يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم ) (1) .
  وقال سبحانه : ( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ) (2) .
  وقال تعالى : ( إنّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعدّ لهم عذاباً معيناً ) (3) .
  فالقول بجواز ايذائه صلى الله عليه وآله وسلم ردّ لصريح القرآن ، ولا يرضى به أحد من أهل الإيمان ، فإن قيل : إنّما دلّت الأخبار على عدم عدم جواز إيذائها ، وهو إنما ينافي صدور الذنب منها يمكن للناس الاطلاع عليه ، حتى يؤذيها نهياً عن المنكر ، ولا ينافي صدور معصية عنها خفيّة فلا يدل على عصمتها مطلقاً .
  قلنا : نتمسك في دفع هذا الاحتمال بالإجماع المركب أن ماجرى في قصة فدك وصدر عنها من الانكار على أبي بكر ومجاهرتها بالحكم بكفره وكفر طائفة من الصحابة وفسقهم تصريحاً وتلويحاً ، وتظلمها وغضبها على أبي بكر ، وهجرتها وترك كلامها حتى ماتت ، لو كانت معصية لكانت من المعاصي الظاهرة التي قد أعلنت بها على رؤوس الاشهاد ، وأي ذنب أظهر وأفحش من مثل هذا الردّ والانكار على الخليفة المفترض الطاعة على العالمين ؟ بزعمهم فلا محيص لهم عن القول ببطلان خلافة خليفتهم العظمى تحرزاً عن إسناد هذه المعصية الكبرى إلى سيدة النساء .
  3 ـ ونحتج أيضاً في عصمتها عليها السلام بالاخبار الدالة على وجوب التمسك بأهل البيت عليهم السلام وعدم جواز التخلف عنهم ، وما يقرّب هذا المعنى ، ولا ريب في ذلك لا يكون ثابتاً لأحد ، إلاّ إذا كان معصوماً إذ لو كان ممّن يصدر عنه الذنوب لما جاز إتباعه عند إرتكابها ، بل يجب ردعه ومنعه وايذاؤه واقامة الحد عليه وإنكاره بالقلب واللسان وكل ذلك ينافي ماحث عليه الرسول صلى الله عليه و آله وسلم وأوصى به الأمة في شأنهم ، ويكفي في ذلك ماروه المخالفون لنا عن الترمذي عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا ، أحدهما أعظم من الآخر وهو كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي لن يفترتا حتّى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فلا يهولنّك ما يقرع سمعك من الطنين آخذاً

---------------------------
(1) التوبة : آية 61 .
(2) الأحزاب : آية 53 .
(3) الأحزاب : آية 57 .

الاسرار الفاطمية _ 196 _

  من الميول والأهواء المردية بأن العصمة الثابتة لمن شاركها في الكساء لأجل تحملهم الحجية من رسالة أو إمامة ، وقد تخلت الزهراء عليها السلام عنها ـ النبوة والإمامة ـ فلا تجب عصمتها ، الجواب إنّا لم نقل بتحقق العصمة فيهم عليهم السلام لاجل تبليغ الاحكام حتى يقال بعدم عصمة الصديقة لعدم توقف التبليغ عليها ، وإنما تمسّكنا بعصمتهم بعد نص الكتاب العزيز بإقتضاء الطبيعة المتكونة من النور الالهي المستحيل فيمن اشتقت منه مقارفة إثم أو تلوث بما لا يلائم ذلك النور الأرفع حتى في ترك الاولى (1) .
  وإلى ذلك يشير المرحوم الشيخ الاصفهاني في إجوزته :
تـبتلت عـن دنس iiالطبيعة      فـيالها  مـن رتـبة iiرفيعة
مـرفوعة الـهمة iiوالعزيمة      عن  نشأة الزخارف iiالذميمة
في  افق المجد هي iiالزهراء      للشمس  من زهرتها الضياء
بـل  هي نور عالم iiالأنوار      ومـطلع  الشموس iiوالاقمار
رضـيعة الوحي من iiالجليل      حـليفة  لـمحكم iiالـتنزيل
مـفطومة  من زلل iiالأهواء      معصومة من وصمة الخطاء
  إذن في النتيجة النهائية نصل إلى أن حديث الكساء إرتباط إرتباط وثيق بنزول آية التطهير والتي تمثل الأساس المتين لإثبات عصمة أهل البيت عليهم السلام وبما فيهم فاطمة الزهراء عليها السلام ولذلك جاءت الآية المباركة للتطهير لتكون نور من أنوار حديث الكساء حيث كلما ذكرت ذكر حديث الكساء ليكون من الأهمية البارزة في حياتنا العقائدية والروحانية والدعائية ، ونختم الكلام في عصمة فاطمة عليها السلام فيما قاله الأستاذ العلامة حسن زاده آملي حيث يقول : ـ كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ ذات عصمة بلا دغدغة ووسوسة ، وقد نص كبار العلماء كالمفيد والمرتضى وغيرهما بعصمتها عليها السلام بالآيات والروايات والحق معهم والمكابر محجوج مفلوج ، وكانت عليها السلام جوهره قدسية في تعين إنسيّ ، فهي إنسية حوراء وعصمة الله الكبرى وحقيقة العصمة أنها قوة نورّية ملكوتية تعصم صاحبها عن كل ما يشينه من رجس الذنوب

---------------------------
(1) وفاة الصديقة الزهراء : 54 .

الاسرار الفاطمية _ 197 _

  والأدناس والسهو والنسيان ونحوها من الرذائل النفسانية ... فاعلم أن العترة وفاطمة منهم معصومة كما نص به الوصي الإمام علي عليه السلام في النهج : ( وكيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم وهم أزمة الحق وأعلام الدين والسنة الصدق فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردوهم ورود الهيم العطشان ) .
  ونطق ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه بالصواب حيث قال : ( فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن تحته سرّ عظيم وذلك أنه أمر المكلفين بأن يجرو العترة في إجلالها وإعظامها والإنقياد لها والطاعة لإوامرها مجرى القرآن ) .
  ثم قال : ( فإن قلت : فهذا القول منه يشعر بأن العترة معصومة فما قول أصحابكم ـ يعني القائلين بمذهب الإعتزال ـ في ذلك ؟
  قلت : نصّ أبو محمّد بن متويه في كتاب الكفاية على ان علياً عليه السلام معصوم وأدلّة النصوص قد دلّت على عصمته والقطع على باطنه ومغيبه وأن ذلك أمر إختص هو به دون غيره من الصحابة ) فتدّبر .
  وإذا دريت أن بقية النبوة وعقيلة الرسالة ووديعة المصطفى وزوجة ولي الله وكلمة الله والتامة فاطمة عليها السلام ذات عصمة فلا بأس بأن تشهد في فصول الآذان والإقامة بعصمتها وتقول مثلاً : ( أشهد أن فاطمة بنت رسول الله عصمة الله الكبرى أو نحوها ) (1) .

الوقفة الثانية : سند هذا الحديث
  أما سند حديث الكساء الشريف فهو في غاية المتانة والصحة بل يعتبر من الأحاديث المتواترة وليس المشهورة بل هو المتواتر القطعي ، ويكفي في ذلك إنّ روايات جمة تزيد على سبعين رواية من طرق أهل السنة تروي هذا الحديث المبارك ،

---------------------------
(1) قص حكمة عصمتية في كلمة فاطمية 14 .

الاسرار الفاطمية _ 198 _

  هذا فضلاً عن الطرق الخاصة لاهل المذهب الحق الشيعة الامامية ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فيكفي في رواية هذا الحديث من ناحية السند جابر بن عبدالله الأنصاري الذي روى الحديث بسند معتبر عن لسان فاطمة الزهراء عليها السلام ، حيث يعتبر هذا الصحابي الجليل ـ جابر الانصاري ـ من الذين حملوا سلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى حفيده الإمام محمد الباقر عليه السلام ، حيث تروي لنا كتب الرجال أن هذا الصحابي يكفي في وثاقته أنه عاصر الرسول والإمام علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين عليهم السلام حتى أدرك الإمام الباقر عليه السلام .
  فلقد روى لنا التأريخ كيف دخل جابر الانصاري على الإمام الباقر عليه السلام قائلاً له : إن جدك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرك السلام والتحية والاكرام وقال لي يا جابر ستدرك واحد من أبنائي : إسمه اسمي يبقر العلم بقرا فأبلغه عني السلام .
  فتعتبر هذه من الكرامات والمعجزات التي تثبت مدى صدق دعوة النبي وإنه ما ينطق عن الهوي إن هو إلاّ وحي يوحى وأن له شأن مع الله تعالى .
  اذن حديث الكساء من الاحاديث المؤكده وسنده صحيح معتبر وانه من الأحاديث المستفيضة عند العامة والخاصة .

الوقفة الثالثة : مضامين هذا الحديث المختلفة
  قبل كل شيء لابد من التأكيد على مسالة مهمة ألا وهي مسألة عرض أي موضوع يطرح في عالم الإمكان على القرآن والسنة النبوية الشريفة الصحيحة فما كان موافقاً للقرآن الكريم فإنّا نأخذ به وما كان مخالف للقرآن الكريم نضرب به عرض الحائط وهذا ما أكدته الكثير من الروايات في هذا المقام ، وعلى ضوء هذا الأساس سيكون استقراءنا لهذا الحديث المبارك واستجلاء حقائقه على ضوء القرآن الكريم والسنة الشريفة وهذا لا يعني أننّا لابد من ذكر كل الأمور القرآنية التي توافق هذا

الاسرار الفاطمية _ 199 _

  الحديث فان هذا سوف يكون بحاجة الى كتاب مستقل في هذا الموضوع وأنما يكون الأمر على ضوء التمعن والتأمل على ضوء المرتكزات القرآنية لدى الإنسان المؤمن .
  * فالحديث على كل حال قد رواه المسلمون كافة وبصورة مختلفة وهيئات متعددة ولكن جوهر الحديث واحد : هو أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جمع أهل بيته وألقى عليهم رداء وقال : ( اللهم إن هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي وحامتي لحمهم لحمي ودمهم دمي يؤلمني مايؤلمهم ... ) .
  * إنّ حديث الكساء ذو مصداقية كبيرة من خلال توافقه الكبير مع القرآن الكريم وهذا مانجده أثناء تطبيق حقائقه التي يدعو إليها سواء العقائدية أو العلمية أو الروحانية أو المادية مع القرآن الكريم ومضمونه وحقائقه وعليه بعد إثبات ذلك ـ وكما هو مثبوت في محله ـ فإننّا لابدّ من الأخذ به والوقوف معه الوقفة الجلية لنستظهر حقائقه المعصومية .
  * هناك مسألة قد أثيرت حول هذا الحديث الشريف وهي هل أنذ هذا الحديث وقضيته والتي كان من مضمونها ان الرسول تغطى بكساء ـ كانت في بيت أم سلمة كما روى ذلك مجموعة من العامة أم في بيت فاطمة عليها السلام ؟
  والجواب على ذلك : إن قضية حديث الكساء وماله من الأهمية الكبرى كان في بيت فاطمة عليها السلام وبدلالة الحديث نفسه حيث اننا سلمنا بصحة سند الحديث واستفاضته أيضا فعليه نقول : إنّ هناك قرينة واضحة ومتصلة لا منفصلة في نفس الحديث تؤكد على كون الحديث كان في بيت فاطمة والقرينة هي إنّ الحديث يبدأ بقوله على لسان فاطمة عليها السلام ( عن فاطمة الزهراء عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت دخل علّي أبي رسول الله في بعض الأيام ... ) .
  فقولها عليها السلام دخل علّي أبي رسول الله فيه دلالة واضحة على كون دخوله صلى الله عليه وآله وسلم في بيتها لا في بيت ام سلمة أضف الى ذلك دخول الحسن والحسين وأبيهما الأمام علي عليه السلام في بيت أم سلمة لا معنى له ، ثم ماهي الثمرة العملية على هذه المسألة فلربّما يقول قائل سواء كان الحديث في بيت أم سلمة أم في بيت فاطمة عليها السلام مالفائدة في ذلك ؟ فنقول إنّ الفائدة تظهر إنه لو كان في بيت أم سلمة لكان البعض ممن يقول بهذا

الاسرار الفاطمية _ 200 _

  القول إنّ العصمة والطهارة والإرادة التكوينية تخص نساء النبي بدلالة بيت أم سلمة ، وان كان عندنا إنّه لا ملازمة فيه فتأمل .
  * وفي معرض الكلام حول أم سلمة هناك إشارة لطيفة لمن تمعّن فيها وتأمل حيث تظهر من خلال حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعدم قبوله أم سلمة بالدخول تحت الكساء وعدم إعطائها الإذن في ذلك حيث الإشارة تدل على الرسول قال لها إنّك على خير ولم يطردها ولم يأذن لها بالدخول تحت الكساء ، وهذا فيه دلالة واضحة من خلال استظهار كلمة ـ إنّك على خير ـ إنّها سوف تكون عاقبة أمرها إلى خير وإنّك الآن فعلاً على خير وإنه سوف يكون مآل حياتك الى العاقبة الحسنة وهذا بخلاف ما نجده في بعض نساء النبي اللواتي خرجن على إمام زمانهّن .
  * ( دخل عليّ أبي في بعض الأيام فقال ... ) في الحديث أنّ فاطمة هي الملجاً لأبيها فاذا شعر بضعف أو ألم أسرع إلى فاطمة حيث يجد عندها الراحة والطمأنينة والهدوء لأن النظر الى فاطمة يمسح الهموم والأحزان من قلب النبي كما كان الإمام علي عليه السلام يقول : إذا نظرت الى فاطمة إنجلت عني الهموم والأحزان ... وإلاّ لماذا لم يذهب النبي الى إحدى زوجاته علما بأن الرجل يشعر بالسكن لدى زوجته حيث يقول القرآن الكريم ( خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) ، ويقول الله تعالى : ( هن لباس لكم وأنتم لباس لهنّ ) ، فلماذا لم يذهب النبي الى واحدة من زوجاته وإنّما ذهب الى الزهراء ؟ والجواب أنّ فاطمة كانت أم أبيها ... وكان يشعر بالدفء والراحة عندما يزور الزهراء ، بل يتزود بالطاقة والحنين حيث يرى فاطمة عليها السلام ولذلك نجد أن التأريخ الإسلامي يروي لنا أنّ آخر من يودع النبي في غزواته وسفره هي فاطمة وأول من يمّر عليه بعد رجوعه من سفره خارج المدينة هو بيت فاطمة عليها السلام .
  * ( إني أجد في بدني ضعفاً فقلت له أعيذك بالله يا أبتاه من الضعف ) ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا القول ولم يقل أني أجد في روحي ضعفاً أو فكري وهذا خلاف ما إتهمه بعض المشركين بأنّه شاعر مجنون ... إنّما هو ضعف بدني أصابه نتيجة الاجهاد والمثابرة على العمل فهو يقول لها : أني لأجد في بدني ضعفاً وهي تقول له : أعيذك بالله

الاسرار الفاطمية _ 201 _

  يا أبتاه من الضعف أي انها أعاذت أباها بالله العلي العظيم من الضعف وإن لا يصيبه الضعف لأن العالم كله بحاجة الى هذه الطاقة الجبارة الخلاقة التي تنضج رحمة وتتفجر خيراً وعطاءً .
  * ( يال فاطمة إيتيني بالكساء فغطيني به فأتيته بالكساء اليماني فغطيته به وصرت أنظر إليه وإذا وجهه يتلألأ كأنّه البدر في ليلة تمامه وكماله ) .
  والسؤال المطروح حول هذا المضمون من هذه الفقرة : هو لماذا طلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كساء يتغطى به ... لماذا لم يطلب شيئاً آخر كالطعام أو الشراب ؟ لماذا طلب ذلك الكساء ؟ وماهي المناسبة التي جعلت وجهة يتلألأ نوراً كأنه البدر في ليلة تمامة وكماله ؟
  إن المناسبة هي تلقي الوحي فهناك عدة شواهد تأريخية تنقل لنا كيفية تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وآل وسلم أثناء تلقيه الوحي ، أمّا لماذا طلب الكساء اليماني فذلك ليجمع أهل بيته ويركز عليهم دون غيرهم ، وأنّهم المحور الأساس الذي تدور عليه ولاية الله تعالى ، وأنهم المرتبطين بشأن نزول الوصي أثناء تغطيتهم بالكساء لتكون آية التطهير النازلة وإرادة السماء فيهم عليهم السلام ، اذن فالكساء إنّما جاء للعصر ... وليس لشيء آخر كما حديث يوم المباهلة حيث ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يخرج معه إلاّ هؤلاء الذين هم تحت الكساء بالإضافة إلى أنه أراد تأكيد الوصية وصية الغدير .
  * ( إني أشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة جدي رسول ... ) .
  وحديث الكساء فيه تصوير رائع لجمال أهل البيت وطيبة رائحتهم فإنها رائحة طيبة تعبق الشذى ... وأكثر من ذلك فقد كانت صبات عرق الرسول تتفوح بالعطر كما كان عطر الزهراء ورائحتها عطر الجنّه ... والرسول كان يشم فاطمة ويقول كلما اشتقت إلى رائحة الجنّة شممت رائحة إبنتي فاطمة ، ( ريحانة أشمها وتشمني ) .
  * ويظهر الحديث أدب الكلام والمحادثة مع النبي وأدب المعاملة مع أهل البيت بعضهم من بعض في وقوف كل واحد أمام الكساء وطلب الإذن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم جواب النبي له وهكذا تجري فصول هذا الحديث المقدس وفاطمة ترقبه وتسجله ثم تجيئ به في النهاية لإكمال المشوار .

الاسرار الفاطمية _ 202 _

  * وتقول الزهراء لما إكتملنا جميعاً تحت الكساء أخذ أبي رسول الله بطرفي الكساء ـ وهذا يعني أنهم خمسة أصحاب الكساء لاينقصون ولا يزيدون ... بل هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها ... خمسه لا غير أبي قبل دخول فاطمة لم يكتمل النصاب بعد ولم يكتمل العدد بعد والقول ( إكتملنا جميعاً ) يشير إلى أنهم خمسة أصحاب الكساء ودعاء الرسول لهم هو تسديد من السماء لأنّ الرسول لا ينطق عن الهوى إنه إلا وحيّ يوحى .
  * قولها عليها السلام : أوحى الله إلى ملائكته وسكان سماواته ... وهذا الحدث بحد ذاته يجعل فاطمة في أعلى قمة في الوجود الامكاني وبالاضافة إلى أنه يكشف لنا عن حقيقة أهل البيت وانه لولاهم لما خلق الله الأكوان والأفلاك .
  * وحديث الكساء حينما نعرضه على الميزان الفكري للإسلام وأساسياته فإنه نجد ان الحديث يسير تماماً مع القرآن الكريم وليس فيه خرق ولا تجاوز عن أساسيات القرآن الكريم ، فهم عليهم السلام عدل القرآن وعلى أساس ذلك يكون عدل القرآن معصوم ومحفوظ كما أنّ القرآن معصوم ومحفوظ ، اذن يكون كل شيء في حديث الكساء هو معصوم من الخطأ والزلل وذلك لكون راوي الحديث ومثبته هو معصوم عن الخطأ والزلل ، وهي فاطمة عليها السلام .
  * وهناك مسألة مهمة تعرض لها حديث الكساء وهي أنّ جبرئيل يسأل من الله تعالى ويقول يا رب ومن تحت الكساء ؟
  وربما أراد بذلك ـ جبرئيل ـ وعبر أنتقال هذا الحديث المبارك عبر الأجيال إلينا أن يؤكد على شرافة أصحاب الكساء وأنهم من الله تعالى يستمدون عصمتهم وقداستهم وتربيتهم ، والملفت للنظر عندما يجيب الله تعالى عن أسماء أصحاب الكساء يقول هم فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها ، ولم يقل مثلاً هم رسول الله وعلي وفاطمة ... كل ذلك للتأكيد على محورية فاطمة الزهراء عليها السلام بالنسبة لأهل بيت النبوة وأنّها القطب المركزي لدائرة أهل البيت عليهم السلام .
  * ويشير حديث الكساء الى نزول جبرئيل الى الأرض بعد معرفة اصحاب الكساء والتشرف في خدمتهم وطلب الأذن من الله تعالى في الدخول تحت الكساء

الاسرار الفاطمية _ 203 _

  وكذلك يظهر من الحديث أن الله ورسوله قد أعطوا الأذن لجبرئيل وذلك لكونه معصوم من الخطأ والزلل بالعصمة الربانية الذاتية فلذلك لا ضير أن يكون معهم تحت الكساء لأنه لا يختلف عنهم من جهة العصمة وهذا بخلاف أم سلمة رضوان الله عليها .
  * وهناك إشارة لطيفة في الحديث حيث قال الله تعالى هم فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها ولم يقل وأبنيها ونحن نعلم ان الذي كان تحت الكساء الحسن والحسين وربما أراد بذلك الصلب والذرية الطاهرة للأئمة عليهم السلام وأنهم سوف يكونون أيضاً معصومون وامتداد لأصحاب الكساء
  * ويأتي سؤال الإمام علي عليه السلام عن الفضل والأجر لهذا الجلوس تحت الكساء ؟ وفضل ذكر هذا الحديث وماله من الأهمية ؟ حيث بين هذا الجواب الذي يظهر من الحديث أنه ـ أي الحديث ـ غذاءاً للروح والعقل والقلب والبدن معاً ، إذ أن حاجات الإنسان محدودة كالطعام والشراب واللباس فكمية منها معينة تصل بالإنسان إلى حد الاكتفاء والارتواء والشبع .
  أما حاجات الروح والعقل فهي بلا حدود كالصلاة والعلم والتفقه ، فغن الروح تبقى في حالة فهم إلها كلما نهلت منها شعرت باتها بحاجة إلى المزيد منها .
  لذلك سأل الإمام علي ولذلك كان جواب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ففي المرة الاولى كان جواب الرسول الأعظم تحديد لحاجات العقل والروح والنفس ( نزلت عليهم الرحمة وحفت بهم الملائكة وإستغفرت لهم ) .
  أما في المرة الثانية فقد كان في جواب النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحديداً لحاجات الجسد ( وفيهم مهموم إلاّ وفرج الله همه ولا مغموم إلاّ وكشف الله غمه ولا طالب حاجة إلاّ وقضى الله حاجته ) .
  فتفريج الهموم وكشف الغموم وقضاء الحاجات إنما هي حاجات جسدية بينما الرحمة وإحاطة الملائكة والإستغفار إنما هي هموم عقلية وروحية ونفسية .
  * ويكشف الحديث عن السعادة والفوز والنصر والظفر في الحياة ... لأنّ الذي يمشي في خط أهل البيت لابد أن ينتصر ويظفر لا محالة ولو بعد حين .
  * ويقول الحديث أنه ما ذكر في حفل فيه جمع ولم يقل على فرد واحد ، وهي إشارة رائعة إلى أهمية تنظيم المجتمع وتكثير المجالس التي يذكر فيها أهل البيت عليهم السلام .

الاسرار الفاطمية _ 204 _

  لأن الإمام الصادق عليه السلم يقول تجلسون وتتحدثون ... أحيوا أمرنا فإني أحب تلك المجالس ... والمجلس الذي يذكر فيه هذا الحديث هو قطعاً مجلس في الخير والصلاح ورضوان الله ... لأنك تذكر قوماً ما عصوا الله طرفة عين أبداً ، وقد ورد في دعاء أبي حمزة الثمالي : ( ... أو لعلك رأيتني مجالس البطالين فخذلتني ) يقول من ترك الاستعماع من ذوي العقول مات عقله لأن الإبتعاد عن مجالس العلم والعلماء يؤدي الى الخذلان ، ( أو لعلك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني ) .
  * وحديث الكساء يشير الى الأمور والمسائل العلمية التي وافقت القرآن الكريم كالأرض المدحية والسماء المبنية والقمر المنير والشمس المضيئة وهي من الحقائق المطابقة للواقع واللقرآن الكريم .
  هكذا يقرأ الحديث وهكذا يفهم جواب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن الأسئلة التي وردت في الحديث عن لسان الإمام علي عليه فلعل الإمام علي عليه السلام أراد من خلال طرحه وكذلك ربط حديث الكساء بهموم الناس وحوائجهم حتى لا يبقى مجرد حديث فحسب نقرأه من أجل معلومة نعلمه أو من أجل حديث نتعرف إليه واذا كان الأمر كذلك فما أجدرنا ونحن نقف مع هذا الحديث ان نستغل هذه المضامين ونعيشها بعقولنا وأرواحنا ونفوسنا لكي نجعل من هذا الحديث المبارك حسنة لنا فنصلح به أحوالنا ونقوّم أخلاقنا ونثبت عقائدنا الصحيحة ونربي أبناءنا تربية صالحة لا سيما أن أهل البيت ليسوا بعيدين عنا وطقوسنا ليست جامدة أو فارغة بل هي طقوس هادفة الى تربيتنا تربية إسلامية حقة .

الاسرار الفاطمية _ 205 _

البحث السابع : فاطمة عليها السلام سيدة نساء العالمين

الاسرار الفاطمية _ 207 _

إن  قـيل حـوّا قلت فاطم فخرها      أو قـيل مـريم قلت فاطم iiأفضل
أفـهـل لـحـوّا والـد iiكـمحمّدٍ      أم  هـل لـمريم مثل فاطم iiأشبل
كـلّ لـها عـند الـولادة iiحـالة      مـنها  عقول ذوي البصائر iiتذهل
هـذي لـنخلتها التجت iiفتساقطت      رطـبا  جـنيّاً فـهي مـنه iiتأكلّ
وضعت بعيسى وهي غير iiمروعةٍ      أنّي  وحارسها السّرىّ (1)  iiالأبسل
وإلى الجدار وصفحة الباب التجت      بـنت  الـنّبيّ فأسقطت ما iiتحمل
سـقطت وأسقطت الجنين iiوحولها      مـن  كـلّ ذي حسبٍ لئيم iiجحفل
هــذا  يـعـنّفها وذاك iiيـدعّها      ويـردهـا  هـذا وهـذا يـركل
وأمـامها  أسـد الأسـود iiيـقوده      بـالحبل قـنفذ هـل كهذا معضل
ولـسوف  تـأتي في القيامة فاطم      تـشكو  الـى رب السماء iiوتعول
ولـتـعرفنّ جـنـينها iiوحـنينها      بـشكايةٍ مـنها الـسّما iiتـتزلزل
ربّــاه مـيراثي وبـعلي iiحـقّه      غـصبوا وأبناثي جميعاً قتّلوا (2) ii

---------------------------
(1) السّرى : السيّد الشريف السّخي ، الأبسل : الموطّن نفسه علي الموت .
(2) القصيدة للمرحوم الشيخ محسن أبو الحب الكبير ، قال السيّد جواد شبّر في ( أدب الطفّ ) ج 8 : ص 56 : الشيخ محسن خطيب بارع وشاعر واسع الآفاق خصب الخيال ، ولد سنة 1235 ه ونشأ بعناية أبيه وتربيته ، وتحدّر من أسرةٍ عربية تعرف بآل أبي الحب تمتّ بنسبها الى قبيلة خثعم ، تدرّج على نظم الشعر ومحافل الأدب وندوات العلم ، ولا سيّما مجالس أبي الشهداء عليه السلام مدارس سيّارة وهي من أقوى الوسائل لنشر الأدب وقرض الشّعر ، وشاعرنا الشيخ محسن نظمٍ فأجاد وأكثر من النوح والبكاء علي سيّد الشهداء عليه السلام وصوّر بطوله شهداء الطفّ تصويراً شعرّيا لا زالت الأدباء ومجالس العلماء تترشّفه وتستعيده وتتذوّقه ، كتب عنه الشيخ محمّد السماوي في كتاب ( الطليعة ) فقال : محسن بن محمّد الحويزي الحائري المعروف بأبي الحب كان خطيباً ذاكراً بليغاً متصرّفاً في فنون الكلام اذا ارتقى الأعواد تنقّل في المناسبات

الاسرار الفاطمية _ 209 _

البحث السابع : فاطمة عليها السلام سيدة نساء العالمين
  عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال : ( ان هذا ملك مقرب لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة ، استأذن ربّه أن يسلّم عليّ ويبشرني بأنّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنّة ) (1) .
  ورد هذا الحديث بسند معتبر في عدة كتب روائية سواء من العامة أو الخاصة والظاهر من خلال مراجعة هذا الحديث أنّه ممن أتفقت عليه العامة والخاصة حيث

---------------------------
(1) 5/660 ح 7381 ، عنه ذخائر العقبى : 129 ، ومفتاح النجا : 117 ، وجامع الأصول : 10 | 82 وتيسير الوصول : 2 | 154 ، وكنز العمّال : 12 | 96 ح 34158 و ص 102 ح 34192 وص 107 ح 34217 وص 110 ح 34230 وفي ج 13 | 640 ح 37617 وفي ص 189 ، والفتح الكبير : 1 | 28 وص 249 وص 426 ، وسعد الشموس : 203 ، والإدراك : 49 ، وحسن الأسوة : 290 ، وينابيع المودّة : 165 وص 264 ، ومرقاة المفاتيح : 11 | 393 ، وأحمد في مسنده : 5 | 391 ، عنه الفصول المهّمة : 127 ، وتاريخ دمشق : 51 ح 73 ، والخصائص : 118 ، ومقتل الحسين : 1 | 80 و 130 ، وروى في ص 55 ( صدره ) ، وكفاية الطالب : 422 ، وحلية الأولياء : 4 | 190 ، عنه المنتخب من صحيح البخاري ومسلم : 219 ( مخطوط ) ، وتاريخ الاسلام : 2 | 90 وص 217 ، وفوائد السمطين : 2 | 20 ح 363 ، وأخرجه في الحبائك : 105 و 106 ، وتوضيح الدلائل : 348 ، ووسيلة المآل : 161 ، ورواه في مصابيح السنّة : 108 ، ومرآة المؤمنين : 184 ، ومنال الطالب : 22 ، وغالية المواعظ : 2 | 73 ، والبداية والنهاية : 3 | 206 ووسيلة النجاة : 207 ، وابتسام البرق على مافي الإحقاق : 19 | 32 ، والتاج الجامع للأصول : 3 | 206 ووسيلة النجاة : 207 ، وابتسام البرق على مافي الإحقاق : 19 | 32 ، والتاج الجامع للأصول : 3 | 317 ، والمطالب العالية : 4 | 67 ، وأشعة اللمعات : 4 | 705 ، وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم : 92 ح 418 وأخرجه في ص 145 ح 662 ، والروض الأزهر : 200 ، والحاوي للفتاوي : 2 | 267 ، وأسد الغابة : 5 | 574 ، وجمع الوسائل : 1 | 269 ، وجامع الأحاديث : 4 | 515 ح 14120 ، والحاكم في المستدرك : 3 | 151 ، عنه جواهر البحار : 1 | 360 والخصائص الكبرى : 2 | 226 ، وسير أعلام المستدرك : 3 | 151 ، عنه جواهر البحار : 1 | 360 والخصائص الكبرى : 2 | 226 ، وسير أعلام النبلاء : 2 | 123 ، وأرجح المطالب : 241 ، والجامع الصغير : 1 | 71 ، والمختارٍ : 56 ، أخرجه عن بعضها الإحقاق : 10 | 69 ح 1 وج 19 | 31 ، وج 18 | 384 ، ورواه مرسلاً في طرح التثريب : 1 | 149 ، ورسالة المفاضلة : 216 ، وفي جمع الوسائل : 1 | 270 ، وشرح الفقه : 120 ، عنها الإحقاق : 10 | 102 ، ورواه مرسلاً أيضاً في تاريخ الإسلام : 2 | 88 ، عنه الإحقاق 10 | 110 ، وفي ج 19 | 25 ، عن سير أعلام النبلاء : 2 | 120 عن العوالم ج 1 ص 137 .

الاسرار الفاطمية _ 210 _

  نقلته كتب الفريقين المعتدة خصوصاً عند السنة وفي الصحاح الستة وعليه فلا مجال للطعن أو النقاش في سند هذا الحديث المبارك الذي يظهر كرامة فاطمة الزهراء عليها السلام على الله وعلى الرسول الأكرم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، والحديث يروي لنا قصة ملكاً لم ينزل إلى أرض سابقاً أستأذن الله تعالى أن يمسلم على رسوله الكريم وإنّ يبشره بأن فاطمة الزهراء عليها السلام هي سيدة نساء هل الجنّة ، وعليه نقف مع هذا الحديث لنرى مدى شموليته وسعته في دلالته على كون فاطمة الزهراء أفضل من مريم عليها السلام أم لا ؟ باعتبار وجود آية قرآنية ذكرت مريم عليها السلام في كونها سيدة نساء العالمين في قوله تعالى : ( وإذ قالت الملائكة يا مريم إنّ الله إصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ) فلنقف مع هذه الآية ومع الحديث المبارك :
  1 ـ لنعرف ايهما أفضل فاطمة عليها السلام ام مريم عليها السلام ؟
  2 ـ ومن هي سيدة نساء العالمين ؟
  3 ـ وماهي الثمرة العقائدية في ذلك ؟
  كل هذه الأسئلة تطرح في المقام الذي نحن فيه وعليه لابد لنا أن نجيب عليها لكي تكون لنا قدرة خاصة على الفهم العقائدي لحياة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام ، فنقول ومن باب مقدمة للبحث في هذا الموضوع المهم إنّه : ـ لا شك ولا ريب إنّه ورد في كتب الفريقين عدة أحاديث تبين أفضل النساء في الدنيا والآخرة وإنّه لم يكمل من النساء إلاّ الجنّة إشتاقت إلى أربع من النساء وكذلك ورد أيضاً إنّ الله أختار من النساء أربع وكثيرة هي الأحاديث التي تظهر هذه المسألة وقد تظاهرت الروايات من العامة والخاصة في ذلك ، ونحن نذكر في هذه المقدمة ، بعض هذه الأحاديث وعلى أثر ذلك ندخل في صلب الموضوع الذي أخترنا البحث عنه والوقوف معه والاستفاده من دلالته ، أما هذه الاحاديث التي نقلت في طياتها النساء اللواتي إختار هن الله تعالى فمنها :
  * ماورد عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله تعالى اختار

الاسرار الفاطمية _ 211 _

  من النساء أربعاً : مريم وآسية وخديجه وفاطمة (1) .
  * وروي عن مسلم والترمذي ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلاّ مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد (2) .
  * وجاء عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم انه قال : اشتاقت الجنة الى أربع من النساء : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم زوجة فرعون ، وخديجة بنت خويلد وفاطمة (3) .
  * وعن ابن عباس قال : خط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الأرض أربعة خطوط قال : تدرون ما هذا ؟ فقالوا : الله ورسوله أعلم : فقال رسول صلى الله عليه وآله وسلم : أفضل نساء أهل الجنّة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ، وآسية بنت مزاحم إمرأة فرعون ، ومريم بنت عمران (4) .
  إذن يظهر من هذا الأحاديث أن الإيمان كمل فيهن وإن الله تعالى اختارهن

---------------------------
(1) الخصائص : 225 ، وسائل الشيعة : 1 | 225 ح 58 ، البحار : 14 | 201 ح 11 .
(2) الفصول المهمة ص 127 ، مطالب السؤول ص 10 | شرح ثلاثيات مسند أحمد 2 | 511 .
احقاق الحق 10 | 100 ، 19 | 49 .
(3) قلائد الدرر على مافي الاحقاق : 10 | 99 .
(4) مسند احمد ج 1 | 293 ، رواه مثله في الاسيتعاب : 4 | 376 ، ومستدرك الحاكم : 2 | 497 ، وج 3 | 160 من طريقين والإصابة : 4 | 378 ، وتهذيب التهذيب : 12 | 441 ، ومرآة المؤمنين : 184 ، وسير أعلام النبلاء : 2 | 126 ، وتهذيب الكمال : 22 ، وجامع الأحاديث : 685 ، وتفسير القرآن لابن كثير : 9 | 467 ، وكنز العمّال : 12 | 143 ، ومنتخب كنز العمّال : 5 | 284 ، والفتح الكبير : 1 | 214 ، وقصص الأنبياء : 2 | 377 ، وينابع المودة : 172 و 198 من ثلاث طرق ، ومجمع الزوائد : 9 | 223 ، وتهذيب التهذيب : 134 ، وأرجح المطالب : 240 و 243 ، وآل محمّد : ح 106 ، ومشكل الآثار : 1 | 48 ، وأسد الغابة : 5 | 437 ، والبداية والنهاية : 2 | 60 ، وتأريخ الخميس : 1 | 265 ، وذخائر العقبى : 42 ، ووسيلة المآل : 80 ، وإرشاد الساري : 6 | 168 ، وطرح التثريب : 149 ، وخصائص السيوطي : 3 | 362 ، ومسنده ص 57 ح 139 ، والجامع الصغير : 1 | 168 ، والإعتقاد : 165 ، وروضة الاجباب : 626 ( مخطوط ) والسراج المنير : 271 ، ومفتاح النجا : 102 ( مخطوط ) وحسن الأسوة : 31 ، والبيان والتعريف : 1 | 123 ، وضوء الشمس : 91 ، وتأريخ الإسلام : 2 | 92 من قوله : أفضل ... ، عن بعضها الإحقاق : 10 | 52 ، وفي ج 19 | 41 عن ضوء الشمس ، ورواه في ذخائر العقبي : 42 ، وفي سير أعلام النبلاء : 2 | 124 عنه في الإحقاق : 19 | 51 ، وفي وسيلة المآل : 80 ، عنه الإحقاق : 10 | 57 ، وذكره في الدرة اليتيمة على مافي الإحقاق : 19 | 25 ، وكذا في الأنوار المحمّدية على ما في الإحقاق : 10 | 85 عن العوالم ص 119 | ج 1 .

الاسرار الفاطمية _ 212 _

  وفضلهن على كثير من نساء الدنيا والآخرة فهلمّ معي لنقف معهن لنرى خصوصية كل واحدة منهن ـ وهن آسية ومريم وخديجة وفاطمة ـ بحيث ورد الحديث بأنهّن خير النساء ، ونقول : لو نظرنا إلى حياة هؤلاء النسوة صارفين النظر عن نصوص الكتاب والسنة لالفينا ان كل واحدة منهّن تختص بفضيلة دون غيرها من الصالحات الباقيات .
  * فأسية إمرأة فرعون آمنت بالله مخلصة له لائذة به وحده وهي في بيت شر العباد ، ورأس الكفر والالحاد ، وقد جاهرت بأيمانها منكرة على فرعون كفره وفساده ، متحدية ظلمه وطغيانه ، فأوتد لها الاوتاد ، حتى قضت شهيدة الحق والإيمان ولم تكن هذه الكرامة لواحدة من الثلاثة .
  * أما السيدة مريم فقد كرمها بولادة السيد المسيح من غير أب وما عرفت هذه الكرامة لأمرأة على وجه الأرض .
  * أما السيدة خديجة فأنها أول من آمن وصدّق الرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وصلّت هي وعلي بن أبي طالب عليهم السلام أول صلاة أقيمت في الإسلام ، وهي أول من بذل الأموال لنصرة هذا الدين ... ولولا أموالها ، وحماية أبي طالب لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم لقضي على الإسلام في مهده ، ولم يكن له عين ولا أثر ... ولم تكن هذه الكرامة لغيرها من نساء العالمين .
  أما فاطمة الزهراء عليها السلام فإنها بضعة من رسول الله ، بل هي نفسه خلقاً وخلقاً ومنطقاً وصلاحاً وتقى يرضيه ما يرضيها ، ويؤذيها ما يؤذيه ، وهي أم الحسنين سيدي شباب أهل الجنّة ، وعقيلة سيد الكونين ، بعد رسول الله ولم تكن هذه الكرامة لأمها خديجة ولا لأسية ولا لمريم (1) .
  أما التفاضل بينهنّ فأننا نتركه لئلا يطول المقام بنا ونقف هنا مع حياة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام ، ومريم بنت عمران لأثبات المراد من هذا البحث .
  فمن القضايا العقائدية المهمة لدى الشيعة الإمامية والتي تأخذ حيزاً كبيراً على الصعيد الفكري والعقائدي هي مسألة تفضيل سيدة نساء العالمين على مريم وبقية

---------------------------
(1) تفسير الكاشف : 2 | 59 .

الاسرار الفاطمية _ 213 _

  النساء المؤمنات الاخريات ، فنحن بأعتبارنا شيعة ونعتقد بأهل البيت عليهم السلام وبما ورد من مقامهم ومنزلتهم وقداستهم إنّ هذه مسألة مسلمة لدينا ولكن هناك من يدعي خلاف ذلك وإن مريم عليها السلام هي سيدة العالمين وهي المفضلة على بقية النساء الأخريات والسبب إلى ذهاب بعض من يدعي هذه المقولة هو بما ورد من القرآن الكريم حيث جاء قوله تعالى ( وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ) (1) .
  ليثبت كون مريم عليها السلام رمزاً قرآنياً قد طرحه القرآن في الفكر العقائدي لدى المسيحية ، فكيف اذن تحل هذه القضية وخصوصاً نحن الشيعة يجب علينا أن نحمل عقائدنا عن وعي وإستدلال وبرهان صحيح معتمد على الإستدلالات العقلية المثبوت في محلها ، أما أن نأخذ عقائدنا في هذه القضية أو في قضايا أخرى اعتماداً على العواطف والمديح والمبالغات فهذا مما لا يقبله أهل البيت عليهم السلام وخصوصاً نحن أبناء الدليل حيث ما مال نميل ، وكذلك فإن أهل البيت عليهم السلام ليسوا محتاجين مديحنا وقد مدحهم من هو أفضل واحسن وهو القرآن الكريم بأعظم ما يكون ويكون من المدح والثناء العلي حيث وصفهم بأنهم مطهرون ( ويطهركم تطهيراً ) وكذلك قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنهم عدل القرآن ، فما يكون كلامنا ومديحنا بعد ذلك ، اذن فالقضية ليست قضية مديح وإطراء مواقف بل هي قضية عقائدية نعم ،إذا أردنا أن نمدحهم ونقدم لهم الذكر والثناء فذلك من باب التقرب إلى الله تعالى وليس من باب رفع مقامهم بل مقامهم رفيع وإذا وتينا علم وفهم إنما لكي نتعرف على علو مقامهم وشانهم عند الله تعالى فعليه إذا طرحت هذه الفكرة ، أو القضية بكون فاطمة عليها السلام أفضل من مريم يجب أن تكون مدعومة بالدليل العلمي الشرعي والإستدلال المنطقي وخاصة من القرآن الكريم والسنة لكي تكون عقيدتنا في هذه القضية مبنية على المتانة والصحة ، اذن فالسؤال المطروح هو كيفية كون فاطمة أفضل من مريم والحال إن مريم يخاطبها القرآن الكريم ( يا مريم إن الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين ) والظاهر أنّ نساء العالمين نص قرآني

---------------------------
(1) آل عمران : آية 42 .

الاسرار الفاطمية _ 214 _

  بالصراحة يقول مريم اصطفيت على نساء العالمين فكيف تكون فاطمة أفضل منها ؟ هذه سؤال مطروح فيما نحن فيه وكيف نحمله مع الحديث الذي قدمناه في أول البحث من أن فاطمة سيدة نساء الجنّة .
  ومن جهة أخرى ينقدح سؤال مهم أيضاً وهو أنّ مريم عليها السلام ولدت نبياً وهو عيسى ، على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام وكانت طريقة ولادتها بمجزة ربانية حيث حملت به من غير أب ، فهي إذن ليست ولدت شخصاً عادياً بل نبي من الأنبياء العظماء وهذا الحال لم يحدث لفاطمة عليها السلام لم تولد نبياً من غير زوج فما هو باب التفضيل والحال ان مريم محاطة ومحفوفة بالمعاجز فهذه الأمور تطرح ولابد أن تعالج واحدة ، ويجب على ذلك ألاّ نحمل العقائد على السذاجة وعلى العواطف والتقليد لأن التقليد يفيد في الأحكام الشرعية أما في العقائد فيجب على الإنسان أن يحملها عن وعي وإدراك واستدلال وفهم .
  لذا أصول الدين لا يجب أن يقلد فيها الآخرين بل التقليد في الفروع بأعتبار إنها تحتاج إلى تفحص وإفناء عمر في دراستها والبحث فيها وهذا لا يتسنى ولا يتيسر لكافة الناس فيكون الوجوب الكفائي فيها أما الأصول فيجب على الجميع ان يفهموها بوعي عميق وإستدلال ولا يكون الإنسان المتدين فيها ساذج وتبعى للآخرين بل لابد من أن يصل إليها بالتفكر والإستدلال ، وعليه تكون هذه الأسئلة مهمة من الناحية العقائدية ولا بدون فهمها بالدليل القرآني والسنتي فكيف نصل إلى غاية المطلوب وكيف نحصل على الجواب الصحيح فيها ؟ فنقول : قبل ان نجيب على هذه الأسئلة وكيفية بنائها البناء الصحيح العقائدي وعلى ضوء القرآن والسنة نقدم مقدمة بسيطة وهي أن هذه الأسئلة والإشكالات التي تطرح حول فاطمة الزهراء عليها السلام ليست شبهات ولا إشكالات جديدة بل هي كانت مطروحة من زمن نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم واللطيفة إن هذه الإشكالات والإثارات والشبهات هي في الحقيقة تخدمنا جداً ، لأنها تكون مربية ومعمقة لعقائدنا فنحن نجد الكثير من العقائد في حياتنا نمر عليها مرور الكرام إما عندما تثار الشبهات حول عقيدة معينة فكما تؤدي إلى زعزعة بعض النفوس الضعيفة كذلك تؤدي إلى أن يكون

الاسرار الفاطمية _ 215 _

  أهل الأقلام والفكر والتحقيق يغوصون في فهم العقائد ودعمها قرآنياً أو روائياً وعلى ضوء الاستدلالات الصحيحة وبالنتيجة تكون العقيدة معمقة ودقيقة وتقف بوجه الشبهات والإشكالات التي تطرح عليها ، والأمثله على ذلك كثير جداّ مثلما طرحت بعض الإشكالات المغرضة حول وجود صاحب الزمان ( عج ) وقضية الزهراء بصورة عامة كل هذه الإشكالات بالنتيجة وكما قلنا كانت مفيدة بقدر ماهي مضرة ببعض ضعاف النفوس وعلى كل فالذي نريد القول به هو أن الردود العلمية الدقيقة للأشكالات والشبهات التي تطرح قد أنضجت القضايا العقائدية بشكل أو آخر .
  أما الجواب على مسألة تفضيل الزهراء عليها السلام على مريم عليها السلام فيكون على شكل نقاط نذكرها لكي يتبين لنا الحق في ذلك :
  1 ـ إن الحديث الذي بدأنا به البحث قال بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنّة وهذا القول يحمل نفس معنى أن فاطمة سيدة نساء العالمين لأن الجنّة فيها المؤمنات فقط والقديسات الطاهرات فتكون فاطمة سيدتهّن فمن باب الأولوية تكون فاطمة سيدتهنّ في الدنيا كما هي سيدتهّن في الآخرة فالمعنى واحد سواء في الدنيا أو في الجنّة .
  2 ـ أن ما طرحه القرآن الكريم من كون مريم عليها السلام قد إصطفاها الله تعالى على نساء العالمين كان على لسان النبي الاكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم فهو الذي أخبرنا بالقرآن وهو الذي أوحي إليه من الله تعالى ، ونقول كذلك بإعتبار الرسول ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحي أخبرنا وبلغنا ان فاطمة سيدة نساء العالمين من الاولين والاخرين ومريم سيدة عالمها فكما بلغنا الرسول القرآن في الآيات الأولى من اصطفاء مريم كذلك بلغنا بقوله حول ابنته فاطمة الزهراء عليها السلام والشاهد على قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذه القصة هو ما ورد عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال : ( ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان جالساً ذات يوم ، وعنده علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ) فقال : اللهم إنك تعلم ان هؤلاء أهل بيتي وأكرم الناس علي فأحب من أحبهم وأبغض من ابغضهم وأوالي من والاهم وأعادي من عاداهم ... إلى أن يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حق فاطمة ... وإنها لسيدة نساء العالمين ، فقيل يا رسول الله ، أهي سيدة نساء عالمها ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ذاك لمريم بنت عمران ، فأما إبنتي فاطمة فهي سيدة نساء العالمين من

الاسرار الفاطمية _ 216 _

  الأولين والآخرين : وإنها لتقوم في محرابها فيسلم عليها سبعون ألف ملك بن الملائكة المقربين ، وينادونها بما نادت به الملائكة مريم فيقولون : يا فاطمة ! ( إن الله إصطفاك وطهرك وإصطفاك على نساء العالمين ) 42 آل عمران (1) .
  الى آخر الحديث ، فيكون الحديث الحديث بمثابة تحديد لاطلاق كلمة العالمين التي وردت في الآية القرآنية فتكون النتيجة أن مريم سيدة نساء عالمها وفاطمة سيدة نساء الاولين والآخرين .
  3 ـ أما القرآن الكريم فلقد وردت كلمة تفضيل على العالمين ليست لمريم فقط بل جاءت لبني إسرئيل ولانبياء بني إسرائيل فمثلاّ قوله تعالى ( واسماعيل واليسع ويونس ولوط وكلا فضلنا على العالمين ) (2) .
  فالآية الشريفة بينت أن الله تعالى فضلهم على العالمين هذا هو الظاهر منها ولكن من منا يقول إن هؤلاء الأنبياء أفضل من نبينا محمد صلى الله عليه وآل وسلم ، ولا يوجد أحد يقول ذلك فنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء ، بل هناك فرقاً شاسعاً بينه وبينهم وخاصة نحن نرى أن القرآن الكريم يقول ( وتلك رسلنا فضلنا بعضهم على بعض ) ... إذن بلسان القرآن الكريم ان هناك فرقاً بين الأنبياء وهناك تفضيل بينهم ، وهذا دليل واضح على أنهم ـ أي هؤلاء الأنبياء ـ أفضل أنبياء زمانهم ، إذ من القرآن الكريم نستفيد أن هذا الاطلاق يحمل تقييده معه أي يحمل قيده .
  وهناك شواهد أخرى تدل على هذه المسألة المطروحة في المقام ، فهذا القرآن الكريم يقول ( يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين ) .
  فالمعروف أن بني إسرائيل هم اليهود والقرآن يقول فضلتكم على العالمين فهل هناك إنسان مسلم أو مسيحي يقول أن اليهود أفضل من عليها أو أفضل من المسلمين ؟ لا شك ولا ريب لا أحد يقول بهذه المقالة إلا من كان منهم إذن ما معنى أني فضلتكم على العالمين ؟ هل لانه في زمانهم كثرة الأنبياء ؟ وهذا في الحقيقة لا يدل على

---------------------------
(1) أمالي الصدوق : 393 | ح 18 ، عنه البحار : 43 | 24 ح 20 | تأويل الآيات : 1 | 111 ح 17 نور الثقلين : 1 | 281 ح 135 ، اثبات الهداة : 1 | 538 ح 166 ، بشارة المصطفى : 218 روضة الواعظين 180 ، غاية المرام 52 ح 32 .
(2) الانعام : آية 86 .

الاسرار الفاطمية _ 217 _

  الافضلية وإذا كانت ثمة أفضلية في المقام فهي للانبياء لكثرتهم لا لذلك الشعب المتحجرف فبالعكس أن كثرة الأنبياء تدل على كثرة الفساد وشدة الانحراف عن طريق الأنبياء والطغيان الذي ملأهم ، فالانبياء إنما يبعثون لحاجة البشر اليهم ، وهذا ما أخبرنا به القرآن الكريم حيث كان اليهود بقتلون الأنبياء بغير حق فكلما كان يقتل نبي يبعث نبي آخر وهكذا وفي ذلك يقول القرآن الكريم : ( ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ) (1) .
  ( فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق ) (2) .
  إذن كثرة الأنبياء تدل على سقوط ذلك الشعب وكفره وإنتشار الفساد فيه وليس تدل على أفضلية ذلك الشعب ، وبني إسرائيل تلك الأمة المنحرفه والتي لازال شرها الى الآن على العالم الاسلامي بل على كل العالم كانت في الحقيقة أمة غير ناجحة وفاشله جداً والسبب في ذلك هو تمردها على انبياءها وعلمائها وقديّسيها وقادتها وهذا هو السبب في فشلهم ، وعلى هذا الاساس تكون كلمة الاصطفاء على العالمين مثل كلمة التفضيل إذن من نفس مفردات القرآن الكريم نستفيد من كلمة عالمين أي عالم زمانها سواء كانت كلمة عالمين في قضية تفضيل اليهود أو تفضيل الأنبياء أو تفضيل مريم عليها السلام ، فتكون كلمة عالمين يعني عالم زمانها ليس إلاّ .
  4 ـ روي أن زكريا كلما دخل على مريم عليها السلام وهي في محرابها ( وكان آنذاك رئيس الهيكل اليهودي فإهتم بها وتفقد شؤونها ) وجد عندها طعاماً وعهده بها أن لا يدخل عليها أحد ، فسألها متعجباً : أنى لك هذا ! ... قالت هو من عند الله ـ أي لا بواسطة أحد من الناس ـ أن الله يرزق من يشاء بغير حساب ، ولا شك ولاريب أن هذه كرامة لمريم عليها السلام فهل في فاطمة الزهراء عليها السلام موجودة هذه الكرامة أن انها إختصت بمريم فقط فتكون مفضلة على الصديقة عليها السلام ؟ قلنا : نعم حدثت مثل هذه الكرامة لسيدة النساء فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد جاء في تفسير روح البيان للشيخ اسماعيل حقي عند تفسير قوله تعالى حكاية عن مريم : ( هو من عند الله ) جاء في هذا التفسير ما نصه

---------------------------
(1) البقرة : آية 61 .
(2) النساء : 155 .

الاسرار الفاطمية _ 218 _

  بالحرف : ( جاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في زمن قحط ، فأهدت له فاطمة رغيفين ولحماً ... فأتاها وإذا بطبق عندها مملوء خبزاً ولحماً ، فقال لها : انى لك هذا ؟ قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ، فقال : الحمد لله الذي جعلك شبيهه بسيدة بني اسرائيل ، ثم جمع رسول الله علياً والحسنين ، وجمع أهل بيته عليه فاكلوا وشبعوا ، وبقي الطعام كما هو فأوزعت فاطمة على جيرانها ) (1) .
  وفي كتاب ذخائر العقبى لحب الدين الطبري ( إن علياً عليه السلام استقرض ديناراً ليشتري به طعاماً لاهله ، فالتقى بالمقداد بن الاسود في حال ازعاج ولما سأله الإمام قال : تركت أهلي يبكون جوعاً ، فآثره بالدينار على نفسه وأهله وانطلق الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصلى خلفه وبعد الصلاة قال النبي لعلي : هل عند شيء تعيشنا به ؟ وكأن الله قد أوحى إليه ان يتعشى عند علي ، فأطرق علي لا يحير جواباً ، فأخذ النبي بيده ، وانطلقا الى بيت فاطمة ، وإذا بحفنه من الطعام فقال لها علي عليه السلام أنّى لك هذا ؟ قال له النبي : هذا ثواب الدينار ، هذا من عند الله يرزق من يشاء بغير حساب ، الحمد لله الذي أجراك يا علي مجرى زكريا واجراك يا فاطمة مجري مريم ، كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً ... ) (2) .
  وعليه قد ثبتت هذه الفضيلة للزهراء عليها السلام ملما ثبتت لمريم سواء من طرق العامة أو الخاصة .
  5 ـ واستدل الكثير من العامة والخاصة بأفضلية فاطمة عليها السلام على مريم وخصوصا ما تواتر عن أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم م الخاصة والعامة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( فاطمة بضعة مني ، فمن أغضبها أغضبني ) فهذا الحديث من المواترات وفيه دلاله على كونها من نور الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكونها لحمه ودمه فهو خاتم الرسل فانه تكون ابنته أفضل من ابنت عمران .
  
أومـا قال خاتم الرسل iiفيها      فـاطم بضعتي ولاى iiولاها
فاطم روحي التي بين جنبي      وريـحانتي  الـتي iiأهواها

---------------------------
(1) الخرائج والجرائح : 528 ح 3 ، البحار : 43 | 27 ح 30 ، الثاقب في المناقب : 295 تفسير الثعلبي : 202 | ، فرائد السمطين : 2 | 51 ، ابن كثير البداية والنهاية : 6 | 111 وروح المعاني : 3 | 124 ، الدرر المنثور : 2 | 20 ، واحقاق الحق : 3 | 538 .
(2) ذخائر العقبى : 45 ، كفاية الطالب : 367 ، ووسيلة المآل : 89 ، ينابيع المودة : 199 ، كشف الغمة : 1 | 469 ، أمالي الطوسي : 2 | 228 البحار : 43 | 59 ح 51 .

الاسرار الفاطمية _ 219 _

أيها  الناس باب فاطم iiبابي      مثلما  قد غدا حماي iiحماها
أيّها  الناس فأحفظوني iiفيها      تاه في الغيّ من بسوء أتاها
  6 ـ إن فاطمة الزهراء عليها السلام أفضل من مريم بل هي سيدة نساء العالمين من الاولين والاخرين وهذا ما أثبته الحديث المروي عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل : ( ولقد كانت عليها السلام مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله ، من الجن والانس والطير والوحش والأنبياء والملائكة ) (1) وكذلك ماورد في الحديث الشريف عن أهل بيت العصمة أنه ( ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتى أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الاولى ) (2) .
  فالذي يظهر من هذين الحديثين ان فاطمة مفروضة الطاعة على جميع الاولين والاخرين بما فيهم النساء والأنبياء والخلق كلهم وكذلك لا تتكامل نبوة نبي إلاّ أن يقر بفضلها ومحبتها ، فاذا كان حال الصديقة الكبرى هكذا مع الأنبياء فكيف مع مريم عليها السلام ولم تكن نبية ؟
  7 ـ ويمكن أن نستفيد من الحديث المروي عن شفاعة فاطمة الزهراء عليها السلام يوم القيامة وان لها الشفاعة الكبرى كما لأبيها رسول الله انها الافضل وانها سيدة نساء العالمين من الاولين والآخرين بينما لا يوجد عندنا نص في شفاعة مريم عليها السلام فلذلك يكون هذا الحديث المروي عن شفاعة فاطمة دليل على كونها سيدة نساء العالمين من الاولين والآخرين وإلا كيف يكون لها مقام الشفاعة ؟ واليك الحديث المروي في شفاعتها لمحبيها وشيعتها يوم القيامة .
  * عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : لفاطمة وقفة على باب جهنم فاذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كلّ رجل : مؤمن أو كافر ، فيؤمر بمجب قد كثرة ذنوبه الى النار ، فتقرأ بين عينيه محباً ، فتقول : إلهي وسيدي سميتني فاطمة ، وفطمت بي من تولاني وتولى ذريتي من النار ، ووعدك الحقّ وأنت لا تخلف الميعاد .
  فيقول الله عزوجل : صدقت يا فاطمة إني سميتك فاطمة وفطمت بك من أحبك وتولاك وأحب ذريتك وتولاهم من النار ، ووعدي الحق وأنا لا أخلف الميعاد وإنما

---------------------------
(1) دلائل الإمامة : 28 .
(2) البحار : 43 | 105 .

الاسرار الفاطمية _ 220 _

  أمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه فأشفعك ، ليتبين لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقفك مني ومكانتك عندي فمن قرأت بين عينيه مؤمناً فجذبت بيده وأدخلته الجنّة (1) .
  إذن لا يبقى أي أشكال في كون فاطمة سيدة نساء الجنّة وسيدة نساء العالمين والأولين والآخرين ولا تنافي في كون مريم قد دعمها القرآن الكريم وإن الله قد اصطفاها فإن ذلك كان في زمانها ولايمتد إلى زمان الصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام ، هذا من جهة اصطفاء مريم وكيفية التوفيق بين ذلك ، امّا بالنسبة للمعجزة الربانّية التي خصت بها مريم عليها السلام والكرامة التي أعطاها الله تبارك وتعالى إياها وهي إنها ولدت عيسى من غير أب عيسى عليه السلام ، وإنه نبي من الأنبياء ، وهذا غير موجود في الصديقة فاطمة عليها السلام ولم يقع لها بل ولدت الحسن والحسين وزينب عليها السلام بالطريقة الطبيعية فتكون مريم مفضلة على فاطمة فيكون الجواب على ذلك : إننّا لا نتصور ولا نصدق على أن يكون هذا دليلاً على أفضلية مريم عليها السلام لماذا ؟ لأنّه بالنسبة لولادتها لعيسى عليه السلام وحملها به من غير أب يكون وحسب رأينا القاصر لسببين :
  1 ـ إن مريم عليها السلام حملت بعيسى بهذه الطريقة لأنّه لم يكن في بني إسرائيل كفوء لها فمن من بني إسرائيل يستحق أن يكون زوجاً للقديسة الطاهرة وأباً لعيسى عليه السلام هذا من جهة ، ومن جهة أخرى إنّها نذرت نفسها لخدمة بيت الله آنذاك ولذلك كان اصطفاءها من قبل الله تعالى والدليل على عدم وجود كفوء لها إنها عندما حملت بعيسى وولدته فقدوها بني إسرائيل في المحراب فخرجوا في طلبها وخرج زكريا فأقبلت مريم وعيسى في صدرها وأقبلت مؤمنات بني إسرائيل يبزقن في وجهها فلم تكلمهن حتى دخلت في محرابها فجاء إليها بنو إسرائيل وزكريا فقالوا لها ( يا مريم لقد جئت شيئاً فرّيا ) أي شيئاً عظيماً في المناهي ( يا أخت هارون ما كان أبوك إمرأ سوءٍ وما كانت أمّك بغيّا ) ومعنى قولهم يا أخت هارون إن هارون هل كان رجلا فاسقاً زانياً فشبهوها به يعني أين هذا البلاء الذي جئت به والعار الذي ألزمته بني

---------------------------
(1) البحار : 8 | 51 .

الاسرار الفاطمية _ 221 _

  إسرائيل ؟! فأشارت الى عيسى في المهد فقالوا لها ( كيف نكلم في المهد من كان صبيّا ) فأنطق الله عيسى عليه السلام فقال ( إنّي عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبياً وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حياً وبراً بوالدتي ولم يجعلني جبّاراً شقياً ، والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيّاً ) .
  إذن عندما جاءت إلى بني إسرائيل تحمل الطفل الكل شمتوا بها وانقلبوا عليها كما قال القرآن الكريم في ذلك ( يا أخت هارون ) يعني شماته ... والقرآن الكريم حكى جانب من شماتتهم فمريم عرفت انه ليس في بني إسرائيل لها ناصر ولا يذكر القرآن الكريم إنّ هناك من وقف مع مريم وانبرى للدفاع عنها مثلاً حتى يقول إنها كانت إمرأة طاهرة تاريخها نظيف ، هذه كانت صاحبة معجزات في أحضان نبي فلا بد أن نرى القضية قبل أن نحكم عليها بهذه السرعة ، فمن هذا القبيل لم يوجد رجل دافع عنها فاذاً كان هكذا موقفهم معها فأين يوجد الكفوء لها حتى تتزوج به وتكون ولادتها طبيعية فأذن لا يوجد كفوء لها يشاركها المعجزة والكرامة ويتحمل إلى جانبها مسؤولية السماء فالأكثرية بل الكل كانوا أناس غير ملتزمين والدليل على ذلك إننّا نجد أيضاً ، بعض أنصار الأنبياء جرحوا الأنبياء ، أصحاب موسى عليه السلام مثلا وهكذا فما كان هناك كفوء .
  بينما توفر الكفوء لفاطمة عليها السلام ألا وهو سيد الأوصياء وأمير الموحدين علي أبن أبي طالب أي نفس الرسول الاكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكما أخبر بذلك القرآن ، فتوفر الكفوء اذن دلالة على عدم الحاجة الى المعجزه ، هذا مانتصوره في الجواب الأوّل .

بـنت  الـنبي الـذي لولا iiهدايته      مـا كـان لـلحق لاعـين ولاأثر
هـي الـتي ورثـت حقاً iiمفاخره      والعطر  فيه الذي في الورد iiمدّخر
تزوجت في السما بالمرتضى شرفاً      والـشمس يقرنها في الرتبة iiالقمر
  2 ـ أما بالنسبة لمريم وانها ولدت نبياً ولم تلد فاطمة نبياً فهذا يرد عليه بأن ولادة النبياء في بني اسرائيل حتى وان كانت ولادتهم طبيعية أو غير طبيعية لا يدل ذلك أن الأنبياء من بني اسرائيل أفضل من أهل البيت عليهم السلم فلقد ثبت بالادلة القاطعه ان أهل البيت لا يدانيهم آل من الآل سواء آل عمران أو آل لوط ... وغيرهم ممن ذكرهم القرآن

الاسرار الفاطمية _ 222 _

  الكريم فهؤلاء لايصلون ولا يرتقون الى منزلة أهل البيت عليهم السلام وهذا مسلم به وحتى أن حديث الكساء يشير الى ذلك الأمر ، هذا الحديث الذي اعترف به أحقد من عليها ـ أي على الشيعة ـ ألا وهو ابن تيميه في كتابه منهاج السنة الذي ثنّى ركبتيه وشد الأحزم لنقض كل فضائل أهل البيت عليهم السلام وحتي الرواية التي يجدها تحمل فضيلة فإنه ينكرها من الأساس فيكون بذلك مخالف لإسلوب العلماء والذين يريدون التخلص مثلاً من رواية بإسقاط سندها وضعفه عن القيام بالحجية .
  إذن فحديث الكساء الشريف أثبت أفضلية أهل البيت عليهم السلام من بقية الآل وهذا بالحقيقة يجعل هذا الحديث يتألق في سماء العقيدة والمعرفة فإنه فاطمة ولدت حسناً وحسيناً ولا يقاس بهم لانبي من أنبياء بني إسرائيل ولا وصي وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( علماء أمتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل ) فيه دلالة واضحة على ذلك لأنه لو أخذنا وفسرنا أن علماء أمتي هم الأئمة عليهم السلام بالخصوص فيكون الأفضلية لفاطمة عليها السلام من هذه الجهة وأضف إلى ذلك أنّ عيسى بن مريم عليه السلام وكما وردت الروايات في ذلك إنّه سوف يصلي خلف الإمام المهدي ( عج ) عند ظهوره الشريف وأضف الى ذلك أنّه أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام كان يقينهم ثابت ووصل مرحلة لا يصل إليها أحد من أنبياء بني أسرائيل أليس القرآن الكريم يقول في حق نبي من الأنبياء ( أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ) يعني لم يصل الى مرحلة الأطمئنان القلبي الراسخ الذي هو عبارة عن اليقين الحقيقي ، أمّا علي وأولاد علي عليهم السلام ( لو كشف لي الغطاء ما إزددت يقيناً ) .
  إذن ولادة مريم لعيسى بالمعجزة الربانيّة وإنّه كان نبياً لا يدل أفضليتهما من الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام وعليه كل الأدلة المطروحة حول ذلك مردودة ، وهذا لا يعني إنّنا نطعن بشخصية مريم أو نريد أن نقلل من شأنها بل أتخذناها عظيمة من العظيمات وقسنا عليها عظماء الأمة .
  والثمرة في هذا البحث من الناحية العقائدية وحسب ما نتصوره أنّه عندما ثبت أنّها سيدة نساء العالمين وأنها أفضل النساء من الأولين والآخرين فإنّه سوف يكون ظلمها وعدم رعاية حقها من قبل الذين ظلموها والذين رضوا بذلك ذا وبال عليهم

الاسرار الفاطمية _ 223 _

  في الدنيا بلعنهم والبرائة من ظلمهم وأفعالهم بحقّ سيدة نساء العالمين وفي الآخرة الخزي والعذاب الأليم ( إنّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنوا في الدنيا والآخرة وأعدّ لهم عذاباً أليماً ) .
  وأيضا الثمرة في ذلك هو أننا بقدر مفرفتنا بمقامات أولياء الله تعالى ـ ومنهم فاطمة عليها السلام ـ والتي ورد البحث عليها وعلى طلب المزيد منها ، نزداد عند ذلك معرفة الله تعالى لأنّه من عرفكم فقد عرف الله تعالى لأنهّم هم الداّلين عليه وعلى عظمته ، وهذا ثابت للزهراء عليها السلام كما ثبت للأئمة عليهم السلام .
  وكذلك أنّه متى ما عرفنا أنّه فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين عرفنا عند ذلك انّ لها مقاماً سامياً وكرامة ربانيّة ، وخاصّة نحن نؤمن بأنّها كانت مفروضة الطاعة على جميع الخلق بما فيهم الملائكة والجنّ والأنبياء وإنّه ما تكاملت نبوة نبي حتى أقر بفضلها ومحبتها وعلى معرفتها دارت القرون الأولى ، كلّ ذلك له الأثر الكبير في أنّ يعمق ارتباطنا بفاطمة عليها السلام ويدخل حبها في قلوبنا وفي صميم عقائدنا ونزداد تقاعلاً مع ظلاماتها وماجرى عليها من الظلم والعدوان وعظيم المحن التي مرت عليها ، وأخيراً نختم هذا البحث بما ورد من كلمات الأعلام حول ثبوت كونها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين والأمر لا يخلو من فائدة فيما نحن فيه ، وإليك أقوال المحدثين :
  * قال ابن أبي الحديد : إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مال إليها وأحبّها ، فازاد ماعند فاطمة بحسب زيادة ميله ، وأكرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إكراماً عظيماً أكثر ممّا كان الناس يظنّونه ، وأكثر من إكرام الرجال لبناتهم ، حتّى خرج بها عن حدّ الآباء للأولاد ، فقال بمحضر الخاصّ والعامّ مراراً لا مرّة واحدة ، وفي مقامات مختلفة لا في مقام واحدٍ ) إنها سيّدة نساء العالمين ، وإنّها عديلة مريم بنت عمران ، وإنّها إذا مرّت في المواقف ناد منادٍ من جهة العرش : ( يا أهل الموقف غضوا أبصاركم لتعبر فاطمة بنت محمّد صلى الله عليه وآله ) ، وهذا من الأحاديث الصحيحة (1) ...
  * وقال شهاب الدين الآلوسيّ : عن ابن عبّاس ، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : ( أربع

---------------------------
(1) ( شرح النهج ) : 9 | 193 .

الاسرار الفاطمية _ 224 _

  نسوة سادات عالمهّن : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد ، وأفضلّهن عالماً فاطمة ( ... ووالذيّ أميل إليه أنّ فاطمة البتول أفضل النساء المتقدّمات والمتأخرات من حيث إنّها بضعة رسول صلى الله عليه وآله وسلم ، بل ومن حيثيّات أخرى أيضاً ، ولا يعكر على ذلك الأخبار السابقة لجواز أن يراد بها أفضلّية غيرها عليها من بعض الجهات ، وبحيثّية من الحيثيّات ... إذ البضعيّة من روح الوجود وسيّد كلّ موجود ، لا أراها تقابل بشيء ، وأين الثرّيا من يد المتناول ؟ ومن هنا يعلم أفضليّتها على عائشة رضي الله تعالى عنها الذاهب إلى خلافها الكثير محتّجين بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( خذوا ثلثي دينكم عن الحميراء ) ... وأنت تعلم ما في هذا الإستدلال ، وأنّه ليس بنصّ على أفضليّة الحميراء على الزهراء ، أمّا أوّلاً ، فلأنّ قصارى ما في الحديث الأوّل على تقدير ثبوته إثبات أنّها عالمة إلى حيث يؤخذ منها ثلثا الدين ، وهذا لا يدلّ على نفي العلم المماثل لعلمها عن بضعته علهي الصلاة والسلام ، ولعلمه صلى الله عليه وآله وسلم أنّها لاتبقي بعده زمناً معتدّاً به يمكن أخذ الدين منها فيه لم ـ يقل فيها ذلك ، ولو علم لربمّا قال : خذوا كلّ دينكم عن الزهراء ... على أنّ قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( إنّي تركت فيكم الثقلين كتاب الله تعالى وعترتي أهل بيتي ، لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض ) يقوم مقام ذلك الخبر وزيادة كما لا يخفى . كيف لا ، وفاطمة رضي الله تعالى منها سيّدة تلك العترة (1) .
  * وقال العلاّمة المجاهد السيّد شرف الدين رحمة الله : تفضيلها على مريم عليها السلام أمر مفروغ عنه عند أئمة العترة الطاهرة وأوليائهم من الإماميّة وغيرهم ، وصرّح بأفضليّتها على سائر النساء حتّى السيّدة مريم كثير من محققّي أهل السنّة والجماعة كالتقيّ السبكيّ ، والجلال السيوطيّ ، والبدر ، والزركشيّ ، والتقّي المقريزيّ ، وابن أبي داود ، والمناوي فيما نقله عنهم العلاّمة النبهاني في ( فضائل الزهراء ) ص 59 من كتابه ( الشرف المؤبّد ) ، وهذا هو الّذي صرّح به السيّد أحمد زيني دحلان مفتي الشافعيّة ونقله عن عدّة من أعلامهم ، وذلك حيث أورد تزويج فاطمة بعلّي في سيرته

---------------------------
(1) تفسير روح المعاني : 3 | 155 .

الاسرار الفاطمية _ 225 _

  النبوّية (1) حتّى مريم رضي الله عنها ، كما اختاره المقريزيّ والزركشيّ والحافظ السيوطيّ في كتابه ( شرح النقابة ) و ( شرح جمع الجوامع ) بالأدلّة الواضحة التّي منها أنّ هذه الأمّة أفضل من غيرها ، والصحيح أنّ مريم ليست بنبيّة بل حكي الإجماع على أنّه لم يتنبأ امرأة قطّ ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم ( مريم خير نساء عالمها ، وفاطمة خير نساء عالمها ) (2) رواه الترمذّي ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( يابنّية ، ألا ترضين أنّك سيدّة نساء العالمين ؟ قالت : يا أبت فأين مريم ؟ قال : تلك سيدّة نساء عالمها ) رواه ابن عبدالبرّ ، وقد أخرج الطبراني بإسناد على شرط الشيخين ، قالت عائشة : ( مارأيت أحداً قطّ أفضل من فاطمة غير أبيها ) (3) ... وروي المجلسيّ ( ره ) قال : قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : قالت فاطمة سيّدة نساء العالمين من الأوليّن والآخرين ، وإنها لتقوم في محرابها فيسلّم عليها سبعون ألف ملك من المقرّبين ، وينادونها بما نادت به الملائكة مريم ، فيقولون : يا فاطمة ( إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين ) (4) .
  وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، وآسية امرأة فرعون ) .
  وفي رواية مقاتل والضحّاك وعكرمة عن ابن عباس : ( وأفضلهنّ ) (5) .
  وعن محمد بن سنان ، عن المفضّل قال : قلت لأبي عبد الله عليها السلام : أخبرني عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فاطمة : ( إنّها سيّدة نساء العالمين ) أهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين (6) .
  وعن الحسن بن زياد العطّار قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام : قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة ، أسيّدة نساء عالمها ؟ قال : ذاك مريم ، وفاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين (7) .

---------------------------
(1) هامش النصّ والاجتهاد : المورد ، 114 .
(2) إنما قال ( عالمها ) لأنّ عالمها أفضل من عالم مريم كما صرّح به المؤلف آنفاً ، ( فاطمة مهجة قلب المصطفى ) 95 .
(3) ( السيرة الحلبيّة ) : 2 | 6 .
(4) البحار : 43 | 49 ، وقد تقدم ، والآية في آل عمران ، 42 .
(5) العوالم : 11 | 46 ، 49 .
(6) نفس المصدر السابق .
(7) ( العوالم ) : 11 | 49 ، 51 .