01 Transitional//EN"> الآداب الطبية في الاسلام
   وبعد ... فان من المناسب : ان نقف وقفة قصيرة للتأمل فيما ذكر من الفوائد ، بقدر ما يسمح لنا به المجال ، وتسمح لنا به المعلومات الطبية المحدودة المتوفرة لدينا ... في استكناه الاسرار التي اومأت اليها هذه الرشحة المباركة من رشحات اهل بيت العصمة عليهم السلام .
  وتضمنتها تلك الخريدة الفريدة ، لنستوحي منها ، ونستهدي طريق الخير ، والرشاد ، والسداد ... فنقول ... والله المستعان ، ومنه نستمد الحول والقوة ...

السواك ... يبيض الاسنان :
  ان كثيرا مما تقدم قد يكون مما لا يزال العلم عاجزا عن كشف مدى ارتباطه بالسواك ، وارتباط السواك به بشكل دقيق وشامل ... الا ان مما لا شك فيه هو اننا نستطيع ان نتلمس من ذلك كله مدى اهتمام الاسلام بمختلف شؤون هذه الانسان واحواله ، ومدى احاطته وشموليته لهذه الاحوال ، وتلكم الشؤون ... حتى انه لم يغفل حتى ان اثر السواك في المظهر الخارجي للانسان ، انطلاقا من حرصه الشديد على ان يبدو الانسان في ابهى منظر ، وازهى حلة ... لان جمال المظهر يؤثر في اجتذاب الاخرين اليه ، ومحبتهم له ، بل ويؤثر حتى في روحه هو ونفسه ، فضلا عن غيره .
  ومن هنا ... فقد ورد : ان السواك يبيض الاسنان
(1) ... وورد ايضا قوله ( ص ) : ( مالي اراكم قلحا ؟ مالكم لاتستاكون ؟ ! ) (2) .

**************************************************************
(1) سيأتي ذلك في حديث الاثنتى عشرة خصلة في السواك ...
(2) الكافي ج 6 ص 496 ، والمحاسن للبرقي ص 561 ، والبحار ج 76 ص 132 وفي المحاسن : مالي اراكم قلحا مرغا ... ففي التاج ذو شعر مرغ اي متشعث يحتاج الى الدهن ، او دنس من كثرة الدهن ... وراجع ايضا كشف الاستار ج 1 ص 243 ومجمع ـ الزوائد ج 2 ص 97 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 227 ـ

  والقلح : صفرة في الاسنان ... ولاشك في ان بياضها افضل من صفرتها او خضرتها ، واكثر قبولا لدى الاخرين ، لانه هو اللون الطبيعي لها ...

السواك . . يطيب رائحة الفم :
  ولاشك ان ذا الفم الكريه الرائحة ينفر الناس ، بل وحتى الملائكة منه ، والانسان يريد لنفسه ، والله ايضا يريد له : ان يكون محببا لدى الناس ، قريبا الى قلوبهم ونفوسهم ...
  ومن هنا فقد ورد : ان السواك يطيب رائحة الفم .
  يذهب بالحفر :
  والسواك ايضا يذهب بالحفر ، اي انه يقلع الحبيبات المتكلّسة على جدار السن ، والتي تؤدي الى جرح اللثة وتقيحها ، وجعلها في معرض الالتهابات والامراض ، بالاضافة الى انه يمنع من وجود غيرها من جديد ...
  يقوي اللثة :
  وهو الى جانب ذلك عامل مهم من عوامل تقوية اللثة وسمنها ، حيث انه رياضة مستمرة لها ، وينبه عضلاتها ويحركها ، كما ويحرك الدورة الدموية فيها ...
  يجلو البصر :
  وكذلك فان للسواك علاقة بالعين ، فمرض الاسنان يؤثر في مرضها ، وسلامتها تؤثر في سلامتها ... وقد شوهدت حالات كثيرة من العمى المؤقت الناجم عن بعض امراض الاسنان ... حتى اذا ما عولجت وشفيت عادت الرؤية الى العين من جديد ، ولعل ذلك اصبح من الامور المتسالم عليها طبيا ... ولذا نرى في كلماتهم عليهم السلام

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 228 ـ

  التأكيد على هذه العلاقة ، وان السواك يجلو البصر ، ويذهب بالدمعة ، ويذهب بغشاوة العين ... وغير ذلك مما تقدم ...
  ينبت الشعر :
  وللاسنان علاقة وثيقة ايضا بشعر الانسان ... وقد لوحظ كثيرا : ان بعض المبتلين ببعض أمراض الاسنان يتساقط الشعر المسامت للاسنان المريضة عندهم ... حتى اذا ما عولجت اسنانهم وشفيت ، فان ذلك الشعر يعود الى النمو من جديد ... وهذا ما يجعلنا ندرك بسهولة : ان السواك الذي يؤثر في سلامة الاسنان ، فانه يؤثر ايضا في انبات الشعر ، حسبما ورد في الرواية ...
  علاقة السواك بالحالة النفسية والعقلية وغيرها ...
  وكذلك ... فانه مما لاشك فيه : ان تنظيف اي عضو من اعضاء الانسان ، وخصوصا الفم ... يكون من اسباب بعث الحيوية والنشاط في مختلف اجهزة الجسم الاخرى ، حتى الجهاز التناسلي منها ـ ومن اسباب بعث السرور والابتهاج في نفسه ... واذا كان الانسان مرتاحا نفسيا ، ويتمتع بالحيوية والنشاط الجسدي ، فان ذلك ينعكس بطبيعة الحال على نشاطه الفكري والعقلي ... حتى لقد قيل : العقل السليم في الجسم السليم ...
  بل اننا نستطيع : ان نؤكد على علاقة الاسنان بسلامة الانسان النفسية . ومن هنا ... فاننا نلاحظ : ان ظهور ما يسمى بـ ( ضرس العقل ) يصحبه في احيان كثيرة بعض الاختلالات النفسية لدى الانسان ، كما يقولون ...
  وذلك يؤكد على انه ليس من المجازفة في القول : التأكيد على ان السواك له تأثير مباشر في الصفاء النفسي للانسان ، ويذهب بكثير من الوساوس والهواجس التي قد تنتابه ...
  بل هو يؤثر في اذهاب حالات الغم والهم التي قد تنتاب الانسان ايضا ، ولايعرف

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 229 ـ

  لها سبباً قريبا معقولا ... مع انها قد تكون ناشئة عن موبوئية الفم والاسنان احياناً كثيرة ... حتى اذا ما نظفت ذهبت هذه الحالة عنه ، ليحل محلها حالة من الفرح والحيوية والنشاط ...
  واذا ما عرفنا : ان الهم والغم من الاسباب الرئيسة للنسيان ، وعدم التمكن من الحفظ بسبب اختلال الحال ، واشتغال البال ، وعدم القدرة على التركيز على نقطة معينة ...
  وعرفنا : ان النشوة وصفاء الفكر من اسباب سرعة الحفظ ، وزيادة قوة الحافظة ... اننا اذا عرفنا ذلك ... فاننا ندرك مدى علاقة السواك بحافظة الانسان ، ومدى تأثيره في اذهاب حالة النسيان من الانسان ...
  ومما ذكرنا نعرف : كيف ان السواك ـ على حد قولهم عليهم السلام يذهب بالغم والنسيان ، ويزيد في الحفظ والعقل . ويشهى الطعام ، ومن اسباب النشاط والنشوة او النشرة (1) ويزيد الرجل فصاحة ، ويذهب بوسوسة الصدر ، ويوجب شدة الفهم الى غير ذلك مما ورد في الروايات عن اهل بيت العصمة صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين .
  آثار موبوئية الفم ...
  وبما ان للاسنان علاقة بجميع اجهزة الجسم الاخرى ... ويؤثر صحتها ومرضها وقوتها في مرض وصحة وقوة تلك الاجهزة ... فان من الطبيعي ان يكون ذلك حافزا ودافعا للانسان ليحافظ على اسنانه ، ويهتم بصحتها ، لانه يكون قد حافظ على سائر اجهزة جسمه تقريباً ...
  ويقول علماء الطب :

**************************************************************
(1) النشرة : هي انتشار العضو التناسلي . وذلك غير بعيد ، بعد ان كان السواك من اسباب القوة والنشاط في مختلف اجهزة الجسم ...

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 230 ـ

  ان الجراثيم والميكروبات المتكونة في تجاويف الاسنان من فضلات الطعام المتخلفة فيها ، والوافدة من الفم الى المعدة ، هي السبب في عسر الهضم ، وحزة المعدة ، او حموضتها . وهي السبب ايضا في بعض امراض الكلى والرئتين ...
  وقد تصل هذا الجراثيم الى اللوزتين ، وتؤثر ايضا على الانف ، بحيث توجب التهابات في الجيوب الانفية ...
  بل ان امراض الاسنان الناشئة من عدم تنظيفها وتعقيمها قد توجب التهابات في الاذنين ، وتكون هي السبب في بعض امراض العينين ـ وذلك لاتصال كل من العين والاذن بالاسنان عن طريق الاعصاب .
  كما ان بعض امراض الفم قد تؤثر في روماتيزم المفاصل ، وتزيد من اعباء الكبد . بل ان اسنان المريض هي اول ما يلفت نظر الطبيب في معالجته المريض بالسل ، واسقام عديدة اخرى ...
  هذا ... ويتكون من تخمر فضلات الطعام في الفم حامض : ( الكتيك ) الذي يؤثر في الطبقة الخارجية لتاج السن فيذيبها ويفقدها نعومتها ، ويجعلها خشنة الملمس ... الامر الذي يساعد على تخلف مزيد من الفضلات ، وليتكون من ثم المزيد من الجراثيم ... ومن ثم الى مواجهة كثير من المتاعب .
  كما ان هذه الاحماض المشار اليها ... هي في الحقيقة من اسباب تسوس الاسنان ، ومن ثم فقدانها لصلاحيتها ، حيث يكون لا بد من التخلص منها ...
  كما ان غازات الفم الكريهة قد تنفذ الى مجرى الدم ، وتفتك ـ من ثم ـ بالجسم كله ...
  وهذه الغازات التي تنشأ في الغالب من تخمر فضلات الطعام المتبقية في تجاويف الاسنان ، التي لا تلبث ان تتعفن ، وتصبح ذات رائحة كريهة جدا ، يشعر بها كل من يحاول تنظيف اسنانه بعد اهماله لها مدة من الزمن ... ثم تتحول شيئاً فشيئاً الى ميكروبات وجراثيم تعد بالملايين ، ويتسبب عنها الكثير من امراض الفم ،

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 231 ـ

  وتفد ـ كما قلنا ـ مع الطعام الى المعدة ، ولتسبب للانسان من ثم ـ الكثير من المتاعب والاخطار ...
  يضاف الى ذلك كله : ان تلك الفضلات قد تسبب قروحا في اللثة ، ومع كون الجراثيم حاضرة وجاهزة ، فانها تعمد الى الفتك باللثة عن طريق تلك القروح ، واذا ما ادت تلك القروح الى كشف عنق السن ، فلسوف ينتج عن ذلك ضعف ذلك السن وخلخلته . وليصبح من ثم عديم الفائدة ومستحقا للقلع (1) .

السواك ... هو المنقذ :
  وهكذا ... فان النتيجة بعد ذلك تكون : هي ، انه لا بد للفم من منظف اولا ، ومعقم ومطهر له ثانيا ، يقتل هذه الجراثيم التي فيه ، ويزيلها ، ويمنع من حدوث اخرى مكانها ...
  وقد قرر الشارع : ان هذا المنظف والمطهر والمعقم هو السواك ، الذي يكون في نفس الوقت علاجا ، كما هو عملية وقائية من كثير من الامراض ، التي يمكن ان يتعرض لها الانسان نتيجة لموبوئية الاسنان ، ومنها امراض المعدة ، حيث ان السواك ( يصح المعدة ) كما تقدم ، هذا عدا عن الاثار الكثيرة التي اشرنا وسنشير اليها ان شاء الله تعالى ... كما ويلاحظ : انه قد اعتبره مطهراً ومعقما للفم كله ، لا لخصوص الاسنان وحسب ... ولكن شرط ان يستعمل على النحو الذي يريده الشارع ، وفي الاوقات والوسائل التي قررها ...
  ومن هنا ، فاننا نعرف الحكمة في قولهم عليهم السلام عن السواك : انه طهور للفم ، ومنظف له ، وانه يدفع عن الانسان السقم ، ويذهب اوجاع الاضراس ... الى غير ذلك مما تقدم ، وسيأتي ان شاء الله تعالى ...

**************************************************************
(1) راجع كتاب . الصحة والحياة ص 35 / 36 فانه قد اوضح ذلك ...

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 232 ـ

السواك يشهي الطعام :
  كما ان من الواضح : ان موبوئية الفم ، وكثرة الجراثيم فيه تقلل من اشتهاء الانسان للطعام ، وميله اليه ، ولاسيما اذا كان ثمة عسر هضم ، او حزة او حموضة في المعدة ...
  بل ان من الامور الثابتة علميا : ان تنظيف الاسنان يدفع الانسان الى الطعام ، ويزيد من الكميات التي يتناولها منه الى حد ملفت للنظر ... وهذا بالذات ما يفسر لنا ماورد عنهم عليهم السلام ، من ان السواك يشهي الطعام ويمريه ...
  عذوبة الفم ... والفصاحة ...
  واذا كان الاستياك يوجب عذوبة الفم ، ونقاوة اللعاب ، ويشد اللثة ويقويها ويحافظ على الاسنان ، ويوجب تقوية عضلات الفم ، الى آخر ما تقدم ... فان من الطبيعي ان يكون من اسباب زيادة الرجل فصاحة ، حيث تصير عضلات الفم اكثر قدرة على الحركة ، واكثر تحكما بالنبرات الصوتية ، واكثر نشاطا ، ودقة في ادائها لوظيفتها ...

السواك بالقصب والريحان وغيرهما :
  ومع اننا قد اطلنا الكلام نسبيا في موضوع السواك ... الا ان تشعب هذا الموضوع ، واختلاف مناحيه واطرافه هو الذي فرض علينا ذلك ، مع اعترافنا بالعجز والقصور عن ادراك الكثير مما يرمي اليه النبي والائمة صلوات الله وسلامه عليهم ، او يشيرون اليه ...
  ولذا ... فاننا لانجد محيصا عن الالمامة السريعة فيما يتعلق بأحوال وكيفيات السواك واوقاته كذلك ... فنقول :

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 233 ـ

 ان من الواضح : ان مجرد اخراج الفضلات من تجاويف الاسنان ، وان كان في حد ذاته مفيداً ... الا انه اذا كان بطريقة غير صالحة ، فلربما تنشأ عنه اضرار تفوق ما يمكن ان يجلبه من منافع ...
  وهذا ... ما يبرز الحاجة الملحة لتوخى الطريقة الاصلح والفضلى التي تؤدى المهمة المنشودة على اكمل وجه ، وتتلافى معها جميع المضاعفات والاضرار المحتملة ...
  وبديهي ان اخراج الفضلات من تجاويف الاسنان بواسطة آلة صلبة ، كدبوس او ابرة ، او اي آلة معدنية اخرى ... لما يتسبب منه جرح الجدار الصلب الذي يغلف تاج السن ... كما انه قد يؤدي الى جرح النسيج اللثوي ، الامر الذي ينتج عنه تعرض الاسنان للنخر ، واللثة للالتهابات ، بفعل تلك الجراثيم التي تتواجد في الفم ، والتي ربما تعد بالملايين .
  واذن ... فلا بد وان يكون السواك والخلال بوسيلة لا صلابة فيها ، يؤمن معها من جرح الجدار الصلب لتاج السن ، وجرح النسيج اللثوي ايضا ... ولاجل ذلك ... فقد منع الاسلام عن السواك والخلال بالقصب وعود الرمان لان ذلك قد يجرح النسيج اللثوي ، ويؤثر في تاج السن ايضا ...
  كما انه قد منع عن عود الريحان ... ولعل ذلك يرجع الى انه يحتوي على بعض المواد المضرة بالاسنان وفي اللثة على حد سواء ...
  ومما يدل على المنع عن السواك بغير الاراك والزيتون .
  ما روى عن النبي ( ص ) من انه نهى ان يتخلل بالقصب ، وان يستاك به (1) ...
  وعنه ( ص ) : انه نهى عن السواك بالقصب ، والريحان ، والرمان (2) السواك بالاراك ، ونحوه :
  وقد أمر الاسلام بالسواك بعود الاراك وحث عليه ، وما ذلك الا لان النسيج

**************************************************************
(1) المحاسن ص 524 ومكارم الاخلاق ص 153 .
(2) المصدران السابقان .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 234 ـ

  الداخلي لعود الاراك بعد ملاقاته للماء او اللعاب يتخذ حالة ملائمة جدا لعملية السواك ، حيث انه يصير مرنا ، وناعما وطريا ، يشبه الفرشاة المستعملة في هذا الايام الى حد بعيد ، فلا يتعرض معه جدار السن ، ولا النسيج اللثوي الى اية حالة يمكن ان ينتج عنه ضرر مهما كان ... كما ان عود الزيتون يؤدي نفس هذه المهمة ايضا على ما يبدو ...
  نعم ... لم يأمر الاسلام باتخاذ فرشاة ، ولا ارشد الى صنع معاجين من مواد معينة ، ومعقمة ومطهرة للفم ، ومضادة الى حد ما للجراثيم ... على النحو الشائع في هذه الايام ... اذ لم يكن في ذلك الزمان معاجين ، ولا كان يخطر في بالهم ، او يمر في مخيلتهم ان يحتاج تنظيف الاسنان الى مواد كيمياوية من نوع معين ... ولو انه ( ص ) اراد ان يرشدهم الى صنع فرشاة او تركيب معاجين كيمياوية لهذا الغرض لوجد انه سيتعرض لنسب واباطيل لايرضى احد ان يتعرض لها ...
  ولكنه ( ص ) امرهم باتخاذ عود الاراك ، او عود الزيتون مسواكا ، وذكر له في الروايات منافع هامة ، ثم اكد الائمة بعده على ذلك ...
  فقد روى : عن الباقر عليه السلام : ان الكعبة شكت الى الله عز وجل ما تلقى من انفاس المشركين ، فأوحى الله تعالى اليها : قرى كعبة ، فاني مبدلك بهم قوما يتنظفون بقضبان الشجر ، فلما بعث الله محمداً ، اوحى الله اليه مع جبرئيل بالسواك والخلال ... وهو مروى بعدة طرق ... (1) .
  وعن النبي (ص) : أنه كان يستاك بالاراك ، أمره بذلك جبرئيل (2) وفي ما كتبه الرضا عليه السلام للمأمون : ( واعلم يا امير المؤمنين : ان اجود ما استكت به ليف الاراك ، فانه يجلوا الاسنان ، ويطيب النكهة ، ويشد اللثة ،

**************************************************************
(1) المحاسن للبرقي ص 558 ، ومن لا يحضره الفقيه ج 1 ص 34 والوسائل ج 1 ص 357 و 348 ومكارم الاخلاق ص 50 والبحار ج 66 ص 439 وج 76 ص 130 و 138 وفي هوامشه عن تفسير القمي ص 50 وعن فروع الكافي ج 1 ص 314 .
(2) مكارم الاخلاق ص 39 ، والبحار ج 76 ص 135 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 235 ـ

  ويسمنها . وهو نافع من الحفر ، اذا كان باعتدال ، والاكثار منه يرق الاسنان ، ويزعزعها ، ويضعف اصولها (1) ) .
  وبالنسبة للسواك بالزيتون فقد روى عن النبي ( ص ) : انه قال : نعم السواك الزيتون من الشجرة المباركة ، يطيب الفم ، ويذهب بالحفر ، وهي سواكي ، وسواك الانبياء قبلي (2) .
  اما بالنسبة لعود الزيتون الذي لم نجده الا في هذا النص الاخير ، فلا نملك معلومات يقينية عنه يمكن الاعتماد عليها ...
  وما يهمنا هنا هو الكلام عن عود الاراك ... فاننا اذا لاحظنا ما في عود الاراك من المنافع فلسوف ندرك : انه ليس من اللازم ، بل ولا من الراجح العدول عنه الى الفرشاة ، ولا الى المعاجين التي يدعى انها تساعد على التنظيف ، والتعقيم والتطهير ، بل لا بد من الاقتصار على عود الاراك ، حيث قد اثبتت المختبرات الحديثة افضليته على الفرشاة .
  حيث ان ( للادراك رائحة طيبة ، لعابية ، وفيه مواد تبيض الاسنان (3) ) وقال وجدي : ( وله فائدة بالنسبة الى الاسنان وهي صلاحية اغصانه للاستياك بها .
  وفيها من حسن النكهة ، وتمام الاستعداد لاستخراج فضلات الاغذية من بين الاسنان ما يجعل استعماله افضل من الفرشة (4) ) .
  نعم ... و ( قد وجد احد معامل الادوية في المانيا مادة خاصة في المسواك المأخوذ من شجر الاراك ، تكسب الاسنان مناعة على النخر ، شبيهة بمادة ( الفلور ) ، وقاتلة للجراثيم .
  ولوحظ : ان نسبة نخر الاسنان لدى الذين يستعملون المسواك اقل بكثير

**************************************************************
(1) راجع الرسالة الذهبية ص 50 ط سنة 1402 هـ . والانوار النعمانية ج 4 ص 180 والبحار ج 62 ص 317 .
(2) مكارم الاخلاق ص 49 والبحار ج 76 ص 135 .
(3) اولين دانشكاه وآخرين بيامبر ج 12 ص 134 .
(4) دائرة معارف القرن العشرين ج 1 ص 201 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 236 ـ

  من الذين يستعملون فرشاة الاسنان . وما زال هذا المعمل يواصل بحوثه وتحرياته ، ويحاول الاستفادة من هذه المادة ، واضافتها الى معاجين الاسنان ) (1) .
  أما الفرشاة ، فليس فيها هذه المادة القاتلة للجراثيم ، ولهذا ينصح الاطباء بوضعها في الماء والملح بعد تنظيف الاسنان بها ، ليقضى بواسطة ذلك على الجراثيم العالقة ، او التي ربما سوف تعلق بها ، وحتى لا تعود تلك الميكروبات للفم مرة ثانية ...
  أما عود الاراك ، فان كل ما علق او يعلق به ، فانه يقضى عليه تلقائيا بواسطة تلك المادة الموجودة فيه من دون حاجة الى جعله في الماء والملح ، او غير ذلك ... هذا ... اذا استطاع الماء والملح ان يقضى على جميع انواع المكروبات ، ومن اين له ذلك وانى ، فان ذلك مما لم يثبت حتى الان ... السواك عرضا ... لا طولا :
  ثم ان لكيفية السواك مدخل في التنظيف الكامل وعدمه ، اذا انه مرة يمر المسواك على الاسنان امرارا ظاهريا ... وهذا لا يكفي ـ بطبيعة الحال ـ في الوصول الى الغاية التي شرع من اجلها السواك .
  ومرة يصل المسواك الى جميع تجاويف الاسنان ، ويخرج الفضلات منها ... وهذا هو المطلوب ... لانك اذا دعكت الاسنان بالمسواك صعودا ونزولا ، فلسوف تدخل شعب المسواك الى جميع التجاويف ، والفجوات ، والخلايا ... حتى لا يبقى اي شيء من الفضلات يمكن ان يسبب ضررا على الاسنان ، او على اي من اجهزة الجسم الاخرى ... وقد ورد الامر من الائمة عليهم السلام بهذه الطريقة قبل اربعة عشر قرنا ، ولم يتنبه لها علماء الطب الا في هذه السنوات المتأخرة ، وبدؤا ينصحون باتباعها ... (2) .
  وعلى كل حال ... فقد ورد عن النبي ( ص ) قوله : استاكوا عرضا ، ولاتستاكوا طولا (3) ...

**************************************************************
(1)
(2) الصحة والحياة ص 37 .
(3) من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 33 وراجع البحار ج 80 ص 343 وج 66 ص 414 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 237 ـ

  وعن النبي ( ص ) : اكتحلوا وتراً ، واستاكوا عرضاً (1) ... وكان ( ص ) اذا اذا استاك استاك عرضا (2) .
  وكان امير المؤمنين عليه السلام ( يستاك عرضا ، ويأكل هرثا ) (3) .

المضمضة بعد السواك :
  الا ان من الواضح : ان مجرد اجراء عملية السواك هذه ، لا يكفى في اخراج الفضلات من الفم ، وتنظيفه وتطهيره ... مع ان هذه هو احد الاهداف الهامة من عملية السواك ، كما صرحت به الروايات الكثيرة ...
  بل لا بد من القيام بعملية اخرى لاخراج هذه الفضلات من الفم ، وليكون الفم من ثم نظيفا ، طاهرا ، طيب الرائحة الخ ...
  وقد بين لنا ائمة اهل البيت عليهم السلام هذه الطريقة ، فحكموا بلزوم المضمضة بعد السواك ، واذا كان ذلك الغرض لا يحصل من المضمضة مرة واحدة ، فقد ورد الامر بالمضمضة ثلاث مرات بعده .
  فعن الصادق عليه السلام : من استاك فليتمضمض ... (4) .
  وجاء في رواية اخرى لمعلى بن خنيس عن السواك بعد الوضوء ، قال عليه السلام : ( يستاك ، ثم يتمضمض ثلاث مرات (5) ) .

**************************************************************
(1) من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 33 ومكارم الاخلاق ص 50 والبحار ج 76 ص 137 والوسائل ج 1 ص 412 .
(2) مكارم الاخلاق ص 35 والكافي ج 6 ص 297 ومجمع الزوائد ج 2 ص 100 .
(3) الوسائل ج 16 ص 497 وفي هامشه عن الفروع ج 2 ص 164 وقصار الجمل ج 1 ص 18 والهرث : يأكل باصابعه جميعا .
(4) الوسائل ج 1 ص 354 والمحاسن ص 653 و 561 والبحار ج 76 ص 134 .
(5) المحاسن ص 561 والبحار ج 80 ص 339 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 338 ـ

ادنى السواك :
  ونلاحظ : ان اهتمام الاسلام بالسواك قد بلغ حدا لربما يصعب تفسيره على الكثيرين ، او ادراك معطياته بشكل كاف ... حتى لنجده يكتفى من السواك بالدلك بالاصبع ، فعن النبي ( ص ) : التسوّك او التشويص بالابهام والمسبحة عند الوضوء سواك (1) ...
   وعنهم عليهم السلام : ادنى السواك ان تدلكه باصبعك (2) ...
  بل لقد اكتفى فيه بالمرة الواحدة كل ثلاث ، فعن الباقر عليه السلام : لا تدعه في كل ثلاث ، ولو ان تمره مرة واحدة (3) .
  وهذا تعبير صادق عن مدى اهتمامهم عليهم السلام بالسواك ، كما انه يوحى بما للسواك من عظيم الفائدة ، وجليل الاثر . ، فان الدلك بالاصبع ، وان لم يكن محققا للغاية المرجوة بتمامها ، الا ان الميسور لا يترك بالمعسور ، اذ ان الدلك بالاصبع مفيد على الاقل في تقوية اللثة ، وتحريك عضلاتها ... كما انه يتهك الاغشية التي ربما تغلف الاسنان واللثة ، وتستبطن معها الكثير من الفضلات التي يمكن ان تكون مسرحا لكثير من الجراثيم والميكروبات ، التي تنشأ عن تخمر الفضلات ـ الامر الذي يؤثر ولو جزئيا في محدودية فعالية تلك الجراثيم على الاقل ... وهذا بالذات ما يفسر لنا قولهم عليهم السلام : لا تدعه في كل ثلاث ، ولو ان تمره مرة واحدة ، كما هو ظاهر لا يخفى .

**************************************************************
(1) البحار ج 80 ص 344 عن دعوات الراوندي ، والوسائل ج 1 ص 359 وفي هامشه عن التهذيب ج 1 ص 101 .
(2) الكافي ج 3 ص 23 والوسائل ج 1 ص 359 ، وراجع البحار ج 76 ص 127 وص 137 عن علل الشرايع ج 1 ص 278 وعن مكارم الاخلاق ص 52 وراجع مجمع الزوائد ج 2 ص 100 .
(3) الكافي ج 3 ص 23 ومن لا يحضره الفقيه ج 1 ص 33 ، ومكارم الاخلاق ص 50 والوسائل ج 1 ص 359 و 353 والبحار ج 76 ص 137 ، وراجع هوامش الوسائل ...

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 239 ـ

السواك بماء الورد :
  نعم ... ومن اجل ان تطيب رائحة الفم اكثر ، لان السواك مطيبة للفم ايضا ، نجد : ان الحسن عليه السلام كان يستاك بماء الورد (1) .

السواك في الحمام :
  هذا ... ولعل من الامور الذي لا تحتاج الى بيان : ان السواك في الحمام غير صحي ، لان السواك عبارة عن تنظيف الخلايا والفجوات من الفضلات ، فاذا تعرضت تلك الخلايا والفجوات لجو الحمام المزدحم بالميكروبات ، فلسوف تتعرض لغزو عنيف منها . ولن يمكن التخلص منها بعد بسهولة ويسر ، لا سيما وانه وهو في ذلك الجو كلما اخرج منها فوجا استقر في مكانه فوج آخر ، واتخذ مواقعه ...
  نعم ... ولايوجد ثمة اي شيء يحجزها عن الوصول الا الامكنة الحساسة ، لمباشرة اعمالها التخريبية رأسا ...
  اما في غير جو الحمام ، فان اللعاب يمنعها الى حد ما من الوصول بهذه السرعة الى الامكنة الحساسة ، وذلك بسبب تغطيته لها ولزوجته ، التي يحتاج اختراقها من قبل الجراثيم الى بعض الوقت ، مضافا الى تبدل اللعاب وتغيره باستمرار ، ولو بقى منها شيء مع هذا التبدل ، فان النوبة الثانية لاستعمال السواك تكون قد ازفت ... وأما اثناء السواك في الحمام ، فان اللعاب لا يصل الى المناطق التي عليها المسواك ، بل تبقى مكشوفة معرضة للعطب بأسرع ما يكون ... هذا ... مع ملاحظة ان جو الحمام يكون اغنى بهذه الميكروبات ، وتكون اكثر حيوية فيه ...
  وهذا ... ما يفسر لنا ما ورد عن ابي عبد الله عليه السلام في حديث : واياك والسواك

**************************************************************
(1) البحار ج 80 ص 346 عن الهداية ص 18 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 240 ـ

  في الحمام ، فانه يورث وباء الاسنان ... وفي معناه عدة روايات اخر (1) .

السواك على الخلاء :
  ونفس ما تقدم ـ تقريبا ـ يأتي بالنسبة الى السواك على الخلاء ، فان نفس تلك الرائحة الكريهة عبارة عن جراثيم وميكروبات ... فاذا ما وصلت الى الفم ، واستقرت فيه ، ولا سيما في المناطق الحساسة والمكشوفة نسبيا ، وتناسلت وتكاثرت ، فان النّفس يبدأ بقذف الزائد منها الى الخارج ، فتلتقطه حواس الشم لدى الآخرين ... الامر الذي ينشأ عنه شدة تنفرهم وانزعاجهم منه ... ومن هنا ... نجدهم عليه السلام ينهون عن السواك على الخلاء .
  فعن الصادق عليه السلام في حديث ، والسواك في الخلا يورث البخر (2) .
  وعنه عليه السلام : السواك على المقعد يورث البخر (3) .

اوقات السواك ، والسواك للصائم :
  قد تقدم ما يدل على استحباب السواك عند كل وضوء ، وعند كل صلاة . . واذا اراد ان ينام ويأخذ مضجعه ، ووقت السحر ، وفي كل مرة قام من نومه ، وحين طلوع الشمس ووالخ ...

**************************************************************
(1) امالي الصدوق ص 253 و 254 والوسائل ج 1 ص 359 و 360 ومن لا يحضره الفقيه ج 1 ص 33 ومكارم الاخلاق ص 49 والكافي ج 6 ص 208 والبحار ج 76 ص 136 و 70 و 71 / 72 و 76 و 75 و 81 و 328 وعن علل الشرايع ج 1 ص 276 وفقه الرضا ص 4 .
(2) و (3) من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 32 ومكارم الاخلاق ص 48 و 51 والبحار ج 80 ص 191 وج 76 ص 135 و 138 وعن الهداية ص 15 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 241 ـ

  أما الصائم فانه يستاك اي النهار شاء (1) .
  وكان علي يستاك في اول النهار وفي آخره ، في شهر رمضان (2) .
  ولكن لم يرجع له الاستياك بسواك رطب ايضا (3) ...
  ولعل ذلك من اجل ان لا يجعل الصائم في حرج من جهة صومه ، مع الحرص على القيام بعملية السواك حتى في حال الصوم ...

ونحن نشير هنا الى :
  ان وفود الجراثيم الى الفم لا ينحصر في تخمر فضلات الطعام فيه ، لان من الممكن ان تصل الى الفم عن طريق ملامسة بعض الاجسام الاخرى غير الطعام ... بل ومن الطعام نفسه اذا كان ملوثا بما هو خارج عنه ... كما ان من الممكن ان تتوافد الى الفم عن طريق الهواء غير النقي ، الذي يصل الى الفم ، والى غيره من اجهزة الجسم عن طريق التنفس .
  ولاجل هذا ... فقد اختلفت الميكروبات التي يعاني منها الفم وتنوعت ، ولا يضاهيه في اختلافها وتنوعها اي عضو آخر في الانسان على الاطلاق ... وهو اكثر الاعضاء قابلية لاسقبالها ، وهو المكان الامثل لنموها وتكاثرها ... لان اللعاب الذي يتدفق باستمرار ـ وان كان في حالة سلامة الجسم ـ يمكنه ان يقضى على

**************************************************************
(1) الكافي ج 3 ص 23 ، والمحاسن ص 563 والبحار ج 76 ص 136 و 134 ومن لا يحضره الفقيه ج 1 ص 33 والاستبصار ج 1 ص 91 ومكارم الاخلاق ص 49 والوسائل ج 1 ص 360 و 57 و 58 والبخاري نشر دار الفكر العربي ج 2 ص 234 وسنن ابي داود ج 2 وسنن ابن ماجة ...
(2) الوسائل ج 7 ص 60 وفي هامشه عن قرب الاسناد ص 43 .
(3) الاستبصار ج 2 ص 91 / 92 والوسائل ج 1 ص 360 وج 7 ص 55 و 59 و 58 وفي هوامشه عن العديد من المصادر .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 242 ـ

  كثير من انواع الميكروبات (1) الا انه في غير هذه الحالة يمثل الدرع الواقي والغطاء الطبيعي لها ، الذي يمكنه ان يحميها من كثير من العوارض ... بل انه يمثل الغذاء لها لو حرمت الغذاء ... واذا لاحظنا مدى حساسية هذا العضو ـ الفم ـ بالنسبة لسائر اجهزة الجسم الاخرى ... فاننا نعرف السر في تجويز الاستياك للصائم ... وفي دعوة الاسلام للاستياك في الاوقات المختلفة المتقدم ذكرها ...
  اضف الى ذلك : ان بقاء محيط الفم لعدة ساعات في حالة هدوء معناه : انه اذا كان فيه شيء من الفضلات المتبقية فان التخمير يتم فيه بيسر وسهولة حينئذ ، كما انه لو كانت بعض الجراثيم متخلفة في الفم فانها تستطيع مهما كانت ضئيلة ومحدودة ان تقوم بنشاط واسع من دون وجود اي وازع او رادع .
  فاذا استاك قبل النوم فانه يقضى بذلك على كل ذلك ، ولا يبقى ثمة فرصة لنشاط الجراثيم ، ولا لتخمر الفضلات ...
  كما ان السواك بعد النوم يقضى على الجراثيم الوافدة الى الفم عن طريق التنفس وغيره . ويقول البعض : ( ان تدفق اللعاب باستمرار في الفم عامل مهم في منع اصابة الاسنان بالتسوس والخراب ، لان اللعاب يؤثر في تنظيفها ميكانيكيا ، وحيث انه يقل تدفق اللعاب ليلا ، فان قابلية الاسنان للتعرض للخراب تزيد طبعا ، وهذا ما يؤكد الحاجة للسواك بعد النوم كما قلنا ) (2) ...
   كما ان السواك يقضى على الميكروبات التي يمكن ان تكون قد نشطت اثناء النوم ، وعلى بعض الفضلات لو فرض تخلفها في تجاويف الفم ، فيما لو كان السواك قبل النوم غير فعال ، بسبب التقصير في الاستقصاء فيه ... نعم ... ولعل ما ذكرناه يلقى بعض الضوء على ما تقدم من قولهم عليه السلام :

**************************************************************
(1) فان لم يمكن فان اسيد المعدة يقضى عليها ، فان لم يمكن قضت عليها تركيبات الصفراء ( راجع : اولين دانشكاه وآخرين بيامبر ج 12 ص 122 و 126 ) .
(2) اولين دانشكاه وآخرين بيامبر ج 12 ص 155 / 156 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 243 ـ

  لو علم الناس ما في السواك لاباتوه معهم في لحاف . . وهذا ما يؤكد لنا عظمة الاسلام ، وانسجامه مع الحاجات الطبيعية ، التي تكتنف وجود هذا الكائن ، وتهيمن عليه ...
  جرح اللثة ...
   ويلاحظ هنا : ان جرح اللثة بالسواك ثم تعفنها غير وارد هنا بالنسبة للانسان السليم ... وذلك لان الفم يتمتع بمناعة خاصة ضد تعفن جراحة الفم ، ولعل هذا هو السر في اعتبار الاسلام الفم طاهرا ، مطهرا ، بحيث لو ظهر فيه دم فانه يطهر بنفسه بمجرد ذهاب آثاره ... كما ان اللعاب نفسه قاتل للميكروب لدى الرجال الاصحاء ، كما قدمنا (1) .
  ولكن ذلك لايعنى عدم تولد ملايين الجراثيم في الفم بفعل التخمر الذي تغلفه اغشية تمنع من تأثير اللعاب في مكافحتها عادة ... كما اشرنا اليه من قبل ...

المساويك المختلفة :
  هذا ... ونجد : ان الرضا عليه السلام يستاك في كل مرة بأكثر من مسواك واحد ، ولعله لاجل ان يتلافي ما يمكن ان يعلق بكل واحد منها اثناء عملية السواك هذه ، ثم يمضغ الكندر بعد سواكه ...
  فقد ورد : ان الرضا عليه السلام كان اذا صلى الفجر جلس في مصلاه الى ان تطلع الشمس .
  ثم يؤتى بخريطة فيها مساويك ، فيستاك بها واحدا بعد واحد ، ثم يؤتى بكندر فيمضغه الخ (2) .
  ولعل مضغه للكندر بهدف تطييب رائحة فمه ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه اجمعين ...

**************************************************************
(1) اولين دانشكاه وآخرين بيامبر ج 12 ص 122 و 126 وراجع : من امالي الامام الصادق ج 1 ص 100 .
(2) الوسائل ج 1 ص 360 والبحار ج 67 ص 137 ومكارم الاخلاق ص 50 ، وعن التهذيب ج 1 ص 163 واولين دانشكاه ج 12 ص 132 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 244 ـ

السواك : . والتلوثات الخارجية :
  لقد ورد عن الصادق عليه السلام : ان رسول الله ( ص ) كان اذا صلى العشاء الآخرة امر بوضوئه وسواكه ، فيوضع عند رأسه مخمرا ، فيرقد ما شاء الله ، ثم يقوم ، فيستاك الخ (1) .
  كما ... وتقدم : ان الرضا عليه السلام كان وهو بخراسان اذا صلى الفجر جلس في مصلاه الى ان تطلع الشمس ، ثم يؤتى بخريطة فيها مساويك ، فيستاك بها واحدا بعد واحد ، ثم يؤتى بكندر الخ ...
  وهذا يعكس رغبة النبي ( ص ) والامام عليه السلام بالمحافطة على المساويك ، ولو بجعلها في خريطة ، او الاحتفاظ بها مغطاة الى وقت الحاجة ... حتى لا يصل اليها اي من انواع الجراثيم من اي سبب كان ، حتى من الهواء ، فضلا عن ملامسة اي شيء آخر لها ... وهذا هو منتهى المداقة في المحافظة على سلامة البدن ... ولا سيما اذا لاحظنا : ان الرضا عليه السلام نفسه يجعل لكل صلاة مسواكا خاصا بها ، من اجل ان لا يبقى في المسواك حين استعماله للمرة الثانية اي اثر للرطوبة من العملية السابقة ، لان الرطوبة يمكن ان تنسجم مع حياة بعض الجراثيم التي ربما تعلق بها (2) .
   ويكون اللعاب حاجزاً من تأثير المواد التي في المسواك في اهلاكها وابادتها ...

استحباب الوضوء للطعام :
  هذا ... وقد ورد في الاحاديث ما يفيد استحباب الوضوء قبل الطعام ، وقد تقدم : ان السواك مستحب عند كل وضوء ، وهذا يعني ان السواك سيسبق الطعام ووضوءه ،

**************************************************************
(1) الكافي ج 3 ص 445 والوسائل ج 1 ص 356 واولين دانشكاه وآخرين بيامبر ج 2 ص 129 .
(2) اولين دانشكاه وآخرين بيامبر ج 12 ص 132 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 245 ـ

  واذن فلا مجال بعد لتلوث الطعام ، ثم وروده الى المعدة مصاحبا للجراثيم ، فيضر بها كما تقدم ، اما السواك بعد الطعام ، فقد استغنى الاسلام عن النص عليه بسبب تشريعه السواك في فترات كثيرة ، طيلة اليوم والليل ، بحيث يصير تخمر الفضلات امرا غير معقول ولا ممكن ...

الخلال بعد الطعام :
  وكثيرا ما لا تخرج بعض الفضلات المتخلفة في تجاويف الاسنان بالمضمضة بل ربما يعسر اخراجها بواسطة السواك ايضا ... فتمس الحاجة الى استعمال وسيلة اخرى لاستكراه تلك الفضلات على الخروج ، حتى لا تتحول بفعل التخمير الى مناطق موبوءة ، تضج بالجراثيم ، وتؤثر في التهابات اللثة ، وخراب الاسنان وغير ذلك من اعراض تقدمت الاشارة اليها في بحث السواك ... وقد ورد الامر بالخلال في الاسلام بانحاء مختلفة ... كما وبين النبي ( ص ) والائمة عليهم السلام ما يترتب عليه من الفوائد ، بالاضافة الى ذكر الوسائل التي لا يصح استعمالها في هذا المجال ... الى غير ذلك مما سيتضح من النصوص التالية .
  ولسوف لن نصغى الى اولئك الذي يقولون : ان الخلال يهيىء الفرصة للابتلاء بالتهابات اللثة وتقيحها ، وخراج السن الموجب لقلعه (1) ... فان الخلال الموجب لذلك هو خصوص الخلال العنيف الذي تستعمل فيه الوسائل الحادة التي تجرح اللثة وجدار السن ، الامر الذي ينشأ عنه ما ذكر ... وقد نبه النبي ( ص ) والائمة عليهم السلام لهذه الجهة ، وارشدوا الى ما يمنع من ظهورها ، وسنرى ... حين الكلام على وسائل الخلال بعض ما ورد عنهم في ذلك ...
  كما انه مع تعدد عملية الخلال والسواك والمضمضة يوميا ، فانه لاتبقى فرصة لظهور مرض كهذا على الاطلاق (2) .

**************************************************************
(1) اولين دانشكاه وآخرين بيامبر ج 12 ص 172 .
(2) المصدر السابق ...

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 246 ـ

الخلال في الاعتبار الشرعي :
  عن النبي ( ص ) : رحم الله المتخللين من امتي في الوضوء والطعام (1) وعنه ( ص ) : حبذا المتخلل من امتي (2) .
  عن ابي الحسن عليه السلام عنه ( ص ) : رحم الله المتخللين ، قيل : يا رسول الله ، وما المتخللون ؟ قال : يتخللون من الطعام ، فانه اذا بقى في الفم شيء تغير فآذى الملك ريحه (3) .
  وليراجع ما عن سعد بن معاذ عنه ( ص ) (4) .
  وبمعناه عن الباقر عليه السلام عنه ( ص ) ، وفيه ، فليس اثقل على ملكى المؤمن من ان يريا شيئا من الطعام في فيه وهو قائم يصلي (5) .
  وعنه ( ص ) : والخلال يحببك الى الملائكة ، فان الملائكة تتأذى بريح من لا يتخلل بعد الطعام ( (6) .

**************************************************************
(1) مكارم الاخلاق ص 153 والبحار ج 66 ص 436 و 432 عنه وعن الدعائم والشهاب وفي الهامش عن الدعائم ج 2 ص 120 / 121 ومستدرك الوسائل ج 3 ص 100 و 101 .
(2) مكارم الاخلاق ص 153 والبحار ج 66 ص 436 ومستدرك الوسائل ج 3 ص 101 .
(3) المحاسن للبرقي ص 558 والبحار ج 66 ص 439 عنه ، وليراجع مجمع الزوائد ج 5 ص 29 / 30 والوسائل ج 16 ص 532 .
(4) مكارم الاخلاق ص 152 عن الفردوس والبحار ج 66 ص 436 عن المكارم ومستدرك الوسائل ج 3 ص 100 .
(5) راجع : البحار ج 66 ص 436 و 442 وج 80 ص 345 عن دعائم الاسلام ج 1 ص 123 وليراجع مكارم الاخلاق ص 153 ومستدرك الوسائل ج 3 ص 100 .
(6) تحف العقول ص 12 والبحار ج 72 ص 139 وج 77 ص 69 والوسائل ج 1 ص 352 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 247 ـ

  وعنه ( ص ) : نزل علي جبرئيل بالخلال (1) .
  وعن الصادق عليه السلام : نزل جبرئيل بالسواك والخلال والحجامة (2) .
  وقد تقدم نفس هذا المعنى حين الكلام على السواك في حديث شكوى الكعبة الى الله ما تلقاه من انفاس المشركين فراجع ...
  وعن الامام الكاظم عليه السلام : ينادى مناد من السماء : اللهم بارك في الخلالين والمتخللين ... الى ان قال : والذين يتخللون ، فان الخلال نزل به جبرئيل مع اليمين والشهادة من السماء (3) .
  وقد جعل الخلال من العشرة اشياء التي هي من الحنيفية ، التي انزلها الله على ابراهيم (4) .
  الى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه (5) ... التأسي برسول الله ( ص ) :
  ونلاحظ هنا : ان الائمة عليهم السلام لم يكتفوا باثبات اهمية الخلال بالاخبارات عن اهميته لدى الشارع ، حتى ان جبرئيل هو الذي نزل به ... بل تعدوا ذلك ، فوجهوا الناس نحو التأسي ، والاقتداء برسول الله ( ص ) ، فعن وهب بن عبد ربه ،

**************************************************************
(1) المحاسن ص 558 والبحار ج 66 ص 439 والكافي ج 6 ص 376 والوسائل ج 16 ص 531 .
(2) من لايحضره الفقيه ج 1 ص 32 والكافي ج 6 ص 376 والمحاسن ص 558 والوسائل ج 16 ص 532 والبحار ج 66 ص 439 .
(3) السرائر ، قسم المستطرفات ص 476 والوسائل ج 16 ص 533 والبحار ج 66 ص 441 / 444 ، ومكارم الاخلاق ص 153 .
(4) مجمع البيان ج 1 ص 200 والبحار ج 76 ص 68 وبهامشه عن تفسير القمي ص 50 والوسائل ج 1 ص 424 .
(5) راجع : المصادر المتقدمة وغيرها ...

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 248 ـ

  قال : رأيت ابا عبد الله يتخلل ، فنظرت اليه : فقال : ان رسول الله ( ص ) كان يتخلل (1) .

الحرج في ترك الخلال :
  وبعد هذا ... فقد تعدى الامر ذلك الى التلويح بما يترتب على ترك الخلال من عواقب سيئة ، فقد روى عن ابي عبد الله عليه السلام ، انه قال : من اكل طعاما فليتخلل ، ومن لم يفعل فعليه حرج (2) .

الخلال للمحرم :
  هذا ... وقد وردت الرخصة بالخلال للمحرم ، مع انه يحتمل ادماء اللثة فعن عمار بن موس ى ، عن ابي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن المحرم يتخلل ؟ قال : لابأس (3) .

فوائد الخلال :
  واما عن فوائد الخلال ، ومضار تركه ، فيمكن ان نستخلصها من الروايات على النحو التالي :
  1 ـ يطيب الفم .
  2 ـ مصحة ( او مصلحة ) للفم ، والنواجذ .
  3 ـ ينقى الفم .
  4 ـ مصحة ( او مصلحة ) للثة والنواجذ .

**************************************************************
(1) المحاسن ص 559 و 560 والبحار ج 66 ص 439 والكافي ج 6 ص 376 وزاد فيه ( وهو يطيب الفم ) والوسائل ج 16 ص 531 وفي هامشه عن الفقيه ج 2 ص 115 .
(2) الوسائل ج 16 ص 533 والبحار ج 66 ص 441 والمحاسن للبرقي ص 564 .
(3) الوسائل ج 9 ص 179 وفي هامشه عن : الفروع ج 1 ص 66 ، وعن التهذيب ج 1 ص 266 وعن الاستبصار ج 2 ص 183 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 249 ـ

  5 ـ يجلب الرزق على العبد .
  6 ـ هو نظافة .
  7 ـ يذهب بالبادجنام ، وهو حمرة منكرة على الوجه والاطراف ، كما سيأتي ...
  8 ـ يمنع من حدوث الروائح الكريهة في الفم .
  وقد وردت هذه الفوائد في العديد من النصوص ، مثل ما روى عن الصادق عليه السلام : من ان الخلال يطيب الفم (1) .
  وعن النبي ( ص ) : تخللو على اثر الطعام فانه مصحة للفم والنواجذ ، ويجلب الرزق على العبد .
  وفي نص آخر : انه ( ص ) ناول جعفراً خلالا وامره بالتخلل ، معللا له ذلك بما ذكر (2) .
  وعنه ( ص ) : تخللوا ، فانه من النظافة ، والنظافة من الايمان ، والايمان مع صاحبه في الجنة (3) .
  وقد تقدم : ان الكعبة شكت الى الله ما تلقاه من انفاس المشركين ، فأوحى الله لها : انه مبدلها بهم قوما يتنظفون بقضبان الشجر الخ ... قال الشهيد رحمه الله : ( والتخلل يصلح اللثة ، ويطيب الفم ) (4) .
  وروى ان النبي ( ص ) قال لعلي عليه السلام : عليك بالخلال ، فانه يذهب بالبادجنام الخ، (5) .
  قال المجلسي : البادجنام : كانه معرب بادشنام ، وهو على ما ذكره الحكماء

**************************************************************
(1) الكافي ج 6 ص 376 والوسائل ج 16 ص 531 وفي هامشه عن الفقيه ج 2 ص 115 .
(2) مكارم الاخلاق ص 153 والبحار ج 62 ص 291 وج 66 ص 436 عنه وص 442 و 441 عن الدعائم ج 2 ص 120 / 121 وعن طب المستغفري والمحاسن ص 559 و 564 والكافي ج 6 ص 376 وراجع الوسائل ج 16 ص 532 و 533 ومستدرك الوسائل ج 3 ص 100 عن الجعفريات وص 101 عن المستغفري .
(3) البحار ج 62 ص 291 عن طب المستغفري ومستدرك الوسائل ج 3 ص 101 .
(4) البحار ج 66 ص 443 عن الدروس .
(5) بحار الانوار ج 66 ص 437 عن دعوات الراوندي ومستدرك الوسائل ج 3 ص 100 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 250 ـ

  حمرة منكرة شبه حمرة من يبتدىء به الجذام ، ويظهر على الوجه والاطراف ، خصوصا في الشتاء والبرد ، وربما كان معه قروح ... (1) .
  وفي رواية عنه ( ص ) : من استعمل الخشبتين امن من عذاب الكلبتين (2) .
  ولسنا بحاجة الى التعليق على ما ذكر للخلال من فوائد ، فقد تقدم في بحث السواك ما يوضح كثيرا مما ذكر هنا ، فلا حاجة لاعادته ... الا انه ما ذكر من انه يجلب الرزق ... لعله ناظر الى انه إذا كان يوفر على العبد الكثير من المتاعب الجسدية ، بالاضافة الى انه يفسح المجال امام الملائكة لان تقترب من العبد ، فانه ـ ولا شك ـ سيوفر على العبد الكثير من النفقات ، كما انه يعطيه نشاطا ، بل وروحية جديدة يستحق معها الالطاف الالهية ، والعنايات الربانية ، ومنها تهيئة موارد الرزق له ايضا .
  وأما بالنسبة للحمرة المشار اليها فلم نستطيع حتى الان ان نعرف السر في ذلك ... ولعل تقدم العلم الطبي في المستقبل يفسح المجال للتعرف على الكثير من القضايا التي لا تزال رهن الابهام والغموض ان شاء الله تعالى ... لزوم لفظ ما يخرج بالخلال .
  هذا ... وقد ورد في الاحاديث الكثيرة لزوم لفظ ما يخرج بواسطة الخلال من بين اضعاف الاسنان ، أما ما كان على اللثة ، او في اللهوات والاشداق ، مما يتبع اللسان ، فقد رخص في اكله (3) .

**************************************************************
(1) البحار ج 66 ص 437 .
(2) البحار ج 62 ص 291 عن طب المستغفري .
(3) راجع الاحاديث في ذلك في : المحاسن للبرقي ص 451 و 559 و 560 والبحار ج 66 ص 438 و 436 و 408 و 407 و 440 و 441 و 421 ومكارم الاخلاق ص 152 و 153 و 145 والكافي ج 6 ص 377 و 378 والوسائل ج 16 ص 542 ومستدرك الوسائل ج 3 ص 101 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 251 ـ

  وما ورد : من انه لاحرج من بلع ما يخرج بواسطة الخلال (1) فهو ناظر الى الحرج من حيث العقاب في الاخرة . أما الحرج والضرر الدنيوي فهو موجود ، ولهذا ... فقد امر بلفظ ما يخرج بالخلال في هذه الرواية بالذات ، فضلا عن غيرها ...
  والسر في ذلك واضح ، فان ما يستكره بالخلال مما يكون عالقا في تجاويف الاسنان يكون عرضة للتلوث بالجراثيم المتواجدة في تلك الامكنة ، التي يصعب الوصول اليها على وسائل التنظيف ، ولربما لا تصل اليها اطلاقا ...
  اما ما كان في مقدم الفم ، او في اللهوات والاشداق ، او حيث يمكن للسان ان يستخرجه حين يدار في جنبات الفم ... فانه يكون في مواضع لا يمكن لشيء ان يستقر فيها ، وحيث يتدفق اللعاب باستمرار ... فلا يكون ثمة اية فرصة لتخمرها وتكاثر اي نوع من انواع الجراثيم فيها .
  هذا ... وقد ذكر الدكتور باك نجاد : ان من يداوم على اكل ما يخرج بالخلال ، فانه يخشى عليه من قرحة الاثنى عشري والمعدة ... (2) .
  ولذا فلا يجب ان نعجب اذا رأينا رواية عن الامام الصادق عليه السلام تقول : لا يزدردن احدكم ما يتخلل به ، فانه يكون منه الدبيلة (3) .
  والدبيلة : خراج ودمل كبير يظهر في الجوف ، فتقتل صاحبها غالبا (4) .
  وهو ما يعبر عنه الان بقرحة الاثنى عشري او المعدة ، كما هو معلوم ...

**************************************************************
(1) المحاسن ص 559 / 560 والبحار ج 66 ص 440 والوسائل ج 16 ص 536 وراجع الهوامش .
(2) اولين دانشكاه وآخرين بيامبر ج 2 ص 170 .
(3) الكافي ج 6 ص 378 والوسائل ج 16 ص 535 .
(4) النهاية لابن الاثير ج 2 ص 99 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 252 ـ

المضمضة بعد الخلال :
  لقد روى المستغفري في طب النبي : تخللوا على الطعام وتمضمضوا ، فانها مضجعة ( الصحيح : مصحة ) الناب والنواجذ (1) .
  وعن الحسين عليه السلام : كان امير المؤمنين يأمرنا : اذا تخللنا ان لا نشرب الماء حتى نمضض ثلاثا (2) .
  وما ذلك الا لان التخلل وحده لا يكفي لاخراج الفضلات من الفم ... وقد لا تخرج بتمامها في المرتين الاولى والثانية ، فيحتاج الى الثالثة ، وذلك من اجل تفادي وفود الجراثيم الى المعدة ، الامر الذي يتسبب بالكثير من المضاعفات السيئة حسبما قدمناه في بحث السواك ، فلا نعيد ...

وسائل لا يصح استعمالها في الخلال :
  ونجد في الروايات المنع عن استعمال بعض الوسائل في عملية الخلال ، وواضح ان المنع عن استعمال بعضها انما من اجل انها يمكن ان تجرح اللثة ، واما البعض الآخر ، فيمكن ان يكون من اجل وجود مواد كيميائية معينة يمكن ان تضر بصحة الانسان عموما ... ونشير في هذا المجال الى النصوص التالية :
  عن الرضا عليه السلام : لا تخللوا بعود الرمان ، ولا بقضيب الريحان ، فانهما يحركان عرق الجذام ، وفي نص آخر : ( الاكلة ) (3) .
  وعن الدعائم وغيره : ( ونهى ( ص ) عن التخلل بالقصب ، والرمان ، والريحان

**************************************************************
(1) مستدرك الوسائل ج 3 ص 101 .
(2) سفينة البحار ج 1 ص 425 والبحار ج 66 ص 438 وفي هامشه عن الصحيفة ص 37 .
(3) الكافي ج 6 ص 377 والوسائل ج 16 ص 533 و 534 ومستدرك الوسائل ج 3 ص 101 عن الدعائم والجعفريات ومكارم الاخلاق ص 152 و 153 والبحار ج 66 ص 436 و 437 عنه وعن الخصال ص 63 وعن مجالس الصدوق ص 236 وعن علل الشرايع ج 2 ص 220 والمحاسن ص 564 وروضة الواعظين ص 311 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 253 ـ

  وقال : ان ذلك يحرك عرق الجذام ) ، او الاكلة (1) .
  وعن علي عليه السلام : التخلل بالطرفاء يورث الفقر (2) .
  وقال الشهيد رحمه الله : يكره التخلل بقصب ، او عود ريحان ، او آس ، او خوص ، او رمان (3) .
  وكان رسول الله ( ص ) يتخلل بكل ما اصاب ما خلا الخوص والقصب (4) .
  وفي رواية : من تخلل بالقصب لم تقض له حاجة سبعة ( او ستة ) ايام (5) .
  وعن الصادق عليه السلام : لا تخللوا بالقصب ، فان كان ولا محالة فلتنزع الليطة (6) .
  الليطة : قشر القصبة (7) .
  وعن الصادق عليه السلام : نهى رسول الله ان يتخلل بالقصب والريحان ( او : والرمان ) ، وزاد في اخرى : ( الاس ) ، وقال : ( وهن يحركن عرق الاكلة (8) ) .

المحافظة على اللثة :
  لقد رأينا آنفاً : النهى عن التخلل بالقصب ، فان كان ولا محالة ، فلتنزع الليطة . يعنى قشر القصبة ...

**************************************************************
(1) البحار ج 66 ص 442 و 443 عن الدعائم ج 2 ص 120 / 121 وعن الدروس ومكارم الاخلاق ص 153 عن الفقيه ، ومستدرك الوسائل ج 3 ص 101 .
(2) مكارم الاخلاق ص 152 و 153 والبحار ج 66 ص 436 و 438 عنه وعن الخصال ص 505 والوسائل ج 16 ص 534 ومستدرك الوسائل ج 3 ص 101 .
(3) البحار ج 66 ص 443 عن الدروس وراجع مكارم الاخلاق ص 153 عن الفقيه وراجع مستدرك الوسائل ج 3 ص 101 .
(4) المحاسن ص 564 ومكارم الاخلاق ص 152 و 153 والبحار ج 66 ص 441 و 436 والكافي ج 6 ص 377 ومستدرك الوسائل ج 3 ص 101 .
(5) المحاسن ص 564 ومكارم الاخلاق ص 153 ، والبحار ج 66 ص 436 و 441 والكافي ج 6 ص 377 والوسائل ج 16 ص 533 ومستدرك الوسائل ج 3 ص 101 .
(6) البحار ج 66 ص 436 ومكارم الاخلاق ص 153 ومستدرك الوسائل ج 3 ص 101 .
(7) محيط المحيط ص 833 .
(8) البحار ج 66 ص 441 والمحاسن ص 564 والكافي ج 6 ص 377 وراجع الوسائل ج 16 ص 534 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 254 ـ

  كما وروى عن الامام الكاظم عليه السلام في حديث ـ : ثم اتى بالخلال فقلت : ما حدّ هذا ؟ . قال : ان تكسر رأسه ، لانه يدمى اللثة (1) .

الخلال للضيف :
  واخيراً ... فقد لا يتمكن الضيف من تهيئة الخلال المناسب ، ومن هنا ... فقد روى عن النبي ( ص ) : ان من حق الضيف ان يعد له الخلال (2) .
  وقد حكم بعض الفقهاء باستحباب اعداده له ايضا (3) .

كلمة اخيرة هنا :
  وهكذا ... يتضح اخيرا : ان السواك والخلال يؤثران في مظهر الانسان ، وفي سلامته البدنية ، بل وحتى النفسية ، والعقلية والروحية الى آخر ما تقدم ... فما احرانا : ان نلتزم به ، ونستفيد منه الكثير مما عرفنا ، ومما لم نعرف بعد ... حيث ان ما ذكرناه وعرفناه يمكن ان يكون بالنسبة لما لم نذكره ولم نعرفه بمثابة غيض من فيض ... كما انه ليس الا بمثابة خطوة اولى على طريق التعرف على كافة الحقائق التي تربط بهذا الموضوع ، الذي هو واحد من تلك التعاليم الاسلامية السامية الى اهملناها ، ولم نعد نلتفت اليها ، واصبحنا نستوردها ـ فيما نستورد مهما كانت هزيلة وممسوخة ـ من اوربا وغيرها من مناطق العالم ...
  ولا يسعنا هنا الا ان نذكر بقوله تعالى : ولو ان اهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ... صدق الله العلي العظيم ...

**************************************************************
(1) البحار ج 66 ص 423 ومكارم الاخلاق ص 152 و 153 .
(2) المحاسن 564 والبحار ج 75 ص 455 وج 66 والوسائل ج 16 ص 460 وراجع هوامشه ...
(3) البحار ج 66 ص 443 عن الدروس للشهيد ...