (3) الاختصاص : 119 . (4) في النسخة العبارة غير واضحة وقد اثبتناها من الاختصاص . (5) سقطت من النسخة . (6) سقطت من النسخة . (7) في النسخة : العاري والصواب كما جاء في الاختصاص . (8) في النسخة : الهزير والصواب كما في الاختصاص . واقعة الجمل _ 46 _والنائم على فراشه والشاري بنفسه يوم موته ، وعمه سيد الشهداء يوم احد ، وابوه الذاب اعداء الله عن وجه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعن حوزته ، وانت انت لم تزل انت وابوك تبتغيان عليهما الغوائل ، وتجتهدان على اطفاء نور الله باجتماعكما الجموع ، وتؤلبان (1) عليهما القبائل ببذل الاموال ، وقد هلك على ذلك ابوك وعليه خلفك ، والشاهد عليك بفعلك من يأوي (2) ويلجأ اليك من بقية الاحزاب ورؤوس النفاق والشقاق لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته ، والشاهد لعلي ( عليه السلام ) بفضله المبين وسبقهالقديم ، انصاره والذين معه وهم الذين ذكرهم الله تعالى وفضلهم في القرآن المجيد واثنى على المهاجرين والانصار ، منهم معه كتائب وعصائب [ من حوله يجادلون بأسيافهم ويهرقون دماءهم دونه ] (3) يرون الفضل في اتباعه والشقاء في خلافة أمره ، فلك الويل ثم الويل ، كيف تعدل نفسك بعلي ( عليه السلام ) وهو أخو رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وابو ولديه ، وشريكه في امره بخيره وشره ، وانت عدوه وابن عدوه ، فتمتع بباطلك إذ يمدك ابن العاص في غوايتك ، وكأن اجلك قد انقضى وكيدك قد وهى ، واعلم أنك قد كايدت ربك الذي أمنت كيده في نفسك ، وآيست من روحه وهو لك لبالمرصاد وانت منه في غرور وعناد ، [ وبالله ورسوله واهل رسوله عنك الغنى ، والسلام على من اتبع الهدى ] (4) .وكتب في اسفل الكتاب هذه الابيات شعرا (5) :
جواب معاوية بن ابي سفيان لمحمد بن ابي بكر : فأجابه معاوية بهذا الكتاب (6) : بسم الله الرحمن الرحيم من معاوية بن ابي سفيان الى محمد بن ابي بكر الزاري على أبيه [ خليفة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ] (7) . . . ، اما بعد ، وصل (8) الي كتاب وما ذكرت فيه [ من ان الله ] (9) بعظمته وسلطانه وقدرته قد اصطفى رسوله مع كلام ألفته ووضعته (10) ، --------------------------- (1) في النسخة [ تؤنيان ] . (2) سقطت من النسخة . (3) سقطت من النسخة . (4) سقطت من النسخة واثبتناها من الاختصاص . (5) الاختصاص : 121 . (6) الاختصاص : 121 . (7) سقطت من الاختصاص : 121 ـ 122 . (8) في كتاب صفين : فقد أتاني ، وفي الاختصاص : فقد بلغني . (9) في صفين والاختصاص : ما الله أهله . (10) في الاصل : ووضعك . واقعة الجمل _ 47 _فيه لرأيك تضعيف ، ولابيك فيه تعنيف وتفضيل (1) لابن ابي طالب وقديم سوابقه وقرابته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ونصرته له ومواساته اياه في كل خوف وهول (2) ، فكان احتجاجك علي وعيبك لي بفضل غيرك لا بفضلك ، فأحمد ربك (3) الذي صرف ذلك الفضل عنك وجعله لغيرك .وقد كنا وابوك معا في حياة نبينا محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نرى حق علي بن ابي طالب لازما لنا ، وفضله مبرزا علينا ، حتى اختار الله لنبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما اختار الله إليه ، وقد اتم له وعده ، واظهر له دعوته ، وافلج له حجته ، ثم قبضه الله إليه ، فكان أول من أبتز حقه ابوك وفاروقه (4) وخالفاه في امره ، على ذلك [ اتفقا واتسقا ] (5) بينهما ، ثم انهما دعواه ليبايعهما [ فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما ] (6) فلم يأتهما ، فهما به الهموم ، وأرادا به العظيم ، فعند ذلك بايع لهما وسلم (7) ، فلم يشركاه في امرهما ، ولم يطلعاه قط على سريرتهما ، حتى قبضا على ذلك ، ثم قام بعدها عثمان فأقتدى بهديهما ، [ حتى طمع فيه الاقاصي من اهل المعاصي وبطنتما له ] (8) واظهرتما العداوة له حتى بلغتما فيه مجهودكما ، ونلتما منه مناكما ، فخذ حذرك يا ابن ابي بكر ، وقس شبرك بفترك ، فكيف توازي من يوازي الجبال حلمه ، ولا تعب من مهد [ له ابوك ] (9) مهاده ، وطرح لملكه وسادة ، فإن يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك فيه أول من اسس بناءه ، فنحن بهديهم اقتدينا وبفعلهم احتذينا ، ولولا ما سبق إليه ابوك وفاروقه لما خالفنا الكتاب ونص رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، بل فأسلمنا إليه ، واجتمعنا لديه ، فليكن عيبك لابيك ، فعبه بما شئت أو دع ، والسلام . خروج الزبير وطلحة بعائشة الى البصرة : قال المسعودي : ولما ورد كتاب معاوية الى طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام ، لم يشكا في صدقه بالنصيحة لهما فأجتمعا على خلاف امير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) فهما إليه وقالا : يا امير المؤمنين لقد علمنا (10) ما نحن فيه من الجفوة في زمن خلافة عثمان (11) [ واختصاصه عنا ببني أمية ] (12) دوننا ، وقد من الله تعالى عليك بالخلافة من بعده ، فولنا بعض عمالك . --------------------------- (1) في صفين : ذكرت حق ، وفي الاختصاص : ذكرت فضل . (2) سقطت من الاصل واثبتت من كتاب صفين والاختصاص . (3) في صفين والاختصاص [ الها ] . (4) في الاصل : وفاروقه الاعظم ، ولم ترد الاعظم في صفين ولا في الاختصاص . (5) في الاصل : اتفاقا واتساقا ، وصوابه كما في الاختصاص وصفين . (6) سقطت من الاصل . (7) في الاصل : بايعهما قهرا عليه ، وسلم لهما القيادة جبرا عليه لعدم اتفاق المسلمين معه . (8) سقطت من الاصل . (9) في الاصل : اليك . (10) ورد في البحار : قد رأيت . (11) في البحار : ولاية عثمان . (12) في البحار : كان في بني امية . واقعة الجمل _ 48 _
فقال ( عليه السلام ) : ارضيا بما قسم الله تعالى لكما حتى أرى رأيي ، واعلما اني لا اشرك في امانتي الا من أرضى بدينه وأمانته من اصحابي ومن عرفت دخيلته . فداخلهما اليأس فاستأذناه للعمرة فخوفهما من الله ومن التسرع في الفتنة ، فأنصرفا عنه وتوجها الى مكة ، فلم يلقيا احدا من الناس إلا استحثاه على الخروج معهما ، فيسألهما عن خروجهما على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) . فيقولان : ليس له في اعناقنا بيعة برضى منا وإنما صدرت منا مبايعتنا له كرها منا وجبرا علينا ، فبلغه قولهما ، فقال ( عليه السلام ) : أبعدهما الله تعالى ، والله لقد علمت انهما سيقتلان انفسهما [ أخبث مقتل ويأتيان من وردا عليه بأشأم يوم ] (1) والله ما العمرة يريدان ، ولقد أتياني بوجهين فاجرين ورجعا بوجهين غادرين ناكثين ، والله لا يلقيان بعد اليوم إلا كتيبة خشناء يقتلان فيها انفسهما فبعدا لهما وسحقا (2) . فلما بلغ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مسير طلحة والزبير بعائشة الى البصرة ، قال : ان كل واحد منهما يريد الخلافة لنفسه دون صاحبه ، فادعاء طلحة للخلافة لانه ابن عبيد الله عم عائشة ، وادعاء الزبير لانه صهر ابيها ، والله ، لئن ظفر الزبير بطلحة ليضربن عنقه ! وان ظفر طلحة بالزبير ليضربن عنقه ! فلا بد من تنازعهما على هذا الملك . والله ، انها الراكبة الجمل ! لا تحل عقدة ، ولا تسير عقبة ، ولا تنزل منزلا إلا ولله فيه معصية ، حتى تورد نفسها ومن معها موردا يقتل وليهم ، ويهرب تليهم ، ويرجع عليهم غيهم ، والله ، إن طلحة والزبير ليعلمان انهما يخطيان ويجهلان ولرب عالم قتله جهله ومحله معه لا ينفعه ، والله ، لتنبحها كلاب الحوأب ! ! فهل يعتبر معتبرا ويتفكر متفكرا ، لقد قامت الفئة الطاغية فأين المحسنون ؟ خطبة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : حين بلغه مسير طلحة والزبير الى البصرة قال الشيخ المفيد ( رحمه الله ) في أرشاده (3) : لما بلغ أمير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) مسير طلحة والزبير بعائشة الى البصرة ، صعد المنبر ، فحمد الله واثنى عليه ، وصلى على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم قال : اما بعد ، ايها الناس (4) : إن الله عزوجل بعث نبيه محمداً ( صلى الله عليه وآله ) الى الناس كافة ، --------------------------- (1) سقطت من الاصل . (2) انظر بحار الانوار 32 : 6 . (3) الارشاد : 130 ، بحار الانوار 32 : 98 ح 69 . (4) سقطت من الارشاد . واقعة الجمل _ 49 _وجعله رحمة للعالمين (1) ، فصدع بما امره به ، وبلغ رسالاته ، فلم به الصدع ، ورتق به الفتق ، وأمن به السبل ، وحقن به الدماء ، وألف به ذوي الاحن والعداوة ، والوغر في الصدور ، والضغائن الراسخة في القلوب ، ثم [ قبضه الله إليه ] (2) حميداً لم يقصر في الغاية التي إليها ادى الرسالة ، ولا بلغ شيئا كان في التقصير عنه وكان من بعده ما كان من التنازع في الامر ، فتولى أبو بكر وبعده عمر ، ثم تولى عثمان ، [ فلما كان ] (3) من امره [ ما ] (4) عرفتموه ، وأتيتموني (5) ، فقلتم : بايعنا (6) ، فقلت : لا افعل ، فقلتم : بلى (7) .فقلت : لا (8) ، وقبضتم على يدي فبسطتموها وانا كاره فنازعتكم ، فجذبتموها ! ! ، وقد تداككتم علي تداك الابل الهيم على حياضها يوم ورودها حتى ظننت انكم قاتلي ، وان بعضكم قاتل بعضا ، فبسطت يدي فبايعتموني مختارين ، [ وبايعني في اولكم ] (9) طلحة والزبير طائعين [ غير مكرهين ] ! ! . ثم لم يلبثا حتى استأذناني في العمرة ، والله يعلم انهما أرادا الغدرة ، فجددت عليهما العهد في الطاعة ، وان لا يبغيا في الامة (10) الغوائل ، فعاهداني ثم لم يفيا لي (11) ، فنكثا بيعتي ونقضا عهدي (12) فعجبا لهما من انقيادهما [ لابي بكر وعمر وخلافهما لي ] (13) ، ولست بدون احد الرجلين ، ولو شئت ان اقول اللهم احكم عليهما بما صنعا [ في حقي وصغرا من امري ] وظفرني بهما . وله عليه السلام خطبة أخرى : وقال ( عليه السلام ) في مقام آخر في هذا المعنى ، بعد أن حمد الله وأثنى عليه ، وصلى على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (14) : أما بعد ، أيها الناس (15) فان الله عز وجل لما قبض نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قلنا نحن أهل بيته وعصبته وورثته وأولياؤه وأحق [ الناس بالامر والخلافة ] (16) ، --------------------------- (1) في النسخة : وجعله رحمة للعالمين بشيرا ونذيرا وسراجا منيرا . (2) في النسخة : قبضه الله . (3) في النسخة : فكان . (4) في النسخة : ما قد . (5) في النسخة : فأتيتموني طائعين مختارين . (6) في النسخة : بايعناك . (7) في النسخة الخطية : لا بد لك من ذلك . (8) كذا في الاصل : لا يكون ذلك . (9) في الاصل [ فأولكم مبايع لي ] . (10) في الاصل [ في الامة ] . (11) سقطت من الاصل . (12) في الاصل [ حتى وثبا على الماضيين قبلهما ، ليذهبا بحقي ، ويفرقا جماعة المسلمين على تعجب ] والصواب كما ورد في الارشاد . (13) في الاصل : الى من سبقها وخلافهما والصواب كما في الارشاد . (14) الارشاد 1 : 245 ، بحار الانوار 33 : 111 ح 86 . (15) لم ترد في الارشاد . (16) في الارشاد : واحق الخلق به . واقعة الجمل _ 50 _لا ننازع في حقه وسلطانه ، فبينا نحن [ كذلك ] (1) إذ نفر قوم من المنافقين حتى انتزعوا سلطان نبينا منا ، وولوه غيرنا ، فبكت ـ والله ـ لذلك العيون والقلوب منا جميعا معا ، [ وخشنت ] له الصدور ، وجزعت النفوس منا جزعا أرغم ، وايم الله [ لولا ] مخافتي الفرق بين المسلمين وأن يقود أكثرهم الى الكفر ويعور الدين ، لكنا قد غيرنا ذلك بما استطعنا .وقد بايعتموني الان وبايعني هذان الرجلان طلحة والزبير على الطوع منهما ومنكم [ الايثار ] (2) ، ثم نهضا يريدان ببغيهما (3) البصرة ، ليفرقا جماعتكم ويلقيا بأسكم [ بينكم ] ، اللهم فخذهما [ بغشهما ] ، لهذه الامة واخذل بيعتهما لهذه الامة وبسوء نظرهما للعامة (4) . ثم قال ( عليه السلام ) : انفروا (5) رحمكم الله لطلب الناكثين القاسطين الباغين قبل ان يفوتا ، [ فتداركوا ما خبياه ] (6) . ومن كلامه ( عليه السلام ) : فخرجا يجران (7) حرمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، كما تجر الأمة عند شرائها متوجهين بها الى البصرة ، [ فحبسا نساءهم في بيوتهم ] (8) ، وابرزا حبيس (9) رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لهما ولغيرهما في جيش ، فما منهم رجل إلا وقد اعطاني الطاعة ، وسمح لي بالبيعة طائعا غير مكره (10) . فقدموا على عاملي بها وخزان بيت مال المسلمين الذي في يدي ، وعلى اهل مصر كلهم في طاعتي وعلى بيعتي ، فشتتوا شملهم وفرقوا كلمتهم ، وأفسدوا جماعتهم ، ووثبوا على شيعتي (11) فقتلوا طائفة منهم غدرا ، [ وطائفة عضوا على أسيافهم فضاربوا بها حتى لقوا الله صادقين ] (12) . فوالله لو لم يصيبوا من المسلمين الا رجلا واحدا متعمدين لقتله ، بلا جرم لحل قتل ذلك الجيش كله ، إذ حضروه ، فلم ينكروا ولم يدفعوا عنه بلسان ولا بيد ، دع ما انهم قد قتلوا من المسلمين مثل العدة التي دخلوا عليهم ، [ وقتلوا من السبابجة أربعمائة رجل ، وعَزَرةا بولاتها ] (13) . --------------------------- (1) سقطت من الاصل . (2) في الاصل : الاثر . (3) سقطت من الارشاد . (4) في الاصل : واخذل بيعتهما لهذه لتنظرهما العامة . (5) في الاصل : تفرقوا والصواب في الارشاد . (6) في الارشاد : قبل ان يفوت تدارك ما خبياه . (7) في نهج البلاغة : فخرجوا يجرون . (8) في نهج البلاغة : نساءهما في بيوتهما . (9) في نهج البلاغة : جيش ، ويظهر من تصحيفات الناسخ . (10) في الاصل : طائعا مختارا غير مكره . (11) لم ترد في نهج البلاغة . (12) لم ترد في نهج البلاغة . (13) لم ترد في كتاب نهج البلاغة . واقعة الجمل _ 51 _فصل . . في خروج ام المؤمنين عائشة الى البصرةونصح ام سلمة زوجة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لها قال أبو علي احمد بن الحسين بن احمد بن عمران : فيما استخرج من كتاب « الاختصاص » (1) حدثني محمد بن علي بن شاذان ، قال : حدثنا احمد بن يحيى النحوي أبو العباس [ ثعلب ] (2) ، قال : حدثنا احمد بن سهل أبو عبد الرحمن ، قال : حدثنا يحيى بن محمد بن اسحق بن موسى ، قال : حدثنا احمد بن قتيبة أبو بكر ، عن عبد الحكيم [ القتيبي ] (3)) ، عند ابي [ كبسه ] (4) ، ويزيد بن رومان ، قالا : لما قصدت عائشة الخروج على امير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) (5) أتت الى ام سلمة بمكة المشرفة ، وقالت لها : يا بنت ابي (6) امية لقد كنت كبيرة امهات (7) المؤمنين ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقيم ببيتك ويقسم لنا وينزل عليه الوحي ، [ قالت لها يا بنت ابي بكر ] (8) ولقد زرتني [ وما كنت زوارة ولامر ما تقولين ] (9) . [ قالت : ان اخي ] (10) وابن اخي اخبراني ان عثمان قتل مظلوما ، وان بالبصرة مائة الف [ سيف يطاعون ] (11) ، فهل لك في الخروج معي لعل الله ان يصلح امر المسلمين من التشاجر بين الفئتين ؟ [ فقالت : يا بنت ابي بكر أبدم عثمان تطلبين ] (12) ؟ فلقد كنت اشد الناس عليه عداوة ، وان كنت لتدعينه بالتبريء ، ام امر ابن ابي طالب تنقضين (13) ! --------------------------- (1) الاختصاص : 113 . (2) سقطت من النسخة . (3) في النسخة : القبعي ، وهذا تصحيف سببه الناسخ والصواب كما في الاختصاص . (4) في النسخة : كبشه ، والصواب كما في الاختصاص . (5) في الاختصاص : لما اجمعت عائشة على الخروج الى البصرة . (6) سقطت من النسخة واثبتناها من الاختصاص . (7) في النسخة : رؤساء امهات . (8) سقطت من النسخة وأثبت من الاختصاص . (9) في النسخة : ولست بزائرة ولا تمن تقبلين هذا المقال . (10) سقطت من النسخة وأثبت من الاختصاص . (11) في النسخة : سيأتي يطلبوني . (12) سقطت من النسخة واثبتناها من الاختصاص . (13) في نصيحة ام سلمة ( رضي الله عنها ) لعائشة بعدم الخروج ، ثم رأتها لا تتعظ ، قال الشيخ المفيد ( اعلا الله مقامه ) في كتابه ( الجمل أو النصرة في حرب البصرة ) ( ص 128 ) : « ثم انفذت ام سلمة الى عائشة ، فقالت لها : وقد وعظتك فلم تتعظي ، وقد كنت اعرف رأيك في عثمان ، وانه لو طلب شربة ماء لمنعتيه ، ثم انت اليوم تقولين انه قتل مظلوما ، وتريدين ان تثيري لقتال أولى الناس بهذا الامر قديما وحديثا ، فاتق الله حق تقاته ، ولا تعرضي لسخطه ، فأرسلت إليها عائشة : أما ما كنت تعرفينه من رأيي في عثمان فقد كان ، ولا أجد مخرجا منه إلا الطلب بدمه ، واما علي فأني آمره برده هذا الامر شورى بين الناس ، فأن فعل وإلا ضربت وجهه بالسيف حتى يقضي الله ما هو قاض . فأنفذت إليها ام سلمة : اما أنا فغير واعظة لك من بعد ، ولا مكلمة لك جهدي وطاقتي ، والله اني لخائفة عليك البوار ثم النار ، والله ليخيبنك ظنك ، وينصرن الله ابن ابي طالب على من بغى وستعرفين عاقبة ما أقول والسلام » . واقعة الجمل _ 52 _ولقد نص عليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والان قد بايعته المهاجرون والانصار ، وان ذلك سدة بين رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبين امته ، وحجابه مضروب على حرمه ، وقد جمع [ القرآن ذلك ] (1) فلا [ تبذخيه ] (2) وسكني عقيراك فلا تضحي بها [ الله من وراء ] (3) هذه الامة ، قد علم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مكانك ، ولو أراد ان يعهد اليك فعل .وقد نهاك رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن الفراطة في البلاد ، فأن عمود الاسلام لا يرأبه النساء ان اثلم ولا يشعب بهن ان انصدع ، حماديات النساء غض الاطراف وقصر الوهادة ، وما كنت قائلة لو ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عرض لك ببعض الفلوات وانت ناصة قلوصا من منهل الى آخر بعين الله مهواك ، وعلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تردين قد وجهت سدافته وتركت عهده . اقسم بالله لئن سرت مسيرك هذا ، ثم قيل لي : ادخلي الفردوس لاستحييت ان القي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هاتكة حجابا قد ضربه علي ، فأجعلي حصنك بيتك (4) ، وقاعة الستر قبرك حتى تلقيه وانت على ذلك اطوع [ ما تكونين لله ما التزمتيه ، وابصري ما تكونين للدين ما جلست عند بيتك ] (5) . ثم قالت : لو ذكرتك من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خمسا في علي عليه السلام لنهشتيني نهش الحية الرقشاء المطرقة ذات الحبب. اتذكرين اذ كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقرع بين نسائه إذا أراد سفرا ، فأقرع بينهن فخرج سهمي وسهمك ، فبينا نحن معه وهو هابط من قديد ومعه علي ( عليه السلام ) يحدثه ، فذهبت لتهجمي عليه ، فقلت لك : رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) معه ابن عمه ولعل له إليه حاجة ، فعصيتني ورجعت باكية فسألتك ، فقلت : إنك هجمت عليهما ، فقلت له يا علي : انما لي من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم من تسعة أيام وقد شغلته مني ! فأخبرتيني انه قال لك : أتبغضينه ؟ فقلت : كيف أبغضه وهو أخوك وابن عمك ، واحب الناس اليك . فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ما يبغضه أحد من اهلي ولا من امتي إلا خرج من الايمان ، قالت : نعم . --------------------------- (1) في النسخة : ذلك لك . (2) سقطت من النسخة . (3) سقطت من النسخة . (4) وكانت ام سلمة تطالبها بتطبيق قوله تعالى ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) ، ففي تفسير روح المعاني للالوسي ، روى البزاز عن انس : ان النساء جئن الى رسول الله بعد نزول الآية فقلن : لقد ذهب الرجال بالفضل والجهاد ، فهل لنا عمل ندرك به فضل المجاهدين ؟ فقال : من قعد منكن في بيتها تدرك عمل المجاهدين . وقال السيوطي : ان سودة بنت زمعة زوجة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم تحج بعد نزول الآية فقيل لها في ذلك ، فقالت : اني حججت واعتمرت ، وأمرني ربي تعالى شأنه ان أقر في بيتي حتى تخرج جنازتي . وأخرج مسروق : ان عائشة كلما قرأت وقرن في بيوتكن تبكي حتى تبل خمارها . انظر : روح المعاني 22 : 6 ، الدر المنثور 5 : 196 . (5) لم تر هذه العبارة في الاختصاص . واقعة الجمل _ 53 _[ ويوم اراد ] (1) رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) [ سفراً ] (2) وانا أجش له جشيشا فقال [ ليت شعري ] (3) ايتكن صاحبة الجمل الاحدب (4) تنبحها كلاب الحوأب ، فرفعت يدي من الجشيش ، وقلت : اعوذ بالله من ذلك ان اكون .فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : والله لا بد لاحدكما ان يكونه [ إتقي الله ] (5) يا حميراء ، ان تكونيه ! ! ، أتذكرين هذا ؟ ! قالت : نعم . ويوم تبذلنا لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فلبست ثيابي ولبست ثيابك ، فجاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الى جنبك ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أتظنين يا حميراء اني لا اعرفك ؟ اما ان لأمتي منك يوما [ مرا أو يوما ] (6) ، أتذكرين هذا ؟ قالت : نعم . ويوم كنت انا وانت ذات يوم مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فجاء ابوك وصاحبه يستأذن الدخول ، فدخلت الخدر ، فقالا : يا رسول الله ، انا لا ندري قدر مقامك فينا ، فلو جعلت لنا انسانا نأتيه بعدك ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : اما اني اعرف مكانه واعلم موضعه ، فلو أخبرتكم به لتفرقتم عنه كما تفرقت بنو اسرائيل عن عيسى بن مريم ( عليه السلام ) . فلما خرجا خرجت إليه انا وانت حزينة عليه ، فقلت له : يا رسول الله من كنت جاعلا لهم ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : خاصف النعل [ وغاسل الثوب ] (7) وكان علي ( عليه السلام ) يخصف نعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ويغسل ثوبه إذا اتسخ . فقلت : ما أرى إلا عليا ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : هو ذاك ، أتذكرين هذا (8) ؟ قالت : نعم ، قالت : يوم جمعنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في بيت ميمونة فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا نساء (9) النبي ، أتقين الله ولا يسفرن (10) بكن احد ، أتذكرين هذا (11) ؟ قالت : نعم ، [ يا حميراء إنك لتقاتلين عليا وانت ظالمة له !! ] (12) قالت نعم . --------------------------- (1) سقطت من الاصل . (2) سقطت من الاصل . (3) في الاصل عبارة غير واضحة واثبتت من الاختصاص . (4) سقطت من الاصل . (5) سقطت من الاصل . (6) في الاصل عبارة غير واضحة . (7) لم ترد في الاختصاص . (8) في الاختصاص : يا عائشة . (9) في الاختصاص : يا نسائي . (10) في الاختصاص : لا يسفر . (11) في الاختصاص : يا عائشة . (12) لم ترد في الاختصاص . واقعة الجمل _ 54 _فقالت عائشة : لقد سمعت وفهمت قولك [ وقبلت نصحك ووعظك لي ] (1) وأسمعني لقولك فأن اخرج ففي غير حرج ، وان أقعد ففي غير بأس .ثم انها أمرت ان ينادى في الناس : من أراد الخروج فليخرج ، فأن ام المؤمنين نأت عن الخروج ، فدخل عليها عبد الله بن الزبير بن العوام [ فنفث في أذنيها كنفث الحية لسمها ، وقلبها في الذروة ] (2) ، فأمرت ان ينادى في الناس ان ام المؤمنين خارجة فمن أراد الخروج فليخرج معها . فأنشأت ام سلمة تقول هذه الابيات شعراً (3) :
تحرك القوم الى البصرة : قال : فكان قصدهم الشام ، فصادفهم في اثناء الطريق عبد الله بن عامر عامل عثمان على البصرة قد صرفه امير المؤمنين بحارثة بن قدامه السعدي واخذ البيعة من اهلها ، فقال لهم عبد الله بن عامر : اعلموا أني امس منكم خبرا بمعاوية ، انه لا ينقاد اليكم ولا يعطيكم ما هو ضامر عليه في نفسه ، فمشورتي عليكم ان تنتحوا عنه ، وعليكم بحفظ البصرة فأنها كثيرة الضياع والعدة ، وجهزهم بألف الف درهم (6) ومائة من الابل وغير ذلك . واما يعلى بن منية اعطاهما أربعمائة الف درهم (7) ، وكراعاً وسلاحاً ، والجمل المسمى بـ ( عسكر ) الذي ركبته قد اشتراه بمائتي دينار ، فكان عسكرها ثلاثين الفا ، وعسكر امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) عشرين الفا . فلما انتهى بهم المسير الى الموضع المعروف بالحوأب (8) احد منازل بني عبس ، وجدوهم نازلين على مائة فعوت بهم كلابهم . --------------------------- (1) في الاختصاص : ما أقبلني لوعظك . (2) في الاختصاص : فنفث في اذنها وقلبها في الذروة . (3) ذكر ابن الجوزي في تذكرة الخواص : 38 ، نهي ام سلمة لها فلما رأتها لا تقبل قالت : وذكر البيهقي في المحاسن والمساوئ 1 : 231 ان ام سلمة حلفت ان لا تكلم عائشة من اجل مسيرها الى حرب علي ، فدخلت عائشة عليها يوما وكلمتها ، فقالت ام سلمة : الم أنهك ؟ ألم أقل لك ؟ قالت : اني استغفر الله كلميني ، فقالت ام سلمة : يا حائط ألم انهك ؟ ألم اقل لك ؟ فلم تكلمها ام سلمة حتى ماتت . (4) في النسخة : الدنيا بغي ، وصوابه كما في الاختصاص . (5) في النسخة : الحاسا بالناس ، وصوابه كما ورد في الاختصاص . (6) في الاصل : الف درهم ، والصواب كما في مروج الذهب م 2 : 366 . (7) في الاصل : اربعمائة الف دينار ، وصوابه كما ذكره المسعودي . (8) الحوأب : بالفتح ثم السكون ، وهمزة مفتوحة ، وياء موحدة ، وأصله في اللغة ، يقال : حافر حوأب ، وأب صعب ، والحوأبة : العلبة الضخمة ، والحوأب : الوادي الوسيع ، والحوأب : موضع معروف في طريق البصرة ، قال أبو زياد : ومن مياه ابي بكر بن كلاب الحوأب ، وهو من المياه الاعداد وقديم جاهلي ، وقيل سمي الحوأب بالحوأب بنت كلب بن وبرة وهي ام تميم وبكر . قال ياقوت الحموي : ان عائشة لما رأت المضي الى البصرة في وقعة الجمل مرت بهذا الموضع فسمعت نباح الكلاب ، فقالت : ما هذا الموضع ؟ قيل لها : هذه موضع يقال له الحوأب ، فقالت : إنا لله ما أراني الا صاحبة القصة . قيل لها : واي قصة ؟ قالت : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول وعنده نساؤه : ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب سائرة في كتيبة الى الشرق ! وهمت بالرجوع فغالطوها وحلفوا لها انه ليس بالحوأب . انظر : معجم البلدان 2 : 314 . واقعة الجمل _ 55 _فقالت عائشة : ما اسم هذا الموضع الذي عوت بنا كلاب اهله ؟ فقال لها قائد جملها : هذا الحوأب « الحوأب احد منازل بني عبس » وهذه كلابهم ، فتذكرت ما قال لها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقالت : ردوا بي الى حرم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، لا حاجة لي في هذا المسير وكان طلحة والزبير في الساقة ، فلحقا بها واقسما لها ان ليس هذا بالحوأب ، انما سائق الجمل غلط في قوله لك ! ! وشهد لها خمسون رجلا ممن معهم !! فكانت هي أول شهادة زور وقعت في الاسلام ، فسارت حتى قدمت البصرة ، فمانعهم دونها عثمان بن حنيف والخزان والموكلون بها من قبل امير المؤمنين ( عليه السلام ) .ففي بعض الليالي نزغ لهم الشيطان فثاروا عليه وضربوه وأسروه ونتفوا لحيته ! وأرادوا قتله ، إلا انهم خافوا من أخيه سهيل ، وفي رواية فساروا حتى انتهوا بالحوأب ، اسم موضع لبني كلاب ، فوجدوهم عليه فعوت بهم كلابهم ، فقالت عائشة : ما اسم هذا الموضع ؟ قال سائق الجمل : هذا الحوأب ! فذكرت ما قال لها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالت : ردوني لا حاجة لي بهذا المسير . فقال طلحة والزبير وخمسون رجلا منهم : تالله ما هذا الحوأب ! ! فهي اول شهادة زور وقعت في الاسلام ، ثم قدموا البصرة ، فمانع عنها عثمان بن حنيف والخزان والموكلون ، فوقع بينهم القتال ، فقتلوا منهم سبعين رجلاً ، ثم اصطلحوا ، ثم اسروا عثمان وضربوه ونتفوا لحيته ، وأرادوا قتله إلا انهم خافوا من اخيه سهيل (1) . فصل في توجه أمير المؤمنين عليه السلام الى البصرة : قال : بعد مضي اربعة اشهر توجه امير المؤمنين ( عليه السلام ) في سبعمائة راكب ، فمنهم اربعمائة من المهاجرين والانصار ، وسبعون بدريا ، والباقون من الصحابة (2) . --------------------------- (1) ذكر المسعودي في مروج الذهب بعد قدوم القوم الى البصرة وما فعلوه بعثمان بن حنيف ، قال : وأرادوا بيت المال فمانعهم الخزان والموكلون به وهم السبابجة ، فقتل منهم سبعون رجلا غير من جرح ، وخمسون من السبعين ضرب رقابهم صبراً من بعد الاسر ، وهؤلاء أول من قتل ظلما في الاسلام وصبرا ، وقتلوا حكيم بن جبلة العبدي ، وكان من سادات عبد القيس وزهاد ربيعة ونساكها . انظر : مروج الذهب م 2 : 377 ـ 367 . (2) ذكر ابن الاثير في الكامل في التاريخ 3 : 221 ، قال : قال أبو قتادة الانصاري لعلي ( عليه السلام ) : يا أمير المؤمنين ان رسول الله ( صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ) قلدني هذا السيف وقد اغمدته زمانا وقد حان تجريده على هؤلاء القوم الظالمين الذين [ لا ] يألون الامة غشا ، وقد احببت ان تقدمني فقدمني ، وقالت ام سلمة : يا امير المؤمنين لولا اني اعصي الله وانك لا تقبله مني لخرجت معك ، وهذا ابن عمي ، وهو والله اعز علي من نفسي ، يخرج معك ويشهد شاهدك . واقعة الجمل _ 56 _ثم لحق به خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وستمائة رجل من طي ، فلما انتهى به المسير الى الربذة (1) من الكوفة ، قال الشيخ المفيد ( رحمه الله ) في ارشاده (2) : روي عن ابن عباس قال : اتيت امير المؤمنين ( عليه السلام ) فوجدته يخصف نعلا ، فقلت له : جعلت فداك ، هل علينا اصلاح ما يحتاج إليه من الامور ؟ فلم يجبني ، حتى فرغ من خصف النعل ، ودفعها الى صاحبتها ، ثم قال : « قومها » ، فقلت : ليس لها قيمة ، فقال ( عليه السلام ) : « على ذلك » .قلت : كسر درهم ، فقال ( عليه السلام ) : « والله ، انها احب إلي من أمركم هذا ، إلا أن اقيم حقا أو ادفع باطلا » ، فقلت : ان الحاج قد اجتمعوا ليسمعوا كلامك ، أفتأذن لي أن أتكلم ، فإن كان حسنا كان منك ، وإن كان غيره فهو مني ، قال : « لا ، بل انا أتكلم » ، ثم وضع يده في صدري وكان شثن الكف (3) ، فآلمني . ثم قال : فأخذت بثوبه ، فقلت : ناشدتك الله والرحم ، قال : « لا تنشدني » ، ثم خرج ( عليه السلام ) فاجتمع عليه الناس ، فحمد الله واثنى عليه ، وصلى على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ثم قال : « اما بعد ، ايها الناس : فإن الله عز وجل بعث نبيه محمداً ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وليس في العرب أحد يقرأ كتابا ، ولاي دعي نبوة ، فساق الناس إلى منجاتهم ، أم والله ما زلت في ساقتها ما غيرت ولا بدلت ولا خنت (4) ، حتى تولت بحذافيرها ، مالي ولقريش ، أيم الله ، لقد قاتلتهم كافرين ، ولأقاتلنهم مفتونين ، وان مسيري هذا على عهد الي فيه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أم والله ، لا بقرن الباطل حتى يخرج الحق من خاصرته ، ما تنقم منا قريش ، ألا وان الله عزوجل اختارنا من عين خلقه عليهم فأدخلناهم في حيزنا » (5) . --------------------------- (1) الربذة : قال ياقوت الحموي : وفي كتاب العين : الربذ خفة القوائم في المشي وخفة الاصابع في العمل ، والربذات العهون التي تعلق في اعناق الابل ، والربذة من قرى المدينة على ثلاثة ايام قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز إذا رحلت من فيد تريد مكة ، وبهذا الموضع قبر ابي ذر الغفاري رضي الله عنه . معجم البلدان 3 : 24 . (2) الارشاد 1 : 247 ـ 248 . (3) شثن كفه : اي خشنت وغلظت ، « الصحاح ـ شثن ـ 5 : 2142 » . (4) في الاصل : حدثت ، والصواب كما ورد في الارشاد . (5) في الاصل : وادخرهم في خيرتنا ، وصوابه كما ورد في الارشاد . |