اتصل بنا مؤمنــــة البطاقات انتصار الدم مساجد البصرة واحة الصائم المرجعية الدينية الرئيسية

التسبيح في القرآن الكريم

رجوع

  التسبيح في اللغة هو التنزيه، وسبَّح الله نزَّهه عن كل ما لا يليق به تعالى (وسبحان الله: معناه تنزيهاً لله من الصاحبة والولد، وقيل: تنزيه الله تعالى عن كل ما لا ينبغي له أَن يوصف به تقول: سَبَّحْتُ الله تسبيحاً له أَي نزهته تنزيهاً (1).
  أمـا في الاصطلاح فجُعل (عاما في العبادات قولا كان ، أو فعلا ، أو نية ، قال: (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ) (الصافات: 143)، قيل من المصلين، والأولى أن يحمل على ثلاثتها) (2)، وقيل هو (قول أو مجموع قول مـع عمـل يدل على تعظيم الله تعالى وتنزيهه) (3).
  لذلك ورد الأمر بتسبيحه تعالى في القرآن الكريم في عدة آيات، وقد جاء هذا الأمر على ثلاث صور هي (4):-
  1 ـ الأمر بتسبيح الله تعالى مباشرة، نحو قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْـراً كَثِيراً * وَسَبِّحُـوهُ بُكْـرَةً وَأَصِيلا) (الأحزاب:41-42)، وقوله جل وعلا (سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّـا يَصِفُونَ) (الصافات:159).
  2 ـ الأمر بتسبيح اسم الله تعالى، كقوله جل علا: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) (الأعلى:1).
  3 ـ الأمر بتسبيح صفة من صفات الله تعالى، وهو ما اختصت به صفة الحمد فقط كقوله تعالى: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّـنَ السَّاجِدِينَ) (الحجر:98). وفرَّق ابن عاشور بين الأول والثاني اعتماداً على القول والتفكُّر، (فتسبيح اسم الله النطق بتنزيله في الخويصة وبين الناس بذكر يليق بجلاله من العقائد والأعمال كالسجود والحمد .
  ويشمل ذلك استحضار الناطق بألفاظ التسبيح معاني تلك الألفاظ، إذ المقصود من الكلام معناه .
  وبتظاهر النطق مع استحضار المعنى يتكرر المعنى على ذهن المتكلم ويتجدد ما في نفسه من تعظيم الله تعالى .
  وأما تفكر العبد في عظمة الله تعالى وترديد تنزيهه في ذهنه، فهو تسبيح لذات الله ومسمى اسمه ولا يُسمى تسبيح اسم الله لأنَّ ذلك لا يجري على لفظ من أسماء الله تعالى فهذا تسبيح ذات الله وليس تسبيحاً لاسمه) (5)، وأشار السيد الطباطبائي إلى أنَّ تنزيه الاسم (إنَّما يقع في القول) (6).
  وذهب شهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) إلى (أنَّ المراد من التسبيح في شكله الأول هو تنزيه الله عز وجل بحسب مضمون التسبيح وواقعه، أي تسبيحه بالحمل الشائع الصناعي كما يُقال في علم المنطق، فإذا أردنا أنْ نذكر واقع التنزيه والتسبيح لله تبارك وتعالى فلا بد أنْ نأتي بالتسبيح منسوباً إليه مباشرةً (سبحان ربك.. سبحان الله..)، ويكون العبد حينئذ ٍفي مقام تنزيه الباري عز وجل تنزيهاً واقعياً خارجياً، وأما إذا أراد العبد تنزيه البارئ عز وجل ضمّن شعيرة معينة وضمّن إطاراً وشكلاً معيناً للتنزيه والتسبيح بحيث يُؤخذ الشكل والصورة والصيغة والهيكلية بعين الاعتبار أي تسبيحه (بالحمل المفهومي) ولا يكتفي فيه بمجرد واقعه ، بل يُنظر فيه إلى مفهوم التسبيح ولا يقتصر على مضمونه ، فحينئذٍ تستخدم كلمة (الاسم) وينسب إليها التسبيح لتحصيل هذا الأمر) (7).
  ونرى أنَّ رأي شهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) هو الأرجح في هذه المسألة، فالأمر لا يتعلق بالعبد وكيفية تسبيحه، سواءًً كان بالقول أم بالتفكر، إنَّما يتعلق بالله سبحانه وتعالى، والمراد من ذلك التسبيح. فتسبيح الله تعالى أعم وأشمل؛ لأنَّه يعني تسبيحه بكل صفاته وأفعاله، وهو تسبيح غير مقيد بزمان أو مكان، ولا بفعل أو بقول، أما تسبيح (اسم الرب) فهو مقيد بالصفة المذكورة، فـ (سبح اسم ربك الأعلى) يعني سبِّحه في صفة العلو و القدرة خاصة ، و (سبِّح اسم ربك العظيم) سبِّحه في صفة العظمة خاصة .
  وعلة ذلك أنَّ تسبيحه تعالى في تلك الصفة هو المطلوب، لبيان بديع فعله متصفاً بها، وهو شبيه بدعاء العبد إذا احتاج إلى عطاء ربه متصفاً بإحدى صفاته، فالمريض يدعوه بالمشافي ليشافيه، والمكروب يدعوه بالمفرِّج ليفرِّج عنه، وهكذا، فـ (سبح اسم ربك الأعلى) يعني سبِّحه في صفة العلو والقدرة، لأنَّها دليل تمكنه وقهره وغلبته، لذلك جاءت الآيات بعدها تبين ذلك التمكن وتلك الغلبة، فهو (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ المَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى) (الأعلى:2-5).
  وكل ذلك مما تفرد به سبحانه وتعالى، فاقتضت الحكمة (أنْ تلحظ هذه الأسماء لحاظاً واضحاً، وأنْ تُقصد بعناوينها التفصيلية ولا تكون لمجرد الإشارة إلى الذات المقدسة، فالتركيز على هذه الأسماء لمدى أهميتها، لا على الذات، ولو كان التركيز على الذات لانمحت استقلالية، وتفاصيل هذه الأسماء وهذا خلاف الحكمة) (8).
  يدل علـى ذلك أنَّ الاسم دائماً يُضاف إلـى الرب لا إلى الله تعالى، وفي هذا حكمة تناسب المقام ، ذلك أنَّ اسم الرب من صفات الفعل لا من أسماء الذات كاسم الله، فالربوبية صفة فعلية تتعلق بتدبير الخلق وتستلزم وجودهم، أما الإلوهية فصفة ذاتية خاصة بالله سبحانه دون علاقة فعلية صادرة من الله نحو خلقه) (9).
  وبعيداً عن كل ذلك فالنغم الموسيقي الهادئ الذي ينبعث من لفظة (سبِّح) بمهموسيها (السين والحاء) يُشيع طمأنينة غامرة، وسكوناً نفسياً نجد صداه في تمام الآية، وما بعدها من الآيات، فتسبيح الله تعالى بصفة العلو والقدرة المطلقة التي تجلت بتفرده بأفعال الخلق والهداية وغيرهما يزيد النفس قوة ومنعة، ويجعل الإنسان لا يخشى أحداً سواه ، فكل ما عداه تعالى ضعيف مهما استقوى، وفقير مهما استغنى، فهو العلي القاهر فوق عباده ، فافتتاح السورة بهذا المطلع الرخي المديد، ليطلق في الجو ابتداءً أصداء التسبيح، إلى جانب معنى التسبيح، وأنَّ هذه الصفات التي تلي الأمر بالتسبيح الأعلى (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ المَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى) (الأعلى:2-5) لتحيل الوجود كله معبداً تتجاوب جنباته بتلك الأصداء، ومعرضاً تتجلى فيه آثار الصانع المبدع (10).
  أما النوع الثالث وهو تسبيح إحدى صفات الله تعالى ، فيدخل في النوع الثاني، ولكنه خُص تعظيماً لصفة الحمد، وحث العبد على حمد ربه حمداً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، فسبح بحمد ربك، يعني سبح اسم ربك الحميد، والحمد من الصفات التي نُدب العبد إلى إجلالها وإعظامها ، لقد كان مجيؤها في مطلع الفاتحة بصيغة الاسم التي تدل على الثبات والدوام دليلا على ذلك، والله اعلم .
  واختُلف في معنى التسبيح وسبحان، فقيل هما (بمعنى واحد، فالمصدر تسبيح ، والاسم سُبْحان يقوم مقام المصدر) (11)، وقيل: إن سبحان مصدر سبح بالتخفيف ، وقيل: إن سبحان من المصادر التي أُميت فعلها ، وسبح لغة في سبَّح ، وجعل ابن جني سبحان اسم علم لمعنى البراءة والتنزيه بمنزلة عثمان (12).
  والراجح أن سبحان اسم مصدر وليس بمصدر ، فمعلوم أن المقصود (باسم المصدر ما ساوى المصدر في الدلالة على معناه وخالفه بخلوه لفظا وتقديرا من بعض ما في فعله دون تعويض كعطاء فإنه مساو لإعطاء معنى ومخالف له بخلوه من الهمزة الموجودة في فعله وهو خال منها لفظا وتقديرا ولم يعوض عنها شيىء) (13)، وهذا ما ينطبق على سبحان وتسبيح، فكلاهما يدل على تنزيه الله تعالى وتعظيمه، ولكن سبحان يخلو من التضعيف في سبَّح .

------------------------------------
(1) لسان العرب ابن منظور: (سبح) 250/2 .
(2) المفردات للراغب الأصفهاني: (سبح) .
(3) التحرير والتنوير 405/1 .
(4) ذكر السيد محمد باقر الحكيم الصورتين الأولى والثانية، ينظر تفسير سورة الحمد:161.
(5) التحرير والتنوير 273/30 .
(6) الميزان للعلامة الطباطبائي 264/20 .
(7) تفسير سورة الحمد: 162.
(8) منة المنان في الدفاع عن القرآن: السيد محمد محمد صادق الصدر: 38.
(9) بحوث في تفسير القران: سورة العلق: جمال الدين عياد: 48.
(10) في ظلال القرآن: سيد قطب 125/30 .
(11) ينظر تهذيب اللغة للأزهري (سبح) .
(12) ينظر تاج العروس للزبيدي (سبح) .
(13) شرح ابن عقيل ج2 محمد محي الدين عبد الحميد 98/3 .


Copyright © 2018 bascity Network, All rights reserved
                   BASRAHCITY.NET