شهيده ذنبه ، مربّ لكلّ فتنة ، هو الذي يقول كرّوها جذعة بعد ما هرمت ، يستعينون بالضعفة ، ويستنصرون بالنساء كأمّ طحال أحبّ أهلها اليها البغي ، ألا إنّي لو أشاء أن أقول لقلت ، ولو قلت لحبت ، إنّي ساكت ما تركت ) .
  ثم التفت إلى الأنصار فقال : ( قد بلغني يا معشر الانصار مقالة سفهائكم ، وأحقّ من لزم عهد رسول الله أنتم ، فقد جاءكم فآويتم ونصرتم ، ألا إنّي لست باسطاً يداً ولا لساناً على من لم يستحقّ ذلك منّا ) ، ثم نزل (1) .
  قال ابن ابي الحديد : قرأت هذا الكلام على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصريّ وقلت له : بمن يعرّض ؟ فقال : بل يصرّح ، قلت : لو صرّح لم أسألك ، فضحك وقال : بعليّ بن أبي طالب عليه السلام ، قلت : هذا الكلام كلّه لعليّ يقوله ؟ قال : نعم إنّه الملك يا بنّي ، قلت : فما مقالة الأنصار ؟ قال : هتفوا بذكر عليّ ، فخاف من اضطراب الأمر عليهم ـ انتهى .
  لهذا قلت : إن الزهراء اتّخذت من فدك ذريعةً للوصول إلى استرداد خلافة علي عليه السلام ، وإلا فما الذي حداها وهي تطالب بميراثها أن تشيّد بمواقف الإمام وأحقّيته بالخلافة حتى أثارث الأنصار ، فهتفوا بذكر علي ؟ وما الذي حدا أبابكر أن يذكر عليّاً بسوء في خطبته كقوله : إنّما هو ثعالة شهيده ذنبه ، مربّ لكل فتنة .
  رابعاً : أرادت الزهراء عليها السلام بمنازعة أبي بكر إظهار حاله وحال أصحابه للناس ، وكشفهم على حقيقتهم ، ليهلك من هلك عن بيّنهة ، ويحيى من حيّ عن بيّنة ، وإلاّ فبضعة الرسول أجل قدراً وأعلى شأناً من أن تقلب الدنيا على أبي بكر حرصاً على الدنيا ، ولا سيّما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبرها بقرب موتها وسرعة لحاقها به ، ولذا لم ينهها عليّ عليه السلام عن منازعة أبي بكر في فدك وهو القائل : ( وما أصنع بفدك وغير فدك ،

---------------------------
(1) شرح ابن ابي الحديد : 16 | 214 ـ الرعة : بالتخفيف أي الاستماع والاصغاء ، القالة : القول ، فعالة : اسم الثعلب تحكم غير معروف ، شهيده ذنبه : أي لا شاهد له على ما يدعي إلاّ بعضه وجزء منه ، واصله مثل ، قالوا : ان الثعلب اراد ان يغري الاسد بالذئب فقال الثعلب : انه قد اكل الشاة التي كنت قد اعددتها لنفسك وكنت حاضرا قال : فمن يشهد لك بذلك ؟ فرفع ذنبه وعليه دم ، وكان الاسد قد افتقد الشاة فقبل شهادته وقتل الذئب .

الاسرار الفاطمية _ 510 _

  والنفس مكانها في غد جدث ) (1) ، ولم تكن الزهراء أقلّ من علي تقىً وزهداً في الدنيا .
  ثم إنّ عليّاً عليه السلام كان بإمكانه أن يعوّض الزهراء عن ما غصب منها بما يملكه من الأموال ، ويمنعها من الهوان ، فإنّ ممّا يملك إرثي البغيبغة وأبي نيزر ، وهما أكثر قيمة من فدك ، وقد جعلهما عليه السلام قبل وفاته وقفاً على الفقراء ، وكنا واردهما السنويّ 470 ألف درهم .
  وأيضاً هذا هو السبب في حمل عليّ الزهراء على بغلة ، والمرور بها على دور المهاجرين والانصار ، ومطابتهم بنصرتها مع علمها بخذلانهم ، كلّ ذلك لاطلاع الناس أبد الدهر على حقيقة الأمر ، وإظهار حال الغاصبين وحال أصحابهم ... قال ابن أبي الحديد : قلت لمتكلّم من متكلّمي الإماميّة يعرف بعليّ ابن تقي من بلدة النيل : وهل كان فدك إلا نخلاً يسيراً وعقاراً ليس بذلك الخطير ؟ فقال لي : ليس الأمر كذلك ، بل كانت جليلةً جدّاً ، وكان فيها من النخل نحو ما بالكوفة الآن .
  ( أي في القرن السادس الهجري ) ، وما قصد أبوبكر وعمر بمنع فاطمة عنها إلا ألاّ يتقوّى بحاصلها وغلّتها على المنازعة في الخلافة ، ولهذا أتبعا ذلك بمنع فاطمة وعلي وسائر بني هاشم وبني المطّلب حقّهم في الخمس ، فإنّ الفقير الذي لا مال له تضعف همّته ، ويتصاغر عند نفسه ، ويكون مشغولاً بالاحتراف والاكتساب عن طلب الملك والرئاسة (2) .
  وقال الإمام الصادق عليه السلام للمفضّل بن عمر : ( لمّا بويع أبو بكر أشار عليه عمر أن يمنع علياً وأهل بيته الخمس والفي وفدكاً ، فإنّ شيعته إذا عملوا ذلك تركوه ، وأقبلوا إليك رغبة في الدنيا ، فصرفهم أبو بكر عن جميع ما هو لهم ) .
  وثمّة سبب أخر وهو إرادة التظاهر بالقوّة أمام أهل البيت ، وسدّ الطريق أمامهم ، وقطع أيّ أملٍ في نفوسهم للوصول إلى غايتهم (3) .
  قال العلامة المجلسي رحمه الله : إنّ طلب الحقّ والمبالغة فيه وإن لم يكن منافياً للعصمة لكنّ زهدها صلوات الله عليها وتركها للدنيا ، وعدم اعتدادها بنعيمها ولذّتها ، وكمال عرفانا

---------------------------
(1) نهج البلاغة : قسم الكتب ، 45 .
(2) شرح نهج البلاغة : 16 | 236 .
(3) فدك : 166 ـ 174 .

الاسرار الفاطمية _ 511 _

  ويقينها بفناء الدنيا ، وتوجّه نفسها القدسيّة وانصراف همّتها العالية دائماً إلى اللذات المعنويّة والدرجات الاخروية ، لا تناسب مثل هذا الاهتمام في أمر فدك ، والخروج إلى مجمع الناس ، والمنازعة مع المنافقين في تحصيله .
  والجواب عنه من وجهين ، الأوّل : أن ذلك لم يك حقّاً مخصوصاً لها ، بل كان أولادها البررة الكرام مشاركين لها فيه ، فلم يكن يجوز لها المداهنة والمساهلة والمحاباة وعدم المبالاة في ذلك ليصير سبباً لتضييع حقوق جماعة من الأئمة الأعلام والأشراف الكرام ، نعم لم كان مختصاً بها كان تركه والزهد فيه وعدم التأثر من فوته .
  والثاني : إنّ تلك الامور لم تكن لمحبّة فدك وحبّ الدنيا ، بل كان الغرض إظهار ظلمهم وجورهم وكفرهم ونفاقهم ، وهذا كان من أهمّ امور الدين وأعظم الحقوق على المسلمين ، ويؤيّده أنّها صلوات الله عليها صرّحت في آخر الكلام حيث قال : ( قلت ما قلت على معرفةٍ منّي بالخذلة ... ) ، وكفى بهذه الخطبة بيّنة على كفرهم ونفاقهم ... (1) .
  قال المحقق الفاضل الألمعي عبدالزهراء عثمان محمد : ربما يعترض البعض على موقف فاطمة فيقول : لماذا إذن تقف فاطمة هذا الموقف الصلب في مطالبتها بفدك ، فلو لم يكن هناك هدف آخر تبتغيه من ورائه ، لما طالبت هذه المطالبة الحقيقيّة به .
  ولأجل أن نبرز الحقائق التي دفعت الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام للمطالبة بفدك نضع أمامنا النقاط الآتية :
  1 ـ إنّها عليها السلام رأت أنّ تأميم فدك قد هيّأ لها فرصة ذهبيّةً في الإدلاء برأيها حول الحكومة القائمة ، وكان لا بدّ لها أن تدلي بتصريحاتها أمام الجماهير ، وقد هيّأت لها قضيّة فدك هذه الملابسات المناسبة ، فحضرت دار الحكومة في المسجد النبوي صلى الله عليه وآله وسلم ، وألقت بتصريحاتها التي لا تنطوي على أيّ لبس أو غموض .
  2 ـ تبيان أحقيّة عليّ في قيادة الامة بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد تجلّى ذلك في خطبتها التي ألقتها في مسجد

---------------------------
(1) البحار : 8 | 127 ـ 128 .

الاسرار الفاطمية _ 512 _

  أبيها صلى الله عليه وآله وسلم على مسمع ومرأى من المسلمين ، وبضمنهم الحكومة الجديدة ، فكان من بعض أقوالها : ( أم أنتم أعلم بخصصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي ؟ ) وقولها : ( وأبعدتم من هو أحقّ بالبسط والقبض ) .
  حيث أو ضحت أنّ عليّاً عليه السلام أعلم الناس بعد محمّد صلى الله عليه وآله وسلم بمعرفة الرسالة وأحكامها وقوانينها ، وهو ذلك أحقّ برعاية شئون الامّة التي صنعها الوحي المقدّس .
  3 ـ كشف ألاعيب الحكومة الجديدة على الشرع المقدّس ، واجتهاداتهم التي لا علاقة لها بأهداف الرسالة ... وهذه النقاط الثلاث هي التي استهدفتها فاطمة عليها السلام في مطالبتها الحثيثة بفدك ، ليس غير ، وليس لها وراء ذلك هدف ماديّ رخيص ، كما يعتقد البعض من مورّخي حياتها ، فهي ـ لعمر الحقّ ـ قد تصرّفت ما من شأنه أن يحفظ الرسالة من شبح الإنحراف الذي تنبّأت بوقوعه بعد انتخاب الحكومة الجديدة ، فاتّخذف من فدك خير فرصةٍ لخدمة المبدأ ، وإلقاء الحجّة وإلقاء الحجّة على الامّة تأديةً للمسؤوليّة ، ونصراً للرسالة ، وحفظاً لبيضة الإسلام (1) .
  قال المحقق المتتبع السيد كاظم القزويني : من الممكن أن يقال : إنّ السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام الزاهدة عن الدنيا وزخارفها ، والتي كانت يمعزل عن الدنيا ومغريات الحياة ، ما الذي دعاها إلى هذه النهضة وإلى هذا السعي المتواصل ، والجهود المستمرّة في طلب حقوقها ؟ وما سبب هذا الإصرار والمتابعة بطلب فدك والاهتمام بتلك الأراضي والنخيل ، مع ما كانت تتمتّع به السيّدة فاطمة من علوّ النفس وسموّ المقام ؟ وما الداعي إلى طلب الدنيا التي كانت أزهد عندهم من عفطة عنز ، وأحقر من عظم خنزير في فم مجذوم ، وأهون من جناح بعوضة ؟ وما الدافع بسيّدة نساء العالمين أن تتكلّف هذا التكليف وتتجشّم هذه الصعوبات المجهدة للمطالبة بأراضيها ، وهي تعلم أنّ مساعيها تبوء بالفشل ، وأنّها لا تستطيع التغلّب على الموقف ، ولا تتمكّن من انتزاع تلك الأراضي من المغتضبين ؟ هذه تصوّرات يمكن أن تتبادر إلى الأذهان حول الموضوع .

---------------------------
(1) الزهراء عليها السلام : 118 ـ 120 .

الاسرار الفاطمية _ 513 _

  أوّلاً : إنّ السلطة حينما صادرت أموال السيدة فاطمة الزهراء ، وجعلتها في ميزانيّة الدولة ( بالاصطلاح الحديث ) كان هدفهم تضعيف جانب أهل البيت ، أرادوا أن يحاربوا عليّاً محاربة اقتصاديّة ، أرادوا أن يكون علي فقيراً حتّى لا يلتفّ الناس حوله ، ولا يكون له شأن على الصعيد الاقتصادي (1) .
  وهذه سياسة أراد المنافقون تنفيذها في حقّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قالوا : ( لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضّوا ) (2) .
  ثانياً : لم تكن أراضي فدك قليلة الإنتاج ، ضئيلة الغلاّت ، بل كان لها وارد كثير يعبأ به ، بل ذكر ابن أبي الحديد أن نخيلها كانت تمثل نخيل الكوفة في زمان ابن أبي الحديد ، وذكر الشيخ المجلسي عن ( كشف المحجّة ) أنّ وارد فدك كان أربعة وعشرين ألف دينار في كلّ سنة ، وفي رواية اخرى : سبعين ألف دينار ، ولعلّ هذا الاختلاف في واردها بسبب اختلاف السنين ، وعلى كلّ تقدير فهذه ثروة طائلة واسعة لا يصحّ التغاضي عنها .
  ثالثاً : إنّها كانت تطالب من وراء المطالبة بفدك الخلافة والسلطة لزوجها عليّ بن أبي طالب ، تلك السلطة العامّة والولاية الكبرى التي كانت لأبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد ذكر ابن أبي الحديد في شرحه ، قال : سألت عليم بن الفارقي مدّرس مدرسة الغربيّة ببغداد ، فقلت له : أكانت فاطمة صادقة ؟ قال : نعم قلت : فلم لم يدفع إليها أبوبكر فدك وهي عنده صادقة ؟ فتبسّم ، ثمّ قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع ناموسه وحرمته وقلّة دعابته ، قال : لو أعطاها اليوم فدك بمجرّد دعواها ، لجاءت إليه غداً وادّعت لزوجها الخلافة ، وزحزحته عن مقامه ، ولم يكن يمكنه الاعتذار والموافقة بشيء ، لأنّه يكون قد أسجل على نفسه بأنّها صادقة فيما تدّعي كائناً ما كان من غير حاجة إلى بيّنة ولا

---------------------------
(1) قال العلامة المجلسي رحمه الله : روى العلامة في كشكوله المنسوب إليه عن المفضل بن عمر قال : قال مولاي جعفر الصادق عليه السلام : لما ولي أبو بكر بن أبي قحافة ، قال له عمر : إنّ الناس عبيد هذه الدنيا ، لا يريدون غيرها ، فامنع عن علي وأهل بيته الخمس والفيء وفدكا ، فإنّ شيعته إذا عملوا ذلك تركوا عليّا ، وأقبلوا إليك رغبة في الدنيا وإيثاراً ومحاماة عليها ... ( البحار : ج 8 ، ص 104 ، ص الكمباني ) .
(2) المنافقون : 7 .

الاسرار الفاطمية _ 514 _

  شهود ، وهذا كلام صحيح وإن كان أخرجه الدعابة والهزل (1) .
  ... لهذه الأسباب قامت السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام ، وتوجّهت نحو مسجد أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأجل المطالبة بحقّها ، إنّها لم تذهب إلى دار أبي بكر ليقع الحوار بينها وبينه فقطّ ، بل اختارت المكان الأنسب وهو المركز الإسلامي يومذاك ، ومجمع المسلمين حينذاك ، وهو مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كما وأنّها اختارت الزمان المناسب أيضاً ليكون المسجد غاصّاً بالناس على اختلاف طبقاتهم من المهاجرين والأنصار ، ولم تخرج وحدها إلى المسجد بل خرجت في جماعة من النساء ، وكأنّها في مسيرة نسائية ، وقبل ذلك تقرر اختيار موضع من المسجد الجلوس بضعة رسول الله وحبيبته ، وعلّقوا ستراً لتجلس السيدة فاطمة خلف الستر ، إذ هي فخر المخدّرات ، وسيدة المحجّبات ، كانت هذه النقاط مهمّة جدّاً واستعدّ أبوبكر لاستماع احتجاج سيدة نساء العالمين ، وابتة أفصح من نطق بالضاد ، وأعلم امرأة في العالم كلّه .
  خطبت السيدة فاطمة الزهراء خطبة ارتجاليّة منظّمة منسّقة بعيدة عن الاضطراب في الكلام ، و منزّهة عن المغالطة والمراوغة والتهريج والتشنيع ، بل وعن كلّ ما لا يلائم عظمتها وشخصيّتها الفذّة ، ومكانتها السامية ، وتعتبر هذه الخطبة معجزة خالدة للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام ، وآية باهرة تدلّ على جانب عظيم من الشقافة الدينيّة التي كانت تتمتّع بها الصدّيقة فاطمة الزهراء .
  وأمّا الفصاحة والبلاغة ، وحلاوة البيان ، وعذوبة المنطق ، وقوة الحجة ، ومتانة الدليل ، وتنسيق الكلام ، وإيراد أنواع الإستعارة بالكناية ، وعلوّ المستوى ، والتركيز على الهدف ، وتنوّع البحث ... (2) .

---------------------------
(1) شرح النهج : 16 | 284 .
(2) فاطمة الزهراء من المهد اللحد : 353 ـ 359 .

الاسرار الفاطمية _ 515 _

البحث السادس عشر : فاطمة عليها السلام وعلاقتها بالحسين عليه السلام

الاسرار الفاطمية _ 517 _

  
الشيخ محمد علي اليعقوبي

أى  بـرق حزوى فاستهلت دموعه      وهـاج  بـمن يـهواه فيها iiولوعه
خـليلّي مالي كلّما صنت في iiالحشا      هـوايّ بـدا دمـع الشوون iiيذيعه
أحنّ لعهدٍ قد خلا بعدما حلى هيهات      يـرجـى  عــوده iiورجـوعـه
لـيّ الله كم نهنهت قلبّي عن iiهوى      تـحمّل  مـنه  فـوق ما iiيستطيعه
وكفكفت من طرفي الدموع فلم iiتكن      لـغير  بني  الزهراء تهمي دموعه
وخطب جرى بالطف لم ينس iiوقعه      ولـم تـلتئم طول الزمان iiصدوعه
عـشية  أمـسى منزل البغّي iiاهلاً      ومـنزل  وحّـي الله أقوت iiربوعه
لـقد  كـان  من يوم السقيفة أصله      وكـلّ الـرزايا الـحادثات iiفروعه
فـما  عـذرهم عند النبّي ولم iiيزل      يـرى كـلّ آن مـنهم iiمـايروعه
أفـي غصبهم حقّ الوصيّ iiوظلمهم      لـبضعته  الزهراء  يجزى صنيعه
لـو أنّ رسـول الله يـنظر iiفاطماً      تـنوح  ولـم تـهجع لعزّ iiهجوعه
فـلولا جـنين أسـقطوه لما iiهوى      صريعاً على صدر الحسين iiرضيعه
ومن  رضّهم ضلع البتولة قد iiغدت      تـرض  بجري الصافنات iiضلوعه

الاسرار الفاطمية _ 519 _

البحث السادس عشر : فاطمة عليها السلام وعلاقتها بالحسين عليه السلام
  للصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام عدة أولاد منهم الحسن والحسين عليهم السلام ، علما ان علاقتها كانت بهذين الولدين تفوق علاقة أكثر الامهات في تاريخ البشرية وذلك نابع من كونهم ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اضافة إلى كونهم النسل الطاهر لها ، وبمقتضى علاقة الام بأبنائها ولقد حدثنا التاريخ عن نشوء هذه العلاقة بين الام من جهة وبين ابنائها ومن خلال الاحاديث المروية عن أهل البيت عليهم السلام من جهة اخرى ، والذي نريد التركيز عليه هنا في هذا الموضوع الختامي لكتابنا هذا هو علاقة الصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام بولدها الحسين عليها السلام ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، الذي كان يلقمه حباً وحجراً دافأ خلال حياته الشريفة ، كيف لا وكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ينظر إلى الحسين بأنه حامل فكره على مدى الزمن حياةً وشهادةً لكي يضيء من خلال ذلك للناس حياتهم الفكرية والاجتماعية والسياسية عبر مرّ العصور ، وعلى أي حال فان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استمد من وراء الغيب علمه بأن بضعته الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام سوف يتفرع منها الغصن والثمرة الطيبة لأئمة أهل البيت عليهم السلام والذين يعملون اعباء الإمامة ويدعون الناس عبر مرّ الالسنين والاعوام إلى طريق الهداية والتقوى والصلاح في الدين والدنيا والاخرة لذا كان الرسول يولي اهتماماً بالغاً ببضعته الطاهرة عليها السلام وبولديها الحسن والحسين عليهم السلام ، وفي الموضوع وعلى هذا الاساس سوف نولي اهتماما بارزاً من خلال النصوص بحياة الصديقة الشهيدة وعلاقتها انذاك بولدها الحسين عليه السلام مستمدين ذلك من آثار الرسول وأهل بيته وكلماتهم النورانية التي نشروها خلال سيرة حياتهم الشريفة والتي كلها دروس وعبر للمؤمنين على مر العصور والازمان ،

الاسرار الفاطمية _ 520 _

الولادة الميمونة
  مضت عدة ايام على ولادة الإمام الحسن عليه السلام وامتلأ البيت النبوي سروراً وفرحاً ولم تمض الايام القليلة حددها المؤرخين باثنين وخمسين يوماً حتى علقت سيدة النساء بحمل جديد ظل يتطلع إليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسائر المسلمين بفارغ الصبر وكلهم رجاء وأمل في أن يشفع الله ذلك الكوكب بكوكب آخر ليضيء في سماء الأمة الاسلامية ويكون امتداداً لحياة المنقذ العظيم (1) .
  ورأت السيدة ام الفضل بنت الحارث (2) في منامها رؤية غريبة لم تهتد إلى تأويلها ، فهرغت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائلة له : ( إني رأيت حلماً منكراً كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري ؟ ... ) فأزاح النبي مخاوفها وبشرها بخير قائلاً : ( خيراً رأيت ، تلد فاطمة ان شاء الله غلاماً فيكون في حجرك ... ) ومضت الايام سريعاً فوضعت سيدة النساء فاطمة ولدها الحسين فكان في حجر أم الفضل كما أخبرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم (3) .

إخبار فاطمة بقتل الحسين عليه السلام
  عن ابي عبدالله عليه السلام : ان جبرئيل عليه السلام نزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا محمد إن الله يقرأ عليك السلام ، ويبشرك بمولود يولد من فاطمة عليها السلام تقتله أمتك من بعدك .
  فقال : يا جبرئيل ، وعلى ربي السلام ، لاحاجة لي في مولود تقتله امتي من بعدي ، قال : فعرج جبرئيل إلى السماء ، ثم هبط فقال له مثل ذلك .
  فقال : يا جبرئيل وعلى ربي السلام ، لاحاجة لي في مولود تقتله أمتي من بعدي ، فعرج جبرئيل إلى السماء ، ثم هبط فقال له : يا محمد إن ربك يقرؤك السلام ، ويبشرك انه جاعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية ، فقال : قد رضيت ، ثم أرسل إلى

---------------------------
(1) حياة الإمام الحسين للشيخ القرشي : 1 | 25 .
(2) راجع ترجمتها في الطبقات الكبرى : 8 | 278 ، والاصابة : 4 | 464 .
(3) مستدرك الصحيحين : 3 | 127 عن حياة الإمام الحسين للقريشي : 26 .

الاسرار الفاطمية _ 521 _

  فاطمة عليها السلام أن الله ( تبارك وتعالى ) يبشرك بمولود يولد منك تقتله أمتي من بعدي ، فأرسك إليه : أن لاحاجة لي في مولود يولد مني تقتله أمتك ، من بعدك .
  فأرسل اليها ان الله جاعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية فأرسلت : أني قد رضيت ، ( حملته أمه كرها ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وان أعمل صالحاً ترضيه وأصلح لي في ذريتي إني تبت اليك واني من المسلمين ) (1) .
  وايضا عن ابي عبدالله عليه السلام قال : كان الحسين مع أمه صلى الله عليه وآله وسلم تحمله ، فأخذه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقال : لعن الله قاتلك ، ولعن الله سالبك واهلك الله المتوازرين عليك ، وحكم الله بيني وبين من اعان عليك .
  قالت فاطمة الزهراء عليها السلام : يا أبة ، أيّ شيء تقول ؟
  قال : يا بنتاه ، ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الاذى والظلم والغدر والبغي وهو يومئذ في عصبة ، كأنهم نجوم السماء يتهاوون إلى القتل ، وكأني أنظر بالى معسكرهم وإلى موضع رحالهم ، وتربتهم ، قالت يا أبة ، وأبة ، واين الوضع الذي تصف ؟ قال الموضع يقال له : ( كربلاء ) وهي دار كرب وبلاء علينا وعلى الأمة .
  يخرج عليهم شرار امتي ، ولو أن أحدهم شفع له من في السماوات والأرضين ما شفعوا فيه وهم المخلدون في النار .
  قال يا أبة ، فيقتل ؟ قال : نعم يا بنتاه ، وما قتل قتلته أحد كان قبله ، وتبكيه السماوات والأرضين والملائكة والوحش والنباتات والبحار والجبال ، ولو يؤذن لها ما بقي على الأرض منقذ ، ويأتيه من محبينا ليس في الأرض أعلم بالله ولا أقوم بحقنا منهم ، وليس على ظهر الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم ، اولئك مصابيح في ظلمات الجور ، وهم الشفعاء وهم واردون حوضي غداً ، أعرفهم ـ إذا وردوا علي ـ بسيماهم ، وكل أهل دين يطلبون ائمتهم وهم يطلبوننا ولا يطلبون غيرنا ، وهم قوّام الأرض وبهم ينزل الغيث .

---------------------------
(1) كامل الزيارات : 56 | الكافي : 1 | 464 ح 4 ، اثبات الهداية : 1 | 414 ح 13 .

الاسرار الفاطمية _ 522 _

  فقالت فاطمة الزهراء عليها السلام : يا أبة إنا لله ، وبكت .
  فقال لها : يا بنتاه ، إن أفضل أهل الجنان هم الشهداء في الدنيا بذلوا أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً ، فما عندالله خير من الدنيا وما فيها ، قتلة أهون من ميتة ومن كتب عليه القتل خرج إلى مضجعه ومن لم يقتل سوف يموت .
  يا فاطمة محمد ، أما تحبين أن تأمرين غداً بأمر ، فتطاعين في هذا الخلق عند الحساب ؟ أما ترضين أن يكون ابنك من حملة العرش ؟ أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة ؟ أما ترضين أن يكون بعلك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض ، فيسقي منه أوليائه ويذود عنه أعدائه ؟ ...
  أما ترضين أن يكون بعلك مشيم النار بأمر النار ، فتطيعه يخرج منها من يشاء ، ويترك من يشاء .
  أما ترضين أن تنظرين إلى الملائكة على أرجاء السماء ينظرون إليك وما تأمرين به وينظرون إلى بعلك ، قد حضر الخلائق وهو يخاصمهم عند الله ، فما ترين الله صانع بقاتل ولدك وقاتلك وقاتل بعلك إذا أفلجت حجته على الخلائق وامرت النار أن تطيعه ؟
  اما ترضين ان تكون الملائكة تبكي لأبنك ويأسف عليه كل شيء ؟
  اما ترضين ان يكون من أتاه زائراً في ضمان الله ، ويكون من أتاه بمنزلة من حج إلى بيت الله واعتمر ولم يخل من الرحمة طرفة عين ، وإذا مات مات شهيداً ، وأن بقي لم تزل الحفظة تدعو له ما بقي ولم يزل في حفظ الله وأمنه ، حتى يفارق الدنيا .
  قال يا أبة ، سلمت ورضيت وتوكلت على الله فمسح على قلبها ومسح على عينيها وقال : إنّي وبعلك وانت وابنيك في مكان تقرّ عيناك ويفرح قلبك (1) .

---------------------------
(1) تفسير فرات الكوفي : 171 ، عنه البحار : 44 | 264 ح 22 .

الاسرار الفاطمية _ 523 _

أول مأتم للحسين عليه السلام
  عندما بشر جبرئيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بولادة الحسين من ابنته الزهراء عليها السلام فرح فرحاً شديداً ولكن سرعان ما تبدد هذا الفرح وتحول إلى حزن وذلك عندما أخبر جبرئيل الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأن ولده هذا سوف يقتل من قبل امته في أرض تسمى كربلاء في العراق ، ولكن الله سبحانه وتعالى على أثر شهادته وكرامةً له يجعل من صلبه تسعة من الأئمة الطاهرون المطهرون آخرهم قائمهم ( عج ) يملأ الله به الأرض عدلا وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، ولذلك كان أول مأتم عزاء حقيقي في تأريخ هذه الأمة عندما ولد الحسين عليه السلام حيث بكته أمه الزهراء وأباه أمير المؤمنين عليه السلام وكذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى ذلك أشار التأريخ عبر رواياته وتاريخه الحافل ، حيث يقول الشيخ التستري في كتابه الخصائص الحسينية ( ان أول مأتم للحسين اقيم في عهد هذه الأمة في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) فلو نظرنا إلى قوله هذا نجد هناك قرينة واضحة البيان وهي ( في عهد هذه الأمة ) دالة على انه كانت هناك مآتم في غير عهد هذه الأمة .
  اذن كانت هناك مآتم عزاء على الحسين عليه السلام من قبل الأنبياء والرسل الذين سبقوا خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولكن كيف اقاموا هؤلاء الأنبياء المآتم على الحسين ، وكيف بكواعليه ؟ هذا ما نجده واضحاً من خلال استقراء التاريخ حيث يخبرنا التاريخ أن ذلك كان ناتج من أخبار الله تعالى لهم بما يجري على الحسين وان يجعلوه وسيلة لقربة وان يدعوا على قاتليه باللعنة وسوء العذاب وهذا ما تراه في كتاب عوالم الإمام الحسين واضحاً وجلياً ، اذن كان أول مأتم في عهد امه الزهراء حيث بكت عليه وناحت لأجله لذا لابد لنا ان نقوي علاقتنا مع الحسين لما له من تأثير كبير في زيادة علاقتنا بالصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام .

الاسرار الفاطمية _ 524 _

حب فاطمة عليها السلام للحسين عليه السلام
  روي أنه دخل الحسن والحسين عليهما السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوماً فشم الحسن في فمه الشريف وشم الحسين في نحره فقام الحسين واقبل إلى أمه فقال لها : اماه شمي فمي هل تجدين فيه رائحة يكرهها جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فشمته في فمه فإذا هو أطيب من المسك ثم جاءت به إلى ابيها فقالت له : ابه لم كسرت قلب ولدي الحسين فقال صلى الله عليه وآله وسلم مم ؟ قالت : تشم اخاه في فمه وتشمه في نحره فلما سمع بكى وقال : بنيه اما ولدي الحسن فإني شممته في فمه لأنه يسقى السم فيموت مسموماً واما الحسين عليه السلام فإني شممته في نحره لأنه يذبح منالوريد إلى الوريد فلما سمعت فاطمة بكت بكاء شديداً وقالت : أبه متى يكون ذلك ؟ فقال : بنية في زمان خال مني ومنك ومن أبيه وأخيه فأشتد بكاؤها ثم قالت : ابه فمن يبكي عليه ومن يلتزم بأقامة العزاء عليه ؟ فقال لها : بنية فاطمة أن نساء أمتي يبكين عل نساء أهل بيتي ورجالهم يبكون على ولدي الحسين وأهل بيته ويجددون عليه العزاء جيلاً بعد جيل فاذا كان يوم القيامة انت تشفعين للنساء وانا اشفع للرجال وكل من يبكي على ولدي الحسين أخذنا بيده وادخلناه الجنة .

الحسين عليه السلام وحجر فاطمة عليها السلام
  وعنت سيدة نساء عليها السلام بتربية وليدها الحسين فغمرته بالحنان والعطف لتكون له بذلك شخصيته الإستقلالية والشعور بذاتياته كما غذته بالآداب الإسلامية ، وعودته على الإستقامة والإتجاه المطلق نحو الخير والصلاح ، كيف لا ، وهي ربيبة الوحي وسليلة التقوى فهي أم أبيها ، وزوجة أمير المؤمنين ، كيف لا ونحن نعلم ان الأم الطاهرة هي المدرسة الأولى للطفل فيها ينشأ وإليها يغدوا وعليها يربوا ، وكما قيل :
الأم مـدرسة إذا iiاعـددتها      اعددت شعباً طيب الأعراق
الأم روض تـعهده iiالـحيا      بـالري أورق ايـما iiايراق
الأم  اسـتاذ الأساتذة iiالالى      شغلت  مآثرهم مدى iiالآفاق

الاسرار الفاطمية _ 525 _

  هكذا هي الام فهي شمعة مقدسة تضيء ليل الحياة بتواضع ليل الحياة بتواضع ورقة وفائدة ، فهي التي تصنع الحياة وهي الكنز الحقيقي الذي لا اضمحلال له ، وكما قيل : مدرستي الأولى على صدر امي ، وإني مدين بكل ما وصلت إليه وما أرجوا أن أصل إليه من الرفعة إلى أمي الملاك فالأم التي تهز السرير بيمينها تهز العالم بيسارها ، وهكذا كانت الزهراء الام المثالية التي تربى في حجرها الحسين عليه السلام وغذته بالاخلاق الحميدة والخصال الرفيعة وإلى ذلك يقول العلائلي في كتابه الإمام الحسين ص 289 : ( والذي انتهى إلينا من مجموعة أخبار الحسين ان امه عنيت ببث المثل الإسلامية الإعتقادية لتشييع في نفسه فكره الفضيلة على أتم معانيها ، وأصح أوضاعها ولا بدع فأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشرف على توجيهه أيضاً في هذا الدور الذي يشعر الطفل فيه بالإستقلال ، فالسيدة فاطمة نمت في نفسها فكرة الخير ، والحب المطلق والواجب ومددت في جوانحه وخوالجه افكار الفضائل العليا بأن وجهت المباديء الأدبية في طبيعته الوليدة ، من أن تكون هي نقطة دائرتها إلى الله الذي هو فكرة يشترك فيها الجميع ، وبذلك يكون الطفل قد رسم بنفسه دائرة محدودة قصيرة حين أدار هذه المباديء الأدبية على شخص والدته وقصرها عليها وما تجاوز بها إلى سواها من الكوائن ، ورسمت له والدته دائرة غير متناهية حينجعلت فكرة الله نقطة الارتكاز ، ثم أدارت المباديء الأدبية والفضائل عليها فاتسعت نفسه لتشمل وتستغرق العالم بعواطفها المهذبة ، وتأخذه بالمثل الأعلى للخير والجمال ... ) لقد نشأ الحسين في تلك الأسرة الطبيعية الأعراف الطاهرة من الأدناس وفي حجر سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ، وقد صار بهذه التربية المثل الأعلى للأجيال حيث رسم الشهادة في جبين الإسلام كتضحية من أجل الأهداف التربوية التي تغذاها من حجر امه ومن ضمير جده ورعاية أبيه المرتضى ، أجل إنّه الحسين الكبير ذلك الفذ من الأفذاذ الذي علموا البشرية وعلموا الأجيال كل طرق الخير والصلاح لا خير في أن يقول غاندي محرر الهند ( تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر ) .

الاسرار الفاطمية _ 526 _

فاطمة عليها السلام يوم القيامة
  للصديقة فاطمة عليها السلام يوم القيامة مواقف عديدة تقف فيها ضد قتلة الحسين وأنصارهم ، فمنها عندما تأتي يوم القيامة وتقف في عرصات المحشر ، فيأتيه الخطاب من الباري عزوجل ... يا فاطمي : سلي حاجتك ، فتقول يا رب ... يارب أرني الحسين ... فيأتيها الحسين عليه السلام وأوداجه تشخب دماً ، وهو يقول : يا رب ، خذ لي اليوم حقي ممن ظلمني ، عند ذلك تقف سلام الله عليها مؤقتا موقفا شريفا من مواقف يوم القيامة ، ثم تنزل عن نجيبها فتأخذ قميص الحسين عليه السلام بيدها ملطخا بدمه :
لابـد  ان ترد القيامة iiفاطم      وقميصها بدم الحسين ملطخ
ويـل لمن شفعاؤه خصمائه      والـصور  في القيامة ينفخ
  وتقول يا رب ، هذا قميص ولدي ، وقد علمت ماصنع به ، يا عدل ، احكم بيني وبين قاتل ولدي ... أنت الجبار العدل اقضي بيني وبين من قتل ولدي ... فيغضب عند ذلك الجليل ، وتغضب لغضبه جهنم والملائكة اجمعون ... فيأتيها النداء من قبل الله عزوجل : يا فاطمة ! لك عندي الرضا فتقول يا رب انتصر لي من قاتله ، فيأمر الله تعالى عنقا من النار فتخرج من جهنم ، فتلتقط من جهنم قتلة الحسين بن علي عليه السلام كما يلتقط الطير الجيد من الحب الرديء ، ثم يعود العنق بهم إلى النار فيعذبون فيها بأنواع العذاب ، ولها مواقف آخر مع انصار الحسين واصحابه وشيعته وفيمن بكى عليه في الدنيا وأقام العزاء لمصابه الجليل حيث ورد في الأخبار الشريفة ، انها تأتي يوم القيامة ، فتقول ي رب حاجتي أن تغفر لي ، ولمن نصر ولدي الحسين عليه السلام .
  اللهم اشفعني فيمن بكى على مصيبته ... الهي أنت المنى وفوق المنى ، أسألك أن لا تعذب محبي ومحب عترتي بالنار ... إلهي وسيدي ذريتي من النار ووعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد ... فيأتيها الخطاب ... يا فاطمة قد غفرت لشيعتك ... وشيعة ولدك الحسين ... يا فاطمة وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لقد آليت على نفسي من قبل أن اخلق السماوات والأرض بألفي عام أن لا أعذب محبيك ومحبي عترتك بالنار ... فعند ذلك يود الخلائق أنهم كانوا فاطميين ، فتسير فاطمة ومعها شيعتها ، وشيعة ولدها

الاسرار الفاطمية _ 527 _

  الحسين عليه السلام وشيعة آمير المؤمنين عليه السلام آمنة روعاتهم ، مستورة عوراتهم ، قد ذهبت عنهم الشدائد ، وسهلت لهم الموارد ، يخاف الناس وهم لا يخافون ، ويظماً الناس وهم لا يظمأون ... عند ذلك تصر فاطمة عليها السلام وتسير إلى الجنة ... فتكون أول من تكسى ويستقبلها من الفردوس ، اثنتا عشر ألف حوراء لم يستقبل أحداً قبلها ولا أحد بعدها على نجائب من ياقوتة اجنحتها وأزمتها اللؤلؤ عليها ، حائل من درّ ... فيجوزون بها الصراط حتى ينتهون بها إلى الفردوس ... فيباشر بها أهل الجنان ... فتجلسى على كرسي من نور ويجلس حولها ، ويبعث إليها ملك لم يبعث إلى أحد بعد فتقول : قد أتم علي نعمته ، وهنأني كرامته ، وأباحني جنته ، أسأله ولدي وذريتي ومن ودهم بعدي ، وحفظهم من بعدي ، فيوحي الله إلى الملك من غير أن يزول من مكانه : أن سرّها وبشرها أني قد شفعتها في ولدها ومن ودّهم بعدها وحفظهم فيها ... فتقول عليها السلام : الحمد لله الذي أذهب عني الحزن وأقر عيني ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بأيمانهم ألحقنا بهم ذريتهم ) (1) .

---------------------------
(1) هذه المضامين ملخص احاديث من الكتب التالية : تفسير فرات : 169 ، ينابيع المودة : 260 ، مجالس المفيد : 84 ، عيون اخبار الرضا : 2 | 8 ح 12 ، امالى الصدوق : 25 ح 4 ، علل الشرائع 1 | 179 ح 6 ، دلائل الامامة : 57 ، تأويل الايات : 2 | 483 ح 12 ، روضة الواعظين : 179 ، مناقب ابن شهر آشوب : 3 | 107 بشارة المصطفى : 22 .

الاسرار الفاطمية _ 528 _

  
يا بن العسكري
لا صـبر يابن العسكري فشرعة iiال      هـادي  النبي استنصرت iiأنصارها
هـدمت  قـواعدها وطـاح iiمنارها      فـأقم  بـسيفك ذي الـفقار iiمنارها
فـالام  تـغضي والـطغاة iiتحكمت      فـي  الـمسلمين وحكمت iiأشرارها
مـولاي  ماسن الضلال سوى iiالالى      هـجموا  على الطهر البتولة iiدارها
مـنعوا  البتول عن النياحة اذ iiغدت      تـبـكي  أبـاها  لـيلها iiونـهارها
قـالـوا  لـها قـري فـقد iiآذيـتنا      انّـأ وقـد سـلب المصاب iiقرارها
قـطـعوا اراكـتها ومـن iiأبـناها      قـطعت  امـيّ يـمينها iiويـسارها
جـمعوا  عـلى بـيت النبي iiمحمدٍ      حـطباً وأوقـدت الـضغائن iiنارها
رضــوا  سـليلة أحـمد iiبـالباب      حـتى  أنبتوا في صدرها iiمسمارها
عصروا ابنة الهادي الامين واسقطوا      مـنها الـجنين وأخـرجوا iiكرارها
قـادوه  والـزهراء تـعدو iiخـلفهم      مـنها الـجنين وأخـرجوا iiكرارها
والـعبد  سـود مـتنها iiفاستنصرت      أسـفاً  فـليتك تـسمع iiاستنصارها
فـقضت وآثـار الـصياد iiبـمتنها      يـاليت  عـينك عـاينت iiآثـارها
  تم الإنتهاء من تأليف ووضع اللمسات الآخيرة لهذا الكتاب في ذكرى تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام في يوم الغدير المبارك ، نسأل الله تعالى أن يتقبله منّا بأحسن القبول ويجعله في الباقيات الصالحات ، وأن ينفعنا به يوم لا ينفع مال ولا بنون .