رملة بنت عبدالله بن خلف أخت طلحة الطلحات
   وقد شبب بها عمر بن أبي ربيعة في شعر مذكور في الأغاني فليراجع (1) .

عاتكة بنت معاوية بن أبي سفيان
   وقد شبب بها أبو دهبل الجمحي ، حيث جاءت للحج فنزلت بذي طوى من مكة ، وقد اشتد الحر فأمرت جواريها فرفعن الستر ، فمر أبو دهبل فرأها وهي لا تعلم ، فما رأته ينظر إليها غضبت وشتمته وأمرت بارخاء الستر ، فقال أبو دهبل في ذلك :
إنــي دعاني الحين فاقتادني
يا حسـنه إذ سـبني iiمـدبرا

حتى رأيت الـظـبي iiبالباب
مسـتتـرا  عـني iiبـجلباب
   وأنشد أبو دهبل هذه الأبيات لبعض إخوانه ، فشاعت وغنى بها المغنون ، فبلغت عاتكة ، فبعثت إليه بكسوة وجرت الرسل بينهما ، فلما صدرت عن مكة خرج معها إلى الشام ، فلما دخلت دمشق « جيرون » انقطعت عن لقائه في دمشق ، فنظم في ذلك قصيدة مطلعها :
طـال ليلي وبت iiكالمحزونومللت الثواء في جيرون (2)
---------------------------
(1) الأغاني 1 : 218 و 221 .
(2) تاريخ آداب اللغة العربية 284 : 1 .

عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 59 _

رملة بنت معاوية بن أبي سفيان
شبب عبد الرحمن بن حسان برملة بنت معاوية ، فقال :
رمل هل تذكرين يـوم iiغـزال
إذ  تقولين عمـرك الله هل iiشي
أم هل أطـمعت منكم بابن iiحسا


إذ قـطـعنا مسـيرنا iiبـالتمني
ء وإن جـل سوف يسليك iiعني
ن كما قد أراك أطمعت مني (1)
عاتكة بنت عبدالله بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان
   قال الاصفهاني : عاتكة التي يشبب بها الأحوص ، عاتكة بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية (2) .

زينب بنت عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام
   كان ابن رهيمة يشبب بها ، ويغني يونس بشعره فافتضحت بذلك ، فاستعدى عليه أخوها هشام بن عبد الملك فأمر بضربه خمسمئة سوط ، وأن يباح دمه إن وجد قد عاد لذكرها ، وأن يفعل ذلك بكل من غنى في شيء من شعره ، فهرب هو ويونس (3) .

زينب بنت يوسف بن الحكم أخت الحجاج بن يوسف الثقفي
   شبب ابن نمير الثقفي بزينب بنت يوسف بن الحكم ، فكان الحجاج يتهدده ويقول : لولا أن يقول قائل صدق لقطعت لسانه ، فهرب إلى اليمن (4) .

---------------------------
(1) الأغاني 103 : 15 .
(2) الأغاني 112 : 21 .
(3) الأغاني 397 : 4 .
(4) الأغاني 209 : 6 .

عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 60 _

سعدى بنت عبد الرحمن بن عوف
شبب بها عمر بن أبي ربيعة فقال :
قـالـت سـعيدة والدموع iiذوارف
لـيت  المـغـيري الذي لم iiأجزه
كـانت  تـرد لنا المـنى iiأيـامنا
أسـعـيد  ما ماء الفـرات وطيبه
بـألـذ مـنك وإن نـأيت وقلـما




مـنها  علـى الخدين iiوالجـلباب
فـيما  أطـال تصيدي iiوطـلابي
إذ لا نـلام عـلى هوى iiوتصابي
مـني على ظـمأ وحـب iiشراب
يرعـى النساء أمانـة الغياب (1)
هند بنت كنانة بن عبد الرحمن بن نضلة بن صفوان بن أمية
   كان ابن محرز أحسن الناس غناء ، فمر بهند بنت كنانة ، فسألته أن يجلس لها ولصواحب لها ، ففعل وقال : أغنيكن صوتا أمرني الحارث بن خالد بن العاص أن أغنيه . . . (2) .

سعدى بنت سعيد بن عمرو بن عثمان
   كان الوليد بن يزيد بن عبد الملك يتعشق سعدى بنت سعيد بن عمرو ابن عثمان فقال فيها :
أسـعـدى مـا إلـيك لنـا سـبيل
بـلـى ولعـل دهـرا أن iiيؤاتـي

ولا حـتـى القـيامة مـن iiتـلاق
بموت مـن حلـيلك أو فـراق (2)
   كما أن الوليد بن يزيد كان يتعشق سلمى بنت سعيد بن عمرو بن عثمان كذلك ، فقال فيها :

---------------------------
(1) الأغاني 161 : 17 و 162 .
(2) الأغاني 366 : 1 ، وراجع أيضا 372 : 3 .
(3) العقد الفريد لا بن عبد ربه 186 : 7 .

عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 61 _

شـاع شعري في سليمى iiوظهر
وتــهادته  الغـوانـي iiبـينها
لـو رأيـنا من سـليمى iiأثـرا
واتـخـذناها إمـاما iiمـرتضى
إنــما  بـنت سـعيد iiقـمـر




ورواه كــل بـدو وحـضـر
وتــغنين بـه حـتى iiانـتشر
لـســجدنا  ألف ألف iiللأثـر
ولـكـانت  حـجنا iiوالمـعتمر
هل حرجنا أن سجدنا للقمر (1)
أم البنين زوج الوليد بن عبدالملك
   دخلت عزة صاحبة كثير على أم البنين زوج عبد الملك بن مروان (2) ، فقالت لها : أخبريني عن قول كثير :
قضى كل ذي دين فوفى غـريمهوعزة  ممطول مـعنى iiغـريمها
   ما هذا الدين الذي طلبك به ؟ قالت : وعدته بقبلة فتحرجت منها ، قالت : أنجزيها وعلي إثمها (3) .
   وروى أبو الفرج الإصفهاني أن وضاحا كان يهوى امرأة من كندة يقال لها : روضة ، فلما اشتهر أمره معها ، خطبها فلم يزوجها ، وزوجت غيره ، فمكثت مدة طويلة . . ثم شبب بأم البنين بنت عبد العزيز بن مروان زوجة الوليد بن عبد الملك ، فقتله الوليد لذلك (4) .

زينب بنت سليمان بن علي
   ذكر ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان أن حماد عجرد كان يتغزل في زينب بنت سليمان بن علي ، على لسان محمد بن أبي العباس السفاح ، وكان عشقها ، ثم خطبها فمنعت منه ، فصار يتغزل فيها ، وحماد ينظم له الشعر على لسانه ، فبلغ ذلك أخاها محمد بن سليمان فغصب .

---------------------------
(1) العقد الفريد 186 : 7 .
(2) كذا في المصدر . والصواب زوج الوليد بن عبد الملك .
(3) العقد الفريد 134 : 7 .
(4) الأغاني 225 : 6 .

عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 62 _

   واتفقت وفاة محمد ، فطلب ابن سليمان حماداً فتغيب منه ، ثم بلغه أنه هجاه بأبيات منها :
جـداك جـدان لم تعب iiبـهماوإنما العيب منك في البدن (1)
عائشة بنت المهدي العباسي
   قال ابن عبد ربه الأندلسي : خرج رسول عائشة بنت المهدي ـ وكانت شاعرة ـ إلى الشعراء ، فيهم صريع الغواني فقال : تقرؤكم سيدتي السلام ، وتقول لكم : من أجاز هذا البيت فله مئة دينار ، فقالوا : هاته ، فأنشدهم :
أنيلي نوالا وجـودي لنـافـقد  بلغت نفسي iiالترقوه
   فقال صريع :
وإنـي كـالدلـو في حـبكـمهويت  إذ انقطعت عرقوه (2)
ولادة بنت المستكفي الخليفة الأموي في الأندلس
   كتبت على تاجها :
أنــا ولله أصـلـح iiللـمعالي
وأمكن عاشـقي من لثم ثـغري

وأمـشي  مشيتي وأتيـه iiتيهـا
وأعطي  قبلتي من يشتهيها  (3)
   ولا نريد أن نسرد أكثر من هذه الشواهد ، فقد أعرضنا عن كثير مراعاة لحرمة قرائنا الكرام من أن نشين أسماعهم بعبث نساء هؤلاء ، ومجون شعرائهم ، وهذا فيما كتب ، وما خفي كان أعظم ، وقد توخينا في عرضنا هذا إلى الأسباب والدوافع التي دفعت هؤلاء المؤرخين من بني مروان ، كأبي الفرج الإصفهاني صاحب الأغاني ، الذي استعرض أقاصيص وموضوعات حياة سكينة بنت الحسين ( عليهما السلام ) ، وما أخذه من آل الزبير من اختلاق هذه الأكاذيب ، كالزبير بن بكار ، ومصعب الزبيري وأمثالهم ، الذين ما فتؤوا من التحري عما يشين البيت العلوي ، دفعا لما ابتلي به أسلافهم من النساء كسكينة بنت خالد الزبيرية ، وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله زوج مصعب بن الزبير ، وغيرهن من اللواتي ملئت صحائف تاريخهن بفضائح العبث ، ومجالس الغزل والغناء ، وما اشتهر عن عاتكة بنت معاوية ، وأم البنين بنت عبد العزيز زوجة الوليد بن عبد الملك ، وسعدى بنت عبد الرحمن بن عوف ، وأمثالهن من اللواتي آثرن حياة اللهو والغناء .

---------------------------
(1) لسان الميزان 426 : 2 رقم 2942 في ترجمة حماد عجرد .
(2) العقد الفريد 197 : 6 .
(3) شرح رسالة ابن زيدون بهامش شرح لامية العجم 11 : 1 ، عنه « سكينة بنت الحسين » للمقرم : 60 .

عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 63 _

   ومقابل هذا يرفل آل علي بقداسة الوحي ، وطهارة النبوة ، وهم المنافسون الأقوياء لأولئك الأمويين الذين سفكوا الدماء من أجل الإبقاء على دست الحكم ، والزبيريين الذين هتكوا الحرمات من أجل المنصب كذلك ، فمتى يستقيم لهؤلاء أمر ولا تزال الأمة تنظر إلى العلويين بكل إجلال وقداسة ؟ من هنا أمكننا معرفة الدوافع السياسية لاختلاق قصة سكينة بنت الحسين ، وإقحامها ملاحم اللهو الأموي والترف الزبيري .

سكينة وابن سريج
   روى أبو الفرج الإصفهاني قال : أخبرني الحسين بن يحيى ، عن حماد ، عن أبيه ، عن مصعب الزبيري قال : حدثني شيخ من المكيين قال : كان ابن سريج قد أصابته الريح الخبيثة وآلى يمينا ألا يغني ، ونسك ولزم المسجد الحرام حتى عوفي ، ثم خرج وفيه بقية من العلة فأتى قبر النبي وموضع الصلاة ، فلما قدم المدينة نزل على بعض إخوانه من أهل النسك والقراءة ، فكان أهل الغناء يأتونه مسلمين عليه فلا يأذن لهم بالجلوس والمحادثة ، فأقام بالمدينة حولاً حتى لم يحس علته بشيء وأراد الشخوص إلى مكة ، وبلغ ذلك سكينة بنت الحسين فاغتمت اغتماماً شديداً وضاقت به ذرعاً ، وكان أشعب يخدمها ، وكانت تأنس بمضاحكته ونوادره وقالت لأشعب : ويلك أن ابن سريج شاخص ! وقد دخل المدينة منذ حول ولم أسمع غناءه قليلاً ولا كثيراً ، ويعز ذلك علي ، فكيف الحيلة في الاستماع منه ولو صوتاً واحداً ؟

عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 64 _

   فقال لها أشعب : جعلت فداك وأنى لك بذلك والرجل اليوم زاهد ولا حيلة فيه ، فارفعي طمعك والحسي تورك تنفعك حلاوة فمك .
   فأمرت بعض جواريها فوطئن بطنه حتى كادت تخرج أمعاؤه ، وخنقته حتى كادت نفسه أن تتلف ، ثم أمرت به فسحب على وجهه حتى أخرج من الدار إخراجاً عنيفاً ، فخرج على أسوأ الحالات ، واغتم أشعب غماً شديداً وندم على ممازحتها في وقت لم ينبغ له ذلك ، فأتى منزل ابن سريج ليلاً فطرقه فقيل : من هذا ؟ فقال : أشعب ، ففتحوا له فرأى على وجهه ولحيته التراب والدم سائلاً من أنفه وجبهته على لحيته , وثيابه ممزقة وبطنه وصدره وحلقه قد عصرها الدوس والخنق ومات الدم فيها ، فنظر ابن سريج إلى منظر فظيع هاله وراعه فقال له : ما هذا ويحك ؟ ! فقص عليه القصة ، فقال ابن سريج : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ماذا نزل بك والحمد لله الذي سلم نفسك لا تعودن إلى هذه أبداً .
   قال أشعب : فديتك هي مولاتي ولا بد لي منها ، ولكن هل لك حيلة في أن تصير إليها وتغنيها فيكون ذلك سبباً لرضاها عني ؟ قال ابن سريج : كلا والله لا يكون ذلك أبداً بعد أن تركته .
   قال أشعب : قطعت أملي ورفعت رزقي وتركتني حيران بالمدينة لا يقبلني أحد ، وهي ساخطة علي فالله الله في ، أنا أنشدك الله ألا تحملت هذا الإثم فيّ .

عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 65 _

   فأبى عليه ، فلما رأى أشعب أن عزم ابن سريج قد تم على الامتناع ، قال في نفسه : لا حيلة لي وهذا خارج وإن خرج هلكت ، فصرخ صرخة أذن أهل المدينة لها ، ونبه الجيران من رقادهم ، وأقام الناس من فرشهم ، ثم سكت فلم يدر الناس ما القصة عند خفوت الصوت بعد أن قد راعهم ، فقال له ابن سريج : ويلك ما هذا ؟ قال : لئن لم تصر معي إليها لأصرخن صرخة أخرى لا يبقى إلا صار بالباب ، ثم لأفتحنه ولأريهم ما بي ، ولأعلمنهم كذا وكذا . . .
   فلما رأى ابن سريج الجد منه قال لصاحبه : ويحك أما ترى ما وقعنا فيه ـ وكان صاحبه الذي نزل عنده ناسكاً ـ فقال : لا أدري ما أقول . . . نزل بنا من هذا الخبيث . . . إلى أن قال : فوقع ابن سريج فيما لا حيلة له فيه ، فقال : امضي لا بارك الله فيك ، فمضى معه فلما صار إلى باب سكينة قرع الباب فقيل : من هذا ؟ فقال : أشعب . . . إلى أن قال : ثم أندفع يغني :
أستعين  الذي يكفيه iiنفعيورجائي على التي قتلتني
   فقالت له سكينة : فهل عندك يا عبيد من صبر ، ثم أخرجت دملجاً من ذهب كان في عضدها وزنه أربعون مثقالاً فرمت به إليه (1) . . . إلى آخر القصة ، وهي طويلة الذيل اقتصرنا على مورد الحاجة .

---------------------------
(1) الأغاني 45 : 17 ـ 51 .

عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 66 _

رجال الخبر
   الخبر مرسل ، فإن مصعب الزبيري رواه عن شيخ من المكيين لا يعرف من هو ، فالخبر مرسل لا اعتبار له من حيث الإرسال ، ومصعب الزبيري : ضعيف ، عرفت حاله ، والحسين بن يحيى : قال الذهبي في ميزان الاعتدال عن ابن الجوزي: يضع الحديث ، وكذلك ابن حجر في لسان الميزان (1) .
   فالخبر مرسل وفي سنده ضعفاء فهو ساقط عن الاعتبار .
   أين هم أزواج سكينة وبنو هاشم عن كل هذا ؟ اعتمد الخبر على رواية المتناقضات فأظهر زهد ونسك ابن سريج المغني وعبث السيدة سكينة ، مع أن الخبر أظهر في مطاويه الإشارة إلى حرمة الغناء وتجنب ابن سريج عن ذلك ، إلا أن السيدة سكينة كانت تصر على مخالفة مناهي الشريعة ، وترتكب ما هو حرام إشباعا لرغبتها في الاستماع ، لا سيما الخبر سرد أحداث القصة عند وقت متأخر من الليل ، وأظهر أن السيدة سكينة لا ترتبط مع أية علقة زوجية يمكنها أن تحتشم زوجها ـ على الأقل ـ في ارتكاب ما ينافي الشرع ومن ثم الأخلاق السائدة ، مع ما هولوه من تعدد أزواج « آمنة » سكينة بنت الحسين ، وبلغ عدد أزواجها أكثر من سبعة ، ومع هذا فلا نرى لواحد من هؤلاء الأزواج دور في التصدي إلى ماترتكبه السيدة سكينة من مخالفات شرعية وعرفية ، يأنف من خلالها الغيور على حرمه ، ولا يرضى في انتهاك حرمته بما يقع من حليلته ، وهي بين أجانب خلعاء تعقد لهم مجالس الغناء في بيته دون وازع ولا من رادع .

---------------------------
(1) ميزان الاعتدال 541 : 1 ، لسان الميزان 386 : 2 .

عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 67 _

   أي غيور يرضى لزوجته أن ترتكب مثل هذه الأفعال الشائنة بسمعته والمنافية لغيرته ؟ وإذا لم يكن هناك دور للزوج في مثل هذه القصص ، فأين كان الإمام علي بن الحسين ( عليهما السلام ) وهو يرى أخته ترتكب خلاف الشريعة وما ينافي قيم الإسلام ؟ أين كان محمد بن علي الباقر ( عليهما السلام ) عن هذه التصرفات ؟ أين كان بنو هاشم وهم ـ على الأقل ـ يجابهون عدوا لدودا يصطنع لهم الأكاذيب والافتراءات ؟ فكان عليهم مراعاة جانب أعدائهم إن لم يراعوا جانب حرمة الشريعة .
   مما يكشف سذاجه هؤلاء الوضاعين وبلادتهم حينما يختلقون أكاذيبهم بما ينافي الشرع والعادة والأعراف ، وليتهم توسلوا بغير ذلك لئلا ينكشف غباؤهم ولعبتهم الطائشة .
   إنه خراج بعض الكور ، وإذا صور رواة الخبر بذخ سكينة وهي تعطي لأحد المغنين دملجاً وزنه أربعين مثقالاً ، فإن هذه التصرفات هي سمة خلفائهم الذين شهدت لياليهم الحمراء بذخهم وعبثهم بأموال المسلمين .
   قال ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد : غنى إبراهيم الموصلي محمد بن زبيدة الأمين بقول الحسن بن هانئ فيه :
رشأ لولا مــلاحتهخلت الدنيا من iiالفتن
   قال : فاستخفه الطرب حتى قام من مجلسه وأكب على إبراهيم يقبل رأسه ، فقام إبراهيم من مجلسه يقبل أسفل رجليه وما وطئتا من البساط ، فأمر له بثلاثة آلاف درهم ، فقال إبراهيم : يا سيدي قد أجزتني إلى هذه الغاية بعشرين ألف ألف درهم [ أي عشرين مليون درهم ] .

عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 68 _

   فقال الأمين: وهل ذلك إلا خراج بعض الكور (1) ؟
   هذه هي أعطيات الخلفاء في الليالي الحمراء ومن بيت مال المسلمين ، والمسلمون يعانون من الضيق في العيش والفقر والفاقة ، لذا فقد عمد هؤلاء الرواة إلى التستر على بذح أسيادهم ، وأتهام آل البيت عليهم السلام بتصرفات أعدائهم ؛ ليدفعوا عنهم تهورات هؤلاء وعبثهم .

حكم الغناء في الشريعة المقدسة :
   ذهب علماؤنا ( رضوان الله تعالى عليهم ) إلى حرمة الغناء (2) ، وادعوا الإجماع عليه ، بل عدوه من ضرورات المذهب للأدلة الواردة في حرمته من آيات وروايات لعلها متواترة .
   كما ذهب إلى ذلك بعضهم ، فمن ذلك تفسير قوله تعالى: ( لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ) (3) بالغناء كما في صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) (4) .
   وتفسير الغناء بالزور في قوله تعالى : ( وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) (5) كما في صحيحة زيد الشحام ، ومرسلة ابن أبي عمير ، وموثقة أبي بصير (6) .
   وما ورد في تفسير لهو الحديث بالغناء كما في صحيحة محمد بن مسلم (7) .

---------------------------
(1) العقد الفريد 42 : 7 .
(2) نقل الإجماع على ذلك السيد العاملي في مفتاح الكرامة 52 : 4 ، حيث قال : أما حكمه فلا خلاف ، كما في مجمع البرهان ، في تحريمه وتحريم الأجرة عليه وتعلمه وتعليمه واستماعه . . .
(3) الفرقان 72 : 25 .
(4) الوسائل 304 : 17 ، ب 99 من أبواب ما يكتسب به ، ح 5 .
(5) الحج 30 : 22 .
(6) الوسائل 303 : 17 و 305 ، ب 99 من أبواب ما يكتسب به ، ح 2 و 8 و 9 .
(7) المصدر السابق : 304 ، ح 6 .

عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 69 _

   ومن الروايات ما تواتر من حرمة الغناء كما في رواية يونس قال : سألت الخراساني ( صلوات الله عليه ) عن الغناء وقلت : إن العباسي ذكر عنك أنك ترخص في الغناء ، فقال : « كذب الزنديق ما هكذا قلت له ، سألني عن الغناء فقلت له: إن رجلا أتى أبا جعفر ( عليه السلام ) فسأله عن الغناء فقال : يافلان إذا ميز الله بين الحق والباطل فأين يكون الغناء ؟ قال: مع الباطل ، فقال: حكمت » (1) .
   وعن عبد الأعلى قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن الغناء وقلت : إنهم يزعمون أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رخص في أن يقال : حيونا حيونا نحييكم ، فقال : « إن الله تعالى يقول : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ) (2) ـ ثم قال ـ : ويل لفلان مما يصف ، رجل لم يحضر المجلس » (3) .
   وفي مرسلة المقنع عن الصادق عليه السلام: « شر الأصوات الغناء » (4) ، وفي الخصال بسنده عن الحسن بن هارون قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : « الغناء يورث النفاق ويعقب الفقر » (5) .

---------------------------
(1) الوسائل 306 : 17 ، ب 99 من أبواب ما يكتسب به ، ح 13 .
(2) الأنبياء 16 : 21 ـ 18 .
(3) الوسائل 307 : 17 ، ح 15 .
(4) المصدر السابق : 309 ، ح 21 .
(5) المصدر السابق : 309 ، ح 23 .

عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 70 _

   ويعضده الأخبار الدالة على تحريم الاستماع له كما في صحيحة مسعدة بن زياد قال : كنت عند أبي عبد الله ( عليه السلام ) فقال له رجل : بأبي أنت وأمي إني أدخل كنيفا ولي جيران ، وعندهم جوار يتغنين ويضربن بالعود ، فربما أطلت الجلوس استماعا مني لهن ، فقال : « لاتفعل » ، فقال الرجل والله ما أتيتهن وإنما هو سماع اسمعه بأذني ، فقال : « بالله أنت أما سمعت الله تعالى يقول : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) » ؟ فقال : بلى والله وكأني لم أسمع بهذه الآية من كتاب الله تعالى من عجمي ولا عربي ، لا جرم أني لا أعود إن شاء الله تعالى ، وأني أستغفر الله ، فقال له : « فاغتسل وصل مابدا لك ، فإنك كنت مقيماً على أمر عظيم ما كان أسوأ حالك لو مت على ذلك ، إحمد الله وسله التوبة من كل ما يكره ، فإنه لا يكره إلا كل قبيح ، والقبيح دعه لأهله ، فإن لكلّ أهلا » (1) .
   وعن عنبسة ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : « استماع الغناء واللهو ينبت النفاق في القلب ، كما ينبت الماء الزرع » (2) ، وما ورد في حرمة شراء المغنية وأن ثمنها سحت ، كما في الكافي عن الحسن بن علي الوشاء قال : سئل أبو الحسن الرضا ( عليه السلام ) عن شراء المغنية ؟ فقال : « قد تكون للرجل الجارية تلهيه ، وما ثمنها إلا ثمن الكلب ، وثمن الكلب سحت ، والسحت في النار » (3) .
   وعن سعيد بن محمد الطاطري ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : سأله رجل عن بيع الجواري المغنيات ، فقال : « شراؤهن وبيعهن حرام ، وتعليمهن واستماعهن نفاق » (4) .

---------------------------
(1) الوسائل 331 : 3 ، ب 18 من أبواب الأغسال المندوبة ، ح 1 .
(2) الوسائل 316 : 17 ، ب 101 من أبواب ما يكتسب به ، ح 1 .
(3) المصدر السابق : 124 ، ب 16 ، ح 6 .
(4) المصدر السابق : 124 ، ح 7 .

عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 71 _

   إلى غير ذلك من الأخبار المتواترة ، وهي كما علمت مطلقة لا يمكن تخصيصها ، وإن التزم بعضهم ببعضها على أنها مخصصات للحرمة ، إلا أنها لا تصلح للتخصيص حقيقة لا كما فهمه البعض ، ولا مجال لذكر ما احتجوا بأنها مخصصات ، وكون الحرمة مشروطة بانضمام بعض المحرمات كمجالس اللهو ، ودخول الرجال على النساء وغير ذلك ، على أن المعارضات التي ذكرها البعض لا تقوى على معارضة ما ذكرناه من أخبار التحريم ؛ لمخالفتها لكتاب الله وموافقتها للعلامة ، وهي مرجحات لا يختلف في العمل بها أحد ، فتبقى حرمة الغناء ذاتا على حالها غير معارضة بما توهمه البعض بأنها معارضات .
   هذا حكم الغناء في الشريعة ، والقصة المذكورة منافية لضرورات الدين ، ولإجماع الطائفة الحقة منذ عهد أئمتهم ( صلوات الله عليهم ) حتى يومنا هذا ، فكيف ينسجم واقعهم مع هذه الموضوعات بعد ذلك ؟ ! حقيقة الأمر ما هي ؟ ابن سريج نائحاً أم مغنياً ؟ وإذا أمعنا في بطلان هذه القصة وأمثالها ، فإن الإصفهاني يؤكد فيما يرويه في موضع آخر تنافي هذه القصة مع الواقع ، وتعارضها مع خبر النياحة الذي اشتهر بها ابن سريج .
   فقد كان ابن سريج نائحاً ، وكانت السيدة « آمنة » سكينة تتحرى موارد النياحة بما يساعدها على التخفيف من مصائبهم أهل البيت ( عليهم السلام ) ، بل كانت النياحة أسلوباً جديراً في بيان ما أصاب أهل هذا البيت من فجائع ، وتصرفات الدهور وتقلبات الأيام ونوائبها ، لذا حرص أهل البيت ( عليهم السلام ) على النياحة كأسلوب مهم من أساليب بيان مظلوميتهم ، ومشاركة العواطف والأحاسيس العامة مع مأساتهم التي سببتها الأنظمة السياسية الطامحة إلى سحق كل القيم من أجل الوصول إلى الحكم والسلطة ، لذا حرص الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) إلى أساليب النياحة حينما وجدوا أن أحاسيس الناس تشاركهم متى ما أظهروا مصائبهم .

عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 72 _

   فالإمام زين العابدين ( عليه السلام ) طلب من الطرماح بن عدي أن يتقدم الركب الحسيني المفجوع عند دخوله المدينة ، وينعى الحسين ( عليه السلام ) ، مما حدى بالناس إلى الاجتماع واستقبال الإمام ( عليه السلام ) وعائلته بشكل يتناسب وعظم المصاب ، بل وإدانة النظام كذلك ، فكانت محاولة ناجحة للاحتجاج على السلطة بشكل لم يبق لاعتذار أزلامها في الإقدام على قتل سيد الشهداء ( عليه السلام ) مجال .
   وهكذا كان الإمام محمد بن علي الباقر ( عليهما السلام ) يخصص مبلغا في كل عام للنياحة عليه ( عليه السلام ) في منى إمعانا في إظهار مظلوميتهم ، وإشارة إلى ما بلغه النظام من تنكيل وتقتيل لأهل هذا البيت العلوي الطاهر ، حتى انه ( عليه السلام ) أوصى بندبه عشر سنين في منى ، وهو موضع اجتماع الحجيج ؛ ليتسنى للمسلمين معرفة ماجرى على أهل هذا البيت ( عليهم السلام ) من ظلم واضطهاد .
   وهكذا كان الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليهما السلام ) يقيم مجالس النياحة على جده الحسين ( عليه السلام ) حينما ينشده السيّد الحميري ويأمر أهله بالجلوس ، والإمام علي بن موسى الرضا ( عليهما السلام ) كان يأمر عياله بالاستماع إلى مراثي الإمام الحسين ( عليه السلام ) عندما ينشدها دعبل الخزاعي ، فيبكون ويأمرون شيعتهم بذلك .

عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 73 _

   هذا هو ديدن الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ، يتحرون مواضع الندبة والبكاء على فجائعهم ، وليمعنوا في بيان مظلوميتهم ، لذا فإن السيدة « آمنة » سكينة بنت الحسين ( عليهما السلام ) كانت تستشعر هذا الإحساس ، وقد حرصت على إبراز ما تكنه نفوسهم الطاهرة من أحزان وآلام ، وهي لا تزال تعايش مصائب الطف ، وقتل إخوتها وأبيها بشكل مروع ، وتسييرهم أسارى من بلد إلى بلد ، وشعور الحزن والألم يتفاقم وهم لا يزالون مهضومي الحق ، مدفوعين عن مقامهم ، لذا فإنها ( عليهما السلام ) قريبة عهد بفجائع الطف ، والمناسب أن تتحرى ما يخفف من أحزانها ، ويعزز من موقف أهلها الميامين ببيان ما جرى عليهم ، والرواية التالية تؤكد هذا المنحى والاتجاه : قال أبو الفرج الاصفهاني : إن سكينة بعثت إلى ابن سريج بمملوك لها يقال له : عبد الملك ، وأمرته أن يعلمه النياحة ، فلم يزل يعلمه مدة طويلة ، ثم توفي عمها أبو القاسم محمد بن الحنفية ، وكان ابن سريج عليلاً بعلة صعبة ، فلم يقدر على النياحة ، فقال لها عبدها عبد الملك : أنا أنوح لك نوحاً أنسيك نوح ابن سريج ، فقالت : أو تحسن ذاك ؟ قال : نعم ، فأمرته فكان في الغاية (1) .
   هذه الرواية إذا ما قارناها بخبر غناء ابن سريج للسيدة « آمنة » سكينة ، وجدنا أن مصعب الزبيري قد افتعل الخبر ونسجه على منوال نياحة ابن سريج ، فاستبدل الزبيري مفردات هذه الرواية بوضع خبر الغناء هكذا :
1 ـ استبدال النياحة بالغناء .
2 ـ استبدال عبارة « أن سكينة بعثت إلى ابن سريج بمملوك لها يقال له : عبد الملك ، وأمرته أن يعلمه النياحة » بعبارة خبر أشعب كالآتي : قالت لأشعب : ويلك أن ابن سريج شاخص ! وقد دخل المدينة منذ حول ولم أسمع غناءه .

---------------------------
(1) الأغاني 249 : 1 و 250 .

عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 74 _

3 ـ استبدال اسم عبد الملك وهو مملوكها باسم « أشعب » الخليع الماجن ، مدعيا الخبر ملازمته للسيدة سكينة ؛ لمضاحكتها ومؤانستها على غرار ما كان يفعله مع خلفاء بني أمية وآل الزبير ، فقد عرف « أشعب » بولائه لآل الزبير ، وهو ابن حميدة سيئة السمعة والصيت ، فقد كانت مولاة لأسماء بنت أبي بكر زوجة الزبير ، ولها تاريخها الأسود بما ذكر عنها بأنها : كانت تدخل بيوت أزواج النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتحرش بينهن ، فأمر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بتعزيرها ، وقيل: دعا عليها فماتت (1) .
   وقال ابن حجر في لسان الميزان : كانت تنقل كلام أزواج النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعضهن إلى بعض فتلقي بينهن الشر ، فدعا عليها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فماتت (2) .
   هذا هو أشعب الذي تربى في بيوت الزبيريين ، ونقل عنه ملاحم العبث معهم ما شهدت به مطولات التاريخ ، فمتى أتيح له أن يكون مع سكينة بنت الحسين لا يفارقها ، وهو حليف عدو الهاشميين الألداء آل الزبير ، الذين عرفوا بمنافستهم لآل علي ( عليه السلام ) وعدائهم وبغضهم لهم ، وهو أمر لا يستقيم مع ماذكر من مرافقته للسيدة سكينة ، وفي الوقت نفسه فهو مولى لآل الزبير ؟ !
   على أن مرافقة أشعب للسيدة سكينة « آمنة » ـ كما نقله الخبر ـ يتعارض مع القيم الإسلامية والأخلاقية التي عرف بها آل علي ، من ورع وقداسة وتقوى تأبى معها مخالطة الرجال الأجانب والاجتماع بهم ومؤانستهم .

---------------------------
(1) الإصابة في تمييز الصحابة 275 : 4 .
(2) لسان الميزان 507 : 1 .

عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 75 _

   وبهذا تنكشف جليا محاولات الوضع والتزوير على السيدة سكينة ، وما بذله أعداء آل البيت ( عليهم السلام ) من محاولات انتقاص هذا البيت الطاهر ، ودفع ما عرف به أعداؤهم من العبث والخلاعة ، وإلصاقها بهم ، ونسج مغامرات اللهو على منوال ما عرف به أعداء أهل البيت وشانئيهم .

محاولات وضع وتزوير أُخر :
   لم يكتف آل الزبير وأتباعهم في اختلاق القصص ووضعها ، بل أنهم حاولوا ابتداع أسلوب آخر من تزوير الحقائق ، حيث جعلوا بعض الأسماء الصريحة المعروفة بالخلاعة والعبث وادعوا أنها هي سكينة بنت الحسين ، وهو أمر يثير الاستغراب حقا ، فالأسماء الحقيقية لهذه الوقائع شخصيات أثبتها المؤرخون في مواقع عدة والأشخاص معروفين ، في حين تأتي الروايات الزبيرية فتلصقها بالسيدة سكينة بنت الحسين ظلما وعدوانا ، ونماذج من هذا الخرق الذي ارتكبه الزبيريون تبينه الأخبار التالية :
1 ـ روى ابن عبد ربه الأندلسي أن الأحوص قال يوما لمعبد : إمض بنا إلى عقيلة حتى نتحدث إليها ونسمع من غنائها وغناء جواريها ، فمضيا فألفيا على بابها معاذا الأنصاري وابن صياد ، فاستأذنوا عليها فأذنت لهم إلا الأحوص ، فإنها قالت : نحن على الأحوص غضاب ، فانصرف الأحوص وهو يلوم أصحابه على استبدادهم بها وقال :
ضـنـت  عقـيلة عنك اليوم iiبالزادوآثرت حاجة الثاوي على الغادي (1)
   قال ابن عبد ربه في موضع آخر : إن عقيلة هذه هي جارية أبي موسى الأشعري ، وذكر قصتها منفردة .

---------------------------
(1) العقد الفريد 22 : 7 .

عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 76 _

   إلا أن الإصفهاني لسذاجته نسب عقيلة هذه إلى أنها من ولد عقيل بن أبي طالب ، فقال : وللأحوص مع عقيلة هذه أخبار قد ذكرت في مواضع أخر ، وعقيلة امرأة من ولد عقيل بن أبي طالب (1) ، وأكذوبة الإصفهاني على أنها من ولد عقيل لم تكف آل الزبير ، حتى أمعنوا في التحريف فجعلوا عقيلة هذه هي سكينة بنت الحسين ( عليهما السلام ) .
   قال الإصفهاني في نفس الموضع : وقد ذكر الزبير ، عن ابن بنت الماجشون ، عن خاله أن عقيلة هذه هي سكينة بنت الحسين كنى عنها بعقيلة (2) ، هكذا أمعن الزبيريون في تزوير الحقائق ، واتهام السيدة سكينة بأمور تتنافى وأبسط القيم الإسلامية ، ووسموها بأقبح الصفات من البذخ واللهو والعبث ، ولم يكتفوا حتى قرنوها بالأحوص الذي قال عنه الإصفهاني بأنه : كان قليل المروءة والدين ، هجاء للناس ، مأبونا فيما يروى عنه (3) .
2 ـ قال أبو الفرج الاصفهاني : كانت سعدى بنت عبدالرحمن بن عوف جالسة في المسجد الحرام ، فرأت عمر بن أبي ربيعة يطوف بالبيت ، فأرسلت إليه : إذا فرغت من طوافك فأتنا ، فأتاها ، فقالت: لا أراك يابن ربيعة إلا سادرا في حرم الله ، أما تخاف الله ؟ ويحك إلى متى هذا السفه ؟ ! قال : أي هذه ، دعي عنك هذا من القول ، أما سمعت ماقلت فيك ؟ قالت : لا ، فما قلت ؟ فأنشدها قوله :
قالت سعيدة والدموع iiذوارفمنها على الخدين والجـلباب
   إلى آخر الأبيات (4) .

---------------------------
(1) الأغاني 258 : 4 .
(2) المصدر السابق .
(3) المصدر السابق : 231 .
(4) الأغاني 12 : 16 . وقد مر الحديث حول القصة والأبيات ، فراجع صفحة : 49 ـ 52 و 74 .

عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 77 _

   هذا ما ذكره الإصفهاني من الخبر وقصة الأبيات ، إلا أن المحرفين لم يرقهم ذلك فحرفوه ، وجعلوه على ألسنة المغنين بلفظ « سكينة » بدل « سعيدة » وقد اعترف الإصفهاني بهذه المشكلة فقال :
   وهذا الشعر تغني فيه :
قالت « سكينة » والدموع ذوارف. . . . .
   وفي موضع :
« أسعيد » ما ماء الفرات وبرده . . . « أسُكين » ، وإنما غيره المغنون ، ولفظ عمر ما ذكر فيه في الخبر (1) ، أي الخبر المتقدم .
3 ـ روى أبو علي القالي في أماليه قول عمر بن أبي ربيعة هكذا :
جددي الوصل يا قريب وجودي iiلمـحب فـراقـه قـد ألما(2)
---------------------------
(2) الأغاني : 162 .
(3) أمالي أبو علي القالي 305 : 2 .

عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 78 _

   فأبدلوا لفظة « قريب » بلفظ « سكين » أي ترخيم سكينة .
4 ـ روى ابن قتيبة في المعارف: إن عائشة بنت طلحة تزوجها مصعب بن الزبير فأعطاها ألف ألف درهم ، فقال أنس بن زنيم الديلي لأخيه [ عبد الله بن الزبير ] :
أبـلغ أمـير المـؤمنين رسـالة
بـضع الفـتاة بألف ألف iiكـامل
لو لأبي حـفص أقـول مـقالتي


من  ناصح لك لا يريد iiخـداعـا
وتبيت سـادات الجـيوش جياعا
وأقص شأن حديثهم لا رتاعا  (1)
   إلا أن الإصفهاني رواها عن مصعب ، عن محمد بن يحيى هكذا : ولما تزوج مصعب سكينة على ألف ألف ، كتب عبد الله بن همام على يد أبي السلاس إلى عبد الله بن الزبير :
أبـلــغ أمـير المـؤمنين رسـالة
بـضــع الفـتاة بألف ألف iiكـامل
لو لأبـي حـفص أقـول مـقالـتي


مـن  نـاصـح لك لا يريد iiخـداعا
وتـبـيـت سـادات الجيوش جياعا
وأقـص شـأن حديثهم لا رتاعا  (2)
   هذا هو دأب الوضاع ، يقلبون الحقائق ، ويحرفون الكلم ، طعنا منهم في مخالفيهم أو مخالفي أسيادهم ، ويجهدون في دفع كل قبيح عنهم ، ليوصمون به مخالفيهم ، كما فعل من قبل معاوية بن أبي سفيان في الطعن على علي عليه السلام ، ظنا منه إطفاء نوره ، ويأبي الله إلا أن يتم نوره .

---------------------------
(1) المعارف لابن قتيبة : 233 .
(2) الأغاني 164 : 16 .