اتصل بنا مؤمنــــة البطاقات انتصار الدم مساجد البصرة واحة الصائم المرجعية الدينية الرئيسية

التدبر في آيات الله

رجوع

  أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا
  التدبر: عبارة عن النظر في عواقب الأمور وهو قريب من التفكر إلا أن التفكر: تصرف القلب بالنظر في الدليل، والتدبر تصرفه بالنظر في العواقب (1).
  والتدبر: هو النظر في أدبار الأمور، أي أواخرها ونتائجها وعواقبها، وتدبر الكلام هو النظر والتفكر في غاياته ومقاصده التي يرمي إليها، وعاقبة العامل به والمخالف له، وقد استعملت كلمة (التدبر) في كل تأمل، سواء كان النظر في حقيقة الشيء وأجزائه، أم في سوابقه وأسبابه، أم في لواحقه وأعقابه .
  وتدبر فلان الأمر ودبره تدبيراً: نظر في عواقبه وأدباره ليقع على الوجه المحمود ولذلك يقال: التدبير هو النظر في عواقب الأمور، أو التفكر في دبر الأمور (2).
  مما يؤسف له أصبح كثير من المسلمين ينظرون إلى القرآن الكريم نظرة سطحية عابرة من غير تفكر وأنه كتاب أوراد وبركة ويهتم بقراءته وتجويده وتحسين الصوت في قراءته، بل والاهتمام في القراءة على مستوى الإذاعة والتلفزيون والفضائيات وطباعته بشكل ممتاز وإن كان هذا بحد ذاته من الأمور الحسنة والمهمة المطلوبة إلا أن هذا كله لم يكن هو الهدف لإنزال القرآن، بل ولا يمنع من التركيز على الهدف الأساسي للقرآن ، المغزى والهدف من القرآن هو الهداية للبشرية وإخراجهم من الظلمات إلى النور وتحقيق هذه المهمة وإبرازها إلى الخارج لا يتأتى إلا بالتدبر والتفكر في آياته واستخراج تلك الخزائن، وقد تحدث القرآن نفسه عن ذلك في عشرات الآيات بقوله: أولي الألباب، ويعقلون ، ويتفكرون، والعالمون. وعبر عن القلب غير المنفتح للذكر والتفكر من أنه مقفل({أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}) (محمد : 24) أي أفلا يلاحظون معاني القرآن ودقائقه ورقائقه، وما فيه من المواعظ والزواجر حتى لا يقعوا فيما وقعوا فيه من الموبقات، أم أن قلوبهم قد قست أو استغلقت، فهي لا يصل إليها الذكر، ولا ينكشف لها الأمر، فكأنها مقفلة، لا تقبل التدبر والاعتبار ؟ (3)، وحول هذه الآية جاء عن سليمان بن خالد قال: قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): (يا سليمان إن لك قلباً ومسامع، وإن الله إذا أراد أن يهدي عبداً فتح مسامع قلبه، وإذا أراد به غير ذلك ختم مسامع قلبه، فلا يصلح أبداً وهو قول الله عزّ وجلّ: ({أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)} (سورة محمد:24) (4).
  وهذا ليس على نحو الإجبار وإنما هو نتائج الأعمال للعبد الذي يؤدي به إلى الهداية أو الغواية .
  حيث يتحول التدبر والتفكر في الآيات القرآنية إلى خُلق راسخ فيه، يتربى عليه الإنسان ويعصمه من الخطأ والسوء وإذا ترك الإنسان التدبر في القرآن أصح في معرض الانحراف والضلال .
  يقول الشرباصي: إن التدبر إذا صار للإنسان خُلقاً يتحلى به، وفضيلة يتزين بجماله، فإن هذا التدبر يعصم صاحبه من السوء، ويقرنه بالخير ، وهذا التدبر إنما يثيره في الإنسان قلب حي يقظ، وعقل منفتح مستجيب، وإحساس دقيق مرهف ، وبهذا الاستعداد يتمكن الإنسان أن يحسن التدبر الدنيوي والديني (5).
  مما تقدم وغيره نعرف أهمية التدبر في جميع الأمور والتفكير في عواقبها وبالأخص التدبر في الآيات القرآنية والتفكير في نتائجها الإيجابية والسلبية:
  1 ـ التعرف على عظمة المولى سبحانه وقدرته في خلق العالم الدنيوي والأخروي.
  2 ـ الهداية إلى الحق وإلى الصراط المستقيم.
  3 ـ معرفة الأخطاء السابقة التي وقع فيها الإنسان وربما قادته إلى خسران الدنيا والآخرة والظلم والعدوان على الآخرين.
  4 ـ معرفة التأريخ الصحيح للأمم السابقة وما حل عليها من عذاب ونقمة نتيجة ظلمها وعصيانها لله وكفرها به.
  5 ـ معرفة الأمور الغيبية التي سوف تحل في يوم القيامة والحساب والعقاب .
  6 ـ الإطلاع على ما ذكر فيها من وصف الجنة ونعيمها ومن يدخل فيها وما كانت أعمالهم في دار الدنيا وكيف استحقوا لهذه الدار الكريمة .
  7 ـ الإطلاع على النار وعذابها ومن يدخل فيها وأوصافهم وما عملوا في دار الدنيا حتى استحقوا أن يدخلوها .
  8 ـ التعرف على حال أصحاب الجنة وأصحاب النار وما يدور بينهم من محاورات فرح القسم الأول وفوزه وخسران القسم الثاني وندامته حيث لا ينفع الندم .
  9 ـ التعرف على ضعف الإنسان وتقصيره أمام المولى مهما عمل .
  10 ـ التعرف على الهدف الذي خلق الإنسان من أجله .
  11 ـ التعرف على قيمة الحياة الدنيا وحقيقتها وأنها مزرعة الآخرة وأنها وسيلة وليست غاية .
  12 ـ التعرف على الآخرة وأنها دار القرار والمحطة الأخيرة والمسكن الدائم لكل الناس والعمل من أجلها والاستعداد لها .
  13 ـ التعرف على القرآن نفسه وعلى عظمته وأنه من عند الله ولو كان من عند غيره لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا .
  وقد وردت مادة التدبر في القرآن في أكثر من آية والتي تنص على وجوب التدبر في القرآن الكريم حتى يتمكن المسلمون أن يميزوا بين الحق والباطل ويكونوا على ثقة من أن هذا الكتاب هو من عند الله ولا يستطيع الاتيان به غيره وإلا لوجدوا آثار الخلاف قائمة ظاهرة عليه قال تعالى: ({أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا{) (النساء:82).
  14 ـ خزائن القرآن:
  بالقراءة السطحية للقرآن لا تنكشف خزائنه، بل بالتدبر تنكشف خزائن وأسرار بعض آيات القرآن. كلُ فردٍ بحسب ادراكه العقلي، كذلك ويُفيد منه العلماء والمفكرون كما قال تعالى:(كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) (ص:29)، بل سائر الناس أيضاً يفيدون منه فعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) يَقُولُ: ( آيَاتُ الْقُرْآنِ خَزَائِنُ فَكُلَّمَا فُتِحَتْ خِزَانَةٌ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَنْظُرَ مَا فِيهَا ) (6).
  15 ـ القرآن دستور الأمة الإسلامية جمعاء وعهد الله للأمة فلا بد من النظر والتدبر والتفكر فيه حتى تتمكن من تطبيقه والعمل بما فيه، ففي الخبر الصحيح عَنْ حَرِيزٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَال:(الْقُرْآنُ عَهْدُ اللَّهِ إِلَى خَلْقِهِ فَقَدْ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَنْظُرَ فِي عَهْدِهِ وَ أَنْ يَقْرَأَ مِنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسِينَ آيَةً ) (7).
  16 ـ التدبر حياة القلب:
  عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ فِيهِ مَنَارُ الْهُدَى وَ مَصَابِيحُ الدُّجَى فَلْيَجْلُ جَالٍ بَصَرَهُ وَ يَفْتَحُ لِلضِّيَاءِ نَظَرَهُ فَإِنَّ التَّفَكُّرَ حَيَاةُ قَلْبِ الْبَصِيرِ كَمَا يَمْشِي الْمُسْتَنِيرُ فِي الظُّلُمَاتِ بِالنُّورِ) (8)
  17 ـ القرآن أنسٌ عن الوحشة:
  عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَينِْ (عليه السلام): (لَوْ مَاتَ مَنْ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ لَمَا اسْتَوْحَشْتُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ مَعِي)، وَ كَانَ (عليه السلام) إِذَا قَرَأَ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ يُكَرِّرُهَا حَتَّى كَادَ أَنْ يَمُوتَ (9).
  إنما يكون القرآن أنساً عن الوحشة كما في القراءة له مع التفكر والتدبر وإلا لم يؤدِ مفعوله وكذلك تكراره للآية والتأثر بها في حالة التدبر والتفكر .
  وقد تحدثت بعض الروايات عن أهمية التدبر في القرآن ولا يقرأ هدرمة، بل ينبغي التركيز على القراءة وعدم الإسراع وفرقت بعض الروايات بين القراءة في شهر رمضان وبين غيره ففي سائر الشهور يختم في كل شهر مرة وأما في شهر رمضان ففي كل ثلاث ليالٍ مرة .

  شروط التدبر في آيات الله   لكي يكون التدبر في القرآن مثمراً ومفيداً، ولكي يكون متكاملاً وسليماً لابد أن تتوفر مجموعة من الشروط في من يتدبر في آيات القرآن الكريم، والشروط هي كالاتي:
  1 ـ الملاحظة العلمية الدقيقة: إن قسطاً كبيراً من التقدم العلمي الحديث يعود إلى روح البحث والملاحظة التي توفرت في هذا العصر، فربما كان الرجل القديم يمر على ظواهر طبيعية كثيرة دون أن يفكر فيها ليكتشف القوانين الكامنة وراءها، بل كان يمر عليها مرور الكرام .
  بينما امتلك الإنسان ـ في بدايات العصور الحديثة ـ روح البحث العلمي والملاحظة الدقيقة، فبدأ يحقق في كل شيء في هذا الكون، وتوصل من خلال ذلك إلى اكتشافات هائلة .
  والتدبر في القرآن لابد أن تتوفر فيه الملاحظة الدقيقة حتى يكون مفيداً مثمراً، وذلك بأن يطرح الإنسان أسئلة مختلفة على نفسه حول مختلف الظواهر القرآنية:
  لماذا جاءت الكلمة هنا بشكل وجاءت في مكان ثان بشكل آخر؟ لماذا تقدمت هذه الكلمة على تلك ؟ ما هي الحكمة في إنزال العقاب أو الثواب بأسلوب معين؟ وهكذا، وهلم جرا .
  إن الانتباه إلى أمثال هذه الملاحظات يضع الإنسان على بداية الطريق لفهم قرآني متين، ولكن ذلك لا يكفي ، إذ يجب أن يعقب الملاحظة العلمية شرط آخر هو:
  2 ـ التروي والأناة: فبعد أن تقودنا الملاحظة العلمية إلى طرح مجموعة من التساؤلات حول الآيات القرآنية علينا أن نبدأ تفكيراً معمقاً للوصول إلى الإجابة.
  ان الفكر الإنساني يشبه ـ إلى حد ما ـ أشعة الشمس التي توجد في كل مكان ، ولكنها لا تستطيع أن تحرق ورقة واحدة، ولكن عندما تركز هذه الأشعة من خلال زجاجة مقعرة فإنها تستطيع أن تقوم بعملية الإحراق، وهكذا الفكر عندما يتركز على نقطة معينة .
  وليس من المهم أن تكون كمية أفكار الإنسان كثيرة ، المهم أن تكون كيفيتها ممتازة وجيدة .
  وهنا نذكر ملاحظة مهمة هي: في بعض الأحيان لا يصل الإنسان إلى أجوبة للتساؤلات المطروحة حول الظواهر القرآنية، وفي هذه الحالة لا يجوز أن يصاب باليأس، بل عليه أن يواصل التفكير، وكثيراً ما يعثر على الإجابة - اليوم أو غداً .
  3 ـ عدم التسرع في تقبل الأفكار: إن للفكرة في بدايتها بريقاً خاصاً لا يقاوم .
  ومن هنا نجد الكثيرين يبادرون إلى تقبل الأفكار بمجرد أن تلوح لهم من بعيد، من دون أن يحققوا في مدى صحتها أو سقمها، لذلك فإنهم كثيراً ما يجدون أنفسهم وقد سقطوا في الضلال والانحراف، ولكن بعد فوات الاوان.
  وهنا نخص بالذكر ضرورة الحذر ـ الأكثر ـ من التسرع في تقبل نوعين من الأفكار خلال التدبر في القرآن الكريم:
  أ ـ الأفكار الجاهزة: ونعني بها تلك الأفكار المصبوبة في قوالب لطيفة وظريفة ، إن على الإنسان أن يهتم بمضمون الفكرة ومحتواها وليس بشكلها الخارجي، وفي سبيل ذلك لابد من التفكير الدقيق المعمق.
  ب ـ الأفكار الشخصية: إن الإنسان يحابي ذاته ويتحيز لها ، ولذلك فإنه يتسرع في قبول ما أبدعه عقله وتفكيره، دون أن يفكر جدياً في الأمر، ودون أن يرى جوانب القضية المختلفة.
  من هنا كان على الإنسان أن يتهم ما خطر على قلبه، بمعنى أن لا يتقبله بسرعة ، بل يفكر فيه بدقة، فإن كان حقاً قبله، وإن كان باطلاً طرحه بعيداً .
  4 ـ التتلمذ على يد القرآن: فعلى الإنسان أن يكون التلميذ المتواضع أمام القرآن، عليه أن يسيّر نفسه على وفق ما يريده القرآن، لا أن يسيّر القرآن على وفق ما يريده هو .
  عليه أن يحكم القرآن في أفكاره ورؤاه وليس العكس. ومن دون ذلك سيكون مصير الإنسان الضلال والانحراف.
  5 ـ الرجوع إلى المصادر، وهي: اللغة والتفاسير وروايات الأئمة الطاهرين (عليهم الصلاة والسلام).
  6 ـ الثقة بالنفس: فعلى الإنسان -في تدبره للقرآن الكريم- أن لا يستصغر ذاته، ولا يحقر أفكاره، وأن لا يسمح لنفسه بالذوبان في أفكار الآخرين وآرائهم .
  إن آراء المفسرين السابقين قد تكون ضوءا على الطريق، ولكنها لا يجوز أن تقفل أبواب التفكير أمام الفرد، ويصيب تفكيره التحجر والجمود. وبعد الثقة يأتي دور :
  7 ـ الإبداع: فعلى الإنسان أن يربّي عقليته على الإبداع، ويحاول أن يستنبط أفكاراً جديدة ورؤى مبتكرة وذلك ضمن حدود الدين وليس خارجاً عليها، لأن ذلك يعني البدعة المنهي عنها في الشرع.
  ولنعلم أن التطور الثقافي والحضاري والصناعي إنما توفر بفضل أصحاب العقول المبدعة، فينبغي أن نكون منهم .
  وأخيراً نؤكد -من جديد- على أن استنباط الأحكام الشرعية ونحوها من القرآن الكريم يتوقف على خبروية خاصة - كما في العلوم الأخرى - فيجب الرجوع في ذلك إلى أهل الخبرة وهم المجتهدون الجامعون للشرائط، وفي غير هذه الحالة يمكن أن يستنبط الإنسان مفاهيم خاطئة ، فُُيضَل، ويَضِل .

------------------------------------
(1) التعريفات للجرجاني ص 58 .
(2) موسوعة أخلاق القرآن ص 220 .
(3) المصدر السابق ص 222 .
(4) البرهان في تفسير القرآن ج 7 ص 217 .
(5) موسوعة أخلاق القرآن ص 222 .
(6) الكافي ج : 2 ص : 606 .
(7) المصدر السابق ج : 2 ص : 606 .
(8) المصدر السابق ج : 2 ص : 600 .
(9) المصدر السابق ج : 2 ص : 602 .


Copyright © 2018 bascity Network, All rights reserved
                   BASRAHCITY.NET