اتصل بنا مؤمنــــة البطاقات انتصار الدم مساجد البصرة واحة الصائم المرجعية الدينية الرئيسية

سرعة الضوء في القرآن الكريم

رجوع

  المقدمـة
  كم كنت أعشق هذا الكون الرهيب منذ نعومة أظفاري حيث كان يشدّني إليه يوما بعد يوم..حينما كنت في الثانية عشرة من عمري وقع بين يديّ ولأول مرّة كتاب يكشف لي بعضا من أسراره ، كنت أقرأه وكأني أطير في هذا الكون على بساط علاء الدين السحري .. هكذا كانت تصوّر لي أفكاري في عالم الطفولة.
  عندما منّ الله عليّ بحظيرة الإيمان وجدتني أُشد إلى هذا السرّ الرّهيب أكثر من ذي قبل..فعظمة هذا الكون وسحرهُ تشدّاني إلى عظمة الخالق المصوّر ، سيّما كثير من الكتب الدينيّة تتحدّث عن هذا الجانب ، وكان أوّل الكتب الدينيّة التي قرأتها وتتناول مثل هكذا مواضيع هو كتاب التكامل في الإسلام للمؤلّف العراقي أحمد أمين ، فقد كان هذا المؤلّف رحمه الله من خريجي العلوم الفيزيائية العالية وقد وُفّق توفيقا جليلا في سرد الحقائق العلميّة في قالب ديني ، فكنتُ أقرأ كتابه بشغف..فكثير من الحقائق والنظريّات العلميّة التي تخص هذا الكون لم أعرفها إلا بعد أن أطلعتُ على كتابه .
  خذ مثلا دوران الشمس حول نفسها ودورانها مع المجموعة الشمسية حول نجم آخر في المجرّة ـ بعد ان كنتُ أعتقد أنها ثابتة ـ وبدورها مع ذلك النجم ومع ما يدور حوله يدور حول مركز المجرّة ، والمجرّات يبتعد بعضها عن البعض وجميعها تدور حول مركز الكون .. كثير من المعلومات كلّها كانت تشدّني شدا وثيقا إليها ولعلّ أهم معلومة سحرتني وقلبت كياني وجعلتني أتخذ لنفسي فلسفة خاصّة في الدعاء هي أن جميع هذه النجوم التي نراها في سمائنا ما هي إلا صور وهميّة للماضي وقد يكون ماضيا سحيقا .
  نعم .. فالضوء يحتاج إلى زمن لقطع المسافات ، فأقرب نجمة إلينا تبعد عنّا بأربع سنين ضوئيّة ، أي أن الضوء المنبعث منها يحتاج إلى أربع سنين حتى يصل إلينا ويتسنّى لنا أن نرى صورة النجمة في ذلك اليوم ، فصورتها التي نراها الآن في الحقيقة ما هي إلا صورة وهميّة تعبّر عن حال النجمة قبل أربعة أعوام .
  فلو فرضنا أن هذه النجمة قد انفجرت الآن فإننا لن نعلم بذلك إلا بعد أربع سنين قادمة !! وهذا ما حدث لنجمة أخرى حيث أذاعت وكالة الأنباء عن انفجار نجم في كانون الثاني لعام 1995 م حيث رصدهُ المكوك الفضائي الأمريكي ولكن في الحقيقة كان انفجار ذلك النجم قبل خمسين ألف سنة ولم يُعلم به إلا الآن !! وهناك من النجوم ما تبعد عنّا آلاف الملايين من السنين الضوئيّة !..فياله من ماضٍ سحيق ، أي أن هذا الضوء الذي يصلنا منها في وقت لم تكن الأرض قد خُلقت بعد حيث قُدّر أن عمر الأرض 4500 مليون سنة..بربّك أليس في هذا الكون سحرٌ وسرٌ عجيب؟! ولعلّ أطرف ما ذكره أحمد أمين في كتابه وشدّني إليه حيث قال أنّ بإمكانك أن ترى حفلة زواج والديك أو أن ترى يوم ولادتك علميا..فمثلا إذا كان زفافهما قبل ثلاثين عاما وقد تسنّى لك أن تكون على جرم من أجرام السماء يبعد عنّا ثلاثين سنة ضوئية وكانت لديك شاشة لاستقبال الضوء فانك سوف تستقبل الضوء الخارج من الأرض في ذلك اليوم وعندها يكون بمقدورك أن ترى عرس والديك !..هذه الفقرة جعلتني أنظر إلى الكون بمنظار يختلف عن الآخرين ، في السابق كنتُ إذا اقترفتُ ذنبا وندمتُ عليه أحسستُ بكياني وشعوري أن الله قد غفره فرحمتُه أهلٌ لأن تشمل كلّ شئ ، والآن يا ويلي أليست معصيتي هذه تجوب أقطار السماوات والأرض وستبقى هكذا إلى يوم القيامة !! وهي تمرّ على أهل السماء فيرونها رأي العين! ..قبّحني الله ما أتعسني وأبقى نادما عليها ليل نهار ..
  كم عذّبتني هذه الفلسفة إلى أن سمعتُ حديثا قد أراح قلبي وبرّد عليّ الجوى ، والحديث بما معناه ( أنّ العبد إذا عمل عملا صالحا صوّرته الملائكة في السماء وأكثرت من صوره ، وإذا عمل عملا سيئا اقتصرت على صورة واحدة فقط .. ) ، يا لفيض الرحمة الإلهية فأعمالنا الصالحات قد ملأت السماوات وعملنا السيئ تستره الملائكة بأمر من الله جلّ وعلا ..كم هو رحيم ربي ..
  المهم ..إنّي كنتُ ومازلتُ مؤمنا ومستيقنا بأنّ أعمالنا تعرج إلى السماء عن طريق الضوء بواسطة الملائكة ، فالضوء لا يسيرُ عبثاً مثلما هناك ملائكة الريح وملائكة السحاب وملائكة الزلازل فلابدّ للضوء من يحمله وكما ورد في المأثور ملائكة النور .
  وإنّي لا أزال مؤمنا أنّ الكتاب الذي أُعطى يوم الحساب ـ أسأل الله أن أُعطاه في يميني ولجميع المؤمنين إنّه سميع مجيب ـ ما هو إلا تصوير لحياتي المفصّلة تماما كشريط الفيديو يُحصي عليّ كلّ صغيرة وكبيرة ، والآيات الواردة في شأن ذلك كثيرة نستذكر منها :
  ( هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )(1) ( وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى )(2) ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )(3) (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ )(4) (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ )(5) .
  هذه مقدمة وجيزة عن فكرتي عن هذا الكون.. وهي مدخل مهم لقصتي مع آية العروج.

  محاضــرة قيّمــة
  ذات يوم سمعتُ محاضرة ثمينة جدا عن القرآن الكريم ، كلّها درر وعطايا جعلتني أصاحب القرآن آناء الليل وأطراف النهار .. وكيف لا أفعل وقد عرفتُ أنّ الإنسان تكون مرتبته في الآخرة بقدر عدد الآيات القرآنية التي قرأها في حياته ، ففي الحديث ( اقرأ وارتق ). فآيات القرآن سلّم ممدود إلى السماء كلّما قرأتَ آية ارتقيتَ درجة منه .
  ولم تحث هذه المحاضرة على قراءة القرآن وحسب وإنما التدبّر فيه أيضا ، وأن الإنسان يغترف من العطاء الإلهي كلاً بقدر وعائه ، فإن أنت قرأت القرآن ولم تستشعر بهذا العطاء فالخلل فيك لا في القرآن .
  وعرفتُ من هذه المحاضرة حديثا مفاده أنّ للقرآن ظهرا وبطنا يحتمل كلّ واحد منهما سبعة معان. فالآية الواحدة تحتوي سبعة معان باطنية غير معناها الظاهري .. فيا لعظمة القرآن وخفاياه العجيبة!!.
  في السابق عندما كنت أقرأ تفسير آية معيّنة كنت أعتقد أنه تفسيرها الوحيد وانتهى الأمر ولا نقاش ، ولكني عرفت من هذا الحديث سرّا من أسرار القرآن وهو أن الآية لا تحتمل معنىً واحدا فقط بل عدة معان في آن واحد . خذ مثلا ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) فهي تفيد وجهين في التفسير في آن واحد وهو انا أعطيناك الكوثر في الدنيا والآخرة فأما الذي في الدنيا فهي فاطمة الزهراء عليها السلام .

  التدبــر في القــرآن
  بعد هذه المحاضرة القيّمة اتخذتُ اسلوبا جديدا في تدبر القرآن .. ذات يوم بينما كنت أقرأ في سورة المعارج ومررت بهذه الآية ( تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) آية 4 ..توقفت عندها متأمّلا .. فهذه الآية ومثيلاتها طالما حيّرتني ولكني كنت أقنع نفسي أن يوم العذاب هو خمسون ألف سنة ، أما الآن فالأمر مختلف ..ما سرّ هذه الآية ؟؟
  جاءني حدس رهيب : لعل عروج الضوء بسرعته حيث تحمله الملائكة في يوم واحد يساوي سرعة الإنسان في خمسين ألف سنة ! ..حسنا سأحسب ذلك حالما أنتهي من قراءة القرآن ..

  سرعـة الضـوء
  عندما انتهيت من التلاوة أسرعتُ إلى الحاسبة الإلكترونية لحساب ذلك :
  لمّا كانت سرعة الضوء 300000 كم / ثانية إذن المسافة التي يقطعها في دقيقة واحدة :
  300000 كم / ثانية × 60 ثانية / دقيقة والمسافة التي يقطعها في ساعة واحدة :
  300000 كم / ثانية ×60 ثانية / دقيقة ×60 دقيقة / ساعة
  والمسافة التي يقطعها في يوم واحد: 300000 كم /ثانية ×60 ثانية / دقيقة ×60 دقيقة / ساعة ×24ساعة / يوم
  = 2 . 592 × 10 10 كم / يوم
  أي أن المسافة التي يقطعها الضوء في مسيرته في يوم واحد فقط هي 2.592× 1010 كم/يوم .
  ثم عطفت إلى سرعة الإنسان لأحسبها في خمسين ألف سنة .. ولكن يا ترى ماهو معدّل سرعة الإنسان في الساعة ؟ في الحقيقة لم أكن أدري ! إذن كيف لي أن أحسبها ؟! وهل أحسبها وهو ماشيا أم راكضا ! كلّها أسئلة كانت تدور في مخيلتي ولم تكن تجد أجوبة لها ..فماذا أفعل ؟

  معدل سرعة الانسان
  خطرت في بالي فكرة ماذا لو اعتبرت الرقم أعلاه هو سرعة الإنسان في خمسين ألف سنة وأعيد تقسيمها لأستنتج السرعة / الساعة وتكون بذلك سرعة الإنسان في الساعة! أي 2.592× 1010 مقسوما على 50000 سنة مقسوما على 12 شهر مقسوما على ثلاثين يوما مقسوما على 24 ساعة = 60كم / ساعة أي يتوجب أن تكون سرعة الإنسان 60 كم / ساعة كي يقطع اليوم الضوئي في خمسين ألف سنة ، ولكن يستحيل للإنسان أن يبلغ هذه السرعة ولو كان عدّاءً ماهرا ! !(6) إذن يجب أن أفكر في سرعة أخرى كانت تُستخدم في ذلك الزمان قبل 1400 عام وقت نزول هذه الآية وكانت مألوفة لديهم ! .. فحانت مني التفاته إلى أنّ إنسان ذلك الزمان لم يكن يسافر لوحده بل كان يتخذ من دابته السريعة ألا وهو الحصان وسيلة لسفره ، فيا ترى كم هي سرعة الحصان في الساعة ؟ هل هي 60 كم / ساعة ؟ أليست كثيرة عليه !

  معـدل سرعـة الحصـان
  في الحقيقة ليس لديّ خبرة في عالم الخيول ولم أكن أدري كم هي سرعة الخيل ، سألتُ أحدهم وقتها كم هو معدل سرعة الحصان في الساعة ؟ فأجابني وهو غير مطلع على ما في مخيلتي قائلا : 60 كم / ساعة .. بهرني جوابه لأول وهلة فقلت له هل أنت متأكد ؟
  فأجاب : ليس تماما .
  لم أقتنع بجوابه ، فلابد من جواب علميّ موثوق به . فتذكرتُ أن لديّ كتاب فيه من العلوم ما يحوي معلومات شتى ، فلجأت إليه وقرأت فيه فقرة عن السرع القصوى للحيوانات : سرعة الفهد الهندي مثلا 110كم / ساعة ، وسرعة الغزال لا تتجاوز 90كم / ساعة ، وسرعة الأرنب البري 70كم / ساعة ، فلما وصلت إلى سرعة الحصان القصوى وهي 65 كم / ساعة اقشعرّ بدني ! .. أتراها إذن سرعة الحصان ولماذا سرع الحيوانات التي أمامي لا ينطبق عليها سوى سرعة الحصان التي أنشدها !! هل كل هذا يحدث مصادفة ؟ إذا كان كذلك فيالعجائب الصدف !
  إذا كانت السرعة القصوى للحصان 65كم / ساعة ألا يمكن أن نقول أن معدل سرعته هي 60 كم / ساعة ؟ ولو استخدمنا الرقم 65 بدلا من الرقم 60 فكم ستكون النتيجة؟..النتيجة هي 2.8×1010 كم وهو رقم مقارب. على إننا لو استخدمنا السنين القمرية وليست الشمسية ،أي نضرب ×29 يوما بدل 30 يوما لكانت سرعة الحصان المستخدمة هي 62 كم وليس 60 كم لأجل أن تساوي يوما ضوئيا واحدا. مع ملاحظة أن سرعة الضوء المستخدمة 300000كم / ثا هو رقم تقريبي للرقم الحقيقي وهو 299792 . 4 كم / ثا ، ولكن عند استخدام الأخير لم تؤثر على النتيجة : 299792.4 كم / ثا ×60ثا × 24 ساعة = 2.5902 × 1010 كم / اليوم .

  عـروج الأعمــال
  شغلتني تلك الآية واستغرقتني كثيرا .. ولكي يطمئن قلبي لابد من قراءة تفسيرها في أحد كتب التفسير .
  ولم يكن لديّ وقتها من كتب التفسير سوى ذلك التفسير المنهجي الذي كنا ندرسه حينما كنا طلبة .. اتجهتُ إليه في الحال وقرأتُ تفسيرها ، كم اقشعر بدني لتفسيرها ، فصاحب التفسير يقول عروج الملائكة والروح يعني عروجها بأعمال بني آدم ! أليس هذا بعجيب ، أليست الأعمال تعرج بالضوء ؟! ألا يدل هذا التفسير على مسيرة الضوء نفسها ؟ .. أكلّ هذه الظروف التي توافق ما خمّنته في نفسي مصادفة !! وأي صدف تلك التي تتعاقب الواحدة تلو الأخرى لتكمل الصورة في خيالي ، وإذا كان كذلك فكم هي احتمالية حدوث مثل تلك الصدف مجتمعة ؟! .. سألت أخي وهو خرّيج علوم رياضيات ، أليس لديكم درس مستقل يُدعى بالاحتمالية ؟ كم احتمالية أن يكون كيت وكيت وسردت له القصة ، فأجابني : الاحتمالية تكون صفرا .

  ألـف سنـة ممـا تعـدّون
  كلّ هذا حدث في ليلة واحدة .. أقولها بصراحة قد استيقنت نفسي ما وصلت إليه واطمأنت به اطمئنانا .. من بعد ذلك تراءت لي هذه الآية ( ألف سنة مما تعدون ) .. قد ذُكرت في القرآن أكثر من مرة ، تُرى لماذا هنا ألف سنة ؟ وما هي الآية بكاملها كي أتمعّن فيها ؟ فأنا لستُ من حفظة القرآن ولكنّي من عشّاقه . حاولت البحث عنها في القرآن ولكن دونما جدوى ، وأنّى لي أن أعثر على تلك الآية وسط الآلاف من الآيات ! .. عندها قررت أن أتركها للزمن فها أنا على وشك أن أختم القرآن ولابد إني أمرّ بها في ختمتي الجديدة .. نمت تلك الليلة حيث اليوم الجديد...

  أرق وكتـاب
  لم أنسَ آية العروج في يومي الجديد هذا كله رغم قراري بأن أتركها للزمن فقد كنت أتذكرها بين الحين والحين .. انتهى نهار يومي هذا ليأتي الليل مقبلا ، هذا الليل كم يلهم صاحبه الاستغراق والعروج إلى الملكوت الأعلى ! لم أنم ليلتها إذ أُصبتُ بأرق شديد أقلق عليّ مضجعي وكانت ليلة خميس ، وكانت عادتي أن أعالج الأرق بقراءة كتاب مفيد أقتني منه معلومات قيّمة تدخل إلى وعاء عقلي فتنعشه وتذكيه حتّى أنام دونما استشعار ، فلابد من قراءة كتاب ، كانت الساعة الثالثة بعد منتصف الليل وهذا السكون الرّهيب والليل مطبق على الأرض والعين تأبى النوم فأيّ كتاب أقرب إلى النفس في هذه اللحظات ؟ لم أجد أفضل من كتاب ( ملامح كونية في القرآن )(7) .. فقراءة مثل هكذا كتاب في منتصف الليل يثير في النفس عظمة الكون وبالتالي عظمة خالقه .. هو كتاب طالما قرأته وقلّبته ، فماذا أقرأ فيه الآن ؟ فلأفتحهُ عشوائيا وأقرأ ما يقع تحت عيني ، فما إن فتحته عشوائيا حتى قفزت من فراشي مندهشا ..فها هي الآيات التي كنت أنشدها مسطرة أمام عيني الواحدة تلو الأخرى ص 107 ـ لاحظ وهذه صدفة أخرى ؟!! ـ ( وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون )(8) ، ( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ )(9) ، ( تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ )(10) .
  آهٍ من الآية الثانية .. القلب يدق .. قد ذكرتْ في الشطر الأول لفظة العروج كما في آية المعارج ولكن تختلف عنها في الشطر الثاني حيث تقول ( ألف سنة مما تعدّون) فاليوم نفسه في الآيتين ، لكن هناك ( خمسون ألف سنة ) من دون ذكر مما تعدون ، وهنا لفظ ( ألف سنة مما تعدون ) .. بماذا نعد السنين ؟ أليست بحركة الأرض حول نفسها حيث تصنع اليوم وبحركتها حول الشمس حيث تصنع السنة ! .. فاستيقنتها في نفسي لابد أن المسافة التي تقطعها الأرض بحركتها حول محورها أو بحركتها حول الشمس في ألف سنة تساوي يوما ضوئيا واحدا ، لابد أن تكون إحدى الحركتين .. هرعتُ إلى كتبي مسرعا أتصفح أوراقها على عجل باحثا عن معدل الحركتين ، فكانت الأولى بمعدل ربع ميل في الثانية أي 0.4 كم /ثانية ، أما معدل دورانها حول الشمس فبسرعة 18.5 ميل أي 29.76 كم/ثانية والأخيرة سرعة كبيرة نسبيا لا تفي بالغرض ، إذن كان عليّ أن أجرّب الحركة الأولى وهي حركة الأرض حول نفسها : 0.4 كم / ثا × 60ثا × 60دقيقة × 24ساعة × 30يوما ×12شهرا × 1000سنة = 1.441 ×1010 كم / ألف سنة يا لخيبتي .. ليس هو الرقم الذي أنشده فهو نصف الرقم المطلوب تقريبا ، فهو في حدود العشر مليارات بينما الرقم المنشود في حدود العشرين مليارا ! .. لم أشك لحظة واحدة في الآية فقد استيقنتها في نفسي ، أليس الخطاب إلينا ( ألف سنة مما تعدون ) إذن أين الخطأ ؟ لابد أنه خطأ مطبعي في المصدر الذي اعتمدته ، فبحثت عن معدل سرعة الأرض حول نفسها في مصادر أخرى ولكن دونما جدوى فكل المصادر تتفق على أنها ربع ميل في الثانية أى 0.4 كم / ثا .. إذن أين الخطأ؟؟ شككت في العلماء أنفسهم بأنهم أخطئوا في قياس سرعة الأرض حول نفسها! ليس مكابرة ولكنها مباهلة بين القرآن والعلماء ولن أخطأ القرآن أبدا ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) .
  وقد يقول قائل لماذا لا تكون أنت المخطأ وحساباتك وظنونك ليست في محلها ؟ بصراحة لم يعتريني أدنى شك في ذلك ، لقد أحسستُ في هذه الآية تحديا للبشرية ( مما تعدون ) وأحسستُ كأنّ عين الله المكنونة تنظر إليّ وتخاطبني بها ( مما تعدون ) . . ثم قلتُ في نفسي يا هذا تريّث قليلا قبل أن تتهم العلماء بحساباتهم فلابد أن تكون هناك حلقة وصل مفقودة . . فما هي تلك الحلقة يا ترى ؟ وهنا انتبهتُ مقشعرا . . نعم إنها حركة القمر حول الأرض ! أليس الخطاب عاما للبشرية ويخص منهم أهل الحجاز ! أو لم يكونوا في ذلك الزمان يعتمدون على السنين القمرية وهي السنين المعتمدة إسلاميا ! والقرآن قد صرّح بذلك (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ )(11) .. تالله لأنها حركة القمر .. قد سرقني الوقت وحان موعد صلاة الصبح ولكن لا بأس لأبحث سريعا عن معدل سرعة القمر في كتبي ، ولكن دونما جدوى ، وتوجب عليّ أن أقوم بحسابها بنفسي بالاستعانة ببعض المعادلات وهذا يستغرق وقتا .. يا هذا قم وصلّ صلاة الصبح وابتهل إلى الله تعالى أن يوفقك لهذا ..

  ليلـة لا تُنسـى
  قمتُ من مكاني وأنا كلّي وجل وخشوع ، كنتُ أقف أمام الماء للوضوء وأنا مصفر الوجه وجسمي كلّه يرتعش من هامة رأسي إلى أخمص قدمي إجلالا للخالق العلي القدير .. كنت أضع الماء على جلدي وأرى شعري منتصبا رهبة لعظمة الخالق .. خطوتُ خطواتي إلى مصلاي للوقوف بين يدي الله . . ( الله أكبر ) يا لعظمة هذه الكلمات ! فالله أكبر من كل شئ . . كنتُ أحسّ بالآية وهي تخاطبني ( ألف سنة مما تعدون ) والله من فوقي يبصر بكل شئ ..والقلب يخفق ما بين الضلوع وليس في الأمر من غرابة غير أنه خفقان غير منتظم تخللته ضربات زائدة كنت استشعر بها ولأول مرة في حياتي !
  أنهيت الركعتين بوجل ، وتوسلت إلى الله تعالى أن يوفقني في حساب حركة القمر حول الأرض فلستُ من ذوي الاختصاص ، ثم إنه يُخيّل لي لو طُلب مني أن أعد من واحد إلى عشرة في لحظتها لأخطأت في العد !
  عدتُ إلى كتبي وحاسبتي واضعا أمامي المعادلات الفيزيائية لحساب حركة التوابع الأرضية والتي كنا ندرسها في بدء المرحلة الإعدادية . . لم تعترني أية صعوبة وأنا احسب ذلك ، كنت أمشي بخطواتي الرياضية ولا أعقب متلهفا للوصول إلى النتيجة حتى إذا ضغطتُ على زر الحاسبة لآخر عملية حسابية وهي سرعة القمر في ألف سنة أغمضتُ عيني !! لقد كنت بين أمرين لو وُزنا لما رجح أحدهما على الآخر .
  فالأول كنت أُريد النتيجة كما استيقنها قلبي وعقلي لأزداد يقينا وفخرا بهذا القرآن العظيم والأمر الثاني كنت أريد النتيجة عكس ما أريد . . أردتُه رقما لا يدنو من الرقم الذي في بالي ألبته! وهل كنتُ إلا بشرا من لحم ودم فماذا سيحدث لي لو كانت النتيجة نفسها ؟! وماذا سيحدث لي وأنا هذا البشر الضعيف لو أصابتني خشية الله بنور آية من آيات القرآن وهو القائل (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ )(12) !!
  توكلت على الله وفتحت عيني على الحاسبة ويا للدهشة لقد كانت النتيجة 2.9 × 1010 كم / ألف سنة ـ لاحظ أن سرعة الضوء في يوم واحد تساوي 2.59 × 1010 كم / يوم ـ شعرت لحظتها أن الزمن قد توقف عن الجري . . فلا عقارب ساعة تجري ولا قلب يدق وعيناي لم تطرفا قط تجمدتُ على هيئتي كأني وُضعتُ في وعاء ثلجي .. صدقوني لستُ أقوى على وصف تلك اللحظة سوى أنّ الزمن قد توقف وإني صعقتُ بنور رباني فها هي أسراب الملائكة حولي ، والله من فوقي ينظر إلي بعينه المكنونة والقرآن من أمامي على المنضدة أخشى حتى النظر إليه ، تتصدع الجبال لخشيته فكيف لي أن أصمد لحظتها؟! ..لا لم أصمد . . بدون إحساس مني صرختُ من أعماقي رهبة لهذا النور الرباني وأخذت أجهش بالبكاء عاليا حتى تعالى في أنحاء الدار صوتي وخشيت أن يسمعني مَنْ حولي ويقولون أصابه الجنون لذا جعلت أكتم أنفاسي بوسادتي مبددا صوتي في نسيجها أردت أن أوقف هذا السيل الجارف لم أستطع . . فما كان مني إلا أن ارتقيت سطح الدار وكان ضوء النهار قد بزغ . . نظرتُ إلى السماء ، كأنما ما نظرت إليها بل نظرت إلى جموع من الملائكة لا عد ولا حصر لها تملئ السماء مسبحة بحمد ربها والله من فوق ذلك محيط بأقطار السماوات والأرض . . أخذتُ أبكي وبلا شعور والآية لا تفارق لساني مرددا ( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ) ، وتارة أنظر إلى آفاق السماء مرددا ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ )(13) ..يا لها من آية تضرب في الأعماق .. ويا له من قرآن .. نعم هو معجزة العصور يخاطب كل الناس في كل زمان .. لا تنقضي عجائبه على مرّ الدهور ..
  قضيت ذلك اليوم وأنا بين الخشية والطمأنينة ، والخوف والرجاء ، والحزن والفرح .. مشاعر جمّة تناقض بعضها البعض كلها اجتمعت على واحد فرد . لم تر فيه عيني النوم رغم أني قضيت ليلتها مسهدا ، وأي نوم هذا الذي يأتيني .. ظننتُه لن يأتيني من بعد طيلة عمري ..

  نقطـة أنقـلاب
  بعد أن هدأت نفسي وعدت إلى حالي شيئا فشيئا ، ولكن بالتأكيد ليس كحالي الأول ، بل بدرجة أرفع من تلك . إن الله سبحانه وتعالى إذا أراد أن يمنّ على عبد بالهداية ـ حسب اعتقادي ـ يجعل له نقاط انقلاب أو تحوّل في حياته ، عند كل نقطة يرتفع بإيمانه أحسن من ذي قبل .
  كانت لديّ بضع نقاط انقلاب ، كل لها مزيتها الخاصة بها ، فتلك التي وضعتني على جادّة الصراط المستقيم بعد الضلال ، وتلك التي نبهتني من نومة الغافلين أنني ميت لا محالة ، وتلك التي جعلتني ألتقي بأهل الخير بعد اليأس ، وتلك التي أبعدتني عن الرومانسية إلى الواقع ، وهذه نقطة أخرى زادتني يقينا وإيمانا واحتسابا وجعلتني أنظر بمنظار آخر إلى هذا القرآن العظيم . . صرتُ إذا وضعته بين يدي كأني وضعتُ ثقل الجبال بما فيها . . جعلتني أتخذ منه رفيقا لدربي ما حييت إن شاء الله . . أصبحتُ أتلوه بطريقة تختلف عن ذي قبل ، كنتُ دائما أفكر في خطابه أنه موجه إلى عرب قريش وأنه حبيس تلك الفترة وأننا نرتشف من تلك العبر والحكم . . أما الآن رأيتُ خطاباته كلها موجهة إلينا ، فهو قرآن كل عصر يخاطب الناس في كل زمان ومكان . .

  مـن ثمـار التدبـر
  في السابق عندما كنت أمرّ بهذه الآيات (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ )(14) ، بصراحة أقولها كنتُ أجد فيها تقليلا من شأن القرآن ـ معاذ الله ـ إذا أخذناها بمعناها الظاهري ، فهي آية تخاطب عقول الناس قبل 1400 سنة ، ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن : هل بإمكان العبد أن يفرّ من نار جهنم ، فيحتاج إلى هذا القيد ! ولنفترض أن القيد دليل الذل والخضوع ، فلماذا سبعون ذراعا ؟! .
  أما الآن فالأمر مختلف ، أليس هذا الرقم أصبح لا معنى له أمام هذا العصر وأرقامه ! أليس القرآن هو قرآن كل عصر ؟ فما هو نصيبنا من هذه الآية ؟ والآية لا تدل على حدث بعينه في ذلك الزمان حتى نقرنها به وبأرقامه وإنما تدل على حدث أخروي حيث يوم الفصل والناس مجموعون له على اختلاف أزمنتهم وطبقاتهم .. فالواحد منا إذا أقدم على معصية وتصور نفسه في نار جهنم ، فهل يتصور نفسه في قيد طوله سبعون ذراعا ؟! يا ترى أين نصيب عصرنا من هذه الآية ؟ ورب العزة يقول ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء )(15) فلو فرضنا أن أحد العلماء اهتدى إلى الله تعالى وأراد أن يعتنق الإسلام ومرّ بهذه الآية فماذا كان يقول عنها ؟ ..
  قد يقول قائل هو سر من أسرار الآخرة فلماذا نبحث فيه ؟ لا يا أخي إن نار جهنم لا توصف بوصف ولا تخطر في بال أحد بما أعد فيها من العذاب ، وما نسمعه عنها هو مجرد تقريب للذهن البشري لا أكثر ، فإذا ذكر القرآن هذه الآية فأيّ تقريب إذن لذهنية أهل العلم في القرن العشرين ؟ كانت هذه التساؤلات دعوة من القرآن الكريم لأن أخوض في غمار العلم النووي .. والله الشاهد إني خمّنتُ أن التفاعلات النووية تكون بصورة متسلسلة وأنا لا أعرف أي شئ عن العلم النووي بعدما كنت أعتقد أن التفاعلات النووية تحدث دفعة واحدة .. ولكن هذه الآية جعلتني أقول في نفسي : حيث أن أقوى درجات الحرارة التي نعرفها تلك التي تتعلق بالانفجارات النووية والتي تزهو بها نجوم السماء فهي تصل ملايين الدرجات المئوية !! وهي أقرب نار ممكن أن نقربها من نار جهنم المستعرة ، فهل مثلا هذه التفاعلات تكون بصورة متسلسلة كناية عن قوله تعالى ( في سلسلة .. ) ؟
  كان عندي كتاب يبحث في التفاعلات النووية كنتُ كلّما نظرتُ إليه قلتُ في نفسي : ما فائدة هذا الكتاب حتى أضمّه لمكتبتي الصغيرة ؟ ولكني احتفظتُ به لا لشيء سوى أنه كتاب . لكن الآن أجد في نفسي رغبة شديدة جدا لأن أقرأ هذا الكتاب ، وفعلا قرأته من الغلاف إلى الغلاف وما كنتُ أجد مللا في قراءته أبدا ، بل أصبحتُ من محبي علم الكيمياء بأكمله بفضل هذه الآية بعدما كنتُ أنفر منه نفورا . وكم دُهشت حينما علمت أن التفاعلات النووية تحدث بصورة متسلسلة لا دفعة واحدة ، بل خُصّص فصل كامل تحت عنوان الانشطار النووي المتسلسل .
  والخلاصة لابدّ أن يكون لنا نصيب من هذه الآية ، وبعد مراجعة تفسيرها في كتب التفسير صرتُ أنظر إليها بمنظار العظمة . فهاهو صاحب تفسير الميزان يذكر : ( " ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه " السلسلة القيد ، والذرع الطول ، والذراع بعد ما بين المرفق ورأس الأصابع وهو واحد الطول وسلوكه فيه جعله فيه ، والمحصّل ثم اجعلوه في قيد طوله سبعون ذراعا )(16) ، وفي موضع آخر ( وفي تفسير البرهان عن ابن بابويه في الدروع الواقية في حديث عن النبي "ص" : ولو أن ذراعا من السلسلة التي ذكرها الله في كتابه وضع على جميع جبال الدنيا لذابت عن حرّها )(17) .
  وجاء في كتاب منشآت توليد الطاقة النووية : ( ... والنيوترونان الجديدان لابد أن يصطدما بذرتين أخريين من اليورانيوم وشطرهما وعلى أثر ذلك سيتحرر نيوترونان جديدان من كل ذرة منشطرة أي يصبح لدينا بعد الخطوة الثانية أربعة نيوترونات جاهزة لشطر أربع ذرات جديدة في الخطوة الثالثة وستحرر ثمانية نيوترونات لتشطر بدورها ثماني ذرات أخرى وهكذا سيتولد انشطار متسلسل يتحطم على أثره عدد هائل من ذرات اليورانيوم وفي وقت قصير جدا .. ) إلى أن يقول ( فمثلا عند شطر جميع ذرات قطعة اليورانيوم لا يتعدى حجمها العقد الأخير لإصبع الخنصر ، تكون الطاقة المتحررة كافية لإبقاء عشرين ألف مصباح كهربائي مشتعلة لمدة اثني عشر يوما تقريبا .
  وهذا يفسر لنا سبب اهتمام العلماء في الانشطار النووي المتسلسل )(18) .
  ويقول في موضع آخر : ( ويمكن تغيير طبيعة الجو في أماكن مختلفة من العالم وذلك بقلع بعض من سلاسل الجبال المحيطة التي قد تعيق سير الهواء بتفجير نووي وغيرها من المشاريع الأخرى التي تعتزم الدول الكبرى تنفيذها بمجرد التأكد من سلامتها )(19) .
  فالسلسلة التي ذرعها سبعون ذراعا بقيت محافظة على إعجازها ، كانت تعني شيئا واليوم تعني شيئا آخر يحاكي الذهن البشري الذي حطّت مركباته الفضائية على سطح المريخ !

  ثمـرة أخـرى :
  معـدل سرعـة الريـح في القـرآن :
  وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ . . )(20)
  سابقا كنتُ أفهم من الغدو والرّواح أن الريح تغدو وتجيء في خط مستقيم لتعود إلى النقطة التي بدأت منها . ولكن الآن الوضع قد اختلف ، فسابقا ما كانوا يعرفون بكروية الأرض بل كانوا يعتقدون باستقامتها ، فهل أفكر بتفكيرهم أم أفكر بعقلية عصري ؟! وحيث ان القرآن قرآن كل عصر فهمت من الريح إنها تغدو بخط منحن وهو نصف الكرة الأرضي ثم تجيء بخط منحن آخر وهو النصف الآخر لتعود إلى نفس النقطة وهي في ذات الوقت تسير إلى الأمام دون أن تتراجع .
  والذي دعاني إلى هذا التفكير سياق الآية نفسها فلماذا لم يكن سياق الآية مثلا هكذا ( ولسليمان الريح غدوها ورواحها شهران ) ، لماذا هذا التفصيل ؟ إذا كانت الريح تغدو بخط مستقيم في شهر فحتى تعود منه من البديهي أن تقطع شهرا فلماذا الآية تذكر ذلك ؟ إذن لابد أن الغدو والرواح يشيران إلى كروية الأرض ؟ ثم قلتُ في نفسي إذا كان الأمر كذلك والقرآن لا يذكر رقما اعتباطيا أبدا ولابد لأي رقم يذكر في القرآن أن تكون وراءه حكمة هذا ما سمعته مرّة في حديث شيّق عبر الإذاعة ، إذن ألا تدل هذه الآية على معدّل سرعة الرّيح على اعتبار ان الريح بمعدل سرعتها تقطع محيط الكرة الأرضية في شهرين ؟! شهر للغدو وشهر للرواح ، وعلى اعتبار ان كل آية في القرآن تحمل سبعة معان ظاهرية وسبعة معان باطنية في آن واحد كما قلنا في مقدمة البحث ، فأسرعت في الحال باحثا عن معدل محيط الكرة الأرضية فكان محيط دائرة الاستواء 40074 كم ثم قمت بتقسيم هذا الرقم على 60 يوما ( شهرين ) ثم على 24 ساعة فكانت النتيجة 27.8 كم/ساعة معدل سرعة الريح ..
  يا للخذلان إنها نتيجة جدا قليلة على الريح وهي لا تفي بالغرض ـ هذا ما خمّنته في عقلي غير المطلع على علوم الجغرافيا سوى النزر اليسير الذي كان يتسلمه في مدارس الدولة والذي أصبح في طيّ النسيان ـ يا هذا دع هذا العلم لأهله ، ما لك وما للجغرافيا ، إن أنت إلا طبيب ، هل أنت فيلسوف كي تبحث في كلّ شيء ! ولكني كنت مقتنعا أن لهذه الآية سر يتعلق بالريح لا يعرفه إلا ذوي الاختصاص .. فتركتها للزمن .. وذات يوم ببضعة أشهر حيث كنت أتابع النشرة الجوية مصادفة فإذا بالمعلق يقول : والرياح غدا معتدلة السرعة 30 كم/ساعة !! ثم في يوم آخر قال : والرياح غدا معتدلة السرعة من 20 إلى 35 كم/ساعة .
  وأخذت أتابع النشرة عن قصد فإذا بكل القراءات تحوم حول النتيجة التي توصلتُ إليها ! وأخذتُ أيضا أنظر بمنظار العظمة لهذه الآية ، وهذا لا يعني اني لا أعظم باقي آيات القرآن .. لا.. أبدا وإنما كل آية في القرآن تحمل خفايا وأسرارا عجيبة كلٌ تضرب على قارئها بحسب علمه وثقافته ، فالآية التي تحمل معجزة لغوية لا يعظمها إلا أهل اللغة ..
  أحب أن ألفت النظر إلى نقطة ، وهي أنّ هناك فرقا بين أن أكون جغرافيا ملمّا بهذا العلم وعارفا به فأحاول أن أفسر الآية كيم توافق سرعة الريح التي أعرفها ، وبين أن أكون جاهلا بهذا العلم وأتوصل إلى نتيجة فأتركها غير مكترث بها فإذا هي نفسها معدل سرعة الريح التي أنشدها !
  ولعله سؤال قد يطرأ في الذهن حول هذه الآية وتفسيرها وهو : أليست سرعة 27.8 كم/ساعة سرعة قليلة نسبيا لكي تنقل سليمان عليه السلام حيث يشاء ؟ والمعروف في زماننا وسائل نقل سريعة جدا مثل الطائرات والصواريخ فالأجدر بنا أن نأخذ تفسير الآية القائل أن الريح كانت تنقل سليمان (ع) مسيرة شهر حتى وقت الغداء ومسيرة شهر حتى وقت الغروب أي انها كانت تنقله مسيرة شهرين في نصف يوم كما ورد في التفاسير وهذا أقرب للفهم المنطقي لسرعة الريح التي كان يستخدمها سليمان (ع) ؟ في الحقيقة انه تساؤل صحيح وصريح وفي محلّه ، ولكن يجب أن نلاحظ ما يلي :
  أولا :
  ورد ذكر الريح وسليمان (ع) في موضعين آخرين غير هذه الآية من القرآن الكريم : ( وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا .. )(21) ، ( فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب )(22) .
  جاء في تفسير الميزان : ( فلا يرد أن توصيف الريح ها هنا بالرخاء يناقض توصيفه في قوله "ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره" الأنبياء 81 بكونها عاصفة . وربما اُجيب عنه بأن من الجائز أن يجعلها الله رخوة تارة وعاصفة أخرى حسب ما أراد سليمان عليه السلام )(23) .
  إذن فسرعة 27.8 كم / ساعة لايناقض ما جاء في القرآن حيث أن الريح كما هي مسخرة بعصفها هي أيضا مسخرة برخوها .. لعمري ان القرآن يحمل في طيّاته السحر والبهاء والجلال كأني به في الآية الأولى يشير إلى عصف الريح وفي الآية الثانية يشير إلى رخاء الريح وفي هذه الآية التي نحن بصددها يشير إلى معدّل هاتيك بين العصف والرّخاء أي معدل سرعة الريح أي انها أتت وسطا بين الآيتين لا بالرخاء ولا بالعاصفة .. فأعظم بهذا القرآن المعجز!!
  من البديهي ان الريح لا تحافظ على سرعتها ثابتة وهذا من المحال ، فتارة تضعف وأخرى تقوى ومرّة تكاد تكون ساكنة ، وحينما تقطع محيط الكرة الأرضية في شهرين وبمعدل 27.8 كم / ساعة فليس يُفهم ان الريح تسير بهذه السرعة فقط وإنما مرة تعصف وأخرى ترخى وهكذا بمحصلة 27.8 كم / ساعة .

   ثانيا :
  جاء في نظام بوفورت حول سرعة الرياح واتجاهاتها (24) : 13 - 1 8 ميل / ساعة أي 20 . 9 - 28 . 9 كم / ساعة عبارة عن نسيم معتدل 55 - 6 3 ميل / ساعة أي 88 .
  4 - 101 كم / ساعة عبارة عن عاصفة هوجاء وبعد ذلك تتحول سرعة الريح إلى إعصار وتتدرج حتى يبلغ أعلى إعصار عند سرعة 126 - 136 ميل / ساعة أي 202 . 7 - 218 . 8 كم / ساعة .
  فلو فرضنا جدلا أن الريح كانت تنقل سليمان عليه السلام بسرعة إعصار مدمر سرعته 218 كم/ساعة ، فهذه السرعة أيضا قليلة قياسا إلى سرعة بعض القطارات الحديثة التي تبلغ سرعتها 500كم/ساعة ، فما بالك بسرعة الطائرات . وقد يقول قائل إن لبساط سليمان (ع) ميزة خاصة كأن تكون له أشبه ما يكون بالمحركات فتنقله بسرعة مذهلة فيردّه سياق الآية القرآنية نفسها إذ أعطت صفة الحركة للريح وليس لسليمان إذ لو كان سليمان (ع) يشق الريح ببساطه السريع لكان سياق الآية (ولسليمان الريح غدوه شهر ورواحه شهر) أي بإشارة الضمير إلى سليمان ولكن الصفة أو الحال كان ملازما للريح إذ تقول الآية غدوها شهر ورواحها شهر .
  إننا حينما نصف طائرة تطير في الجو نقول تطير بسرعة كذا ولا نقول تطير بريح سرعتها كذا ، بعكس القارب الشراعي الذي نجعل صفة سيره ملازمة لصفة الريح.. صحيح ان الطائرة تطير بقوة الريح ولكن هذه القوة هي رد فعل نتيجة فعل مسلّط من الطائرة نفسها لذلك أجدر أن ننسب السرعة إلى الطائرة لا إلى الريح . كذلك الحال هنا إذ لو كانت الآية تقصد سرعة سليمان الخاصة دون سرعة الريح العامة لأشارت إليه بالضمير دون الإشارة إلى الريح . ونحن هنا لا ننفي وجود قوة خاصة كانت تحرك بساط سليمان (ع) إطلاقا وإنما نقول ان الآية أشارت لسرعة الريح العامة دون الإشارة لسرعة البساط الخاصة . تماما مثل القارب ذي الشراع والمحرك فمتى ما سار القارب بقوة الريح المسلّطة على الشراع نسبنا حركته إليها ومتى ما سكنت الريح أو كانت باتجاه مغاير وتحرك القارب بدفع المحرّك نسبنا حركته إليه أي إلى القارب نفسه .
  عـودة إلى آيـة العـروج
  بعد تلك الوقفات والتأملات في ثمار التدبر والتي هي حصيلة آية العروج نعود للحديث عن آية العروج نفسها .. قلنا ان المسافة التي يقطعها القمر بحركته حول الأرض في مدة ألف سنة تساوي 2.9×1010 كم والمسافة التي يقطعها الضوء في يوم واحد تساوي 2.59×1010 كم وهما رقمان متقاربان نسبيا وذلك لإن القراءة الأولى اعتمادا على حساباتي حيث لم أجد سرعة القمر/ثانية وقتها من مصادرها الموثوقة (25) . ولتبسيط الفكرة والحل بإمكاننا حساب سرعة القمر بطريقة أخرى بديهية وبسيطة يفهمها الكل ، على فرض أن مدار القمر دائري تماما ـ حيث ان مداره حول الأرض شبه دائري وليس دائريا ـ وأن نصف قطر تلك الدائرة هو البعد بين الأرض والقمر والذي هو 382200 كم ، حيث يكون محيط الدائرة هو المسافة التي يقطعها القمر في شهر عربي واحد .
  وبما أن محيط أي دائرة = 2 نصف القطر× النسبة الثابتة إذن 2× بعد القمر عن الأرض(نق) × النسبة الثابتة
  =2 × 382200 كم × 3.14
  =2400216 كم وهي المسافة التي يقطعها القمر في شهر قمري واحد(26) . أما المسافة التي يقطعها القمر في سنة واحدة :
  2400216 كم/شهر× 12 شهر
  = 28802592 كم/سنة
  والمسافة التي يقطعها في ألف سنة :
  = 28802592 كم/سنة × 1000 سنة
  =2.88× 1010 كم
  إذن فالمسافة التي يقطعها القمر في ألف سنة = 2.88× 1010 كم . بعد البحث وجد أن سرعة القمر/ثانية =0.6 ميل/ثانية (27) . بما ان الميل = 1.609 كم
  إذن سرعة القمر بالكيلومتر= 0.6 ميل/ثانية × 1.609 كم/ميل
  =0.9654 كم/ثانية
  أما سرعة القمر في يوم واحد :
  =0.9654 كم/ثانية × 60ثانية/دقيقة × 60 دقيقة/ساعة × 24 ساعة/يوم
  =83410.56 كم/اليوم
  وحيث ان السنة القمرية = 354 يوما
  إذن سرعة القمر في سنة واحدة :
  =83410.56 كم/اليوم × 354 يوما/سنة
  =29527338.24 كم سرعة القمر/سنة
  إذن سرعة القمر في ألف سنة تساوي الرقم أعلاه مضروبا بألف سنة
  =29527338.24 كم/سنة × 1000 سنة = 2.95 × 1010 كم
  إذن فالقمر يقطع مسافة 2.95 × 1010 كم في ألف سنة ، وهو وإن كان رقما لايساوي سرعة الضوء/يوم تماما إذ إن الأخير 2.59 × 1010 كم إلا ان هذا الاختلاف غير معتد به من الناحية الفلكية حيث أن العلامة ~ تستخدم بتكرار كبير وتعني بأن الكميتين متساويتان لحدود 110 أو نحو ذلك . فمثلا : 7 × 810 ~ 5 × 910 (28) .
  وهذا ما نلمسه في حياتنا اليومية ، فمثلا في السابق عندما نريد شراء بيت سعره عشرة آلاف دينار نطلب من صاحب الدار أن يخفضه لنا إلى تسعة آلاف دينار ، ولكن عندما أصبح سعر البيت عشرة ملايين دينارا نطلب من البائع أن يخفضه لنا إلى تسعة مليون دينار ، وحينما يكون سعر البيت مائة مليون دينار نطلب منه أن يخفضه إلى تسعين مليون دينار وهكذا .

  نستخلص مما تقدم :
  مسيرة يوم ضوئي واحد = مسيرة خمسين ألف سنة للراكب المسرع
  = ألف سنة مما نعد أي مسيرة ألف سنة للقمر حول الأرض

  هـل ان خلـق السمـاوات والأرض تـم في ستـة أيـام ؟
  إذا كان اليوم عند الله تعالى بألف سنة ( وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ )(29) ، فهل يعني هذا أنّ خلق السماوات والأرض تم في ستة أيام يعني كل يوم بألف سنة فيكون ستة آلاف سنة ؟! خصوصا وان واحدة من تلك الآيات التي تشير إلى خلق السماوات والأرض تقع مباشرة قبل آية العروج .
  (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ )(30) .
  فلابد ان خلق السماوات والأرض تم في ستة آلاف سنة ولعل العلم سيتوصل إلى ذلك مستقبلا .. قال لي أحدهم كيف أن خلق السماوات والأرض تم في ستة آلاف سنة وعمر الأرض أصلا أربعة بلايين وخمسمائة مليون سنة ؟!ثم ان الله قادر على خلق الكون بكن فيكون ، فلا حاجة إلى ستة آلاف سنة كي يخلق الله الكون؟! فأجبته سائلا أخبرني كم عمرك الآن ؟ فأجابني : ثلاثون عاما. فقلتُ له وهل تم خلقك إلا في ستة أشهر وأنت في بطن أمك ! ألا يستطيع الله أن يخلقك بكن فيكون! إنما هي حكمة إلهية اقتضت ذلك ، ثم أنت بشر لا يساوي خلقك شيئا أمام خلق الكون ، يخلقك الله في ستة أشهر وهذا الكون العظيم يخلقه في ستة أيام فقط؟!! ثم أخذتُ بالبحث عن نظريات العلماء في ابتداء خلق الكون .. كنت أتصور مثلا أن أجد أن الكون خُلق بكذا مليون أو بليون سنة ولكني دُهشتُ فعلا حينما وجدتُ أن خلق الكون حسب نظريات العلماء تم في حوالي 1310 ثانية أي حوالي ثلاثمائة ألف سنة ، وذلك في كتاب عالم الصدفة حيث ذُكرت نظرية في خلق الكون إذ ابتدأ من زمن 10 ـ43 ثانية ـ أي جزء من 4310 من الثانية ـ وهي الحقبة الحارة الكثيفة ومن ثم يتدرج إلى حقبة أخرى وهي زمن 10 ـ35 ثانية ثم إلى حقبة 10 ـ6 أي جزء من ستة أجزاء من الثانية ، ثم إلى حقبة 1 ثانية أي في زمن ثانية واحدة من عمر الكون تكون الهيليوم والبروتونات والألكترونات ثم في حقبة 310 ثانية أي ما يقارب 16.6 دقيقة من عمر الكون تكوّنت التفاعلات النووية ، ثم في حقبة ما بين 310 ثانية إلى 1310 ثانية أي من 16.6 دقيقة إلى ثلاثمئة ألف سنة يكون الكون فيها عبارة عن غازات متأينة ثم في زمن 1310 ثانية تكونت المجرات والمجموعة الشمسية (31) .
  فما المانع أن تمتد الحقبة الأخيرة من 16.6 دقيقة إلى ستة آلاف سنة حيث يتم خلق الكون بها ؟ فكلا الرقمين ينتمي إلى مرتبة الألوف ! .. طبعا هذا استنادا إلى نظرية الانفجار الكبير وإلا فهناك نظرية أخرى ضعيفة على المستوى العلمي وهي أن الكون أزلي الوجود ليس له بداية ولا نهاية وان الأجرام فيه في حالة موت وتجدد دائمي .. لنقرأ ونتمعن في الآيات الواقعة قبل تلك الآيتين : بسم الله الرحمن الرحيم (الم تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ . . )(32) يا لعظمة هذا القرآن العظيم ويا لمعجزاته الباهرات كأنها تقول لو كان هذا الكتاب مفترى من الرسول (ص) كما تزعمون فمن أين لهذا الرسول الأمي أن يتنبأ بهذه الحقائق العلمية في خلق السماوات والأرض وفي تدبير الأمر؟! إنه وحده هو الله عالم الغيب والشهادة .. وهو منزل القرآن لا ريب فيه .

  جولـة في التفسـير
  هلمّ بنا لنذهب إلى تفسير الآية 5 في تفاسير القرآن : أولا : جاء في تفسير القرآن المنهجي : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض أي يدبّر شؤون الكون . ثانيا : وجاء في تفسير الميزان : (وقوله " ثم يعرج إليه " بعد قوله " يدبر الأمر من السماء إلى الأرض " لا يخلو من إشعار بأن " يدبر " مضمن معنى التنزيل والمعنى : يدبر الأمر منزلا أو ينزله مدبّرا ـ من السماء إلى الأرض . فإن الأمر قد وصف قبل العروج بالنزول فظاهر العروج انه صعود من الطريق التي نزل منها ، ولم يذكر هناك إلا علو وهو السماء ، وسفل هو الأرض ونزول وعروج فالنزول من السماء والعروج إلى الله يُشعر بأن السماء هو مقام الحضور الذي يصدر منه تدبير الأمر أو أن موطن تدبير الأمر الأرضي هو السماء والله المحيط بكل شيء ينزل التدبير الأرضي من هذا الموطن )(33) .

  الضـوء وتدبـير الأمـر
  ألا ترى أنّ ما ذكرهُ صاحب الميزان لا يتعارض مع ما ذهبنا إليه .. أليست الأرض معتمة مظلمة أصلا وإنما هذا الضوء الذي يعرج منها هو أصلا ليس منها وإنما جاءها من السماء نتيجة ضوء الشمس والنجوم وحينما ينعكس على وجه الأرض يعود من نفس الطريق التي أتى منها .. وهل كنّا ندري ما السماء وما البروج وما الشمس وما القمر لولا هذا الضوء الذي يأتينا منها فنراه بأعيننا ؟ لا تستهن بهذا الضوء ، فمن هذا الضوء فقط عرف العلماء بعد النجوم عنّا وكتلتها والعناصر التي تتكون منها وشدة توهجها وذلك عن طريق تحليل الضوء بالمطياف ، وعلم الفلك كلّه يرتكز على هذا الضوء فلولاه لم نهتد طريقا إلى علم الفلك أبدا .
  ثم ألا ترى ان هذه الأرض لم تستقم ولم تنبعث فيها الحياة إلا بهذا الضوء المنزّل بقدر والذي يقبل إلينا من الشمس والذي يعطي الدفء للكوكب الأرضي فلولاه لكانت أرضنا عبارة عن كتلة جليدية وفي ذات الوقت استمراره يجعلها كرة ساخنة ولكن بتدبير من المولى جلّ وعلا تتخلّص أرضنا من هذه المشكلة بدورانها حول نفسها .
  ولولا هذا الضوء لما نمت النباتات وازدهرت الأرض بعشبها فهي تستخدمه في عملية التمثيل الضوئي والذي ينتج عنه غاز الأوكسجين ، فالنباتات مهمّة جدا في حفظ نسبة الأوكسجين في الجو والذي بدوره مهم لحياة الحيوان والإنسان. وإذا لم تكن هناك نباتات لم تكن هناك حيوانات ولم يكن هناك إنسان أصلا وذلك لأن الإنسان يقتات عليهما.. ثم هل هذه الدنيا وزخرفها إلا ممّا تنبت الأرض ؟..ولولا ضياء الشمس وحرارتها لم تتبخّر المياه ولم تكن هناك سحب لتكون غيثا يُغاث به الزرّاع .. نعم هذا الضوء الذي ينزل من السماء إلى الأرض إلينا والذي تنزل معه سبل الحياة هو نفس الضوء الذي ينعكس على سطح الأرض ليعود ويعرج إلى السماء مرّة أخرى ولكن هذه المرّة ليحمل أعمالنا وأخبارنا إلى السماء .. والسؤال : من يحمل الضوء ويقدّر نزوله وعروجه ؟ هل هو يسير عبثا ؟! ولكل شيء ملائكة خاصّة به .. أليس هناك ملائكة الريح وملائكة الزلازل وملائكة السحب .. والجاذبيّة أيضا ألم يرد في الحديث ان الملائكة تجرّ الشمس بسلاسل ! فما أدراك ما الجاذبيّة فهي مجرّد مصطلح يُلقى لتأثيرات معيّنة لا يعرف العلماء عن كنه الجاذبية شيئا سوى انهم عرفوها بتأثيراتها .. فللجاذبية ملائكة وكّلهم الله بهذا الأمر .. إذن ألا يكون للضوء ملائكة خاصّة به تحمله وترفعه إلى السماء وترفع معه أعمالنا أم انه ليس له نصيب ؟! خاصّة وان الملائكة أجسام نورانيّة .. ورد في تفسير الميزان في قوله تعالى ( تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) : ( وقيل : المراد بالمعارج الدرجات التي يصعد فيها الاعتقاد والحق والعمل الصالح قال تعالى " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " الفاطر 10 )(34) وقال في تفسير خمسين ألف سنة ( والمراد بكون مقدار هذا اليوم خمسين ألف سنة على ما ذكروا انه بحيث لو وقع في الدنيا وانطبق على الزمان الجاري فيها كان مقداره من الزمان خمسين ألف سنة من سنيّ الدنيا )(35) .
  وذكر في تفسيره ( في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدّون ) : ( وقوله " في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدّون " معناه على أي حال انه في طرف لو طبّق على ما في الأرض من زمان الحوادث ومقدار حركتها انطبق على ألف سنة مما نعدّه فان من المسلم ان الزمان الذي يقدّره ما نعدّه من الليل والنهار والشهور والسنين لا يتجاوز العالم الأرضي )(36) .
  فما ورد في تفسير الميزان أعلاه يذهب مع ما وصلنا إليه ، فلفظة "يوم" هي لفظة نكرة للعروج لم تُعرف ماهيته سوى انه لو طبق على زمان أهل الأرض لكان ألف سنة ممّا يعدون أو خمسين ألف سنة ! نعم ..فعروج الضوء في يوم واحد يساوي ألف سنة مما نعدّ حيث تحتاج سنوننا القمريّة ألف سنة لقطع يوم ضوئي واحد ويساوي مسيرة خمسين ألف سنة للراكب المسرع .. كثيرة تلك الآيات والمعجزات القرآنية الباهرة الكونية في عصرنا هذا ، كنت أقرأها في الكتب وقد لفتتني إليها وزادتني إيمانا بالقرآن .. ولكن أقولها بصراحة هذه أثّرت في نفسي تأثيرا عظيما فهي قد قطعت الشك من اليقين وصدق من قال ( وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا) (37) .
  فنحن نستطيع أن نجادل في أي شئ ونقول قد لا يكون كيت وقد يكون كيت ، إلا في مسألة الحساب ، فواحد + واحد يساوي اثنين دون نقاش ، وهذه الآية هي معجزة أرقام مع كونها معجزة كونية باهرة ، فيوم ضوئي واحد يساوي ألف سنة قمرية لا تقبل التغيير إلا إذا غيّرنا من سرعة الضوء أو غيرنا من سرعة القمر وهذا محال فكل شئ بيده مالك الملك .

  بعـض الآيـات الكونـية في القـرآن
  وإذا أحببت ان أطلعك على قسم من تلك الآيات الكونية على سبيل المثال لا على سبيل الحصر ، خذ منها ـ حسب ما ورد في كتاب القرآن إعجاز يتعاظم ـ :(38)
  1 ـ ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )(39) . ( لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )(40) .
  أشارت هاتان الآيتان إلى كروية الأرض وان الأرض متحركة وغير ثابتة وأشارتا إلى ذلك بالليل والنهار يسبحان في فلك .
  2 ـ ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ )(41) . تشير هذه الآية إلى ان الشمس تجري كما ذكرنا في أول البحث .
  3 ـ (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا )(42) ، وفي هذه الآية دلالة علمية واضحة حيث ان العلوم الكونية في العصر الحالي تقرر ان هذا الكون قبل ان يأخذ ملامحه كان شيئا متحد الأوصال ثم بعدئذ انقسم إلى سدائم وان العالم الشمسي قد تشكل نتيجة لهذا الانقسام ...!
  4 ـ (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا )(43) ( وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا )(44) ( وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ )(45) ذكر الجبال في القرآن كما يُلاحظ جاء ليلفت الأنظار إلى نعمة الخالق جلّ وعلا في انه ضبط توازن الأرض بهذه الأطواد الشامخة . وهذا المعنى لم يتحقق منه الناس إلا في العصر الحديث من خلال معطيات علم الجيولوجيا في كون الجبال عناصر مهمة في ثبات الأرض وتوازنها .. !
  وإن شئت أن تعرف المزيد راجع الكتب المختصّة بهذا الشأن .. وفي الخاتمة لا يسعني إلا أن أذكر ما ذكره محمود عبد الجبار في خاتمة كتابه (46) :

  الخاتمـة
  رغم كل الاستقصاء فإن هذا البحث ما هو إلا غرفة من بحر عميق الأغوار مترامي الأطراف ، وغرفة يحدّدها القرن الخامس عشر الهجري ، إنها حصّة أهل زماننا لا غير ، أمّا المتبقي من ذخائر القرآن الخالد فسيتناول منها اللاحقون حصصهم التي تحتملها عصورهم .. نقول هذا بكل الثقة قياسا على ما حصل معنا ، والأهم لأن العزيز الحكيم سبحانه تعهّد بهذا في كتابه الكريم وهو الأصدق والأوفى .. !

------------------------------------
(1) الجاثية/29
(2) النجم/39،40
(3) الكهف/49
(4) المجادلة/6
(5) الزلزلة/7،8
(6) سرعة الإنسان الماشي 6.5 كم /ساعة حسب مجلة المعرفة ج2/ص 236 .
(7) ملامح كونية في القرآن ، الطبعة الأولى 1985م ،شاكر عبد الحبار .
(8) الحج /47
(9) السجدة / 5
(10) المعارج / 4
(11) يونس / 5
(12) الحشر / 21
(13) فصلت / 53
(14) الحاقة / 30-32
(15) فاطر / 28
(16) تفسير الميزان للسيد الطباطبائي ، ج9/ص 400
(17) المصدر السابق تحت عنوان بحث روائي ص 402
(18) منشآت توليد الطاقة النووية للدكتور طالب ناهي الخفاجي طبعة 1982 ص59
(19) المصدر السابق ص159
(20) سبأ / 12
(21) الأنبياء / 81
(22) ص / 36
(23) تفسير الميزان ج17/ص205
(24) من كتاب الطقس والمناخ ، عبد الإله رزوقي ، جامعة البصرة ، ص67 جدول 3
(25) بعد البحث وُجد ان سرعة القمر= 0.6ميل/ ثانية أي ما يعادل 0.9654 كم/ثانية
(26) تبين بعد ذلك انها طريقة معتمدة في حساب سرعة القمر
(27) حسب ما جاء في كتاب أمريكا والقمر ،ص177، ترجمة فوزي الشتوي ،الناشر دار المعرفة / القاهرة .
(28) كتاب عالم الصدفة ، ص12، بول ديفيس ، ترجمة فؤاد الكاظمي ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد 1987م
(29) الحج / 47
(30) الم السجدة / 4-5
(31) كتاب عالم الصدفة ، بول ديفيس ، ترجمة فؤاد الكاظمي ، ص51
(32) السجدة / 1-6
(33) تفسير الميزان ج16/ص247
(34) تفسير الميزان ج20/ص7
(35) المصدر السابق ، ص7
(36) المصدر السابق ج16/ص248
(37) الزخرف / 48
(38) للمؤلف شاكر عبد الجبار ، مصدر سابق
(39) الأنبياء / 33
(40) يس / 40
(41) يس / 38
(42) الأنبياء / 30
(43) النبأ / 6 ، 7
(44) النازعات / 32
(45) الأنبياء / 31
(46) القرآن إعجاز يتعاظم ، مصدر سابق

Copyright © 2018 bascity Network, All rights reserved
                   BASRAHCITY.NET