وكتب الى سعيد بن العاص :
   اما بعد ، فقد ورد علي كتاب مروان بن الحكم من ساعة حين وقعت النازلة ، تصل بها البرد (1) بسير المطيّ الوجيف (2) ، يتوجس (3) كتوجس الحية الذكر خوف ضربة الفأس وقبضة الحاوي (4) ، ومروان لا يكذب أهله ، فعلام الافكاك (5) يابن العاص ولات حين مناص ؟ وذلك انكم يا بني امية عما قليل تسألون أدنى العيش من ابعد المسافة ، فينكركم من كان بكم عارفا ، ويصد عنكم من كان لكم واصلا ، فتتفرقون في البلاد ، وتتمنون لمظة (6) المعاش .
   الا وان امير المؤمنين عتب عليه فيكم ، وقتل في سببكم ، فقبيح القعود عن نصرته ، والطلب بدمه ! وانتم بنو امية ، ودون الناس منه رحما وقربا وطلاب ثأره ، فأصبحتم متمسكين [ بشظف معاش زهيد ] (7) قليل ينزع منكم عند التخاذل ، وضعف القوى .
   فإذا قرأت كتابي هذا فدب دبيب البرد في الجسد النحيف ، وسر سير النجوم تحت الغمام ، واحشد حشد (8) الذرة في الصيف لأنجحارها في الصرد ، فقد ايدتكم بأسد وتيم ، وكتب في آخر الكتاب (9) :

تالله لا يذهب شيخي باطلا      حـتى أبـير مالكا وكاهلا
الـقاتلين  الملك iiالحلاحلا      خـير  مـعد حسبا iiونائلا
   وكتب الى عبد الله بن عامر :
   اما بعد ، فأن المنبر مركب ذلول سهل الرياض لا ينازعك اللجام ، وهيهات ذلك إلا بعد ركوب اثباج (10) المهالك ، واقتحام امواج المعاطب ، فكأني بكم يا بني أمية شعارير (11) كالاوراق تقودها الحداة (12) ، أو كرخم الخندمة (13) تذرف خوف العقاب ، فثب الان قبل ان يستشري الفساد ،

---------------------------
(1) البرد : جمع بريد .
(2) وجف الفرس : عدا .
(3) تتوجس : تسمع الى الصوت الخفي .
(4) الحاوي : جامع الحيات .
(5) الافكاك : التراخي .
(6) اللماظة : ما يبقى في الفم من الطعام .
(7) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب . والشظف : شدة العيش .
(8) اي اجمع جمع الذرة .
(9) جمهرة رسائل العرب 1 : 302 .
(10) اثباج : جمع ثبج بالتحريك ، وهو ما بين الكاهل الى الظهر .
(11) يقال : ذهبوا شعاليل وشعارير اي متفرقين .
(12) الحداة : جمع الحادي وهو سائق الابل .
(13) الخندمة : جبل بمكة .

واقعة الجمل _ 40 _

   وندب السوط جديد ، والجرح لما يندمل ، ومن قبل استضراء الأسد ، والتقاء لحييه على فريسته ، وساور الامر مساورة الذئب الأطلس (1) كسيرة القطيع ، ونازل الرأي ، وانصب الشرك ، وأرم عن تمكن ، وضع الهناء مواضع النقب (2) ، واجعل اكبر عدتك الحذر ، وأحد سلاحك التحريض ، وأغض عن العوراء ، وسامح عن اللجوج ، واستعطف الشارد ، ولاين الأشوس (3) ، وقو عزم المريد ، وبادر العقبة ، وأزحف زحف الحية ، وإسبق قبل أن تسبق ، وقم قبل ان يقام لك ، واعلم أنك غير متروك ولا مهمل ، فأني لك ناصح امين ، والسلام .
   ثم انه كتب في اسفل الكتاب هذه الابيات شعرا (4) :
عليك سلام الله قيس بن عاصم      ورحمته  ، ما شاء أن iiيترحما
تـحية من أهدى السلام iiلأهله      إذا  شط دارا عن مزارك iiسلما
فما  كان قيس هلكه هلك iiواحد      ولـكنه  بـنيان قـوم تـهدما
   وكتب الى الوليد بن عقبة بن أبي معيط :
   اما بعد ، يا ابن عقبة : كن الجيش ، وطيب العيش ، أطيب من سفع سموم (5) الجوزاء عند اعتدال الشمس في أفقها ، إلا ان أخاك (6) عثمان أصبح منك بعيدا ، فصرت بعده مزيدا ، فأطلب لنفسك ظلا تأوي إليه فتستكن به ، فأني اراك على التراب رقودا ، وكيف بالرقاد بك ؟ لا رقاد لك ! فلو قد استتب هذا الامر لمريده الفيت كشريد النعام يفزع من ظل الطائر ، وعن قليل تشرب الرنق (7) ، وتستشعر الخوف (8) ، ألا واني أراك فسيح الصدر ، مسترخي اللبب (9) ، رحوا الحزام ، قليل الاكتراث ، وعن قليل يجتث أصلك ، والسلام . وكتب في آخره هذين البيتين شعرا (10) :
أخترت نومك ان هبت iiشامية      عند  الهجير وشربا iiبالعشيات
على طلابك ثأرا من بني حكم      هيهات من راقد طلاب ثارات
---------------------------
(1) الذئب الاطلس : الذي في لونه غبرة الى السواد .
(2) الهناء : القطران ، والنقب بضم ففتح : القطع المتفرقة .
(3) الشوس بالتحريك : النظر بمؤخر العين تكبرا أو تغيظا .
(4) انظر : جمهرة رسائل العرب 1 : 303 .
والابيات لعبدة بن الصليب يرثي بها قيس بن عاصم كما في رواية الاصفهاني في الاغاني 18 : 163 وفيه يقول :
تـحية مـن أوليته منك iiنعمة      إذا زار عن شحط بلادك سلما
(5) سفعته السموم : لفتحه الريح الحارة لفحا يسيرا فغيرت لون البشرة .
(6) الوليد بن عقبة أخو عثمان لامه .
(7) ماء رنق : اي كدر .
(8) يستشعر الخوف : جعله شعارا له .
(9) اللبب : ما يشد في صدر الدابة لتثبيت الرحل .
(10) جمهرة رسائل العرب 1 : 304 .

واقعة الجمل _ 41 _

   وكتب الى يعلى بن أمية :
   اما بعد ، احاطك الله بكلاءته ، وأيدك بتوفيقه ، كتبت الي صبيحة ورد علي كتاب مروان بن الحكم ، يخبرني بأستشهاد أمير المؤمنين وشرح الحال ، وانه قد طال به العمر حتى نقضت قواه ، وثقلت نهضته ، وظهرت به الرعشة في اعضائه ، فلما رأى ذلك منه اقوام لم يكن لهم عنده موضعا للامامة والامانة ، وتقليل الولاية ، وثبوا إليه وألبوا عليه ، فكان اعظم ما نقموا عليه وأعابوه به ، ولايتك اليمن ، وطول مدتك عليها ، ثم ترامى بهم الامر حالا بعد حال ، حتى ذبحوه ذبح النطيحة مبادرا بها الموت (1) ، وهو مع ذلك صائم ، معانق المصحف ، يتلو كتاب الله تعالى ، فقد عظمت مصيبة الاسلام باستشهاد صهر (2) الرسول ، والامام المقتول على غير جرم سفكوا دمه ، وانتهكوا حرمته ، وانت تعلم ان بيعته في أعناقنا ، وطلب ثأره لازم علينا ، فلا خير في امرئ يعدل عن الحق ، ويميل الى الباطل ، عن نهج الصدق ، النار ولا العار ، الا وان الله جل ثناؤه لا يرضى بالتعذير في دينه ، فشمر أطرافك لدخول العراقين (3) ، فأني قد كفيتك الشام واهلها ، واحكمت امرها ، واعلم اني كتبت الى طلحة بن عبيد الله ان يلقاك بمكة لاجتماع رأيكما لاظهار الدعوة لطلب دم عثمان ، وكتبت ايضا الى عبد الله بن عامر ، يمهد لكم اهل العراقين ويسهل لكم حزونة عتابها واعلم ان القوم فاصدوك بادئ بدء ، لاستنزاف (4) ما حوته يداك من المال ، فأعلم ذلك واعمل على حسبه ، ايدك الله تعالى بمشيئته والسلام ، وكتب في اسفله هذه الابيات شعرا (5) :
ظـل الخليفة محصورا iiيناشدهم      بالله طـورا ، وبـالقرآن iiاحيانا
وقـد  تـألق اقـوام على iiحنق      عن غير جرم ، وقالوا فيه بهتانا
فـقام يـذكرهم وعد الرسول iiله      وقـوله  فـيه إسـرارا وإعلانا
فـقال  : كـفوا فإني معتب iiلكم      وصـارف  عنكم يعلى iiومروانا
فـكذبوا  ذاك مـنه ، ثم iiساوره      مـن  حاض لبته ظلما iiوعدوانا
   في اجوبتهم لمعاوية ، قال : فكتب مروان بن الحكم الى معاوية :
   اما بعد ، فقد وصل الي كتابك ، فنعم كتاب زعيم العشيرة ، وحامي الذمار (6) ، فأخبرك أن القوم على سنن استقامة [ إلا شظايا شعب ] (7) شننت بينهم مقولي (8) على غير مجابهة ، حسب ما تقدم من أمرك ، فأنما كان ذلك دسيس (9) العصاة ورمي الجذر من اغصان الدوحة ، ولقد طويت أديمهم على نغل (10) يحلم منه الجلد ، كذبت نفس الضان بنا ترك المظلمة ، وحب الهجوع الا تهويمة (11) الراكب العجل ،

---------------------------
(1) في الاصل : الفوت وهو تصحيف وصوابه كما جاء في جمهرة رسائل العرب .
(2) سقطت من الاصل .
(3) في الاصل : العراقيين وهو تصحيف وصوابه كما جاء في الجمهرة .
(4) في الاصل : الاستضاف وهو تصحيف وصوابه كما جاء في الجمهرة .
(5) جمهرة رسائل العرب 1 : 305 ـ 306 .
(6) الذمار : ما يلزمك حفظه وحمايته .
(7) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب .
(8) المقول : اللسان .
(9) دسيس : إخفاء المكر .
(10) الاديم : الجلد المدبوغ ، ونغل الاديم : فسد في الدباغ .
(11) التهويم : هز الرأس من النعاس .

واقعة الجمل _ 42 _

حتى تجذ الجماجم جذ [ العراجين امهدلة حين ] (1) انبياعها ، وانا على صحة نيتي ، وقوة عزيمتي ، لتحريك الرحم لي وغليان الدم مني ، غير سابقك بقول ، ولا متقدمك بفعل ، وانت ابن حرب وطلاب الترات (2) ، وابي الضيم ، وكتابي إليك وانا كحرباء السبسب (3) في الهجير ترقب عين الغزالة (4) ، وكالسبع المفلت من الشرك يفرق (5) من صوت نفسه ، منتظرا لما تصح به عزيمتك ، ويرد به امرك فيكون العمل به والمحتذى عليه .
   وكتب في اسفل الكتاب هذه الابيات شعراً (6) :
أيـقتل عـثمان وتـرقا دمـوعنا      ونـرقد  هـذا الـليل لا iiتـتنزع
ونشرب  برد الماء ريا وقد iiمضى      عـلى  ضـمأ يتلو القران ويركع
فـأني  ومـن حـج الملبون iiبيته      وطافوا به سعيا وذو العرش iiيسمع
سـأمنع  نـفسي كـل ما فيه iiلذة      من العيش حتى لا يرى فيه مطمع
وأقـتل بـالمظلوم من كان iiظالما      وذلـك  حـكم الله مـا عنه iiمدفع
   وكتب عبد الله بن عامر الى معاوية :
   اما بعد ، فإن امير المؤمنين كان لنا الجناح الحاضنة تأوي إليها فراخها تحتها ، فلما أقصده السهم صرنا كالنعام الشارد ، ولقد كنت مشرد (7) الفكر ، ضال الفهم ، التمس [ درية ] (8) استجن بها من خطأ الحوادث ، حتى وقع الي كتابك ، فأنتبهت من غفلة طار فيها رقادي ، فأنا كواجد المحجة (9) كان الى جانبها حائرا ، وكأني اعاين ما وصفت من تصرف الاحوال ، فالذي أخبرك به ان الناس في هذا الامر : تسعة لك ، وواحد عليك ، ووالله ان الموت في طلب العز احسن من الحياة في الذلة .
   وانت ابن حرب فتى الحروب ، ونصار بني عبد شمس ، والهمم بك منوطة لأنك منهضها ، فإذا نهضت فليس لنا التخلف عنك ، بل ولا لأحد من الناس القعود حين نهوضك ، وانا اليوم على خلاف ما كانت عليه عزيمتي :
   من طلب العاقبة ، وحب السلامة قبل قرعك سويداء (10) القلب بسوط الملام ، ولنعم مؤدب العشيرة انت ، وإنا لنرجوك بعد عثمان كهفا لنا ، نتوقع لوعدك ، نترقب لامرك وما يكون منك لأمتثله واعمل عليه ، إن شاء الله تعالى .

---------------------------
(1) سقطت من الاصل ، وتجذ : تقطع ، والعراجين : جمع عرجون وهو اصل العذق .
(2) الترات : جمع ترة ، وهي الثأر .
(3) السبسب : المفازة .
(4) الغزالة : الشمس .
(5) يفرق : يخاف .
(6) جمهرة رسائل العرب 1 : 306 ـ 307 .
(7) سقطت من الاصل .
(8) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب . الدريئة : كل ما استتر به الصيد ليختل . واستجن : استتر .
(9) المحجة : الطريق الواضح .
(10) سويداء القلب : حبته .

واقعة الجمل _ 43 _

   وكتب في اسفله هذه الابيات شعراً :
لا خير في العيش في ذل ومنقصة      فالموت أحسن من ضيم ومن iiعار
إنـا  بـنو عبد شمس معشر أنف      غـر جـحاجحة طـلاب اوتـار
والله لـو كـان ذمـي iiمـجاورنا      لـيطلب الـعز لم نقعد عن iiالجار
فـكيف عـثمان إذ يـدفن iiبمزبلة      عـلى الـقمامة مطروحا بها iiعار
    فـازحف الـي فـاني زاحف لهم      بـكل  ابـيض مـاض الحد بتار (1)
   وكتب الوليد بن عقبة بن ابي معيط الى معاوية :
   اما بعد ، فإنك ابن حرب (2) وسيد قريش ، واكملهم عقلا ، واحسنهم فهما ، واصوبهم رأيا ، واعرفهم لحسن السياسة (3) ، إذ انت معدن الرياسة (4) ، تورد بمعرفة ، وتصدر عن منهل روي ، مناويك كالمنقلب من العيون ، تهوي به عواصف الشمال في لجة البحر .
   كتبت الي تذكر كن الجيش ، ولين العيش ، [ فملأت بطني على حمام ] (5) الى مسكة الرحق (6) ، حتى افري أوداج قتلة عثمان فري الأهب (7) بشبا الشفار (8) ، واما اللين فهيهات ، إلا خفية ا (9) ولم نبد صفحاتنا بعد ، وليس دون الدم بالدم مزحل (10) إذ لا يخفى عند ذوي المعرفة والمروءة ان العار منقصة والضعف ذل ، أيخبط قتلة عثمان زهوة الحياة الدنيا ، ويسقون برد العين ، وكما يمتطوا الخوف ، ويستحلسوا (11) الحذر مع بعد مسافة الطرد (12) ، وامتطاء العقبة الكئود (13) وفي الرحلة ؟ لا دعيت لعقبة ! ان كان ذلك ، حتى انصب لهم حربا ، تضع الحوامل لها اطفالها ، فقد ألوت (14) بنا المسافة ، ووردنا حياض المنايا ، وقد عقلت نفسي على الموت عقل البعير ، واحتسبت اني قتيل ثاني بعد عثمان أو أقتل قاتله ، فعجل علي بما تتوقاه من رأيك الحسن (15) ، فإنا منوطون بك منتظرون لوعدك متبعون لعقبك ، [ ليس لنا من مخالف لامرك ] (16) ، ولم احسب الحال يتراخى بك الى هذه الغاية لما انا خائف من احكام القوم لأمورهم ، كما لا يخفى عليك ، والسلام عليك .

---------------------------
(1) جمهرة رسائل العرب : 1 : 307 ـ 308 .
(2) في جمهرة رسائل العرب : اسد قريش عقلا .
(3) في الجمهرة : معك حسن السياسة .
(4) في الجمهرة : وانت موضع الرياسة .
(5) سقطت من الاصل واثبتناها من الجمهرة .
(6) رحق : الرحيق وهو الخالص من الخمر ، وتقول : يا شارب الرحيق ابشر بعذاب الحريق ، ومن المجاز : مسك الرحيق ، لا غش فيه .
انظر : اساس البلاغة : 157 .
(7) الاهب : اخذ للسفر أهبته وتأهب له .
(8) شبا الشفار : الشفرة الحادة .
(9) المداجاة : المداراة .
(10) مزحل : مبعد ، من زحل مال عنه ، ودخل عليه فزحل له عن مكانه .
(11) استحلس فلان الخوف : إذا لم يفارقه الخوف .
(12) طرد : طرده طردا وطردا ، وطرده وأطرده : ابعده ونحاه .
(13) العقبة الكئود : الصعبة .
(14) ألوى بهم الدهر : أهلكهم .
(15) في الجمهرة : فعجل علي ما يكون من رأيك .
(16) لم ترد في الجمهرة .

واقعة الجمل _ 44 _

   وكتب في اسفل الكتاب هذه الابيات شعرا (1) :
نـومي عـلي مـحرم ان لم iiأقم      بـدم  ابـن أمي من بني iiالعلات
قـامت عـلي إذ قـعدت ولم iiأقم      بـطلاب ذاك مـناحة iiالامـوات
عذبت حياض الموت عندي بعدما      كـانت كـريهة مـورد iiالنهلات
   وكتب يعلى بن امية الى معاوية :
   اما بعد ، فانا وانتم بني امية كالحجر ، الذي لا يبنى بغير مدر (2) ، وكالسيف لا يقطع الا بضاربه . وصل الي كتابك يخبرنا بخبر القوم وحالهم ، فلئن كانوا ذبحوه ذبح النطيحة بودر بها الموت ، فانا بني أمية ، والله لنخرجن ذابحه ، ولننحرنه نحر البدنه (3) وافى بها الهدي الاجل ! !
   ثكلتني (4) من انا ابنها ان نمت عن طلب وتر عثمان رضي الله عنه ، من ان اذبح القوم ، واني مدلج (5) وان كان قصدهم ما حوته يداي من المال ، فالمال أيسر مفقود ان دفعوا الينا القاتل ، وان منعوا عن تسليمه ، أنفقنا المال على قتالهم ، وان لنا واياهم لمعركة [ نتناحر فيها نحر الجزار النقائع عن قليل تصل لحومها ] (6) .
   وكتب في اسفل الكتاب (7) :
لمثل هذا اليوم اوصي الناس      لا يعط ضيما أو يحز الراس
   وأما سعيد بن العاص فأنه كتب الى معاوية بخلاف ماكبت إليه القوم فهذه صورة كتابه إليه :
   اما بعد ، فإن الحزم في التثبت ، والخطأ في العجلة ، والشؤم في البدار ، واسهم سهمك ما لم ينبض به الوتر ، وان يرد الحالب في الضرع اللبن ، قد ذكرت ما لعثمان علينا من الحقوق والقرابة فيه ، وانه قتل فينا ، فهنا خصلتان ذكرهما نقص ، والثالثة تكذب (8) ، وامرتنا بطلب دمه ، فأي جهة تسلك فيها ابا عبد الرحمن ؟ ردمت الفجاج (9) ، واحكم الامر عليك ، وولي زمامه غيرك ، فدع مناوأة من لو كان افترش فراشه صدر الامر لم يعدل به غيره ، وقلت : كأنا عن قليل لا نتعارف ، فهل نحن الا حي من قريش ، ان لم تنلنا الولاية لم يفتئ عن الحق ؟ انها خلافة منافية (10) ، وبالله أقسم قسما بارا لئن أصبحت عزيمتك على ما ورد به كتابك لألفيتك في الحالتين طليحا (11) ، وهبني اخالك بعد خوض الدماء تنال الظفر ، هل في ذلك عوض من ركوب المآثم ونقص في الدين .

---------------------------
(1) جمهرة رسائل العرب 1 : 308 ـ 309 .
(2) المدر : قطع الطين اليابس .
(3) البدنة : من الابل والبقر ، كالاضحية من الغنم تهدي الى مكة وتنحر بها ، والهدي : ما يهدي الى مكة .
(4) ثكلته امه : فقدته .
(5) أدلج : سار من أول الليل .
(6) سقطت عن الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب . النقائع : جمع نقيعة ، وهي كل جزور جزرت للضيافة .
(7) جمهرة رسائل العرب 1 : 210 ، مع اختلاف يسير .
(8) تكذب : تكلف الكذب .
(9) الفجاج : جمع فج ( بالفتح ) وهو الطريق الواسع . وردم : سد .
(10) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب ، ومنافية نسبة الى عبد مناف جد الامام علي عليه السلام ومعاوية ، يعني بذلك ان الخلافة ان صارت في البيت العلوي ، فهي لن تخرج من بني عبد مناف .
(11) طلح فهو طليح كقولهم هزل فهو هزيل .

واقعة الجمل _ 45 _

   اما انا فلا علي بني امية ولا لهم علي ان اجعل الحزم داري والبيت سجني واتوسد الاسلام ، واستشعر العاقبة ، فأعدل ابا عبد الرحمن زمام راحلتك الى محجة الحق ، واستوهب العافية لاهلك وعشيرتك ، واسعطف الناس على قول الصدق قبل ان تهلك ] (1) .
   [ وهيهات من قبولك ما اقول حتى يفجر مروان ينابيع الفتن وأجَجُ في البلاد ، وكأني بكما عند ملاقاة الاقران تعتذران بالعذر ، ولبئس العاقبة الندامة عما قليل يضح الامر لك والسلام ] (2) .

كتاب محمد بن ابي بكر الى معاوية بن ابي سفيان :
   قال أبو علي أحمد بن الحسين بن احمد بن عمران في كتاب « الاختصاص » (3) : ان محمد بن ابي بكر كتب الى معاوية بن ابي سفيان :
   اما بعد ، فان الله بجلالته وعظمته وسلطانه وقدرته على كافة خلقه وعز برهانه ، [ خلق خلقه ] (4) بلا عبث منه ولا ضعف في قوة ولا من حاجة له إليهم ، ولكنه سبحانه خلقهم عبيداً فجعل منهم غوياً ورشيداً (5) وشقياً وسعيداً ، ثم اختار على علم فأصطفى وانتخب (6) محمداً ( صلى الله عليه وآله ) فاصطفاه نجيبا وانتجبه خليلا فبعثه برسالته امينا وأرسله بوحيه وائتمنه على أمره رسولاً مصدقاً وهادياً ودليلاً ومبشراً ونذيراً ، فكان اول من أجاب وصدق وأناب وآمن واسلم ، وسلم اخوه وابن عمه وصفيه ووصيه ووارث علمه ، وخليفته من بعده بوحي من الله عز وجل لنبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فنص رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على أمير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) فصدقه بالغيب المكتوم ، وآثره على كل حميم ، ووقاه كل هول ، وواساه بنفسه في كل خوف ، فحارب من حاربه وسالم من سالمه ، ولم يزل باذلا نفسه بين يديه في ساعة الخوف والجوع والجد والهزل ، حتى اظهر الله تعالى دعوته ، وافلج حجته .
   وقد رأيتك ايها الغاوي (7) تساميه وانت انت ، وهو هو المبرز (8) السباق في كل حين ، اصدق الناس نية وافضلهم سجية واخصهم زوجة وارفعهم منزلة ، الباذل روحه حين مهاجرته عن اعدائه ،

---------------------------
(1) في جمهرة رسائل العرب : واستعطف الناس على قومك .
(2) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب .
انظر : جمهرة رسائل العرب 1 : 311 مع بعض الاختلاف اليسير وصححت بعض الكلمات الغامضة أو الساقطة .
(3) الاختصاص : 119 .
(4) في النسخة العبارة غير واضحة وقد اثبتناها من الاختصاص .
(5) سقطت من النسخة .
(6) سقطت من النسخة .
(7) في النسخة : العاري والصواب كما جاء في الاختصاص .
(8) في النسخة : الهزير والصواب كما في الاختصاص .

واقعة الجمل _ 46 _

والنائم على فراشه والشاري بنفسه يوم موته ، وعمه سيد الشهداء يوم احد ، وابوه الذاب اعداء الله عن وجه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعن حوزته ، وانت انت لم تزل انت وابوك تبتغيان عليهما الغوائل ، وتجتهدان على اطفاء نور الله باجتماعكما الجموع ، وتؤلبان (1) عليهما القبائل ببذل الاموال ، وقد هلك على ذلك ابوك وعليه خلفك ، والشاهد عليك بفعلك من يأوي (2) ويلجأ اليك من بقية الاحزاب ورؤوس النفاق والشقاق لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته ، والشاهد لعلي ( عليه السلام ) بفضله المبين وسبقهالقديم ، انصاره والذين معه وهم الذين ذكرهم الله تعالى وفضلهم في القرآن المجيد واثنى على المهاجرين والانصار ، منهم معه كتائب وعصائب [ من حوله يجادلون بأسيافهم ويهرقون دماءهم دونه ] (3) يرون الفضل في اتباعه والشقاء في خلافة أمره ، فلك الويل ثم الويل ، كيف تعدل نفسك بعلي ( عليه السلام ) وهو أخو رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وابو ولديه ، وشريكه في امره بخيره وشره ، وانت عدوه وابن عدوه ، فتمتع بباطلك إذ يمدك ابن العاص في غوايتك ، وكأن اجلك قد انقضى وكيدك قد وهى ، واعلم أنك قد كايدت ربك الذي أمنت كيده في نفسك ، وآيست من روحه وهو لك لبالمرصاد وانت منه في غرور وعناد ، [ وبالله ورسوله واهل رسوله عنك الغنى ، والسلام على من اتبع الهدى ] (4) .
   وكتب في اسفل الكتاب هذه الابيات شعرا (5) :
مـعاوي  مـا أمسى هوى iiيستقيدني      إلـيك  ولا أخـفي الـذي لا iiاعالن
ولا أنـا فـي الاخرى إذا ما iiشهدتها      بـنكس ولا هـيابة فـي الـمواطن
حـللت عـقال الـحرب جبنا iiوانما      يـطيب الـمنايا خـائنا وابن iiخائن
فـحسبك مـن احـدى ثلاث iiرأيتها      بـعينك  أو تـلك الـتي لـم iiتعاين
ركـوبك بـعد الامـن حربا iiمشارفا      وقـد  ذمـيت اضـلافها iiوالسناسن
وقـدحك بـالكفين تـوري iiضريمة      مـن الـجهل ادتـها الـيك iiالكهائن
ومـسحك اقـراب الـشموس iiكأنها      تـبس بـأحدى الداحيات iiالحواضن
تـنازع  اسـباب الـمروءة iiاهـلها      وفي الصدر داء من جوى الغل كامن

جواب معاوية بن ابي سفيان لمحمد بن ابي بكر :
   فأجابه معاوية بهذا الكتاب (6) :
بسم الله الرحمن الرحيم

   من معاوية بن ابي سفيان الى محمد بن ابي بكر الزاري على أبيه [ خليفة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ] (7) . . . ، اما بعد ، وصل (8) الي كتاب وما ذكرت فيه [ من ان الله ] (9) بعظمته وسلطانه وقدرته قد اصطفى رسوله مع كلام ألفته ووضعته (10) ،

---------------------------
(1) في النسخة [ تؤنيان ] .
(2) سقطت من النسخة .
(3) سقطت من النسخة .
(4) سقطت من النسخة واثبتناها من الاختصاص .
(5) الاختصاص : 121 .
(6) الاختصاص : 121 .
(7) سقطت من الاختصاص : 121 ـ 122 .
(8) في كتاب صفين : فقد أتاني ، وفي الاختصاص : فقد بلغني .
(9) في صفين والاختصاص : ما الله أهله .
(10) في الاصل : ووضعك .

واقعة الجمل _ 47 _

فيه لرأيك تضعيف ، ولابيك فيه تعنيف وتفضيل (1) لابن ابي طالب وقديم سوابقه وقرابته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ونصرته له ومواساته اياه في كل خوف وهول (2) ، فكان احتجاجك علي وعيبك لي بفضل غيرك لا بفضلك ، فأحمد ربك (3) الذي صرف ذلك الفضل عنك وجعله لغيرك .
   وقد كنا وابوك معا في حياة نبينا محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نرى حق علي بن ابي طالب لازما لنا ، وفضله مبرزا علينا ، حتى اختار الله لنبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما اختار الله إليه ، وقد اتم له وعده ، واظهر له دعوته ، وافلج له حجته ، ثم قبضه الله إليه ، فكان أول من أبتز حقه ابوك وفاروقه (4) وخالفاه في امره ، على ذلك [ اتفقا واتسقا ] (5) بينهما ، ثم انهما دعواه ليبايعهما [ فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما ] (6) فلم يأتهما ، فهما به الهموم ، وأرادا به العظيم ، فعند ذلك بايع لهما وسلم (7) ، فلم يشركاه في امرهما ، ولم يطلعاه قط على سريرتهما ، حتى قبضا على ذلك ، ثم قام بعدها عثمان فأقتدى بهديهما ، [ حتى طمع فيه الاقاصي من اهل المعاصي وبطنتما له ] (8) واظهرتما العداوة له حتى بلغتما فيه مجهودكما ، ونلتما منه مناكما ، فخذ حذرك يا ابن ابي بكر ، وقس شبرك بفترك ، فكيف توازي من يوازي الجبال حلمه ، ولا تعب من مهد [ له ابوك ] (9) مهاده ، وطرح لملكه وسادة ، فإن يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك فيه أول من اسس بناءه ، فنحن بهديهم اقتدينا وبفعلهم احتذينا ، ولولا ما سبق إليه ابوك وفاروقه لما خالفنا الكتاب ونص رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، بل فأسلمنا إليه ، واجتمعنا لديه ، فليكن عيبك لابيك ، فعبه بما شئت أو دع ، والسلام .

خروج الزبير وطلحة بعائشة الى البصرة :
   قال المسعودي :
   ولما ورد كتاب معاوية الى طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام ، لم يشكا في صدقه بالنصيحة لهما فأجتمعا على خلاف امير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) فهما إليه وقالا : يا امير المؤمنين لقد علمنا (10) ما نحن فيه من الجفوة في زمن خلافة عثمان (11) [ واختصاصه عنا ببني أمية ] (12) دوننا ، وقد من الله تعالى عليك بالخلافة من بعده ، فولنا بعض عمالك .

---------------------------
(1) في صفين : ذكرت حق ، وفي الاختصاص : ذكرت فضل .
(2) سقطت من الاصل واثبتت من كتاب صفين والاختصاص .
(3) في صفين والاختصاص [ الها ] .
(4) في الاصل : وفاروقه الاعظم ، ولم ترد الاعظم في صفين ولا في الاختصاص .
(5) في الاصل : اتفاقا واتساقا ، وصوابه كما في الاختصاص وصفين .
(6) سقطت من الاصل .
(7) في الاصل : بايعهما قهرا عليه ، وسلم لهما القيادة جبرا عليه لعدم اتفاق المسلمين معه .
(8) سقطت من الاصل .
(9) في الاصل : اليك .
(10) ورد في البحار : قد رأيت .
(11) في البحار : ولاية عثمان .
(12) في البحار : كان في بني امية .

واقعة الجمل _ 48 _

   فقال ( عليه السلام ) : ارضيا بما قسم الله تعالى لكما حتى أرى رأيي ، واعلما اني لا اشرك في امانتي الا من أرضى بدينه وأمانته من اصحابي ومن عرفت دخيلته .
   فداخلهما اليأس فاستأذناه للعمرة فخوفهما من الله ومن التسرع في الفتنة ، فأنصرفا عنه وتوجها الى مكة ، فلم يلقيا احدا من الناس إلا استحثاه على الخروج معهما ، فيسألهما عن خروجهما على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
   فيقولان : ليس له في اعناقنا بيعة برضى منا وإنما صدرت منا مبايعتنا له كرها منا وجبرا علينا ، فبلغه قولهما ، فقال ( عليه السلام ) : أبعدهما الله تعالى ، والله لقد علمت انهما سيقتلان انفسهما [ أخبث مقتل ويأتيان من وردا عليه بأشأم يوم ] (1) والله ما العمرة يريدان ، ولقد أتياني بوجهين فاجرين ورجعا بوجهين غادرين ناكثين ، والله لا يلقيان بعد اليوم إلا كتيبة خشناء يقتلان فيها انفسهما فبعدا لهما وسحقا (2) .
   فلما بلغ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مسير طلحة والزبير بعائشة الى البصرة ، قال : ان كل واحد منهما يريد الخلافة لنفسه دون صاحبه ، فادعاء طلحة للخلافة لانه ابن عبيد الله عم عائشة ، وادعاء الزبير لانه صهر ابيها ، والله ، لئن ظفر الزبير بطلحة ليضربن عنقه ! وان ظفر طلحة بالزبير ليضربن عنقه ! فلا بد من تنازعهما على هذا الملك .
   والله ، انها الراكبة الجمل ! لا تحل عقدة ، ولا تسير عقبة ، ولا تنزل منزلا إلا ولله فيه معصية ، حتى تورد نفسها ومن معها موردا يقتل وليهم ، ويهرب تليهم ، ويرجع عليهم غيهم ، والله ، إن طلحة والزبير ليعلمان انهما يخطيان ويجهلان ولرب عالم قتله جهله ومحله معه لا ينفعه ، والله ، لتنبحها كلاب الحوأب ! ! فهل يعتبر معتبرا ويتفكر متفكرا ، لقد قامت الفئة الطاغية فأين المحسنون ؟

خطبة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) :
   حين بلغه مسير طلحة والزبير الى البصرة قال الشيخ المفيد ( رحمه الله ) في أرشاده (3) :
   لما بلغ أمير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) مسير طلحة والزبير بعائشة الى البصرة ، صعد المنبر ، فحمد الله واثنى عليه ، وصلى على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم قال :
   اما بعد ، ايها الناس (4) : إن الله عزوجل بعث نبيه محمداً ( صلى الله عليه وآله ) الى الناس كافة ،

---------------------------
(1) سقطت من الاصل .
(2) انظر بحار الانوار 32 : 6 .
(3) الارشاد : 130 ، بحار الانوار 32 : 98 ح 69 .
(4) سقطت من الارشاد .

واقعة الجمل _ 49 _

وجعله رحمة للعالمين (1) ، فصدع بما امره به ، وبلغ رسالاته ، فلم به الصدع ، ورتق به الفتق ، وأمن به السبل ، وحقن به الدماء ، وألف به ذوي الاحن والعداوة ، والوغر في الصدور ، والضغائن الراسخة في القلوب ، ثم [ قبضه الله إليه ] (2) حميداً لم يقصر في الغاية التي إليها ادى الرسالة ، ولا بلغ شيئا كان في التقصير عنه وكان من بعده ما كان من التنازع في الامر ، فتولى أبو بكر وبعده عمر ، ثم تولى عثمان ، [ فلما كان ] (3) من امره [ ما ] (4) عرفتموه ، وأتيتموني (5) ، فقلتم : بايعنا (6) ، فقلت : لا افعل ، فقلتم : بلى (7) .
   فقلت : لا (8) ، وقبضتم على يدي فبسطتموها وانا كاره فنازعتكم ، فجذبتموها ! ! ، وقد تداككتم علي تداك الابل الهيم على حياضها يوم ورودها حتى ظننت انكم قاتلي ، وان بعضكم قاتل بعضا ، فبسطت يدي فبايعتموني مختارين ، [ وبايعني في اولكم ] (9) طلحة والزبير طائعين [ غير مكرهين ] ! ! .
   ثم لم يلبثا حتى استأذناني في العمرة ، والله يعلم انهما أرادا الغدرة ، فجددت عليهما العهد في الطاعة ، وان لا يبغيا في الامة (10) الغوائل ، فعاهداني ثم لم يفيا لي (11) ، فنكثا بيعتي ونقضا عهدي (12) فعجبا لهما من انقيادهما [ لابي بكر وعمر وخلافهما لي ] (13) ، ولست بدون احد الرجلين ، ولو شئت ان اقول اللهم احكم عليهما بما صنعا [ في حقي وصغرا من امري ] وظفرني بهما .

وله عليه السلام خطبة أخرى :
   وقال ( عليه السلام ) في مقام آخر في هذا المعنى ، بعد أن حمد الله وأثنى عليه ، وصلى على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (14) :
   أما بعد ، أيها الناس (15) فان الله عز وجل لما قبض نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قلنا نحن أهل بيته وعصبته وورثته وأولياؤه وأحق [ الناس بالامر والخلافة ] (16) ،

---------------------------
(1) في النسخة : وجعله رحمة للعالمين بشيرا ونذيرا وسراجا منيرا .
(2) في النسخة : قبضه الله .
(3) في النسخة : فكان .
(4) في النسخة : ما قد .
(5) في النسخة : فأتيتموني طائعين مختارين .
(6) في النسخة : بايعناك .
(7) في النسخة الخطية : لا بد لك من ذلك .
(8) كذا في الاصل : لا يكون ذلك .
(9) في الاصل [ فأولكم مبايع لي ] .
(10) في الاصل [ في الامة ] .
(11) سقطت من الاصل .
(12) في الاصل [ حتى وثبا على الماضيين قبلهما ، ليذهبا بحقي ، ويفرقا جماعة المسلمين على تعجب ] والصواب كما ورد في الارشاد .
(13) في الاصل : الى من سبقها وخلافهما والصواب كما في الارشاد .
(14) الارشاد 1 : 245 ، بحار الانوار 33 : 111 ح 86 .
(15) لم ترد في الارشاد .
(16) في الارشاد : واحق الخلق به .

واقعة الجمل _ 50 _

   لا ننازع في حقه وسلطانه ، فبينا نحن [ كذلك ] (1) إذ نفر قوم من المنافقين حتى انتزعوا سلطان نبينا منا ، وولوه غيرنا ، فبكت ـ والله ـ لذلك العيون والقلوب منا جميعا معا ، [ وخشنت ] له الصدور ، وجزعت النفوس منا جزعا أرغم ، وايم الله [ لولا ] مخافتي الفرق بين المسلمين وأن يقود أكثرهم الى الكفر ويعور الدين ، لكنا قد غيرنا ذلك بما استطعنا .
   وقد بايعتموني الان وبايعني هذان الرجلان طلحة والزبير على الطوع منهما ومنكم [ الايثار ] (2) ، ثم نهضا يريدان ببغيهما (3) البصرة ، ليفرقا جماعتكم ويلقيا بأسكم [ بينكم ] ، اللهم فخذهما [ بغشهما ] ، لهذه الامة واخذل بيعتهما لهذه الامة وبسوء نظرهما للعامة (4) .
   ثم قال ( عليه السلام ) : انفروا (5) رحمكم الله لطلب الناكثين القاسطين الباغين قبل ان يفوتا ، [ فتداركوا ما خبياه ] (6) .

ومن كلامه ( عليه السلام ) :
   فخرجا يجران (7) حرمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، كما تجر الأمة عند شرائها متوجهين بها الى البصرة ، [ فحبسا نساءهم في بيوتهم ] (8) ، وابرزا حبيس (9) رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لهما ولغيرهما في جيش ، فما منهم رجل إلا وقد اعطاني الطاعة ، وسمح لي بالبيعة طائعا غير مكره (10) .
   فقدموا على عاملي بها وخزان بيت مال المسلمين الذي في يدي ، وعلى اهل مصر كلهم في طاعتي وعلى بيعتي ، فشتتوا شملهم وفرقوا كلمتهم ، وأفسدوا جماعتهم ، ووثبوا على شيعتي (11) فقتلوا طائفة منهم غدرا ، [ وطائفة عضوا على أسيافهم فضاربوا بها حتى لقوا الله صادقين ] (12) .
   فوالله لو لم يصيبوا من المسلمين الا رجلا واحدا متعمدين لقتله ، بلا جرم لحل قتل ذلك الجيش كله ، إذ حضروه ، فلم ينكروا ولم يدفعوا عنه بلسان ولا بيد ، دع ما انهم قد قتلوا من المسلمين مثل العدة التي دخلوا عليهم ، [ وقتلوا من السبابجة أربعمائة رجل ، وعَزَرةا بولاتها ] (13) .

---------------------------
(1) سقطت من الاصل .
(2) في الاصل : الاثر .
(3) سقطت من الارشاد .
(4) في الاصل : واخذل بيعتهما لهذه لتنظرهما العامة .
(5) في الاصل : تفرقوا والصواب في الارشاد .
(6) في الارشاد : قبل ان يفوت تدارك ما خبياه .
(7) في نهج البلاغة : فخرجوا يجرون .
(8) في نهج البلاغة : نساءهما في بيوتهما .
(9) في نهج البلاغة : جيش ، ويظهر من تصحيفات الناسخ .
(10) في الاصل : طائعا مختارا غير مكره .
(11) لم ترد في نهج البلاغة .
(12) لم ترد في نهج البلاغة .
(13) لم ترد في كتاب نهج البلاغة .

واقعة الجمل _ 51 _

فصل . . في خروج ام المؤمنين عائشة الى البصرة
   ونصح ام سلمة زوجة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لها قال أبو علي احمد بن الحسين بن احمد بن عمران : فيما استخرج من كتاب « الاختصاص » (1) حدثني محمد بن علي بن شاذان ، قال : حدثنا احمد بن يحيى النحوي أبو العباس [ ثعلب ] (2) ، قال : حدثنا احمد بن سهل أبو عبد الرحمن ، قال : حدثنا يحيى بن محمد بن اسحق بن موسى ، قال : حدثنا احمد بن قتيبة أبو بكر ، عن عبد الحكيم [ القتيبي ] (3)) ، عند ابي [ كبسه ] (4) ، ويزيد بن رومان ، قالا :
   لما قصدت عائشة الخروج على امير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) (5) أتت الى ام سلمة بمكة المشرفة ، وقالت لها :
   يا بنت ابي (6) امية لقد كنت كبيرة امهات (7) المؤمنين ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقيم ببيتك ويقسم لنا وينزل عليه الوحي ، [ قالت لها يا بنت ابي بكر ] (8) ولقد زرتني [ وما كنت زوارة ولامر ما تقولين ] (9) .
   [ قالت : ان اخي ] (10) وابن اخي اخبراني ان عثمان قتل مظلوما ، وان بالبصرة مائة الف [ سيف يطاعون ] (11) ، فهل لك في الخروج معي لعل الله ان يصلح امر المسلمين من التشاجر بين الفئتين ؟ [ فقالت : يا بنت ابي بكر أبدم عثمان تطلبين ] (12) ؟ فلقد كنت اشد الناس عليه عداوة ، وان كنت لتدعينه بالتبريء ، ام امر ابن ابي طالب تنقضين (13) !

---------------------------
(1) الاختصاص : 113 .
(2) سقطت من النسخة .
(3) في النسخة : القبعي ، وهذا تصحيف سببه الناسخ والصواب كما في الاختصاص .
(4) في النسخة : كبشه ، والصواب كما في الاختصاص .
(5) في الاختصاص : لما اجمعت عائشة على الخروج الى البصرة .
(6) سقطت من النسخة واثبتناها من الاختصاص .
(7) في النسخة : رؤساء امهات .
(8) سقطت من النسخة وأثبت من الاختصاص .
(9) في النسخة : ولست بزائرة ولا تمن تقبلين هذا المقال .
(10) سقطت من النسخة وأثبت من الاختصاص .
(11) في النسخة : سيأتي يطلبوني .
(12) سقطت من النسخة واثبتناها من الاختصاص .
(13) في نصيحة ام سلمة ( رضي الله عنها ) لعائشة بعدم الخروج ، ثم رأتها لا تتعظ ، قال الشيخ المفيد ( اعلا الله مقامه ) في كتابه ( الجمل أو النصرة في حرب البصرة ) ( ص 128 ) : « ثم انفذت ام سلمة الى عائشة ، فقالت لها : وقد وعظتك فلم تتعظي ، وقد كنت اعرف رأيك في عثمان ، وانه لو طلب شربة ماء لمنعتيه ، ثم انت اليوم تقولين انه قتل مظلوما ، وتريدين ان تثيري لقتال أولى الناس بهذا الامر قديما وحديثا ، فاتق الله حق تقاته ، ولا تعرضي لسخطه ، فأرسلت إليها عائشة : أما ما كنت تعرفينه من رأيي في عثمان فقد كان ، ولا أجد مخرجا منه إلا الطلب بدمه ، واما علي فأني آمره برده هذا الامر شورى بين الناس ، فأن فعل وإلا ضربت وجهه بالسيف حتى يقضي الله ما هو قاض .
   فأنفذت إليها ام سلمة : اما أنا فغير واعظة لك من بعد ، ولا مكلمة لك جهدي وطاقتي ، والله اني لخائفة عليك البوار ثم النار ، والله ليخيبنك ظنك ، وينصرن الله ابن ابي طالب على من بغى وستعرفين عاقبة ما أقول والسلام » .

واقعة الجمل _ 52 _

   ولقد نص عليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والان قد بايعته المهاجرون والانصار ، وان ذلك سدة بين رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبين امته ، وحجابه مضروب على حرمه ، وقد جمع [ القرآن ذلك ] (1) فلا [ تبذخيه ] (2) وسكني عقيراك فلا تضحي بها [ الله من وراء ] (3) هذه الامة ، قد علم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مكانك ، ولو أراد ان يعهد اليك فعل .
   وقد نهاك رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن الفراطة في البلاد ، فأن عمود الاسلام لا يرأبه النساء ان اثلم ولا يشعب بهن ان انصدع ، حماديات النساء غض الاطراف وقصر الوهادة ، وما كنت قائلة لو ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عرض لك ببعض الفلوات وانت ناصة قلوصا من منهل الى آخر بعين الله مهواك ، وعلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تردين قد وجهت سدافته وتركت عهده .
   اقسم بالله لئن سرت مسيرك هذا ، ثم قيل لي : ادخلي الفردوس لاستحييت ان القي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هاتكة حجابا قد ضربه علي ، فأجعلي حصنك بيتك (4) ، وقاعة الستر قبرك حتى تلقيه وانت على ذلك اطوع [ ما تكونين لله ما التزمتيه ، وابصري ما تكونين للدين ما جلست عند بيتك ] (5) .
   ثم قالت : لو ذكرتك من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خمسا في علي عليه السلام لنهشتيني نهش الحية الرقشاء المطرقة ذات الحبب. اتذكرين اذ كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقرع بين نسائه إذا أراد سفرا ، فأقرع بينهن فخرج سهمي وسهمك ، فبينا نحن معه وهو هابط من قديد ومعه علي ( عليه السلام ) يحدثه ، فذهبت لتهجمي عليه ، فقلت لك : رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) معه ابن عمه ولعل له إليه حاجة ، فعصيتني ورجعت باكية فسألتك ، فقلت : إنك هجمت عليهما ، فقلت له يا علي : انما لي من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم من تسعة أيام وقد شغلته مني ! فأخبرتيني انه قال لك : أتبغضينه ؟ فقلت : كيف أبغضه وهو أخوك وابن عمك ، واحب الناس اليك .
   فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ما يبغضه أحد من اهلي ولا من امتي إلا خرج من الايمان ، قالت : نعم .

---------------------------
(1) في النسخة : ذلك لك .
(2) سقطت من النسخة .
(3) سقطت من النسخة .
(4) وكانت ام سلمة تطالبها بتطبيق قوله تعالى ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) ، ففي تفسير روح المعاني للالوسي ، روى البزاز عن انس : ان النساء جئن الى رسول الله بعد نزول الآية فقلن : لقد ذهب الرجال بالفضل والجهاد ، فهل لنا عمل ندرك به فضل المجاهدين ؟ فقال : من قعد منكن في بيتها تدرك عمل المجاهدين .
وقال السيوطي : ان سودة بنت زمعة زوجة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم تحج بعد نزول الآية فقيل لها في ذلك ، فقالت : اني حججت واعتمرت ، وأمرني ربي تعالى شأنه ان أقر في بيتي حتى تخرج جنازتي .
وأخرج مسروق : ان عائشة كلما قرأت وقرن في بيوتكن تبكي حتى تبل خمارها .
انظر : روح المعاني 22 : 6 ، الدر المنثور 5 : 196 .
(5) لم تر هذه العبارة في الاختصاص .

واقعة الجمل _ 53 _

   [ ويوم اراد ] (1) رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) [ سفراً ] (2) وانا أجش له جشيشا فقال [ ليت شعري ] (3) ايتكن صاحبة الجمل الاحدب (4) تنبحها كلاب الحوأب ، فرفعت يدي من الجشيش ، وقلت : اعوذ بالله من ذلك ان اكون .
   فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : والله لا بد لاحدكما ان يكونه [ إتقي الله ] (5) يا حميراء ، ان تكونيه ! ! ، أتذكرين هذا ؟ ! قالت : نعم .
   ويوم تبذلنا لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فلبست ثيابي ولبست ثيابك ، فجاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الى جنبك ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أتظنين يا حميراء اني لا اعرفك ؟ اما ان لأمتي منك يوما [ مرا أو يوما ] (6) ، أتذكرين هذا ؟ قالت : نعم .
   ويوم كنت انا وانت ذات يوم مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فجاء ابوك وصاحبه يستأذن الدخول ، فدخلت الخدر ، فقالا : يا رسول الله ، انا لا ندري قدر مقامك فينا ، فلو جعلت لنا انسانا نأتيه بعدك ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : اما اني اعرف مكانه واعلم موضعه ، فلو أخبرتكم به لتفرقتم عنه كما تفرقت بنو اسرائيل عن عيسى بن مريم ( عليه السلام ) .
   فلما خرجا خرجت إليه انا وانت حزينة عليه ، فقلت له : يا رسول الله من كنت جاعلا لهم ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : خاصف النعل [ وغاسل الثوب ] (7) وكان علي ( عليه السلام ) يخصف نعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ويغسل ثوبه إذا اتسخ .
   فقلت : ما أرى إلا عليا ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : هو ذاك ، أتذكرين هذا (8) ؟ قالت : نعم ، قالت : يوم جمعنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في بيت ميمونة فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
   يا نساء (9) النبي ، أتقين الله ولا يسفرن (10) بكن احد ، أتذكرين هذا (11) ؟ قالت : نعم ، [ يا حميراء إنك لتقاتلين عليا وانت ظالمة له !! ] (12) قالت نعم .

---------------------------
(1) سقطت من الاصل .
(2) سقطت من الاصل .
(3) في الاصل عبارة غير واضحة واثبتت من الاختصاص .
(4) سقطت من الاصل .
(5) سقطت من الاصل .
(6) في الاصل عبارة غير واضحة .
(7) لم ترد في الاختصاص .
(8) في الاختصاص : يا عائشة .
(9) في الاختصاص : يا نسائي .
(10) في الاختصاص : لا يسفر .
(11) في الاختصاص : يا عائشة .
(12) لم ترد في الاختصاص .

واقعة الجمل _ 54 _

   فقالت عائشة : لقد سمعت وفهمت قولك [ وقبلت نصحك ووعظك لي ] (1) وأسمعني لقولك فأن اخرج ففي غير حرج ، وان أقعد ففي غير بأس .
   ثم انها أمرت ان ينادى في الناس : من أراد الخروج فليخرج ، فأن ام المؤمنين نأت عن الخروج ، فدخل عليها عبد الله بن الزبير بن العوام [ فنفث في أذنيها كنفث الحية لسمها ، وقلبها في الذروة ] (2) ، فأمرت ان ينادى في الناس ان ام المؤمنين خارجة فمن أراد الخروج فليخرج معها .
   فأنشأت ام سلمة تقول هذه الابيات شعراً (3) :
لــوان  مـعتصما مـن زلـة iiاحـد      كانت لعائشة [ العتبى على ] (4) الناس
كــم سـنـة لـرسـول الله iiتـاركة      وتـلـو آيٍ مــن الـقرآن iiمـدراس
قــد يـنـزع مـن انـاس iiعـقولهم      حـتى يـكون الذي يقضى على iiالناس
نـصحت ولـكن لـيس لـلنصح iiقابل      ولــو قـبلت مـا عـنفتها iiالـعواذل
كـان بـها قـد ردت الـحرب iiرحلها      ولـيـس لـهـا الا الـترحل iiراحـل
    فـيــــرحم الله ام الـمؤمنين iiلـقد      كانت تبدل [ إيحاشا بايـــــناس ] (5)

تحرك القوم الى البصرة :
   قال : فكان قصدهم الشام ، فصادفهم في اثناء الطريق عبد الله بن عامر عامل عثمان على البصرة قد صرفه امير المؤمنين بحارثة بن قدامه السعدي واخذ البيعة من اهلها ، فقال لهم عبد الله بن عامر : اعلموا أني امس منكم خبرا بمعاوية ، انه لا ينقاد اليكم ولا يعطيكم ما هو ضامر عليه في نفسه ، فمشورتي عليكم ان تنتحوا عنه ، وعليكم بحفظ البصرة فأنها كثيرة الضياع والعدة ، وجهزهم بألف الف درهم (6) ومائة من الابل وغير ذلك .
   واما يعلى بن منية اعطاهما أربعمائة الف درهم (7) ، وكراعاً وسلاحاً ، والجمل المسمى بـ ( عسكر ) الذي ركبته قد اشتراه بمائتي دينار ، فكان عسكرها ثلاثين الفا ، وعسكر امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) عشرين الفا .
   فلما انتهى بهم المسير الى الموضع المعروف بالحوأب (8) احد منازل بني عبس ، وجدوهم نازلين على مائة فعوت بهم كلابهم .

---------------------------
(1) في الاختصاص : ما أقبلني لوعظك .
(2) في الاختصاص : فنفث في اذنها وقلبها في الذروة .
(3) ذكر ابن الجوزي في تذكرة الخواص : 38 ، نهي ام سلمة لها فلما رأتها لا تقبل قالت : وذكر البيهقي في المحاسن والمساوئ 1 : 231 ان ام سلمة حلفت ان لا تكلم عائشة من اجل مسيرها الى حرب علي ، فدخلت عائشة عليها يوما وكلمتها ، فقالت ام سلمة : الم أنهك ؟ ألم أقل لك ؟ قالت : اني استغفر الله كلميني ، فقالت ام سلمة : يا حائط ألم انهك ؟ ألم اقل لك ؟ فلم تكلمها ام سلمة حتى ماتت .
(4) في النسخة : الدنيا بغي ، وصوابه كما في الاختصاص .
(5) في النسخة : الحاسا بالناس ، وصوابه كما ورد في الاختصاص .
(6) في الاصل : الف درهم ، والصواب كما في مروج الذهب م 2 : 366 .
(7) في الاصل : اربعمائة الف دينار ، وصوابه كما ذكره المسعودي .
(8) الحوأب : بالفتح ثم السكون ، وهمزة مفتوحة ، وياء موحدة ، وأصله في اللغة ، يقال : حافر حوأب ، وأب صعب ، والحوأبة : العلبة الضخمة ، والحوأب : الوادي الوسيع ، والحوأب : موضع معروف في طريق البصرة ، قال أبو زياد : ومن مياه ابي بكر بن كلاب الحوأب ، وهو من المياه الاعداد وقديم جاهلي ، وقيل سمي الحوأب بالحوأب بنت كلب بن وبرة وهي ام تميم وبكر .
   قال ياقوت الحموي : ان عائشة لما رأت المضي الى البصرة في وقعة الجمل مرت بهذا الموضع فسمعت نباح الكلاب ، فقالت : ما هذا الموضع ؟ قيل لها : هذه موضع يقال له الحوأب ، فقالت : إنا لله ما أراني الا صاحبة القصة . قيل لها : واي قصة ؟ قالت : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول وعنده نساؤه : ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب سائرة في كتيبة الى الشرق ! وهمت بالرجوع فغالطوها وحلفوا لها انه ليس بالحوأب . انظر : معجم البلدان 2 : 314 .

واقعة الجمل _ 55 _

   فقالت عائشة : ما اسم هذا الموضع الذي عوت بنا كلاب اهله ؟ فقال لها قائد جملها : هذا الحوأب « الحوأب احد منازل بني عبس » وهذه كلابهم ، فتذكرت ما قال لها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقالت : ردوا بي الى حرم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، لا حاجة لي في هذا المسير وكان طلحة والزبير في الساقة ، فلحقا بها واقسما لها ان ليس هذا بالحوأب ، انما سائق الجمل غلط في قوله لك ! ! وشهد لها خمسون رجلا ممن معهم !! فكانت هي أول شهادة زور وقعت في الاسلام ، فسارت حتى قدمت البصرة ، فمانعهم دونها عثمان بن حنيف والخزان والموكلون بها من قبل امير المؤمنين ( عليه السلام ) .
   ففي بعض الليالي نزغ لهم الشيطان فثاروا عليه وضربوه وأسروه ونتفوا لحيته ! وأرادوا قتله ، إلا انهم خافوا من أخيه سهيل ، وفي رواية فساروا حتى انتهوا بالحوأب ، اسم موضع لبني كلاب ، فوجدوهم عليه فعوت بهم كلابهم ، فقالت عائشة : ما اسم هذا الموضع ؟ قال سائق الجمل : هذا الحوأب ! فذكرت ما قال لها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالت : ردوني لا حاجة لي بهذا المسير .
   فقال طلحة والزبير وخمسون رجلا منهم : تالله ما هذا الحوأب ! ! فهي اول شهادة زور وقعت في الاسلام ، ثم قدموا البصرة ، فمانع عنها عثمان بن حنيف والخزان والموكلون ، فوقع بينهم القتال ، فقتلوا منهم سبعين رجلاً ، ثم اصطلحوا ، ثم اسروا عثمان وضربوه ونتفوا لحيته ، وأرادوا قتله إلا انهم خافوا من اخيه سهيل (1) .

فصل في توجه أمير المؤمنين عليه السلام الى البصرة :
   قال : بعد مضي اربعة اشهر توجه امير المؤمنين ( عليه السلام ) في سبعمائة راكب ، فمنهم اربعمائة من المهاجرين والانصار ، وسبعون بدريا ، والباقون من الصحابة (2) .

---------------------------
(1) ذكر المسعودي في مروج الذهب بعد قدوم القوم الى البصرة وما فعلوه بعثمان بن حنيف ، قال : وأرادوا بيت المال فمانعهم الخزان والموكلون به وهم السبابجة ، فقتل منهم سبعون رجلا غير من جرح ، وخمسون من السبعين ضرب رقابهم صبراً من بعد الاسر ، وهؤلاء أول من قتل ظلما في الاسلام وصبرا ، وقتلوا حكيم بن جبلة العبدي ، وكان من سادات عبد القيس وزهاد ربيعة ونساكها .
انظر : مروج الذهب م 2 : 377 ـ 367 .
(2) ذكر ابن الاثير في الكامل في التاريخ 3 : 221 ، قال : قال أبو قتادة الانصاري لعلي ( عليه السلام ) : يا أمير المؤمنين ان رسول الله ( صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ) قلدني هذا السيف وقد اغمدته زمانا وقد حان تجريده على هؤلاء القوم الظالمين الذين [ لا ] يألون الامة غشا ، وقد احببت ان تقدمني فقدمني ، وقالت ام سلمة : يا امير المؤمنين لولا اني اعصي الله وانك لا تقبله مني لخرجت معك ، وهذا ابن عمي ، وهو والله اعز علي من نفسي ، يخرج معك ويشهد شاهدك .

واقعة الجمل _ 56 _

   ثم لحق به خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وستمائة رجل من طي ، فلما انتهى به المسير الى الربذة (1) من الكوفة ، قال الشيخ المفيد ( رحمه الله ) في ارشاده (2) : روي عن ابن عباس قال : اتيت امير المؤمنين ( عليه السلام ) فوجدته يخصف نعلا ، فقلت له : جعلت فداك ، هل علينا اصلاح ما يحتاج إليه من الامور ؟ فلم يجبني ، حتى فرغ من خصف النعل ، ودفعها الى صاحبتها ، ثم قال : « قومها » ، فقلت : ليس لها قيمة ، فقال ( عليه السلام ) : « على ذلك » .
   قلت : كسر درهم ، فقال ( عليه السلام ) : « والله ، انها احب إلي من أمركم هذا ، إلا أن اقيم حقا أو ادفع باطلا » ، فقلت : ان الحاج قد اجتمعوا ليسمعوا كلامك ، أفتأذن لي أن أتكلم ، فإن كان حسنا كان منك ، وإن كان غيره فهو مني ، قال : « لا ، بل انا أتكلم » ، ثم وضع يده في صدري وكان شثن الكف (3) ، فآلمني .
   ثم قال : فأخذت بثوبه ، فقلت : ناشدتك الله والرحم ، قال : « لا تنشدني » ، ثم خرج ( عليه السلام ) فاجتمع عليه الناس ، فحمد الله واثنى عليه ، وصلى على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ثم قال : « اما بعد ، ايها الناس : فإن الله عز وجل بعث نبيه محمداً ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وليس في العرب أحد يقرأ كتابا ، ولاي دعي نبوة ، فساق الناس إلى منجاتهم ، أم والله ما زلت في ساقتها ما غيرت ولا بدلت ولا خنت (4) ، حتى تولت بحذافيرها ، مالي ولقريش ، أيم الله ، لقد قاتلتهم كافرين ، ولأقاتلنهم مفتونين ، وان مسيري هذا على عهد الي فيه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أم والله ، لا بقرن الباطل حتى يخرج الحق من خاصرته ، ما تنقم منا قريش ، ألا وان الله عزوجل اختارنا من عين خلقه عليهم فأدخلناهم في حيزنا » (5) .

---------------------------
(1) الربذة : قال ياقوت الحموي : وفي كتاب العين : الربذ خفة القوائم في المشي وخفة الاصابع في العمل ، والربذات العهون التي تعلق في اعناق الابل ، والربذة من قرى المدينة على ثلاثة ايام قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز إذا رحلت من فيد تريد مكة ، وبهذا الموضع قبر ابي ذر الغفاري رضي الله عنه . معجم البلدان 3 : 24 .
(2) الارشاد 1 : 247 ـ 248 .
(3) شثن كفه : اي خشنت وغلظت ، « الصحاح ـ شثن ـ 5 : 2142 » .
(4) في الاصل : حدثت ، والصواب كما ورد في الارشاد .
(5) في الاصل : وادخرهم في خيرتنا ، وصوابه كما ورد في الارشاد .