اتصل بنا مؤمنــــة البطاقات انتصار الدم مساجد البصرة واحة الصائم المرجعية الدينية الرئيسية

السنة والكتاب


العلامة محمد تقي الحكيم

  السنة وعلائقها بالكتاب ـ نوعية أحكامها ـ تخصيص الكتاب بها وعدمه ـ نسخ الكتاب بالسنة ـ رتبة السنة من الكتاب.

  1- السنة وعلائقها بالكتاب :

  وإذا عرفنا مفهوم السنة وتعرفنا على حجيتها، واستطعنا التوصل إليها من طرقها الذاتية أو المجعولة، وعرفنا مضامينها حسب الكيفيات المجعولة لذلك كان علينا بعدها أن نبحث علائقها بالكتاب العزيز والحديث حول ذلك يقع في مواقع أهمها أربعة:
  1 ـ نوعية ما ترد به من أحكام ونسبته إلى الكتاب العزيز .
  2 ـ امكان تخصيص الكتاب بها وعدمه .
  3 ـ امكان نسخ الكتاب بها وعدمه .
  4 ـ رتبتها من الكتاب عند الاستدلال والمعارضة .

  2 ـ نوعية أحكامها:

  أما نوعية أحكامها فهي حسبما يدل عليه استقراؤها في مصادرها لا تخرج عن احد ثلاثة :
  أ ـ تأكيد ما ورد في الكتاب من أحكام عامة كالأحاديث الآمرة بأصل الصلاة والصيام والزكاة والحج، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكالأحاديث الناهية عن الخمر والميسر والأنصاب والازلام وما أهلّ به لغير الله، وحسابها حساب الآيات المتعددة الدالة على حكم واحد .
  ب ـ شرح ما ورد من آيات عامة في القرآن، وبيان أساليب أدائها وامتثالها والتعرض لكل ما يتصل بها من أجزاء وشرائط وموانع، كالأحاديث المحددة للمراد من الصلاة والصيام والحج، والمبينة لأجزائها وشرائطها وموانعها وكل ما يرتبط بها من شؤون الأداء.
  ج ـ تأسيس أحكام جديدة لم يتعرض لها الكتاب فيما نعرف من آيات أحكامه مثل حرمان القاتل من الميراث إذا قتل موروثه، وتحريم الجمع بين نكاح العمة وابنة أخيها أو الخالة وابنة أختها إلا باذنهما، وكتحريم لبس الحرير للرجال وأمثالها، يقول ابن القيم: (والسنة مع القرآن ثلاثة أوجه: احدها إن تكون موافقة له من كل وجه فيكون توارد القرآن والسنة على الحكم الواحد من باب توارد الأدلة وتظافرها، والثاني أن تكون بيانا لما أريد بالقرآن وتفسيرا له، والثالث أن تكون موجبة لحكم سكت القرآن عن إيجابه أو محرمة لما سكت عن تحريمه (1)).

  3 ـ تخصيص الكتاب بها وعدمه :

  ومن اعتبار صفة الشرح والبيان لها يتضح أنه ليس هناك ما يمنع من تخصيص الكتاب بها مادام المخصص بمنزلة القرينة الكاشفة عن المراد من العام، والظاهر أنه بهذا المقدار موضع اتفاق المسلمين، ولذلك أرسلوا ­ إرسال المسلمات ­ امكان تخصيص الكتاب بما تواتر من السنة، ولكن موضع الخلاف في السنة التي تثبت بإخبار الآحاد، فالذي عليه الجمهور إن (خبر الواحد يخص عام الكتاب كما يخصه المتواتر (2)) وفصل الحنفية بين أن يكون العام الكتابي قد خصص من قبل بقطعي حتى صار بذلك التخصيص ظنيا ، وبين ما لم يخصص فجوزوه في الأول ومنعوه في الثاني (3)، وذهب البعض إلى المنع مطلقا .
  وعمدة ما استدلوا به دليلان: أولهما دعوى أن الخبر الواحد لا يقوى على معارضة الكتاب، لأن الكتاب قطعي وخبر الواحد ظني .
  وثانيهما موقف عمر بن الخطاب من حديث فاطمة بنت قيس: (حينما روت انه عليه الصلاة والسلام لم يجعل لها نفقة ، ولاسكنى وهي بائن فقال عمر: لا نترك كتاب ربنا، ولا سنة نبينا لقول امرأة لا ندري أصابت أم أخطأت (4)).
  وكلاهما لا يصلحان للدلالة على المقصود، أما الأول منهما فلأن نسبة الخاص إلى العام نسبة القرينة إلى ذي القرينة، وليس بينهما تعارض كما هو فحوى الدليل، وحيث يمكن الجمع بين الدليلين لا مجال لطرح أحدهما وإلغائه ولو فرض التعارض، وعدم امكان الجمع بينهما عرفا لما أمكن رفع اليد عن الكتاب بالتخصيص حتى في السنة المتواترة بينما لم يلتزم أحد منهم بذلك ، بل لما أمكن ورود الخاص من الشارع أصلا لاستحالة تناقضه على نفسه كما هو الشأن في المتباينين أو العامين من وجه عندما يلتقي الحكمان في موضع التقائهما حيث حكموا بالتساقط في الأخبار الحاكية لذلك فيهما .
  وبعد افتراض حجية الخاص في نفسه وان كان مرويا بأخبار الآحاد، فأي مانع من إعطائه صفة الشرح لما أريد من العام الكتابي ؟ ومع التنزل فان التعارض في الحقيقة ليس بين سنديهما ليقدم القطعي على الظني، وإنما هو بين ظنية الطريق في خبر الآحاد، وظنية الدلالة في العام الكتابي، فالكتاب وان كان قطعي الصدور إلا أنه ظني الدلالة بحكم ما له من ظهور في العموم، ولا موجب لإسقاط أحدهما بالآخر .
  نعم لو كان العموم الكتابي مما لا يقبل التخصيص لكونه نصا في مدلوله لا يحتمل الخلاف، ولا يتقبل قرينة عليه ، لتعين القول بإسقاط الخبر وتكذيبه لاستحالة صدور التناقض من الشارع، وحيث أن الكتاب مقطوع الصدور ومقطوع الدلالة، فلابد أن يكون الكذب منسوبا إلى الخبر ويتعين لذلك طرحه .
  وبهذا العرض يتضح معنى الأخبار الواردة عن المعصومين في اعتبار ما خالف كتاب الله زخرفا، أو يرمى به عرض الجدار، وجعل الكتاب مقياسا لصحة الخبر عند المعارضة في الأحكام التي تعرّض لها الكتاب.
  واتهام الزنادقة بوضع هذه الأخبار ـ ما ورد على لسان بعض الأصوليين ­ منشؤه عدم إدراك معنى الحديث.
  نعم قد يقال أن النسخ يقتضي أحيانا مصادمة الحديث الناسخ للكتاب، فكيف يجعل الكتاب مقياسا لصحته، وهذا الإشكال صحيح لو كانت هذه الأحاديث واردة في غير أبواب التعادل المستدعي لتعارض الأخبار، والتعارض لا يكون إلا في أخبار الآحاد، وسيأتي أن النسخ لا يكون بخبر الواحد إجماعا على أن النسخ ـ لولا الإجماع على عدم وقوعه بخبر الآحاد ­ لأمكن القول به هنا أيضا، لحكومة الدليل الناسخ على الدليل المنسوخ، ولا تصادم بين الدليل الحاكم والدليل المحكوم فلا تصدق المخالفة مع عدم التصادم، وسيأتي إيضاح ذلك عما قليل .
  أما الدليل الثاني ـ أعني رأي الخليفة عمر ـ فان أريد من الاستدلال به أنه سنة واجبة الإتباع أخذا بما ذهب إليه الشاطبي، فقد عرفت ما فيه في مبحث سنة الصحابة، وان أريد الاستدلال به بما أنه (مذهب الصحابي) واجتهاده، فسيأتي ما فيه، وأنه لا يصلح أن يكون حجة إلا عليه وعلى مقلديه لا على المجتهدين، كما هو التحقيق، على أن الذي يبدو من الرواية المذكورة تشكيك الخليفة في قيمة راويتها وهو أجنبي عن جواز التخصيص بخبر الثقة وعدمه، فلا تصلح للاستدلال بها أصلا، والذي يظهر من إقرار الخليفة عمر للخليفة الأول في تخصيصه لآية المواريث بخبره الذي انفرد بنقله : (نحن معاشر الأنبياء لا نورث)، وعدم الإنكار عليه أنه من القائلين بجواز التخصيص بخبر الآحاد.
  ودعوى الخضري (5) أن هذا الحديث ونظائره قد يكون مستفيضا إلى درجة توجب القطع غريبة لأنها تصادم كلما تصح نقله في هذا الباب من انفراد الخليفة بنقله (6) .
  وما يقال عن التخصيص يقال عن التقييد بإخبار الآحاد لمطلقات الكتاب، والحديث فيهما واحد .
  وإذا صح هذا لم نعد بحاجة إلى استعراض ـ ما طرأ ـ على آية (وأحلّ لكم ما وراء ذلكم)، ونظائرها من الآيات ـ من التخصيصات المأثورة بأخبار الآحاد، والمقرة من قبل الصحابة، ما أنا لم نعد بحاجة إلى مناقشة الحنفية في تفصيلهم الذي لا يعرف له مأخذ يمكن الركون إليه .

  4 ـ نسخ الكتاب بالسنة:

  ويراد من النسخ على ما هو التحقيق في مفهومه ـ رفع الحكم في مقام الإثبات عن الأزمنة اللاحقة مع ارتفاعه في مقام الثبوت لارتفاع ملاكه ، وهو لا يتأتى إلا في الأحكام التي تؤدي بصيغ العموم، أو كل ما يدل عليه ـ ولو بمعونة القرائن ­ من حيث التعميم لجميع الأزمنة.
  وارتفاع الأحكام التي تقيد بوقت معين لانتهاء وقتها لا يسمى نسخا اصطلاحا، وقد أحاله فريق لأدلة عقلية لا تنهض بذلك وسرها الجهل بحقيقته بتخيل أن الرفع واقع في مقام الثبوت بعد وضع الحكم على الأزمان اللاحقة للعلم الحادث بتبدل المصلحة مما يوجب نسبة الجهل إلى الله تعالى وتقدس عما يتخيلون، بينما هو في واقعه لا يتجاوز مقام الإثبات لمصلحة التدرج في التبليغ، والحكم ابتداء لم يجعل إلا على قدر توفر الملاك فيه ، والمصلحة والمفسدة اللذان هما ملاكا الأحكام مما يتأثران بعوامل الزمان والمكان قطعا ، وسيأتي إيضاح أنهما ليسا من قبيل الحسن والقبح الذاتيين دائما ليلزم الخلف والحكم في الأزمنة اللاحقة لم يثبت في مقام الجعل ليقال كيف يرتفع الحكم الثابت مع ما يلزم من فرض إثبات صفة الثبوت له .
  والحقيقة إن النسخ لا يتجاوز الإخبار عن عدم تحقق الملاك في الأزمنة اللاحقة، الملازم لارتفاع الحكم ثبوتا وان أدي بصيغ الرفع في مقام التبليغ.
  ولقد أشار القرآن الكريم إلى امكانه وأجمع المسلمون على وقوعه ، ولم ينقل الخلاف إلا عن أبي مسلم الاصفهاني (ولم يحقق الناقلون مذهبه (7)) وقد استظهر الخضري (إن خلاف أبي مسلم إنما هو في نسخ نصوص القرآن، فهو يرى أن القرآن كله محكم لا تبديل لكلمات الله (8)) وما أدري ما قيمة هذا الكلام بعد تصريح القرآن بإمكان النسخ في آياته (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها (9)) على أن النسخ المدعى هنا ليس هو تبديلا لكلمات الله وإنما هو شرح للمراد منها وتقييد أو تخصيص لظهوراتها، ثم ليس فيها مصادمة لنص لا يحتمل الخلاف، وحاشا لله أن يكذب نفسه أو وليا من أوليائه المبلغين عنه (10)، وما قلناه أو قالوه عن التخصيص يقال عن النسخ.
  وهذا من الأمور التي تكاد تكون بديهية بين المسلمين فلا تحتاج إلى إطالة حديث ، والظاهر إن النسخ واقع في الكتاب من الكتاب ومن السنة على خلاف في قلة وكثرة الأحكام التي يدعى لها النسخ، وقد استعرض أستاذنا الخوئي في كتابه (البيان) كل ما قيل عن الآيات المنسوخة وحاكمه بجهد ولم يجد فيها ما يصلح ما يكون منسوخا إلا أقل القليل.
  أو الخلاف الذي وقع إنما هو في امكان نسخ الأحكام ـ المقطوعة أسانيدها كالأحكام الكتابية والمتواترة من السنة ­ بأخبار الآحاد، وأكثرية المسلمين على المنع وربما ادعي عليه الإجماع، وأهم ما لديهم من الشبه هي شبهة أن الظني لا يقاوم القطعي فيبطله، وهي شبهة عرفت قيمتها في الحديث عن التخصيص لعدم المعارضة بينهما ، لأن الدليل الناسخ لا يزيد على كونه شارحا للمراد من الدليل المنسوخ، وقرينة على عدم إرادة الظهور وحاله حال التخصيص، على أن الخبر وان كان ظنيا في طريقه ، إلا أنه مقطوع الحجية للأدلة السابقة ومع الغض وافتراض المعارضة فإنها في الحقيقة قائمة بين ظنين لا بين قطعي وظني ، أي بين ظنية الدلالة في مقطوع السند وظنية الطريق.
  ولعل منشأ الإجماع المدعى أو اتفاق الأكثرية، إنما هو في وضع حد لما يمكن أن يقع من التسامح في دعوى النسخ وإبطال الأحكام لمجرد ورود خبر ما ، وهو عمل في موضعه وربما استدعته صيانة الشريعة عن عبث المتلاعبين بأحكام الله والوقوف دون تصرفاتهم ، وعلى الأخص وان في الدخلاء على الإسلام من تمثل بصورة القديسين ليتسنى له هدم الإسلام وتقويض قواعده .

  5 ـ رتبة السنة من الكتاب:

  من الكلمات المألوفة على السنة كثير من الأصوليين إن رتبة السنة متأخرة عن رتبة الكتاب في الاعتبار.
  وهو كلام لا أعرف له مدلولا يمكن الاطمئنان إليه لاضطراب في تحديد معنى الرتبة هنا، فالذي يظهر من بعض أقوالهم أن مرادهم بها أن تقدم الكتاب على السنة من قبيل تقدم الحاكم على المحكوم، أي مع وجود دليل من الكتاب لا ينظر إلى السنة ولا تلتمس كدليل ، وهي أشبه بما ذكرنا من التقدم الرتبي لأدلة الإمارات على الأصول ولكن بعضها الآخر يبدو منه أن المراد منها هو السبق الرتبي من حيث الشرف والأهمية، ووجودها أقرب إلى الوجود الظلي بالنسبة للكتاب ، وفي ثالث من الأقوال أن الكتاب يقدم عليها عند التعارض فسبقه الرتبي من حيث أرجحيته في هذا الباب .
  ومن أدلتهم على هذا السبق الرتبي تتضح وجهات النظر، وان كان قد جمع بعض المتأخرين بين هذه الأدلة وكأنها مساقة لمبنى واحد، في تفسيرها لا لمباني متعددة .
  وأول هذه الأدلة قولهم: (إن الكتاب مقطوع والسنة مظنونة، والقطع فيها إنما يصح على الجملة لا على التفصيل بخلاف الكتاب، فانه مقطوع به على الجملة والتفصيل والمقطوع به مقدم على المظنون، ولعله لا يوجد من متواترها القولي شيء (11)).
  وهذا الدليل يصلح للقول الثالث أي تقديم الكتاب على السنة عند المعارضة لا مطلقا ، إذ لا معنى لرفع اليد عن المظنون بالمقطوع مع عدم المعارضة، وكلاهما حجة كما هو الفرض .
  والمعارضة لا تتعقل بين الكتاب والسنة بما هي قول أو فعل أو تقرير ، لاستحالة تناقض الشارع على نفسه ، وإنما تمكن في الأخبار الحاكية لها ، وعليها يقتضي أن تحرر المسألة في تقدم الكتاب على أخبار الآحاد لا على السنة.
  وقد سبق أن أيدنا دعوى من يذهب إلى طرح الأخبار، إذا خالفت الكتاب ولم يمكن الجمع بينها وبينه لنفس هذا الدليل وللأخبار الآمرة بطرح ما يخالف الكتاب .
  ثانيها: قولهم: (إن السنة، إما بيان للكتاب أو زياد على ذلك، فان كانت بيانا فالبيان تال للمبين في الاعتبار، إذ يلزم من سقوط المبين سقوط البيان لا العكس، وما شأنه هذا فهو أولى بالتقدم وان لم يكن بيانا فلا يعتبر إلا بعد ألاّ يوجد في الكتاب، وذلك دليل على تقدم اعتبار الكتاب (12))، وهذا الدليل يصلح للاستدلال به على التقديم من حيث الشرف والأولوية، لا من حيث الاقتصار على الكتاب، مع وجوده لعدم امكان الاستغناء عن البيان بحال ، وما دامت السنة بيانا للكتاب فهي متممة للاستدلال به ، بل كلاهما يكونان دليلا واحدا لبداهة أن ما يحتاج إلى البيان لا ينهض بالدليلية إلا به ، ولكن اعتبار التقدم في الرتبة على أساس التفاضل في المكانة، لا معنى لإدراجه في مباحث الأصول والتماس الأدلة له لعدم إعطائه أية ثمرة عملية في مجالات الاستنباط .
  ثالثها: (ما دل على ذلك من الأخبار كحديث معاذ وأثر عمر، اللذين تقدم ذكرهما ، ومثله عن ابن مسعود: (من عرض له منكم قضاء فليقض بما في كتاب الله، فان جاءه ما ليس في كتاب الله فليقض بما قضى به نبيه صلى الله عليه وسلم ، ومثل ذلك عن ابن عباس وهو كثير في كلام السلف والعلماء وهو الوجه في تفرقة الحنفية بين الفرض والواجب (13)) وهذا الدليل صالح للدلالة على المبنى الأول في التقدم الرتبي، أي مع قيامه لا ينظر إلى السنة، ولا تعتبر دليلا .
  وهذا المذهب من أغرب المذاهب إذ كيف يعقل الاستغناء بالكتاب عن السنة ومنها بيانه وشروحه وشروط أحكامه وأدلتها ، فهل يكتفي ابن مسعود أو عمر أو ابن عباس، لو صح عنهم ذلك، بالرجوع إلى الكتاب والاكتفاء به في حكم واحد من الأحكام فضلا عن جميع ما ورد فيه منها ، وهم يعلمون من طريقة الكتاب في البيان هي الاتكال على القرائن المنفصلة، والسنة هي الكفيلة ببيانها ، وكيف يسوغ لهم العمل بظواهره مع هذا الاحتمال ؟.
  على أن هذه الأقوال لا تصلح للاستدلال بها لأنها لا تمثل أكثر من رأي أصحابها لو أرادوا ظواهرها ، وهو بعيد ، وهم ليسوا بمعصومين ليجب علينا التعبد بها .
  نعم في إقرار النبي (صلى الله عليه وآله) لمعاذ ما يصلح للاستدلال، باعتبار إن الإقرار من السنة، فالاستدلال بها استدلال بالسنة، إلا أن الكلام في صحة رواية معاذ ، وسيأتي في مبحث القياس إثبات أنها من الموضوعات.
  فالحق إن السنة في مجالات الاستدلال صنو للكتاب وفي رتبته، بل هما واحد من حيث انتسابهما إلى المشرع الأول وهو الله عز وجل، ولا يمكن الاستغناء به عنها، وما أروع ما قاله الأوزاعي: (الكتاب أحوج إلى السنة من السنة إلى الكتاب، وذلك لأنها تبين المراد منه (14)).
  وقال رجل لمطرف بن عبد الله: لا تحدثونا إلا بالقرآن ، فقال: (والله ما نريد بالقرآن بدلا ، ولكن نريد من هو أعلم بالقرآن منا (15)).
  ومن هذا العرض ندرك أن هذه الأدلة لا تصلح أن تكون لمبنى واحد .

  الهوامش


(1) سلم الوصول، ص259 نقلا عن أعلام الموقعين، ج 2 ص 232 .
(2 ـ 3) أصول الفقه للخضري، ص 184.
(4) أصول الفقه للخضري، ص 184.
(5) أصول الفقه للخضري، ص184.
(6) راجع مصادره في النص والاجتهاد في قصة فدك وغيره.
(7) أصول الفقه للخضري، ص246.
(8) أصول الفقه، ص246.
(9) البقرة /105،
(10) ومن هنا صرحوا أن أمثال هذه الآيات لا تقبل نسخا (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) كما صرحوا أن الآيات المخبرة عن أمور تقع لا تقبل النسخ لانتهائها إلى التكذيب، راجع سلم الوصول، ص337.
(11) أصول الفقه، ص237 للخضري.
(12) أصول الفقه للخضري، ص237.
(13) أصول الفقه للخضري، ص237.
(14 ­ 15) أصول الفقه للخضري، ص234

Copyright © 2018 bascity Network, All rights reserved
                   BASRAHCITY.NET