تأليف
الشيخ محمد فاضل المسعودي
تقديم
آية الله السيد عادل العلوي


الاهداء
  إلى مصباح الهدى وسفينة النجاة ...
  إلى الموعود بشهادته قبل ولادته ...
  إلى الذي بكاه رسول الله حين ولادته ...
  إلى الذي قضى ضمآن بجنب الفرات ...
  إلى الذي بكت عليه ملائكة السماء ...
  إلى خضيب الشيبة بالدماء ...
  إلى ساكن طفوف كربلاء ...
  إلى من تطلب بدمه سيدة النساء بعرصات يوم القيامة ...
وقميصها بدم الحسين ملطخ
لابـدّ  ان ترِدَّ القيامةَ iiفاطمٌ
  إلى خامس اصحاب حديث الكساء ...
  إليك يا سيدي يا أبا عبدالله الحسين بن علي ( عليه السلام ) ...
  أرفع لك هذا المجهود القليل راجياً من الله القبول ...
  والغفران لي ولوالدي ولمن ينتفع بهذا الكتاب يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى بقلب سليم ...
  محمد فاضل المسعودي

الاسرار الفاطمية _ 6 _

بسم الله الرحمن الرحيم
تقريض
  تزيينا لكتابنا وتبيينا لعام الطبع طلبنا من الخطيب سماحة الشيخ محمد سعيد المنصوري ( حفظه الله ورعاه ) ان يتفضل علينا بتوشيح لكتابنا الأسرار الفاطمية وتأريخ يعرف به زمان طبعه فاستجاب لنا سماحته بهذه المقطوعة الشعرية المشتملة على معاني لطيفة وخفيفة على الطبع والذوق امد الله في عمره الشريف ووفقنا الله واياه وصالح المؤمنين لخدمة الائمة الأطهار لا سيما فاطمة الزهراء عليها السلام أنالنا الله شفاعتها يوم القيامة وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
الـيـنا  بـأسرارٍ سـواهُ iiمـؤلفُ
ii      ii
(  محمدٌ ) بالاسرِارِ جاء ولم iiيجىء
وكـلُّ الـذي يُعزى لفاطمة iiيُعرفُ
ii      ii
عـلى  أنّـها بـالفاطميةِ iiعُـرّفَت
ومِن  ذُكرُها الذكرَ الجَميل iiالمُشرِّفُ
ii      ii
وهـذا  كـتابٌ في سليلةِ ( احمد ii)
وعـرّف عـمّا فـيهِ حارَ iiالمعُرِّفُ
ii      ii
بهِ  قَد جَلى بالبحثِ عَن كلّ غامضٍ
تُـقـرطُ  اذانُ الـورى iiوتُـشنَّفُ
ii      ii
ايـانَ  وفي " مُستودَع السر " ما به
لأبـينُ مِـن فجرٍ ضحَوُكٍ iiوألطَفُ
ii      ii
فـأبـوابُهُ  بـابـاً فـبَاباً iiوبـحثُهُ
وكـلُّ عـلى قدرٍ من الدوح iiيَقطفُ
ii      ii
كـتابٌ بِـهِ مـا لَيسَ يحوِيه iiغيرُهُ
يـميلُ  الـيها الـعبقَرِي iiالـمُثقَفُ
ii      ii
وفـكرتُهُ  فـيما نـرى مـن iiبَيانِه
فـتلكَ مـن الأقوال اسمى iiواشرفُ
ii      ii
وفـاطـمةٌ مـهما نـقوُل iiبـشأنها
وويلٌ  لمن قالوا وفي القوَلِ iiاسرفُوا
ii      ii
فـطوبى  لـمن مـالا اليها iiبوّدِهِم
اظـلّم عـنهُ الـهَوى iiوالـتَعجرفُ
ii      ii
فـظلوا  طـريقا كـان فيه iiنجَاتهم
بِمَن قد اتى فِيها من " الله " مصحفُ
ii      ii
فـيانِعمَ ما دبجّتَ يا نَجلَ " فاضِلٍ ii"
فـأرّخهُ  " ان نعم التقُى والتعففُ ii"
ii      ii
غـدا  سوف يأتيكَ الجزاءُ iiمضاعَفاً
  51+160+541+667 = 1419 هجري

الاسرار الفاطمية _ 9 _

بسم الله الرحمن الرحيم
الدرّة البهيّة في الأسرار الفاطميّة
  الحمد لله فاطر السماوات والأرضين ، خالق فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين ، والصلاة والسلام على أبيها محمد الأمين ، سيد الأنبياء والمرسلين ، حبيب الله وخاتم النبيّين ، وعلى بعلها أمير المؤمنين عليّ سيّد الأوصياء وإمام المتّقين ، وعلى أولادهما الأئمة الميامين أهل البيت الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم ومنكري فضائلهم من بدء الخلق إلى قيام يوم الدين.
  قال تعالى في محكم كتابه الكريم ومبرم خطابه العظيم : ( إنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنْكُمُ الرِّجسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهّركم تَطهيراً ) (1) .
  وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( لو كان الحُسن شخصاً لكان فاطمة ، بل هي أعظم ، فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً ) (2) .
  الحديث عن الزهراء عليها السلام إنّما هو حديث عمّا سوى الله سبحانه ، فهي الكون

---------------------------
(1) الأحزاب : 33.
(2) فرائد السمطين 2 : 68.

زواج أم كلثوم سلام الله عليها _ 10 _

  الجامع بل الحديث عنها حديث عن الله سبحانه لوحدة الرضا والغضب بينهما ، فإنّه سبحانه يرضى لرضاها ويغضب لغضبها ، والله المحسن وهو الجميل ومطلق الجمال والحسن ، وإنّه يحبّ الجمال ، ولو كان الحسن والجمال شخصاً لكان فاطمة ، بل هي أعظم ، فهي جمال الله وحسنه ، وإنّها الحوراء الإنسية ، فهي خير أهل الأرض عنصراً ، فإنّها نور الله جلّ جلاله اشتُقّت من نور أبيها وبعلها ، وفارقتهما في القوس النزولي ، فكان أبوها وبعلها في صلب آدم إلى عبد المطلب وأبي طالب ، وبقيت هي في العرش الإلهي في مشكاة تحت ساق العرش ، ثمّ انتقل إلى الجنّة ، وبقي في رياضها محبوراً ، ثمّ أودعه الله في شجرة من أشجارها وفي ثمارها وأغصانها ، حتى إذا عرج النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله إلى السماء ودخل الجنّة ، وأكل من تفّاحها ورطبها ، فتناول من ثمار الجنّة ومن شجرة فاطمة عليها السلام فتحوّلت نوراً في صلبه ، ثمّ هبط إلى الأرض ، فواقع خديجة الكبرى لتحمل منه فاطمة الحوراء الإنسيّة ، ومن ثمّ كان النبيّ يشمّ منها رائحة الجنّة.
  ففاطمة عليها السلام من صلب خاتم النّبيّين وأشرف خلق الله أجمعين محمد المصطفى صلى الله عليه وآله مباشرة ومن دون واسطة ، دون غيرها ، فكانوا من صلب آدم عليه السلام ، فهي خير أهل الأرض عنصراً ، وأشرف بعد أبيها وبعلها مقاماً ، وأكرم منزلاً.
  فخلقت من نور محمّدي علويّ قبل خلق آدم بآلاف من السنين ، خلقت حوريّة في صورة إنسيّة ، ثمّ تكوّنت نطفتها في أعالي الجنّة ، ونطقت وتحدّثت في بطن أُمّها ، وقال جبرئيل عنها أنّها النسلة الطاهرة الميمونة ، وسجدت ونطقت بالشهادتين عند ولادتها ، فهي المباركة الطاهرة الصدّيقة الزكيّة الرضيّة المرضيّة المحدّثة الزهراء البتول الحرّة ، العذراء الحوراء النوريّة السماويّة الحانية ، اُمّ الحسنين ، أُمّ أبيها ، أُمّ الأئمة النجباء ، فهي الصدّيقة الكبرى ، وعلى معرفتها دارت القرون الاُولى.
  ومن عرفها حقيقةً فقد أدرك ليلة القدر.
  والمعرفة أساس الحياة وروحها ، فمن لا معرفة له ـ كالكافر ـ فلا حياة له ، وكان ميّتاً يمشي بين الأحياء ، وبالمعرفة يتمّ الإيمان ويزداد بزيادتها ، وإنّها تأخذ حيّزاً كبيراً في الحياة الإنسانيّة بكلّ أبعادها وجوانبها ، حتّى الشريعة المقّدسة التي هي عبارة عن قوانين الحياة التشريعيّة من أجل السعادة الأبديّة ، فالمعرفة لها الحظّ الأوفر على

الاسرار الفاطمية _ 11 _

  مستوى الاُصول والفروع والأخلاق ، وإنّما يفضّل الناس بعضهم على البعض في المقياس الإلهي بالمعرفة ولوازمها كالإيمان والتقوى والعلم النافع والعمل الصالح ، كما جاء في الحديث الشريف : ( أفضلكم إيماناً أفضلكم معرفة ) (1) .
  فلا يمكن من حطّ قيمة المعرفة والاستهانة بها مطلقاً ، بل جاء عن الإمام الصادق عليه السلام : ( لا يقبل الله عملاً إلاّ بمعرفة ، ولا معرفة إلاّ بعمل ، فمن عرفت دلّته المعرفة على العمل ، ومن لم يعمل فلا معرفة له ) (2) .
  فأصل كلّ شيء وأساسه هو المعرفة ، حتّى قال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام لكميل ابن زياد : ( يا كميل ، ما من حركة إلاّ وأنت محتاج فيها إلى معرفة ) (3) .
  ولا تكون المعرفة تامّة إلاّ بإدراك القضايا وفهمها ، دركاً صحيحاً وفهماً كاملاً ، بدراسات حقّه ميدانيّة وتحقيقيّة ، والتي يبتني صرحها الشامخ على ضوء البراهين الساطعة والاستدلالات العقليّة اللامعة ، والحجج العمليّة الواضحة.
  فالمعرفة يعني الدراية الكاملة والفهم العميق والدرك الصحيح ، وقيمة الإنسان بمعرفته.
  يقول الإمام الباقر لولده الصادق عليه السلام ( يا بني ، إعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم ، فإنّ المعرفة هي الدراية للرواية ).
  فالرواية نقل الحديث الشريف عن المعصومين عليهم السلام ، والدراية تفقّه الحديث وفهمه : ( وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان ).
  و ( حديث تدريه خيرٌ من ألف حديث ترويه ).
  و ( قيمة كلّ امرىء وقدره معرفته ).
  فالواحب علينا أن نفهم القرآن والروايات بتفهّم وعمق ، وتدبّر وتفكّر ، وإلاّ فهمّة السفهاء الرواية ، وهمّة العلماء الدراية.
  فلا بدّ لكلّ ذي لبّ أن يعرف الأشياء على ما هي عليها بحسب الطاقة البشريّة ،

---------------------------
(1) البحار 3 : 14.
(2) الكافي 1 : 44.
(3) ميزان الحكمة : الحديث رقم 7421.

الاسرار الفاطمية _ 12 _

  وأولى شيء بالمعرفة ، وإنّه مقدّم على كلّ المعراف والعلوم هو معرفة اُصول الدين بالبرهان واليقين ، وبدءاً بالمعرفة الجلاليّة ثمّ الجماليّة ثمّ الكماليّة.
  ومن الاُصول معرفة الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام ، فمن عرفها حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر ، ألا إنّها سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها.
  فمن يعرفها ؟! وعلى معرفتها دارت القرون الاُولى ، وما تكاملت النبوّة لنبيّ حتى اُمر بفضلها ومحبّتها (1) .
  ومن الواضح أنّ المعرفة الكاملة والتامّة لا تكون إلاّ بعد الإحاطة بالشيء ، ومن يقدر على أن يحيط بفاطمة الزهراء عليها السلام إلاّ من كان خالقها ومن كان كفواً لها ، فلا يعرفها ويعرف أسرارها إلاّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ورسول الله محمد صلى الله عليه وآله ، فإنّ الخلق كلّهم حتّى الأنبياء والملائكة والحنّ والإنس فطموا وقطعوا عن كنه معرفتها والإحاطة بها ، فلا يعرفها حقّاً إلاّ الله ورسوله ووصيّه عليهما السلام .
  ففاطمة الزهراء وديعة المصطفى وحليلة المرتضى مظهر النفس الكلّية على أتمّ الوجوه الممكنة فهي الحوراء بتعيّن إنسي ، مطلع الأنوار البهيّة ، وضياء المشكاة النبويّة ، صندوق الأسرار الإلهيّة ، ورعاء المعارف الربّانيّة ، عصمة الله الكبرى ، وآية الله العظمى.
  لا ريب ولا شكّ أنّ فاطمة أحرزت مقام العصمة الإلهيّة الكبرى ، كما عليه الإجماع القطعي وذهب إليه الأعاظم من عباقرة العلم والمعرفة ، كالشيخ المفيد والسيّد المرتضى.
  كما تدلّ الآيات الكريمة والروايات الشريفة على ذلك ، يكفيك شاهداً آية التطهير ، وما أدراك ما آية التطهير ، فمن أنكر ذلك فهو كالأعمى الذي ينكر نور الشمس.
  والعصمة من اللطف الإلهي الخاصّ ويعني القوّة النوريّة الملكوتيّة الراسخة في نفس المعصوم عليه السلام ، تعصمه وتحفظه من كلّ شين ، كما تزيّنه بكلّ زين ، فيعصم من

---------------------------
(1) البحار 42 : 105 ، عن تفسير الفرات.

الاسرار الفاطمية _ 13 _

  الذنوب والمعاصي والآثام والسهو والنسيان والغفلة ، وما شابه ذلك ، ومن كان معصوماً في دهره لا يصدر منه الشين مطلقاً.
  وفاطمة الزهراء عليها السلام إنّها المعصومة بعصمة الله سبحانه ، كما عصم اولادها الأئمة الأطهار ، فإنّ عصمتهم كعصمة القرآن ، فهما الثقلان بعد رسول الله لنت يفترقا في كلّ شيء من البداية وحتّى النهاية ، ومنها العصمة.
معصومةٌ من وصمة الخطاءِ
ii      ii
مـفطومة  من زلل iiالأهواءِ
  فهذا من عقيدتنا الحقّة في الزهراء عليها السلام ، ولمّا كان الأذان والأقامة للصلوات اليوم إعلان وإعلام في بيان العقيدة ، ولمّا كانت الحياة عقيدة وجهاد ، فلا مانع ، بل من الراجح أن يعلن الشيعي المخلص عن عقائده الصحيحة في أذانه وإقامته للصلاة ، فيعلن للعالم في كلّ يوم إنّه يؤمن بتوحيد الله ، كما يؤمن برسول الله ونبوّته ، ويؤمن بولاية عليّ أمير المؤمنين حجّة الله ويؤمن بإمامته وإمامة أولاده الطاهرين ، كما يشهد بعصمة الزهراء وطهارتها ، أي في أذانه وإقامته ، يخبر عن معتقده في المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام ، فيقول في أذانه وإقامته بعد الشهادة الثالثة ، الشهادة الرابعة لا بقصد الجزئيّة ، فتقول فيها ما تقول في الشهادة الثالثة ، ولا أظنّ أن يخالفني في ذلك واحد من الفقهاء والعلماء إلاّ من يجهل المباني الفقهيّة ، وما جاء وراء الفقه من المعاني الدقيقة.
  فيجوز أن يقول المؤذّن والمقيم بعد الشهادة الثالثة : ( أشهد أنّ فاطمة الزهراء عصمة الله ) (1) مرّتان أو مرة واحدة أو يلحق ذلك بالشهادة الثالثة بعد قوله : ( أشهد أنّ عليّاً وليّ الله وأنّ فاطمة الزهراء عصمة الله ) ، فتدبّر.
  وممّا يدلّ على مقامها الشامخ وعصمتها الذاتيّة الكلّية كما في الأنبياء

---------------------------
(1) لقد سبقني في هذا المعنى والفتوى شيخنا الاُستاذ آية الله الشيخ حسن زاده الآملي دام ظلّه في ( حكمة عصمتيّة في كلمة فاطميّة : 14 ) قائلاً : كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ذات عصمة بلا دغدغة ووسوسة ، وقد نص ّ كبار العلماء كالمفيد والمرتضى وغيرهما بعصمتها عليها السلام بالآيات والروايات ، والحقّ معهم ، والمكابر محجوج ومفلوج ، وكانت عليها السلام جوهرة قدسيّة في تعيّن إنسيّ ، فهي إنسيّة حوراء ، وعصمة الله الكبرى ، وحقيقة العصمة ، إنّها قوّة نوريّة ملكوتيّة تعصم صاحبها عن كل ما يشينه من رجس الذنوب والادناس والسهو النسيان ونحوها من الرذائل النفسانيّة ... وإذا دريت أنّ بقيّة النبوّة وعقيلة الرسالة ووديعة المصطفى وزوجة وليّ الله وكلمة الله التامّة فاطمة عليها السلام ذات عصمة ، فلا بأس بأن تشهد في فصول الأذان والإقامة بعصمتها وتقول مثلا : ( أشهد أنّ فاطمة بنت رسول الله عصمة الله الكبرى ) ، ونحوها.

الاسرار الفاطمية _ 14 _

  والأوصياء عليهم السلام أنّ الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها ـ كما ورد مستفيضاً عند الفريقين السنّة والشيعة ـ فإنّ الله سبحانه لم يغضب لنبيّ من أنبيائه : ( وذا النون اذ ذهبا مُغاضِباً فَظَنَّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ).
  ولكن يغضب لغضب فاطمة عليها السلام.
  ثمّ لا تجد معصوماً تروّج بمعصومة إلاّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، ولولا عليّ لما كان لفاطمة كفوّ آدم ومن دونه ، فإنّ المعصومة لا يتزوّجها إلاّ المعصوم ، فإنّ الرجال قوّامون على النساء ، فلا يكون غير معصوم قوّاماً على المعصومة ، ومن خصائص أمير المؤمنين التي لا يشاركه فيها أحد حتّى رسول الله محمّد صلى الله عليه وآله هو زواجه من المعصومة فاطمة الزهراء عليها السلام ، وهو الزواج المبارك في عالمي التكوين والتشريع ، وإنّه من زواج النور من النور ، كما ورد في الأخبار ، فالمعصومة لا يتزوّجها إلاّ المعصوم عليها السلام.
  وفاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين في الدنيا والآخرة ، كما تشهد بذلك آية التطهير والمباهلة وحديث الكساء وأصحابه الخمسة المصطفى والمرتضى وابناهما وفاطمة عليهم السلام.
  وربّما قدّم المباهلة النساء والأبناء على الأنفس للإشارة إلى أنّ الأنفس فداها.
  ( فداها أبوها ).
  وإنّما يعرف هذا وأمثاله بالمعرفة المعنويّة الذوقيّة التي يحصل عليها العارف بالشهود والكشف بعد صيقلة الروح والقلب ، لا بالمعرفة المفهوميّة الاستدلاليّة من البرهان والكسب وحسب ، وليس العيان كالبيان.
  وما يسطّر القلم في معرفة فاطمة إلاّ وشحات من بحر معرفتها ، وإنّما عرفناها وعرفنا الأئمة الأطهار بما نطق به الثقلان القرآن وأهله ، وإلاّ فقد فطم الخلق عن كنه معرفتها ، فمن يعرفها ويعرف اسرارها ؟ وما يقال في هذا المضمار ليس إلاّ ما عند الكاتب ، لا ما عند المكتوب عنه ، فالاسرار الفاطميّة ليس إلاّ من سرّ الكاتب وسريرته لا من أسرارها وحقيقتها ، فإنّ حقيقة فاطمة عليها السلام حقيقة ليلة القدر ، حقيقة

الاسرار الفاطمية _ 15 _

  الكون وما فيه.
  والله سبحانه خلق عالم الملك ـ وهو عالم الناسوت ـ على وزان عالم الملكوت ـ وهو عالم الأرواح ـ ، والملكوت على وزان الجبروت ـ وهو عالم العقول ـ ، حتّى يستدلّ بالملك على الملكوت ، وبالملكوت على الجبروت.
  ثمّ بين العالم العلوي والعالم السفلي قوساً نزوليّاً وصعوديّاً ، وقد عبّر عن القوس النزولي في نزول فيض الله ورحمته على الكون بالليل والليالي ، كما عُبّر عن القوس الصعودي باليوم والايام.
  وعصمة الله فاطمة الزهراء عليها السلام كما عبّر عنها بليلة القدر ، كذلك هي يوم الله ، والإنسان الكامل هو القرآن الناطق ، ففي ليلة القدر نزل القرآن ، ونزل أحد عشر قرآناً ناطقاً في فاطمة الزهراء فهي الكوثر ، وهي الليلة المباركة ، وليلة القدر خيرٌ من ألف شهر ، أي ألف مؤمن ، فإنّها أُم الأئمة الأبرار واُمّ المؤمنين الأخيار ، والملائكة من المؤمنين الذين حملوا علوم آل محمد عليهم السلام وأسرارهم ، وروح القدس فاطمة يتنزّلون في ليلة القدر بإذن ربّهم من كلّ أمرٍ سلامٌ هي حتى مطلع الفجر قائم آل محمد عليه السلام (1) .
  وليلة القدر قلب الإنسان الكامل الذي هو عرش الرحمان ، وإنّه أوسع القلوب ، فروح الأمين في ليلة مباركة يتنزّل بالقرآن فينشرح صدره ، فليلة القدر الصدر النبويّ الوسيع ، ومثله يحمل القرآن العظيم دفعةً واحدةً في ليلةٍ واحدة ، ثمّ طيلة ثلاث وعشرين عاماً ينزل تدريجاً.
  فليلة القدر الذي حمل القرآن دفعة واحدة في معارفه وحقائقه ولطائفه هي فاطمة الزهراء عليها السلام ، وما من حرف في القرآن إلاّ وله سبعون ألف معنى ، وإنّ فاطمة عليها السلام لتعرف كلّ هذه المعاني فمن عرفها حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر ، فهي القلب اللامع الذي يتجلّى فيه الغيب الجامع.
  فهي درّة التوحيد وحقيقة القرآن المجيد ، بل وحقيقة النبوّة والإمامة ، وما يجمع بينهما وبين التوحيد ، أي حقيقة الولاية.

---------------------------
(1) إذا أردت تفصيل ذلك فراجع ( حكمة عصمتية في كلمة فاطميّة ).

الاسرار الفاطمية _ 16 _

  فمن يقدر على الإحاطة بمعرفة فاطمة الزهراء عليها السلام بما هي هي ، وبما تحمل في ذاتها وصفاتها من الأسرار وسرّ السرّ ، هيهات هيهات ، لا يعرفها حقيقة إلاّ مصوّرها وبارؤها وابوها وبعلها عليهما السلام ، ولمثلها يقوم خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله إجلالاً ويقبّل صدرها ويدها ، ويشمّ منها رائحة الجنّة ، ولا يخرج من المدينة حتّى يودّعها ولا يدخل حتّى يسلّم عليها أوّلاً.
  وليس كلّ هذا باعتبار العاطفة الأبويّة ، بل لما تحمل من الفضائل النبويّة والأسرار العلويّة.
  فمن هي ؟
  هي التي كانت مفروضة الطاعة على جميع الخلق من الجنّ والإنس والطير والوحوش.
  هي التي لا يذكر الله الحور العين في كتابه وفي سورة الدهر عندما يذكر منقبة من مناقبها إجلالاً وتكريماً وتعظيماً لها.
  هي الكوثر التي خصّها الله بالخلق النوري من بين النساء ، وبالمهدي من آل محمد صلى عليهم السلام ، وبالذرّية المباركة الطاهرة ، بالحسن والحسين و الأئمة المعصومين عليهم السلام.
  هي التي اشتقّ اسمها من اسم الله فكان فاطراً وكانت فاطمة ، وإنّها صاحبة السرّ المستودع ، ولها من المناقب والفضائل ما لايمكن للبشر أن يحصيها ، وإذا كانت ضربة عليّ عليه السلام يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين أو افضل ، فمن يقدر أن يعدّ عبادتهم ؟ وفاطمة كفو لعليّ عليهما السلام ، فلها ما لعليّ في كلّ شيء إلاّ الإمامة ، كما كان لعليّ ما لرسول الله إلاّ النبوّة.
  والمرأة إذا لم تكن نبيذة ، فإنّ لها أن تصل إلى مقام الولاية العظمى ، فتكون أفضل من الأنبياء كفاطمة الزهراء عليها السلام ، فهي حلقة وصل بين النبوّة والإمامة ، فهي نور المُهج وحجّة الحجج ...
  وهي بضعة المصطفى وبهجة قلبه ، من سرّها فقد سرّ رسول الله ، ومن آذاها فقد آذى رسول الله ، ومن آذى رسول الله فقد آذى الله ، ومن آذى الله ورسوله ، فعليه لعنة الله أبد الآبدين ، وكذلك لمن أغضبها وغضبت عليه ، فارجع إلى التأريخ لتعرف على

الاسرار الفاطمية _ 17 _

  من غضبت فاطمة ؟ وماتت وكانت واجدة عليهم ؟
  أصفاها الله وطهّرها تطهيراً ، فهي سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، وإنّها أوّل من تدخل الجنّة ، وتمرّ على الصراط ، ومعها سبعون ألف جارية من الحور العين.
  هي زينة العرش الإلهي كزوجها الوليّ والوصيّ ، وهي أعبد الناس ، حبّها ينفع في مئة موطن من المواطن ، أيسرها الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة ، ومن أحبّها فهو في الجنّة ، ومن أبغضها وآذاها فهو في النار.
  فالويل كلّ الويل لمن ظلمها وظلم بعلها وذرّيتها وشيعتها ، الويل كلّ الويل لمن غصب حقّها وكسر ضلعها وأسقط جنينها ولطم خدّها وأنكر فضلها ومناقبها ومثالب أعدائها.
  ثم لو تلونا وقرأنا زيارة الجامعة الكبيرة (1) الواردة بسند صحيح عن الإمام الهادي عليه السلام ، والتي تعدّ في مضامينها من أفضل وأعظم الزيارات ، لوجدنا أنّها تذكر وتبيّن شؤون الإمامة بصورة عامّة ، لنعرف الإمام المعصوم عليه السلام بمعرفة مشتركة لكلّ الأئمة الأطهار عليهم السلام ، فكلّ واحد منهم ينطبق عليه ما جاء في فقرات الزيارة ومفرداتها.
  إلاّ أنّ فاطمة الزهراء عليها السلام لا تزار بهذه الزيارة ، فلا يقال في شأنها أنّها موضع سرّ الله وخزانة علمه وعيبته ، فهذا كلّه من شؤون حجّة الله على الخلق ، وفاطمة الزهراء عليها السلام هي حجّة الله على حجج الله ، كما ورد عن الإمام العسكري عليه السلام : ( نحن حجج الله على الخلائق ، واُمّنا فاطمة حجّة الله علينا ).
  ولهذا يقول صاحب الزمان عجّل الله فرجه الشريف : ( ولي اُسوةٌ باُمّي فاطمة ).
  فالأئمة اُسوة الخلق وقادتهم ، وفاطمة اُسوة الأئمة عليهم السلام .
  إنّها عليها السلام تساوي أبيها في خلقه النوري ، وقال في حقّها : ( فاطمة روحي التي بين جنبيّ ).
  وربما الجنبان إشارة إلى جنب العلم وجنب العمل ، فهي تحمل روح النبيّ بعلمه

---------------------------
(1) وردت في مفاتيح الجنان ، في قسم الزيارات ، فراجع.

الاسرار الفاطمية _ 18 _

  وعمله ، وكلّ كمالاته العلميّة والعمليّة إلاّ النبوّة ، فهي الأحمد الثاني ، وهي روحه التي بين جنبيه.
  ويحتمل أن يكون إشارة الجنبين إلى النبوّة المطلقة والولاية العامّة ، فقد ورد في الخبر النبويّ الشريف : ( ظاهري النبوّة ، وباطني الولاية ).
  مطلقاً التكوينية والتشريعية على كلّ العوالم العلوية والسفلية ، السماوية والأرضية ، كما ورد : ( ظاهري النبوذة ، وباطني غيبٌ لا يدرك ).
  وأنفسنا في آية المباهلة تجلّت وظهرت وكان مصداقها الخارجي أمير المؤمنين عليّ عليه السلام فالزهراء عليها السلام يعني رسول الله وأمير المؤمنين ، فهي مظهر النبوّة والولاية ، وهي مجمع النورين : النور المحمّدي والنور العلويّ ، وكما ورد في تمثيل نور الله في سورة النور وآيته : ( اللهُ نورُ السَّماوات وَالأرضِ مَثَلُ نورِهِ كَمِشْكاةٍ ).
  بأنّه كالمشكاة ، وورد في تفسيرها وتأويلها أنّ المشكاة فاطمة ، وفي هذا المشكاة نور رسول الله وأمير المؤمنين عليهما السلام ، ثمّ نور على نور وإمام بعد إمام ، يهدي الله لنوره من يشاء.
  فالنبوّة والإمامة في وجودها النوري ، وهذا من معاني ( السرّ المستودع فيها ) (1) ، فهي تحمل أسرار النبوّة والإمامة ، كما تحمل أسرار الكون وما فيه ، تحمل أسرار الأئمة الأطهار وعلومهم ، تحمل أسرار الخلقة وفلسفة الحياة ، ولولا مثل هذا المعلول المقدّس لما خلق الله النبيّ والوصيّ كما ورد في الحديث الشريف المعراجي : ( يا أحمد ، لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا عليّ لما خلقتك ، ولو لا فاطمة لما خلقتكما ).

---------------------------
(1) كما من معانيه سيّدنا محسن الشهيد بقرينة ( وبنيها ) ، كما جاء في الدعاء : ( اللهمّ إنّي أسألك بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها ) ، فكان المراد من البنين الحسن والحسين لولادتهما وظهورهما في الدعاء ، والسرّ المستودع سيّدنا المحسن الشهيد عليه السلام الذي سقط بين الباب والجدار. وليت الكاتب الجليل أشاره إلى هذا المعنى في فصل بيان أسرار الدعاء.

الاسرار الفاطمية _ 19 _

  ولا فرق بين الأحد والأحمد إلاّ ميم الممكنات التي غرق فيها كلّ شيء ... والاُمّ تحمل جنينها وولدها ، وفاطمة اُمّ أبيها ، فهي تحمل النبيّ في أسرار نبوّته وودائعها ، كما تحمل أسرار الممكنات في جواهرها وأعراضها ، وبنورها الزاهر ازدهرت السماوات والأرض ، فالله الفاطر فطر الخلائق بفاطمة الزهراء وبنورها الأزهر ... ولمثل هذه الخصائق القدسيّة كان النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله يقول : فداها أبوها.
زيـتونة  عـمّ الـورى iiبركاتها
ii      ii
مـشكاة نـور الله جـلّ iiجـلاله
لـمّـا تـنزّلت أكـثر iiكـثراتها
ii      ii
هـي  قطب دائرة الوجود ونقطة
هي عنصر التوحيد في عرصاتها
ii      ii
هي  أحمد الثاني وأحمد iiعصرها
ومـن  لـها وجـه كوجه iiالقمرِ
ii      ii
فـاطـمةً خـيرَ نـساء iiالـبشر
بـفضل  مـن خصّ بآيّ iiالزمرِ
ii      ii
فـضّلك  الله عـلى كـلّ الورى
أعـني عليّاً خير من في iiالحضرِ
ii      ii
زوّجــك  الله فـتـىً iiفـاضلاً
  وأخيراً عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال ( فاطمة بهجة قلبي ، وابناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والأئمة من ولدها اُمناء ربّي ، وحبله الممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم به نجا ، ومن تخلّف عنه هوى ) (1) .
  هذا وقد غمرتني الفرحة والبهجة عندما لمست أناملي الداثرة ما خطّه يراع فضيلة مروّج الأحكام حجّة الأسلام الكاتب المعتمد المؤلف السند الخطيب الكامل الشيخ محمد فاضل المسعودي دام وفّقاً.
  وقد أبدع سماحته في سفره هذا القيّم ( الأسرار الفاطميّة ) ، وملأ فراغاً في المكتبة الإسلامية العربية ، من معرفة نورانية حول السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام ، بقلم سلس وبيان جميل ، وتصوير رائع ، وقد حاول أن يؤدّي ما هو الحقّ في كلّ فصل من فصوله ، فللّه درّه وعليه أجره وكثّر الله من أمثاله.

---------------------------
(1) فرائد السمطين 2 : 66.

الاسرار الفاطمية _ 20 _

  كان سماحته يحضر عندي كفاية الاُصول وأبحاثنا الفقهيّة ـ خارج الفقه ( الاجتهاد والتقليد ) ـ ولا يزال بحمد الله يحضر حضور تفهّم واستيعاب في جمع من طلبة العلوم الإسلامية في حوزة قم العلمية من جاليات مختلفة.
  وقد سألت الله في سنين من حياتي في ليالي القدر أن يوفّق جميع أهل العلم ، لا سيّما أولئك الذي حضروا عندي دروسهم الحوزوية ، أن يوفّقهم لخدمة الدين والمذهب في كلّ المجالات العلمية والعملية ، بأقلامهم وألسنتهم ، بالتأليف والتصنيف والتدريس والتبليغ والخطابة والإمامة في المحاريب ، وغير ذلك من المسؤوليات الدينية والاجتماعية الملقاة على عاتق علماء الدين ورجال العلم ، أعزّهم الله في الدارين.
  وأرى اليوم مرّةً اُخرى قد أثمرت الجهود ، ولم تذهب الأنعاب ضياعاً ، بل بين حين وحين تؤتي الشجرة الطيّبة اُكلُها ، بل الحوزة المباركة هي البركة والخير المستمرّ والمستقرّ ، وإنّها الكوثر العذب والمنهل الصافي والينبوع المتدفّق ... والشيخ الكاتب قد أجاد في هذا الكتاب الرائع بتعريف جملة من أسرار سيّدة النساء فاطمة الزهراء علهيا السلام ، وما أروع ما كتب وما أجمل ما اختار ، لاسيّما وهذه الهجمات المدسوسة بين حين وحين تتغلغل في صفوفنا ، من قبل الاستعمار والاستكبار العالمي ، ضدّ مقامات أهل البيت عليهم السلام ، وفاطمة الزهراء عليها السلام ، والعجب أنّها تصدر تارةً من أبناء المذهب ، وممّن ينتسب إلى الذرّية الطاهرة !! ليفرّق بيننا ويمزّقنا كي يسود علنيا وينهب خيرات بلادنا ومآرب اُخرى.
  ألا أنّهم أرادوا أن يطفئوا نور الله ، والله متمّ نوره ولو كره المشركون والكافرون ، وإنّه يؤيّد دينه برجال تطفح من أقلامهم الإسلامية عبقات الولاء والإخلاص ، ويتدفّق منها المودّة الخالصّة في قربى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله.
  أسأل الله سبحانه أن يسدّد خطاهم ، ويبارك لهم في حياتهم العلمية والعملية ، ويوفّقهم لما فيه من الخير من طلب العلم النافع والعمل الصالح وخدمة الدين ونشر معارف الإسلام وحقائق المذهب الناصعة.
  عهدي إليهم أن لا أنساهم من الدعاء وأملي بهم أن لا ينسوني من صالح دعواتهم الطيبة.

الاسرار الفاطمية _ 21 _

  بطوبى لك يا قرّة العين بما كتبت يراعك المباركة ، وستلقى الأجر من اُمّنا فاطمة الزهراء عليها السلام ، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون ، إلاّ من أتى الله بقلبٍ سليم ، والسلام عليك وعلى أعزّائي طلاّب العلوم الدينية ورجال العلم والفضيلة ، وعلى كلّ مؤمن ومؤمنة ، ودمتم بخير وسعادة ، وتقبّلوا تحيّات (1) .
  العبد عادل العلوي قم المقدّسة ـ الحوزة العلميّة

---------------------------
(1) سماحة آية الله العلاّمة الأستاذ السيّد عاجل العلوي.
ولد في مدينة الكاظميّة المقدّسة بين الطلوعين في السادس من شهر رمضان المبارك عام 1955 م ـ 1375هـ ويتصل نسبه بـ ( 38 ) واسطة إلى مولانا الإمام علي بن الحسين ( زين العابدين عليه السلام ).
والده العلاّمة آية الله السيد علي بن الحسين العلوي ، من علماء الكاظميّة والنجف وبغداد ، تلقّى دروسه في العراق على يد والده المرحوم وعلى غيره ، وفي قم المقدّسة على يد كبار المراجع العظام والعلماء الأجلاء أمثال السيّد المرعشي النجفي قدس سره والسيّد محمد رضا الكلبايكاني قد سره والشيخ محمد فاضل اللنكراني ( دام ظله ) والشيخ جواد التبريزي ( دام ظله ) وغيرهم.
يُعد اليوم من المدرسين الكبار في حوزة قم المقدّسة ، يقوم بتدريس الكفاية إضافة إلىدروسه في خارج الفقه وكذلك المكاسب والفلسفة والكلام ، مضافاً إلى محاضرات في التفسير والأخلاق ، وكتب رسالته ( زبدة الأفكار في نجاسة أو طهارة أهل الكتاب ) التي نال عليها درجة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية ، مضافاً إلى شهادات الاعلام باجتهاده في الفقه والأصول ، وقد اشتهر بكثرة تأليفاته المتنوعة ، فهو يسعى إلى تأسيس موسوعة إسلاميّة بقلمه الشريف في شتّى العلوم والفنون تقع في ( 120 ) كتاب ورسالة ، وقد طبع منها ( 64 ) كتاب ورسالة ، فضلاً عن المقالات ، هذا وقد عُرف بخدماته الثقافية والإجتماعيّة ، مثل تأسيس مستوصف الإمام السجاد الخيري والمؤسسة الإسلاميّة العامّة للتبليغ والإرشاد ، وجماعه العلماء والخطباء في الكاظمية وبغداد ، ومكتبات عامّة ، وحسينيّات كحسينيّة الإمامين الجوادين عليها السلام في مشهد الإمام الرضا عليه السلام ، ولقد أجازه في الرواية ما يقرب عن عشرين من مشايخ الرواية كالآيات العظام : السيد المرعشي النجفي قدس سره والسيد الكلبايكاني قدس سره والشيخ الاراكي قدس سره والشيخ اللنكراني ( حفظه الله ) والسيد عبدالله الشيرازي ( حفظه الله ) والسيد محمد الشاهرودي ( حفظه الله ) وغيرهم.

الاسرار الفاطمية _ 22 _

المقدمة
بسمه تعالى

  الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين ، اللهم صلِّ على الصديقة فاطمة الزكية حبيبة حبيبك ونبيك وأمُّ احبائك وأصفيائك التي انتجبتها وفضلتها واخترتها على نساء العالمين ، اللهم كُن الطالب لها ممن ظلمها واستخف بحقها وكن الثائر اللهم بدم اولادها اللهم كما جعلتها أمُّ أئمة الهدى وحليلة صاحب اللواء والكريمة عند الملاء الأعلى فصلِّ عليها وعلى امها صلاة تكرم بها وجه أبيها محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتقر بها اعين ذريتها وأبلغهم عني في هذه الساعة وفي كل ساعة افضل التحية والسلام واردد علي منهم السلام انك جواد كريم.
  وبعد فانه لا يخفى على المتتبع لسيرة وحياة أهل البيت عليهم السلام انه قد كُتِبَت فيهم الكثير من الكتب وبالخصوص في شخصية فاطمة عليها السلام ومعرفتها حيث دارت في مجمل بحوثها على طريقة السرد التأريخي او المقارنة الموضعية ـ بين حياتها سلام الله عليها وبين باقي النساء المؤمنات اللآتي ذكرهن القرآن الكريم ـ أو على طريقة الاستنتاج والتحليل الواقعي والموضوعي لجميع مواقفها الاسلامية التي اتخذتها خلال مسيرتها الحياتية والتي كانت مليئة بالدروس والعبر والعظات الإنسانية البليغة.
  على أن هذا الكتاب الذي بين يديك أيها القاريء الكريم قد جاء ليمثل مجموعة السبل التي لابد من الكتاب أو المؤلف أن يجمعها ويصبها في قالب حسن وهو يعرض شخصية مثل شخصية الصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام ، حيث فيه الأسرار الغمضة التي جاءت على شكل عناوين لبعض هذه البحوث مثل : حقيقة السر المستودع ، أصل يوم العذاب ، فاطمة حجة الله الكبرى ، وأيضا فيه المقارنة الموضوعية ، والإستنتاج العلمي ، والتحليل المثمر ، وكما سيظهر لك من خلال قراءة هذه البحوث والمحاضرات.

الاسرار الفاطمية _ 24 _

  على أنني أُنبه القاريء العزيز أنني قد وضعت في الكتاب بعض المواضيع التي ذكرتها بعض الكتب من باب اتمام الفائدة في الكتاب على امل ان يكون شاملاً لكثير من القضايا الحساسة والعقائدية في حياة فاطمة سلام الله عليها ، وليرجع اليها الكاتب والخطيب والباحث حين تعوزه المصادر والكتب ، وقد توجت كل بحث في بدايته بقصيدة شعرية في حياة فاطمة عليها السلام لتكون محطات ادبية فاطمية يستفيد منها القاريء اثناء ترحاله من بحث إلى آخر ، لذا جاء هذا الكتاب ليمثل مصباحاً جديداً في معرفة فاطمة عليها السلام انشاء الله راجياً أن أكون قد أديت بعض الحق الذي عليّ في توضيح بعض القضايا العقائدية في شخصيتها الاسلامية الفذة ، والحمد لله رب العالمين.
  محمد فاضل المسعودي قم المقدسة
18 ذي الحجة ـ عيد الغدير المبارك (1) 1419

---------------------------
(1) من اللطائف الجميلة والصدف الحميدة التي شاهدناها خلال الإنتهاء من العمل في هذا الكتاب المبارك إن شاء الله تعالى ، أننا تفألنا بالقرآن الكريم في يوم الإنتهاء من وضع اللمسات الأخيرة عليه وذلك يوم الغدير الإفعم ، فخرجت لنا الآية المباركة المختصّة بيوم الغدير ويوم تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام بالولاية العظمى ، وهي قوله تعالى : ( يا أيها الرسول بلغ ما اُنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ).

الاسرار الفاطمية _ 25 _

التمهيد
  ( اللهم أني أسألك بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ... )
  قبل الدخول في مضامين هذا الدعاء لابد من الإشارة إلى عدة أسئلة مهمة تتعلق بسند هذا الحديث ، وهل ورد فيه سند ؟ وفي أي كتاب مذكور ؟ وهل جاء هذا الحديث على لسان المعصوم أم لا ؟
  كل هذه الأسئلة لابد من الإجابة عليها قبل الدخول في صميم هذا البحث ، فنقول : أن هذا الحديث لم نرَ له سنداً في أي كتاب من الكتب المتداولة ولم يروَّ عن أي معصوم من أهل بيت العصمة ، ولكن وجدناه مكتوباً في كتاب فاطمة بهجة قلب المصطفى تحت عنوان ( دعاء التوسل بها عليها السلام ) حيث رواه مؤلف الكتاب الشيخ الهمداني بقوله : سمعت شيخي ومعتمدي أية الله المرحوم ملاّ عليّ المعصومي يقول في التوسل بالزهراء عليها السلام ( الهي بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ... (1) ).
  وأيضاً وجدنا هذا الدعاء ضمن الوصايا المهمة التي أوصى بها آية الله المرعشي النجفي أبناءه بالمداومة على قراءته وبالخصوص ابنه الكبير حيث يقول : ( وأوصيه ـ أي ابنه الأكبر ـ بمداومة قراءة هذا الدعاء الشريف في قنوتات فرائضه ... اللهم أني أسألك بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي ما أنت أهله ولا تفعل بي ما أنا أهله ... ) (2) .

---------------------------
(1) فاطمة بهجة قلب المصطفى 252.
(2) قبسات من حياة سيّدنا الأستاذ المرعشي النجفي رحمه الله : ص 124.
ولقد ذكر مؤلّف هذا الكتاب السيد العلوي : إنّ هذا الدعاء قد تلقّاه السيد المرعشي في ضمن الوصايا المهمة التي أعطاها الإمام المهدي ( عج ) للسيّد المرعشي في إحدى تشرفاته بلقاء الإمام ( عج ).

الاسرار الفاطمية _ 26 _

  بما أعظمه من دعاء بحيث يذكره السيد المرعشي النجفي رحمه الله في ضمن وصاياه المهمة التي أوصى بها ، وأي فضيلة لهذا الدعاء والتوسل بحق الزهراء عليها السلام كي يَكونَ من أهم الأدعية في قنوتات فرائض السيد المرعشي رحمه الله.
  لابد له من كرامة عظيمة وأهمية جليلة بحيث لا يترك من الوقوف معه والإستضاءة من نوره وبيان مضامينهُ وتجليت حقائقه لكي نعرف فاطمة حتى معرفتها وعلى القدر المتيسر منه.
  وهذا الحديث وان لم يكتب له سند في كتب الحديث ، ولكن جاء مضمونه مطابقاً لكثير من الروايات الشريفه المأثورة في حق الصديقة الكبرى فاطمة عليها السلام ، وعلى مضمونه وحقائقه توجد أدلة وشواهد تؤكد حقيقته وان لم يرد في كتب الأدعية ، ولكن يكفي في نقله على ما استفدناه من الكتابين المذكورين اللذين ذكرا هذا الدعاء ، ومن باب التسامح في أدلّة السنن يهون الخطب في سنده ، وعلى ضوء ما تفهمه من هذا الدعاء سوف يكون حديثنا حوله في بحثين :
  البحث الأول : التوسل والإستغاثه بالزهراء عليها السلام .
  البحث الثاني : حقيقة السر المستودع في فاطمة عليها السلام .

الاسرار الفاطمية _ 27 _

البحث الأول : حقيقة التوسل والإستغاثة بالزهراء عليها السلام

الاسرار الفاطمية _ 29 _

التوسل بفاطمة عليها السلام
  
للخطيب الشيخ محسن الفاضلي

لـتلهمني  حـتى أقـولَ بـها iiشِـعرا
ii      ii
تـوسَّلت بـالحوراء فـاطمةَ iiالـزّهرا
فـأبـديتُ  لـلمعبودِ خـالقي iiالـشّكرا
ii      ii
فـجاء  بـحمدِ الله مـا كـنت iiأبـتغي
وأمُّ  أبـيها هـل تـرى مـثلَه iiفـخرا
ii      ii
أجـل هي روح المصطفى كُفءُ iiحيدرٍ
جــلالاً  كـمالاً عـفّةً شـرفاً iiقـدرا
ii      ii
أول  الـمثلِ الأعـلى بـكلَّ iiخـصالها
فـمن بـالثّنا مـنها ألا قُـلْ لَنا iiأحرى
ii      ii
حـوت  مَـكوُماتٍ قـطُّ لم يحو غيرُها
بـحقًّ  كـما وهي الشفيعةُ في iiالأخرى
ii      ii
وسـيـلـتُنا والله خــيـرُ وسـيـلةٍ
عـليها  قـسى ظـلماً وروّعها iiعصْرا
ii      ii
أيــا قـاتَلَ اللهُ الـذي راعـها iiوقـد
وأسـقطها  ذاكَ الـجنينَ عـلى iiالغبرا
ii      ii
وســوّد مـتـنيها وأحــرقَ iiبـابَها
وتَـسلو  وقـد أمـست ومـقلتُها حمرا
ii      ii
أيـا  مَـن تـواليها أتـنسى iiمُـصابَها
بـأن يـذهبوا بـالمرتضى بعلِها iiقَسرا
ii      ii
من الضّربِ ضرِب الرّجس يومِ تمانعت
بـفقدِ  أبـيها وهـي والـهفتا عَـبرى
ii      ii
وعـادت  تـعاني هـظمَها iiومـصابَها
عـن  أحـوالها واللهُ مـن كـلّنا أدرى
ii      ii
الـى أن قـضت روحي فداها ولا تَسل

الاسرار الفاطمية _ 31 _

البحث الأوّل : حقيقة التوسل والاستغاثة بالزهراء عليها السلام
  منذ أن خلق الله البشرية وبالتحديد منذ أن خلق أدم وحواء جعل لهم وسيلة يتوسلون بها إليه لقضاء حوائجهم خصوصا أن ابينا آدم عليه السلام عندما أذنب بترك الأولى قد توسّل إلى الله تعالى بغفران ذنبه ( تركه الاولى ) وكان من جملة ما توسل به الكلمات التي تلقاها من الله تعالى وتاب بها عليه تبارك وتعالى ولقد فسرت هذه الكلمات بأصحاب الكساء الخمسة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين كما جاء ذلك في تفسير قوله تعالى ( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنّهُ هو التواب الرحيم ) (1) ، إن آدم رأى مكتوباً على العرش أسماء معظمة مكرمة ، فسأل عنها فقيل له : هذه أسماء أجل الخلق منزلة عند الله تعالى والأسماء هي : محمد وعلي وفاطمة والحسين عليهم السلام فتوسل آدم عليه السلام إلى ربه بهم في قبول توبته ورفع منزلته.
ونـثجي فـي بطن سفينة iiنُوحُ
ii      ii
بـه  قـد أجاب الله آدم إذ iiدعا
وهُمُ الوسيلة والنجوم الطُلّع (2)
ii      ii
قـومُ  بـهم غفرت خطيئة iiآدم
  وعلى هذا الأساس كان التوسل بأولياء الله وأحبائه من الأمور المتعارفة والمتسالمة عليها عند المسلمين بل يتعدى ذلك إلى غير المسلمين فنحن نجد ان الكثير من الديانات الأخرى غير الأسلامية تتوسل بشيء ما للتقرب إلى الله تعالى أو إلى الآلهة التي يعتقدون بها وهذا ما وجدنا في مشركي قريش حيث كانوا يعبدون اللات والعزى ليقربونهم إلى الله زلفى وكما صرح بذلك القرآن الكريم في بعض آياته ، وعلى كل حال فقد وردت عدة آيات قرآنية تؤكد هذه المسألة في القرآن الكريم منها قوله تعالى :

---------------------------
(1) البقرة : 37.
(2) البرهان : 1 | 86 ، مجمع البيان 1 | 89.

الاسرار الفاطمية _ 32 _

  ( وابتغوا إليه الوسيلة ) (1) ، حيث كان القرآن موافقاً في هذه المسألة لعقلاء أنفسهم وهذا ما نجده في طلب حوائجهم من الذين هم في موضع القيادة أو المسؤولية فيسألونهم قضاء حوائجهم وهم أما زعيم أو رئيس أو حتى رجل كريم ... وهذا ليس من الشرك في شيء ، فهذا مما يساعد عليه العرف العقلائي فنحن عندما نذهب إلى الطبيب نلتمس لديه الشفاء والعلاج وصولاً إلى الصحة والسلامة ، وما الطبيب الحقيقي إلاّ الله تعالى فهل هذا يعتبر شركاً بالله عز وجل ؟ ويدل على هذا الأمر ماروي في قصة أبناء يعقوب على لسان القرآن الكريم عندما أدركوا انهم قد ارتكبوا ذنوباً كثيرة بحق أخيهم يوسف حيث جاءوا أباهم يعقوب قائلين : ( يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنِّا كنِّا خاطئين ) (2) على أساس أن أباهم هو وسيلة الغفران لهم من قبل رب العالمين ( وابتغوا إليه الوسيلة ).
  وعلى هذا الأساس كان التوسل أمراً دينياً قد تعارف عليه الناس منذ أن خلق الله البشرية وقد جاء الأسلام ليؤكد على ضرورة هذا الأمر وذلك من خلال إتخاذ الوسيلة التي نتوسل بها إلى الله تعالى ، ولم نجد من وقف ضد هذا الأمر ـ أي التوسل ـ إلاّ ما أسسه ابن تيمية وتلاميذه في القرن الثامن الهجري ، وتلاه في عقائده الباطلة والتي لا تتملك دليل منطقي برهاني محمد بن عبد الوهاب الذي أسس أضل واطغى جماعة على الدين الأسلامي ألا وهي الوهابية العمياء فأعتبر التوسل بأولياء الله تعالى من الأنبياء والأوصياء وعباد الله الصالحين بدعة ـ تارة ـ وعبادة للأولياء أنفسهم تارة أخرى.
  وقد خالفت الوهابية كل المرتكزات العقلائية في هذا المضمار وخصوصاً نحن نؤمن بأن القرآن الكريم قد أكد على حقيقة اتخاذ الوسيلة وبأشكال متعددة ، وليس هذا على ما يدعيه محمد بن عبد الوهاب نوعاً من أنواع الشرك بالله تعالى ، والقرآن الكريم نفسه أكد على ضرورة اتخاذ الوسيلة إلى الله تعالى.
  والتوسل يكون على قسمين أو صورتين :

---------------------------
(1) المائدة : 25.
(2) يوسف : 97.

الاسرار الفاطمية _ 33 _

  1 ـ التوسل بالأولياء أنفسهم ، كأن نقول : ( اللهم أني أتوسل إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن تقضي حاجتي ).
  2 ـ التوسل بمنزلة الأولياء وجاههم عند الله تعالى كأن نقول ( اللهم أني أتوسل إليك بجاه محمد وحرمته وحقه أن تقضي حاجتي ).
  أما الوهابية فإنهم يُحرمون الصورتين معاً ، في حين أن الأحاديث الشريفة وسيرة المسلمين تشهدان بخلاف ما تدعيه الوهابية وتؤكدان جواز الصورتين معاً (1) .
  فلقد جاء الحديث الشريف عن عثمان بن حنيف ليؤكد على هذه الحقيقة حقيقة جواز التوسل بأولياء الله تعالى حيث يقول : ( إن رجلاً ضريراً أتى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : أُدُع الله يعافيني ).
  فقال صلى الله عليه وآله وسلم : إن شئتَ دعوت ، وأن شئت صبرت وهو خير ؟ فقال : فادعُه ـ فأمره ـ ان يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين ويدعوا بهذا الدعاء : اللهم أني اسئلك واتوجّه إليك بنبيك نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك إلى الله في حاجتي لتقضى ! ، اللهم شفعه فيَّ.
  قال ابن حنيف : فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا كأن لم يكن به ضرّ.
  ويعتبر هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة السند وقد أثبتته كتب العامة قبل الخاصة حتى ابن تيمية نفسه اعتبر ناقل هذا الحديث ثقة (2) .
  أن هذا الحديث من خلال التأمل الدقيق في ألفاظه يظهر معناه واضحاً جلياً.
  حيث دل على ان الإنسان له أن يتوسل إلى الله تعالى بالذين جعلهم أدلاء على مرضاته وسبل نجاته ألا وهم الأنبياء وأفضلهم وأحسنهم خاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته ، والتوسل يكون بجرمتهم وكرامتهم وحقهم على الله تعالى.
  أما التوسل بالأنبياء وبحقهم فهذا ما جاء على لسان الحديث المروي في وفاة فاطمة أُمّ أمير المؤمنين حيث يقول الحديث ( لما ماتت فاطمة بنت أسد دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجلس عند رأسها

---------------------------
(1) الوهابية في الميزان : 163.
(2) سنن ابن ماجة : 1 | 441 ، الوهابية في الميزان 164.

الاسرار الفاطمية _ 34 _

  فقال : رحمك الله يا أمي بعد أمّي ثم دعا رسول الله أسامَة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلاماً أسود يحفرون ، فحفروا قبرها ، فلما بلغوا اللحد حفر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده وأخرج ترابه فلما فرغ دخل رسول الله فاضطجع فيه ، ثم قال : والله الذي يُحي ويميت وهو حيُّ لا يموت إغفر لأمي فاطمة بنت أسد ، ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي (1) .
  أما ما ورد في التوسل بالنبي نفسه ، فقد روى جمع من المحدثين ان اعرابياً دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : ( لقد أتيناك ومالنا بعيرٌ يئط ـ أي مثل صوت البعير ـ ولا صبي يغط ـ وهو صوت النائم ) ـ ثم أنشأ يقول :
وقـد  شغلت أم الصبيّ عن iiالطفلِ
ii      ii
أتـيناك والـعذراء تـدمى iiلـبانُها
سوى الحنظل العامي والعلهز الفسْلِ
ii      ii
ولا شـيء مـما يأكل الناس iiعندنا
وأيـن فـرارُ الناس إلا إلى الرسلِ
ii      ii
ولـيـس  لـنا إلا إلـيك iiفـرارُنا
  فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يَجُر رداءه ، حتى صعد المنبر فرفع يديه وقال : اللهم اسقنا غيثاً ... فما ردا النبي حتى ألقت السماء ... ثم قال : لله دَرُّ أبي طالب لو كان حياً لقرت عيناه من ينشدنا قولَهُ ؟
  فقام علي بن أبي طالب عليهما السلام وقال : كأنك تريدُ يا رسول الله ـ قَولَهُ :
ثِمال  اليتامى عصمَةُّ iiللأراملِ
ii      ii
وأبيض يُستسقى الغمامُ iiبوجهه
فـهم  عنده في نعمةٍ وفواضل
ii      ii
يطوف به الُهلاك من آل هاشم
  فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أجل فانشد علي عليه السلام أبياتاً من القصيدة ، والرسول يستغفر لأبي طالب على المنبر ، ثُم قام رجل من كنانة وأنشد يقول :
سقينا بوجه النبي المَطَر (2)
ii      ii
لك  الحمد والحمد ممن iiشكر
  ولنعم ما قال سواد بن قارب في القصيدة التي يتوسل بها بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم
وانـك  مأمون على كل iiغائب
ii      ii
وأشـهد أن الله لا ربًّ iiغـيرُه
إلى الله يابن الأكرمين الاطائب
ii      ii
وانـك أدنـى المرسلين وسيلة

---------------------------
(1) كشف الأرتياب : 312 ، حلية الأولياء : 121 ، وفاء الوفا 3 : 899
(2) شرح نهج البلاغة 15 | 80 ، السيرة الحلبية : 3 | 263.