اتصل بنا مؤمنــــة البطاقات انتصار الدم مساجد البصرة واحة الصائم المرجعية الدينية الرئيسية

قصة موسى في القرآن بحسب تسلسلها التأريخي



  الاسرائيليون في المجتمع المصري :
  لقد عاش الاسرائيليون في المجتمع المصري وتكاثروا فيه منذ هجرة يعقوب واولاده الى مصر وقد اضطهد الفراعنة الاسرائيليين في الفترة السابقة على ولادة موسى وبلغ درجة مريعة حين اتخذ الفراعنة قراراً بذبح أبناء الاسرائيليين واستحياء نسائهم من اجل الخدمة والعمل فأراد اللّه سبحانه وتعالى ان يتفضل على هؤلاء المستضعفين وينقذهم من حالتهم هذه فهيأ لهم نبيه موسى فعمل على انقاذهم وهدايتهم من الفراعنة (1).

  ولادة موسى وارضاعه :
  وحين ولد موسى (ع) اوحى الله سبحانه الى امه ان ترضعه وحين تخاف عليه من الذبح العام فعليها ان تضعه في ما يشبه الصندوق وتلقيه في اليمّ وهكذا شاءت ارادة اللّه ان يلقيه اليم الى الساحل واذا بآل فرعون يلتقطونه فيعرفون انه من اولاد بني اسرائيل فتتدخل امرأة فرعون في شأنه وتطلب ان يتركوه على ان تتخذه خادماً او ولداً تأنس به مع فرعون .
  وقد عاشت والدة موسى لحظات حرجة من حين القائه في اليم فأمرت أخته ان تقص اثره وتتبع سير الصندوق فتتعرف على مصيره. وحين عرض الطفل على المرضعات ابى ان يقبل واحدة منها فانتهزت اخته هذه الفرصة فعرضت على آل فرعون ان تدلهم على امرأة مرضعة تتكفل رعايته وحضانته وارضاعه وكانت هذه المرأة بطبيعة الحال هي أم موسى وهكذا رجع الطفل الى امه ليطمئن قلبها وتعلم ان ما وعدها الله سبحانه من حفظه وارجاعه اليها حق لا شك فيه. ولقد شب موسى في البلاط الفرعوني حتى اذا بلغ اشده وهبه اللّه سبحانه العلم والحكمة .(2)

  خروج موسى من مصر :
  ودخل موسى المدينة في يوم ما على حين غفلة من اهلها فوجد فيها رجلاً من شيعته يقاتل رجلاً آخر من اعدائه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه ولم يكن ينتظر موسى ان تؤدي هذه الضربة الى الموت ولذلك ندم على هذا العمل المتسرع الذي انساق اليه فاستغفر ربه عليه.
  واصبح موسى في المدينة خائفاً يترقب ان ينكشف امره فيؤخذ بدم الفرعوني فاذا به يواجه قضية اخرى مشابهة واذا بالذي استنصره بالامس فنصره يستصرخه اليوم ايضاً. فعاتبه موسى على عمله ووصفه بانه غوي مبين يريد توريطه واحراجه .
  ثم لما اراد ان يبطش بالذي هو عدو لهما (موسى والاسرائيلي) ظن الاسرائيلي ان موسى يقصد البطش به لا بالفرعوني. فقال لموسى : اتريد ان تقتلني كما قتلت نفساً بالامس ؟ ان تريد الا ان تكون جباراً في الارض. وبذلك كشف الاسرائيلي عن هوية قاتل الفرعوني الاول وفضح قتل موسى له فعمل الملأ على قتله بدم الفرعوني.
  وجاء رجل من اقصى المدينة يخبر موسى بالامر ويقول له ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك وطلب منه المبادرة الى الخروج والهروب من الفرعونيين.
  فخرج موسى من المدينة خائفاً يترقب ان يوافيه الطلب او تصل اليه ايدي الفرعونيين فدعا ربه ان ينجيه من القوم الظالمين .(3).

  موسى في ارض مدين :
  وانتهى السير بموسى الى ارض مدين فلما وصلها انتعش الامل في نفسه فقال : عسى ربي ان يهديني سواء السبيل. ولما ورد ماء مدين وجد عليه امة من الناس الرعاة يسقون ووجد دونهم امرأتين في حيرة من امرهما تذودان الاغنام وتجمعانها ولا تسقيان. فأخذه العطف عليهما فقال لهما : ما خطبكما ولماذا لا تسقيان ؟ قالتا له : لا نسقى حتى يصدر الرعاء وينتهوا من السقي لاننا امرأتان وأبونا شيخ كبير لا يتمكن من القيام بهذه المهمة الشافة.
  فتولى موسى عنهما هذه المهمة فسقى لهما ثم انصرف الى ناحية الظل وهو يشكو ألم الجوع والغربة والوحدة فقال : رب اني لما انزلت الي من خير فقير. ولما رجعت الامرأتان الى ابيهما الشيخ وعرف منهما قصة هذا الانسان الغريب الذي سقى لهما بعث الى موسى احداهما لتدعوه اليه فجاءته تمشي على استحياء فقالت له ان ابي يدعوك ليجزيك اجر ما سقيت لنا .
  فأجاب موسى الدعوة وحين انتهى الى الشيخ طلب منه ان يخبره عن حاله فقص موسى عليه قصة هربه وسببها وحينئذ آمنه الشيخ وقال له لا تخف نجوت من القوم الظالمين.
  وقد طلبت احدى ابنتي الشيخ من ابيها ان يستأجر موسى للعمل عنده وليقوم عنهما ببعض المهام الملقاة على عاتقهما نتيجة عجز الشيخ وضعفه وذلك نظراً لقوة موسى وقدرته على القيام بالعمل مع أمانته وشرف نفسه .
  فقال له الشيخ : اني اريد ان ازوجك احدى ابنتي هاتين شريطة ان تأجرني نفسك ثماني حجج (سنين) فاذا اتممتها عشراً فذلك من عندك. فوافق موسى على هذا الزواج وتم العقد بينهما . (4)

  بعثة موسى عليه السلام ورجوعه الى مصر :
  وبعد أن قضى موسى الاجل بينه وبين صهره وقد سار بأهله اذا به يشاهد ناراً من جانب الطور.
  وقد كان بحاجة اليها فقال لاهله امكثوا اني آنست ناراً لعلي آتيكم منها بقبس او اجد على النار هدى. فلما اتاها وجد شجرة وجاء نداء الله سبحانه من شاطئ الوادي الايمن في البقعة المباركة من الشجرة: اني انا الله رب العالمين فاخلع نعليك انك بالوادي المقدس طوى وانا اخترتك لوحيي ورسالتي فاستمع لما يوحى اليك.
  ثم قال اللّه له (ما تلك بيمينك يا موسى ؟ قال هي عصاي اتوكأ عليها واهش بها على غنمي ولي فيها مآرب اخرى قال الله له القها يا موسى فاذا هي حية تسعى فلما رآها تهتز كأنها جان هرب ولم يعقب فناداه اللّه يا موسى اقبل ولا تخف انك من الآمنين، اني لا يخاف لدى المرسلون سنعيدها سيرتها الاولى. ثم قال له أدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء ومرض فأدخل يده واذا بها تخرج بيضاء ثم ردها فعادت كما كانت .
  وبعد ذلك امره الله سبحانه أن يذهب بهاتين الآيتين المعجزتين الى فرعون وقومه ليدعوهم الى الله سبحانه. فخاف موسى من تحمل هذه المهمة فقال ربي اني قتلت منهم نفساً فأخاف ان يقتلون وأخي هارون هو افصح مني لساناً فأرسله معي وذلك يصدقني اني اخاف إن يكذبوني .
  قال اللّه له سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون اليكما فأتياه فقولا انا رسول ربك فأرسل معنا بني اسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك. (5)
  وحينما عاد موسى الى مصر توجه مع اخيه هارون الى فرعون فقالا له : انا رسولا ربك رب العالمين ولا يمكن ان نقول على الله غير الحق الذي ارسلنا به وقد جئناك ببينة من ربك فارسل معنا بني اسرائيل وارفع عنهم العذاب الذي تنزله فيهم وقد قالا له ذلك بشكل لين وبأسلوب استعطافي هادئ (6) وكأن فرعون استغرب هذه الرسالة من موسى واخيه فقال لموسى : ألم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين ثم بعد ذلك فعلت فعلتك التي فعلت بأن قتلت رجلاً من الفرعونيين ؟ فأجابه موسى: نعم لقد فعلت ذلك ولكني لما خفتكم على نفسي فررت منكم فوهب لي ربي حكماً وجعلني من المرسلين. (7)

  فرعون يجادل موسى في ربوبية اللّه
  وبعد ان رأى فرعون اصرار موسى وهارون على الرسالة قال فمن ربكما ؟ قال له موسى ربنا الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى وهو رب السموات والارضين وما بينهما وما تحت الثرى قال فرعون فما بال القرون وما هو مصيرها. فأجابه موسى علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى وهو الذي يجعل لكم الارض مهداً وسلك لكم فيها سبلاً وانزل من السماء ماء فأخرج به ازواجاً من نبات شتى مختلف ألوانه واشكاله .
  وقد استنكر فرعون هذه الدعوة الجديدة وهو يعتقد بنفسه الالوهية فتوجه لمن حوله مستنكراً وقال : الا تسمعون ؟ ولما رأى الاصرار من موسى واخيه اتهم موسى بالجنون وهدده بالسجن اذا اتخذ إلهاً غيره. (8) ولم يستسلم موسى واخوه امام هذه التهمة والتهديد وانما حاولا ان يسلكا الى فرعون طريقاً آخر لاقناعه او احراجه وهذا الطريق هو استثمار السلاح الذي وضعه اللّه بيد موسى (معجزة العصا واليد) فقال موسى لفرعون اني قد جئتك من ربي بآية تبين لك الحق الذي انا عليه. قال فرعون : اذا كنت صادقاً فائت بهذه الآية والحجة فألقى موسى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فاذا هي بيضاء للناظرين .
  ولم يتمالك فرعون وملأه انفسهم امام هذا الموقف الا ان اتهموا موسى بالسحر والشعوذة وانه أنما جاء بهذا السحر من أجل ان يخرجهم من ارضهم ويجلوهم عنها. (9)

  مباراة موسى مع السحرة :
  وقد اشار قوم فرعون وخاصته عليه بأن يواجه موسى بالسحرة من بلاده فيجمعهم في يوم يشهده الناس جميعاً ليتباروا وسوف يغلبونه وهم كثيرون فيفتضح امره ويترك دعوته وعمل فرعون بهذه النصيحة فطلب من موسى واخيه ان يعطياه مهلة الى وقت معين ليواجهه بالسحرة. وجمع فرعون كيده وحشد جميع السحرة من بلادهم وعرض عليهم الموقف وطلب منهم ان يحرجوا موسى ويغلبوه وجمع الناس لهذه المباراة ظناً منه انه سوف ينتصر وقد شجعه على ذلك ما طلبه منه السحرة من اجر واعطيات اذا كانوا هم الغالبين.
  وحين اجتمع موسى بالسحرة خيروه بين ان يلقي قبلهم او يكونوا هم الملقين قبله ، فاختار ان يكونوا هم الملقين.
  فالقى السحرة حبالهم وعصيهم واذا بها تبدو لاعين الناس - من سحرهم - كأنها تسعى كالحيات. وعندئذ اوجس موسى في نفسه خيفة اذ لم يكن ينتظر ان يواجه بالاسلوب الذي اتبعه في معجزته مع فرعون ، فأوحى الله سبحانه له ان لا تخف فانك انت الذي سوف تنتصر عليهم وانما عليك ان تلقي عصاك وحينئذ تتحول الى حية تلقف جميع ما صنعوا لان ما صنعوه ليس إلا كيد ساحر ولا يفلح الساحر. وعندما رأى السحرة هذا الصنع من موسى انكشفت لهم الحقيقة التي ارسل بها وان هذا العمل ليس عمل ساحر وانما هو معجزة إلهية، فآمنوا وقالوا آمنا برب هارون وموسى.
  وامام هذا الموقف الرائع من السحرة في هذا المشهد العظيم من الناس وجد فرعون نفسه في وضع محرج الامر الذي اضطره لان يلجأ الى الانذار والوعيد فقال للسحرة : آمنتم له قبل ان اذن لكم انه لكبيركم الذي علمكم السحر فلاقطعن ايديكم وارجلكم من خلاف ولاصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن اينا اشد عذاباً وأبقى ولم يكن موقف السحرة الا ليزداد صلابة وثباتاً واستسلاماً لله رجاء مغفرته ورحمته. (10)

  إصرار فرعون وقومه على الكفر ومجيء موسى بالآيات :
  وقد اصر فرعون وقومه على الكفر وصمموا على مواصلة خط اضطهاد بني اسرائيل وتعذيبهم وواجه موسى وبنو اسرائيل ذلك بالصبر والثبات انتظاراً للوقت الذي يحقق اللّه سبحانه فيه وعده لهم بوراثة الارض.
  ولكن الله سبحانه أمر موسى ان يعلن لفرعون وقومه بان العذاب سوف ينزل بهم عقاباً على تكذيبهم له وتعذيبهم لبني اسرائيل وامتناعهم عن اطلاقهم وارسالهم فجاءت الآيات يتلو بعضها بعضاً فأصابهم اللّه بالجدب ونقص الثمرات والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم. وكانوا كلما وقع عليهم العذاب والرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمن لك ولنرسلن معك بني اسرائيل فلما كشفنا عنهم الرجز الى أجل هم بالغوه اذا هم ينكثون (11).

  الائتمار بقتل موسى وطغيان فرعون :
  وامام هذه الآيات المتتاليات التي جاء بها موسى لم يجد فرعون اسلوباً يعالج به الموقف غير الائتمار بقتل موسى وادعاء القدرة على مواجهة آلهته فنجد فرعون يأمر هامان بان يتخذ له صرحاً ليطلع منه على اسباب السموات ويتعرف على حقيقة اِله موسى .
  ولكن فرعون يفشل في كلا الجانبين فلم يتمكن من ان يحقق غايته من وراء بناء الصرح كما لم تصل يده الى موسى لان احد المؤمنين من آله يقف فيعظهم ويؤنبهم على موقفهم من موسى ويبادر الى اخباره بنبأ المؤامرة فينجو موسى (12).


  خروج موسى ببني اسرائيل من مصر :
  وحين واجه موسى محاولة اغتياله ورأى اصرار فرعون وقومه على اضطهاد بني اسرائيل وتعذيبهم ووجد انه لم تنفع بهم الآيات والمواعظ صمم على الخروج ببني اسرائيل من مصر والعبور بهم الى جهة فلسطين وقد نفذ موسى هذه العملية وسار ببني اسرائيل متجهاً الى سيناء .
  ولم يقف فرعون وقومه معه امام هذه الهجرة مكتوف اليدين بل جمع جنده من جميع المدائن وقرر ملاحقة موسى وبني اسرائيل وارجاعهم الى عبوديته بالقوة. ووجد موسى وبنو اسرائيل انفسهم نتيجة هذه المطاردة والبحر من امامهم وفرعون وجنوده من خلفهم وارتاع بنو اسرائيل من هذا الموقف وكادوا ان يكذبوا ما وعدهم به موسى من الخلاص. ولكن موسى وبايمانه الوطيد اخبرهم ان اللّه سبحانه سوف يهديه طريق النجاة. وتحقق ذلك - فعلاً - اذ اوحى الله الى موسى ان اضرب بعصاك البحر واذا به ينفلق كل فرق كالطود العظيم ويظهر بينهما طريق يبس يبساً يعبر من خلاله بنو اسرائيل ويحاول فرعون وجنوده ان يتبعوهم من هذا الطريق أيضاً واذا بجانبي البحر يلتقيان فيغرق مع جنده (13).

  موسى مع نبي اسرائيل :
  وتتوالى الاحداث على موسى وهو يواجه المشاكل الداخلية منفرداً مع قومهِ بني اسرائيل فيسمع طلبهم وهم يمرون على قوم يعبدون الاصنام بأن يتخذ لهم اصناماً يعبدونها كما لهؤلاء اصنام، ثم يتفضل اللّه سبحانه على بني اسرائيل عندما استسقى موسى قومه فيأمره بضرب الحجر فتتفجر منه العيون كما ينزل عليهم المن والسلوى ويبدلهم عنه ببعض المآكل الاخرى ويواجه موسى ردة من بني اسرائيل عند ذهابه لميقات ربه فيخبره بعبادتهم للعجل الذي صنعه السامري ثم يتوب اللّه على بني اسرائيل بعد ان فرض عليهم عقاباً صارماً .
  وعلى هذا المنوال يذكر لنا القرآن الكريم احداثاً مختلفة عن حياة موسى مع بني اسرائيل كقضية البقرة ونتق الجبل ودخول الارض المقدسة وذهابهم للمواعدة وقصة قارون ، وفي بعض هذه الاحداث لا نجد القرآن الكريم يحدد المتقدم منها على الاحداث الاخرى بشكل واضح. وبهذا القدر نكتفي من سرد القصة حسب تسلسلها الزمني. (14)

  دراسة عامة مختصرة للقصة :
  بعد ان انتهينا من بحث قصة موسى بحسب ذكرها في القرآن الكريم وعرضها بتسلسلها التاريخي. يجدر بنا ان ندرسها من جانبين يختلفان عن جانب دراستنا السابقة للقصة :
  الجانب الاول : هو ملاحظة ميزات وخصائص المراحل العامة التي مر بها موسى في حياته .
  الجانب الثاني : هو ملاحظة الموضوعات التي تحدثت عنها القصة بشكل عام .
  وبصدد الجانب الاول نجد موسى عليه السلام قد مر بمراحل ثلاث رئيسية خلال حياته. حيث تبدأ المرحلة الاولى بولادته وتنتهي ببعثته الى فرعون وقومه وتبدأ الثانية من البعثة وتنتهي بالعبور .
  وتبدأ الثالثة بالخروج وتنتهي بنهاية حياته ويعتمد هذا التحديد في المراحل الثلاث على المقدار الذي تحدث القرآن الكريم فيه عن حياة موسى عليه السلام.
  وتتمثل المرحلة الاولى من حياة موسى في دورين الاول منهما ينتهي بخروجه من مصر خائفاً والثاني هو الذي ينتهي برؤيته النار عند بعثته .
  وحين نلاحظ الظواهر العامة في هذين الدورين يبرز لنا موسى في شخصيته ذلك الانسان الذي يريد اللّه سبحانه ان يعده لاعباء مهمة تخليص بني اسرائيل من الظلم الاجتماعي الذي حاق بهم وتخليص شعب مصر من عبودية الاوثان وهدايتهم لوحدانية اللّه سبحانه .
  وتتلخص هذه الظواهر بميزات ثلاث لها دور كبير في شخصية الانسان القائد وهي كالتالي :
  الاول : المركز الاجتماعي الذي كان يتمتع به موسى دون بني اسرائيل نتيجة لتبني العائلة المالكة في مصر تربيته ورعايته. وهذا المركز الاجتماعي الفريد وان كان قد فقد تأثيره الكامل بعد هروب موسى من مصر بسبب قتله الفرعوني ولكننا يمكن ان نتصوره عاملاً مهماً في اظهار موسى شخصية تتبنى قضية بني اسرائيل وتعمل من اجلها. ولعل ضياع هذا المركز الاجتماعي المهم بسبب قتل الفرعوني هو الذي يفسر لنا نظرة موسى الى قتل الفرعوني نظرته الى ذنب يستحق الاستغفار والتوبة منه الى اللّه تعالى. حيث يكون موسى قد ضيع بهذا العمل الارتجالي فرصة ثمينة كان من الممكن استثمارها في سبيل استنقاذ الشعب الاسرائيلي.
  الثانية : الشعور الانساني والحس النبيل الذي كان يعيشه موسى كإنسان يتصف بالاخلاق الكاملة ويتمثل لنا هذا الخلق الانساني في ثلاثة مواقف لموسى جاءت ضمن هذه المرحلة من حياته، وهي قتله الفرعوني ومحاولته لضرب الفرعوني الآخر وتبرعه بمعاونة ابنتي الشيخ الذي اصبح صهراً له بعد ذلك وما يشعر به وصف ابنة الشيخ له بأنه قوي أمين.
  فان هذه المواقف تعبر عن المحتوى الداخلي والشعور الانساني الذي كان يعيشه موسى (ع)، فهو يبادر لنجدة المظلوم بالرغم من تربيته في البيت الفرعوني المالك هذه التربية التي كانت تعطيه وجوداً طبقياً يختلف عن عمله الانساني هذا ، ثم لا يكتفي بأن يرتكب ذلك مصادفه بل يندفع ليقوم بنفس العمل حين يجد من يستصرخه اليه مع شعوره بحراجة موقفه الاجتماعي نتيجة لهذا العمل.
  وفي موقفه من ابنتي الشيخ نجد موسى تدفعه ذاته الخيرة النبيلة للسؤال عن تلكئهما في السقاية ويعرض المعاونة عليهما في حالة الحاجة اليها ونجده يخف الى تنفيذ ذلك دون ان ينتظر منهما اجراً او مثوبة مادية على الرغم من ظروفه الموضوعية الخاصة.
  الثالثة : القوة البدنية والشجاعة التي كان يتمتع بها موسى ويكشف لنا عن ذلك موقفه من الفرعوني وقضاؤه عليه بوكزة واحدة. ووصف ابنة الشيخ له بأنه (قوي) خصوصاً اذا اخذنا بالتفسير الذي يقول ان موسى حين سقى لابنتي الشيخ طرد السقاة عن البئر من اجل ان يعجل بالسقاية لهما .
  وهذه الميزات الثلاث تحقق شروطاً ضرورية لحمل اعباء الرسالة التي اراد اللّه سبحانه لنبيه موسى القيام بها. ولعل في الامداد الإلهي في قصة مولده ونجاته من الذبح عاملاً جديداً في خلق الاجواء والظروف المناسبة لتأهيل هذا الانسان لقيادة شعبه المضطهد .
  وتمثل المرحلة الثانية مسؤوليتين : احداهما : هداية قوم فرعون الى وحدانية اللّه والايمان بربوبيته. والثانية : تخليص بني اسرائيل من الاضطهاد والظلم الذي كانوا يعانونه في مصر. وقد توسل موسى من اجل تحقيق هذين الهدفين البارزين في حياة دعوته بأساليب مختلفة ومتعددة كانت تبتدئ بالمناقشة الهادئة والكلام اللين وتنتهي بالعذاب والرجس الذي انزله اللّه سبحانه وتعالى عليهم في آيات عديدة.
  والقرآن الكريم وان كان لا يتحدث عن المدة التي عاشها موسى من اجل تحقيق ذلك ولكن من الممكن أن هذه المدة كانت طويلة خصوصاً اذا لاحظنا الآيات القرآنية التي تشير الى المعجزات التي جاءت على يد موسى وانها كانت في سنين متعددة. كما يؤيد ذلك ايضاً أمر اللّه سبحانه لموسى بأن يتخذ بيوتاً مع قومه ويجعلها قبلة تنطلق منه الدعوة. ويبدو ان موسى لم يصل الى نتيجة واضحة بصدد تحقيق الهدف الاول مع فرعون وقومه لذا قرر الهجرة ببني اسرائيل والعبور بهم الى الجانب الآخر من البحر. ولا يشير القرآن بشكل قاطع الى ان هذه الحركة في بدايتها هل كانت برضى فرعون او بدون رضاه. ولكن قد يكون في قصة مطاردة فرعون بجنوده لموسى وبني اسرائيل... دلالة على ان الحركة كانت بالرغم عن فرعون .
  ونحن يمكن ان نلاحظ في هذه المرحلة اموراً ثلاثة :
  الاول : ان بني اسرائيل كانوا يلتفون حول موسى دون ان يكون هناك خلاف في صفوفهم او دون ان يبرز هذا الخلاف على السطح الاجتماعي والقرآن وان كان لا يصرح بشيء من ذلك. ولكن يدعونا الى هذا الحكم طبيعة الاشياء بالاضافة الى سكوت القرآن عن ابراز أي خلاف بين بني اسرائيل في هذه المرحلة - سوى ما اشار اليه من ايمان قلة من قوم موسى به - واستجابة بني اسرائيل الى متابعة موسى في الهجرة من مصر .
  الثاني : ان موسى كان يعمل بشتى الوسائل من اجل انجاح دعوته فكان يتوصل الى ذلك بالمناقشات الهادئة احياناً والمعاجز والآيات ذات الطابع الانتقامي الشديد احياناً اخرى.
  وقد توصل نتيجة لذلك الى تحقيق بعض اهدافه حيث نجد الدعوة تحقق نجاحاً في صفوف بعض الفرعونيين ايضاً كإيمان السحرة له ووجود مؤمن آل فرعون .
  الثالث : ان موسى كان يعتمد في الحماية على جهات متعددة يمكن ان نلحظ منها التفاف بني اسرائيل حوله ومركزه الاجتماعي السابق في البيت الفرعوني واستجابة بعض الفرعونيين لدعوته. ولعل موقف مؤمن آل فرعون من الائتمار على قتل موسى يشير الى العنصر الاخير من الحماية.
  وتمثل المرحلة الثالثة : جانب الحكم وما يستتبعه من مضاعفات وخلافات ذلك لان الدعوة في مرحلتها الاولى تعمل من اجل تحقيق اهداف عامة وترفع شعارات معينة وفي هذه الاهداف والشعارات قد تلتقي آمال الشعب كله واما حين يأتي دور تحديد هذه الاهداف في صيغ معينة وطريقة خاصة وتطبيق هذه الشعارات في نهج واسلوب خاص .
  فقد نجد بعض الاعضاء في المجموعة لا يلتقي مع هذا التحديد والتطبيق في مصالحه الخاصة او افكاره وعقليته الاجتماعية. ولذلك نجد في هذه المرحلة بوادر الخلاف تبدو في الشعب الاسرائيلي وتطفو على السطح شتى الاتجاهات الفكرية والمصلحية والنفسية. ومروقاً عن الدين احياناً.
  ففي جانب الفكر والعقيدة نجد تغلغل الفكرة الوثنية تظهر في موقف الاسرائيليين من موسى عندما طلبوا منه ان يتخذ لهم اصناماً يعبدونها وفي موقفهم من العجل وفي موقفهم في الميقات عند الاستغفار حينما طلبوا ان يروا اللّه جهرة ، وفي جانب المصالح نجد موقف قارون وجماعته وايذائهم لموسى وتمردهم على اوامره وغير ذلك من الاشارات القرآنية التي تشير الى عوامل النفاق والمعارضة. وفي جانب الواقع الروحي والنفسي تشير قصة الدخول الى الارض المقدسة وغيرها من الاشارات القرآنية الى رواسب الضعف والاستخذاء والخوف. فالميزة الرئيسية لهذه المرحلة هو ظهور هذه الخلافات المتعددة ومعاناة النبي موسى منها على اختلاف اتجاهاتها ودوافعها وهذه الظواهر هي من مستلزمات المجتمع الذي تتحكم فيه عقيدة جديدة ونظام جديد .
  ونجد موسى في كل هذه الخلافات مثال القائد الحكيم والنبي العطوف الذي يأخذ قومه بالشدة في مروقهم عن الدين كما في قضية العجل واللين في جوانب اخرى فيدعو الله سبحانه لهم بالرحمة والمغفرة كما في قضية الميقات.
  وبصدد الجانب الثاني من دراسة القصة : نجد القصة تحدثت عن ستة موضوعات رئيسية وهي كالتالي :
  (1) بعثة موسى ومعاجزه .
  (2) اساليب الدعوة وادلتها .
  (3) مواجهة الكافرين له من فرعون واتباعه .
  (4) التحريفية في العبادة .
  (5) الحياة الشخصية لموسى .
  (6) الاوضاع العامة للشعب الاسرائيلي.
  وقد جاءت هذه الموضوعات الرئيسية المتعددة في مواضع من القرآن مختلفة ويجدر بنا ان نشير الى الاهداف التي توخاها القرآن الكريم من وراء التأكيد على هذه الموضوعات مع الاشارة الى المهم منها .

  1 - بعثة موسى ومعاجزه :
  لا شك ان من الاهداف الرئيسية للقرآن الكريم هو ربط الانسان بعالم الغيب وتأكيد ايمانه به وتوجيه فطرته الاصيلة على الايمان به وجهة صحيحة. ومن اجل هذا الهدف الرئيسي نجد القرآن يتحدث في مواضع كثيرة عن عالم الغيب وجوانبه المتعددة وبعض القوانين العامة التي تتحكم فيه والعلاقات التي تسوده بالاضافة الى طرحه لمفاهيم معينة عن هذا العالم قد لا يكون لها اثر كبير غير هذا الربط الذي يهدف اليه القرآن الكريم.
  وعلى هذا الاساس يمكن ان نرى ان هذا الهدف مما استهدفه القرآن من قصة موسى .
  ولعل في هذا ما يبرر الاهتمام القرآني في تكرار هذا الموضوع واعطاء تفصيلات كثيرة عنه في القصة، واذا اردنا ان نقارن بين الآيات التي جاءت تتحدث عن هذا الموضوع والآيات التي تحدثت عن بقية الموضوعات الاخرى في القصة لوجدنا هذا الموضوع يكاد يطغى على بقية الموضوعات من حيث ما ذكر فيه من تفصيلات ، فقد وجدنا ان هذا الموضوع يشار اليه في مواطن عديدة منها كيفية البعثة وفي معجزة العصا واليد وفي توالي الآيات على الفرعونيين من الدم والجراد والقمل والطوفان ونقص السنين، وفي انغلاق البحر لبني اسرائيل وفي موت الاشخاص الذين اختارهم موسى لميقات ربه ثم بعثهم وفي قضية قارون وخسف الارض به وفي نتق الجبل وغيرها من الآيات الاخرى ويكاد ان تستوعب هذه الامور اكثر قصة موسى .
  وبالاضافة الى هذا الهدف القرآني العام لاحظنا في دراستنا السابقة اهدافاً ثانوية فرضها السياق القرآني وكان من اهمها ايضاح فكرة ان صدود الكافرين عن الدعوة وعدم انخراطهم فيها.. لم يكن نتيجة سبب موضوعي مرتبط بالدعوة نفسها او شخصية النبي وانما يكون بسبب الظروف النفسية والاجتماعية التي يعيشها الكافرون انفسهم.
  وايضاح هذا القانون الاجتماعي له تأثير كبير على المواجهة بين المسلمين والكافرين ايام النبي محمد (ص) وما بعدها .

  2 - اساليب الدعوة وادلتها :
  لا شك ان العقيدة في الدعوة الالهية تمثل جانبين :
  الجانب الالهي فيها وهو جانب يمكن ان يعتمد على العقل والدليل والبرهان. والجانب الآخر الذي يعبر عن ارتباط الداعية (الرسول) باللّه سبحانه وصدوره عن أمره تعالى وهذا الجانب قد لا يمكن إثباته مبدئياً الا عن طريق المعجزة فالمعجزة تعبير عن الاستجابة الى الحاجة في هذا الجانب من الدعوة كما شرحنا ذلك في بحث المعجزة بخلاف الجانب الذي يمكن فيه الاعتماد على اسلوب الادلة والبراهين المنطقية والوجدانية.
  وعلى هذا الأساس لم يترك الأنبياء هذه الأدلة في مخاطبتهم للناس بالدعوة الى اللّه وتوحيد الاله. ولم يكتفوا بالاتيان بالمعجزات على أساس انها الدليل الوحيد لاثبات ذلك وان كنا لا ننكر ما للمعجزة من تأثير كبير في هذا الجانب ايضاً.
  وفي قصة موسى نجد هذا الاسلوب من الموضوعات التي تحدثت عنها القصة واكدتها حيث تناولت بعض الادلة والبراهين التي اعتمدها موسى في مخاطبة فرعون بل نجد ان هذه المخاطبة (مخاطبة العقل والوجدان) جاءت قبل ان يستند موسى الى دليل آخر من الآيات والمعجزات لان التسلسل المنطقي للتفكير والانفعال كان يفرض ذلك. كما نجد موسى في هذه المخاطبة يتبع الاساليب المختلفة التي كان يطغى عليها اللين والرفق تنفيذاً لامر ربه فكان يتوسل الى فرعون احياناً ويذكره بآيات اللّه احياناً اخرى كما قد يشير الى عذاب الآخرة وعاقبة الاصرار على الكفر والطغيان كل ذلك من اجل ان يحقق النبي غايته التي يرمي اليها وهي هداية الناس الى اللّه سبحانه .
  ويهدف القرآن الكريم من تناول هذا الموضوع في القصة الى هدف من اهدافه الرئيسية هو التأكيد على ان مسألة الايمان باللّه سبحانه ليست مسألة غريبة غرابة المعاجز والآيات وانما هي شيء فطري ينبع من ذات الانسان ويهديه اليها عقله وحسه ووجدانه ولذلك اعتمد الانبياء مخاطبة الناس عن هذا الطريق قبل ان يخاطبوهم عن طريق المعجزة والآية .
  كما انه يهدف ايضاً الى ان الرسول (ص) حين يدعو الناس الى اللّه لا يكتفي بطرح الفكرة فحسب ويطلب منهم الايمان المقلد نتيجة لوجود المعجزة وانما يحاول ان يصل اليهم ويتوسل الى ايمانهم عن طريق الدليل والبرهان العقلي والمخاطبة الوجدانية.

  3 - مواجهة الكافرين :
  يعطينا القرآن الكريم صوراً والواناً من المواجهة التي تحصل بين النبي وجماعته من جانب والكافرين بدعوته من جانب آخر وتتخذ هذه المواجهة صوراً والواناً مختلفة متفاوتة على اختلاف مدى نجاح النبي في الدعوة وسعة اهدافه ومقدار معارضته للمفاهيم الاجتماعية السائدة. وتكاد ان تكون هذه المواجهة شيئاً طبيعياً نتيجة الصراع الذي يدور بين الفكرة الجديدة وانصارها والفكرة السائدة في المجتمع وحماتها.
  والقرآن الكريم حين يعرض هذا الموضوع في قصة موسى يريد ان يؤكد هذا المفهوم الاجتماعي عن الصراع وان هذه المعارضة التي حصلت للنبي محمد (ص) ليست بدعا في التأريخ وانما هي النتيجة الطبيعية للصراع الفكري والسياسي. كما اننا نجد في هذا العرض للموضوع في القصة ايضاحاً للاعباء التي يتحملها النبي في سبيل الدعوة وانها ليست اعباء عادية يتمكن كل واحد من الناس ان يتحملها وانما هي تصميم عميق الجذور على السير في خط الدعوة حتى في اشد الظروف الموضوعية قسوة وابعدها ملائمة. بل قد ينتهي الامر بأن يتعرض النبي الى القتل والاغتيال نتيجة لذلك .
  وحين يشير القرآن الى الوان المواجهة واساليبها في هذه القصة نجد انفسنا امام الواقع الاجتماعي الذي كان يواجه به النبي (ص) في دعوته وامام الاساليب والالوان نفسها .

  4 - التحريفية في العبادة :
  من الموضوعات الهامة التي عرضت لها القصة هو الجانب التحريفي في العبادة فان بني اسرائيل وغيرهم كما يبدو من انقيادهم لموسى آمنوا به وبدعوته ولكن هذا الايمان بالشعارات العامة التي كان يرفعها موسى لا يعني انهم كانوا يعرفون محتواها الاصيل بادق معانيه .
  الامر الذي لو حصل كان من الممكن ان يصدهم عن الانسياق وراء افكار وثنية اخرى. لذلك نجدهم وهم قد خلصوا من عذاب فرعون تطفو على افكارهم ومشاعرهم الكثير من الرواسب الوثنية ذات المدلول المنحرف.
  وهي حين تطفو الى السطح لا يعني انهم كانوا قد تنازلوا عن شعاراتهم السابقة ومدلولاتها.. وانما يعني ذلك انهم كانوا يفهمون مدلول الشعارات بالشكل الذي ينسجم مع هذا العمل المنحرف.
  فالعجل هو الاله الذي دعى اليه موسى والاصنام هي الوسائط المادية للتعبير عن العبادة للاله الذي دعى اليه موسى.. وهكذا.
  ولعل القرآن الكريم يهدف في هذه الاشارة الى ناحيتين :
  الاولى :
  مناقشة افكار الجاهليين المعاصرين لنزول القرآن حين كانوا يقولون في اصنامهم انهم اتخذوها واسطة وزلفى الى اللّه.
  الثانية :
  ان الانسان حين يؤمن بالرسول ويحظى بصحبته ويستمع اليه لا يعني انه قد تجرد دفعة واحدة عن جميع محتوياته الداخلية وقضى على كل الرواسب التي لا تلتقي في واقعها مع اصالة الرسالة والدعوة التي يدعو اليها الرسول. وانما غاية ما يدل عليه ذلك هو الايمان بالمدلول الحرفي للشعار والفكرة الامر الذي قد يؤدي الى التحريف والخطأ في التطبيق.
  ومن اجل ذلك تبنى الاسلام مبدأ التوفيقية في العبادة وانها منهج معين يضعه اللّه سبحانه للانسان ليصوغ به غريزة التدين واحساسه بالدين .

  5 - الحياة الشخصية لموسى :
  لعل القرآن الكريم استهدف من وراء عرض هذا الموضوع في قصة موسى هدفين :
  الاول :
  ما اشرنا اليه سابقاً في تحليلنا لمقاطع القصة من ان هذه التفصيلات قد تدل على ناحية اعجازية في القرآن حيث يدل الاطلاع عليها على مدلول يختلف عن مدلول الاطلاع على احوال موسى (الرسول) لان احوال موسى (الرسول) كان لها وجود اجتماعي كبير على خلاف احوال موسى (الانسان).
  الثاني :
  ما اشرنا اليه في بحث مراحل الدعوة من ان هذا الجانب يبرز لنا موسى في صورة الانسان الذي يقدر بما يتمتع به من خلق وعاطفة وجرأة ومكانة على تحمل اعباء الدعوة.
  ويمكن ان نضيف الى ذلك ايضاً ان من خلال التعرف على حياة موسى الشخصية سوف تتكشف لنا بعض الاوضاع الاجتماعية السائدة حينذاك وما انعم اللّه به سبحانه على بني اسرائيل عامة وموسى بشكل خاص .

  6 - الاوضاع العامة للشعب الاسرائيلي :
  لقد تناول القرآن الكريم بعض الاوضاع والصفات العامة للشعب الاسرائيلي واشرنا الى بعضها عند دراستنا للمرحلة الثالثة من دعوة موسى ويمكن ان نلخص ما تكشف عن هذه الاوضاع والصفات التي تناولها القرآن : في ان الشعب الاسرائيلي كان يتصف بازدواجية مريعة نتيجة لمختلف الظروف التأريخية والاجتماعية التي مر بها والتي تركت آثارها المتنوعة والعميقة في سلوكه الاجتماعي ومحتواه النفسي والروحي .
  وكانت تمثل هذه الازدواجية في الشعور بالعظمة والامتياز والقربى من اللّه بوحي من تأريخه المجيد الذي عاشه آباؤه واجداده في الوقت الذي قاسى حياة طويلة من الاضطهاد والاستعباد ورزح في ظل مستلزماتهما من جهل وفقر وانحطاط خلقي ونفسي واجتماعي .
  ولعل هذه الازدواجية هي التي تفسر لنا تمادي الاسرائيليين في الطلبات وكثرة تمنياتهم على موسى وعدم استجابتهم للخط الذي رسمه لهم لانقاذهم على ما يتمتع به موسى من مكانه عظيمة عندهم لانه مخلصهم ومنقذهم .
  وقد استهدف القرآن من وراء اعطاء هذه الصورة للشعب الاسرائيلي تسليط الاضواء على واقع اليهود الذين كانوا يعايشون المسلمين وكان ينظر اليهم قبل ظهور الاسلام على انهم اهل الكتاب والمعرفة بالاديان وبكل ما يتصل بعالم الغيب. وحيث تتكشف هذه الصورة الواقعية لهذا الشعب وتتضح معالمها سوف يظهر للمسلمين مدى امكان الاعتماد عليهم وعلى نظرتهم للاشياء .

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
  الهوامش

(1) 49. الاعراف /141. ابراهيم / 6. القصص 3 - 6.
(2) القصص / 7 - 13. طه / 37 - 40. القصص / 14.
(3) القصص : 15 - 21 وطه : 40.
(4) القصص : 22 - 28 وطه : 40
(5) الاسراء : 2 - 3. طه 9 - 47. الفرقان : 35 - 36 . القصص : 29 - 35. الشعراء : 10 - 16. النازعات : 15 - 19.
(6) الاعراف : 104 - 105. الشعراء : 17 و22.
(7) الشعراء : 18 - 21.
(8) الشعراء : 24 - 29. طه : 49 - 55.
(9) الاعراف : 106 - 109. الشعراء : 30 - 35. يونس : 75 - 78.
(10) الاعراف : 110 - 126. يونس : 80 - 89. طه : 57 - 76. الشعراء : 34 - 52.
(11) الاعراف : 127 - 135. غافر 23 - 27. الاسراء : 101 - 102. طه : 59. النمل : 13 - 14. القصص : 36 - 37. الزخرف : 46 - 50. القمر 41 - 42. النازعات : 20 - 21.
(12) القصص : 38 . غافر : 28 - 46.
(13) الاعراف : 136 - 137. يونس : 90 - 92. الاسراء : 103 - 104. طه : 77 - 79. الشعراء : 52 - 68. القصص : 39 - 40. الزخرف : 55 - 56. الدخان : 17 - 31. الذاريات: 38 - 40.
(14) من الحسن مراجعة قصص الانبياء لعبد الوهاب النجار في شأن الاحداث التي وقعت لموسى مع قومه بني اسرائيل وان كنا قد لا نتفق معه في بعض الخصوصيات التي يسردها .

1 ـ الاسرائيليون في
    المجتمع المصري
2 ـ ولادة موسى وارضاعه
3 ـ خروج موسى من مصر
4 ـ موسى في ارض
     مدين
5 ـ بعثة موسى(عليه السلام)
    ورجوعه الى مصر
6 ـ فرعون يجادل موسى
     في ربوبية اللّه
7 ـ مباراة موسى مع
     السحرة
8 ـ إصرار فرعون وقومه
    على الكفر ومجيء
    موسى بالآيات
9 ـ الائتمار بقتل موسى
     وطغيان فرعون
10 ـ خروج موسى ببني
     اسرائيل من مصر
11 ـ موسى مع نبي
      اسرائيل
12 ـ دراسة عامة مختصرة
      للقصة
13 ـ * بعثة موسى
         ومعاجزه
14 ـ * اساليب الدعوة
         وادلتها
15 ـ * مواجهة الكافرين
16 ـ * التحريفية في
         العبادة
17 ـ * الحياة الشخصية
         لموسى
18 ـ * الاوضاع العامة
       للشعب الاسرائيلي
19 ـ الهوامش
Copyright © 2018 bascity Network, All rights reserved
                   BASRAHCITY.NET