[ فهداك الله الى مرضاته وأرشدك الى عباده ]
(1) ، وذلك لانهم كرهوا الاسوة ، وفقدوا الأثرة ، لما واسيت بينهم وبين الاعاجم ، انكروا واستشاروا عدوك وعظموه ، واظهروا الطلب في دم عثمان فرقة للجماعة وتأليفا لاهل الضلالة ، [
فرأيك منهم سديد ، ونحن معك على كل باغ عنيد ]
(2) .
فخرج ( عليه السلام ) ودخل المسجد مرتديا بطاق ، مؤتزرا ببرد قطري ، متقلدا بسيفه ، متنكبا على قوسه ، فصعد المنبر ، وقال :
بعد ان حمد الله عز وجل واثنى عليه ، وصلى على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) « اما بعد ، ايها الناس ، فإنا نحمد الله ربنا والهنا وولينا وولي النعم علينا ، الذي اصبحت نعمته علينا ظاهرة ، وباطنة امتنانا منه بغير قول منا ولا قوة لنشكر ام نكفر ، فمن شكر زاده ، ومن كفر عذبه ، فأفضل الناس عند الله منزلة واقربهم من الله وسيلة اطوعهم لامره واعلمهم بطاعته واتبعهم لسنة [ نبيه محمد رسوله ]
(3) ( صلى الله عليه وآله ) ، واحياهم لكتابه ليس لأحد عندنا فضل إلا بطاعة الله وطاعة رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
هذا كتاب الله بين أظهرنا ، وعهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وسيرته فينا ، لا يجهل ذلك إلا جاهل معاند عن الحق منكر للصدق ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) .
ثم انه ( عليه السلام ) صاح بأعلى صوته : ( [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُو ]
(4) أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ، فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) ، ثم قال : يا معشر المهاجرين والانصار ، ( أتمنون على الله [ ورسوله ]
(5) باسلامكم بل الله يمن عليكم ان هداكم للايمان ان كنتم صادقين ) ، ثم قال ( عليه السلام ) : انا أبو الحسن ، ( وكان لا يقولوها إلا إذا غضب )
(6) ، ثم قال : إلا ان هذه الدنيا التي اصبحتم تتمنونها وترغبون فيها ، واصبحت تغضبكم وترضيكم ليست بداركم ولا منزلكم الذي خلقتم له ، فلا تغرنكم [ الحيوة الدنيا ]
(7) فقد حذرتموها فاستتموا نعم الله بالصبر لانفسكم على طاعة الله ، والذل لحكمه جل ثناؤه .
فأما هذا الفيء فليس لاحد على أحد فيه أثرة وقد فرغ الله من قسمته فهو مال الله ، وانتم عباد الله المسلمون ، وهذا كتاب الله به أقررنا وله اسلمنا ، وعهد نبينا بين أظهرنا فمن لم يرض به فليتول كيف شاء فان العامل بطاعة الله والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه ، ثم انه ( عليه السلام ) نزل عن المنبر وصلى ركعتين
(8) .
---------------------------
(1) في البحار : هداك الله لرشدك .
(2) لم ترد هذه العبارة في البحار .
(3) في البحار : لسنة رسوله .
(4) لم ترد في البحار .
(5) سقطت من الاصل .
(6) في البحار : وكان يقولها إذا غضب .
(7) لم ترد في البحار .
(8) بحار الانوار 32 : 19 ، 21 .
واقعة الجمل _ 36 _
مناشدة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) للزبير وطلحة :
ثم بعث ( عليه السلام ) عمار بن ياسر وعبد الرحمن بن حسل الى طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وهما في ناحية من المسجد ، [ فأتيا بهما ]
(1) فجلسا بين يديه ، فقال ( عليه السلام ) لهما : « نشدتكما الله هل جئتماني طائعين للبيعة ودعوتماني إليها وانا كاره لها ؟ » قالا : نعم .
قال : « غير مجبورين ولا مقهورين
(2) فأسلمتما لي بيعتكما ، واعطيتماني عهدكما » ؟ قالا : نعم ، قال : « فما دعاكم بعد هذا الى ما أرى » ، قالا : اعطيناك بيعتنا على ان لا تقضي الامور ولا تقطعها من دوننا ، وان تستشيرنا في كل امر ولا تستبد بذلك علينا ، ولنا من الفضل على غيرنا ما قد علمت ، [ فرأيناك قسمت القسم وقطعت الامر وقضيت بالحكم بغير مشاورتنا ولم تعلمنا ]
(3) ، فقال ( عليه السلام ) : « لقد نقمتما يسيراً وارجأتما كثيراً ، فاستغفرا الله يغفر لكما ، ألا تخبراني ادفعتكما عن حق وجب لكما علي
(4) فظلمتكما
(5) اياه ؟ » ، قالا : معاذ الله !
قال : فهل استأثرت من هذا المال لنفسي بشيء ؟ قالا : معاذ الله ، قال : « أفوقع حكم في حق لاحد من المسلمين فجهلته أو ضعفت عنه ؟ » ، قالا : معاذ الله ، قال : « فما الذي كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي ؟ »
قالا : نعم ، خلافك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في القسم ، لأنك جعلت حقنا في القسم كحق غيرنا ، وسويت بيننا وبين من لا يماثلنا فيما افاء الله بأسيافنا ورماحنا ، وقد أوجفنا عليه بخيلنا [ ورجلنا وظهرت عليهم دعوتنا واخذناه قسرا وقهرا ]
(6) ممن لا يرى الاسلام إلا كرها عليه .
فقال ( عليه السلام ) : « [ أما ما ذكرتما أني احكم بغير مشورتكما ]
(7) فوالله ما كان لي في الولاية رغبة ولكنكم دعوتموني إليها فخفت ان اردكم فتختلف الامة ، فلما أفضت الي نظرت في كتاب الله وسنة رسوله فأمضيت ما دلاني عليه فأتبعته ولم أحتج الى رأيكما فيه ولا أرى غيركم ،
---------------------------
(1) في البحار : فأتياهما فدعواهما فقاما .
(2) في البحار : مقسورين .
(3) في البحار : فأنت تقسم القسم وتقطع الامر وتمضي الحكم بغير مشورتنا ولا علمنا .
(4) لم ترد في البحار .
(5) في الاصل : وطلبتكما .
(6) في الاصل : وركابنا على دعوة الاسلام لا جورا ولا قهرا .
(7) في البحار [ اما ذكرتموه من الاستشارة بكما ] .
واقعة الجمل _ 37 _
ولو وقع ما ليس في كتاب الله بيانه ، [ ولا في سنة رسول الله برهانه ]
(1) ، واحتيج الى المشاورة فيه لشاورتكما فيه ، وأما القسم والاسوة وان ذلك [ لم أحكم فيه بادئ بدء ]
(2) وقد وجدت انا وانتما رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يحكم بذلك وكتاب الله ناطق به ، [ وهو الكتاب ]
(3) ( الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) .
واما قولكما : جعلت فيئنا وما افاءته سيوفنا ورماحنا سواء بيننا وبين غيرنا ، فقديماً سبق الى الاسلام قوم نصروه بسيوفهم ورماحهم فلم يفضلهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في القسم ولا آثرهم بالسبق والله سبحانه موف السابق والمجاهد يوم القيامة ، وليس لكما والله عندي ولا لغير كما إلا هذا ، أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم الى الحق والهمنا واياكم الصبر .
ثم قال ( عليه السلام ) : رحم الله امرءاً رأى حقا فأعان عليه ، ورأى جوراً فرده وكان عونا للحق على من خالفه »
(4) ، ( لعل المراد قوله ( عليه السلام ) فقديماً سبق الى الاسلام يعني به نفسه ، حيث لم يسبق إليه سابق ولم يلحق بأثره في جميع ما امره به رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لاحق ، فانه عليه السلام جميع اعماله بالكتاب المجيد والسنة الواضحة .
في السبب الموجب لنكث طلحة بن عبيد الله والزبير
بن العوام لبيعتهما امير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) :
قال المسعودي : لما قتل عثمان بايعت الناس امير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) بالخلافة ، كتب ( عليه السلام ) الى معاوية بن ابي سفيان بالشام : « اما بعد فأن الناس قتلوا عثمان من غير مشورة مني ، وبايعوني عن مشورة منهم واجتماع ، فإذا اتاك كتابي هذا فبايع لي الناس ، وأوفد الي اشراف اهل الشام »
(5) .
فلم يكن منه له جواب غير انه كتب كتابا الى الزبير بن العوام وبعثه مع رجل من بني عبس فمضمونه :
بسم الله الرحمن الرحيم
الى الزبير بن العوام
(6) من معاوية بن ابي سفيان . . . سلام الله عليكم اما بعد ، فأني قد بايعت لك اهل الشام فأجابوني الى بيعتك فأستوثقتهم كما استوثق الحلف
(7) ،
---------------------------
(1) في : البحار ولا في السنة برهانه .
(2) في الاصل [ لم اكلم فيه البادئ بدء ] عبارة ركيكه وصوابه كما في البحار .
(3) سقطت من الاصل .
(4) انظر : بحار الانوار 32 : 21 ، 22 .
(5) نهج البلاغة 1 : 230 ، بحار الانوار 32 : 6 .
(6) في البحار : لعبدالله الزبير امير المؤمنين .
(7) في الاصل : الجلب وهو تصحيف وصوابه كما في البحار .
واقعة الجمل _ 38 _
فدونك الكوفة والبصرة [ لا يسبقك عليهما علي بن ابي طالب ]
(1) فأنه لا شيء بعد هذين المصرين وقد بايعتهم لطلحة بن عبيدالله من بعدك ، فعليكما
(2) بالظهور في طلب دم عثمان ، فأدعوا الناس الى ذلك بالجد والتشهير ، ظفركما
(3) الله تعالى وخذل مناوئيكما .
قال جدي حسن ( طاب ثراه ) : ان معاوية كتب الى الزبير : اما بعد ، فإنك الزبير بن العوام ابن اخي خديجة بنت خويلد ، وابن عمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وحواريه وسلفه ، وصهر ابي بكر ، وفارس المسلمين ، وانت الباذل في الله مهجته له بمكة عند صيحة الشيطان ، بعثك المنبعث فخرجت كالثعبان المتسلخ بالسيف المنصلت ، تخبط خبط الجمل الرديع ، كل ذلك قوة ايمان وصدق يقين منك ، وقد سبقت لك من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) البشارة بالجنة ، ثم جعلك عمر احد المستخلفين على الامة .
فانهض يا أبا عبد الله فأن الرعية اصبحت كالغنم المتفرقة لغيبة الراعي ، فسارع ـ رحمك الله ـ في حقن الدماء ولم الشعث ، واجمع الكلمة لصلاح ذات البين قبل تفاقم الامور وانتشار الامة ، فقد اصبح الناس على شفا جرف هار عما قليل منهار ، ان لم يرأب ، فشمر لتأليف الامة وابتغ الى ربك سبيلاً ، فقد أحكمت لك الامر على من قبلي لك ولصاحبك على ان الامر للمقدم ، ثم لصاحبه من بعده ، جعلكما الله من أئمة الهدى ، وبغاة الخير والتقوى ، وسلك بكما قصد المهتدين ، ووهبكما رشد الموفقين والسلام
(4) .
مكاتبة معاوية بن ابي سفيان الى بني امية
وكتب الى مروان بن الحكم :
اما بعد ، فقد وصل الي كتابك بشرح خبر قتل امير المؤمنين عثمان ، وما ركبوه به ونالوه منه جهلا بالله وجرأة عليه ، واستخفافا بحقه ، [ ولأماني لوح ]
(5) الشيطان بها في شرك الباطل ليدهدهم
(6) في أهويات الفتن ، ووهدات الضلال ، ولعمري لقد صدق إبليس عليهم ظنه ، اقتنصهم بأنشوطة فخه ، فعلى رسلك يا عبد الله تمشي الهوينى وتكون اولا ، فإذا قرأت كتابي هذا فكن كالفهد الذي لا يصطاد إلا غيلة
(7) ، ولا يتشازر
(8) الا عند حيلة ، وكالثعلب
(9) لا يفلت الا روغانا ، وأخف نفسك منهم اخفاء القنفذ رأسه عند لمس الأكف ، وامتهن نفسك امتهان من ييأس القوم من نصره وانتصاره ، وابحث عن أمورهم بحث الدجاج عن حب الدخن عند فقاسها ، وأنغل
(10) الحجاز فأني منغل الشام ، والسلام
(11) .
---------------------------
(1) في البحار : لا يسبقنك لها ابن ابي طالب .
(2) سقطت من البحار .
(3) في البحار : اظهركما .
(4) انظر : جمهرة رسائل العرب 1 : 300 .
(5) في الاصل غير واضحة واثبتناها من جمهرة رسائل العرب .
(6) دهده الحجره متدهده : دحرجه فتدحرج .
(7) الغيلة : الاحتيال .
(8) تشازر القوم : نظر بعضهم الى بعض شزرا ، والشزر : النظر بمؤخر العين .
(9) في جمهرة رسائل العرب : كالثعلب .
(10) انغل الحجاز : اي افسده .
(11) جمهرة رسائل العرب 1 : 301 .