( المْدَيْنَة ) ناحية قبل (425) سنة

 ( المـدينة ) وحدة ادارية مستقلة ( ناحية ) تشكلت سنة 1574 م ـ 1575 م حسب مذكرة الوثيقة العثمانية المرقمة 534 وكانت تسمى ناحية نهر عنتر (1) وهي تابعة الى سنجق (2) البصرة والجميع يعرف ان منطقة نهر عنتر المعروفة الى يومنا هذا بهذا الاسم ، وهي تقع الى الشرق من مقر البناية الحالية لقائمقامية قضاء ( المـدينة ) وفيها مواطن اثار قديمة سبق وان نوهنا عنها .

ناحية ( المْدَيْنَة )
 استند مدحت باشا الذي عين واليا على بغداد 1869 (3) ، الى قانون الولايات العثماني الصادر سنة 1864 لتنظيم ادارة البلاد فعرف العراق لاول مرة في العصر الحديث تنظيما محكما ارتبطت بواسطته انحاء العراق كافة بمراكز ادارية رئيسة هي النواحي التي ترتبط بدورها بمراكز اعلى هي الاقضية بينما ترتبط الاخيرة بالسناجق ( الالوية ) التي تشكل تنظيما اوسع هي الولايات فارسى بذلك دعائم الادارة الحديثة الاولى في العراق على الرغم من ان تنظيم القطر جرى على اسس وجود ثلاث ولايات هي الموصل

**************************************************************
(1) علي ، علي شاكر ، تاريخ العراق في العهد العثماني ، مشورات مكتبة 30 تموز (نينوى 1984 م) ص 23
(2) السنجق مفرد السناجق وهي كلمة تركية ذات معان متعدد تأتي بمعنى الراية ، العلم ، اللواء ، والسنجق يطلق ايضا على وحدة ادارية وكان على رأس السنجق مير لواء ، الذي علية ان يقدم اثناء الحرب عددا من الجند ، ينظر ، سنجق ، دائرة المعارف الاسلامية ترجمة مجموعة باحثين ، القاهرة ج 12 ص 249 .
(3) ادموف ، الكسندر ، ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها ، ترجمة الدكتور هاشم صالح التكريتي منشورات مركز دراسات الخليج العربي (البصرة 1989 م) ج 2 ص 188 .

تاريخ مدينة المْدَيْنَة ـ 28 ـ


 وبغداد والبصرة فان الاجراءات الادارية الجديدة كانت كفيلة بخلق ادارة مركزية منظمة يكون مركزها بغداد وتتولى الاشراف على شؤون القطر بأجمعة (1) ومن اجل ان تبقى السلطة العثمانية بصورة مستمرة في ( المـدينة ) قطعت الحكومة اكثر من خمسة الاف نخلة وانشأت في مكانها قلعة ( قشلة ) جعلتها مركزا لمديري الناحية والجندرمة (2) واصبح مديرا للناحية سامي افندي وكاتب الناحية ابراهيم باشا ، اي في عام 1869 اصبحت ناحية ( المـدينة ) تابعة لولاية البصرة (3) ثم استحدثت ناحية ( المـدينة ) مرة اخرى عام 1920 (4) واصبح حسك المبارك مديرا لها وباشر وظيفة بتاريخ 23/2/1921 (5) ثم توسعت ناحية ( المـدينة ) بين اعوام 1921 ـ 1939 واصبحت من اوسع نواحي لواء البصرة اذ اصبح تعداد نفوسها اكثر من (70712) نسمة (6) .

**************************************************************
(1) نورس ، علاء وعماد عبد السلام ، عهد المماليك والاسر الحاكمة ، من كتاب ( العراق في التاريخ لمجموعة باحثين ) دار الحرية (بغداد 1983 م) ، ص 642 .
(2) الامارة ، عامر حسك ، اهوار جنوب العراق ، مطبعة المعارف (بغداد ، 1979) ص
(3) موسوعة البصرة الحضارية ، الموسوعة التاريخية جامعة البصرة ص 247
(4) وزارة الحكم المحلي / الدليل الاداري للجمهورية العراقية 1989 ـ 1990 الدار العربية بغداد ج 2 ص 362
(5) مجلة الوقائع العراقية ، بغداد ، العدد 4 في 15 ابريل السنة 1921 ص 10
(6) العمر ، جهاد صالح ، البصرة بين الحربين العالميتين 1918 ـ 1939 كتاب الموسوعة البصرة الحضارية ، الموسوعة التاريخية لمجموعة باحثين جامعة البصرة مطبعة التعليم العالي 1989 ص 394

تاريخ مدينة المْدَيْنَة ـ 29 ـ

قضاء ( المْدَيْنَة )

 يحد قضاء ( المدينة ) من الشرق قضاء القرنة ومن الغرب حدود محافظة ذي قار ومن الشمال حدود محافظة ميسان ومن الجنوب قضاء الزبير ، لاحظ الخريطة رقم (4) ، ويتبع له ناحيتي طلحة والعز .

مصدر الخريطة : وزارة الحكم المحلي ، الدليل الاداري للجمهورية العراقية 1989 ـ 1990 م الدار العربية ـ بغداد

**************************************************************
(1) الدليل الاداري ، ص 364

تاريخ مدينة المْدَيْنَة ـ 30 ـ

ناحية طلحة

 استحدثت الناحية موجب المرسوم الجمهوري المرقم 717 والمؤرخ 1978 (1) ، كانت ناحية واسعة في العهد العثماني ، وكانت تسمى ناحية بني منصور (2) وفي عام 1921 تم تعيين الشيخ حسين الفضل مديرا لها وباشر في وظيفته بتاريخ 23/2/1921 (3) .

حسين الفضل           
ناحية العز

 استحدثت الناحية بموجب المرسوم الجمهوري المرقم 163 في سنة 1970 (4) ، باسم ناحية الهوير ، وفي عام 1993 سميت ناحية العز بدلا من ناحية الهوير ، وبهذا اخذت اسمها الجديد من نهر العز الواقع شرق القصبة بحدود 3 كم .

**************************************************************
(1) الدليل الاداري ص 366
(2) حمدان ، حميد احمد ، البصرة في الحرب العالمية الاولى موسوعة البصرة التاريخية لمجموعة باحثين جامعة البصرة ص 367
(3) مجلة الوقائع العراقية العدد 4 في 15 ابريل 1921 ص 10
(4) الدليل الاداري ص 364

تاريخ مدينة المْدَيْنَة ـ 31 ـ

( المدينة ) ونهر الفرات

 يمر نهر الفرات على جانب واحد باتجاة القرنة ، قادما من مدينة الجبايش ملاصقا جهة ( المـدينة ) الطويلة نسبيا ، فكان على طول الزمن منهلا عذبا ومصدرا مائيا دائما للشرب و لسقي النخيل وبقية المزروعات ، وهو ذاته يفصل بين قصبة القضاء وناحية العز ، وكانت وسيلة الاتصال هي السفن والزوارق ثم استقدمت ( عبارة ) كبيرة لهذا الغرض ولعبور السيارات وعربات النقل ، فالطريق الى مركز مدينة البصرة يمر عبر الفرات مرورا بالقرنة ، ثم بني جسر حديث بدلا من العبارة
 ويمر فرع من الفرات بين قصبة ( المـدينة ) وناحية طلحة يسمى ( نهر عنتر ) وقد بني عليه جسر حديث اخر في نفس الوقت المذكور انفا وعلى هذا الجسر يمر الطريق الثاني الذي يربط مدينة ( المدينة ) بمدينة البصرة .

السدة الترابية

 تحيط بالقصبة سدة ترابية مدورة تماما ضخمة يمتد عمرها الى اكثر من ثلاثمائة سنة من الان على ما يروى كبار السن لتمنع اكتساح مياه الفرات ومياه الاهوار مركز القصبة والقرى المحيطة بها ، وقد وضعت على مدار السدة نواظم لتوزيع المياه على القرى وبساتين النخيل والمزروعات ، واعتقد ان هذه المنطقة كانت سابقا لا تحتاج الى مثل هذه السداد والنواظم كونها تشكل مدنا وقرى فوق التلال كما ذكرنا ، وكان القصد من عرض هذه البيئة الجغرافية
تاريخ مدينة المْدَيْنَة ـ 32 ـ

 المختصرة هو بيان الصعوبات التي كانت تعاني منها السلطات الاستعمارية عند قيام اية حالة مواجهة مع جماهير الشعب في هذه المنطقة لان وجود النهر والسدة الضخمة والاهوار المحيطة كانت تشكل موانع طبيعية وعمقا عسكريا وملجأ حصينا ، ومن الطريف لما يذكر ان هذه السدة قد بنيت من قبل الاهالي بأدوات الحراثة والنقل البسيطة جدا ، ولكن السدة هذه لم تصمد امام الفيضانات الكبيرة حيث تعرضت الى التصدعات في بعض الاجزاء مما قاد الى اكتساح الفيضانات لقصبة ( المـدينة ) لمرتين ، كانت الاولى عام 1940 والثانية عام 1969 م ولذا اهتمت وزارة الري باعادة ترميمها وتعليتها وشقت فوقها شارعا على طول هذه السدة .
تاريخ مدينة المْدَيْنَة ـ 33 ـ

مواقف عشائر ( المْدَيْنَة ) من الاحتلال العثماني

تاريخ مدينة المْدَيْنَة ـ 35 ـ

 شكلت عشائر ( المدينة ) آنذاك تهديدا كبيرا للسلطة العثمانية في البصرة بحكم رفضها قبول الخضوع لسلطاتها الجائرة وقرارتها المجحفة بحق السكان اصحاب الارض وبلا شك فان السلطة العثمانية القائمة على فرض الضرائب ونهب الاموال باستمرار واجهت ذلك التهديد في وقت ظلت فيه الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية السيئة سمة عامة ووجدت السلطات العثمانية مقاومة شديدة من عشائر ( المـدينة ) العريقة ولاسيما وان السلطة كانت تلجأ دائما الى استخدام القوة المسلطة لاكراه العشائر على الخضوع لها لكن هذه الاساليب القسرية التي استخدمتها السلطات العثمانية على مدى سني حكمها لم تستطع ان تقوض ارادة ابناء العشائر في كل ارجاء المنطقة لهذا شهدت ( المـدينة ) عددا من الثورات والانتفاضات العشائرية التي تميزت باتساعها وعمق تأثيرها ونتائجها .

الوالي العثماني يستنجد

 في سنة 1549 م / 956 هـ بدأت العشائر العربية في هذه المنطقة تشن هجماتها على البصرة وقطع الطرق على القوافل التجارية ولعل ابرز الثورات العشائرية ثورة ابن عليان شيخ الجوازر الذي فرض حصارا شديدا على مدينة البصرة في السنة نفسها حتى اضطر والي البصرة ( درويش باشا ) الى طلب المساعدة من والي بغداد ( علي باشا ) الذي اخبر بدوره الباب العالي
تاريخ مدينة المْدَيْنَة ـ 36 ـ

 بامر ابن عليان (1) فكلفه الباب العالي بقيادة حملة عسكرية على البصرة كما كلف والي سيواس ( محمد باشا البلطه جي ) الالتحاق بقوات الانكشارية الى الحملة العسكرية (2) فمثل هذه الحملة العسكرية التي يقودها افضل قادتهم وبامر الباب العالي تؤكد على مدى خطورت هذه الثورات واتساعها وتهديدها للسلطة العثمانية وتشير كذلك الى اهميتها العسكرية والتفاف ابناء العشائر حولها وخشية السلطة العثمانية من ان يفلت من بين ايديهم زمام امور البلاد .

حملة اخرى بأتجاة ( المـدينة )

 تحركت الحملة الكبيرة من بغداد بأتجاه ( المـدينة ) وعند وصولها الى واسط استقبلهم حاكمها علي بك الذي اصبح دليلا لهم وقادهم الى حيث يقيم ابن عليان في بلدة ( المـدينة ) في الجوازرة (3) وهو دليل اخر على اهمية هذه الثورة التي هيأة لها كل هذه الجهود والامكانيات المادية والبشرية بغية اجهاضها والسيطرة عليها .

**************************************************************
(1) ابراهيم بجوي ، تايخ بجوي ، (استانبول ، 1283 هـ) ، ص 467
(2) كلشن خلفا نظمي زادة مرتضى ، ترجمة موسى كاظم نورس ، النجف الاشرف ، 1971 ، ص 203 .
(3) كلشن خلفة / المصدر نفسة ص 203

تاريخ مدينة المْدَيْنَة ـ 37 ـ

ابن عليان ينتصر

 على الرغم من ضخامة الحملة التي ضمت عددا كبيرا من السفن واعدادا بشرية هائلة زودت بأسلحة فتاكة الا انها اخفقت في كسر شوكة ( ابن عليان ) الذي بدا يباغت القوات العثمانية ليلا ويلحق بها خسائر فادحة متخذا من الاهوار المحيطة بمدينة ( المـدينة ) ذات المتاهات والاراضي الوعرة نقطة انطلاق في هجومه وعندما شعر الجيش العثماني بالفشل باقضاء على ابن عليان رجع خائبا يجر وراءه ذيول العار بعد ان تكبد خسائر كبيرة في الارواح والمعدات (1) جعلته يندب حظه العاثر الذي جره حيث متاهات القصب والبردي وحرارة المستنقعات اللاهبة .

ثورة اخرى في ( المـدينة )

 تجددت ثورة ابن عليان في المدينة سنة 1566 م فأضطر والي البصرة ( درويش علي باشا ) الى طلب المعونة من الدولة العثمانية (2) التي اصدرت امرا الى حاكمي شهر زور والموصل للالتحاق بالحملة العسكرية التي سيقودها اسكندر الجركي والي بغداد كما امر السلطان العثماني سليم الثاني (1566 م ـ 1574 م) بارسال ما يقارب من مائة وخمسين سفينة عن طريق بيرة

**************************************************************
(1) ابن الغملاس ، ولاية البصرة ومتسلموها ، (بغداد 1962 م) ص 57
(2) الصدر نفسه ص 57

تاريخ مدينة المْدَيْنَة ـ 38 ـ

 جك (1) عبر نهر الفرات (2) تحرك ( اسكندر باشا ) من بغداد باتجاه الجنوب وعند وصوله الى قلعة زرتوك (3) ، وجد الجيش العثماني البحري في انتظاره ومن هذه المنطقة تحديدا بدا الجيش العثماني بشن هجماته على اتباع ابن عليان في ( المـدينة ) (4) وكان ابناء عشائر المدينة يقومون بعمليات بطولية لمباغتة الجيش العثماني مستغلين في ذلك الطبيعة الجغرافية للمنطقة ذات المسالك الوعرة ومعرفتهم للمكان جيدا حيث كبدوا افراد الجيش العثماني خسائر فادحة وقد لجا الجيش المعادي الى قطع اشجار النخيل واتلاف المحاصيل بقصد قطع المورد الاقتصادي الوحيد عن ابن عليان واتباعه (5) من عشائر ( المـدينة ) الثائرة الامر الذي اضطر ابن عليان الى طلب الصلح عندما بعث ابن اخيه ومفتي الجوازر محمد الحارث (6) لمفاوضة قادة الحملة .

ابن عليان والصلح

 لعل السبب في طلب ابن عليان الصلح شعوره بعدم تمكنه من الاستقرار في المقاومة بعد اتلاف المحاصيل التي كانت تعتمد عليها عشائر

**************************************************************
(1) بيرة جك ، هي قلعة عثمانية قريبة من مدينة القرنة شرق مدينة ( المـدينة )
(2) حاجي خليفة مصطفى المعروف ( بكاتب جلبي ) تحفة الكبار في اسفار البحار (استنبول ، 1329 هـ) ص 84
(3) العزاوي ، عباس ، تاريخ العراق بين حتلالين ج 4 ص 107
(4) علي ، تاريخ العراق في العهد العثماني / ص 126
(5) علي ، تاريخ العراق في العهد العثماني / ص 126
(6) حاجي خليفة ، تحفة الكبار ، ص 58 / لطف الله المولوي ، منجم باشا ، صحائف الاخبار / مطبعة استنبول / 1285 ج 3 ص 521

تاريخ مدينة المْدَيْنَة ـ 39 ـ

 ( المـدينة ) اعتمادا كليا وان مثل هذه المعارك تحتاج بالتاكيد الى المطاولة والمؤن والاسلحة واكثر من ذلك تحتاج الى التكافؤ بين الطرفين المتقاتلين وربما هناك اسباب اخرى دعت ابن عليان طلب الصلح اهمها كسب الوقت وقد ارسل بهذا الشأن وفدا الى قائد الجيش العثماني اسكندر باشا الذي طلب من الوفد اتوات سنوية لخزينة البصرة مقدارها (15 الف) فلورين ( عملة ذهبية ) وارسل عددا من اولاد رؤساء عشائر ( المـدينة ) رهائن الى البصرة حتى يضمن ولاءهم له (1) ومع ان الهدف الاساس من هذه الطوة هو اضعاف القبائل العربية في ( المـدينة ) ومحاولة جعلها تحت سيطرة العثمانيين والاهم من ذلك فاننا لم نسمع شيئا عن طاعة ابن عليان (2) .

ثورة ( المـدينة ) تستمر ضد العثمانيين

 لم تقتصر سيطرة ال عليان على ( المـدينة ) فحسب بل امتدت الى مناطق اوسع في جنوب العراق وبضمنها البصرة وبسبب ذلك تردد العثمانيون من ارسال عدد من سفنهم الى المدينة عبر المناطق التي كانت تحت قبضة ال عليان (3) .

**************************************************************
(1) حاجي خليفة ، تحفة الكبار / ص 84
(2) حاجي خليفة ، تحفة الكبار / ص 84
(3) الحمداني ، طارق مجلة العلم الجديد الجزءان الثالث والرابع ، المجلد السادس والاربعين 1989 م ص 22

تاريخ مدينة المْدَيْنَة ـ 40 ـ

شجاعة عشائر ( المـدينة ) ووصف فردريك

 في هذا المجال يعطينا قيصر فردريك الذي زار البصرة عام 1563 وصفا دقيقا لهذه المدينة وسيادة القبائل العربية فيها حيث يقول لا يستطيع العثمانيون جلب اية قوة ضدهم وان سكان الجزائر يتسمون بكونهم رجالا اقوياء اشداء ومحاربين شجعانا (1) .

رد الشجعان

 ومهما يكن من الامر فان انتفاضة العشائر في ( المـدينة ) قد استمرت ضد العثمانيين وان كل المحاولات من جانب العثمانيين لارهابهم واخضاعهم قد فشلت ، ولذلك بعث اسكندر باشا قبل رجوعه الى بغداد رسالة تهديد الى علي بن عليان الذي رد عليها برسالة شديدة اللهجة واظهر فيها الثقة العالية بالنفس والاعتزاز بالروح العربية وجاء فيها ما يأتي :
 ( فالعجب العجب تهددون الليوث بالتيوس والسباع بالضباع والكماه بالفرع ، خيولنا سوابق برقية وترستنا مصرية واسيافنا يمانية واكتافنا شديدة المضارب وسلطتنا شاع ذكرها في المشارق والمغارب ... ) (2) وفي غضون تلك المشادات الكلامية بينهما استجد اسكندر باشا بالسلطان سليم الثاني طالبا المساعدة ، وقد بعث الاخير بدوره رسالة مطولة بالعربية الى علي بن

**************************************************************
(1) الحمداني مجلة العلم ص 22
(2) ( الحمداني مجلة العلم ص 22

تاريخ مدينة المْدَيْنَة ـ 41 ـ

 عليان اوردها المؤرخ التركي المعروف فريدون بك كرر فيها التهدادت السابقة (1) .

السيطرة على قلعة الرحمانية

 مرة اخرى يهاجم اتباع ابن عليان البصرة فقد سيطروا سنة 1596 م على قلعة الرحمانية وهددوا الوالي درويش علي باشا في البصرة وفي عقر داره (2) وهو تاكيد على ان عشائر ( المـدينة ) لم تطلب الصلح ربما الا لاستعادة الانفاس بغية الانقضاض ثانية على الاعداء وتلقينهم درسا في القتال وهذا ما كان حقا .

انسحاب الباشا من ( المـدينة ) وعزله

 بعد نشوب معارك جديد بين رجال القبائل في المدينة والقوات العثماينة المهاجمة فشل العثمانيون في تحقيق نتيجة حاسمة امام بسالة المقاومة ووجد القائد العثمابي ( علي باشا ) نفسه مجبرا على الانسحاب وكلفه فشله هذا منصبه حيث صدر الامر بعزله (3) .

**************************************************************
(1) فريدون بك / منشأت السلاطين (استنبول 1858) ج 2 ص 566
(2) علي ، تاريخ العراق ص 127
(3) العابد ، صالح ، عهد الحكم العثماني الاول ، من كتاب ( العراق في التاريخ لمجموعة باحثين ) / ص 576

تاريخ مدينة المْدَيْنَة ـ 42 ـ

عشائر ( المـدينة ) تنتصر على العثمانين

 وفي زمن القائد العثماني محمد فاضل باشا الداغستاني ارسلت القوات العثمانية فوجا من البصرة وعسكر هذا الفوج في منطقة ( المـدينة ) لغرض ضرب عشائرها باعتبارها اكثر العشائر تمردا وفي احدى الليالي باغتت العشائر معسكر الفوج واوقعت فيه خسائر كبيرة من القتلى والجرحى ومن بقي من الفوج حيا قد هرب الى القرنة (1) .

الداغستاني يهاجم ( المـدينة )

 وبعد هذه المعركة البطولية قامت الحكومة العثمانية بحملة عسكرية كبيرة نقلتها بالسفن التجارية وسلحتها بالمدفعية واناطت قيادتها الى محمد فاضل باشا الداغستاني غير ان العشائر لم تتريث وتنتظر حتى تنزل الحملة وتعسكر ومن ثم تهاجمها بخطة مدروسة بل استعجلت الامر واستقبلت الحملة من مسافة بعيدة شرق ( المـدينة ) وهاجمتها وهي سائرة بسفنها في وسط نهر الفرات وقتئذ كانت السفن محكمة احكاما جيدا حيث ان طلقات بنادق عشائر المدينة لم تنفذ فيها وقد فتكت مدفعية الحملة بالعشائر المهاجمة فتكا ذريعا اضطرتهم الى الانسحاب (2) .

**************************************************************
(1) الامارة ، اهوار جنوب العراق / ص 80
(2) الامارة ، اهوار جنوب العراق ، ص 80 ـ 81

تاريخ مدينة المْدَيْنَة ـ 43 ـ

احداث نهر عنتر عام 1034 هـ ـ 1625 م

 وقعت في ربيع الثاني سنة 1034 هـ كانون الثاني سنة 1625 م معارك عنيفة بين امير قلعة نهر عنتر عيسى بن الامير محمد وشقيقه الامير علي واتباعهما من جهة وامير البصرة علي باشا وقوته العسكرية الكبيرة من الجهة الاخرى وحاصرت هذه القوة الامير علي في قلعة الرحمانية وانتهت المعركة بقتل اكثر من خمسة آلاف شخص من حدود نهر صالح الى نهر الدير وانتهت ايضا بقتل الاميرين عيسى وعلي بعد ان دبر لهما علي باشا حيلة لأغتيالهما (1) .

احداث نهر صالح عام 1038 هـ ـ 1628 م

 قام علي باشا امير البصرة على رأس قوة كبيرة من العساكر البرية والبحرية بمهاجمة قلعة نهر صالح واميرها نعمة الله بن عليان ودارت معركة كبيرة بينهما انتهت بخسارة كبيرة بين الطرفين (2) .

احداث نهر صالح عام 1043 هـ ـ 1634 م

 هاجم حاكم البصرة علي باشا قلعة نهر صالح واميرها نعمة الله بن عليان ونزلت قواته في الفتحية ثم تقدمت فنزلت ارضا يقال لها ( طويسة )بضم الطاء ، وبنت فيها قلعة وهاجمت قلعة نهر صالح واشتعلت نار الحرب بين جيش علي باشا واتباع نعمة الله بن عليان وملئت الارض من مطر البنادق والسهام ولبست السماء ثوبا من دخان البارود (3) .

**************************************************************
(1) الجزائري ، الشيخ شريف ، مختصر تاريخ امارة ربيعة ( مخطوطة ) ورقة 6 و 7 .
(2) الحويزي ، عبد علي ابن رحمة ، المتوفي سنة 1075 هـ 1664 م ، تاريخ الدولة الافراسيابية ( مخطوطة )
(3) الحويزي ، تارخ الدولة الافراسيابية ( المخطوطة )

تاريخ مدينة المْدَيْنَة ـ 44 ـ

القشلة وقمع الانتفاضة

 واصلت الحملة العثمانية سيرها وعسكرت في ( المـدينة ) والقت القبض على الكثير من ابناء عشائر ( المـدينة ) وارسلتهم الى سجن البصرة ومن اجل ان تبقى السلطة العثمانية بصورة مستمرة في (المـدينة ) قطعت الحكومة اكثر من خمسة الآف نخلة وانشأت مكانها قلعة جديدة ( قشلة ) (1) جعلتها مركزا لها .
 هكذا راينا ان محاولات ابناء العشائر للمصادمة والمواجهة العسكرية مع القوات العثمانية على الرغم من تحقيقها لقدر من النجاح وتكبيد العثمانين خسائر في الارواح والمعدات الاانها كثيرا ما كانت تتوقف لما تلاقية من بطش السلطات العثمانية وعدم تكافؤها مع تلك القوات المجهزة بالاسلحة والسفن الحربية التي كانت تجوب الاهوار بحا عن فصائل ابناء العشائر للتنكل بهم والنيل منهم الا ان العزيمة العربية المتاصلة في النفوس تأبى ان يجلس المرء ليرى المحتلين يعبثون بارضه وعرضه لهذا كان حدوث مثل تلك الثورات نتيجة طبيعة حتمتها الظروف انذاك وجعلت منها منعطفا لثورات اكبر تقارع الظلم والظالمني وتسجل بدم ابنائها تاريخها الزاخر بالامجاد والتضحيات .

**************************************************************
(1) الامارة ، اهوار جنوب العراق ، ص 80 ـ 81

تاريخ مدينة المْدَيْنَة ـ 45 ـ

مواقف عشائر ( المـدينة ) من الاحتلال البرطاني

تاريخ مدينة المْدَيْنَة ـ 47 ـ

 في عام 1914 م ابان الحرب العالمية الاولى التي امتدت حتى عام 1918 م غزوت القوات البرطانية العراق عن طريق قصبة الفاو حين انزلت اولى تلك القوات في هذه المدينة الجنوبية لتبدا عملياتها الغازية ضد قوات الدولة العثمانية وقد كان لعشائر المدينة دور بارز في التصدي للغزوات الطامعين بارضنا تجلى ذلك في عدة معارك سجلها التاريخ باحرف من نور ولابد لنا من ذكر بعض تلك المعارك والمساهمات التي سجلت لابناء عشائر المدينة بغية مساعدة ابناء شعبنا في مناطق مختلفة .

معركة الشعيبة

 كان لعشائر المدينة الدور البارز في معركة الشعيبة الشهيرة وهي اولى المعارك التي خاضها العراقيون ضد الاحتلال البريطاني وهي تشارك بكل بسالة وشموخ وقد تميزت بهذه المعركة عشيرة الحلاف تحت راية قائدهم وزعيمهم الشيخ طاهر فرج الله الذي جرح في المعركة كما استشهد فيها عدد من افراد العشيرة وما يزال الناس هنا يرددون اهزوجتهم المشهورة ( بمطوك هاي اول صيدة ) عندما جاءوا بعدد من الاسرى من جيش الاحتلال في اول موقعة لهم مع هذا الجيش (1) وتشير المصادر الموثوقة عند ابناء عشيرة الحلاف ان عشيرتهم لوحدها اسرت في معركة الشعيبة ثلاثين هنديا وقتلوا

**************************************************************
(1) العمري ، ثامر ، موسوعة العشائر العراقية ، دار الشوؤن الثقافية العامة (بغداد 1992) ج 7 ص 156 ـ 159

تاريخ مدينة المْدَيْنَة ـ 48 ـ

 (21) هندوسيا والاستيلاء على (15) بندقية و (12) سفينة صغيرة وكان من الجرحى احد قادتهم وهو الشيخ دهر محمد جبر صالح خيون الذي جرح في فخذه الايسر .

موقف عشائر ( المـدينة ) في معركة كوت الزين

 شاركت عشائر المدينة في معركة كوت الزين قرب مدينة ( ابو الخصيب ) بعد ان قطعت اثر من مئة كم ودخلت في مواجهات بطولية ارهقت المحتلين وكبدتهم خسائر فادحة في الارواح والمعدات وكان عدد شهداء ( المـدينة ) ( عشائر الصيامر ) 220 شهيدا (1).
 بعد ان لقنوا الانكليز ومرتزقتهم هي من حيث افضل مما لدى ابناء العشائر الا ان العراقيين قد قدموا منازلة ما زال الانكليز يتذكرون لحظاتها ، حينما تحولت الارض تحت اقدامهم الى نار تستعر غضبا وثارا .

**************************************************************
(1) العمري ، ثامر ، موسوعة العشائر العراقية ، دار الشوؤن الثقافية العامة (بغداد 1992 ) ج 4 ص 156

تاريخ مدينة المْدَيْنَة ـ 49 ـ

احداث ( المـدينة ) 1935 م في ذاكرة المؤرخين