وقعة الحرة

  أورد سماحة الشيخ محمد صنقور في كتابه الأدلة على تورط يزيد بدم الحسين (ع) أدلة مستفيضة تبين وقعة الحرة وأسبابها وما جرى على أهل المدينة من بلاء خلالها وهي كما يلي:

  وقعة الحرة
  وهي من الوقائع الشهيرة التي حدثت في عهد يزيد بن معاوية، وقد ذكرها كل المؤرخين وأجمعوا على انَّ أهل الشام قتلوا في هذه الواقعة جمعاً كبيراً من الصحابة ومن أبناء المهاجرين والانصار واستباحوا المدينة المنورة ثلاث أيام بايعاز من يزيد بن معاوية (1).
  وسبب هذه الواقعة هو انَّ أهل المدينة خلعوا يزيد بن معاوية (2)وعللوا ذلك بفسق يزيد وانَّه لا دين له وانَّه يشرب الخمر ويضرب عنده القيان.
  وحتى نوثق ماذكرناه ننقل بعض مانص عليه المؤرخون في شأن هذه الواقعة:

  النص الاول: ماذكره ابن الاثير في الكامل، قال:
  « كان أول وقعة الحرة ما تقدم من خلع يزيد... فبعث الى مسلم بن عقبة المرِّي وهو الذي سمي مسرفاً وهو شيخ كبير مريض فاخبره الخبر... أمر مسلماً بالمسير اليهم، فنادى في الناس بالتجهز الى الحجاز وان يأخذوا عطاءهم ومعونة مائة دينار، فانتدب لذلك اثنا عشر ألفاً، وخرج يزيد يعرضهم وهو متقلِّد سيفاً... وسار الجيش وعليهم مسلم، فقال له يزيد... ادع القوم ثلاثاً فإن أجابوك وإلا فقاتلهم، فإذا ظهرت عليهم فابحها ثلاثاً، فكلُّ مافيها من مال أو دابَّة أو سلاح أو طعام فهو للجند، فإذا مضت الثلاثة فاكفف عن الناس... وقال: - مسلم بن عقبة - يا أهل الشام قاتلوا... وانهزم الناس... وأباح مسلم المدينة ثلاثاً يقتلون الناس ويأخذون المتاع والأموال، فافزع ذلك من بها من الصحابة... ودعا مسلم الناس الى البيعة ليزيد على انهم خول له يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء فمن امتنع قتله... وكانت وقعة الحرة لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة ثلاثة وستين »(3).
  وذكر الطبري ما يقارب هذا النص (4).

  النص الثاني: ماذكره اليعقوبي:
  « فلمَّا انتهى الخبر الى يزيد بن معاوية وجه مسلم بن عقبة فاقدمه من فلسطين وهو مريض - ثم قص عليه القصة، فقال يا أمير المؤمنين وجهني اليهم، فو الله لأدعنَّ أسفلها اعلاها يعني مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فوجهه... الى المدينة فأوقع بأهلها وقعة الحرة... فلم يبق بها كثير أحد إلا قتل، وأباح حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى ولدت الابكار لا يُعرف من أولدهن ثم أخذ الناس ان يبايعوا على انهم عبيد يزيد بن معاوية، فكان الرجل من قريش يؤتى به فيقال بايع آية انك عبد قِنٌ ليزيد، فيقول: لا، فيضرب عنقه »(5).

  النص الثالث: ماذكره ابن قتيبة في الامامة والسياسة:
  « فلمَّا أجمع رأي يزيد على إرسال الجيوش... فدعا مسلم بن عقبة، فقال له: سر الى هذه المدينة بهذه الجيوش... فإن صدوك أو قاتلوك فاقتل من ظفرت به منهم وانهبها ثلاثاً، فقال مسلم بن عقبة... لست بآخذ من كل ما عهدت إلا بحرفين... أقبل من المقبل الطائع واقتل المدبر العاصي فقال يزيد... فإذا قدمت المدينة فمن عاقك عن دخولها أو نصب لك الحرب فالسيف السيف أجهز على جريحهم وأقبل على مدبرهم وإياك ان تُبقي عليهم... فمضت الجيوش... وجعل مسلم يقول: من جاء برأس رجل فله كذا كذا، وجعل يُغري قوماً لادين لهم... فما تركوا في المنازل من أثاث ولا حُلي ولا فراش إلا نقض صوفه حتى الحمام والدجاج كانوا يذبحونها »(6).

  النص الرابع: ماذكره ابن قتيبة أيضاً:
  « انه قتل يوم الحرة من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمانون رجلا ولم يبقَ بدري بعد ذلك ومن قريش والانصار سبع مئة ومن سائر الناس من الموالي والعرب والتابعين عشرة آلاف »(7).
  النص الخامس: ماذكره جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء:
  « وفي سنة ثلاث وستين بلغه أنَّ أهل المدينة خرجوا عليه وخلعوه، فأرسل اليهم جيشاً كثيفاً وأمرهم بقتالهم ثم المسير الى مكة لقتال ابن الزبير، فجاءوا وكانت وقعة الحرة على باب طيبة، وما أدراك ما وقعة الحرة ؟ ذكرها الحسن مرةً فقال: واللهِ ما كادَ ينجو منهم أحد، قتل فيها خلق من الصحابة رضي الله عنهم ومن غيرهم، ونهبت المدينة، وافتضَّ فيها ألف عذْراء، فإنا لله وإنا إليه راجعون; قال (صلى الله عليه وآله وسلم): « من أخاف أهل المدينة أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين » رواه مسلم »(8).

  النص السادس: ماذكره ابن قتيبة:
  « انَّ مسلماً لما فرغ من قتال أهل المدينة ونهبها كتب الى يزيد سلام عليك يا أمير المؤمنين... فما صليت الظهر.. الا في مسجدهم بعد القتل الذريع والانهاب العظيم... وأتبعنا مدبرهم وأجهزنا على جريحهم وانهبناهم ثلاثاً كما قال أمير المؤمنين أعز الله نصره »(9).

  النص السابع: مانقله سبط بن الجوزي عن المدايني في كتاب الحرة عن الزهري قال:
  « كان القتلى يوم الحرة سبعمائة من وجوه الناس من قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الموالي، وأما من لم يُعرف من عبد أو حر أو امرأة فعشرة آلاف، وخاض الناس في الدماء حتى وصلت الدماء الى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وامتلأت الروضة والمسجد، قال مجاهد: التجأ الناس الى حجرة رسول الله ومنبره والسيف يعمل فيهم... وذكر المدايني عن أبي قرة قال: قال هشام بن حسان: ولدت الف امرأة بعد الحرة من غير زوج وغير المدايني يقول عشرة آلاف امرأة »(10).
  هذه بعض النصوص التي ذكرها المؤرخون في شأن واقعة الحرة، ولولا خوف الإطالة لذكرنا لك الكثير من العظائم التي ارتكبت في تلك الواقعة.
  وقد لاحظتم انَّ ذلك كان بأمر يزيد بن معاوية، فهو الذي أمر مسلم بن عقبة بإباحة المدينة المنورة ثلاثة أيام، وهو الذي أمر بالإجهاز على الجريح ومتابعة المدبر.
  ومن كانت هذه جرءته على هتك حرمات الله جل وعلا كيف يُنتظر منه التحرُّج من قتل الحسين بن علي (عليه السلام).
  وذكر سماحة الشيخ رائد الستري في كتاب الهادي المبين ملخصًا عن وقعة الحرة المريرة جاء فيها ما يلي:

.: واقعة الحرة :.   في سنة 63 هـ طلب يزيد بن معاوية من أمير جيشه مسلم بن عقبة المُرِّي، أن يزحف نحو المدينة ويأخذ منهم البيعة لأنهم تمرّدوا بعد واقعة الطف.
  فقدم المدينة ونزل حرة واقـم (إحدى حرتي المدينة، وهي الشرقية، والمدينة تقع بين حرتين، والحرة هي الارض ذات الحجار السود وكأنّها محروقة).
  وقد رفض أهل المدينة مبايعة يزيد وخرجوا لمحاربته، فكَسَرهم وقتل منهم حوالي رجل من الأنصار والمهاجرين من الصحابة والتابعين، من قريش وغيرهم، من العلويين وغيرهم، ودخل الجُند المدينة وأباحوها لهم، فنهبوا الأموال وسبوا النساء واستباحوا الفروج.
  ودفنت مجموعة كبيرة من شهداء الحرّة في البقيع بجوار شهداء أحد.
  وذكر أحمد حسين يعقوب في كربلاء، الثورة والمأساة عن حادثة الحرة:
  " مسلم بن عقبة "
  من أصفياء معاوية، وموضع ثقته، وهو من أعظم المجرمين الذين اصطفاهم معاوية لنفسه، وأعدهم للعظيم من أموره.
  أدرك معاوية أنه هالك وميت لا محالة، وأن أهل المدينة سيتمردون ويثورون على ابنه وخليفته من بعده يزيد بن معاوية، ومساعدة لابنه، واستمرارا لمخططه الرامي إلى تفريغ الأرض من المؤمنين الصادقين أوصى معاوية ابنه يزيد، قائلا: " إن رابك منهم ريب، أو انتقض عليك منهم أحد، فعليك بأعور بني مرة، مسلم بن عقبة " (11) (12).
  ولما ثار أهل المدينة بعد موت معاوية دعاه يزيد، وكان مسلم مريضا، منهوكا، فعرض عليه قيادة الجيش بناء على وصية أبيه ولما رأى حاله قال له يزيد: " إن شئت أعفيتك "، فجن جنون المجرم وقال ليزيد: " نشدتك الله أن لا تحرمني أجرا ساقه الله إلي ".
  من أفعال مسلم بن عقبة قال الطبري: وأباح مسلم المدينة ثلاثا يقتلون الناس ويأخذون الأموال (13)، قال اليعقوبي: " فلم يبق فيها كثير أحد إلا قتل، وأباح حرم رسول الله حتى ولدت الأبكار لا يعرف من أولدهن " (14).
  قال ابن كثير: " قتل يوم الحرة سبعمائة رجل من حملة القرآن، وكان قتل بشر كثيرا حتى كاد لا يفلت أحد من أهلها " (15).
  وروي عن هشام، قال: " ولدت ألف امرأة من أهل المدينة بعد وقعة الحرة من غير زوج " (16).
  وروي عن الزهري أنه قال: " كان القتلى سبعمائة من وجوه المهاجرين والأنصار ووجوه الموالي، وممن لا أعرف من حر أو عبد وغيرهم عشرة آلاف " (17).
  وقال السيوطي: " وكانت وقعة الحرة بباب طيبة قتل فيها خلق كثير من الصحابة ونهبت المدينة، وافتض فيها ألف بكر " (18).
  قال الدينوري والذهبي: قال رأيت أبا سعيد الخدري ولحيته بيضاء، وقد خف جانباها، وبقي وسطها فقلت: يا أبا سعيد مال لحيتك ؟ فقال: " هذا فعل ظلمة أهل الشام يوم الحرة، دخلوا علي بيتي، فانتهبوا ما فيه حتى أخذوا قدحي الذي كنت أشرب فيها الماء، ثم خرجوا ودخل علي بعدهم عشرة نفر وأنا قائم أصلي، فطلبوا البيت فلم يجدوا فيه شيئا، فأسفوا لذلك، فاحتملوني من مصلاي، وضربوا بي الأرض، وأقبل كل رجل منهم على ما يليه من لحيتي فنتفه، فما ترى منها خفيفا فهو موضع النتف وما تراه عافيا فهو ما وقع في التراب فلم يصلوا إليه، وسأدعها كما ترى حتى أوافي ربي " (19).
  هذه بعض أفعال مسلم بن عقبة الذي ادخره معاوية لذلك اليوم وأوصى ابنه يزيد بأن يسلمه قيادة الجيش!!! وهذه أفعال جيش " الإسلام " الذي بناه معاوية، فهل يعقل أن يتصرف تافه مثل مسلم بن عقبة هذه التصرفات التي لم يعرف بشاعتها التاريخ دون علم ومباركة سيده ومولاه وصفيه!!!.
  يزيد يأمر بمذبحة المدينة: كتب مسلم بن عقبة بعد مذبحة الحرة رسالة إلى " أمير المؤمنين يزيد بن معاوية " جاء فيها: " فما صليت الظهر إلا في مسجدهم بعد القتل الذريع، والانتهاب العظيم، وأوقعنا بهم السيوف، وقتلنا من أشرف لنا منهم، واتبعنا مدبرهم، وأجهزنا على جريحهم وانتهبناها ثلاثة كما قال أمير المؤمنين " (20).
  قال الطبري إن يزيد بن معاوية أمر مسلم بن عقبة، قائلا: " ادع القوم ثلاثا فإن أجابوك وإلا فقاتلهم، فإذا ظهرت عليهم فأبحها ثلاثا فما فيها من مال أو ورقة أو سلاح أو طعام فهو للجند..".
  وقال المسعودي: " أمره يزيد...
  وإذا قدمت المدينة فمن عاقك عن دخولها أو نصب لك حربا فالسيف السيف، ولا تبق عليهم، وانتهبهم ثلاثا وأجهز على جريحهم، واقتل مدبرهم..." (21).
  بعد أن نفذ صفي معاوية وموضع ثقته مسلم بن عقبة وجيشه البطل أوامر الملك، ونفذوا المذبحة الرهيبة في مدينة رسول الله، أمر مسلم بن عقبة القلة الذليلة من أهل المدينة التي نجت من المذبحة بأن تبايع لأمير المؤمنين يزيد بن معاوية!!!.
  قال الطبري وغيره: " فدعا الناس للبيعة على أنهم خول ليزيد بن معاوية يحكم في دمائهم وأموالهم ما شاء " (22).
  قال المسعودي: " وبايع من بقي من أهل المدينة على أنهم قن ليزيد " (23).
  قال الدينوري: " فلما كان اليوم الرابع جلس مسلم بن عقبة، فدعاهم للبيعة، فكان أول من أتاه يزيد بن عبد الله وجدته أم سلمة زوج النبي، فقال له مسلم: بايعني، قال: أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه، فقال مسلم: بل بايع على إنك فئ لأمير المؤمنين يفعل في أموالكم وذراريكم ما يشاء، فأبى أن يبايع على ذلك، فضربت عنقه " (24).
  وأتي بيزيد بن وهب بن زمعة، فقال له مسلم: بايع، فقال: أبايعك على سنة عمر، فقال مسلم: اقتلوه، فقتل .


**************************************************************

1 ـ تذكرة الخواص لسبط بن الجوي / 259 ـ 260 ولعل وجه الجمع بين الخبرين انَّ العشرة آلاف هم المجموع من العذارى وغيرهن، ونقل هذا الخبر ابن كثير في البداية والنهاية ج 8/242، نقل ابن كثير في البداية والنهاية ان مسلم بن عقبة « دعا الناس للبيعة عن انهم خول ليزيد ويحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء » ج 8/243، وفي الاخبار الطوال بايع على انكم فيء لامير المؤمنين 265، ونقل الذهبي في تاريخ الاسلام ما يقرب من نص البداية والنهاية في أحداث 64 هـ / 29، تهذيب التهذيب ج 2/316، راجع أخبار مكّة لابي الوليد الازرقي ج 1/202.
2 ـ البداية والنهاية ج 8 / 225، كتاب الفتوح ج 5/292، شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي الدمشقي ج 1/276 ـ 278، تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير والأعلام أحداث 64 هـ / 25.
3 ـ البداية والنهاية ج 8/238، تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير والاعلام أحداث 63 هـ / 20 ـ 21، تاريخ ابن الوردي ج 1/233، كنز الدرر لابي بكر الدواداري ج 4/110، مرآة الجنان ج 1/111.
4 ـ الكامل في التاريخ ج 3 / 310 الى 315، كتاب الفتوح ج 5/300 ـ 292، تاريخ ابن الوردي ج 1/233، الاخبار الطوال 264.
5 ـ تاريخ الطبري ج 4 / 372، أنساب الاشراف للبلاذري القسم الرابع ج 1/323.
6 ـ تاريخ اليعقوبي ج 2 / 250 ـ 251، ونقل ابن كثير في البداية والنهاية قال: « ووقعوا على النساء حتى قيل انه حبلت ألف امرأة في تلك الايام من غير زوج، وقال المدائني عن ابي قرة قال هشام: فإنَّه ولدت ألف امرأة من المدينة بعد وقعة الحرة من غير زوج » ج 8/242، وفي تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير والاعلام قال: « نهب مسرف بن عقبة المدينة ثلاثاً وافتض فيها ألف عذراء » 64 هـ / 26، الاخبار الطوال 265.
7 ـ الامامة والسياسة ج 1 / 209 الى 213، كنز الدرر لابي بكر الدواداري ج 4/114.
8 ـ الامامة والسياسة ج 1 / 216، نقل ابن كثير في البداية والنهاية عن الزهري قال: « القتلى يوم الحرة سبعمائة من وجوه الناس من المهاجرين والأنصار ووجوه الموالي وممن لا أعرف من حر وعبد عشرة آلاف » ج 8/242، تاريخ ابن الوردي ج 1/233، كنز الدرر لابي بكر الدواداري ج 4/117.
9 ـ تاريخ الخلفاء للسيوطي / 209، سير اعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي ج 4/37 ـ 38 « افتتح يزيد دولته بمقتل الشهيد الحسين واختتمها بواقعة الحرة ».
10 ـ الأمامة والسياسة ج 1 / 218.
11 ـ الأخبار الطوال للدينوري ص 265.
12 ـ راجع شرح نهج البلاغة لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد تحقيق حسن تميم ج 3 ص 595.
13 ـ راجع الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ج 1 ص 209.
14 ـ تاريخ الطبري ج 7 ص 11، وابن الأثير ج 3 ص 47، وابن كثير ج 8 ص 220.
15 ـ راجع تاريخ اليعقوبي ج 6 ص 251.
16 ـ تاريخ ابن كثير ج 6 ص 234.
17 ـ المصدر نفسه: ج 8 ص 22.
18 ـ المصدر نفسه.
19 ـ راجع تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 209 وراجع تاريخ الخميس ج 2 ص 302.
20 ـ راجع الأخبار الطوال للدينوري ص 269، وتاريخ الإسلام للذهبي ج 2 ص 357.
21 ـ راجع الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ج 1 ص 218 .
22 ـ راجع التنبيه والإشراف للمسعودي ص 263، ومروج الذهب ج 3 ص 68 - 69.
23 ـ راجع تاريخ الطبري ج 7 ص 13.
24 ـ التنبيه والإشراف ص 264، ومروج الذهب ج 3 ص 71 للمسعودي. - تاريخ الطبري ج 7 ص 11 - 12.




ثورة التوابين

  أورد السيد البراقي في تاريخ الكوفة، وسماحة السيد محسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة عن ثورة التوابين الشيء الكثير نوجزه في ما يلي:

  مقدمة :
  لما قتل الحسين (عليه السلام) ورجع ابن زياد من معسكره بالنخيلة (1) ودخل الكوفة، تلاقته الشيعة بالتلاوم والمنادمة، ورأت أن قد أخطأت خطأ كبيرا بدعائهم الحسين (عليه السلام) وتركهم نصرته وإجابته حتى قتل إلى جانبهم، ورأوا أنه لا يغسل عارهم والإثم عليهم إلا قتل من قتله والقتل فيهم، فاجتمعوا بالكوفة إلى خمسة نفر من رؤساء الشيعة إلى: سليمان بن صرد الخزاعي - وكانت له صحبة - وإلى المسيب بن نجبة الفزاري - وكان من أصحاب علي (عليه السلام) - وإلى عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي، وإلى عبد الله بن وال التيمي - تيم بكر بن وائل - وإلى رفاعة بن شداد البجلي، وكانوا من خيار أصحاب علي (عليه السلام)، فاجتمعوا في منزل سليمان بن صرد الخزاعي، فبدأهم المسيب بن نجبة فخطب في أصحابه خطبة طويلة أبان فيها ندمه على عدم نصرة الحسين (عليه السلام)، وحثه أصحابه على القيام بأخذ ثأره، ثم تلاه الآخر بعد الآخر، وكل منهم يظهر شدة الندم في خطبته، وعقدوا المؤامرات في ذلك.
  الدعوة للثورة:
  ما زالوا بجمع آلة الحرب ودعاء الناس في السر إلى الطلب بدم الحسين (عليه السلام)، فكان يجيبهم النفر ولم يزالوا على ذلك إلى أن هلك يزيد بن معاوية سنة 64، فلما مات يزيد جاء إلى سليمان بن صرد أصحابه فقالوا له: قد هلك هذا الطاغية، والأمر ضعيف، فإن شئت وثبنا على عمرو بن حريث - وكان خليفة ابن زياد على الكوفة - ثم أظهرنا الطلب بدم الحسين (عليه السلام) وتتبعنا قتلته ودعونا الناس إلى أهل هذا البيت المستأثر عليهم المدفوعين عن حقهم .
  فقال سليمان بن صرد: لا تعجلوا إني قد نظرت فيما ذكرتم، فرأيت أن قتلة الحسين (عليه السلام) هم أشراف الكوفة وفرسان العرب، وهم المطالبون بدمه، ومتى علموا ما تريدون كانوا أشد الناس عليكم، ونظرت فيمن تبعني منكم فعلمت أنهم لو خرجوا لم يدركوا ثأرهم، ولم يشفوا نفوسهم، وكانوا جزرا لعدوهم، ولكن بثوا دعاتكم وادعوا إلى أمركم.
  بث أولئك دعاتهم في البلدان، واستجاب لهم ناس كثير بعد هلاك يزيد، وأن أهل الكوفة أخرجوا عمرو بن حريث وبايعوا لابن الزبير، وسليمان وأصحابه ما زالوا يدعون الناس إلى ذلك.
  لم تمض على هلاك يزيد الفجور إلا ستة أشهر، حتى قدم المختار بن أبي عبيد الثقفي (رضي الله عنه) الكوفة في النصف من رمضان، وقدم عبد الله بن يزيد الأنصاري أميرا على الكوفة من قبل ابن الزبير لثمان بقين من رمضان، وقدم إبراهيم بن محمد بن طلحة معه على خراج الكوفة، فأخذ المختار يدعوا الناس إلى قتال قتلة الحسين (عليه السلام) ويقول: جئتكم من عند محمد بن الحنفية وزيرا أمينا، فرجع إليه طائفة من الشيعة، وكان يقول: إنما يريد سليمان أن يخرج فيقتل نفسه ومن معه وليس له بصرة في الحرب.
  وبلغ الخبر عبد الله بن يزيد بالخروج عليه بالكوفة في هذه الأيام.
  وقيل له: ليحبسه وخوف عاقبة أمره إن تركه .
  فقال عبد الله: إن هم قاتلونا قاتلناهم، وإن تركونا لم نطلبهم، إن هؤلاء القوم يطلبون بدم الحسين بن علي (عليه السلام)، فرحم الله هؤلاء القوم آمنون، فليخرجوا ظاهرين وليسيروا إلى من قاتل الحسين (عليه السلام)، فقد أقبل إليهم - يعني ابن زياد - وأنا لهم ظهير، هذا ابن زياد قاتل الحسين (عليه السلام) وقاتل أخياركم وأمثالكم قد توجه إليكم، وقد فارقوه على ليلة من جسر منبج، فالقتال والاستعداد إليه أولى من أن تجعلوا بأسكم بينكم فيقتل بعضكم بعضا، فيلقاكم عدوكم وقد ضعفتم، وتلك أمنيته، وقد قدم عليكم أعدى خلق الله لكم من ولي عليكم هو وأبوه سبع سنين لا يقلعان عن قتل أهل العفاف والدين، هو الذي من قبله أتيتم، والذي قتل من تنادون بدمه قد جاءكم فاستقبلوه بحدكم وشوكتكم واجعلوها به ولا تجعلوها بأنفسكم، إني لكم ناصح .
  وكان مروان قد سير ابن زياد إلى الجزيرة، ثم إذا فرغ منها سار إلى العراق.
  فلما فرغ عبد الله بن يزيد من قوله، قال إبراهيم بن محمد بن طلحة: أيها الناس لا يغرنكم من السيف والغشم مقالة هذا الداهن، والله لئن خرج علينا خارج لنقتله، ولئن استيقنا أن قوما يريدون الخروج علينا لنأخذن الوالد بولده والمولود بوالده والحميم بالحميم والعريف بما في عرافته، حتى يدينوا للحق ويذلوا للطاعة .
  فوثب إليه المسيب بن نجبة فقطع عليه منطقه ثم قال: يا بن (الناكثين) (2) أنت تهددنا بسيفك وغشمك وأنت والله أذل من ذلك، إنا لا نلومك على بغضنا وقد قتلنا أباك وجدك، وأما أنت أيها الأمير فقد قلت قولا سديدا .
  فقال إبراهيم: والله ليقتلن وقد أوهن (3) هذا، يعني عبد الله بن يزيد .
  فقال له عبد الله بن وال: ما اعتراضك فيما بيننا وبين أميرنا ما أنت علينا بأمير، إنما أنت أمير هذه الجزية فاقبل على خراجك، ولئن أفسدت أمر هذه الأمة فقد أفسده والداك وكانت عليهما دائرة السوء.
  فشتمهم جماعة ممن مع إبراهيم فشاتموه، فنزل الأمير من على المنبر وتهدده إبراهيم بأن يكتب إلى ابن الزبير يشكوه، فجاءه عبد الله في منزله واعتذر إليه فقبل عذره، ثم إن أصحاب سليمان بن صرد خرجوا يشترون السلاح ظاهرين ويتجهزون .

  شعار يا لثارات الحسين:
  لما أراد سليمان بن صرد الشخوص سنة 65، بعث إلى رؤوس أصحابه فأتوه، فلما أهل ربيع الآخر خرج في وجوه أصحابه، وكانوا تواعدوا للخروج تلك الليلة فلما أتى النخيلة دار في الناس فلم يعجبه عددهم، فأرسل حكيم بن منقذ الكندي والوليد بن عصير الكناني فناديا في الكوفة: يا لثارات الحسين.
  فكانا أول خلق الله دعا يا لثارات الحسين، فأصبح من الغد وقد أتاه نحو مما في عسكره، ثم نظر في ديوانه فوجدهم ستة عشر ألفا ممن بايعه .
  فقال: سبحان الله ما وافانا من ستة عشر ألفا إلا أربعة آلاف.
  فقيل له: إن المختار يثبط الناس عنك إنه قد تبعه ألفان.
  فقال: قد بقي عشرة آلاف، أما هؤلاء بمؤمنين ؟ أما يذكرون الله والعهود والمواثيق؟فأقام بالنخيلة ثلاثا يبعث إلى من تخلف عنه، فخرج إليه نحو من ألف رجل، فقام إليه المسيب بن نجبة فقال: رحمك الله إنه لا ينفعك الكاره ولا يقاتل معك إلا من أخرجته النية، فلا تنتظر أحدا وجد في أمرك.
  قال: نعم ما رأيت.
  ثم قام سليمان في أصحابه فقال: أيها الناس من كان خرج يريد بخروجه وجه الله والآخرة فذلك منا ونحن منه، فرحمة الله عليه حيا وميتا، ومن كان إنما يريد الدنيا فوالله ما يأتي فيئ نأخذه وغنيمة نغنمها ما خلا رضوان الله، وما معنا من ذهب ولا فضة ولا متاع ما هو إلا سيوفنا على عواتقنا وزاد قدر البلغة، فمن كان ينوي هذا فلا يصحبنا .
  فتنادى أصحابه من كل جانب: إنا لا نطلب الدنيا وليس لها خرجنا، إنما خرجنا نطلب التوبة والطلب بدم ابن بنت رسول الله نبينا (صلى الله عليه وآله).

  التوبة عند قبر الحسين (ع):
  ثم ساروا حتى انتهوا إلى قبر الحسين (عليه السلام)، فلما وصلوا صاحوا صيحة واحدة فما رؤي أكثر باكيا من ذلك اليوم، فترحموا عليه وتابوا عنده من خذلانه وترك القتال معه، وأقاموا عنده يوما وليلة يبكون ويتضرعون ويترحمون عليه وعلى أصحابه، وكان من قولهم عند ضريحه:
  اللهم ارحم حسينا الشهيد ابن الشهيد، المهدي ابن المهدي، الصديق ابن الصديق، اللهم إنا نشهدك إنا على دينهم وسبيلهم وأعداء قاتليهم وأولياء محبيهم، اللهم إنا خذلنا ابن بنت نبينا (صلى الله عليه وآله) فاغفر لنا ما مضى منا وتب علينا، فارحم حسينا وأصحابه الشهداء الصديقين، وإنا نشهدك إنا على دينهم وعلى ما قتلوا عليه، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
  وزادهم النظر إليه حنقا، ثم ساروا بعد أن كان الرجل يعود إلى ضريحه كالمودع له، فازدحم الناس عليه أكثر من ازدحامهم على الحجر الأسود، ثم ساروا على الأنبار حتى وصلوا إلى عين الوردة (4) وأقبل أهل الشام في عساكرهم وعلى رأسهم عبيد الله بن زياد، فوقعت هناك مقتلة عظيمة قتل فيها سليمان بن صرد وأصحابه، ولم ينج منهم غير رفاعة بن شداد ونفر يسير عادوا إلى الكوفة، وكان قتل سليمان وأصحابه في شهر ربيع الآخر.
  ولما بلغ رفاعة الكوفة كان المختار محبوسا - في سجن عبد الله بن يزيد الخطمي عامل ابن الزبير - فأرسل إليه: أما بعد فمرحبا بالعصبة الذين عظم الله لهم الأجر حين انصرفوا ورضي فعلهم حين قتلوا، أما ورب البيت ما خطا خاط منكم خطوة ولا ربا ربوة، إلا كان ثواب الله أعظم من الدنيا، إن سليمان قد قضى ما عليه، وتوفاه الله وجعل روحه مع أرواح النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ولم يكن بصاحبكم الذي به تنصرون، إني أنا الأمير المأمور والأمين المأمون وقاتل الجبارين، والمنتقم من أعداء الدين المقيد من الأوتار، فأعدوا واستعدوا وأبشروا، أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه والطلب بدم أهل البيت والدفع عن الضعفاء وجهاد المحلين والسلام (5).

  خبر المختار وتتمة ثورة التوابين:
  ثم خرج المختار من سجن الكوفة، وقال له أصحابه ان أجابنا إلى أمرنا إبراهيم بن الأشتر رجونا القوة على عدونا فإنه فتى رئيس وابن رجل شريف له عشيرة ذات عز وعدد فخرجوا إلى إبراهيم وسألوه مساعدتهم وذكروا له ما كان أبوه عليه من ولاء علي وأهل بيته فأجابهم إلى الطلب بدم الحسين (ع).
  وكان عبيد الله بن زياد قد هرب بعد موت يزيد إلى الشام وجاء بجيش إلى الموصل فأرسل إليه المختار يزيد بن انس في ثلاثة آلاف فلقي مقدمة أهل الشام فهزمهم واخذ عسكرهم ومات من مرض به فعاد أصحابه إلى الكوفة لما علموا انه لا طاقة لهم بعسكر ابن زياد فأرسل المختار إبراهيم بن الأشتر في سبعة آلاف وأمره ان يرد جيش يزيد .

  قتل قتلة الحسين (ع):
  ثم سار إبراهيم بعد يومين لقتال ابن زياد وكان قد سار في عسكر عظيم من الشام فبلغ الموصل وملكها فنزل إبراهيم قريبا منه على نهر الخازر ولم يدخل عينه الغمض حتى إذا كان السحر الأول عبى أصحابه وكتب كتابه وامر أمراءه فلما انفجر الفجر صلى الصبح بغلس ثم خرج فصف أصحابه ونزل يمشي ويحرض الناس حتى أشرف على أهل الشام فإذا هم لم يتحرك منهم أحد وسار على الرايات يحثهم ويذكرهم فعل ابن زياد بالحسين وأصحابه وأهل بيته من القتل والسبي ومنع الماء وتقدم إليه وحملت ميمنة أهل الشام على ميسرة إبراهيم فثبتت لهم وقتل أميرها فاخذ الراية آخر فقتل وقتل معه جماعة وانهزمت الميسرة فاخذ الراية ثالث ورد المنهزمين فإذا إبراهيم كاشف رأسه ينادي:
  أي شرطة الله انا ابن الأشتر ان خير فراركم كراركم ليس مسيئا من اعتب.
  وحمل ابراهيم وجنوده على جند ابن زياد وأوقعوا فيهم مقتلة عظيمة راح فيها كبار قواد جيش ابن زياد ورجالاته، ولما انهزم أصحاب ابن زياد تبعهم أصحاب إبراهيم فكان من غرق أكثر ممن قتل وانفذ إبراهيم عماله إلى نصيبين وسنجار ودارا وقرقيسيا وحران والرها وسميساط وكفر توثا وغيرها وأقام هو بالموصل .
  هذا ما ننقله لكم من ثورة التوابين ولكم أن تطلعوا على تفصيل أشمل في ترجمة كل من إبراهيم الأشتر، ورفاعة، وسليمان بن صرد، والمختار الثفقي. والله ولي التوفيق...

**************************************************************

1 ـ موضع قرب الكوفة على جهة الشام. معجم البلدان: 5 / 278.
2 ـ في المطبوع: (الساكنين)، وما أثبتناه من المصدر.
3 ـ في المصدر: (أدهن).
4 ـ مدينة من مدن الجزيرة بين حران ونصيبين ودنيسر، وتسمى رأس العين. معجم البلدان: 4 / 180.
5 ـ انظر: مقتل الحسين لأبي مخنف: 248 - 310، تاريخ الطبري: 4 / 426 - 471.




حادثة المختار بن أبي عبيد الثقفي

  ذكر السيد البراقي في كتابه تاريخ الكوفة ترجمة تفصيلية للمختار بن أبي عبيد الثقفي نوردها لكم مع شيء من التصرف جاء فيها ما يلي:

  مقدمة:
  لم يكن المختار (1) ببدع (2) من عظماء أمته في نشأته الراقية بين أكابر من رجالات بيته الرفيع من ثقيف، بين زعامة وإمارة وقيادة جيش ووجاهة عند الناس.
  يقول ابن قتيبة في المعارف: إن جده مسعودا هو عظيم القريتين (3).
  وكأنه يريد ما حكاه الله سبحانه عن مشركي قريش بقوله: (لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) (4).
  يقول ابن حجر في الإصابة: عن ابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق ابن عباس: إنها نزلت في رجل من ثقيف ورجل من قريش، والثقفي هو مسعود بن عمرو (5).
  كان من قضاء الطبيعة في منابذة الخصماء وتحري كل الغوائل، قذف من يريدون الفتك به بكل ما يسعهم من عوامل الوقيعة فيه من كلام قاتل وكلام شائن، يستثير عليه العواطف ويبلغ به لأجله اللغوب (6) فتا في عضده وتشتيتا لقوته التي كان عليها في سبيل مبتغاه، لأن يصرفها في تدمير العدو وإبادة نفوذه، فهو يحسب من سعادته أن يكتفي في ملاشاة أضداده بتفخيذ الملأ عنها وتنفير الجامعة منها، أو استجاشة الأفئدة عليها مهما أمكنه، ويكون له منتدح (7) عن سوق العساكر والإنفاق في سبيله من الأموال والنفوس مهما كان هو الغالب على السلطة، وعلى الأقل يكون فيه تبريرا لعمله وصونا لحسن سمعته عن الوقيعة.
  كانت الشهوات تختلف في رمي الأعداء بأنواع من القذائف حسب الظروف والأحوال والمباءات (8) التي تكون فيها، فهي في الأوساط الدينية غيرها في الحواضر السياسية، كما أنها في الجامعات المدنية غيرها في الوحشية.

  موجز عن الأوضاع التي عاصرت حياة المختار:
  كان المختار يوم نهض بأمره في محيط عريق في الإسلامية، هنالك منهم أمم متهالكون في ولاء أهل البيت (عليهم السلام)، وهم الذين لاثوا به وأخذوا بناصره، وعاصمة ملكه هي الكوفة، وفيها أشراف العرب وزعماؤهم وذوو النجدة والبأس منهم، وكانت البغضاء متواصلة بينه وبين ابن الزبير، الذي كان يطمع فيه أن يخضع له العباد والبلاد، فلم يفلس منه (9) إلا وقد أفلت عن سيطرته ممالك وأمصار، أضف إلى ذلك ما كانت تحتدم بينه وبين عبد الملك من الأحقاد، شأن كل علوي في دينه وأموي في هواه، غير ما كان يحقده على إشغاله فراغا واسعا من فضاء الملك، خسره المقعي يومذاك على أنقاض مملكة الإسلام.
  كل ذلك وفي حشوة الناس ورعاعهم قتلة السبط الشهيد صلوات الله عليه، الذين توطدت إمرة المختار باجتياح أصولهم واكتساح أشواكهم المتكدسة أمام السير الديني والبشري، وفيهم ذوو رأي وشيطنة ورئاسة، غير من كان يلتف منهم بالرايتين الزبيرية والأموية.
  كل هذه كانت كمراجل تغلي على المختار غيظا وحنقا، ومن جرائها كانت حروب طاحنة مع ابن مطيع عامل ابن الزبير أولا، حتى نفي من الكوفة مخذولا، ومع مصعب بن الزبير وفيها كانت شهادة المختار أخيرا ووقعة الخازر (10)، ولقد عادت مجزرة كبرى لزبائن الكفر والإلحاد من طغمة الأمويين، وفيها مقتل ابن زياد ابن أبيه الموجف على ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بخيله ورجله، وقبلها وقعة ابن زياد مع يزيد بن أنس الأسدي (رحمه الله)، وفيها توفي يزيد المذكور، وبينهما انتكاث الكوفيين على المختار، واستعادته ابن الأشتر عن مسيره إلى ابن زياد، حتى أخمد لهبهم وفرقهم أيدي سبأ (11)، ثم ارتجع عائدا إلى مناضلة ابن زياد، فكان إذ ذاك من الأمر الذي دبر بليل لانثيال المسلمين عنه، أن عزوا إليه دعوة النبوة ونزول الوحي عليه، فإنهم كانوا ولا يبرحون يكفرون صاحب تلك الدعوى ويوجبون قتله ولإنفضاض خصوص الشيعة عنه، أن قذفوه بحب أضداد أهل البيت (عليهم السلام) تارة، وبعدم الاستقامة في طريقته أخرى، ولتثبط أهل النسك والعبادة الذين كانوا معه عنه .
  عملوا له كل قول مائن من نسبة الكذب إليه آونة، وحب الملك والجاه، وأن ما تظاهر به من الدعاية إلى إدراك الثأر، كان فخا من فخوخه يصطاد به البسطاء طورا إلى غير ذلك، وألقوا إلى زعماء الكوفة أنه يزلف إليه أبناء العجم ويشركهم مع العرب في الفيء ويسلط الموالي على السادات، فخذلوا فريقا منهم عن نصرته .
  هكذا كانت تأتي المختار القذائف والطامات، حتى إذا بعد المدى حسبت الأغرار تلك اللهجات حقائق ذهبت بها الأعصر الخالية، وأني لا أعجب ممن قال ذلك في العصور المظلمة، من الذين حدت بهم الأهواء والميول، وإنما العجب كله ممن نشأ في عصر النور وبلغ من الحنكة أن عاد مدرسا في جامعة كمثل الأزهر، كمثل الشيخ علي محفوظ في كتابه وهو يقتص أثر أولئك المهملجين مع الشهوات، وإن كان شواظ الحقد الثائر يقذف بصاحبه إلى حيث تنيخ العصبية العمياء.

  المحتار وبن الزبير:
  كان بين المختار وبين عبد الله بن الزبير إحن مستحكمة، فإن ابن الزبير كان يطمع في أن يضمه إليه ويتخذه عضدا له في قيادة الجيوش وإخضاع البلاد له، والمختار كان على بصيرة من أمره وسداد في عقله، يتحرى نيل الأمنية الوحيدة من إدراك الأوتار التي لم تزل تتغلغل بين صدره والتراقي، وقد أحنى عليه أضالعه منذ بشر بتلك السعادة الرابحة وهو يطوي الجديدين، يتطلب وليجة إلى ذلك من أي الطرق وسعة، حتى حسب بصيصا منه في جانب ابن الزبير، لأنه قبل هلاك يزيد بن معاوية كان ربما يهتف بثارات الحسين (عليه السلام) وأصحابه، ويغري الناس بيزيد ويوثبهم عليه، لأنه كان يجده أقرب الوسائل إلى التنكيل به وهدم قوى الأمويين، فلما هلك يزيد أعرض عنه، فبان أنه كان يطلب الملك لنفسه، وأن ما كان يبديه من ذلك كان فخا من فخوخه يصطاد به شيعة آل محمد (عليهم السلام) على ما كان هو عليه من نزعته العثمانية، وسوابقه فيها معلومة منذ عهد الجمل إلى أن قتل، وإذا تواصلت الأنباء بمظاهراته تلك إلى المختار يممه عسى يجد عنده بغيته، لكنه بالرغم من حرصه على تلك الأمنية ألفاه - بعد أن خبره ردحا - وقد قلب ظهر المجن ومحض الدعوة لنفسه من غير ما جدارة أو حنكة فانتكص عنه وقال:
ذو مخاريق وذو مندوحة        وركابي حيث وجهت iiذلل
لأبـيتن  مـنزلا iiتكرهه        فـإذا زلت بك النعل فزل
  التوجه للكوفة:
  فخرج من مكة متوجها إلى الكوفة، فلقي في طريقه هاني بن أبي حية الوداعي فسأله عن أهلها.
  فقال: لو كان لهم رجل يجمعهم على شيء واحد لأكل الأرض بهم .
  فقال المختار: أنا والله أجمعهم على الحق، وألقي بهم ركبان الباطل، وأقتل بهم كل جبار عنيد إن شاء الله، ولا قوة إلا بالله .
  ثم سأله المختار عن سليمان بن صرد هل توجه لقتال المحلين ؟ قال: لا، ولكنهم عازمون ذلك .
  ثم سار المختار حتى انتهى إلى نهر الحيرة يوم الجمعة، فنزل واغتسل ولبس ثيابه وتقلد سيفه وركب فرسه ودخل الكوفة نهارا، لا يمر على مسجد القبائل ومجالس القوم ومجتمع المحال، إلا وقف وسلم وقال: أبشروا بالفرج، فقد جئتكم بما تحبون وأنا المسلط على الفاسقين، والطالب بدم أهل بيت (نبي) (12) رب العالمين.
  ثم دخل الجامع وصلى فيه، فرأى الناس ينظرون إليه ويقول بعضهم لبعض: هذا المختار ما قدم إلا لأمر نرجو به الفرج (13).

  خبر الثورة واصطكاك الأسنة:
  يقول ابن الأثير في الكامل في حوادث سنة 66: في هذه السنة رابع عشر ربيع الأول، وثب المختار بالكوفة وأخرج عنها عبد الله ابن المطيع عامل عبد الله بن الزبير، فلما كان المغرب صلى إبراهيم الأشتر بأصحابه ثم خرج يريد المختار وعليه وعلى أصحابه السلاح، وقد أتى إياس بن مضارب عبد الله بن مطيع فقال له: إن المختار خارج عليك بإحدى هاتين الليلتين وقد بعثت ابني إلى الكناسة، فلو بعثت في كل جبانة عظيمة بالكوفة رجلا من أصحابك في جماعة من أهل الطاعة، لهاب المختار وأصحابه الخروج عليك.
  فبعث ابن مطيع عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني إلى جبانة السبيع وقال: اكفني قومك ولا تحدثن بها حدثا.
  وبعث كعب بن أبي كعب الخثعمي إلى جبانة بشر، وبعث زجر بن قيس الجعفي إلى جبانة كندة، وبعث عبد الرحمن بن مخنف إلى جبانة الصائدين، وبعث شمر بن ذي الجوشن إلى جبانة سالم، وبعث يزيد بن رؤيم إلى جبانة مراد، وأوصى كلا منهم أن لا يؤتى من قبله، وبعث شبث بن ربعي إلى السبخة وقال: إذا سمعت صوت القوم فوجه نحوهم.
  وكان خروجهم إلى الجبانين يوم الاثنين، وخرج إبراهيم بن الأشتر يريد المختار ليلة الثلاثاء، وقد بلغه أن الجبانين قد ملئت رجالا وأن إياس بن مضارب في الشرط قد أحاط بالسوق والقصر، فأخذ معه من أصحابه نحو مائة دارع وقد لبسوا عليها الأقبية فقال له أصحابه: تجنب الطريق.
  فقال: والله لأمرن وسط السوق بجنب القصر، ولأرعبن عدونا ولأرينهم هوانهم علينا.
  فسار على باب الفيل ثم على دار عمرو بن حريث، فلقيهم إياس بن مضارب في الشرط مظهرين السلاح فقال: من أنتم ؟ فقال إبراهيم: أنا إبراهيم بن الأشتر.
  فقال إياس: ما هذا الجمع الذي معك وما تريد ؟ ولست بتاركك حتى آتي بك الأمير.
  فقال إبراهيم: خل سبيلا .
  قال: لا أفعل.
  وكان مع إياس بن مضارب رجل من همدان يقال له: أبو قطن، وكان يكرمه وكان صديقا لابن الأشتر فقال له ابن الأشتر: ادن مني يا أبا قطن .
  فدنا منه وهو يظن أن إبراهيم يطلب منه أن يشفع فيه إلى إياس، فلما دنا منه أخذ رمحا كان معه وطعن به إياسا في ثغرة نحره فصرعه، وأمر رجلا من قومه فاحتز رأسه وتفرق أصحاب إياس ورجعوا إلى ابن مطيع، فبعث مكانه ابنه راشد بن إياس على الشرط، وبعث مكان راشد إلى الكناسة سويد بن عبد الرحمن المنقري أبا القعقاع بن سويد، وأقبل إبراهيم بن الأشتر إلى المختار وقال: إنا أتعدنا للخروج القابلة وقد جاء أمر لابد من الخروج الليلة.
  وأخبره الخبر، ففرح المختار بقتل إياس وقال: هذا أول الفتح إن شاء الله.
  ثم قال لسعيد بن منقذ: قم فأشعل النيران في الهوادي (14) والقصب وأرفعها، وسر أنت يا عبد الله بن شداد فناد: يا منصور أمت، وقم أنت يا سفيان بن ليلى (15)، وأنت يا قدامة بن مالك فناديا: يا لثارات الحسين.
  ثم لبس سلاحه فقال له إبراهيم: إن هؤلاء الذين في الجبانين يمعنون أصحابنا من إتياننا، فلو سرت إلى قومي بمن معي ودعوت من أجابني وسرت بهم في نواحي الكوفة ودعوت بثأرنا، لخرج إلينا من أراد الخروج، ومن أتاك حبسته عندك إلى من معك، فإن عوجلت كان عندك من يمنعك إلى أن آتيك.
  فقال له: افعل وعجل، وإياك أن تسير إلى أميرهم تقاتله، ولا تقاتل أحدا وأنت تستطيع أن لا تقاتله إلا أن يبدأك أحد بقتال.
  فخرج إبراهيم وأصحابه حتى أتى قومه واجتمع إليه جل من كان أجابه، وسار بهم في سكك المدينة ليلا طويلا، وهو يتجنب المواضع التي فيها الأمراء الذين وضعهم ابن المطيع، فلما انتهى إلى مسجد السكون أتاه جماعة من خيل زجر بن قيس الجعفي ليس عليهم أمير، فحمل عليهم إبراهيم فكشفهم حتى أدخلهم جبانة كندة وهو يقول: اللهم إنك تعلم أنا غضبنا لأهل بيت نبيك وثرنا لهم فانصرنا على هؤلاء.
  ثم رجع إبراهيم عنهم بعد أن هزمهم، ثم سار إبراهيم حتى أتى جبانة أثير فتنادوا بشعارهم، فوقف فيها فأتاه سويد بن عبد الرحمن المنقري، ورجا أن يصيبهم فيحظى بها عند ابن مطيع، فلم يشعر به إبراهيم إلا وهو معه فقال إبراهيم لأصحابه: يا شرطة الله انزلوا فإنكم أولى بالنصر من هؤلاء الفساق الذين خاضوا في دماء أهل بيت نبيكم .
  فنزلوا .
  ثم حمل عليهم إبراهيم حتى أخرجهم إلى الصحراء فانهزموا، فركب بعضهم بعضا وهم يتلاومون، وتبعهم حتى أدخلهم الكناسة، فقال لإبراهيم أصحابه: اتبعهم واغتنم ما دخلهم من الرعب.
  فقال: لا، ولكن نأتي صاحبنا يؤمن الله بنا وحشته ويعلم ما كان من نصرنا له فيزداد هو وأصحابه قوة، مع أني لا آمن أن يكون قد أوتي.
  ثم سار إبراهيم حتى أتى باب المختار، فسمع الأصوات عالية والقوم يقتتلون، وقد جاء شبث بن ربعي من قبل السبخة، فعبأ له المختار يزيد بن أنس، وجاء حجار ابن أبجر العجلي فجعل المختار في وجهه أحمر بن شميط، فبينما الناس يقتتلون إذ جاء إبراهيم من قبل القصر، فبلغ حجارا وأصحابه أن إبراهيم قد أتاهم من ورائهم، فتفرقوا في الأزقة قبل أن يأتيهم، وجاء قيس بن طهفة النهدي في قريب من مائة وهو من أصحاب المختار، فحمل على شبث بن ربعي وهو يقاتل يزيد بن أنس، فخلى لهم الطريق حتى اجتمعوا، وأقبل شبث إلى ابن مطيع وقال له: اجمع الأمراء الذين بالجبانين وجميع الناس، ثم أنفذ إلى هؤلاء القوم فقاتلهم، فإن أمرهم قد قوي وقد خرج المختار وظهر واجتمع له أمره.
  فلما بلغ قوله المختار خرج في جماعة من أصحابه حتى نزل في ظهر دير هند في السبخة، وخرج أبو عثمان النهدي فنادى في شاكر وهم مجتمعون في دورهم يخافون أن يظهروا لقرب كعب الخثعمي منهم، وكان قد أخذ عليهم أفواه السكك، فلما أتاهم أبو عثمان في جماعة من أصحابه نادى: يا لثارات الحسين، يا منصور أمت، أمت يا أيها الحي المهتدون، إن أمين آل محمد ووزيرهم قد خرج فنزل دير هند، وبعثني إليكم داعيا ومبشرا فأخرجوا رحمكم الله.
  فخرجوا يتداعون: يا لثارات الحسين، وقاتلوا كعبا حتى خلى لهم الطريق، فأقبلوا إلى المختار فنزلوا معه، وخرج عبد الله بن قتادة في نحو مائتين فنزل مع المختار، وكان قد تعرض لهم كعب، فلما عرف أنهم من قومه خلى عنهم، وخرجت شبام وهم حي من همدان من آخر ليلتهم، فبلغ خبرهم عبد الرحمن بن سعيد الهمداني، فأرسل إليهم إن كنتم تريدون المختار فلا تمروا على جبانة السبيع، فلحقوا بالمختار فتوافى إلى المختار ثلاثة آلاف وثمانمائة من اثني عشر ألفا كانوا بايعوه فاجتمعوا له قبل الفجر، فأصبح وقد فرغ من تعبئته وصلى بأصحابه بغلس، وأرسل ابن مطيع إلى الجبانين فأمر من بها أن يأتوا المسجد، وأمر راشد بن إياس فنادى في الناس: برئت الذمة من رجل لم يأت المسجد الليلة.
  فاجتمعوا، فبعث ابن مطيع شبث بن ربعي في نحو ثلاثة آلاف إلى المختار، وبعث راشد بن إياس في أربعة آلاف من الشرط.

  قتال المختار للناكثين:
  فسار شبث إلى المختار فبلغه خبره وقد فرغ من صلاة الصبح، فأرسل من أتاه بخبرهم، وأتى إلى المختار ذلك الوقت سعر بن أبي سعر الحنفي وهو من أصحابه لم يقدر على اتيانه إلا تلك الساعة، فرأى راشد بن إياس في طريقه فأخبر المختار خبره أيضا، فبعث المختار إبراهيم بن الأشتر إلى راشد في سبعمائة فارس وستمائة راجل (16)، وبعث نعيم بن هبيرة أخا مصقلة بن هبيرة في ثلاثمائة فارس وستمائة راجل، وأمره بقتال شبث بن ربعي ومن معه وأمرهما بتعجيل القتال وأن لا يستهدفا لعدوهما فإنه أكثر منهما، فتوجه إبراهيم إلى راشد وقدم المختار يزيد بن أنس في موضع مسجد شبث بن ربعي في تسعمائة أمامه، فتوجه نعيم إلى شبث فقاتله قتالا شديدا فجعل نعيم سعر بن أبي سعر على الخيل ومشى هو في الرجالة فقاتلهم حتى أشرقت الشمس وانبسطت، فانهزم أصحاب شبث حتى دخلوا البيوت فناداهم شبث وحرضهم، فرجع إليه منهم جماعة فحملوا على أصحاب نعيم وقد تفرقوا فهزموهم وصبر نعيم فقتل وأسر سعر بن أبي سعر وجماعة من أصحابه، فأطلق العرب وقتل الموالي، وجاء شبث حتى أحاط بالمختار وكان قد وهن لقتل نعيم، وبعث ابن مطيع يزيد بن الحريث بن رؤيم في ألفين فوقفوا في أفواه السكك، وولى المختار يزيد بن أنس خيله وخرج هو في الرجالة، فحملت عليه خيل شبث فلم يبرحوا مكانهم .
  فقال لهم يزيد بن أنس: يا معشر الشيعة إنكم كنتم تقتلون وتقطع أيديكم وأرجلكم وتسمل أعينكم وترفعون على جذوع النخل في حب أهل بيت نبيكم وأنتم مقيمون في بيوتكم وطاعة عدوكم، فما ظنكم بهؤلاء القوم إذا ظهروا عليكم اليوم ؟ والله لا يدعون منكم عينا تطرف وليقتلنكم صبرا، ولترون منهم في أولادكم وأزواجكم وأموالكم ما الموت خير منه، والله لا ينجيكم منهم إلا الصدق والصبر والطعن الصائب والضرب الدراك، فتهيئوا للحملة .
  فتيسروا ينتظرون أمره وجثوا على ركبهم.
  وأما إبراهيم بن الأشتر فإنه لقي راشدا فإذا معه أربعة آلاف، فقال إبراهيم لأصحابه: لا يهولنكم كثرة هؤلاء، فوالله لرب رجل خير من عشرة والله مع الصابرين.
  وقدم خزيمة بن نصر إليهم في الخيل ونزل هو يمشي في الرجالة، وأخذ إبراهيم يقول لصاحب رايته: تقدم برايتك، إمض بهؤلاء وبها.
  اقتتل الناس قتالا شديدا وحمل خزيمة بن نصر العبسي على راشد فقتله، ثم نادى: قتلت راشدا ورب الكعبة.
  وانهزم أصحاب راشد، وأقبل إبراهيم وخزيمة ومن معهما بعد قتل راشد نحو المختار، وأرسل البشير إلى المختار بقتل راشد، فكبر هو وأصحابه وقويت نفوسهم، ودخل أصحاب ابن مطيع الفشل، وأرسل ابن مطيع حسان بن قائد بن بكر العبسي في جيش كثيف نحو ألفين، فاعترض إبراهيم ليرده عمن بالسبخة من أصحاب ابن مطيع، فتقدم إليهم إبراهيم فانهزموا من غير قتال، وتأخر حسان يحمي أصحابه فحمل عليه خزيمة فعرفه فقال: يا حسان لولا القرابة لقتلتك فأنج بنفسك.
  فعثر به فرسه فوقع فابتدره الناس فقاتل ساعة، فقال له خزيمة: أنت آمن فلا تقتل نفسك .
  وكف عنه الناس وقال لإبراهيم: هذا ابن عمي وقد أمنته.
  فقال: أحسنت، وأمر بفرسه فأحضر، فأركبه وقال: ألحق بأهلك.
  أقبل إبراهيم نحو المختار وشبث بن ربعي محيط به، فلقيه يزيد بن الحرث وهو على أفواه السكك التي تلي السبخة، فأقبل إلى إبراهيم ليصده عن شبث وأصحابه، فبعث إبراهيم إليه طائفة من أصحابه مع خزيمة بن نصر وسار نحو المختار وشبث فيمن بقي معه، فلما دنا منهم إبراهيم حمل على شبث وحمل يزيد بن أنس فانهزم شبث ومن معه إلى أبيات الكوفة، وحمل خزيمة بن نصر على يزيد بن الحرث فهزمه وازدحموا على أفواه السكك وفوق البيوت، وأقبل المختار فلما انتهى إلى أفواه السكك رمته الرماة بالنبل فصدوه عن الدخول إلى الكوفة من ذلك الوجه.
  رجع الناس من السبخة منهزمين إلى ابن مطيع، وجاء قتل راشد بن إياس فسقط في يده، فقال له عمرو بن الحجاج الزبيدي: أيها الرجل لا تلق بيدك واخرج إلى الناس وأندبهم إلى عدوك، فإن الناس كثير وكلهم معك إلا هذه الطائفة التي خرجت والله يخزيها، وأنا أول مندوب فانتدب معي طائفة ومع غيري طائفة .
  خرج ابن مطيع فقام في الناس ووبخهم على هزيمتهم وأمرهم بالخروج إلى المختار وأصحابه، ولما رأى المختار أنه قد منعه يزيد بن الحرث من دخول الكوفة، عدل إلى بيوت مزينة وأحمس وبارق وبيوتهم منفردة، فسقوا أصحابه الماء ولم يشرب هو، فإنه كان صائما، فقال أحمر بن شميط لابن كامل: أتراه صائما ؟ قال: نعم .
  قال: لو أفطر كان أقوى له، إنه معصوم وهو أعلم بما يصنع .
  فقال أحمر: صدقت أستغفر الله.
  فقال المختار: نعم المكان للقتال هذا.
  فقال إبراهيم: إن القوم قد هزمهم الله وأدخل الرعب في قلوبهم، سر بنا فوالله ما دون القصر مانع .
  فترك المختار هناك كل شيخ ضعيف ذي علة وثقلهم، واستخلف عليهم أبا عثمان النهدي، وقدم إبراهيم أمامه، وبعث ابن مطيع عمرو بن الحجاج في ألفين، فخرج عليهم فأرسل المختار إلى إبراهيم: أن اطوه ولا تقم عليه.
  فطواه وأقام.
  أمر المختار يزيد بن أنس أن يواقف عمرو بن الحجاج فمضى إليه، وسار المختار في أثر إبراهيم ثم وقف في موضع مصلى خالد بن عبد الله، ومضى إبراهيم ليدخل الكوفة من نحو الكناسة، فخرج إليه شمر بن ذي الجوشن في ألفين، فسرح إليه المختار سعيدا بن منقذ الهمداني فواقعه، وأرسل إلى إبراهيم يأمره بالمسير فسار حتى انتهى إلى سكة شبث فإذا نوفل بن مساحق في ألفين، وقيل: خمسة آلاف، وهو الصحيح، وقد أمر ابن مطيع مناديا فنادى في الناس: أن ألحقوا بابن مساحق، وخرج ابن مطيع فوقف بالكناسة واستخلف شبث بن ربعي على القصر فدنا ابن الأشتر من ابن مطيع فأمر أصحابه بالنزول وقال لهم: لا يهولنكم أن يقال جاء شبث وآل عتيبة بن النهاس وآل الأشعث وآل يزيد بن الحرث وآل فلان، فسمى بيوتات أهل الكوفة.
  ثم قال: إن هؤلاء لو وجدوا حر السيوف لانهزموا عن ابن مطيع انهزام المعزى من الذئب.
  ففعلوا ذلك، وأخذ ابن الأشتر أسفل قبائه فأدخله في منطقته - وكان القباء على الدرع - فلم يلبثوا حين حمل عليهم أن انهزموا يركب بعضهم بعضا على أفواه السكك وازدحموا.
  انتهى ابن الأشتر إلى ابن مساحق فأخذ بعنان دابته ورفع السيف عليه فقال له: يا بن الأشتر أنشدك الله هل بيني وبينك من إحنة (17) أو تطلبني بثأر .
  فخلى سبيله وقال: اذكرها.
  فكان يذكرها له، ودخلوا الكناسة في آثارهم حتى دخلوا السوق والمسجد وحصروا ابن مطيع ومعه الأشراف من الناس، غير عمرو بن حريث فإنه أتي داره ثم خرج إلى البر، وجاء المختار حتى نزل جانب السوق، وولي إبراهيم حصار القصر ومعه يزيد بن أنس وأحمر بن شميط، فحصروهم ثلاثا فاشتد الحصار عليهم، فقال شبث لابن مطيع: أنظر لنفسك ولمن معك، فوالله ما عندهم غنى عنك ولا عن أنفسهم.
  فقال: أشيروا علي.
  فقال شبث: الرأي أن تأخذ لنفسك ولنا أمانا وتخرج ولا تهلك نفسك ومن معك .
  فقال ابن مطيع: إني لأكره أن آخذ منه أمانا والأمور لأمير المؤمنين مستقيمة بالحجاز والبصرة.
  قال: فتخرج ولا يشعر بك أحد فتنزل بالكوفة عند من تثق إليه، حتى تلحق بصاحبك .
  وأشار بذلك عبد الرحمن بن سعيد وأسماء بن خارجة وابن مخنف وأشراف الكوفة، فأقام حتى أمسى وقال لهم: قد علمت إن الذين صنعوا هذا بكم أنهم أراذلكم وأخساؤكم، وأن أشرافكم وأهل الفضل منكم سامعون مطيعون، وأنا مبلغ ذلك صاحبي ومعلمه طاعتكم وجهادكم حتى كان الله الغالب على أمره، فأثنوا عليه خيرا.
  خرج عنهم وأتى دار أبي موسى فجاء ابن الأشتر ونزل القصر ففتح أصحابه الباب وقالوا: يا بن الأشتر آمنون نحن .
  قال: أنتم آمنون.
  فخرجوا فبايعوا المختار، ودخل المختار القصر فبات فيه وأصبح أشراف الناس في المسجد وعلى باب القصر، وخرج المختار فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، فقال: الحمد لله الذي وعد وليه النصر وعدوه الخسر، وجعله فيه إلى آخر الدهر وعدا مفعولا وقضاء مقضيا، وقد خاب من افترى، أيها الناس إنا رفعت لنا راية، ومدت لنا غاية، فقيل لنا في الراية: أن ارفعوها (18)، وفي الغاية: أن اجروا إليها ولا تعدوها.
  فسمعنا دعوة الداعي ومقالة الواعي، فكم من ناع وناعية لقتلى في الواعية، وبعدا لمن طغى وأدبر وعصى وكذب وتولى، ألا فأدخلوا أيها الناس وبايعوا بيعة هدى، فلا والذي جعل السماء سقفا مكفوفا، والأرض فجاجا سبلا، ما بايعتم بعد بيعة علي بن أبي طالب وآل علي أهدى منها .
  ثم نزل ودخل عليه أشراف الكوفة، فبايعوه على كتاب الله وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والطلب بدماء أهل البيت (عليهم السلام) وجهاد المحلين والدفع عن الضعفاء وقتال من قاتلنا وسلم من سالمنا.
  وكان ممن بايعه المنذر بن حسان وابنه حسان، فلما خرجا من عنده إستقبلهما سعيد بن منقذ الثوري في جماعة من الشيعة، فلما رأوهما قالوا: هذان والله من رؤوس الجبارين، فقتلوا المنذر وابنه حسانا، فنهاهم سعيد حتى يأخذوا أمر المختار فلم ينتهوا، فلما سمع المختار ذلك كرهه، وأقبل المختار يمني الناس ويستجر مودة الأشراف ويحسن السيرة.
  وقيل له: إن ابن مطيع في دار أبي موسى .
  فسكت، لما أمسى بعث له بمائة ألف درهم وقال: تجهز بهذه فقد علمت مكانك، وأنك لم يمنعك من الخروج إلا عدم النفقة، وكان بينهما صداقة.
  ووجد المختار في بيت المال تسعة آلاف ألف، فأعطى أصحابه الذين قاتل بهم حين حصر ابن مطيع في القصر وهم ثلاثة (آلاف) (19) وخمسمائة، لكل رجل منهم خمسمائة درهم، وأعطى ستة آلاف من أصحابه أتوه بعدما أحاط بالقصر وأقاموا معه تلك الليلة وتلك الأيام الثلاثة، مائتين مائتين، واستقبل الناس بخير وجعل الأشراف جلساءه (20).

  تتبع قتلة الحسين (ع):
  تفرغ المختار لتتبع قتلة الحسين (عليه السلام) الذين شركوا في دمه، فجد في الأمر وبالغ في النصرة، وتتبع أولئك الأرجاس فقتل ثمانية عشر ألف، ولكثرة الفتك والقتل هرب إلى البصرة من أشراف الكوفة زهاء عشرة آلاف رجل، والتحقوا بمصعب - على ما حدث الدينوري في الأخبار الطوال (21) - وكان فيهم شبث بن ربعي جاء راكبا بغلة قد قطع ذنبها وقطع أطراف أذنها في قباء مشقوق، وهو ينادي: وا غوثاه .
  فقال الأشراف لمصعب: سر بنا إلى محاربة هذا الفاسق الذي هدم دورنا، وأخذوا يحرضونه على ذلك .
  بالرغم من ذلك الجد والجهد شاءت الأقدار أن يحاصره ابن الزبير بقصر الإمارة مع أربعمائة رجل من أصحابه ثلاثة أيام أو أربعين يوما - بعد أن وقعت مقتلة عظيمة بينهما قتل فيها خلق كثير - حتى فنى طعامهم، وكان معه في القصر صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبو الطفيل عامر بن واثلة، ولما اشتد الأمر رمى بنفسه من القصر وأفلت فلم يقتل وقال: ولما رأيت الباب قد حيل دونه * تكسرت باسم الله فيمن تكسرا ولأربع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان خرج المختار بمن معه مستميتين، فقتلوا وقتل المختار عند موضع الزياتين، قتله أخوان من بني حنيفة يقال لأحدهما: طارف، وللآخر طريف ابنا عبد الله بن دجاجة .
  وقيل: قتله صراف بن يزيد الحنفي، وجاءا برأسه إلى مصعب بن الزبير، فأجازهما بثلاثين ألف درهم، ثم قطع كفه وسمرها إلى جنب المسجد الأعظم بمسمار حديد، واستمرت على هذا الحال إلى أن استولى الحجاج، فذكرت له فأنزلها وكفنها ودفنها، ثم بعث مصعب الرأس إلى أخيه عبد الله، فلم يدفع لحامله شيئا وقال له: خذ الرأس جائزتك (22).
  يقول ابن الأثير: قيل: إن مصعبا لقي ابن عمر فسلم عليه وقال له: أنا ابن أخيك مصعب.
  فقال له ابن عمر: أنت القاتل سبعة آلاف من أهل القبلة في غداة واحدة غير ما بدا لك.
  فقال مصعب: إنهم كانوا كفرة فجرة .
  فقال: والله لو قتلت عدتهم غنما من تراث أبيك لكان ذلك سرفا.
  وقال ابن الزبير لعبد الله بن عباس: ألم يبلغك قتل الكذاب ؟ قال: ومن الكذاب ؟ قال: ابن أبي عبيدة.
  قال: قد بلغني قتل المختار.
  قال: كأنك أنكرت تسميته كذابا ومتوجع له ؟ قال: ذاك رجل قتل قتلتنا وطلب ثأرنا وشفى غليل صدورنا، وليس جزاؤه منا الشتم والشماتة (23).
  ولما قتل المختار تتبع مصعب أصحابه بالكوفة، فقتل من الناهظين معه سبعة آلاف رجل كلهم خرجوا للطلب بدم الحسين (عليه السلام)، ثم بعث على حرم المختار ودعاهن إلى البراءة منه، ففعلن إلا امرأتان له، إحداهما: أم ثابت بنت سمرة بن جندب الفزاري، وثانيتهما: عمرة ابنة النعمان بن بشير الأنصاري.
  قالتا: كيف نتبرأ من رجل يقول: ربي الله، وكان صائما نهاره قائما ليله، قد بذل دمه لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله) في طلب قتلة ابن بنت رسول الله وأهله وشيعته، فأمكنه الله منهم حتى شفى النفوس.
  فكتب مصعب إلى أخيه عبد الله بخبرهما، فكتب إليه: إن رجعتا عما هما عليه وتبرأتا منه وإلا فاقتلهما .
  فعرضهما مصعب على السيف فرجعت ابنة سمرة بن جندب ولعنته، وتبرأت منه وقالت: لو دعوتني إلى الكفر مع السيف لأقررت، أشهد أن المختار كافر.
  وأبت ابنة النعمان بن بشير وقالت: شهادة أرزقها ثم أتركها، كلا إنها موتة ثم الجنة والقدوم على الرسول وأهل بيته (عليهم السلام)، والله لا يكون أتي مع ابن هند فأتبعه وأترك ابن أبي طالب، اللهم اشهد أني متبعة نبيك وابن بنته وأهل بيته وشيعته.
  فأمر بها مصعب فأخرجت إلى ما بين الحيرة والكوفة وقتلت صبرا، وفي قتلها يقول عمر بن أبي ربيعة القرشي:
إن  مـن أعـجب العجائب iiعندي        قـتـل  بـيضاء حـرة iiعـطبول
قـتلت  هـكذا عـلى غـير iiجرم        إن لـلـه درهــا مــن قـتيل
كـتـب  الـقتل والـقتال iiعـلينا        وعلى المحصنات جر الذيول (24)

**************************************************************

1 ـ تاريخ الطبري: 558 - 572، البداية والنهاية: 8 / 317 - 318، ذوب النضار: 149. 2 - الكامل في التاريخ: 4 / 278.- الأخبار الطوال: 309، تاريخ اليعقوبي: 2 / 264، تاريخ الطبري: 4 / 574، تاريخ دمشق: 69 / 296 - 297، البداية والنهاية: 8 / 319. - انظر ترجمته في: تاريخ اليعقوبي: 2 / 274، شرح نهج البلاغة: 4 / 225، سير أعلام النبلاء: 4 / 146 رقم 50، الكنى والألقاب: 1 / 106، الأعلام: 3 / 156.
2 ـ انظر: مقتل الحسين لأبي مخنف: 248 - 310، تاريخ الطبري: 4 / 426 - 471.
3 ـ أبو إسحق المختار بن أبي عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف الثقفي، كذا سرد نسبه ابن حجر في الإصابة: 7 / 223 رقم 10228، وابن الأثير في أسد الغابة: 5 / 248.
4 ـ المعارف: 226.
5 ـ سورة الزخرف: 31.
6 ـ الإصابة: 6 / 81 رقم 7974، ضمن ترجمة مسعود بن عمرو الثقفي.
7 ـ اللغوب: التعب والإعياء. الصحاح: 1 / 220.
8 ـ أي سعة وفسحة. لسان العرب: 2 / 613.
9 ـ المباءة: هي منزل القوم في كل موضع. الصحاح: 1 / 37.
10 ـ أي طلبه فأخطأ موضعه. لسان العرب: 6 / 116.
11 ـ الخازر: نهر بين الموصل وأربل، قال الحموي: هو موضع كانت عنده وقعة بين عبيد الله بن زياد وإبراهيم بن مالك الأشتر النخعي في أيام المختار ويومئذ قتل ابن زياد الفاسق. انظر: معجم البلدان: 2 / 337.
12 ـ أيدي سبأ، وأيادي سبأ، أي: تفرقوا أو تبددوا. لسان العرب: 1 / 94، القاموس المحيط: 4 / 340، وللميداني في مجمع الأمثال: 1 / 278 كلام طويل فراجع .
13 ـ أضفناه للسياق.
14 ـ مقتل الحسين لأبي مخنف: 278، تاريخ الطبري: 4 / 447، ذوب النضار: 78.
15 ـ في المطبوع والمصدر: (الهوادي)، وفي بعض المصادر: (الهرادي)، والهرادي: قصبات تضم ملوية بطاقات الكرم تحمل عليها قضبانه. لسان العرب: 3 / 436.
16 ـ اختلف في اسم أبيه، فذكر تارة (ليل)، وتارة (أبي ليلى)، وتارة (ليلى).
17 ـ في المطبوع والمصدر: (الهوادي)، وفي بعض المصادر: (الهرادي)، والهرادي: قصبات تضم ملوية بطاقات الكرم تحمل عليها قضبانه. لسان العرب: 3 / 436.
18 ـ اختلف في اسم أبيه، فذكر تارة (ليل)، وتارة (أبي ليلى)، وتارة (ليلى).
19 ـ في بعض المصادر: (تسعمائة فارس).
20 ـ إحنة: أي حقد. الصحاح: 5 / 2068.
21 ـ في بعض المصادر زيادة: (ولا تضيعوها).
22 ـ من المصدر.
23 ـ الكامل في التاريخ: 4 / 211 - 228، وكذا: مقتل الحسين: لأبي مخنف: 327 - 344، تاريخ الطبري: 4 / 496 - 509.
24 ـ الأخبار الطوال: 304.




ثورة زيد الشهيد

  ذكر السيد البراقي في كتابه تاريخ الكوفة ثورة زيد بن علي السجاد (ع) بشيء من التفصيل نوردها لكم مع شيء من التصرف وهي كما يلي:

  من هو زيد ؟
  كانت كنية زيد التي يعرف بها، أبا الحسين، أحد أولاده، وهو ذو الدمعة، وعلى هذا مشهور المؤرخين وأرباب السير والتراجم (1).
  وقد نشأ في حجر أبيه السجاد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وتخرج عليه وعلى الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام)، ومنهم أخذ لطائف المعارف وأسرار الأحكام، فأفحم العلماء وأكابر المناظرين من سائر الملل والأديان، ولا بدع ممن تخرج من مدرسة الإمامة وتربى في جامعة النبوة، أن كانت له في حلبة العلم والعرفان مواقف محمودة ومناظرات مشهودة .
  وكان عنده ما تحمله آباؤه الهداة من سرعة الجواب والوضوح في البيان ممزوجا ببراعة في الخطاب، فبلغ من ذلك كله مقاما لم يترك لأحد ملتحدا عن الإذعان له بالعبقرية والنبوغ، حتى أنك تجد المتنكبين عن خطة آبائه (عليهم السلام) لم تدع لهم الحقيقة من ندحة عن الاعتراف بفضله الظاهر، فهذا أبو حنيفة يقول: شاهدت زيد بن علي كما شاهدت أهله، فما رأيت في زمانه أفقه منه ولا أسرع جوابا ولا أبين قولا (2).

  أقوال العلماء فيه:
  وينفي الشعبي أن تلد النساء مثل زيد في الفقه والعلم (3).
  وأما الحافظ ابن شبة، وابن حجر الهيثمي، والذهبي، وابن تيمية، فكلماتهم تشهد بأنه من أكابر العلماء وأفاضل أهل البيت في العلم والفقه (4).
  ومن عثرنا على كلامه من أصحابنا الإمامية، وجدناه مصرحا بفضله في العلم وتبصره بالمناظرات .
  وكان عمر بن موسى الوجيهي يقول: رأيت زيد بن علي (رضي الله عنه) فما رأيت أحدا يفضله في معرفة الناسخ والمنسوخ والمتشابه من الكتاب المجيد (5).
  وفي حديث أبي خالد الواسطي: صحبت زيدا بالمدينة خمس سنين، كل سنة أقيم شهرا وقت الحج ولم أفارقه حتى أقدم الكوفة، فما رأيت مثله في العلم، فلذا اخترت صحبته (6).
  ويشهد لذلك كله حديث أبي غسان الأزدي قال: قدم زيد بن علي الشام أيام هشام بن عبد الملك، فما رأيت رجلا أعلم بكتاب الله منه، ولقد حبسه هشام خمسة أشهر وهو يقص علينا ونحن معه في الحبس تفسير سورة الحمد وسورة البقرة هذا ذلك هذا (7)، وذكر الكتاب فقال فيه:
  واعلموا رحمكم الله أن القرآن والعمل به يهدي للتي هي أقوم، لأن الله شرفه وكرمه ورفعه وعظمه، وسماه روحا ورحمة وشفاء وهدى ونورا، وقطع منه بمعجز التأليف أطماع الكائدين، وأبانه بعجيب النظم عن حيل المتكلفين، وجعله متلوا ومسموعا لا تمجه الآذان، وغضا لا يخلق من كثرة الرد، وعجيبا لا تنقضي عجائبه، ومفيدا لا تنفد فوائده، والقرآن على أربعة أوجه: حلال وحرام لا يسع الناس جهله، وتفسير لا يعلمه إلا العلماء، وعربية تعرفها العرب، وتأويل لا يعلمه إلا الله، وهو ما يكون مما لم يكن ، واعلموا رحمكم الله أن للقرآن ظهرا وبطنا وحدا ومطلقا، فظهره تنزيله، وبطنه تأويله، وحده فرائضه وأحكامه، ومطلقه ثوابه وعقابه.
  وقد كان زيد بن علي مصدرا لجمع كثير من حملة الآثار وعليه معولهم، لما عرفوا منه غزارة في العلم ونزاهة في التحمل والنشر، أمثال ابنه يحيى، ومحمد بن مسلم، ومحمد بن بكير، وعبيد الله بن صالح، وهاشم بن الزبير، وأبي جعفر بن أبي زياد الأحمر، وأبي الجارود زياد بن المنذر، وكثير بن طارق، وعمر بن موسى ابن الوجهي، وعبيد الله بن أبي العلاء، ورزين بياع الأنماط، وأبان بن عثمان الأجلح، والفضيل، وعمر بن خالد، والزهري، والأعمش، وسعيد بن خيثم، وإسماعيل السدي، وزبيد اليامي، وزكريا بن زائدة، وعبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة، وابن أبي الزناد، وشعبة.
  وفي التحفة الاثني عشرية لعبد العزيز الدهلوي: أن أبا حنيفة أخذ العلم والطريقة من الإمام الباقر ومن الصادق (عليهما السلام) ومن عمه زيد بن علي بن الحسين (عليه السلام) (8).
  وفي الروض النضير: تلمذ أبو حنيفة على زيد مدة سنتين ولم يمنعه من التجاهر بذلك إلا سلطان بني أمية، وكان سلمة بن كهيل ويزيد بن أبي زياد وهارون ابن سعيد وأبو هاشم الرماني وحجاج بن دينار في عدد كثير من فقهاء الكوفة، يأتون إلى زيد ويأخذون منه العلم والفقه، وكانوا على رأيه (9).
  وتروي الزيدية: أن جماعة كثيرة روت الحديث عن زيد، ذكر أسماءهم في الروض ج 1 ص 62.
  وعن تهذيب الكمال للحافظ المزي: أن آدم بن عبد الله الخثعمي وإسحق بن سالم وبسام الصيرفي وراشد بن سعد الصائغ وزياد بن علاقة وعبد الله بن عمرو بن معاوية، حملوا الحديث عن زيد (10).
  وهؤلاء غير رجالات أهل البيت الهاشمي، كإبراهيم بن الحسن المثنى وأخيه الحسن المثلث والحسين ابن الإمام زين العابدين (عليه السلام) وعبيد الله وعبد الله ابني محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فإنهم كانوا يأتون إليه ويأخذون منه العلم والحديث (11).
  وقد كان لزيد الشهيد المثل الأعلى للفضائل بعد الأئمة الهداة (عليهم السلام)، فقد احتذى مثال آبائه في كثرة العبادة والاستغفار والتفكر في آلاء الله وصنائعه، فطار صيته بذلك واشتهر بأنه حليف القرآن والعبادة (12).
  قال أبو الجارود: قدمت المدينة فجعلت كلما أسأل عن زيد قيل لي: ذاك حليف القرآن، ذاك أسطوانة المسجد، من كثرة صلاته (13).
  ويقول أبو حنيفة حينما يسئل عنه: هو حليف القرآن منقطع القرين (14).
  وفي كلام الفخري والذهبي والشبلنجي وأحمد بن حميد: أنه من أكابر الصلحاء وأعاظم أهل البيت عبادة وزهدا وورعا ودينا وخضوعا (15).
  وكان زيد الشهيد معروفا بفصاحة المنطق، وجزالة القول، والسرعة في الجواب، وحسن المحاضرة، والوضوح في البيان، والإيجاز في تأدية المعاني على أبلغ وجه، وكان كلامه يشبه كلام جده علي بن أبي طالب (عليه السلام) بلاغة وفصاحة (16).
  فلا بدع إذن إن عده الجاحظ من خطباء بني هاشم (17)، ووصفه أبو إسحق السبيعي والأعمش بأنه أفصح أهل بيته لسانا وأكثرهم بيانا (18).
  ويشهد له: أن هشام بن عبد الملك لم يزل منذ دخل زيد الكوفة، يبعث الكتاب إثر الكتاب إلى عامله بالعراق، يأمره بإخراج زيد من الكوفة ومنع الناس من حضور مجلسه، لأنه الجذاب للقلوب بعلمه الجم وبيانه السهل، وأن له لسانا أقطع من السيف وأحد من شبا الأسنة، وأبلغ من السحر والكهانة، ومن النفث في العقد (19).
  وجوابه لهشام بن عبد الملك يوم قال له: بلغني أنك تذكر الخلافة وتتمناها ولست هناك وأنت ابن أمة، شاهد عدل على تلك الدعوى التي لم تقع محل التشكيك، فلقد بان عليه في ذلك المجلس المحتشد بوجوه أهل الشام العجز والانقطاع (20).

  زيد بن علي وبدايات النهوض للثورة:
  كان السبب الوحيد الدافع للشهيد زيد على النهضة هو (21): تنبيه الأمة على زلات ولاة الأمر، وتعريفهم مضار تلك السطوة الغاشمة وذلك الحكم الجائر، ولولا نهضة الهاشميين في سائر الأنحاء والأزمان لذهب الدين الحنيف الذي لاقى المتاعب صادعة، وكابد في تأييده كل شدة إدراج المنكرات، وذلك النهوض الباهر أفاد الأمة شعورا وإحساسا بما عليه القوة العادية من الأخذ بالمشاق والحكم بالشفاعات، كما عرفهم الصالح للقيام بتلك الوظيفة التي لا يقوم بها إلا نبي أو وصي نبي، ولا شك في محبوبية ذلك القيام للأئمة الأطهار (22)، لما فيه من فوائد ومنافع أهمها إبقاء الناس على موالاتهم واعتقاد تقدمهم ومظلوميتهم، وإليه يشير الإمام الصادق (عليه السلام) بقوله: « خير الناس بعدنا من ذاكر بأمرنا ودعا إلى ذكرنا » (23).
  وكون زيد قاصدا تلك الغاية فشئ لا ينكر، خصوصا بعدما نقرأ في حديث أهل البيت المتواتر: « إنما دعا إلى الرضا من آل محمد ولو ظفر لوفى بما دعا إليه، إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه » (24).
  وقوله لجابر بن عبد الله الأنصاري: إني شهدت هشاما ورسول الله يسب عنده، فوالله لو لم يكن إلا أنا وآخر لخرجت عليه (25).
  تعرفنا هذه المصارحة مقاصده العالية، ونيته الحسنى في أمة جده واسترجاع الإمامة إلى أهلها، تراجمة الوحي ومصدر الحكم والأسرار، فلقد تلاعب الأمويون بالدين الإسلامي تلاعب الصبيان بالأكر .
  لم يوقفه عن الإصحار بالحقيقة كل ما كان يلاقيه من الذل والهوان من هشام بن عبد الملك، فإنه كان يقيم بالشام الأيام المتطاولة، وفي كل يوم يطلب الإذن من هشام ليرفع إليه القصص، وفيها الشكايات من سوء معاملة عماله معه، فلم يأذن له، في حين أنه يشاهد الإذن للأذناب ومن لاحظ له في العلم والعرفان، وإذا أذن له أمر أهل المجلس بالتضايق وعدم التوسع له، لئلا يظهر للناس كلامه وحسن بيانه، ولكن لم يمنعه ذلك من الجواب وأداء المقصود والرد عليه، فكان يسمع هشاما من الكلام ما هو أحد من السيف وأنفذ من السهم (26).
  قال هشام لزيد في جملة تلك الأيام - وقد احتشد المجلس بأهل الشام -: ما يصنع أخوك البقرة.
  فغضب زيد حتى كاد يخرج من إهابه وقال: سماه رسول الله (صلى الله عليه وآله) الباقر وأنت تسميه البقرة لشد ما اختلفتما، لتخالفه في الآخرة كما خالفته في الدنيا فيرد الجنة وترد النار.
  فانقطع هشام عن الجواب وبان عليه العجز ولم يستطع دون أن صاح بغلمانه: أخرجوا هذا الأحمق المائق، فأخذه الغلمان بيده فأقاموه (27).
  وفي حديث عبد الأعلى الشامي: أن زيدا بن علي لما قدم الشام ثقل ذلك على هشام، لما كان فيه من حسن الخلق وحلاوة اللسان، فشكا ذلك إلى مولى له.
  فقال: ائذن للناس إذنا عاما وأحجب زيدا، ثم ائذن له في آخر الناس، فإذا دخل عليك وسلم فلا ترد عليه، ولا تأمره بالجلوس، فإذا رأى أهل الشام هذا سقط من أعينهم.
  ففعل بكل ما أشار عليه، أذن للناس وحجبه ثم أذن له في آخر الناس، ولما دخل عليه قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فلم يرد عليه.
  فقال: السلام عليك يا أحول، فإنك ترى نفسك أهلا لهذا الاسم.
  فقال له هشام: بلغني أنك تذكر الخلافة وتتمناها ولست هناك وأنت ابن أمة.
  فقال له زيد: إن الأمهات لا يقعدن بالرجال عن الغايات، وقد كانت أم إسماعيل أمة لأم إسحق، فلم يمنعه ذلك أن بعثه الله نبيا وجعله أبا للعرب وأخرج من صلبه خير الأنبياء محمدا (صلى الله عليه وآله)، وأخرج من إسحق القردة والخنازير وعبدة الطاغوت (28).
  فغضب هشام وأمر بضربه ثمانين سوطا (29).
  فخرج زيد من المجلس وهو يقول: لن يكره قوم حر السيوف إلا ذلوا.
  فحملت كلمته إلى هشام فعرف أنه خارج عليه، فقال: ألستم تزعمون أن أهل هذا البيت قد بادوا، فلعمري ما انقرض من مثل هذا خلفهم (30).
  وتمثل زيد هذين البيتين:
إن الـمحكم مـا لـم يـرتقب iiحـسدا        لـو  يرهب السيف أو وخز القنا (هتفا)
مـن عـاذ بـالسيف لاقى فرجة عجبا        موتا على عجل أو عاش فانتصفا (31)
.
  وتمثل بهذه الأبيات أيضا (32):
شـرده  الـخوف وأزرى iiبـه        كـذاك  مـن يطلب حر iiالجلاد
منخرق  الكفين يشكو ii(الوجى)        تـنكبه  أطـراف مـر iiحـداد
قـد كـان في الموت له iiراحة        والـموت  حتم في رقاب العباد
إن يـحـدث الله لــه دولـة        يترك آثار العدى كالرماد (33)
  لما ولي يوسف بن عمر الثقفي العراق لهشام بن عبد الملك، أخذ يحاسب خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز البجلي ثم القسري على بيت المال، وكان قبله واليا على العراق فحبسه وعذبه، فادعى خالد أنه اشترى أرضا بالمدينة من زيد بن علي (رضي الله عنه) بعشرة آلاف دينار، فكتب يوسف بن عمر إلى هشام بذلك، فاستحضر زيدا وسأله عن الأرض، فأنكر واستحلفه فحلف له فخلى سبيله.
  وكتب يوسف بن عمر كتابا ثانيا، يقول فيه: إن خالدا ادعى أنه أودع مالا جزيلا عند زيد بن علي، ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، وداود بن علي بن عبد الله ابن العباس بن عبد المطلب، وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وأيوب ابن سلمة بن عبد الله بن العباس بن الوليد المخزومي.
  فكتب هشام إلى عامله بالمدينة أن يحمل إليه الجماعة، فحملهم إليه مكرهين، ولما اجتمعوا عند هشام سألهم عن المال فأنكروا فاستحلفهم فحلفوا، وأقر بعضهم بأنه لم يستفد من خالد سوى الجائزة.
  فقال لهم هشام: إنا باعثون بكم إلى يوسف بن عمر ليجمعكم مع خالد.
  فقال زيد: نشدتك بالله يا هشام والرحم أن لا تبعث بنا إليه فإنا نخاف أن يتعدى علينا.
  فقال: كلا أنا باعث معكم رجلا من الحرس يأخذه بذلك .
  فبعث هشام بهم إلى العراق، واجتنب أيوب بن سلمة لخؤلته، فقدموا على يوسف بن عمر فسألهم عن المال فأنكروا، ثم قال زيد: كيف يودعني خالد المال وهو يشتم آبائي على منبره .
  فأخرج خالدا إليهم وقال له: هؤلاء الذين ادعيت عندهم.
  فاعترف بأنه لم يكن له عندهم شيء، فغضب يوسف وقال: أفبي تهزأ أم بأمير المؤمنين ؟ وضربه حتى خشي عليه الهلاك.
  فقال زيد لخالد: ما الذي دعاك إلى ذلك ؟ قال: شدة العذاب ورجوت به الفرج (34).
  أقام الشهيد زيدا بالكوفة أياما بعد أن وضح حاله للوالي وعرف براءته من تلك التهمة، ثم قفل راجعا إلى المدينة، وفي القادسية أو الثعلبية لحقه جماعة من أهل الكوفة واستجاروا به من جور الأمويين وظلمهم الفاحش، وطلبوا منه المصير إلى بلادهم، وقالوا له: نحن أربعون ألفا نضرب بأسيافنا دونك، وليس من عندنا من أهل الشام إلا عدة وبعض قبائلها يكفيهم بإذن الله تعالى، وأعطوه العهود والمواثيق أن لا يخذلوه .
  فقال لهم: إني أخاف أن تفعلوا معي كفعلكم مع أبي وجدي.
  فحلفوا له بالأيمان المغلظة على أن يجاهدوا بين يديه.
  فلما عزم على موافقتهم عرفه جماعة ممن يمحضه الود والنصيحة غدر أهل الكوفة، وأنهم لا ثبات لهم في قول ولا عمل، لما أجاب أهل الكوفة ورجع إليها عظم ذلك على صحبه وأهل بيته، فبالغوا في تخويفه وعرفوه عواقب هذا الوفاق لما عليه أولئك الخونة من الشقاق والميل إلى الأطماع، وأول من حذره داود بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، وكان مع زيد بالثعلبية، قال له: لا يغروك هؤلاء من نفسك، أليس قد خذلوا من كان أعز عليهم منك ؟ جدك علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتى قتل والحسن (عليه السلام) من بعده، بايعوه ثم وثبوا عليه فانتزعوه رداءه من عنقه وانتهبوا فسطاطه وجرحوه ؟ أوليس قد أخرجوا جدك الحسين (عليه السلام) وحلفوا له بأوكد الأيمان ثم خذلوه وأسلموه ثم لم يرضوا بذلك حتى قتلوه ؟ فلا ترجع معهم .
  فقال كل من حضر من أهل الكوفة: إن هذا لا يريد أن تظهر أنت، ويزعم أنه وأهل بيته أحق بهذا الأمر منكم .
  فقال زيد لداود: إن معاوية كان يقاتل عليا (عليه السلام) بذهابه، وأن الحسين (عليه السلام) قاتله يزيد والأمر عليهم مقبل .
  فقال له داود: إني لخائف إن رجعت إليهم أن لا يكون أحد أشد عليك منهم، ومضى داود إلى المدينة ورجع زيد إلى الكوفة (35).
  دخل زيد الكوفة في شهر شوال سنة 120، وقيل: سنة 119، فأقام بالكوفة خمسة عشر شهرا وفي البصرة شهرين (36) فأخذت الشيعة وغيرهم من المحكمة (37) تختلف إليه يبايعونه، فبلغ ديوانه خمسة وعشرين ألفا، وقيل: أربعين ألفا.
  وقال أبو معمر: بلغ ثمانين ألفا كلهم من أهل الكوفة (38)، وبايعه من أهل المدائن والبصرة وواسط والموصل والجزيرة والري وخراسان وجرجان خلق كثير (39)، وفيمن بايعه من أهل الكوفة: نصر بن خزيمة العبسي، ومعاوية بن إسحاق ابن زيد بن حارث الأنصاري، وحجية بن الأجلح الكندي، وكان نصر على إحدى مجنبتيه، وكان معمر بن خيثم وفضيل الرسان يدخلان الناس عليه وعليهم براقع لئلا يعرف موضع زيد (40).
  وبايعه من فقهاء الكوفة وقضاتها ومحدثيها عدد كثير، نذكر بعضا ممن وقفنا عليه كمثل يتعرف منه القراء أن الشهيد زيد لم يتبعه سواد الناس ومن لا معرفة له بمقاصد الرجال الناهضين، بل الذين اتبعوه مع هؤلاء خواص الناس ومن لهم المعرفة التامة بالسبب الدافع لزيد على هذه النهضة الهاشمية التي لم يقصد بها إلا إحياء السنة وإقامة العدل، وإليك أسماء من بايعه من الفقهاء:
  1 ـ عبد الله بن شبرمة بن الطفيل، من بني ضبة، كان فقيها، شاعرا، تابعيا، تقلد القضاء للمنصور على سواد الكوفة، توفي بالكوفة سنة 144 (41).
2 ـ الأعمش، سليمان بن مهران، أحد أعلام الشيعة بالكوفة، روى في فضل الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) عشرة آلاف حديث، ولد سنة 60 وتوفي سنة 148 (42).
  3 ـ مسعر بن كدام، من بني صعصعة، من مشاهير رواة الحديث في الكوفة، كان يبسط له في المسجد الأعظم لبد (43) يجلس عليه يحدث، طلبه المنصور للقضاء فأبى، ومات سنة 152 ولم يتول شيئا من ذلك (44).
  4 ـ قيس بن الربيع الأسدي، كان من فقهاء الكوفة، ولكثرة أحاديثه وسماعه الحديث قيل له: الحوال، قال أبو الوليد: كتبت عن قيس ستة آلاف حديث، توفي بالكوفة سنة 168 (45).
  5 ـ الحسن بن عمارة البجلي، مولى لهم، تولى قضاء بغداد، وتوفي سنة 153 (46).
6 ـ أبو حصين عثمان بن عاصم بن حصين، من بني جشم، كان من المحدثين بالكوفة، مات سنة 128 (47).
  وهؤلاء الستة نص على بيعتهم لزيد وأخذهم برأيه وتنشيط الناس على متابعته، (حميد بن أحمد) في الحدائق الوردية (48).
  7 ـ يزيد بن أبي زياد القرشي، الهاشمي، مولاهم، كان أحد أعلام الشيعة بالكوفة، مات سنة 137 (49).
  8 ـ هارون بن سعيد العجلي، ويقال: الجعفي، الأعور، الفقيه، كان من حملة الآثار في الكوفة، عده ابن معين من غلاة الشيعة (50).
  9 ـ حجاج بن دينار كان كثير الرواية، أخذ عنه العلماء والمحدثون (51).
  10 ـ أبو هاشم الرماني، اسمه يحيى بن دينار، من الفقهاء التابعين (52).
  11 - منصور بن المعتمر، يكنى أبا عتاب، كان رفيعا عاليا في الشيعة، كثير الحديث، توفي سنة 132، ولاه يزيد بن عمر القضاء، فجلس للناس وتقدموا إليه فجعل يقول: لا أحسن، حتى عزل (53).
  12 ـ أبو اليقظان عثمان بن عمير، الثقفي، الكوفي، البجلي، قال ابن معين: كان غاليا في التشيع، مؤمنا بالرجعة، يكتب حديثه، مات ما بين العشرين والثلاثين بعد المائة (54).
  13 ـ سفيان الثوري، نسبة إلى ثور بن عبد مناة، سمي بذلك لأنه نزل جبل ثور الذي به الغار، كان من أعيان فقهاء الكوفة ورواة الحديث، استقضاه المهدي على الكوفة فامتنع، وتولاه شريك بن عبد الله النخعي فقال الشاعر: تحرز سفيان (وفر) بدينه * وأمسى شريك مرصدا للدراهم (55) مات بالبصرة سنة 161، وكان مختفيا من السلطان، قال في الروض النضير: بايع زيدا على الخروج، ولما بلغه قتل زيد قال: لقد بذل مهجته لربه وقام بالحق لخالقه ولحق بالشهداء المرزوقين من آبائه (56).
  14 ـ محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، كان من أصحاب الرأي، تولى قضاء الكوفة وأقام حاكما 33 سنة، ولي لبني أمية ثم لبني العباس، ومات على القضاء سنة 148 وله 74 سنة (57).
  15 ـ زبيد بن الحارث اليامي، نسبة إلى يام بطن من همدان، كان من الشيعة المحدثين في الكوفة ومن التابعين (58).
  16 ـ الحسن بن (سعد) الفقيه، كان راوية للحديث في الكوفة (59).
  17 ـ هلال بن (حباب) (60)، كان عالما، فاضلا، راويا، تولى قضاء المدائن، ومات بها سنة 144. ذكر بيعة هؤلاء أبو الفرج في المقاتل (61).
  18 ـ سليمان بن خالد بن دهقان بن نافلة، مولى عفيف بن معدي كرب، عم الأشعث بن قيس لأبيه، وأخوه لأمه أبو الربيع بن الأقطع، كان سليمان من رجال الشيعة ومحدثيها، روى الحديث عن أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله الصادق (عليهما السلام)، خرج مع زيد ولم يخرج من أصحاب أبي جعفر (عليه السلام) معه غيره، ولما أسر أتي به إلى يوسف بن عمر الثقفي، فقطع يده، فقيل له: الأقطع. مات في حياة الصادق (عليه السلام) فتوجع لفقده، ودعا لولده وأوصى بهم أصحابه، وكان لسليمان كتاب رواه عن عبد الله بن مسكان (62).
  هذا ما وقفنا عليه من موافقة فقهاء الكوفة على هذه النهضة التي ذكرت الناس جور الخلفاء، ولم يمنع أولئك الفقهاء من الخروج معه إلا تخاذل الناس عنه وخوف السلطان، وكان الأعمش يقول: لولا ضرارة بي لخرجت معه، والله ليخذلنه أهل العراق وليسلمنه كما فعلوا بجده وعمه (63).
  لم يزل هشام بن عبد الملك منذ عرف بقاء زيد في الكوفة، يبعث إلى العامل يوسف بن عمر الثقفي الرسل والكتب، يستحثه فيها على إخراج زيد من الكوفة، لئلا يبايعه أهلها، فإنه الجذاب للقلوب بعلمه وورعه ولسانه ونسبه.
  وبعد أن وقف الوالي على الكتب وفهم رأي الخليفة، طلب زيدا طلب الخرزة، وكتب إلى عامله على الكوفة - الحكم بن الصلت من آل بني عقيل - وهو يومئذ بالحيرة يأمره بطلب زيد، فخفي على الحكم موضعه، فدس مملوكا خراسانيا ألكن (64) وأعطاه خمسة آلاف درهم وأمره أن يلطف ببعض الشيعة فيخبره أنه قدم من خراسان حبا لأهل البيت وأن معه مالا يريد أن يقويهم به .
  فلم يزل المملوك يلقى الشيعة ويخبرهم عن المال الذي معه، حتى أدخلوه على زيد فسلمه المال ثم خرج من عنده وأعلم يوسف بن عمر بموضعه (65).
  وجاء سليمان بن سراقة البارقي إلى يوسف بن عمر ودله على رجلين يختلفان إلى زيد وقد بايعاه، يقال لأحدهما: عامر، وللآخر: طعمة من بني تميم ابن أخت لبارق، وأن زيدا نازل فيهم، فبعث يوسف عليهما فجيء بهما ولم يوجد زيد في منزلهما ولما كلمهما استبان له أمر زيد وأصحابه، فأمر بالرجلين فضربت أعناقهما.
  لما عرف زيد من يوسف بن عمر التطلب له والإستبحاث عن أمره وتتبع شيعته، وبلغه خبر الرجلين اللذين أخذا وقتلا، خاف على نفسه أن يؤخذ غيلة، فتعجل الخروج قبل الأجل الذي كان بينه وبين الأمصار، وأمر من ثبت معه بالتهيؤ والاستعداد، وكان ظهوره بالكوفة ليلة الأربعاء أول ليلة من صفر سنة (122) (66)، ونص أبو الفرج في المقاتل: أنه خرج ليلة الأربعاء لسبع بقين من المحرم (67)، وإذا لاحظنا ما أثبته من استدامة الحرب يومين فقط، وأنه قتل يوم الجمعة من صفر، يتبين الخطأ في ذلك الحكم.
  قال ابن جرير الطبري: جمع الحكم بن الصلت أهل الكوفة في المسجد الأعظم قبل خروج زيد، وبعث إلى العرفاء والشرط والمناكب والمقاتلة فحصرهم في المسجد، ومكث الناس ثلاثة أيام وثلاث ليالي في المسجد الأعظم يؤتى إليهم بالطعام والشراب من منازلهم، ونادى مناديه: ألا إن أمير المؤمنين يقول: من أدركنا زيدا في رحله فقد برئت منه الذمة.
  وكان يومئذ على ربع المدينة إبراهيم بن عبد الله بن جرير البجلي، وعلى ربع مذحج وأسد عمرو بن أبي بذل العبدي، وعلى ربع كندة وربيعة المنذر بن محمد ابن الأشعث بن قيس الكندي، وعلى ربع تميم وهمدان محمد بن مالك الهمداني ثم الخيواني.
  في يوم الثلاثاء قبل خروج زيد، أمر الحكم بن الصلت بدروب السوق فغلقت وغلقت أبواب المسجد على أهل الكوفة، وبعث إلى يوسف بن عمر وهو بالحيرة يعلمه الحال، فأمر يوسف مناديه فنادى في أصحابه: من يأتي الكوفة ويقترب من هؤلاء القوم، فركب جعفر بن العباس الكندي في خمسين فارسا حتى انتهى إلى جبانة سالم السلولي، فعرف موضعهم ورجع إليه (68).
  وفي ليلة الأربعاء أول ليلة من صفر، طلبوا زيدا في دار معاوية بن إسحاق بن زيد ابن حارثة الأنصاري فلم يجدوه، لأنه خرج من دار معاوية في ليلة شديدة البرد والظلمة، وأصحابه يستضيئون بالهرادي يشعلون فيها النار، وما زالوا على هذا الحال طول ليلهم وشعارهم كأصحاب بدر: يا منصور أمت.
  وفي صباح يوم الأربعاء، خرج يوسف بن عمر إلى تل قريب من الحيرة، فنزل عليه ومعه جماعة من كبار قريش وأشراف الناس، وبعث الريان بن سلمة الأراشي في ألفين وثلاثمائة من القيقانية (69) معهم النشاب، قوة لصاحب شرطته العباس بن سعيد المزني، وفي هذا اليوم بعث زيد القاسم بن كثير بن يحيى بن صالح بن يحيى ابن عزيز بن عمرو بن مالك بن خزيمة التنعي (70) ثم الحضرمي، ورجلا آخر يقال له: صدام، يناديان بشعارهما: يا منصور أمت، فالتقيا مع جعفر بن العباس الكندي في صحراء عبد القيس واقتتلا معهم، فقتل صدام وارتث القاسم فأسر وجئ به إلى ابن الصلت، فكلمه فلم يرد عليه، فأمر به فضربت عنقه على باب القصر، فقالت ابنته سكينة ترثيه:
عـين  جـودي لـقاسم بن iiكثير        بــدرور مـن الـدموع غـزير
أدركـتـه  سـيوف قـوم iiلـئام        من أولي الشرك والردى والشرور
سـوف  أبـكيك مـا تغنى iiحمام        فـوق  غصن من الغصون iiنضير
  لم يواف زيدا ممن بايعه في هذا اليوم غير مائتين وثمانية عشر رجلا، فقال زيد: سبحان الله أين الناس ؟ قيل: إنهم محصورون في المسجد الأعظم.
  قال: والله ما هذا لمن بايعنا بعذر.
  وسمع نصر بن خزيمة النداء، فأقبل إليه ولقي عمرو بن عبد الرحمن صاحب شرطة الحكم بن الصلت في خيله من جهينة عند دار الزبير بن حكيمة في الطريق الخارج إلى مسجد بني عدي، فقال نصر بن خزيمة: يا منصور أمت.
  فلم يرد عليه شيئا، فحمل عليه نصر وأصحابه فقتل عمرو بن عبد الرحمن وانهزم من كان معه، وأقبل نصر إلى زيد، فالتقى معه في جبانة الصائدين، وفيها خمسمائة من أهل الشام فحمل عليهم زيد فيمن معه فهزمهم، وتحت زيد برذون بهيم اشتراه رجل من بني نهد بن كهمس بن مروان النجاري بخمسة وعشرين دينارا ثم صار بعد زيد إلى الحكم بن الصلت، وانتهى زيد إلى باب رجل من الأزد يقال له: أنس بن عمرو، وكان ممن بايعه، فناداه زيد: يا أنس اخرج إلي رحمك الله فقد جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.
  فلم يخرج إليه، فقال زيد: ما أخلفكم فقد فعلتموها الله حسيبكم.

  ثورة زيد في الكناسة:
  ومضى زيد حتى انتهى إلى الكناسة، وكان بها جماعة من أهل الشام، فحمل عليهم وهزمهم ثم خرج حتى أتى الجبانة، وكانت فيما بين الحيرة والكوفة، ويوسف بن عمر على تل قريب من الحيرة معه من قريش وأشراف الناس نحو مائتي رجل، فيهم حزام بن مرة المزني وزمزم بن سليم الثعلبي، ولو أقبل على يوسف لقتله، وكان الريان بن سلمة يتبع أثر زيد في أهل الشام فمانعه عن التوجه نحو يوسف بن عمر، فأخذ زيد على مصلى خالد بن عبد الله القسري حتى دخل الكوفة وقد انشعب أصحابه لما قصد الجبانة، فذهب بعضهم نحو جبانة مخنف بن سليم ثم تراجعوا إلى جبانة كندة، وبينا هم يسيرون إذ طلعت عليهم خيل أصحاب يوسف بن عمر فلما رأوهم دخلوا زقاقا ونجوا منهم إلا رجلا دخل مسجدا يصلي فيه ركعتين، وبعد أن فرغ خرج إلى أصحاب يوسف وقاتلهم فتكاثروا عليه وصرعوه وحمل عليه رجل بعمود فقتله، وخرج أولئك النفر الذين دخلوا الزقاق وقاتلوا أصحاب يوسف بن عمر فاقتطع أهل الشام منهم رجلا دخل دار عبد الله بن عوف فهجموا عليه وأسروه وأتوه به إلى يوسف بن عمر فقتله .
  ولما دخل زيد الكوفة أشار عليه نصر بن خزيمة بالتوجه نحو المسجد الأعظم لاجتماع الناس فيه .
  فقال له زيد: إنهم فعلوها حسينية.
  فقال نصر: أما أنا فأضربن معك بسيفي هذا حتى أقتل.

  اصطكاك الأسنة عند المسجد الأعظم:
  وبينما يسير زيد نحو المسجد الأعظم، إذ طلع عليه عبيد الله بن العباس الكندي في أهل الشام والتقى معه على باب عمر بن سعد بن أبي وقاص، فأراد الحملة عبيد الله وتكعكع مولاه سلمان وبيده اللواء، فصاح به: احمل يا بن الخبيثة.
  فحمل عليهم ولم ينصرف حتى خضب اللواء بالدم، وضرب واصل الحناط عبيد الله وقال: خذها وأنا الغلام الحناط، فلم تعمل فيه شيئا .
  وقال عبيد الله: قطع الله يدي إن أكلت بقفيز أبدا.
  ثم ضرب الحناط فلم يصنع شيئا واشتد القتال بينهم، ولكثرة من قتل من أصحاب عبيد الله فر بمن بقي معه وانتهى إلى دار عمرو بن حريث، وكانت في السبخة قريبة من المسجد الأعظم، وأقبل زيد بأصحابه وانتهى إلى باب الفيل، فأدخل أصحابه راياتهم من فوق الأبواب وهم يقولون: يا أهل المسجد أخرجوا إلى العز، اخرجوا إلى الدين والدنيا، فإنكم لستم في دين ولا دنيا.
  فأشرف عليهم أهل الشام يرمونهم بالحجارة من فوق المسجد.
  وفي عشية الأربعاء انصرف الريان بن سلمة إلى الحيرة، وخرج زيد فيمن معه فنزل دار الرزق، فأتاه الريان بن سلمة وقاتله هناك قتالا شديدا، فخرج بعض أصحاب الريان وقتل منهم كثير وفر الباقون، فتبعهم أصحاب زيد من دار الرزق حتى انتهوا إلى المسجد، ورجع أهل الكوفة عشية الأربعاء بأسوأ حال.
  وفي صباح يوم الخميس الثاني من صفر، بعث يوسف بن عمر العباس بن سعيد المزني صاحب شرطه في جماعة من أصحابه، فأتوا زيدا وهو في دار الرزق، فاقتتلوا هناك والطريق متضايق بخشب كثير للنجار، وعلى ميمنة زيد وميسرته نصر بن خزيمة العبسي ومعاوية بن إسحاق الأنصاري، فصاح العباس بأصحابه: الأرض الأرض.
  فنزلوا عن خيولهم واشتد القتال، فضرب نائل بن فروة نصر بن خزيمة على فخذه وضربه نصر فقتله، ولم يلبث نصر أن مات، وقتل في هذه الصدمة من أصحاب العباس بن سعيد نحو من سبعين رجلا وفر الباقون، وفي عشية الخميس عبأ يوسف بن عمر أصحابه وسيرهم إلى زيد فاقتتلوا، ثم كشفهم زيد إلى السبخة واشتد القتال فيها، فكانت الدبرة (71) على أصحاب يوسف بن عمر، وتبعهم زيد بمن معه حتى أخرجهم إلى بني سليم وطاردهم في خيله ورجاله فأخذوا طريق المسناة، ثم ظهر لهم فيما بين بارق ورؤاس (72) فقاتلهم، وصاحب لوائه عبد الصمد ابن أبي مالك بن مسروح من بني سعد بن زيد حليف العباس بن عبد المطلب، وكان مسروح السعدي متزوجا صفية بنت العباس بن عبد المطلب، وتمثل زيد يوم السبخة بأبيات ضرار بن الخطاب الفهري التي قالها يوم الخندق (73):
مـهلا  بـني عمنا iiظلامتنا        إن  بـنا سـورة من iiالقلق
لـمثلكم  نحمل السيوف iiولا        نـغمز أحـسابنا من iiالرقق
إنــي لأنـمى إذا iiانـتميت        إلى عز عزيز ومعشر صدق
بـيض  سـباط كأن أعينهم        تـكحل يـوم الهياج iiبالعلق
  وفي حديث محمد بن فرات الكوفي: كان الناس ينظرون إلى زيد يقاتل يوم السبخة وعلى رأسه سحابة صفراء تدور معه حيثما دار (74).
  وبينما زيد يقاتل أصحاب يوسف بن عمر، إذ انفصل رجل من كلب على فرس له رائع وصار بالقرب من زيد، فشتم الزهراء فاطمة (عليها السلام)، فغضب زيد وبكى حتى ابتلت لحيته والتفت إلى من معه وقال: أما أحد يغضب لفاطمة، أما أحد يغضب لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، أما أحد يغضب لله ؟ قال سعيد بن خيثم: أتيت إلى مولى لي كان معه مشمل (75) فأخذته منه وتسترت خلف النظارة والناس يومئذ فرقتان مقاتلة ونظارة، ثم صرت وراء الكلبي وقد تحول من فرسه وركب بغلة، فضربته في عنقه فوقع رأسه بين يدي البغلة، وشد أصحابه علي وكادوا يرهقونني، فلما رأى أصحابنا ذلك كبروا وحملوا عليهم واستنقذوني، فركبت البغلة وأتيت زيدا فقبل بين عيني وقال: أدركت والله ثأرنا، أدركت والله شرف الدنيا والآخرة وذخرهما، ثم أعطاني البغلة.
  وسار زيد حتى انتهى إلى الجسر ونادى أصحابه: والله لو كنت أعلم عملا أرضى لله من قتال هؤلاء لفعلته، وقد كنت نهيتكم أن لا تتبعوا مدبرا، ولا تجهزوا على جريح، ولا تفتحوا بابا مغلقا، ولكني سمعتهم يسبون عليا (عليه السلام) فاقتلوهم من كل وجه، فوالله لا ينصرني رجل عليهم اليوم إلا أخذت بيده وأدخلته الجنة.
  واشتد القتال، فكانت خيل أهل الكوفة لا تثبت لخيل أصحاب زيد، فبعث العباس بن سعيد المزني إلى يوسف بن عمر يستمده الرجال والخيل، فمده بسليمان بن كيسان الكلبي في القيقانية والنجارية وهم نشابة (76)، وحرص زيد حين انتهوا إليه أن يصرفهم نحو السبخة فلم يتمكن، وفي هذه الصدمة قاتل معاوية بن إسحاق حتى قتل، وكان زيد يتمثل:
أذل  الـحياة وعـز iiالـممات        وكــلا  أرآه طـعاما وبـيلا
فـإن كـان لابـد مـن iiواحد        فسيري إلى الموت سيرا جميلا
  رمي زيد بسهم الغدر:
  ولما جنح الليل من ليلة الجمعة الثالثة من صفر سنة 121 ه‍ رمي زيد بسهم غرب (77) أصاب جبهته ووصل إلى الدماغ، فرجع زيد ورجع أصحابه، ولم يظن أصحاب يوسف بن عمر إلا أنهم رجعوا للمساء والليل، وكان الرامي له مملوك ليوسف بن عمر اسمه راشد، ويقال من أصحابه اسمه داود بن كيسان.
  وجاء بزيد أصحابه فأدخلوه بيت حران بن كريمة مولى لبعض العرب في سكة البريد (78) في دور أرحب وشاكر، وجاؤا بطبيب يقال له: شقير - وفي مقاتل أبي الفرج، اسمه: سفيان - فقال له الطبيب: إن نزعته من رأسك مت.
  فقال: الموت أهون علي مما أنا فيه.

  رحيل زيد واستشهاده (رضي الله عنه):
  فأخذ الكلبتين فانتزعه، فساعة انتزعه مات رضوان الله عليه، ولعن قاتله وخاذله، وكان له يوم قتله اثنتان وأربعون سنة على ما نص عليه ابن سعد في الطبقات (79) والمقريزي في الخطط (80) والشيخ المفيد في الإرشاد (81)، وعلى ذلك جمهور المؤرخين (82).
  لما بلغ يوسف بن عمر قتل زيد، أقبل من الحيرة ودخل الكوفة ورقى المنبر وخطب خطبة هدد بها أهل الكوفة، ثم نزل وبعث أصحابه يطوفون في دور الكوفة يلتمسون الجرحى، فكانوا يخرجون النساء إلى صحن الدار ويفتشون البيوت، ثم نادى مناديه: ألا من جاء برأس فله خمسمائة درهم.
  فجاءه محمد بن عباد برأس نصر بن خزيمة، فأمر له بألف درهم، وجاءه الأحول مولى الأشعريين برأس معاوية بن إسحاق فقال له: أنت قتلته ؟ قال: لا، ولكني رأيته فعرفته.
  فأمر له بسبعمائة درهم ولم يمنعه من الألف إلا أنه لم يقتله.

  دفن زيد في بطن النهر:
  لما قتل زيد اختلف أصحابه في دفنه ومواراته، بصورة تخفى عن الأعداء خوفا من إخراجه والتمثيل به، فقال بعضهم: نلبسه درعه ونطرحه في الماء، وهذه الوسيلة تمناها الصادق (عليه السلام)، قال لسليمان بن خالد: « كم بين الموضع الذي واروه فيه وبين الفرات ؟ » قال سليمان: قذفة حجر.
  فقال الصادق (عليه السلام): « سبحان الله، أفلا كنتم أوقرتموه حديدا وقذفتموه في الفرات وكان أفضل » (83).
  وأشار بعض من حضر من أصحابه بدفنه في العباسية وهي النخيلة، وارتأى آخرون حز رأسه وإلقاءه بين القتلى حتى لا يعرف.
  فلم يوافق ابنه يحيى على هذا الرأي وقال: لا والله لا تأكل لحم أبي الكلاب (84).
  يشير إلى أن هذه الوسيلة لإخفاء الجسد الطاهر عن الأعداء لا يدفع محذور التمثيل به، فإن الكلاب لا تصل إليه وتتحاماه، فيوجب ذلك اهتداء الأعداء إليه فيعود المحذور.
  قال سلمة بن ثابت: لما كثر الخلاف بين أصحابه، أشرت عليه أن ننطلق به إلى نهر هناك وندفنه فيه فقبلوا الرأي، وكان في النهر ماء كثير حتى إذا أمكنا له دفناه ووضعنا عليه الحشيش والتراب وأجري عليه الماء، وكان النهر في بستان رجل يقال له: زائدة، وقيل: يعقوب.

  استخراج جثة زيد والتمثيل بها:
  دخل يوسف بن عمر الكوفة بعد قتل زيد وتطلب مكان دفنه، ونادى مناديه: ألا من أخبر بمكان دفنه فله الجائزة.
  فجاءه الطبيب الذي أخرج السهم، وكان حاضرا دفنه فأعلمه بمكانه، وكان مملوكا لعبد الحميد الرواسي، وقيل: إن مملوكا سنديا لزيد بن علي أخبر بمكان دفنه.
  وحدث أبو مخنف عن كهمس: أن نبطيا كان يسقي زرعا له بتلك الناحية رآهم حين دفنوه فأخبر به.
  وبعد أن استبان للوالي موضع دفنه بعث العباس بن سعيد المزني، وفي نقل آخر: بعث الحجاج بن القاسم بن محمد بن أبي عقيل ويقال: بعث خراش بن حوشب بن يزيد الشيباني وكان على شرط يوسف بن عمر، وحمل الجسد الطاهر على جمل وكان عليه قميص هروي، فألقي على باب القصر فخر كأنه جبل، فأمر يوسف بن عمر بقطع رأسه.
  وفي حديث أبي مخنف: قطع رأسه ابن الحكم بن الصلت، فإن الحكم بن الصلت بعث ابنه وصاحب الشرطة العباس بن سعيد المزني لاستخراج زيد، فكره العباس أن يغلب ابن الحكم عليه فتركه، وسرح الحجاج بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل بشيرا إلى يوسف بن عمر.

  صلب زيد في الكناسة:
  لما جيء بالجسد الطاهر وألقي أمام الوالي - وكان هناك عدد كثير من جثث أصحابه - أمر بالجسد فصلب منكوسا بسوق الكناسة، وصلب معه أصحابه وفيهم معاوية بن إسحاق ونصر بن خزيمة العبسي وزياد الهندي، وأمر بحراسة زيد لئلا ينزل من الخشبة، وكان فيمن يحرسه زهير بن معاوية بن جديح بن الرحيل.
  حدث ابن تيمية في منهاج السنة: لما صلب زيد كان أهل الكوفة يأتون خشبته ليلا ويتعبدون عندها (85).
  وبقي مرفوعا على الخشبة زمنا طويلا حتى اتخذته الفاختة وكرا، قيل: سنة وأشهرا، وقيل: ثلاث سنين، وقيل: أربع سنين، وقيل: خمس سنين، وقيل: ست سنين.

  حرق جثة زيد الشهيد:
  ثم أمر هشام بإحراقه، وقيل: إن الذي أمر بإحراقه الوليد بن يزيد بن عبد الملك عند ظهور يحيى بن زيد سنة 125 كتب إلى يوسف بن عمر: إذا أتاك كتابي فأنزل عجل أهل العراق وانسفه في اليم نسفا، فلما وقف على الكتاب أمر خراش بن حوشب (86) فأنزله من جذعه وأحرقه بالنار وجعله في قواصر وحمله في السفينة وذراه في الفرات.
  وفي حديث أبي حمزة الثمالي: بعد أن أحرقه دق عظمه بالهواوين وذراه بالعريض من أسفل العاقول (87).
  لما قطع يوسف بن عمر رأسه، بعث به وبرؤوس أصحابه إلى هشام بن عبد الملك مع زهرة بن سليم، وفي ضيعة أم الحكم ضربه الفالج فانصرف وأتته جائزته من هشام، ودفع هشام لمن أتاه بالرأس عشرة دراهم، ونصبه على باب دمشق.
  ويروى أنه: ألقى الرأس أمامه فأقبل الديك ينقر رأسه، فقال بعض من حضر من الشاميين:
اطـردوا  الديك عن ذوابة زيد        فلقد كان لا يطأه الدجاج (88)
  بعث رأس الشهيد إلى مدينة الرسول (ص):
  بعث هشام بالرأس من الشام إلى مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله)، فنصب عند قبر النبي (صلى الله عليه وآله) يوما وليلة، وكان العامل على المدينة محمد بن إبراهيم بن هشام المخزومي، فتكلم معه ناس من أهل المدينة أن ينزله فأبى إلا ذلك، فضجت المدينة بالبكاء من دور بني هاشم وكان كيوم الحسين (عليه السلام).

  بعث رأس الشهيد إلى مصر:
  ثم سير الرأس الشريف إلى مصر، فنصب بالجامع فسرقه أهل مصر ودفنوه في مسجد محرس الخصي.
  قال الكندي في كتاب الأمراء: قدم إلى مصر سنة 122 أبو الحكم بن أبي الأبيض القيسي خطيبا برأس زيد بن علي يوم الأحد لعشر خلون من جمادي الآخرة واجتمع عليه الناس في المسجد.
  وذكر الشريف (الحسن بن) (89) محمد بن أسعد الجواني في كتاب الجوهر المكنون في ذكر القبائل والبطون: أن رأس زيد بن علي دفن بمصر بين الكومين بطريق جامع ابن طولون وبركة الفيل، وهذا المسجد يعرف بمسجد محرس الخصي، وهو مشهد صحيح، لأنه طيف به بمصر ثم نصب على المنبر بالجامع سنة 122 (90).

**************************************************************

1 ـ انظر: تاريخ الإسلام: 8 / 105 ، ومنهاج السنة: 1 / 35.
2 ـ الإمامة والسياسة: 60 - 63.
3 ـ انظر ترجمته في: الطبقات الكبرى: 5 / 325 ، تاريخ الطبري: 5 / 481 ، مقاتل الطالبيين: 86 ، الارشاد للمفيد: 1 / 171 ، تهذيب الكمال: 10 / 95 رقم 2120 ، تاريخ دمشق: 19 / 450 رقم 2344 ، سير أعلام النبلاء: 5 / 389 رقم 178 ، تهذيب التهذيب: 3 / 362 رقم 769.
4 ـ الخطط المقريزية: 4 / 307 ، الأعلام: 3 / 59.
5 ـ المصدر السابق.
6 ـ الفهرست للشيخ الطوسي: 186 رقم 7 ، وفيه: وما رأيت أعلم بكتاب الله عزوجل وناسخه ومنسوخه ومشكله واعرابه منه.
7 ـ الروض النضير: 1 / 128.
8 ـ الهذ: سرعة القراءة. لسان العرب: 3 / 517.
9 ـ التحفة الاثني عشرية: 8 ، طبع بمبي.
10 ـ الورض النضير: 1 / 66.
11 ـ تهذيب الكمال: 10 / 96.
12 ـ الروض النضير: 1 / 65.
13 ـ راجع المصدر السابق.
14 ـ سر السلسلة العلوية: 57 ، مقاتل الطالبيين: 88 ، الارشاد: 2 / 172.
15 ـ الخطط المقريزية: 4 / 307.
16 ـ انظر: نور الأبصار للشبلنجي: 402 ، والحدائق الوردية: 1 / 138.
17 ـ الحدائق الوردية: 1 / 138.
18 ـ البيان والتبيين: 1 / 190.
19 ـ الخطط المقريزية: 4 / 307.
20 ـ تاريخ الطبري: 5 / 482 ، نور الأبصار للشبلنجي: 84.
21 ـ تاريخ الطبري: 5 / 486 ، العقد الفريد: 4 / 32 ، شرح نهج البلاغة: 3 / 386.
22 ـ انظر: عيون أخبار الرضا: 2 / 225 ، الارشاد: 2 / 171 ، وسائل الشيعة: 15 / 53.
23 ـ عن عباد بن صهيب عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال: دخل زيد بن علي على أخيه أبي جعفر الباقر (عليه السلام) فلما رآه تلا هذه الآية: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله) ثم قال: أنت والله يا زيد من أهل ذلك. الروض النضير: 1 / 55.
24 ـ أمالي الطوسي: 224 ح 40 ، بشارة المصطفى: 175 ح 147 ، وعنه في البحار.
25 ـ الكافي: 8 / 264 ح 381 ، وسائل الشيعة: 15 / 50 ح 1.
26 ـ الكافي: 8 / 395 ح 593 ، كشف الغمة: 2 / 353 ، بحار الأنوار: 46 / 192 ح 59.
27 ـ الارشاد: 2 / 172 ، روضة الواعظين: 270 ، الكامل في التاريخ: 5 / 231 ، كشف الغمة: 2 / 241.
28 ـ عيون الأخبار لابن قتيبة: 1 / 312 ، سر السلسلة العلوية: 33 ، مناقب آل أبي طالب: 3 / 328 ، شرح نهج البلاغة: 3 / 286.
29 ـ الارشاد: 2 / 172 ، روضة الواعظين: 270 ، الكامل في التاريخ: 5 / 231 ، كشف الغمة: 2 / 241.
30 ـ عيون الأخبار لابن قتيبة: 1 / 312 ، سر السلسلة العلوية: 33 ، مناقب آل أبي طالب: 3 / 328 ، شرح نهج البلاغة: 3 / 286.
31 ـ العقد الفريد: 2 / 381 ، تاريخ دمشق: 19 / 471 ، وفيه: أنه خرج من مجلسه وأنشأد يقول:
مـهلا  بني عمنا عن نحت أثلتنا        سـيروا رويدا كما كنتم iiتسيرونا
لا  تـطمعوا أن تهينونا ونكرمكم        وأن  نـكف الأذى عنكم iiوتؤذونا
الله  يـعـلم أنــا لا iiنـحـبكم        ولا نـلـومـكم ألا iiتـحـبـونا
كل امرئ مولع في بغض صاحبه        نـحـمد  الله نـقلوكم iiوتـقلونا
32 ـ تذكرة الخواص: 333.
33 ـ سر السلسة العلوية: 58 ، عمدة الطالب: 256.
34 ـ تاريخ دمشق: 19 / 467 ، سير أعلام النبلاء: 5 / 390 ، وفي المطبوع: (صفا) ، وما أثبتناه من المصادر.
35 ـ مروج الذهب: 2 / 181.
36 ـ العقد الفريد: 1 / 32 ، تاريخ اليعقوبي: 2 / 326 ، مروج الذهب: 2 / 181 ، تاريخ
دمشق: 66 / 346 ، وفي المطبوع: (الجوى) ، وما أثبتناه من المصادر ، والوجى: الحفا. 37 ـ مقاتل الطالبيين: 90 - 91 ، تاريخ الطبري: 5 / 482 - 483 العقد الفريد: 4 / 32.
38 ـ مقاتل الطالبيين: 91 ، تاريخ الطبري: 5 / 488 ، الخطط المقريزية: 4 / 310.
39 ـ عمدة الطالب: 256.
40 ـ المحكمة: هم الخوارج سموا بذلك لقولهم: لا حكم إلا لله.
41 ـ الروض النضير: 1 / 75.
42 ـ تاريخ الطبري: 5 / 491 ، سر السلسلة العلوية: 58 ، مقاتل الطالبيين: 91 ، الخطط المقريزية: 4 / 310 ، عمدة الطالب: 256 ، وفي أكثر المصادر: (خمسة عشر) بدل: (خمسة وعشرين).
43 ـ تاريخ الطبري: 5 / 502 ، الروض النضير: 1 / 75.
44 ـ انظر ترجمته في: الطبقات الكبرى: 6 / 350 ، التاريخ الكبير: 5 / 117 رقم 349 ، تاريخ خليفة: 283 ، تهذيب الكمال: 15 / 76 رقم 2328 ، معرفة الثقات: 2 / 33 رقم 901 ، مشاهير علماء الأمصار: 265 رقم 1333 ، تهذيب التهذيب: 12 / 329.
45 ـ الطبقات الكبرى: 6 / 342 ، طبقات خليفة: 278 ، التاريخ الكبير: 4 / 37 رقم 1886 ، معرفة الثقات: 1 / 432 رقم 676 ، الثقات لابن حبان: 4 / 302 ، تهذيب التهذيب: 4 / 195 رقم 286 ، تذكرة الحفاظ: 1 / 154 رقم 149 ، سير أعلام النبلاء: 6 / 226 رقم 110 ، ميزان الاعتدال: 2 / 224 رقم 3517.
46 ـ اللبد: الصوف. الصحاح: 2 / 533.
47 ـ الطبقات الكبرى: 6 / 364 ، التاريخ الكبير: 8 / 13 رقم 1971 ، معرفة الثقات: 2 / 274 رقم 1710 ، تهذيب الكمال: 27 / 461 رقم 5906 ، تهذيب التهذيب: 10 / 102 رقم 210 ، سير أعلام النبلاء: 7 / 163 رقم 55.
48 ـ الطبقات الكبرى: 6 / 377 ، طبقات خليفة: 287 ، التاريخ الكبير: 7 / 156 رقم 704 ، معرفة الثقات: 2 / 220 رقم 1530 ، تهذيب الكمال: 24 / 25 رقم 4903.
49 ـ الطبقات الكبرى: 6 / 368 ، التاريخ الكبير: 2 / 303 رقم 2549 ، تاريخ بغداد: 7 / 356 رقم 3870 ، تهذيب الكمال: 6 / 265 رقم 1252 ، ميزان الاعتدال: 1 / 513 رقم 1918 ، تهذيب التهذيب: 2 / 263 رقم 532.
50 ـ الطبقات الكبرى: 6 / 321 ، طبقات خليفة: 270 ، التاريخ الكبير: 6 / 240 رقم 2277 معرفة الثقات: 2 / 129 رقم 1213 ، تاريخ دمشق: 38 / 397 رقم 4607 ، تهذيب الكمال: 19 / 401 رقم 3828 ، سير أعلام النبلاء: 5 / 412 رقم 182.
51 ـ الحدائق الوردية في أحوال الأئمة الزيدية ، للفقيه أبي عبد الله حسام الدين حميد بن أحمد المحلي الهمداني المعروف بالقاضي الشهيد ، وفي المطبوع: (أحمد بن حميد) ، وما أثبتناه من المصدر. انظر: الذريعة: 6 / 291 رقم 1562 و 20 / 194 رقم 2540 ، معجم المؤلفين: 4 / 84.
52 ـ تهذيب الكمال: 32 / 135 رقم 6991 ، سير أعلام النبلاء: 6 / 129 رقم 41 ، تهذيب التهذيب: 11 / 287 رقم 531.
53 ـ تهذيب التهذيب: 11 / 6 رقم 9.
54 ـ التاريخ الكبير للبخاري: 2 / 375 رقم 2820 ، الثقات لابن حبان: 6 / 205 ، تهذيب الكمال: 5 / 435 رقم 1118 ، سير أعلام النبلاء: 7 / 77 رقم 33.
55 ـ الطبقات الكبرى: 7 / 310 ، تاريخ ابن معين: 1 / 369 ، التاريخ الكبير: 9 / 92 رقم 991 ، تهذيب الكمال: 34 / 362 رقم 7680 ، ميزان الاعتدال: 4 / 581 رقم 10686.
56 ـ الطبقات الكبرى: 6 / 337 ، تاريخ ابن معين: 1 / 250 رقم 1645 ، تاريخ خليفة: 326 التاريخ الكبير: 7 / 346 رقم 1491 ، الثقات لابن حبان: 7 / 473 ، تهذيب الكمال: 28 / 546 رقم 6201 ، تهذيب التهذيب: 10 / 277 رقم 547.
57 ـ الجرح والتعديل: 6 / 161 رقم 884 ، تهذيب الكمال: 19 / 469 رقم 3851 ، تهذيب التهذيب: 7 / 132 رقم 293.
58 ـ انظر: تفسير الثوري: 25 ، السنن الكبرى للبيهقي: 10 / 99 ، وفي المطبوع: (وفاز) ، وما أثبتناه من المصادر.
59 ـ الروض النضير: 1 / 55. وانظر: الطبقات الكبرى: 6 / 371 ، معرفة الثقات: 1 / 407 رقم 625 ، تهذيب الكمال: 11 / 154 رقم 2407 ، سير أعلام النبلاء: 7 / 229 رقم 82.
60 ـ الطبقات الكبرى: 6 / 358 ، معرفة الثقات: 2 / 86 رقم 1072 ، تهذيب الكمال: 25 / 622 رقم 5406 ، ميزان الاعتدال: 3 / 613 رقم 7825 ، تهذيب التهذيب: 9 / 268 رقم 503.
61 ـ الطبقات الكبرى: 6 / 309 ، التاريخ الكبير: 3 / 450 رقم 1499 ، معرفة الثقات: 1 / 367 رقم 491 ، الثقات لابن حبان: 6 / 341 ، مشاهير علماء الأمصار: 263 رقم 1322 ، سير أعلام النبلاء: 5 / 296 رقم 141 ، ميزان الاعتدال: 2 / 66 رقم 2829.
62 ـ مقاتل الطالبيين: 100 ، وفي المطبوع: (سعيد) ، وما أثبتناه من المصدر.
63 ـ في المطبوع: (خباب) ، وما أثبتناه من المصدر.
64 ـ مقاتل الطالبيين: 98 - 101 ، تسمية من عرف ممن خرج مع زيد بن علي من أهل العلم ونقلة الآثار والفقهاء.
65 - رجال النجاشي: 183 ، رجال الطوسي: 2 / 644 رقم 664 ، الجرح والتعديل للرازي: 4 / 131 رقم 570 ، الثقات لابن حبان: 8 / 280.
66 ـ الروض النضير: 1 / 55.
67 ـ اللكنة: عجمة في اللسان وعي. الصحاح: 6 / 2196.
68 ـ انظر: مقتل الحسين لأبي مخنف: 31 ، أنساب الأشراف: 79 ، تاريخ الطبري: 4 / 270 ، مقاتل الطالبيين: 64 ، الارشاد: 2 / 45 ، روضة الواعظين: 174 ، إعلام الورى: 1 / 439 ، مثير الأحزان: 21.
69 ـ انظر: تاريخ الطبري: 5 / 499 ، وفي المطبوع: (111) ، وما أثبتناه من المصدر.
70 ـ مقاتل الطالبيين: 92.
71 ـ تاريخ الطبري: 5 / 499.
72 ـ نسبة إلى قيقان وهي بلاد قرب طبرستان. معجم البلدان: 4 / 423.
73 ـ هكذا أورده في الطبري ، وفي المقاتل: (التبعي) ، والتبعي نسبة إلى بني تنع بطن من همدان ، وقيل: نسبة إلى تنعة مدينة قرب حضرموت.
74 ـ الدبرة: أي الهزيمة. النهاية لابن الأثير: 2 / 98.
75 ـ في المقاتل: (دواس).
76 ـ وتمثل بها علي (عليه السلام) يوم صفين ، والحسين (عليه السلام) يوم الطف ، ويحيى بن زيد يوم الجوزجان ، وإبراهيم بن عبد الله المحض يوم باخمرى .
77 ـ انظر: مقاتل الطالبيين: 89.
78 ـ المشمل: سيف صغير يتغطى تحت الثوب. القاموس المحيط: 3 / 403.
79 ـ في المقاتل: 96: (القيقانية وهم نجارية) ، وفي الطبري: (والبخارية) بدل: (والنجارية) ، والبخارية: سكة بالبصرة أسكنها عبيد الله بن زياد أهل بخارى الذين نقلهم من بخارى إلى البصرة وبنى لهم هذه السكة فعرفت بهم. معجم البلدان: 1 / 356.
80 ـ يقال: سهم غرب: إذا كان لا يعرف راميه ، وقيل: إذا أتاه من حيث لا يدري. النهاية لابن الأثير: 3 / 350.
81 ـ تقع هذه السكة بالقرب من المسجد الأعظم ، وفيها بنى خالد القسري لأمه بيعة وكانت نصرانية. معجم البلدان: 1 / 532.
82 ـ الطبقات الكبرى: 5 / 326.
83 ـ الخطط للمقريزي: 4 / 312.
84 ـ الارشاد: 2 / 174.
85 ـ انظر: تاريخ دمشق: 19 / 456 عمدة الطالب: 258 ، تهذيب الكمال: 10 / 98.
86 ـ الكافي: 8 / 251 ح 351 ، وسائل الشيعة: 3 / 207 ح 3421.
87 ـ في المقاتل: السباع.
88 ـ منهاج السنة: 1 / 35.
89 ـ وفي ذلك يقول السيد الحميري:
بـت لـيلي مـسهدا        ساهر الطرف iiمقصدا
ولـقد قـلت iiقـولة        وأطـلـت iiالـتـلبدا
لـعـن الله iiحـوشبا        وخـراشـا ومـزيدا
ويــزيـدا iiفـإنـه        كـان أعـتى iiوأعندا
ألف  ألف وألف iiألف        مـن الـلعن iiسرمدا
إنـهم  حـاربوا الآل        وآذوا  مــحـمـدا
شـركـوا  فـي iiدم        الـمطهر زيـد iiتعندا
ثـم  عـالوه iiفـوق        جـذع صريعا iiمجردا
يا خراش بن iiحوشب        أنت أشقى الورى غدا
90 ـ العاقول: معظم البحر أو موجه ، ومعطف الوادي والنهر. القاموس المحيط: 4 / 19.




يوم الزاوية ... حادثة الحجاج وابن الأشعث

  أورد السيد البراقي في كتابه تاريخ الكوفة ملخصًا عن ثورة ابن الأشعث جاء فيه ما يلي:
  لما فرغ الحجاج وعبد الرحمن بن الأشعث من وقعة يوم الزاوية - وهي الوقعة الشديدة في البصرة التي اقتتل فيها عسكر الحجاج وعسكر ابن الأشعث في المحرم سنة 82، وأسفرت النتيجة عن انهزام عبد الرحمن وجيشه إلى الكوفة - أقام الحجاج أول صفر بالبصرة ثم خرج منها واستعمل عليها الحكم بن أيوب الثقفي حتى دخل الكوفة، وكان قد استعمل عليها عند مسيره إلى البصرة عبد الرحمن بن عبد الله بن عامر الحضرمي في القصر ووثب أهل الكوفة مع مطر، فأخرج ابن الحضرمي ومن معه من أهل الشام وكانوا أربعة آلاف واستولى مطر على القصر واجتمع الناس وفرق فيهم مائتي درهم مائتي درهم.
  وصل ابن الأشعث إلى الكوفة وكان مطر بالقصر فخرج أهل الكوفة يستقبلونه ودخل الكوفة وقد سبق إليه همدان، فكانوا حوله فأتى القصر فمنعه مطر بن ناجية ومعه جماعة من بني تميم فاصعد عبد الرحمن الناس في السلاليم إلى القصر فأخذوه فأتي عبد الرحمن بمطر بن ناجية فحبسه ثم أطلقه وصار معه، فلما استقر عبد الرحمن بالكوفة اجتمع إليه الناس وقصده أهل البصرة منهم عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة الهاشمي بعد قتاله الحجاج بالبصرة، وقتل الحجاج يوم الزاوية بعد الهزيمة أحد عشر ألفا خدعهم بالأمان، وأمر مناديا فنادى لا أمان لفلان بن فلان فسمى رجالا، فقال العامة: قد أمن الناس فحضروا عنده فأمر بهم فقتلوا (1).

  وأورد ابن الاثير في كتابه الكامل في التاريخ ج 4 عن الحادثة ما يلي:
  وقعة يوم الزاوية:
  دخلت سنة اثنتين وثمانين ذكر الحرب بين الحجاج وابن الأشعث قيل في المحرم من هذه السنة اقتتل عسكر الحجاج وعسكر عبد الرحمن بن الأشعث قتالا شديدا فتزاحفوا في المحرم عدة دفعات فلما كان ذات يوم في آخر المحرم اشتد قتالهم فانهزم أصحاب الحجاج حتى انتهوا إليه وقاتلوا على خنادقهم ثم إنهم تزاحفوا آخر يوم من المحرم فجال أصحاب الحجاج وتقوض صفهم فجثى الحجاج على ركبتيه وقال لله در مصعب ما كان أكرمه حين نزل به ما نزل وعزم على أنه لا يفر .
  فحمل سفيان بن الأبرد الكلبي على الميمنة التي لعبد الرحمن فهزمها وانهزم أهل العراق وأقبلوا نحو الكوفة مع عبد الرحمن وقتل منهم خلق كثير منهم عقبة بن عبد الغافر الأزدي وجماعة من القراء قتلوا ربضة واحدة معه.
  ولما بلغ عبد الرحمن الكوفة تبعه أهل القوة وأصحاب الخيل من أهل البصرة واجتمع من بقي في البصرة مع عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب فبايعوه فقاتل بهم الحجاج خمس ليال أشد قتال رآه الناس ثم انصرف فلحق بابن الأشعث وتبعه طائفة من أهل البصرة وقتل منهم طفيل بن عامر بن واثلة فقال أبوه يرثيه وهو من الصحابة:
خـلى  طـفيل عـلي الهم iiفانشعبا        وهـد ذلـك ركـني هـدة iiعـجبا
مـهما  نـسيت فلا أنساه إذ iiحدقت        بــه الأسـنة مـقتولا iiومـنسلبا
وأخـطـأتني الـمنايا لا iiتـطالعني        حـتى  كـبرت ولم يتركن لي نسبا
وكـنت  بـعد طـفيل كالتي iiنضبت        عنها السيول وغاض الماء فانقضبا
  وهي أبيات عدة وهذه الوقعة تسمى يوم الزاوية: فأقام الحجاج أول صفر واستعمل على البصرة الحكم بن أيوب الثقفي وسار عبد الرحمن إلى الكوفة وقد كان الحجاج استعمل عليها عند مسيره إلى البصرة عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عامر الحضرمي حليف بني أمية فقصده مطر بن ناجية اليربوعي فتحصن منه ابن الحضرمي في القصر ووثب أهل الكوفة مع مطر فأخرج ابن الحضرمي ومن معه من أهل الشام وكانوا أربعة آلاف واستولى مطر على القصر واجتمع الناس وفرق فيهم مائتي درهم مائتي درهم.
  فلما وصل ابن الأشعث إلى الكوفة كان مطر بالقصر فخرج أهل الكوفة يستقبلونه ودخل الكوفة وقد سبق عليه همدان فكانوا حوله فأتى القصر فمنعه مطر بن ناجية ومعه جماعة من بني تميم فأصعد عبد الرحمن الناس في السلاليم إلى القصر فأخذوه فأتي عبد الرحمن بمطر بن ناجية فحبسه ثم أطلقه وصار معه فلما استقر عبد الرحمن بالكوفة اجتمع إليه الناس وقصده أهل البصرة منهم عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة الهاشمي بعد قتاله الحجاج بالبصرة .
  وقتل الحجاج يوم الزاوية بعد الهزيمة أحد عشر ألفا خدعهم بالأمان وأمر مناديا فنادى لا أمان لفلان بن فلان فسمى رجالا فقال العامة قد أمن الناس فحضروا عنده فأمر بهم فقتلوا .

  ذكر وقعة دير الجماجم:
  وكانت وقعة دير الجماجم في شعبان من هذه السنة وقيل كانت سنة ثلاث وثمانين.
  وكان سببها أن الحجاج سار من البصرة إلى الكوفة لقتال عبد الرحمن بن محمد فنزل دير قرة وخرج عبد الرحمن من الكوفة فنزل دير الجماجم فقال الحجاج إن عبد الرحمن نزل دير الجماجم ونزلت دير القرة أما تزجر الطير واجتمع إلى عبد الرحمن أهل الكوفة وأهل البصرة والقراء وأهل الثغور والمسالح بدير الجماجم فاجتمعوا على حرب الحجاج لبغضه وكانوا مائة ألف ممن يأخذ العطاء ومعهم مثلهم وجاءت الحجاج أيضا أمداد من الشام قبل نزوله بدير قرة وخندق كل منهما على نفسه فكان الناس يقتتلون كل يوم ولا يزال أحدهما بدني خندقه من الآخر.
  ثم إن عبد الملك وأهل الشام قالوا إن كان يرضى أهل العراق بنزع الحجاج عنهم نزعناه فإن عزله أيسر من حربهم ونحقن بذلك الدماء فبعث عبد الملك ابنه عبد الله وأخاه محمد بن مروان وكان محمد بأرض الموصل إلى الحجاج في جند كثيف وأمرهما أن يعرضا على أهل العراق عزل الحجاج وأن يجريا عليهم أعطياتهم كما يجرى على أهل الشام وأن ينزل عبد الرحمن بن محمد أي بلد شاء من بلد العراق فإذا نزله كان واليا عليه ما دام حيا وعبد الملك خليفة فإن أجاب أهل العراق إلى ذلك عزلا الحجاج عنها وصار محمد بن مروان أمير العراق وإن أبى أهل العراق قبول ذلك فالحجاج أمير الجماعة ووالي القتال ومحمد بن مروان وعبد الله بن عبد الملك في طاعته .
  ولم يأت الحجاج أمر قط كان أشد عليه ولا أوجع لقبله من ذلك فخاف أن يقبل أهل العراق عزله فيعزل عنهم، فكتب إلى عبد الملك:
  والله لو أعطيت أهل العراق نزعي لم يلبثوا إلا قليلا حتى يخالفوك ويسيروا إليك ولا يزيدهم ذلك إلا جراءة عليك ألم تر ويبلغك وثوب أهل العراق مع الأشتر على ابن عفان وسؤالهم نزع سعيد بن العاص فلما نزعه لم تتم لهم السنة حتى ساروا إلى عثمان فقتلوه وإن الحديد بالحديد يفلح .
  فأبى عبد الملك إلا عرض عزله على أهل العراق فلما اجتمع عبد الله ومحمد مع الحجاج خرج عبد الله بن عبد الملك وقال يا أهل العراق أنا ابن أمير المؤمنين وهو يعرض عليكم كذا وكذا فذكر هذه الخصال فقالوا نرجع العشية فرجعوا واجتمع أهل العراق عند ابن الأشعث فقال لهم قد أعطيتم أمر انتهازكم اليوم إياه فرصة وإنكم اليوم على النصف فإن كانوا اعتدوا عليكم بيوم الزاوية فأنتم تعتدون عليهم بيوم تستر فاقبلوا ما عرضوا عليكم وأنتم أعزاء أقوياء لقوم هم لكم هائبون وأنتم لهم منتقضون فوالله لا زلتم عليهم جرآء وعندهم أعزاء أبدا ما بقيتم ان أنتم قبلتم .
  فوثب الناس من كل جانب فقالوا إن الله قد أهلكهم فأصبحوا في الضنك والمجاعة والقلة والذلة ونحن ذوو العدد الكثير والسعر الرخيص والمادة القريبة لا والله لا نقبل وأعادوا خلعه ثانية .
  وكان أول من قام بخلعه بدير الجماجم عبد الله بن ذؤاب السلمي وعمير بن تيجان وكان اجتماعهم على خلعه بالجماجم أجمع من خلعهم إياه بفارس.
  فقال عبد الله بن عبد الملك ومحمد بن مروان للحجاج شأنك بعسكرك وجندك واعمل برأيك فإنا قد أمرنا ان نسمع لك ونطيع فقال قد قلت انه لا يراد بهذا الأمر غيركم فكانا يسلمان عليه بالإمرة ويسلم عليها بالإمرة فلما اجتمع أهل العراق بالجماجم على خلع عبد الملك قال عبد الرحمن إلا إن بني مروان يعيرون بالزرقاء والله ما لهم نسب أصح منه إلا أن بني العاص أعلاج من أهل صفورية فإن يكن هذا الأمر من قريش فمني تقويت بيضة قريش وإن يك في العرب فأنا ابن الأشعث ومد بها صوته يسمع الناس وبرزوا للقتال .
  فجعل الحجاج على ميمنته عبد الرحمن بن سليم الكلبي وعلى ميسرته عمارة بن تميم اللخمي وعلى خيله سفيان بن الأبرد الكلبي وعلى رجاله عبد الله بن خبيب الحكمي وجعل عبد الرحمن بن محمد على ميمنه الحجاج بن حارث الخثعمي وعلى ميسرته الأبر بن قرة التميمي وعلى خيله عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة الهاشمي وعلى رجاله محمد بن سعد بن أبي وقاص وعلى مجنبته عبد الله بن رزام الحارثي وجعل على القراء جبلة بن زحر بن قيس الجعفي وفيهم سعيد بن جبير وعامر الشعبي وأبو البختري الطائي عبد الرحمن بن أبي ليلى .
  ثم أخذوا يتزاحفون كل يوم ويقتتلون وأهل العراق تأتيهم موادهم من الكوفة وسوادها وهم في خصب وأهل الشام في ضنك قد غلت عليهم الأسعار وفقد عندهم اللحم كأنهم في حصار وهم على ذلك يعادون القتال ويراوحون فلما كان اليوم الذي قتل فيه جبلة بن زحر بن قيس وكانت كتيبته تدعى القراء تحمل عليهم فلا يبرحون وكانوا قد عرفوا بذلك وكان فيهم كميل بن زياد وكان رجلا ركينا فخرجوا ذات يوم كما كانوا يخرجون وعبئ الحجاج صفوفه وعبئ عبد الرحمن أصحابه وعبئ الحجاج لكتيبة القراء ثلاث كتائب وبعث عليها الخراج بن عبد الله الحكمي فأقبلوا نحوهم فحملوا على القراء ثلاث حملات كل كتيبة تحمل حملة فلم يبرحوا وصبروا.
  ذكر وفاة المغيرة بن المهلب وفي هذه السنة مات المغيرة بن المهلب بخراسان وكان قد استخلفه أبوه المهلب على عمله بخراسان فمات في رجب سنة اثنتين وثمانين فأتى الخبر يزيد بن المهلب وأهل العسكر فلم يخبروا المهلب فأمر يزيد النساء فصرخن فقال المهلب ما هذا فقيل مات المغيرة فاسترجع وجزع حتى ظهر جزعه فلامه بعض خاصته ثم دعا يزيد ووجهه إلى مرو ووصاه بما يعمل وأن دموعه تنحدر على لحيته.
  فكان المهلب مقيما بكش بما وراء النهر يحارب أهلها فسار يزيد في ستين فارسا ويقال سبعين فلقيهم خمسمائة من الترك في مفازة بست فقالوا ما أنتم قالوا تجار قالوا فأعطونا شيئا فأبى يزيد فأعطاهم مجاعة بن عبد الرحمن العتكي ثوبا وكرابيس وقوسا فانصرفوا ثم غدروا إليهم فقاتلوهم فاشتد القتال بينهم ومع يزيد رجل من الخوارج كان قد أخذه فقال استبقني فاستبقاه فحمل الخارجي عليهم حتى يخالطهم وصار من ورائهم وقتل رجلا ثم كر حتى خالطهم وقتل رجلا ورجع إلى يزيد وقتل يزيد عظيما من عظمائهم ورمي يزيد في ساقه فاشتدت شوكتهم وصبر يزيد ننصرف حتى نموت حتى جاوزهم ننصرف حتى نموت أو تموتوا أو تعطونا شيئا فلم يعطهم يزيد شيئا فقال مجاعة أذكرك الله قد هلك المغيرة فأنشدك الله أن تهلك فتجتمع على المهلب المصيبة فقال إن المغيرة لم يعد أجله ولست أعدو أجلي فرمى إليهم مجاعة بعمامة صفراء فأخذوها فانصرفوا .

**************************************************************

1 ـ تاريخ الطبري: 5 / 145 - 155 و 182، البداية والنهاية: 9 / 50، تاريخ ابن خلدون: 3 / 48، تاريخ ابن الأثير: 4 / 467 - 469.




       BASRAHCITY.NET