هذا الكتاب : انه يميز بين التهاب المنصف الصدري ( الحيزوم ) وبين ذات الجنب ، وينص كذلك على ان السحاق ينتقل بالعدوى ، وان عدوى الامراض تسرى بواسطة الماء والتراب ) (1) .
  قال الاستاذ محمد الخليلي : ( لقد امتاز الرئيس ابن سينا على ابقراط وارسطو وجالينوس بدقته في مناقشة الحالات المرضية ، ومهارته في فن التشخيص ، ومبحث اسباب الامراض .
  فهو اول من وصف الالتهاب السحائي ، اي البرسام الحاد ، وميزه عن سائر الامراض الحادة المصحوبة بالهذيان .
  وقد كان ذلك يشتبه على اليونانيين ، وهو اول من اوضح ان التهاب البلورا ( ذات الجنب ) ، والتهاب الرئة ( ذات الرئة ) قد تنتج عنهما اعراض سر سامية ، وان التهاب السحايا في تلك الحالات يعتبر نذيرا بالموت .
  وهو اول من اجاد في شرح امراض الجهاز التنفسي ، واتقن وصف الامراض العصبية . وله الفضل في ابتكار كثير من طرق العلاج النفساني .
  وهو اول من اختص بالقول : بأن الحصبة اكثر ما تكون عدواها في الربيع والخريف ، وانها اكثر وقوعا في هذين الفصلين ، وان الاطفال اكثر اصابة بهما ، وهو اول من وصف علاج البواسير بالشق .
  وهو اول من اكتشف اندعام عضلات العين ، وادخل من انواع العقاقير الطبية في العلاج كثيرا لم يكن مستعملا من ذي قبل .
  وهو او من اكتشف الطفيلية اي الدودة الموجودة في الانسان المسماة اليوم في اصطلاح الطب الحديث ( انكلستوما ) وقد ذكرها في فصل ديدان المعدة ، من كتاب القانون ، وقد اعاد اكتشافها ( زوييني ) الايطالي في القرن التاسع عشر ( اي القرن الثالث عشر الهجري ) ، اي بعد اكتشاف ابن سينا بتسع

**************************************************************
(1) موجز تاريخ الشرق الادنى ص 194 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 52 ـ

  قرون ، وقد اخذ جميع مؤلفي الغرب بهذا الرأي في مؤلفاتهم الحديثة سيما في مؤسسة ( روكفلر ) معترفين لابن سينا بالفضل في سبقه .
  وهو اول من اكتشف الالة المسماة اليوم ( الوارنية ) وهي الالة المستعملة لقياس الاطوال بالدقة المتناهية .
  وهو اول من شرح قلب الجنين ، وقسمه الى الاقسام المعروفة عندنا اليوم ، ووصف الثقب الموجود في الجدار الفاصل بين الاذنين ، وقال : ان هذا الثقب يسد حالا عندما يتنفس المولود لاول مرة ، وبذلك تبتدىء الدورة الدموية الرئوية ... ) (1) .
  وما قاله ابن سينا في تشريح العين ، ووصف عضلات الحدقة مطابق تماما لما توصل اليه الطب في هذه الايام ، كما انه قد ادرك اهمية عصب العين ، وهو اول من تنبه لذلك فيما نعلم ...
  كما ان ما ذكره ابن سينا عن مرض السل ، ومرض آسم ( وهو الربو ) هو نفس ما توصل اليه اطباء اليوم (2) .
  ويقول جرجي زيدان وكذلك هم يقولون : ( اما ما احدثوه من عند انفسهم رأساً ، فالاحاطة به من الامور الشاقة التي يعسر تحقيقها ، فنذكر ما ثبت عندنا حدوثه على سبيل المثال :
  من ذلك : انهم احدثوا في الطب آراء جديدة ، تخالف آراء القدماء في تدبير الامراض ، وان لم يصلنا الا خبر القليل منها ، مثل نقلهم تدبير اكثر الامراض التي كانت تعالج قديما بالادوية الحارة على اصطلاحهم الى

**************************************************************
(1) معجم ادباء الاطباء ج 1 ص 117 / 118 .
(2) تاريخ طب در ايران ج 2 ص 589 و 592 وفي ص 600 ـ 605 يذكر بعض ما ذكره ابن سينا مما لا يزال معترفا به حتى الان وايدته التجارب الحديثة .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 53 ـ

  التدبير البارد ، كالفالج ، واللقوة ، والاسترخاء ، وغيرها ... والعرب (1) اول من استخدم المرقد ( البنج ) في الطب ... وهم اول من استخدم الخلال ... وقد وجد محققوا الافرنج ان العرب (2) اول من استخدم الكاويات على نحو استخدامها اليوم ، وانهم اول من وجه الفكر الى شكل الاظافر في المصدرووين ، ووصفوا علاج اليرقان ، والهواء الاصفر .
  واستعملوا الافيون بمقادير كبيرة لمعالجة الجنون ، ووصفوا صب الماء البارد لقطع النزف ، وعالجوا خلع الكتف بالطريقة المعروفة في الجراحة برد المقاومة الفجائي ، ووصفوا ابرة الماء الازرق ، وهو قدح العين ، واشاروا الى عملية تفتيت الحصاة ) (3) .
  ويضيف كوستاف لوبون : ان المسلمين كانوا يقومون بعلميات جراحية لاخراج الماء من العين ، ويقومون باخراج ( جليدية ) منها ... كما ان الزهراوي قد قدم شرحا وافيا عن عملية تفتيت الحصاة ، واستعمال الماء البارد لقطع نزف الدم ، واستعمال المكويات والفتائل للجراح ، والكي بالنار .
  وكان المسلمون يعتمدون على قوانين الوقاية الصحية كثيرا ومعرفتهم بها كانت كاملة ، ويستفيدون من الطبيعة اكثر ، ومسألة الحمية التي هي من التعاليم الاكيدة في الطب الحديث كانت اصلا عندهم ، وكانوا موفقين جدا في ممارساتهم الطبية بالقياس الى هذا العصر ، بل لم يكن الاطباء المسلمون في القرن العاشر الميلادي يقدمون من الضحايا بقدر ما يقدمه اطباء اليوم ، والاحكام القرآنية ، كالوضوء ، والغسل ، والتيمم ، وتحريم المسكرات ، وترجيح الاغذية النباتية على اللحوم في المناطق الحارة كانت حكيمة ونافعة جدا في الوقاية كما ان

**************************************************************
(1) و (2) لم يكن العرب اهل ابداع وعلم قبل الاسلام ...والاسلام هو الذي صنع منهم ومن غيرهم المعجزات ، والمسلمون هم اكتشفوا في مجال الطب وفي غيره ، وحققوا اعظم المنجزات ...
(3) تاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص 202 / 203 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 54 ـ

  التعاليم الصحية التي جاءت عن نفس النبي ( ص ) قد كانت في غاية الدقة والمتانة ، ولا يمكن الاعتراض عليها ، وقد وردت على شكل كلمات قصار يسهل حفظها على كل احد (1) .
  الصيدلة :
  لقد نبغ المسلمون في الصيدلة ، واهتموا بالنباتات ، ومعرفة خواصها ، وممن نبغ منهم في علم النبات ، ابن الصوري ، وابن البيطار ، وابن ابي اصيبعة ، وغيرهم ، ويقولون ايضا : انهم هم الذين اخترعوا فن الصيدلة ، وانشأوا حدائق نظامية لدراسة علم النبات والاعشاب في بغداد ، وغيرها من المدن (2) .
  وقد ادخل المسلمون في المادة الطبية كثيرا من انواع الاعشاب والمعادن ، مما لو يكن معروفا لغيرهم (3) .
  وكان رشيد الدين ابن الصوري ، المتوفى سنة 639 ، صاحب كتاب الادوية المفردة الذي استقصى فيه ذكر الادوية المفردة ، وذكر فيه ادوية اطلع على معرفتها ، ومنافعها لم يذكرها المتقدمون (4) ـ كان رشيد هذا ـ يخرج لدرس الحشائش في منابتها ، ويستصحب مصورا معه الاصباغ والليق على اختلافها ، وتنوعها ، ويتوجه الى المواضع التي بها النبات في جبل لبنان وغيره من المواضع ، فيشاهد النبات ويحققه ، ويريه المصور ، فيعتبر لونه ، ومقدار ورقه ، واغصانه واصوله ، ويصور بحسبها بالدقة .
  ثم انه سلك في تصوير النبات مسلكا مفيدا ، وذلك انه كان يرى النبات للمصور في ابان نباته وطراوته فيصوره ، ثم يريه اياه ايضا ، وقت كماله وظهور

**************************************************************
(1) راجع : تمدن اسلام وعرب ص 616 و 615 و 614 بتصرف .
(2) مختصر تاريخ العرب ص 283 ، وراجع تاريخ التمدن الاسلامي المجلد الثاني .
(3) دائرة معارف القرن العشرين ج 5 ص 666 .
(4) عيون الانباء ص 703 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 55 ـ

  بزره ، فيصوره تلو ذلك ، ثم يريه اياه ايضا في وقت ذواه ويبسه ، فيصوره ، فيكون الدواء الواحد شاهده الناظر اليه في الكتاب وهو على انحاء ما يمكن ان يراه في الارض ، فيكون تحقيقه له اتم ، ومعرفته له ابين (1) ، قال زيدان : وذلك غاية ما يفعله الباحثون في هذا العلم اليوم (2) .
  ويقول ابن ابي اصيبعة : ( واطلع رشيد الدين ابن الصوري ايضا على كثير من خواص الادوية المفردة ، حتى تميز على كثير من اربابها ، واربى على سائر من حاولها ، واشتغل بها ) (3) .
  والظاهر ان ابن الصوري كان من الشيعة ، لانه من اهل صور في جبل عامل ، الذي كان شيعيا من قديم الايام .
  وعلى كل حال : ... فقد كان للمسلمين : فضل كبير في الصيدلة ، وقد بذلوا الجهد في استجلاب العقاقير من الهند وغيرها ، منذ ايام يحيى بن خالد البرمكي ، وهم واضعوا اسس فن الصيدلة ، وهم اول من اشتغل في تحضير الادوية والعقاقير ، فضلا عما استنبطوه من الادوية الجديدة ، وهم اول من الف الاقرباذين (4) .
  وكانوا يعتمدون اولا على اقرباذين سابور بن سهل المتوفى سنة 255 هـ حتى ظهر اقرباذين امين الدولة ابن التلميذ ، المتوفى ببغداد سنة 560 هـ (5) .
  وفي حقل النبات لابد وان نذكر هنا ابن البيطار الذي راح يقوم هو

**************************************************************
(1) عيون الانباء ص 703 ، وراجع تاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص 205 .
(2) تاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص 205 .
(3) عيون الانباء ص 700 .
(4) عن طبقات الاطباء ج 1 ص 183 .
(5) عيون الانباء ص 371 ، وتاريخ الحكماء ص 207 ، والكلام قد كان هنا لجرجي زيدان في تاريخ التمدن الاسلامي المجلد الثاني ص 203 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 56 ـ

  بذاته بدراسة النبات في اسبانيا ، وشمال افريقيا ، ومصر ، وسورية ، وآسيا الصغرى ، وقد ذكر في كتابه 1400 نبتة ، منها مئتان جديدة ، لا عهد للناس بها من قبل (1) .
  وعلى كتاب ابن البيطار المالقي في النبات ، والفريد في بابه كان معول اهل اوربا في نهضتهم الحديثة ، كما يقوله جرجي زيدان .
  كما انه يقول : ان اسماء العقاقير التي اخذها الافرنج عن العرب لا تزال عندهم باسمائها العربية ، او الفارسية ، او الهندية ، كما اخذوها عن العربية (2) .
  بل : ( ان اعظم العلماء والنباتيين في بولندا يعتمدون في مؤلفاتهم بشكل كامل على مؤلفات ابن سينا ، مثل : شيمون لونج ، عالم النبات البولندي الكبير ... كما ان البروفسور آنانباچ زايا چوفسكي استاذ جامعة وارشو ، ورئيس اتحاد الشرق الاوسط في بولندا له تحقيقات قيمة حول كتب ابن سينا وخصوصا النباتات الطبية في كتاب القانون (3) ) .
  كما ان كوستاف لوبون يقول : ( الرقى الطبي عند العرب كان في فن الجراحة ، وعلائم الامراض ، واقرباذين الادوية اكثر منه في غيره ، وقد اكتشفوا الكثير من المعالجات التي لا تزال متداولة الى اليوم ، كما ان اكثر الادوية التي ركبوها لا تزال مستعملة حتى اليوم ، وكذا فان لهم اكتشافات في كيفية استعمال الادوية ، وبعضها يعد ـ غلطا ـ من المكتشفات الحديثة ... الخ (4) ) .
  واخيرا ... فانهم يقولون : ان المسلمين هم اول من انشأ حوانيت

**************************************************************
(1) موجز تاريخ الشرق الادنى ص 194 / 195 .
(2) تاريخ التمدن الاسلامي المجلد الثاني ص 203 .
(3) تاريخ طب در ايران ج 2 ص 605 .
(4) تمدن اسلام وعرب ص 616 باختصار .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 57 ـ

  الصيدلة على هذه الصورة (1) .
  كما ان الشيخ الرئيس ابن سينا قد ذكر الكثير من المواد الطبية ، التي لم تكن معروفة للقدماء ، وهي من مكتشفات ابن سينا نفسه ، والقسم المربوط بالنباتات الطبية المستعملة في امراض الكبد ممتاز جدا ، وهو مطابق تماما مع الطب اليوم ، كما ان آثار الادوية في الطب من حيث وظائف الاعضاء وقراباذين الادوية صحيحة جدا (2) .
  كما ان الصيدلة تعتمد كثيرا على صناعة الكيمياء ، وقد قطع المسلمون شوطا كبيرا في هذا المجال ، الامر الذي مكنهم من اختراع الكثير من الادوية التي لا تزال مستعملة حتى اليوم .

امتحان الصيادلة :
  ولقد كان الصيادلة كثارا ، وشاع الغش منهم في الادوية ، فدعت الضرورة الى امتحانهم ، واعطاء الاجازات او المنشورات الى من تثبت اهليته وامانته وحرمان الاخرين ، ومنعهم من مزاولة هذه الصنعة .
  ولقد التفتوا الى هذا الامر في وقت مبكر ، اي من زمن المأمون ، الذي كتب اسما لا يعرف ولا واقع له ، وارسله الى الصيادلة ليبتاع منهم ، فكلهم ذكر : ان هذا الدواء عنده ، واخذ الدواء واعطاه شيئا من حانوته ، فصاروا الى المأمون باشياء مختلفة ، فمنهم من اتى ببعض البزور ، ومنهم من اتى بقطعة من حجر ، ومنهم من اتى بوبر .
  وفي زمن المعتصم قال الافشين لزكريا الطيفوري : ( يا زكريا ضبط هؤلاء الصيادلة عندي اولى ما تقدم فيه ، فامتحنهم ، حتى نعرف الناصح منهم من غيره ، ومن له دين ، ومن لا دين له ) .
  فامتحنهم الافشين بمحنة المأمون ، فوقعوا فيما وقعوا فيه اولا ، فكانت

**************************************************************
(1) تاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص 203 .
(2) تاريخ طب در ايران ج 2 ص 571 و 587 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 58 ـ

  النتيجة ان نفي الافشين من وقع في الفخ عن العسكر ، ونادى المنادي بنفيهم وباباحة دم من وجد منهم في عسكره (1) .

**************************************************************
(1) راجع : عيون الانباء ص 224 / 225 ، وتاريخ الحكماء ص 188 / 189 ، وتاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص 201 عن ابن العبري ، وراجع مختصر تاريخ الدول ص 140 / 141 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 59 ـ

الفصل الثالث : الطب كمظهر حضاري :

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 61 ـ

دراسة الطب عند المسلمين :
  لقد كان الاطباء يلقون محاضراتهم الطبية على طلابهم في المستشفيات (1) بالاضافة الى مرافقتهم لهم في زياراتهم للمرضى ، حين ممارستهم الطب عمليا ...
  وقال ابن ابي اصيبعة : كان ابو الفرج ابن الطيب ( يقرىء صناعة الطب في البيمارستان العضدي ويعالج المرضى فيه ، ووجدت شرحه لكتاب جالينوس على اغلوتن ، وقد قرىء عليه وعليه الخط بالقراءة في البيمارستان العضدي ، في يوم الخميس الحادي عشر من شهر رمضان سنة ست واربعمئة ) (2) .
  وكان ابراهيم بن بكس ( يدرس صناعة الطب في البيمارستان العضدي لما بناه عضد الدولة ) (3) .
  وكان ابن ابي الحكم يقعد في الايوان الكبير في البيمارستان ، فكان جماعة من الاطباء والمشتغلين يأتون اليه ، ويقعدون بين يديه ، ثم تجرى مباحث طبية ، ويقرىء التلاميذ ، ولا يزال معهم في اشتغال ومباحثة ونظر في الكتب مقدار

**************************************************************
(1) مختصر تاريخ العرب ص 283 و 369 والتراث اليوناني في الحضارة الاسلامية ص 92 وتاريخ التمدن الاسلامي المجلد الثاني ص 207 وراجع ص 205 .
(2) عيون الانباء ص 323 .
(3) عيون الانباء ص 329 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 62 ـ

  ثلاث ساعات (1) .
  ومجلس الرازي لتعليم الطب معروف ومشهور ، فقد كان يجلس في مجلسه ، ودونه التلاميذ ، ودونهم تلاميذهم ، ودونهم تلاميذ آخرون ، وكان يجيء الرجل ، فيصف ما يجد لاول من يلقاه منهم ، فان كان عنده علم ، والا تعداه الى غيره ، فان اصابوا ، والا تكلم الرازي في ذلك (2) .
  واول مدرسة طبية منفصلة عن المستشفى كانت ـ فيما اعتقد ـ في سنة 622 هجرية قال ابن ابي اصيبعة : ( ولما كان في سنة اثنتين وعشرين وست مئة .
  وذلك قبل سفر الشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي عند الملك الاشرف وخدمته له ، وقف داره وهي بدمشق عند الصاغة العتيقة ، شرقي سوق المناخلين ، وجعلها مدرسة يدرس فيها من بعده الطب ، ووقف لها ضياعا وعدة اماكن ، يستغل ما ينصرف في مصالحها وفي جامكية المدرس ، وجامكية المشتغلين بها ) (3) .

امتحان الاطباء :
  لقد رأينا : ان المسلمين كانوا يمتحنون الاطباء ، ويعطونهم اجازة لممارسة التطبيب ، وممن كان يمتحن الاطباء في سنة 309 هـ ، سنان بن ثابت في بغداد (4) ومهذب الدين الدخوار في مصر (5) ، وابن التلميذ ، المتوفى سنة 560 ببغداد (6) .

**************************************************************
(1) عيون الانباء ص 628 .
(2) تاريخ الحكماء ص 273 وعيون الانباء ص 416 ، وغير ذلك كثير .
(3) عيون الانباء ص 733 .
(4) تاريخ الحكماء ص 191 ، وعيون الانباء ص 302 ، وتاريخ طب در ايران ج 2 ص 282 و 686 وتاريخ التمدن الاسلامي المجلد الثاني ص 201 ، وتاريخ مختصر الدول ص 162 .
(5) عيون الانباء ص 731 ، تاريخ التمدن الاسلامي المجلد الثاني ص 201 .
(6) عيون الانباء ص 351 و 352 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 63 ـ

  ويضيف البعض الى هؤلاء : ابراهيم بن سنان ، وابا سعيد اليماني (1) .
  وذكر في كتاب : تاريخ البيمارستانات في الاسلام اجازتين قد بقيتا من القرن الحادي عشر الهجري، احداهما ترتبط بالفصد ، والاخرى ترتبط بالجراحة (2) .

الاختصاص في الطب :
  لقد كان الاختصاص في فروع الطب ظاهرة شائعة بين الاطباء المسلمين ، فهناك الطبيب المختص بالجراحة ، وآخر بامراض العين ، وثالث بأمراض النساء ، ورابع بالامراض العقلية ، وخامس في الاسنان ، وهكذا ...

النساء والطب :
  ولم يكن الطب مقصورا على الرجال بل لقد كان في النساء ايضا عالمات في الطب ، وقد تقدمت الاشارة الى هنيدة ، وزينب الاودية وغيرهما ... ونزيد هنا : انهم يقولون : ان اخت الحفيد بن زهر الاندلسي وابنتها كانتا عالمتين بصناعة الطب ، ولهما خبرة جيدة بمداواة النساء ، وكانتا تدخلان على نساء المنصور الاندلسي ، ولا يقبل سواهما (3) .

كثرة الاطباء المسلمين :
  ان عدد الاطياء طيلة فترة الحكم الاسلامي كثير جدا لا يمكن حصره ،

**************************************************************
(1) تاريخ طب در ايران ج 2 ص 686 وراجع ص 816 وفيه ان ابراهيم بن سنان قد كلف ابا سعيد بذلك ، فكانت النتيجة : ان اجيز 800 طبيب وجراح ، ولكن الظاهر هو ان الامر قد اشتبه على هذا البعض فخلط بين سنان بن ثابت ، وابراهيم بن سنان كما يظهر من مراجعة : عيون الانباء ص 302 وغيره .
(2) تاريخ طب در ايران ج 2 ص 820 .
(3) عيون الانباء ص 524 ، وتاريخ التمدن الاسلامي المجلد الثاني ص 201 عنه .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 64 ـ

  ولا استطاع مؤلفوا الموسوعات والتراجم ، حتى ذكر اسماء اقل القليل منهم ...
  ويكفى ان نذكر : انهم قد احصوا اطباء بغداد وحدها في زمن المقتدر بالله سنة 309 وامتحنوهم ، فأجيز منهم ( 860 ) طبيبا ، فأعطوهم الاذن في التطبيب ، سوى من استغنى عن الامتحان لشهرته ، وسوى من كان في خدمة السلطان (1) .
  وكان سيف الدولة اذا جلس على المائدة حضر معه اربعة وعشرون طبيبا ، وكان فيهم من يأخذ رزقين لاجل تعاطيه علمين (2) وكان في خدمة المتوكل 56 طبيباً (3) .
  وكان يخدم في المستشفى العضدي 24 طبيباً من مختلف الاختصاصات (4) وحين بنى المعتضد المستشفى ، اراد ان يكون فيه جماعة من افاضل الاطباء واعيانهم ، فأمر ان يحضر له لائحة باسماء الاطباء المشهورين حينئذ ببغداد واعمالها ، فكانوا متوافرين على الماءة فاختار منهم نحو خمسين الخ (5) .

الخدمات الطبية عند المسلمين :
  وكان للمسلمين ايضا عناية خاصة بالايتام ، والعميان ، والقواعد من النساء فكان لهم رعاية ودواوين خاصة ، تحت اشراف مسؤولين عن امورهم واحوالهم (6) .
  ( وكان من الاطباء او الصيادلة من هو خاص بالجند ، يرافقه في اسفاره ومنهم من هو خاص بالخلفاء والامراء ، ولهؤلاء رواتب خاصة ، ويعرفون بالمرتزقين ، ومنهم من يطببون العامة ، وهم غير مرتزقين (7) ) .

**************************************************************
(1) عيون الانباء ص 302 ، وتاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص 200 عنه .
(2) عيون الانباء ص 610 وتاريخ التمدن الاسلامي المجلد الثاني ص 200 عنه .
(3) تاريخ التمدن الاسلامي ج 2 ص 200 عن عيون الانباء ج 2 ص 140 وفيه : انهم كانوا من النصارى !!
(4) عيون الانباء ص 415 .
(5) المصدر السابق .
(6) وفيات الاعيان ج 1 ص 495 ط سنة 1310 هـ والعيون والحدائق .
(7) تاريخ التمدن الاسلامي المجلد الثاني ص 201 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 65 ـ

  وكان لدى المسلمين دار للمجانين ، وصيدليات تعطي الدواء مجانا في ايام معينة ، وكان الاطباء يذهبون مع ادويتهم الى الاماكن التي لا يمكن بناء مستشفى فيها (1) .
  وقد ذكر القفطي وغيره في ترجمة سنان بن ثابت : ان الوزير علي بن عيسى الجراح ـ في سنة كثرت فيها الامراض والاوباء ـ قد وقع الى سنان بن ثابت يأمره : بأن يفرد لمن في الحبوس كلها اطباء يدخلون اليهم في كل يوم ، ويحملون معهم الادوية والاشربة ، وما يحتاجون اليه من المزورات ويعالجوا من فيها من المرضى .
  ووقع اليه توقيعا آخر ، يأمره بانفاذ متطببين ، وخزانة من الادوية والاشربة يطوفون في السواد ، ويقيمون في كل صقع منه مدة ما تدعو الحاجة الى مقامهم ويعالجون من فيه ، ثم ينتقلون الى غيره ، ففعل سنان ذلك (2) .
  كما ان المسلمين قد أنشأوا ما نسميه اليوم بالعيادات الخارجية (3) .
  هذا ... ولم يكن كل هؤلاء الاطباء يتقاضى اجره ، بل كان من بينهم من يعمل مجانا ، فمثلا لقد ( كان ابو بكر بن القاضي ابي الحسن الزهري يطبب الناس من دون اجرة ، ويكتب النسخ لهم (4) ) .
  ويلاحظ : انهم كانوا في اوائل امرهم يهتمون بفحص البول ، وبالفصد ، والاستفراغ ، ونحو ذلك ... ولكن هذه المعالجات قد بدأت تتطور نحو الافضل باستمرار ، تبعا للتقدم والنبوغ الطبي ، الذي كان يتجلى يوما بعد يوم ، حتى بعث المسلمون في الطب روحا جديدة ، كما هو المعلوم ومعروف لكل احد .

**************************************************************
(1) تمدن اسلام وعرب ص 615 .
(2) تاريخ الحكماء 193 / 194 ، وعيون الانباء ص 301 .
(3) مختصر تاريخ العرب ص 283 .
(4) عيون الانباء ص 536 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 66 ـ

المستشفيات :
  الرازي ... وبناء مستشفى :
  يقول كوستاف لوبون : لقد بنيت المستشفيات الاسلامية موافقة لاصول حفظ الصحة ، وكانت احسن من المستشفيات الموجودة في هذه الايام .
  وقضية الرازي حينما اراد ان يختار موقعا للمستشفى معروفة ومشهورة ، فان الطريقة التي استعملها ، يؤيدها اليوم المحققون في الامراض المعدية ، فان الرازي امر بعض الغلمان : ان يعلق في نواح مختلفة من بغداد قطع لحم ، ليرى في ايها لا يتفسخ اللحم وينتن في وقت اقصر ، ليكون الموقع الملائم لبناء المستشفى (1) ويقال : ان هذا المستشفى هو المستشفى العضدي .
  ولكن ذكر ابن ابي اصيبعة : ان الرازي كان اقدم من عضد الدولة (2) ، وعليه فلا بد وان يكون الرازي قد اراد بناء مستشفى غير مستشفى عضد الدولة وذلك لان الرازي توفى سنة 320 هـ ، وقال الحسن بن سوار بن بابا ، وكان قريب العهد منه : انه توفي في سنة نيف وتسعين وماءتين ، او ثلاثمائة وكسر (3) وعضد الدولة انما توفى سنة 372 هـ ، كما هو معلوم .
  ولكن قد ذكر القفطي ان الرازي قد توفي سنة 364 وعاش في زمن المكتفي ، وبعض زمن المقتدر (4) ، وعليه فلا مانع من ان يكون قد شارك في اختيار موضع المستشفى العضدي ، كما ذكروا .

**************************************************************
(1) راجع تمدن اسلام وعرب ص 614 وقضية الرازي مذكورة ايضا في عيون الانباء ص 415 وموجز تاريخ الشرق الادنى ص 192 .
(2) عيون الانباء ص 415 .
(3) عيون الانباء ص 420 .
(4) تاريخ الحكماء ص 272 وراجع تاريخ الاطباء والحكماء ص 153 الترجمة الفارسية .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 67 ـ

بعض احوال المستشفيات :
  اما احوال المستشفيات في العهد الاسلامي ، فقد تقدم : ان كوستاف لوبون يقل : انها كانت موافقة لاصول الصحة ، واحسن من المستشفيات الموجودة في هذه الايام ، كما انهم قد شيدوا في كل مدينة مستشفيات عامة ، كما سنرى (1) .
  وكان لكل مرض قاعة او قاعات خاصة ، يطوفها الطبيب المختص بها ، وبين يديه المشارفون والقوام لخدمة المرضى ، فيتفقد المرضى ، ويصف لهم الادوية ، ويكتب لكل مريض داوءه (2) .
  وكانوا يعالجون جميع المواطنين في مستشفياتهم ، سواء اكانوا من المسلمين او من غيرهم ، وكانوا يقومون بعمليات التدفئة للمرضى على اكمل وجه ، ويقدمون لهم المؤمن ، والدثار ، وغير ذلك (3) .
  وقال المقريزي عن مستشفى ابن طولون الذي اسسه سنة 259 هـ في القاهرة : ( وشرط في المارستان ان لا يعالج فيه جندي ، ولا مملوك ، وعمل حمامين للمارستان ، احدهما للرجال ، والاخرى للنساء ، حبسهما على المارستان وغيره ، وشرط : انه اذا جيىء بالعليل تنزع ثيابه ، ونفقته ، وتحفظ عند امين المارستان ، ثم يلبس ثيابا ، ويفرش له ، ويغدى عليه ، ويراح بالادوية والاغذية والاطباء حتى يبرأ ، فاذا اكل فروجا ورغيفا امر بالانصراف ، واعطى ماله وثيابه (4) ) .

**************************************************************
(1) مختصر تاريخ العرب ص 283 .
(2) تاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص 207 ، عن طبقات الاطباء ج 1 ص 155 .
(3) تاريخ الحكماء ص 194 ، وعيون الانباء ص 302 و 301 .
(4) الخطط للمقريزي ج 2 ص 405 ، وراجع الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري ج 2 ص 205 / 206 والمستشفى لابن طولون ذكر في كتاب الولاة والقضاة للكندي ص 216 / 217 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 68 ـ

  وقال عن المستشفى المنصوري ، الذي بنى في القاهرة سنة 683 هـ : ( ... ورتب فيه العقاقير والاطباء ، وسائر ما يحتاج اليه من به مرض من الامراض ، وجعل السلطان فيه فراشين من الرجال والنساء لخدمة المرضى وقرر لهم المعاليم ، ونصب الأسرّة للمرضى ، وفرشها بجميع الفرش المحتاج اليها في المرض .
  وافرد لكل طائفة من المرضى موضعا ، فجعل اواوين المارستان الاربعة للمرضى بالحميات ونحوها ، وافرد قاعة للرمدي ، وقاعة للجرحى ، وقاعة لمن به اسهال ، وقاعة للنساء ، ومكانا للمبرودين ، وينقسم قسمين : قسم للرجال ، وقسم للنساء ، وجعل الماء يجري في جميع هذه الاماكن .
  وافرد مكانا لطبخ الطعام ، والادوية ، والاشربة ، ومكانا لتركيب المعاجين والاكحال ، والشيافات ونحوها ، ومواضع يخرن فيها الحواصل .
  وجعل مكانا يفرق فيه الاشربة والادوية ، ومكانا يجلس فيه رئيس الاطباء لالقاء درس طب ... الخ . ) وكان وقفه عاماً لكل احد (1) .

المستشفيات الميدانية :
  لقد كان لدى المسلمين مستشفيات تستصحبها الجيوش معها ، فقد قال ابن خلكان ، والقفطي عن ابي الحكم عبيد الله بن المظفر المغربي ، المتوفى سنة 549 هـ : ( وذكر العماد الاصفهاني في الخريدة : ان ابا الحكم المذكور كان طبيب البيمارستان الذي كان يحمله اربعون جملا ، والمستصحب في معسكر السلطان محمود السلجوقي حيث خيم ) ، ثم ذكر خدمة ابن المرخم فيه ايضا طبيبا وفصادا (2) .

**************************************************************
(1) راجع : الخطط للمقريزي ج 2 ص 406 .
(2) وفيات الاعيان ج 1 ص 274 ط سنة 1309 هـ ، وتاريخ الحكماء ص 405 وتاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص 207 عن الاول وعن : تراجم الحكماء .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 69 ـ

  ويقول سيد أمير علي ، ( ... وكان يرافق الجيش في ابان المعارك فريق من الاطباء ، ومستشفى حسن التجهيز ، الحقت به نقالات لنقل الجرحى بشكل محفات تنقلها الجمال ، وقد استلزم مستشفى الميدان الخاص بكل من الرشيد .
  والمأمون عدداً كبيراً من الجمال والبغال لنقل الخيام ، والمؤن ، والادوية .
  وحتى في العهود التالية ايام الملوك الضعفاء امثال السلطان محمود السلجوقي كانت لوازم مستشفى الجيش تنقل على اربعين جملا ) (1) .

مستشفيات الطواري :
  ولم تقتصر الخدمات الطبية عند المسلمين على ما ذكر ، بل لقد تعدت ذلك الى ايجاد مراكز للطوارىء في الاجتماعات العامة ... فقد :
  ( قال جامع السيرة الطولونية ، وقد ذكر بناء جامع ابن طولون : وعمل في مؤخرة ميضأة : او خزانة شراب ، جعل فيها الشرابات الادوية ، وعليها خدم ، وفيها طبيب جالس يوم الجمعة لحادث يحدث للحاضرين للصلاة (2) ) .

اول مستشفى في الاسلام :
  اننا نستطيع ان نقول : ان اول مكان خصص لنزول المرضى ، ومعالجتهم بعد ظهور الاسلام ، كان مسجد الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة منذ عهد الرسول عليه وآله الصلاة والسلام .
  يقول الدكتور جواد علي وغيره : ( وقد كان في مسجد الرسول موضع يعالج فيه المرضى والجرحى ، وكان الرسول والصحابة يتفقدون المرضى النازلين به (3) ) وسيأتي ان شاء الله في بحث مداواة المرأة للرجل الاشارة

**************************************************************
(1) مختصر تاريخ العرب ص 369 .
(2) الخطط للمقريزي ج 2 ص 405 ، والحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري ج 2 ص 206 .
(3) المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ج 8 ص 412 ، والتراتيب الادارية ج 1 ص 453 / 454 ، وتاريخ طب در ايران ج 2 ص 763 عن تاريخ البيمارستانات في الاسلام ص 9 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 70 ـ

  الى خيمة رفيدة ، او كعيبة بنت سعيد : التي كانت في مسجد النبي ( ص ) تداوى فيها الجرحى .
  وما ذكر يدل على ان ما ذكره البعض من ان اول مستشفى في الاسلام هو مستشفى الوليد بن عبد الملك (1) .
  لا يصح ... وانما هو غفلة عن حقيقة الحال ، ولعل الوليد : اول من اهتم بتوسعته لاتساع الحالة المادية في زمنه .

جريمة اموية نكراء ! :
  قال ابن قتيبة : ( ابو الحسن ، قال : مر سليمان بن عبد الملك بالمجذومين في طريق مكة ، فأمر باحراقهم ، وقال : لو كان الله يريد بهؤلاء خيرا ما ابتلاهم بهذا الإبتلاء (2) ، ) وانها حقا لجريمة نكراء يندى له جبين الانسان الحر الما وخجلا .
  هذا ... ولا بأس بالمقارنة بين افاعيل فراعنة وجبابرة هذه الامة ، والشجرة الملعونة في القرآن ، وبين امر الرسول ( ص ) والائمة ( ع ) الناس بأن لا يديموا النظر الى اهل البلاء ، فان ذلك يحزنهم ... وبين ما كتبه علي في عهده للاشتر من الحث على القيام بامور ذوي البؤس والزمني واجراء الارزاق عليهم ، للاقصى وللادنى على حد سواء ، فراجع (3) .

**************************************************************
(1) الخطط للمقريزي ج 2 ص 405 ، وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 290 ، والتراتيب الادارية ج 1 ص 454 و 455 ، وتاريخ التمدن الاسلامي المجلد الثاني ص 205 ، والحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري ج 2 ص 205 ، وتاريخ طب در ايران ج 2 ص 148 .
(2) عيون الاخبار لابن قتيبة ج 4 ص 69 .
(3) نهج البلاغة قسم الكتب ، والبحار ج 77 ص 259 و 260 عن تحف العقول ص 126 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 71 ـ

المستشفيات في القرنين الاولين للهجرة :
  1 ـ ثم انشأ الوليد بن عبد الملك في سنة 88 هـ مستشفى في دمشق ، وجعل فيه الاطباء ، واجرى لهم الارزاق ، وامر بحبس المجذومين لئلا يخرجوا ، واجرى عليهم وعلى العميان الارزاق (1) .
  2 ـ وكان في زمن الرشيد دار للمجانين (2) .
  ولا ندري ! ان كانت قد اوجدت قبله ، او انه هو الذي اوجدها ، فما جزم به جرجي زيدان ، من ان المنصور هو الذي بناها ، او الذي خلفه (3) في غير محله .
  3 ـ ثم انشأ الرشيد مستشفى في بغداد ، وعندما اراد البدء به احضر له بختيشوع ( دهشتك ) من جنديشابور ، الذي كان رئيس المستشفى هناك ، وعرض عليه ان يتولى هذه المهمة ، لكن دهشتك رفض العرض ، واشار عليه : ان يقلد هذا الامر لماسويه ، ففعل (4) .
  ويميل البعض الى اعتباره اول مستشفى ، ان لم نعد ما صنعه عبد الملك هو المستشفى الاول (5) .

**************************************************************
(1) المصادر التي تقدمت قبل الحاشيتين الاخيرتين ، بالاضافة الى : تاريخ الطبري ج 5 ص 224 ، ونقله في تاريخ طب در ايران ج 2 ص 763 و 764 عن صبح الاعشى ج 1 ص 431 ، وتاريخ البيمارستانات في الاسلام ص 10 ، وغرر النقائص الفاضحة ، وغرر الخصائص الواضحة ص 248 .
(2) الكشكول للشيخ البهائي ص 213 ، وتاريخ التمدن الاسلامي المجلد الثاني ص 206 عنه .
(3) تاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص 206 .
(4) تاريخ الحكماء ص 383 / 384 ، وعيون الانباء ص 245 ، وموجز تاريخ الشرق الادنى ص 191 / 192 ، والتراث اليوناني في الحضارة الاسلامية ص 91 ، وتاريخ طب در ايران ج 2 ص 94 ، ومجلة الهادي سنة 2 عدد 2 ص 52 عن الاول .
(5) تاريخ طب در ايران ج 2 ص 158 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 72 ـ

  4 ـ وأنشأ البرامكة مستشفى باسمهم ، كان يتولى امره ابن دهن الهندي (1) .
  5 ـ وكتب طاهر بن الحسين لابنه عبد الله : ( وانصب لمرضى المسلمين دوراً توقيهم ، وقواما يرفقون بهم ، واطباء يعالجون اسقامهم (2) ) .
  6 ـ وكان في بغداد مستشفى للمجانين هو دير هرقل القديم (3) .

المستشفيات في القرن الثالث فما بعده :
  ويقول البعض : ( ثم مضى قرن بأكمله قبل ان يسمع المرء بانشاء مثل هذه المؤسسة في العاصمة بغداد من جديد ... وهو القرن الذي دعى فيه اطباء البيمارستانات المشهورين في جنديشابور الى قصر الخليفة .
  ولعل السبب في ذلك راجع الى سر من رأى ، التي اصبحت المقام الثاني للخلفاء (4) ) .
  وعلى كل حال .. فاننا نجد المسلمين قد اهتموا في القرن الثالث بانشاء المستشفيات الكثيرة في مختلف الاقطار ، وكمثال على ذلك نذكر :
  1 ـ المستشفى الذي انشأه احمد بن طولون في مصر سنة 259 او 261 حسبما تقدم .
  2 ـ وقبل انقضاء القرن الثالث بنيت المستشفيات في مكة والمدينة (5) .

**************************************************************
(1) الفهرست لابن النديم ص 356 ، والحضارة الاسلامية في القرن الرابع ص 205 عنه ، وتاريخ طب در ايران ج 2 ص 770 ، وتاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص 206 .
(2) الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري ج 2 ص 205 عن كتاب بغداد لطيفور ص 50 .
(3) راجع : معجم البلدان للحموي ج 2 ص 540 ، والاغاني ج 18 ص 39 و 30 والحضارة الاسلامية في القرن الرابع ج 2 ص 206 عنه .
(4) التراث اليوناني في الحضارة الاسلامية ص 91 .
(5) عيون الانباء ص 316 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 73 ـ

  3 ـ ثم انشأ بدر ، مولى المعتضد مستشفى في بغداد (1) .
  4 ـ وفي سنة 302 هـ انشأ الوزير علي بن عيسى مستشفى آخر ، وقلده سعيد ابن يعقوب الدمشقي ، مع غيره من مستشفيات بغداد ، ومكة ، والمدينة (2) .
  5 ـ وفي 306 هـ انشأ سنان بن ثابت مستشفى السيدة ، وانشأ المقتدر بيمارستانا آخر باسمه (3) ... ويقال : ان سنان هذا قد تقلد خمس مستشفيات في سنة 304 هـ (4) .
  6 ـ وفي سنة 313 هـ ، انشأ ابن الفرات ، خصم علي بن عيسى السياسي مستشفى اسندت رئاسته الى ثابت بن سنان (5) .
  7 ـ ثم اسس امير الامراء التركي ابو الحسين قبل موته في سنة 329 هـ . مستشفى ، اسندت رئاسته الى سنان بن ثابت (6) .
  8 ـ وفي سنة 355 اسس معز الدولة مستشفى في بغداد ايضا (7) .
  9 ـ وفي سنة 368 اسس عضد الدولة المستشفى المشهور في بغداد ، وكان يخدم فيه 24 طبيباً ، من مختلف الاختصاصات ، وقد اسندت رئاسته الى اكثر من 24 .

**************************************************************
(1) تاريخ البيمارستانات في الاسلام ص 180 والتراث اليوناني في الحضارة الاسلامية ص 91 .
(2) عيون الانباء ص 316 وتاريخ طب در ايران ج 2 ص 288 والتراث اليوناني في الحضارة الاسلامية ص 91 وتاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص 206 .
(3) المصادر المتقدمة مع : الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري ج 2 ص 207 ، والمنتظم ج 6 ص 146 وعيون الانباء ص 302 وتاريخ الحكماء ص 194 / 195 .
(4) الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري ج 2 ص 206 عن المنتظم 114 .
(5) عيون الانباء ص 305 ، والحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري ج 2 ص 207 عن المنتظم ص 23 والتراث اليوناني في الحضارة الاسلامية ص 92 ، وتاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص 206 .
(6) التراث اليوناني في الحضارة الاسلامية ص 92 ، والحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري ج 2 ص 207 .
(7) تاريخ طب در ايران ج 2 ص 775 والحضارة الاسلامية في القرن الرابع ج 2 ص 207 والمنتظم ج 7 ص 33 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 74 ـ

  طبيباً على التوالي (1) .
  وقد زار الرحالة الاندلسي ابن جبير هذا المستشفى في بغداد سنة 580 هـ ، وكان لا يزال يعمل بنشاط ويظهر : انه لم يتعرض للخراب حين غزا المغول بغداد في سنة 656 هجرية (2) .
  ثم تتابعت المستشفيات في مختلف البلاد والاصقاع ، بشكل مكثف ، كما يعلم من المراجعة الى المؤلفات والموسوعات ، فراجع على سبيل المثال :
  تاريخ البيمارستانات في الاسلام ، وتاريخ طب در ايران ج 2 ، والخطط للمقريزي والحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري ، وغير ذلك ...
  كما ان صاحب كتاب تاريخ طب در ايران ج 2 ص 787 فصاعدا قد اجمل وصف المستشفيات في البلاد الاسلامية ، فمن اراد فليراجعه ...

**************************************************************
(1) تاريخ طب در ايران ج 2 ص 775 ، وتاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص 207 والتراث اليوناني في الحضارة الاسلامية ص 92 ، وكثير من المصادر الاخرى .
(2) التراث اليوناني في الحضارة الاسلامية ص 93 .

  الآداب الطبية في الاسلام   ـ 75 ـ

القسم الثاني من الاخلاق الطبية في الاسلام :