إن التحليل الذي أوردناه أعلاه يثير لنا سؤالاً جديداً وهو :
  ( إذا كان رأس الخليج العربي جنوب عبادان بمسافة (12) كيلو متراً قبل الف عام ، فالمفروض أنه كان شمال تلك النقطة بحوالي 50 كيلو متراً أخرى قبل ألفي عام أي ان رأس الخليج العربي كان عند الابلة عام 30 قبل الميلاد ، فكيف إذا كانت هناك مدينة خاركس ( المحمرة ) إلى غير ذلك من الأخبار التي جئنا بها ) .
  لكي نتمكن من الإجابة على هذا السؤال يترتب علينا دراسة تصريف الغرين في شط العرب ففي الوقت الذي لا ينتقل في دجلة والفرات أكثر من حوالي ستة ملايين متر مكعب سنوياً من الطمى والغرين إلى الخليج العربي عند مصب شط العرب فإن نهر كارون ينقل حوالي 29 مليون متر مكعب من الطمى والغرين سنوياً أي إن 82 % من الطمى الذي يترسب عند مصب شط العرب في الخليج العربي ينقله نهر كارون ، فإذا ما تذكرنا أن نهر كارون لم يكن يتصل بشط العرب وإن عضد الدولة البويهي حفر قناة الحفار ( النهر العضدي ) الذي أوصل شط العرب بكارون قبل ألف عام فقط ، فإن كميات الطمى التي تنقل بشط العرب قد إزدادت فجأة من 6 ملايين متر مكعب سنوياً قبل القرن الرابع الهجري إلى حوالي 35 مليون متر مكعب سنوياً بعد ذلك ولحد الوقت الحاضر فإذا ما إعتبرنا أن هبوط قعر الخليج العربي كان مستمراً منذ العصور الجيولوجية المتأخرة ، فيظهر ان رأس الخليج العربي كان مستقراً على شكل ما خلال العهدين الاغريق والساساني وخلال القرون الأربعة الأولى للهجرة ، فما يترسب بسبب الطمى والغرين في مصب شط العرب يعوضه الهبوط الذي يجري في رأس الخليج العربي ، غير أن هذا التوازن قد اختل بعد إيصال نهر كارون بشط العرب فإبتدأت الأرض تتقدم والخليج العربي ينحسر منذ حوالي ألف عام فقط .
  قد يظهر للقاريء أن كميات الطمى والغرين الذي يحمله شط العرب إلى الخليج العربي والتي اشرنا إليها أنها تبلغ حوالي 35 مليون متر مكعب ( كبيرة جداً )

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 134 ـ

غير إننا لو علمنا أن ما ترفعه حفارات مصلحة الموانيء العراقية سنوياً وهو حوالي ( 2.5 ) مليون متر مكعب وهو يمثل الطمى الذي يترسب في القنوات الملاحية فقط ، فعليه فإن الرقم الذي بيناه يظهر معقولاً إذ أن ما ترفعه حفارات المصلحة لايتجاوز 7 % فقط من الطمى الذي يفرغه شط العرب في الخليج العربي .
  وأعود مرة أخرى بشأن موقع رأس الخليج العربي قبل ألفي عام فأقول : إذا إعتبرنا أن شط العرب خلال الالف سنة الأولى للميلاد كان ينقل الطمى والغرين من دجلة والفرات فقط والذي قدرناه بحوالي ستة ملايين متر مكعب سنوياً فإن نسبة ذلك إلى كميات الطمى والغرين الذي ينقله شط العرب خلال الألف الثانية بعد الميلاد يبلغ حوال السدس فلو إفترضنا أن معدل تقدم الارض نحو الخليج العربي خلال الالف الاولى بعد الميلاد كان مستمراً كما في الوقت الحاضر ، وإن مقدار هبوط القعر كان قليلاً جداً ففي هذه الحالة يكون تقدم اليابسة نحو الخليج العربي بنسبة سدس التقدم الذي جرى خلال الالف الثانية بعد الميلاد ، أي لم تتقدم اليابسة خلال الألف الأولى بعد الميلاد أكثر من حوالي ( 8.5 ) كيلو متر .
  ولما كان رأس الخليج العربي واقعاً على ممسافة تبلغ (12) كيلومتراً جنوب عبادان خلال القرن الرابع الهجري ( قبل ألف عام ) فعليه يكون موقع رأس الخليج العربي حوالي ( 3.5 ) كيلو متر جنوب عبادان قبل ألفي عام ، وعلى كل فمن الصعب تثبيت هذا الإستنتاج خاصة وإن عملية هبوط القعر الذي أشار إليه ليز وفالكون كان مستمراً خلال هذه الفترة ، غير أن المهم في الموضوع إن قيام عضد الدولة البويهي بإيصال نهر كارون بشط العرب بقناة الحفار ( والذي سمي بزمانه النهر العضدي ) كان سبباً رئيسياً في تغيير الميزان في مصب شط العرب فمن تقدم لليابسة لا يذكر خلال الألف عام الأولى بعد الميلاد إلى تقدم سريع بلغ معدله (50) متراً سنوياً وبعرض حوالي (14) كيلو متراً لكل جانب من شط العرب خلال الألف عام الثانية بعد الميلاد .
  إن ما بينته من أرقام كان على وجه التقريب وبالطبع فإن الإستنتاجات المبنية عليها تكون تقريبية أيضاً ويتطلب الأمر بالطبع دراسات عميقة وتجارب وافية للحصول على الحقيقة التي يبغيها كل طالب للعلم .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 135 ـ

شط البصرة

مقدمة
  إن مشروع شط البصرة الذي يجري العمل فيه الآن من قبل مصلحة الموانيء العراقية بحفر نهر يربط هور الحمار بخور الزبير ، هو من المشاريع التي تبنتها الحكومة العراقية بعد فيضان عام 1966 م فبالرغم من وجود إقتراحات عديدة في السابق كما سنبين فيما بعد ، غير أن المباشرة بالمشروع وبصورة جدية لم تتم إلا عام 1969 م ، فنجد أول كتاب صدر بهذا الشأن كان من وزير الإصلاح الزراعي بتاريخ 4 / 6 / 1969 موجهاً لمديرية الري العامة يطلب فيه إعداد دراسة فنية لإمكانية تصريف مياه هور الحمار إلى الخليج العربي عن طريق خور عبد الله .
  وعلى أثر ذلك قامت الجهات الحكومية المعنية وخاصة مديرية السدود والخزانات العامة ومصلحة الموانيء العراقية بدراسة المشروع وبصورة جدية ، فتم تثبيت موقع النهر المقترح على خارطة أعدت لهذا الغرض من قبل مصلحة الموانيء العراقية يوم 10 / 9 / 1969 وبعد دراسة الموضوع من قبل الجهات المعنية تم تثبيته وبصورة نهائية بنفس الموقع المقترح من قبل المصلحة المذكورة .
  إن إطلاق إسم شط البصرة على هذا المشروع يعود تاريخه إلى يوم 12 / 9 / 1969 حيث توصلت المصلحة إلى مقترحين لتسمية هذا النهر أولهما ( شط البصرة )

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 136 ـ

والثاني ( كرمة العرب ) ، أما أسباب هذين الإقتراحين فإن الإسم الاول وهو ( شط البصرة ) يتكون من كلمة ( الشط ) التي تستعمل في العراق لتعني النهر الكبير وهذا النهر الجديد نهر واسع كبير يمر بين البصرتين ، البصرة الحديثة والبصرة القديمة ، فهو إذاً شط البصرة ، أما الإقتراح الثاني بتسمية ( كرمة العرب ) فكان على أساس أن النهر الجديد ـ يأخذ من كرمة علي ( فرع الفرات الجنوبي ) ويمتد موازياً لشط العرب فهو إذاً ( كرمة العرب ) ، غير ان الإقتراح الاول بتسميته النهر ( شط البصرة ) نال إستحساناً وقبولاً أكثر ، فسمي من ذلك الحين بهذه التسمية وعند وضع الحجر الأساس لهذا المشروع خلال إحتفالات اليوبيل الذهبي لتأسيس ميناء البصرة يوم 8 / 10 / 1969 تم إطلاق إسم شط البصرة بصورة رسمية على المشروع .
  إن مشروع شط البصرة ، كما قلت سابقاً ، مشروع قديم أورد فيما يلي ما كتبه المرحوم سليمان فيضي عنه في كتابه البصرة العظمى ـ نشره الدكتور عبد الحميد فيضي ـ عام 1965 ـ الصفحة 75 :
  ( مشاريع الري في البصرة ـ أشرنا آنفاً إلى الموضع الذي كانت عليه القنوات والانهار في موضعي البصرة القديمة والحالية بحيث أنها لكثرتها وإتصالها ببعض تكون شبكة واسعة تروي السهل الخصيب الكبير الممتد بين الاهوار شمالاً وخور عبد الله جنوباً وبين صحراء الزبير غرباً وشط العرب شرقاً ، وكان إتصال الأنهر المتفرعة من الفرات بتلك المتفرعة من شط العرب يعمل على حفر الأنهر وجرف الترسبات فيها وخاصةً في موسم الفيضان حين تقوم هذه الشبكة بدور رئيسي في تصريف المياه الفائضة من الفرات إلى الشط ، أما في موسم شحة مياه الفرات فإن الشبكة ذاتها تقوم بدورها الكامل في إرواء المزارع مستفيدة من المد والجزر الذي يأتيها من الشط .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 137 ـ

  ولما اصاب البصرة الخراب وتدهور إقتصادها وبارت تجارتها وهجرها أهلها بسبب المصائب والنكبات التي داهمت المدينة قرون طويلة إفتقدت الانهار التابعة من الفرات ( وأهواره ) اليد التي كانت تتعهدها بالحفر والكري كما تراكم فيها الطمى وترسب فيها الغرين على مر الايام وإنقطع أتصال مياه الفرات بإنهار الضفة الغربية من شط العرب فشح الماء في هذه الأخيرة وكانت نتيجة ذلك أن أقحل السهل الخصيب الذي أشرنا إليه وضاقت الرقعة المزروعة على ضفة الشط إلى حد كبير وعانى النخيل النامي في ( ذنائب الانهار ) الضمأ فأدى ذلك إلى تلف التمر وجفافه في تلك النواحي مالم تكرى الأنهر وتحفر كل بضع سنين وهو عمل جسيم كثير التكاليف .
  لقد سبب إندراس الانهر الفرعية حرمان الاهوار من منفذها الطبيعي لتصريف مياه الفيضان إلى شط العرب وإلى خور عبد الله فأدى ذلك إلى توسع نهر كرمة علي لكي يقوم وحده بمهمة التصريف هذه ، غير أن تصريف الكرمة لم يكن يكفي أثناء الفيضان فكان لا بد للمياه أن تجد لها منفذاً للبحر وكان هذا يجري عن طريق ممر السهل الخصيب القديم الذي أصبح قاحلاً تغطيه قشرة من السبخ بحيث تتصل الاهوار بالخور مباشرةً ، فيظطر المسافرون بين البصرة والزبير إلى ركوب الزوارق مدة شهرين أو ثلاثة أشهر في كل سنة ، وفي خلال هذه الأشهر كانت المياه الفائضة تتصل بنهايات بعض الانهار فتعمل على جرف قعرها وتنظيف مجراها فتؤدي بذلك للنخيل خدمة كبيرة .
  إمتد الحال على هذا المنوال حتى سنة 1915 ففي ذلك العام حدث فيضان خطير وكانت معركة الشعيبة مشتعل أوارها آنذاك فحاصرت المياه الإنجليز وإنقطع عنهم الإمداد وأوشكت الشعيبة على السقوط بيد العثمانيين ، فقام الأنجليز ببناء سدة تمتد من البصرة إلى الشعيبة ومدوا فوقها سكة حديدية لنقل الذخائر ، وبقيت هذه السدة حتى يومنا هذا الطريق الوحيد بين البصرة والزبير ، إلا أنها في الوقت ذاته منعت مياه الأهوار من التسرب إلى البحر أيام الفيضان وحصرتها شمالي السدة فراحت تغمر الأراضي المحيطة بنهر كرمة علي فنميت زرعها ، بينما

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 138 ـ

إزداد نهر كرمة علي عمقاً وأرضاًَ بعد أن أصبح المنفذ الوحيد لمياه الأهوار لشط العرب ، ومن طريف ما يذكر أن هذا النهر كان ضحلاً وضيقاً قبل سبعين سنة فكان الناس يعبرونه على ظهر الخيل ، إلا أن الاهوار إتصلت به بعد ذلك فتوسع وتعمق مجراه مؤثراً بذلك على مجرى الفرات الأصلي الذي يلتقي بدجلة في القرنة حتى غدا هذا الأخير صغيراً قليل المياه ، نعود إلى المضاعفات التي حصلت بعد قيام سدة الزبير فنضيف ان حرمان أنهر البصرة من عامل الحرف الطبيعي لمجراه أيام الفيضان أدى إلى إندراس نهاياتها ( الذنائب ) وإلى المزيد من التمور التي لا تصلح إلا علفاً للحيوان ، فضلاً من ان ركود الماء في الذنائب قد احالها إلى مباءات للبعوض والعفن ، أما في موسم الفيضان فقد أصبح على عاتق شط العرب تصريف مياه دجلة والفرات الفائضين في آن واحد بعد ان كان ماء الفرت الفائض لسنين خلت يصب في البحر رأساً كما أسلفنا ( مما يزيد الطين بلة أن نهر كارون الذي يصب في شط العرب جنوبي البصرة يفيض في موسم مقارب لفيضان الرافدين ) وهو شيء لا يطيقه فقاسى هو الآخر من الفيضان وأتت المياه على البقية الباقية من اشجار الفاكهة والكروم والنخيل الحديثة ( النشو دون عشر سنوات ) وأصبحت البصرة اليوم تستورد معظم خضارها من أنحاء العراق الاخرى بدل أن تكون مصدراً لها وبالأخص لكونها قريبة من الكويت السوق الطبيعية لثمار البصرة .
  إن الحل الوحيد للمشكلة المزدوجة التي تعانيها البصرة : الغرق في موسم الفيضان والجفاف في موسم الصيهود ، هو إحياء النهر الذي حفره الحجاج (1) والذي جاء ذكره في كتب المؤرخين (2) .
  ( قام الحجاج أمير البصرة الحازم بإعمار نحو خمسين ألف إيكر من أراضي البصرة وحولها إلى أحدى جنات العرب الأربع على الأرض ، فكانت عبارة عن بساط أخضر من البرسيم الحجازي تبرز منها النخيل الباسقة فتظل الحدائق

 ************************************************
(1) لقد بحثنا في وبالتفصيل تاريخ الأنهر القديمة في منطقة البصرة ، ولا يوجد نهر حفره الحجاج في هذا الموقع .
(2) لم أجد المصدر الذي إعتمد عليه المؤلف والذي ورد فيه هذا النص .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 139 ـ

وتقيها حرارة الصيف اللأفحة وبرد الشتاء القارص بينما كانت نفائس الكروم تصل نخلة بأخرى وتتدلى منها عناقيد العنب الأرجواني ) .
  وفي عام 1911 أكد المهندس العالمي وليم ويلكوكس ـ الذي وضع تقريراً نفيساً عن الري في العراق ـ ضرورة إحياء نهر الحجاج بعد إدخال بعض التعديل عليه ، فهو يصور المشروع يبدأ من كرمة علي ويمتد جنوباً وسط السهل غربي البصرة ويتصل بنهر أبي الفلوس المتفرع من شط العرب ، ويعطي في نقطة إلتقاءه هذه فرعاً يتصل بخور عبد الله ينظم الري فيه ناظم يغلق أيام السنة ولا يفتح إلا في موسم الفيضان لتصريف المياه الزائدة ، ويمكن أن يوصل نهر الحجاج هذا برواضع شط العرب كمشاريع متممة على مر السنين مكونةً ذات الشبكة القديمة التي جعلت من هذه الأرض فردوساً في سالف الزمان ، وإقترح ويلكوكس أن يكون عرض النهر 50 متراً وعمقه ثلاثة أمتار ونصف المتر ) .
  وقد أضاف الدكتور عبد الحميد فيضي التالي إلى آخر ما أورده المرحوم سليمان فيضي :
  ( تبنى المؤلف في حياته هذا المشروع بشغف وحرارة فسعى طوال ربع قرن إلى إقناع المسؤولين بتنفيذه وله فيه دراسات علمية غزيرة وإحتفظ بخرائط نادرة له وتراجم لتقارير طويلة عنه ، وهو يرى مثلاً أن حفر النهر بعرض عشرين متراً ( بدل الخمسين التي يقترحها ويلكوكس ) وأن يهال التراب على بعد عشرين متراً من كل ضفة على شكل سداد ، فإذا جاءت مياه الفيضان جرفت شيئاً من جوانب النهر وهكذا تزداد سعته من سنة لأخرى حتى تبلغ العرض المقرر وقد إستطاع بعد لاى أن يقنع الحكومة عام 1928 بضرورة تحقيقه فتجددت الدراسات وتداول المسؤولون في امر نفقاته ثم أجلوا تنفيذه لاسباب مالية ، وفي عام 1935 إستطاع ـ بصفته نائباً في المجلس النيابي ـ أن يدخل امشروع في موازنة الاعمال الرئيسية للخمس سنوات وأرصدت له المبالغ ثم تبدلت الحكومة فأجل تنفيذه وكانت من

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 140 ـ

أعز أمنياته قبل ان يتوفاه الله عام 1951 أن يرى هذا المشروع حقيقة واقعة وأن تنعم البصرة ثانية بفردوسها المفقود وأن ينام الفلاح البصري قرير العين لا فيضان يخيفه ولا جذب يؤرقه ) .
  وقد يتذكر بعض القراء أن منفذين المياه الفيضان كانا قد تم فتحهما بين البصرة والزبير عام 1954 الأول في الطريق الموصل من البصرة إلى الزبير والآخر في سدة السكة الحديدية من المعقل إلى الشعيبة ، وكان المرحوم عبد الرضا الجبيلي قد كتب في حينه عن ذلك في جريدة الشعب ( العدد الصادر بتاريخ 29 / 4 / 1954 ) وأقدم فيما يلي بعض المقتطفات نصاً من هذا المقال :
  ( لم تر السلطات المحلية في البصرة بداً من فتح منافذ السكك الحديدية لتصريف المياه المتجمعة في منخفضات منطقة الهارثة والاهوار الدانية منها حيث تنساب إلى فم البحر درءاً لخطر الفيضان عن البصرة ، وهذه التدابير تؤدي حتماً إلى تخفيف ضغط الفيضان لإنسياب المياه عن طريق الصحراء بين البصرة والزبير .
  وقد يتسائل القاريء بمناسبة هذه التقارير عن الموضع الاصيل لنهر الأبلة التاريخي القديم الذي كان مصدراً للمياه والري الزراعي من بين مسارب المياه الراهنة التي فتحت منافذها إلى البحر وما علاقتها بالنهر الذي إتجهت النية إلى إحيائه لوقاية المدينة من الغرق وللإنعاش الزراعي ويقتضينا هذا التساؤل أن نتبسط في شرح أمور متشعبة ونحن إذ نستقبل إرتفاع مياه إتخذت التدابير لتصريفها من فتحة السكك الحديدية عن طريق مسرب كان في التاريخ القديم يوصف معالمه بإنه بقايا أثر مندثر لنهر ( الأبلة ) تاركين التفصيل إلى ظرف ملائم . . . . .
  . . وفي أوآخر العهد العثماني ، أي في عام 1908 إنتدب الأتراك المهندس البريطاني الشهير السير وليم ولكوكس لدرس مشاريع العراق فأشار إلى إمكان إحياء هذا النهر وأفاض في الحديث عن فوائده الجمة في وقاية البصرة من الغرق

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 141 ـ

والسيطرة على مياه الري والإنعاش الزراعي ، وقد أراد المرحوم ياسين الهاشمي إحياء هذا المشروع وحفر مسرباً للنهر في موضع لا تتسلط عليه المياه بيسر ، ولكنه أهمل بعد وفاته وكان مسرب النهر يطلق عليه نهر الترك حيث كان الأسرى الاتراك لدى الإنكليز في الحرب الاولى الماضية في عام 1914 قد حفروه لنقل التراب وإستعماله في تعلية سدة السكة الحديدية في باب الزبير التي تنقل مؤن الحرب الطاحنة بين الإنكليز والعثمانيين في الشعيبة ، وكانت تجمعات المياه المنحدرة من الهارثة والأهوار المحيطة تشكل بحيرة من المياه الطاغية المنحبسة وراء السدة وكان الإنكليز يسيرون سوقياتهم العسكرية في الزوارق والأبلام إلى مواضع القتال في الشعيبة وسط هذه المياه . .
  وأما نهر ( كرى سعدة ) الذي لا تزال له بعض معالم بعد إندثاره في شمال الزبير فقد كان بالأصل من مجرى نهر الفرات الذي ينحدر من الكوفة من مكان دان من وادي أبي صخير في الشامية وقد طهره ( كراه ) سعد بن ابي وقاص والي الكوفة والبصرة في عهد الامويين (1) ( كذا ) ويمضي الزمن إرتفعت أرض المدينة القديمة ( الزبير ) نتيجة إسقاء الرمال المتعالية من البيداء إلى جانب طبيعة المياه التي تلاحق البطائح والأراضي المنخفضة فصارت تنحر في منخفض بطائح الحمار ( هور الحمار ) ولكنها كانت بالتالي تلتقي في مسيل النهر التاريخي القديم ( الأبلة ) ولما زال أثر هذا النهر إنحرف في جريانه إلى نهر دجلة الذي كان يصب في شط العرب الصغير وكان متفرع هذا النهر يتجه الى الاحواز ويتصل بالنهر الصيمري ( كذا ) ، ثم بتعاقب عوارض الزمن بدل الماء إتجاهه إلى مسارب الفاو ماراً مرة أخرى بمكان مصبه القديم في سيحان وتعاظم وصار يعرف بشط العرب الكبير . . ) .
  كذلك أورد ما قاله الإستاذ حامد البازي في كتابه ( البصرة في الفترة المظلمة وما بعدها ) ـ صفحة ( 91 ) ـ ( 1969 ) عن نهر كرمة علي :

 ************************************************
(1) لم يكن سعد بن أبي وقاص والياً على الكوفة في عهد الأمويين .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 142 ـ

  ( . . . نهر ـ كرمة علي ـ الذي هو أعرض فروع نهر شط العرب والذي تقع على نهايته قرية ( حرير ) بلدة الحريري صاحب المقامات الشهيرة ) .
  ويقال أن هذا النهر قديماً كان يعتمد على مياه الأهوار فكانت المياه أيام الفيضان تملاءه فيدفع بها إلى الصحاري التي تحيط به وتصبح اليابسة بين البصرة والشعيبة والزبير على صورة بحيرة تسير فيها القوارب ثم تنتهي لتصب في خور عبد الله والبحر ، ولكن بعد إنتهاء معركة الشعيبة سنة 1915 م بنى الإنكليز سداً حول مياه الاهوار في محلها دون أن تصرف إلى البحر وعلى هذا الاساس أخذت المياه تعمل في الأراضي التي حول نهر كرمة علي نفسه حتى أصبح دائم المياه مع عمق عظيم وإتساع كبير في حافتيه .
  ويقال أن نهر كرمة علي كان منذ مائة سنة ضيقاً وضحلاً وكان أيام الصيهود ـ شحة المياه ـ يعبره الناس على ظهور الخيل ومشياً على الأقدام ، وكان مع ذلك يدر على البصرة بالخير الوفير حتى قيل أن في سنة 1913 ظهر فيه نوع من السمك المتوسط الحجم بمقادير جعل الناس هناك يصيدونها بالأيدي . . . ) .
  ويستمر الأستاذ حامد البازي في الصفحة (110 ) من كتابه ( البصرة في الفترة المظلمة وما بعدها ) حول هذا الموضوع فيقول :
  ( وكان أول من فكر في إحياء نهر الحجاج وتأسيس الجمعيات الزراعية في البصرة المهندس العالمي ويلكوكس ـ الذي إستدعته الحكومة العثمانية سنة 1911 ليضع تقريراً عن الري في العراق فكان إن قدم مشروع إحياء نهر الحجاج المطمور الذي قال أن يبدأ من نهر كرمة ويتصل بنهر أبي فلوس ومن نقطة إلتقائه غرب البصرة يكون نهراً واحداً ويتصل بخور عبد الله وتكون عليه نواظم وخزانات صغيرة لا تفتح إلا في وقت الحاجة وأيام الفيضان ، وعلى أن يكون عرض النهر ( 50 ) متر وعمقه ثلاثة امتار ونصف وبذلك تتخلص البصرة من الفيضان وتزرع الحبوب والتبوغ والكروم زيادة على النخيل والخضروات ويقال ان هذا المشروع يدر على البصرة أكثر من مليونين دينار سنوياً زيادة على فوائده الأخرى وتلطيفه للجو ، لو تم ذلك لكان ذا أهمية عظيمة في الوقت الحاضر ) .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 143 ـ


تصميم شط العرب
   لما كان العمل الرئيسي لشط البصرة هو تصريف مياه الفيضان وتخفيف أضرارها على الأرض الواقعة على ضفتي شط العرب بتقليص التصريف فيه ، لذا فقد كان من الضروري دراسة تصاريف نهري دجلة والفرات في هور الحمار ومنها إلى شط العرب ، وقد قامت الجهات الحكومية المختصة ( مديرية السدود والخزانات العامة ) بإعداد دراسات تفصيلية بهذا الشأن تقرر بعدها أن يصمم شط العرب لتصريف ( 500 ) متر مكعب في الثانية وفيما يلي أورد جدولاً تفصيلياً يبين هذه التصاريف .

التسلسل
التصريف متر مكعب في الثانية
لعام
فيضان
1954
فيضان
1957
الحالات القصوى
للفيضان
التقدير للمستقبل
1
مقدار التصريف من هور الحمار متر مكعب في الثانية
من الفرات
من الغراف
من مصرف المصندق
على دجلة
من اهوار القرنة
المجموع
1250
150
2700

270
4370
1370
150
1400

270
3190
1500
4000
5500
2
مقدار التصريف من هور الحمار الى شط العرب متر مكعب في الثانية
من الفرات عند القرنة
من الشافي
من الفرات عند كرمة علي
المجموع
750
100
2900

3750
650
50
1900
2700
1500
2500
4000
3
مقدار التصريف من هور الحمار متر مكعب في الثانية بواسطة
التبخر والتخزين في الهور
فتحة الطريق إلى خور الزبير أو ( شط البصرة مستقبلاً )
المجموع
420
200
620
420
70
490
1000
500
1500
4
التصريف من هور الحمار
المجموع الكلي
4370
3190
5500

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 144 ـ

  وقد تمت دراسة المنطقة بين هور الحمار وخور الزبير وإجريت المسوحات التفصيلية لها فأصبح الطول المقرر لشط البصرة ( 42 ) كيلو متراً يبدأ من نهر الفرات ( فرع كرمة علي ) من أمام قرية حرير ممتداً بإتجاه الجنوب الشرقي حيث يتقاطع مع خط السكة الحديدية الممتدة بيت المعقل والشعيبة على بعد قدره حوالي ( 8.5 ) كم من المنبع عند كرمة علي ثم يتقاطع مع طريق البصرة ـ الزبير على بعد قدره حوالي ( 18.2 ) كيلو متراً من المنبع عند كرمة علي ، على أن ينشأ ناظم على مسافة ( 22 ) كيلو متراً من المنبع وذلك في المنطقة الواقعة بين تقاطع شط البصرة مع طريق بصرة ـ زبير وخور الزبير لمنع مياه خور الزبير المالحة التسرب إلى أعالي الشط وسيزود الناظم بهويس ملائم لمرور الجنائب والسفن الصغيرة .
  إن معدل الإنحدار لشط البصرة سيكون ( 5.45 ) سنتيمتراً لكل كيلو متراً ، أما مقطع شط البصرة فيتكون من جزء ملاحي لإغراض الملاحة النهرية يسمح لحركة الجنائب والزوارق البخارية بالعمل فيها بعرض للقعر قدره حوالي ( 59 ) متراً وبعمق للماء قدره حوالي ( 3.5 ) متراً في الصيهود وللتوصل إلى هذا يجري الحفر حالياً إلى عمق خمسة امتار تحت مستوى سطح الأرض الطبيعية ويتوسع هذا الجزء الملاحي إلى عرض قدره ( 98 ) متراً عند تقاطع شط البصرة بجسر السكة .
  أما الميل الجانبي فهو بنسبة ( 3 : 1 ) وعلى بعد قدره ( 30 ) متراً من الضفة الغربية للشط ينشأ سداد بإرتفاع حوالي 2.5 متراً فوق معدل سطح الأرض الطبيعية ومن طرف الضفة الشرقية يكون السداد الجانبي على بعد ( 227 ) متراً من ضفة النهر فيصبح عرض النهر للمنطقة الواقعة بين كرمة علي وناظم خور الزبير حوالي ( 377 ) متراً ، يمكنه تصريف ( 500 ) متر مكعب في الثانية إذا ما وصل إرتفاع الماء إلى حوالي 1.30 متراً أعلى من الارض الطبيعية الحالية .
  ويبلغ الطول الكلي لشط البصرة حوالي ( 42 ) كيلو متراً وقد قدرت الكمية الكلية للحفر المطلوب بحوالي ( 12 ) مليون متراً مكعب ، ولضخامة العمل فقد

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 145 ـ

إستوردت مصلحة الموانيء العراقية خمس حفارات من النوع القاطع الماص Cutter Suction أحدهما من النوع ( العملاق ـ Giant ) وبإمكان هذا النوع القيام بحفر حوالي ( 500 ) متر مكعب في الساعة الواحدة وبالفعل فإن هذه الحفارة والتي سميت ( صلاح الدين ) تقوم بحفر حوالي ( 12000 ) متر مكعب يومياً بعمل ثلاث وجبات في منطقة خور الزبير متقدمة بإتجاه الشمال نحو طريق البصرة ـ الزبير .
  أما الحفارات الأربع الأخرى والتي هي من نوع ( كنك ) وهي المسماة ( سنحاريب ) و ( دهوك ) و ( قرنة ) و ( فلوجة ) فبإمكانها حفر ( 370 ) متراً مكعباً في الساعة الواحدة ، وفعلاً يصل الإنتاج اليومي حالياً للحفارتين سنحاريب ودهوك اللتين تعملان في المنطقة الواقعة بين هور الحمار وخط السكة الحديدية إلى حوالي ( 12000 ) متراً مكعباً بعمل ثلاث وجبات .
  إن الحفارة الثالثة ( قرنة ) نصبت في المنطقة الواقعة بين طريق معقل ـ الشعيبة وخط السكة الحديدية في الصحراء ، إذ قاما مصلحة الموانيء العراقية بحفر حفرة كبيرة ثم تم نصب الحفارة فيها بعد أن إمتلاءت بالماء المتسرب إليها من الطبقات التربة غير أن هذه الحفارة لم تتمكن من العمل ثلاث وجبات يومياً بسبب عدم كفاية الماء الموجود في الأرض لتزويد متطلبات الحفارة فأذا علمنا ان هذه الحفارة تقطع التربة وتخلطها بالماء الموجود وتضخها بانبوب قطره ( 45 ) سنتيمتراً علمنا كميات الماء الكبيرة المطلوبة لكي تتمكن هذه الحفارة من العمل بصورة كاملة ، لذا فقد قامت مصلحة الموانيء العراقية بفتح ترعة إلى منطقة عمل هذه الحفارة فإذا وصلت هذه الترعة وزودت المنطقة بالماء الكافي فسيكون بإمكان الحفارة حفر حوالي ( 6000 ) متر مكعب بدلاً من الإنتاج الحالي الذي يصل إلى ثلث هذا الرقم يومياً فقط وتقوم الحفارة الرابعة المسماة الفلوجة بالعمل مع الحفرة صلاح الدين في منطقة خور الزبير .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 146 ـ

  أن العمل الفعلي في مشروع شط البصرة منذ أول آذار 1970 وقد تم تشغيل الحفارات الواحدة تلو الأخرى حيث تم تشغيل أخر حفارة منها خلال شهر حزيران 1970 ، ومنذ بدء العمل حتى نهاية عام 1970 تم حفر أكثر أربعة ملايين متر مكعب ، ويستمر العمل ليل نهار لإنجاز هذا المشروع الحيوي والمؤمل أن يؤدي الفوائد التالية حسبما جاء في التقرير الفني الذي تم رفعه من قبل مديرية السدود والخزانات العامة :
 1 ـ تخفيض الضغط على شط العرب لتصريف مياه نهري دجلة والفرات إلى الخليج العربي مباشرة عن طريق خور عبد الله.
 2 ـ المحافظة على مناسيب فيضان ثابتة في هور الحمار والسيطرة عليها بما يمكن أهالي المنطقة من إستعمال الأراضي المتوفرة لديهم دون تهديدها بالغرق معظم مواسم الزراعة .
 3 ـ تسهيل إمكانية إستصلاح أراضي زراعية واسعة في منطقة هور الحمار لإستعمالها لإغراض الزراعة .
 4 ـ تسهيل عملية تجفيف بعض مناطق هور الحمار للأغراض الزراعية والصناعية .
 5 ـ المحافظة على مدينة البصرة من الفيضان وجعل إمكانية توسيع المدينة لإغراض السكن والصناعة غرباً ممكناً .
 6 ـ تسهيل النقل النهري من ميناء ام قصر إلى القرنة ومنها إلى نهر دجلة ونهر الفرات .
  إن مشروع شط البصرة يتطلب إضافة لإنشاء ناظم كما بينا سابقاً لمنع مياه خور الزبير المالحة من التسرب أعالي هذا الشط ، إنشاء جسر للسكة الحديدية ونفق لطريق البصرة ـ الزبير وقد بدأت مديرية الطرق والجسور العامة و مصلحة

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 147 ـ

سكك حديد الجمهورية العراقية بإعداد تصماميمها وحال الانتهاء من ذلك سيباشر بإنشاء الجسر والنفق عن طريق المقاولة ، أما الناظم فقد أتمت مديرية السدود والخزانات تصماميمها له ومن المؤمل المباشرة بالعمل خلال عام 1971 .
  أن الأعمال المقررة في الوقت الحاضر بشأن مشروع شط البصرة والتي تتلخص بحفر الشط وإنشاء الناظم والجسر والنفق ليست إلا بدء للإستفادة من هذا المشروع الحيوي لتطوير البصرة زراعياً ، فكما أشرنا إلى أن لهذا المشروع تأثيراً كبيراً على حالة هور الحمار والسيطرة عليه ، فإن هناك مشاريع عديدة أخرى لا بد ان يقام بها بعد إنجاز هذا المشروع ويمكن تحديد هذه الاعمال والمشاريع بالتالي :
 1 ـ إنشاء اقنية الري اللأزمة على طرفي شط العرب للإستفادة في سقي الأراضي التي تحاذي شط البصرة على جانبيها وتطويرها زراعياً .
 2 ـ إنشاء مشروع بزل كامل في الارضي الزراعية الجديدة التي ستستفاد بالسقي من شط البصرة .
 3 ـ إيصال قناة شط البصرة إلى منطقة الزبير وضواحيها للإغراض الزراعية .
 4 ـ مد قناة من شط البصرة وبمحاذاة شط العرب للمنطقة الواقعة بين البصرة والفاو وذلك لتزويد الأراضي الزراعية الواقعة على الجهة الغربية لشط العرب بالمياه العذبة .
 5 ـ غلق كافة الأنهر الفرعية على الجهة الغربية من شط العرب ونصب المضخات عليها وإستعمالها كمبازل وإعتبار شط العرب مبزل رئيسي للمنطقة .
 6 ـ البدء بمشروع كامل لتجفيف بعض المناطق الملائمة في هوار الحمار للأغراض الزراعية والصناعية والإستفادة من شط البصرة في هذه العملية .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 148 ـ

  إن المشاريع التي بينت أعلاه تتطلب تشكيل هيئة متفرعة ذات تكوين خاص لتطوير الزراعة والري في المنطقة وتكون مسؤولة عن تنفيذ هذا المشروع الحيوي الضخم وعلى مراحل عديدة لإكمالها في فترة تحدد مسبقاً ولإمد طويل بحيث يمكن إعادة هذه الأراضي إلى سابق إزدهارها .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 149 ـ

شط العرب في قضايا الحدود العراقية ـ الإيرنية

1 ـ مقدمة تاريخية


أ ـ شط العرب
  كان شط العرب يعرف أيام الفتح الإسلامي بدجلة العوراء وكانت تقع على ضفته الغربية مدينة الابلة ( العشار حالياً ) وتقع عند مصبه في الخليج العربي مدينة عبادان وقد زارها عدد من الرحالة كإبن بطوطة وناصر خسرو العلوي وذكرهها آخرون من الجغرافيين كإبن حوقل في صورة الارض وإبن رسته في الاعلاق النفيسة وإبن سرابيون والمقدسي وغيرهم كثيرون ، ومن المدن التي كانت تقع على شط العرب بلدة بيان على بعد خمسة فراسخ من الابلة بإزائها وفي موضعها اليوم ميناء المحمرة على قناة الحفار ( نهر كارون ) وهذا النهر يصل أعالي فيض دجلة بفيض دجيل ( كارون ) وقد قال المقدسي إن هذا النهر ( اي قناة الحفار ) قد شقه عضد الدولة البويهي وقبله ذكره قدامه بإسم ( النهر الجديد ) وكانت تسير فيه السفن الأتية من البصرة إلى الاحواز وكانت السفن قبل ان ينشق النهر العضدي ( على ماسماه المقدسي ) تذهب في النهر إلى الخليج العربي ثم تعود فتدخل من البحر إلى فيض دجلة مارة ببيان إلى الأبلة .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 150 ـ


ب ـ معاهدات الحدود بين الحكومتين العثمانية والإيرانية
  تعود مشاكل الحدود بين العراق وإيران إلى مئات الأعوام وتاريخ العراق خلال السنوات الأربعمائة الماضية وخاصة خلال فترة الإستعمار العثماني يزخر بهذه المشاكل فنجد خلال هذه الفترة عدداً كبيراً من المعاهدات والإتفاقيات إدرج فيما يلي قائمة بها لعل القاريء يأخذ صورة عن العلاقات والمشاكل التي كانت تقع بين العثمانيين والإيرانيين بشإن الحدود العراقية الإيرانية .
 أولاً معاهدة أماسية سنة 962 هـ ـ 1554 م بشإن ترك ولاية قارص وقلعتها إلى الدولة العثمانية وتحديد حدود شهرزور ( بشمال العراق ) الذي طالت المنازعات ( كذا ) من أجله .
 ثانيا ـ معاهدة عام 970 هـ ـ 1562 م .
 ثالثاً ـ معاهدة فرهاد باشا عام 988 هـ ـ 1590 م .
 رابعاً ـ معاهدة نصوح باشا عام 1020 هـ ـ 1611 م .
 خامساً ـ معاهدة عام 1022 هـ ـ 1613 م حول اجبار الدولة الصفوية على عدم التدخل في أمور العراق الداخلية .
 سادساً ـ معاهدة سراو ـ عام 1027 هـ ـ 1618 م .
 سابعاً ـ معاهدة مراد الرابع ( زهاب ) 1049 هـ ـ 1639 م ، وإعتراف الدولة الصفوية بعائدية العراق للدولة العثمانية نهائياً .
 ثامناً ـ معاهدة المقاسمة عام 1137 هـ ـ 1724 م .
 تاسعاً ـ معاهدة امير أشرف عام 1140 هـ ـ 1727 م ودخول منطقة الحويزة تحت نفوذ الدولة العثمانية .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 151 ـ

 عاشراً ـ معاهدة أحمد باسا عام 1144 هـ ـ 1731 م .
 أحدى عشرة ـ معاهدة عام 1145 هـ ـ 1372 م .
 إثني عشرة ـ معاهدة عام 1149 هـ ـ 1739 م وموافقة نادر خان بإعادة الحدود إلى ما كانت عليه في زمن مراد الرابع .
 ثلاثة عشرة ـ معاهدة نادر شاه عام 1159 هـ ـ 1746 م .
 أربعة عشرة ـ معاهدة أرضروم الأولى سنة 1238 هـ ـ 1823 م .
 خمسة عشرة ـ معاهدة أرضروم سنة 1264 هـ المصادف 31 / 5 / 1847 م .
 ستة عشرة ـ إتفاقية 1286 هـ ـ 1869 م حول خلافات الحدود .
 سبعة عشرة ـ بروتوكول طهران المؤرخ 21 / كانون الأول 1911 .
 ثمانية عشرة ـ بروتوكول الإستانة المؤرخ 4 / 11 / 1913 .
 تسعة عشرة ـ محاضر قومسيون تحديد الحدود 1913 / 1914 .
  إن الحكومتين العثمانية والإيرانية وخلال السنوات من 1554 حتى 1914 ( 360 سنة ) قد عقدتا تسعة عشرة إتفاقية ومعاهدة بينها وبينهما وذلك بمعدل إتفاقية جديدة بشأن الحدود كل حوالي عشرين عاماً وكانت كل إتفاقية منها تعتبر هي النهائية لكافة المشاكل وإن الخلاف سيزول بعدها .

ج ـ المعاهدات والإتفاقيات الأخيرة
  إن المعاهدات والبروتوكولات والإتفاقيات التالية هي التي لها علاقة كاملة بالحال الحاضر في شط العرب :

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 152 ـ

 أولاً ـ معاهدة ارضروم الموقعة في 31 / 5 / 1847 م ، ( 1264 هـ ) .
 ثانياً ـ بروتوكول الإستانة الموقعة في 4 / 11 / 1913 م .
 ثالثاً ـ محاضر جلسات قومسيون تحديد الحدود 1914 م .
 رابعاً ـ معاهدة الحدود المفقودة بين العراق وإيران عام 1937 م .

2 ـ المعاهدات والإتفاقيات التي لها علاقة بالوضع الحاضر

أ ـ معاهدة أرضروم الموقعة في 31 / 5 / 1847 م
  وفي أوائل القرن التاسع عشر ظهر إلى الوجود في هذه المنطقة نفوذ روسيا القيصرية المتمثل في شمال إيران وبريطانية التي يتمثل وجودها في الخليج العربي وجنوب إيران ، وقد أخذت إيران في هذه الفترة إثارة المشاكل في العراق ضد الدولة العثمانية عن طريق إثارة المتمردين وتحريضهم للثورة ونظراً لرغبة الأطراف المعنية في وضع حد لهذه المشاكل الحدودية بين الدولتين العثمانية والإيرنية فقد توسطت كل من روسيا القيصرية وبريطانيا لحل الخلافات بين الحكومتين العثمانية والإيرانية فتم توقيع هذه المعاهدة عام 1847 ميلادية حيث ورد نص المادة الثانية من هذه المعاهدة كما يلي ( تتعهد الحكومة الإيرانية أن تترك للحكومة العثمانية جميع الإراضي المنخفضة ـ اي الاراضي الكائنة القسم الغربي من منطقة زهاب وتتعهد الحكومة العثمانية بأن تترك للحكومة الايرانية القسم الشرقي اي جميع الاراضي الجبلية من المنطقة المذكورة بما في ذلك وادي كرند ، وتتنازل الحكومة الإيرانية عن كل مالها من إدعاءات في مدينة السليمانية ومنطقتها وتعهدت رسمياً بإن لا تتدخل في سيادة الحكومة العثمانية على تلك المنطقة أو تتجاوز عليها و تعترف الحكومة العثمانية بصورة رسمية بسيادة الحكومة الإيرانية التامة على مدينة المحمرة وميناءها وجزيرة خضر والمرسي والأراضي الواقعة على الضفة الشرقية ـ أي الضفة اليسرى من شط العرب التي تحت تصرف عشائر معترف بإنها تابعة لأيران وفضلاً عن ذلك فللمراكب الإيرانية حق الملاحة

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 153 ـ

في شط العرب بملء الحرية وذلك من محل مصب شط العرب في البحر إلى نقطة إتصال حدود الفريقين .
  غير أنه لا بد من الإشارة إلى ان الحكومة العثمانية وقبل توقيعها على هذه المعاهدة قد طلبت من السفيرين البريطاني ( ولسلي ) والروسي ( استينوف ) في الاستانة ان يوضحا بعض النقاط وقد اجاب السفيران بمذكرة ايضاحية مؤرخة 26 / 4 / 1847 حول هذه الأسئلة ومنها النص التالي : ولما كان الممثلان الموقعان أدناه راغبين وملزمين في إزالى الغموض العالق بذهن الباب العالي حول جميع المسائل المذكورة في أعلاه فإنهما يصرحان بهذا كالآتي :
  بخصوص (1) ـ إن مرسى المحمرة هو القسم الواقع مقابل مدينة المحمرة في قناة الحفار وهذا التعريف لا يحتمل أو يؤثر أي تفسير آخر على معناه ، وفضلاًَ عن ذلك فإن الممثلين الموقعان في أدناه يشاطران الحكومة العثمانية بتركها لإيران مدينة المحمرة وميناءها ومرساها وجزيرة خضر في المنطقة المذكورة لا يعني تركها أية أراض أو موانيء أخرى موجودة في تلك المنطقة المذكورة ـ ويصرح كذلك الممثلان الموقعان في ادناه بإنه سوف لا يكون لأيران الحق بإية حجة كانت في تقدم إدعاءات حول المناطق الكانئة على الضفة اليمنى من شط العرب ولا حول الاراضي العائدة لتركية على الضفة اليسرى حيث تقطن في تلك الضفة أو في تلك الأراضي عشائر إيرانية أو أقسام منها . . . )
  هذا وقد قام ( محمد أمين علي وزير الخارجية العثماني ) بتوجيه جواب على مذكرة السفيرين في 29 جمادي الأول سنة 1263 هـ حيث أبلغهما موافقته على الإيضاحات أعلاه وإنه أبلغ معالي أنور أفندي مندوب الباب العالي في أرضروم أن يوقع مسودة المعاهدة ، كذلك قام ( الميرزا ـ محمد علي خان ) بتوجيه مذكرة إلى السفيرين البريطاني والروسي في 23 صفر 1264 هـ الموافق 19 / 1 / 1848 م بموافقته على الإيضاحات التي قدموها إلى الباب العالي وتأييده لها وتوقيعه على المعاهدة

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 154 ـ

وذلك بناءً على الصلة التي عهدت إليه من الحكومة الإيرانية لتبادل وثائق إبرام معاهدة أرضروم .
  إن أهم مايلاحظ في هذه المعاهدة بشأن شط العرب هو ما يلي :
 أولاً ـ تنازل الدولة العثمانية عن إقليم عربي تسكنه قبائل كعب العربية إلى إيران مقابل منطقة السليمانية .
 ثانياً ـ إن السيادة الإيرانية على المحمرة وميناءها لا تشمل شط العرب بإي شكل من الأشكال ، إذ أن مرسى المحمرة الواقع على قناة الحفار والذي تم إخضاعه للسيادة الإيرانية لا يقع في شط العرب بل في ذلك الجزء من نهر كارون والذي شقه عضد الدولة البويهي قبل حوالي ألف عام .
 ثالثاً ـ سمحت هذه المعاهدة للمراكب الإيرانية حق الملاحة البريء في شط العرب .
 رابعاً ـ كانت الحكومة العثمانية حريصة جداً للمحافظة على سيادتها الكاملة على شط العرب وذلك عن طريق المذكرات الإيضاحية التي تم تبادلها قبل توقيعها للمعاهدة والتي أكدت عليها بإن ترك مدينة المحمرة لا يعني تركها أية أراضي أو موانيء أخرى موجودة في تلك المنطقة.

ب ـ بروتوكول الاستانة الموقع في 4 / 11 / 1913
  إستمرت الخلافات بين الحكومتين العثمانية و الإيرانية بعد توقيع معاهدة أرضروم عام 1847 م وبالرغم من إبرام إتفاقية 1286 هـ بين الدولتين لحل خلافات الحدود وثم توقيع بروتوكول طهران في 21 / 12 / 1911 فإن الدولتين كانتا دائماً على خلاف في تفاصيل الحدود ومواقعها حتى تدخلت مرة أخرى الحكوماتان البريطانية والروسية فتم توقيع بروتوكول الإستانة في 4 / 11 / 1913 فوقهعا السير لويس مالت عن الحكومة البريطانية ومرزا محمود خان قاجار إحتشام السلطنة عن

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 155 ـ

الحكومة الإيرانية والمسيو ميشيل ده جبير عن الحكومة الروسية والأمير سعيد حليم باشا الصدر الاعظم وزير الخارجية عن الحكومة العثمانية .
  هذا وقد ورد النص التالي حول تعريف الحدود بين إيران وتركية بشأن شط العرب : ( . . ويتبعه سائراً نحو الشرق تماماً لحد النقطة الكائنة إلى الشمال الشرقي من كشك بصرة بحيث يترك هذا المحل في الاراضي العثمانية ثم يسير الخط من هذه النقطة نحو الجنوب لحد قناة خيين لحد نقطة إتصال القناة المذكورة بشط العرب عند مصب نهر نازالية (1) ومن هذه النقطة تتبع الحدود مجرى شط العرب لحد البحر تاركةً النهر وجميع الجزر الموجودة فيه تحت السيادة العثمانية مع مراعاة الشروط والإستثناءات التالية :
 أ ـ يعود ما يلي إلى ايران (1) جزيرة محلة والجزيرتين الواقعتين بين جزيرة محلة والضفة اليسرى من شط العرب ( ساحل عبادان ) و (2) الجزر الأربع الواقعة بين شطيط وماوية (2) والجزيرتين الكائنتين مقابل منكوحي والتابعتين لجزيرة عبادان و (3) جميع الجزر الصغيرة الموجودة الآن أو التي ق تتكون فيما بعد مما يتصل عند هبوط الماء بجزيرة عبادان أو بالأراضي الإيرانية إلى أسفل نهر نازالله .
 ب ـ يبقى ميناء ومرسى المحمرة الحديثين ـ إلى فوق وإلى أسفل ملتقى نهر كارون بشط العرب تحت السلطة الإيرانية عملاً بما جاء في معاهدة أرضروم ، بيد أن ليس لهذا الأمر مساس بحق تركيا في استعمال هذا القسم من النهر كما أن سلطة إيران سوف لا تتناول أقسام النهر الواقعة خارج المرسى .
 جـ ـ لا يجري تغيير ما في الحقوق والتقاليد والعادات الحالية فيما يتعلق بصيد الأسماك في الضفة الإيرانية من شط العرب وتشمل كذلك كلمة ( ضفة ) الاراضي التي تتصل بالساحل وقت هبوط الماء .

 ************************************************
(1) وردت هكذا مرة نازاليه ومرة نازالله في الصفحة 11 من مجموعة محاضر جلسات قومسيون تحديد الحدود التركية ـ الفارسية لسنة 1913 ـ 1914 م ـ مطبعة الحكومة بغداد ـ 1948 م .
(2) المقصود جزيرة معاوية .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 156 ـ

 د ـ لا تتناول السلطة العثمانية أقسام الساحل الإيراني التي قد تغطيها المياه مؤقتاً عند إرتفاعها أو من جراء عوامل عرضية أخرى ، ولا تمارس السلطة الإيرانية على جانبها ـ على الأراضي التي قد تصبح مكشوفة بصورة وقتية أو عرضية عندما يكون مستوى هبوط الماء دون الحد الإعتيادي .
  هذا ويلاحظ التالي في هذا البروتوكول :
 أولاً ـ لقد ثبتت السيادة العثمانية ( وبالتالي كما سنرى فيما بعد السيادة العراقية ) على طول مجرى شط العرب لحد البحر بما فيه النهر وجميع الجزر فيه ( عدا الإستثناءات المثبتة فيه ) أي وضحت كون شط العرب مياهاً وطنية بصورة جلية .
 ثانياً ـ وضوح البروتوكول بإن شط العرب حتى البحر ومعنى ذلك إمتداده أيضاً في المستقبل في البحر يقع تحت السيادة العثمانية ( أي بالتالي السيادة العراقية ) .
 ثالثاً ـ تنازلت الحكومة العثمانية بجزء من شط العرب يقع امام المحمرة إلى فوق وإلى اسفل ملتقى نهر كارون بشط العرب إلى الحكومة الإيرانية ( عملاً بما جاء في معاهدة ارضروم ) وفي الحقيقة كما وضحنا سابقاً فأن معاهد ارضروم كانت صريحة بهذا الصدد إذ أنها عرفت مرسى المحمرة في قناة الحفار وهو واقع في نهر كارون وليس بشط العرب ، أي أن ما ورد في هذه الفقرة يتناقض تماماً مع نصوص معاهدة أرضروم فهل كان هذا التناقض هو تنازل من الحكومة العثمانية أم كان جهلاً من قبل الصدر الأعظم ووزير خارجية الباب العالي الأمير سعيد حليم باشا بجغرافية شط العرب ونهر كارون هذا ما لا أتمكن معرفته ، غير إنني اعتقد على الاكثر بإن الموضوع كان تنازلاً من الحكومة العثمانية بناءً على ضغط من الحكومة البريطانية لإيجاد مرسى

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 157 ـ

لبواخرها ولدق ( مسمار جحا) في شط العرب اسناداً الى لعملائها في المنطقة وحفظاً للمصالح النفطية البريطانية هناك .
  رابعاً ـ أصبحت الحدود الحكومة بين الحكومتين الحكومة والايرانية في شط العرب على طول خط الماء الواطىء للضفة اليسرى من شط العرب ( ساحل عبادان ) عدا مرسى المحمرة في شط العرب ( وسنرى فيما بعد كيف تم تحديد ذلك ) أي ان شط العرب فيما عدا هذا الاستثناء يكون مياهاً وطنية للحكومة العثمانية ( وبالتالي مياهاً وطنية عراقية ) .

جـ ـ محضر قومسيون تحديد الحدود 1914
  عملاً بما جاء بالمادة الثانية من بروتوكول الاستانة حول تحديد الحدود العثمانية الايرانية الموقع في 4 / 11 / 1913 فقد عقد قومسير والدول الاربعة ( بريطانية وايران وروسيا وتركيا ) ونوابهم اولى جلساتهم في المحمرة يوم 8 / 1 / 1914 وبدأ بتطبيق فقرات البرتوكول لتحديد الحدود على الطبيعة واستمروا هكذا حتى اتموا تحديد الحدود من الجنوب الى الشمال بوضع دعامات ثبتت اوصافها وارقامها كذلك قاموا برسم الخرائط وشرح ووصف الحدود المشتركة بصورة تفصيلية ، ان هذه المحاضر موجود لدى الدول المعنية وتشهد لكاتبيها بالدقة والكفاية الفنية .
  هذا وقد وردت النصوص التالية لوصف الحدود في شط العرب في هذه المحاضر : محضر الجلسة الثانية المنعقدة يوم الاحد 12 / 1 / 1914 م على ظهر الباخرة العثمانية الحربية ( مرمريس ) :
  ( يتصل خط الحدود القادم من العرض لضفة اليسرى لشط العرب على نقطة تقع على مسافة ميلين منحدراً من القلعة العائدة للشيخ خزعل وجرى رصد هذه القلعة من شرفة دائرة البرق العثمانية في الفاو ، حيث جرى تحقق من ان سمتها مع الشمال يقع على درجة 87 ومن هذه النقطة يسير متع مستوى المياه المنخفضة في الضفة اليسرة ( ضفة عبادان ) الى جزيرتين تقعان امام منيوحي منكوحي على شكل محيط يجعل تركهما لايران ، ثم يستمر ليتصل مباشرة بخط

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 158 ـ

المستوى الذي يتبعه حتى الجزر الأربعة بين معاوي (1) ( ماووي ) وشوطة (2) ( شطة ) بصورة تجعل محيطهما وتركهما في الاراضي الإيرانية ، ثم يختلط مجدداً مع خط مستوى المياه المنخفض ويتبعه حتى جزيرة ( محلة ) التي هي جزء من الارض الإيرانية مع الجزيرتين الواقعتين بين هذه والضفة الإيرانية بعد التحقق من إتباع نفس المستوى دائماً يصل الخط إلى نقطة يبدأ منها ميناء ومرسى المحمرة وتعرف هذه النقطة بإسم تويد جات (3) وتقع على مسافة 4650 قدم إنكليزي من النقطة الأمامية على الضفة اليسرى بالقرب من نهر كارون عند إتصاله بشط العرب ) .
  كذلك طلب القوميسور العثماني في هذه الجلسة بإن الجزر العائدة لإيران قد جرى تعدادها واحدة واحدة عند الوصف في حين أن الجزر العائدة للدولة العثمانية لم تذكر وطلب إدخال العبارة التالية إلى البروتوكول .
  ( من هذه النقطة تتبع الحدود مجرى شط العرب إلى البحر تاركة تحت السيادة العثمانية النهر وجميع الجزر الموجودة فيه ) واثارت هذه النقطة جدلاً بإن هذا تفصيل لا حاجة لدرجة واعلن الرئيس إن الإمتلاك العثماني لشط العرب والجزر الاخرى معترف به ثم تقرر أن تدخل العبارة الجزر الاخرى تعود للدولة العثمانية ) .
  ثم ورد في محضر الجلسة الثالثة يوم الخميس 16 / 1 / 1914 على ظهر الباخرة الإيرانية ( قارون ) النص التالي :
  يتحول خط الحدود من تويدجات (3) في وسط مجرى الماء من الشط الذي يتبع عند مروره بين الضفة الإيرانية والجزيرة المسماة بإم الرصاص في جزئها الشرقي وبإم الخصاصيف بجزئها الجنوبي وعند الوصول إلى مدخل نهر الخيين الشرقي الذي يميز بواسطة علامتين مبنيتين بالطابوق عند نهاية هاتين الضفتين و اللتين تحملان كلتاهما رقم (1) يدخل خط الحدود بين القناة ويتبع

 ************************************************
(1) جزيرة معاوية .
(2) جزيرة شطيط.
(3) وردت تويدجات والصحيح طويجات .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 159 ـ

وسط مجرى الماء إلى نقطة تقع على مسافة 400 قدماً (122 ) متراً تقريباً في غرب نقطة إتصال نهر ابو العرابيد بنهر الخيين ) ، هذا ويلاحظ التالي في هذه المحاضر :
 أولاً ـ ثبتت الحدود العثمانية ( وبالتالي العراقية ) الإيرانية على طول خط الماء الواطيء ( وهو الخط الذي يتكون على الساحل عندما ينخفض الماء في الجزر إلى أوطأ ما يمكن ) لضفة اليسرى لشط العرب ( ساحل عبادان ) وبوصف تفصيلي ، فيما عدا منطقة واحدة تكون مرسى ميناء المحمرة من نقطة الطويجات حتى إلتقاء قناة الخيين بشط العرب حيث يسير خط الحدود في وسط مجرى الماء وطول هذا الجزء من الشط هو حوالي 7.25 كم بينما طول مجرى شط العرب من نقطة إلتقاء الحدود البرية بين البلدين بشط العرب عند قناة الخيين حتى البحر هو حوالي ( 104 ) كيلو مترات .
 ثانياً ـ تم تحديد التنازل العثماني في شط العرب امام مدينة المحمرة على طول خط وسط مجرى الماء وهو ما يعرف باللاتيني MEDIUM FILUM AQUA وبطول حوالي 7.25 كيلو متراً فكان هذا أول مرة تحصل فيها إيران على مياه وطنية في شط العرب .
 ثالثاً ـ أكد المحضر مرة أخرى بإن شط العرب وحتى البحر وكافة الجزر الموجودة فيه ما عدا الإستثناءات المثبتة بصورة تفصيلية تعود للحكومة العثمانية ( أي بالتالي للعراق ) .

د ـ معاهدة الحدود العراقية الإيرانية لعام 1937
  بعد تشكيل الحكومة العراقية عام 1921 ثم دخولها عصبة الأمم عام 1933 فإن الحكومة الإيرانية إستمرت بخلق المشاكل في شط العرب مما أدى إلى توتر

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 160 ـ

العلاقات بين البلدين فقامت الحكومة العراقية بعرض الخلاف على عصبة الامم في 29 تشرين الثاني 1934 وذلك للنظر في محاولات إيران بعدم إعترافها بالحدود القائمة في شط العرب المستندة إلى معاهدة أرضروم لسنة 1847 ولبروتوكول الاستانة عام 1913 ولمحاضر جلسات قومسيون تحديد الحدود لسنة 1914 .
  غير ان الحكومة الإيرانية قدمت بعد تبادل بعض المذكرات مع الحكومة العراقية جواباً إلى عصبة الأمم بتاريخ 8 / 1 / 1935 بنيت فيها عدم اعترافها بمعاهدة أرضروم لسنة 1847 ( بسبب عدم تخويل ممثلها صلاحية توقيع المعاهدة ) وان البروتوكول الموقع في الاستانة عام 1913 ومحاضر جلسات تحديد الحدود لسنة 1914 هما بالتالي لاغيين وباطلتي المفعول من الوجهة الحقوقية وإن الحدود يجب أن يجري في منتصف النهر أو على طول الخط الذي يقطع قاعة في الوسط ، وإن بريطانيا قد وعدت إيران في آذار 1929 بمذكرة من السفير البريطاني في طهران بإن الحكومة البريطانية مستعدة لتساعد إيران للحصول على مطاليبها المعقولة وأظهر إستعداده لعقد إتفاقية حول شط العرب وإن الحكومة البريطانية تميل إلى فكرة عقد معاهدة ثلاثية بين إيران والعراق وبريطانيا لتأليف مجلس إدارة خاص يكون لأيران ممثل فيه للإشراف على أمور الملاحة في شط العرب ، وإن إيران قد قامت بمفاوضات طويلة حول هذه الأسس مع الحكومة العراقية غير أن العراق يتمسك بوثائق مهملة قديمة من حيث تاريخها وعائدة لزمن كانت فيه الإمبراطوريتان الإيرانية والعثمانية تحت نفوذ الدول الأجنبية وإن هذه الإتفاقات لا تلبي إحتياجات الزمن الحاضر وليست دات صفة قانونية تنفيذية ولا أثر للإنصاف والعدل فيها .
  وبعد المناقشات الطويلة في مجلس عصبة الأمم تقرر ان تطرح القضية على مفاوضات مباشرة بين الدوليتن ، وعليه فقد أوفدت الحكومة العراقية وفداً برئاسة وزير خارجيتها في 5 / 8 / 1935 عندما قابل الوفد شاه إيران وجرى الحديث حول الخلافات بين البلدين المجاورين إعترف الشاه بمشروعية معاهدة ارضروم إلا أنه إلتمس أن يتنازل العراق عن ثلاث كيلو مترات في شط العرب لتمكن المراكب

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 161 ـ

الإيرانية الرسو فيها ، وبعد عودة الوفد العراقي إلى بغداد نظر مجلس الوزراء في الطلب وقرر أن القانون الأساسي العراقي لا يجيز التنازل عن أي شيء في العراق وعليه لا يمكن إجابة طلب الشاه إلا إنه من الجهة الثانية وافق على إعطائه المسافة المذكورة بطريق الإيجار بشرط أن تجيب إيران مطاليب العراق المشروعة في بقية القضايا المختلفة عليها .
  وبعد مفاوضات طويلة وتدخل الحكومة البريطانية بواسطة مستشاريها في الحكومة العراقية تم توقيع معاهدة الحدود العراقية الإيرانية في 29 حزيران 1937 م وقد وقعها عن الجانب العراقي وزير الخاجية آنذاك الدكتور ناجي الأصيل وعناية الله سميعي وزير خارجية إيران عن الجانب الآخر .
  ( إن المفاوضات التي كانت دائرة منذ زمن بعيد بين الإمبراطورية الإيرانية و حكومة المملكة العراقية حول الحدود المشاعة بين الدولتين وقضية شط العرب قد تكللت بالنجاح وإنتهت بالتوقيع على معاهدة الحدود والبروتوكول الملحق بها ، وبتوقيع هذه الوثائق سويت الخلافات التي كانت قائمة منذ زمن بين البلدين بصورة نهائية . . إلخ وهي عبارة أعتقد انها وردت في العشرين إتفاقية الموقعة بين الدولة العثمانية وبالتالي الحكومة العراقية وبين الحكومة الإيرانية .
   إن أهم محتويات معاهدة 1937 والبروتوكول الملحق بها هي النصوص التالية :

أولاً ـ معاهدة الحدود بين العراق وإيران لسنة 1937 م
  الديباجة : بناء على رغبتهما في توثيق عرى الصداقة الأخوية وحسن التفاهم

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 162 ـ

بين البلدين وبغية وضع حد بصورة نهائية لقضية الحدود بين دولتيهما فقد قررا عقد هذه المعاهدة . . إلخ .
  المادة الأولى : يوافق الفريقان الساميان المتعاقدان على إعتبار الوثائق التالية بإستثناء التعديل الوارد في المادة الثانية من هذه المعاهدة وثائق مشروعة وعلى إنهما ملزمان بمراعاتهما :
 أ ـ البروتوكول المتعلق بتحديد الحدود التركية الإيرانية والموقع عليه في الإستانة بتاريخ 4 تشرين الثاني 1913 م .
 ب ـ محاضر جلسات لجنة تحديد الحدود لسنة 1914 م
  ونظراً لإحكام هذه المادة وعدا ما هو وارد في المادة التالية يكون خط الحدود بين الدولتين عين الخط الذي تم تعيينه وخطيطه من قبل اللجنة المذكورة أعلاه .
  المادة الثانية ـ إن خط الحدود عند ملتقاه بمنتهى النقطة الكائنة في جزيرة شطيط ( في الدرجة 30 والدقيقة 17 والثانية 25 من العرض الشمالي والدرجة 48 والدقيقة 19 والثانية 28 من الطول الشرقي على وجه التقريب يعود فيتصل على خط ممتد عامودياً من خط إنخفاض المياه بثالوك شط العرب ويتبعه حتى نقطة كائنة أمام الإسكلة الحالية رقم 1 في عبادان ( في الدرجة 30 والدقيقة 20 والثانية 4 و 8 من العرض الشمالي والدرجة 48 والدقيقة 16 والثانية 13 من الطول الشرقي على وجه التقريب ) ومن هذه النقطة يعود خط الحدود فيسير مع مستوى المياه المنخفضة متبعاً تخطيط الحدود الموصوف في محاضر جلسات السنة 1914 .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 163 ـ

  المادة الثالثة ـ يقوم الفريقان الساميان المتعاقدان تواً بعد التوقيع على هذه المعاهدة بتأليف لجنة نصب دعائم الحدود التي كانت قد عينت أماكنها اللجنة المذكورة في الفقرة ( ب ) من المادة الاولى من المعاهدة وتعيين دعائم جديدة مما ترى فائدة في نصبه .
  وتعيين تشكيلات اللجنة ومنهاج اعمالها بترتيب خاص يجري بين الفرقين الساميين المتعاقدين .
  المادة الرابعة ـ تطبق الاحكام التالية على شط العرب إبتداءاً من النقطة التي تنزل فيها الحدود البرية بين الدولتين إلى النهر المذكور حتى عرض البحر :
 أ ـ يبقى شط العرب مفتوحاً بالمساواة للسفن التجارية العائدة لجميع البلدان وتكون جميع العوائد المجباة من قبيل أجور للخدمات المؤداة وتخصص فقط لتسديد ـ بصورة عادلة ـ كلفة صيانة أو تحسين طريق الملاحة ومدخل شط العرب من جهة البحر ولتدارك النفقات المتكبدة لصالح الملاحة ، وتقدر العوائد المذكورة على أساس الحمولة الرسمية للسفن أو مقدار إنغطاسها أو على كليهما .
 ب ـ يكون شط العرب مفتوحاً لمرور السفن الحربية وللسفن الاخرى المستخدمة في مصالح حكومية غير تجارية والعائدة للفريقين الساميين المتعاقدين .
 إن هذه الحالة أي إتباع خط الحدود في شط العرب مرة المياه المنخفضة وتارة الثالوك أو وسط المياه مما لا يؤثر على حق إستفادة الطرفين المتعاقدين بوجه ما في الشط كله .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 164 ـ

  المادة الخامسة ـ لما كان للفريقين الساميين المتعاقدين مصلحة مشتركة في الملاحة في شط العرب كما هو معترف في المادة الرابعة من هذه المعاهدة فإنهما يتعهدان بعقد إتفاقية بشأن صيانة وتحسين طريق الملاحة وبشأن اعمال الحفر ودلالة السفن وإستيفاء الأجور والعوائد والتدابير الصحية والتدابير اللازمة الأخرى في سبيل منع التهريب وكذلك بشأن كافة الأمور المتعلقة بالملاحة في شط العرب كما هو معترف في المادة الرابعة من هذه المعاهدة .
  المادة السادسة ـ تبرم هذه المعاهدة ويتم تبادل وثائق الإبرام في بغداد بإسرع ما يمكن وتصبح نافذة من تاريخ تبادل الوثائق المذكورة .

ثانياً ـ البروتوكول الملحق بمعاهدة الحدود المعقودة بين العراق وإيران
  إن الفريقين الساميين المتعاقدين حين قيامهما بالتوقيع على معاهدة الحدود بين العراق وإيران متفقان على ما يلي :
 1 ـ لإجل ثبيت المقاييس الجغرافية المذكورة على وجه التقريب في المادة الثانية من المعاهدة الآنفة الذكر بصورة نهائية تؤلف لجنة خاصة من خبراء يعين كل من الفريقين الساميين المتعاقدين عدداً متساوياً منهم وتقوم اللجنة المشار إليها بتثبيت المقاييس المذكورة ضمن الحدود المعينة في تلك المادة وتدون نتائج التثبيت بمحضر يكون بعد ان يوقع عليه اعضاء اللجنة المشار أليها جزءاً لا يتجزأ من المعاهدة .
 2 ـ يتعهد الفريقان الساميان المتعاقدان بعقد الإتفاقية المنصوص عليها في المادة الخامسة من المعاهدة في بحر سنة واحدة من تاريخ تنفيذ المعاهدة .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 165 ـ

  فإذا لم يكن في الإمكان عقد هذه الإتفاقية في خلال السنة وذلك بالرغم من الجهود المبذولة من قبلهما يجوز عندئذ تمديد المدة المذكورة بإتفاق مشترك بين الفريقين الساميين المتعاقدين .
  توافق الحكومة الإيرانية الإمبراطورية على انه في خلال هذه السنة المنصوص عليها في الفقرة الاولى من هذه المادة وفي خلال تمديد هذه المادة ـ في حالة ما أذا جرى التمديد المذكور تأخذ حكومة العراق على عاتقها وفق الأسس الحالية المرعية امر القيام بكافة الامور التي ستعالجها الإتفاقية المذكورة ، وتقوم الحكومة الملكية العراقية بإطلاع الحكومة الإيرانية الإمبراطورية مرة كل ستة أشهر على الأعمال المنجزة والعوائد المجباة والنفقات المتكبدة وعلى جميع التدابير الاخرى المتخذة .
 3 ـ إن الإجازة التي يمنحها أحد الفريقين الساميين المتعاقدين لإحدى السفن الحربية أو لأحدى السفن الأخرى الحكومية غير المستخدمة في مقاصد تجارية العائدة لدولة ثالثة لإجل الدخول في إحدى الموانيء العائدة إلى ذلك الفريق السامي المتعاقد والواقعة في شط العرب تعتبر إجازة منحت من ذلك الفريق السامي المتعاقد الآخر وذلك لكي تتمكن السفينة المذكورة من إستعمال المياه العائدة له في شط العرب عند مرورها منه ، مع ذلك عندما يمنح احد الفريقين الساميين المتعاقدين إجازة من هذا القبيل عليه ان يخبر بذلك الفريق السامي الآخر فوراً .
 4 ـ مع الإحتفاظ بما لإيران من حقوق في شط العرب فمن المفهوم أنه ليس في المعاهدة المبحوث عنها ما يخل بحقوق العراق وواجباته وفق التعهدات التي قطعها للحكومة البريطانية فيما يخص شط العرب عملاً بالمادة الرابعة من المعاهدة المؤرخة في 30 حزيران سنة 1930 وبالفقرة السابعة من ملحقها الموقع عليه بنفس التاريخ .
 5 ـ يبرم هذا البروتوكول في نفس الوقت الذي تبرم فيه معاهدة الحدود ويكون ملحقاً بها وجزءاً لا يتجزأ منها ويدخل حيز التنفيذ مع المعاهدة في وقت واحد .