في موسم عاشوراء .. الحالة الأخلاقية مسؤولية الخطباء

  ها نحن أمام موسم جديد تُحيى فيه قضية الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام) الذي استشهد من أجلها في العاشر من محرم بأرض كربلاء المقدسة عام 61هـ.
  وفي هذا الموسم الذي ينطلق منذ الليلة الأولى من شهر محرم الحرام، سيكون العنصر الأكثر بروزاً فيه هم (الخطباء) الذين ستعلو أصواتهم عبر ميكرفونات المساجد والحسينيات على مدار الساعة، وكلهم يخطب في مستمعيه بهدف نشر الوعي والثقافة إعلاء لكلمة الإسلام التي ضحى من أجلها الإمام الحسين (عليه السلام) بجسده وأجساد ثلة من عظماء المؤمنين.
  سيتناول كل خطيب موضوعات معينة خلال هذا الموسم الحسيني. بعضهم سبق أن حَضَّر موضوعاته، والآخر سيتركها على الله! وقليل منهم من سعى لمعرفة حاجة الناس لمناقشة بعض الموضوعات التي تهمهم وتقلقهم من خلال سؤالهم واستفتائهم عن أجندة الخطابة الحسينية في محرم الحرام.
  هذا العام نتمنى من خطبائنا الأجلاء عدم مناقشة موضوع التطبير، وندعوهم لبحث الحالة الأخلاقية عند جيل الشباب، وتحبيبهم إلى الدين والتدين، وتوجيه الآباء والأمهات والأبناء والبنات بما يتفق والشريعة الإسلامية في خصوص هذا الموضوع.
  قبل سابيع ، استوقفت امرأة ثلاثينية سيارة أحد أصدقائنا، لتصعدها عنوة، وتجلس بجواره بالإجبار، طالبة منه أن يوصلها إلى المكان الذي يختاره!! أخبرته أنها مطلقة، وأخبرها أنه متزوج ويخاف الله عز وجل.. طلبتْ منه إعطاءها كل ما في محفظته من نقود أو تصرخ في الناس مدعية تحرشه بها.. مدت يدها إلى محفظته واستولت على أكثر من ألف ريال هي كل ما تبقى من راتبه.. كان يرتجف من هول الموقف، ترجاها أن تترك له جزءاً من المبلغ لأولاده.. لم يهمها وخرجت بالمال من سيارته، وسرعان ما اختفت عن نظره.. (أقول ربما في سيارة أخرى)!!
  ما نتحدث عنه ليس مبالغة ولا تهويل.. ما نتحدث عنه؛ هو انحدار أخلاقي شنيع وارتفاع في معدل الجريمة لا يُستهان به له مسبباته الكثيرة، على رأسها؛ البطالة المتفشية والتي تتحمل الدولة المسؤولية فيها كاملة، في الوقت التي تُصرف الملايين من الريالات على أمورٍ لا طائل منها بالنسبة إلى المواطن.
  إلى جانب ما يبث عبر شاشات التلفزيون من مشاهد الإثارة وتبرير العلاقات غير المشروعة، وما يجري في الإنترنت من تعبئة لا أخلاقية يمارسها الشباب بين بعضهم البعض.
  أضف إلى ذلك النقص التربوي البيِّن الذي يتجلى في عدم متابعة الأبناء في دراستهم وصداقاتهم وسلوكهم، وكل ما يهم بعض أولياء الأمور؛ الثرثرة في الهاتف، والمبيت في الديوانيات والقهاوي، والتسمر أمام شاشات تداول الأسهم طوال اليوم.
  إن ما يمر به المجتمع الخليجي على وجه الخصوص هو حالة من الانفلات الأخلاقي الذي يبدو أنه يتعدى كونه دون الظاهرة الاجتماعية، وبدأ يخرج من التكتم والتستر إلى حالة شبه علنية يساعده في ذلك سرعة التطور التقني والاستخدام السيئ لهذا التطور.
  يا معشر الخطباء.. أعود لأقول: ليس هذا تهويلاً، بقدر ما هو تحذير.. وإن كان بينكم من ينكر وجود مثل هذه الحالة، فليترك عنه عدم التخلف في حضور الولائم، وعدم التقيد بالنظام بقطع صفوف الناس عنوة في الفواتح والأعراس، وليسأل أبناءه وجيرانه وشباب مجتمعه .. وليحاورهم ويقترب منهم أكثر مما يقترب لمن يدفعون الأخماس ويقبلون الجباه، وليبحر في الإنترنت قليلاً باتجاه غير اتجاه، ليكتشف ما لم يكن في البال.
  أيها الخطباء.. إننا نشعر بضرورة التركيز على قضايا الشباب، والحالة الأخلاقية في المجتمع باستثمار قضية الإمام الحسين (عليه السلام) وثورته ضد فسق يزيد وفجوره في تنوير الجيل الشاب وتوعية الآباء والأمهات والمعلمين بواجباتهم ومسؤولياتهم.



واقعة كربلاء .. سفر الخلود قراءة سيكولوجية للتاريخ

  يبدو ان جمهرة من الصحابة والمقربين من سدة الحكم في عصر الخلافة الاولى انصرفوا عن شؤون الدولة او التعمق بما آلت اليه الامور زمن الخلافة الاموية لا سيما بعد حدوث التغيرات الجوهرية في ادارتها وما كان مألوفاً وأن اكثرهم نفعاً هم اؤلئك الذين بدأوا ركوب موجة الاستفادة المادية التي اغدقتها الدولة الاموية انذآك من اموال وجاه ومواقع اجتماعية كان يفتقدها البعض خصوصاً زمن خلافة الامام علي بن ابي طالب 'ع' لان الامام علي عرف عنه رجل مبادئ رغم دهائه في الحروب وعظمة شجاعته ، الا انه لم ولن يداهن من في نفوسهم شوائب باموال الدولة او بذخ في المنح والهبات لمن يتمنى الحصول من اموال بيت المسلمين ، حتى انه لم ولن يتجاوز على حق مال بيت المسلمين .
  لقد وضح لكل الناس زمن الرسول او خلفاءه ان علياً واولاده كانوا من اعظم الرجال في خدمة الاسلام ، فلم ينظر لهم احداً نظرة ارتياب او شك او مصلحة وحجتهم في ذلك ان سمات وملامح تربية وتنشئة رسول الله "ص" كانت واضحة المعالم على ابناء فاطمة بنت النبي محمد وزوجها علي بن ابي طالب وهي حقيقة عرفها الجميع عبر عقود الدولة الراشدية ، اما العهد الجديد الذي اقامه معاوية بن ابي سفيان مؤسس دولة بني امية على اعتاب مقتل الامام علي بن ابي طالب يعد بمثابة عودة الى عصر الجاهلية ، وهذا هو ما لمسه وما رأه اقرب المقربين ممن سايروا علياً وبعض من ساير خلفاء الفترة الراشدية حتى اتباع معاوية . كان الشأن والهم الرئيس هو التقرب الى سلطة الخليفة الجديد الذي قلب كل الموازين منذ بداية الدعوة الاسلامية التي دعى اليها النبي محمد "ص" وانتهاءاً بخلافة علي "ع" ، فكأن تشبثهم بما قدمه لهم معاوية بن ابي سفيان في تبوأ المواقع الاجتماعية ، والاغداق عليهم بالاموال طبقاً لتعاليم اللعبة السياسية السائدة آنذاك القائمة على تفتيت انصار علي بن ابي طالب وشيعته والثأر من بني هاشم ، هو الشغل الشاغل لسياسة معاوية ورجاله من بني امية على النحو الذي ارسى اولى تلك القواعد توجهات معاوية خلال خلافة عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين في تميتين الصلات القبلية لبني امية في بناء الدولة الاسلامية ، وهي عدت بحد ذاتها عودة للعصبية القبلية التي نبذها الاسلام اصلا .
  ولما تبين ان اكثر دعاة الاسلام الاوائل هم من الذين تغيرت مواقفهم نحو الخلافة الجديدة بالتقرب وابداء القبول التام لما يقوم به الخليفة بات على معاوية ان يظهر كل دوافعه القديمة وعقده الخاصة تجاه الاسلام بشكل من شأنه ان يوهم هؤلاء الناس ان نواياه هي لصالح الاسلام وليست ذات اثر سئ كما يعتقد بعض الذين امنوا بمبدئية علي وامنوا بان لهم في رسول الله اسوة حسنة ، ومما زاد الامر سوءاً عندما تبوأ ولده "يزيد" الخلافة بالوراثة ، اصبح الامر اكثر سوءاً ، فضلا عن الصمت المطبق الذي ابداه المقربون ممن باعوا اصواتهم مقابل حفنة من تراب الدنيا لا تساوي شيئاً .
  اضطر البعض من الاحرار وبعد تردد الى ان يرفعوا اصوات الرفض والاحتجاج عما يجري في الدولة الاسلامية التي تقهقرت في اسسها ومبادئها وتشريعاتها نحو الجاهلية مرة ثانية ، حتى بات الامر وكأنه عودة الى زمن الردة ولكن بشكل محكم سياسيا من الداخل وذو طابع الاسلام المشوه بالزيف خارجيا ، وجدير بالذكر ان المبادئ التي اعتنقها المسلمين الاوائل لم تكن مجرد مبادئ وفروض للتسلية كما يعتقد قادة الحكم الجديد في دولة بني امية ذلك لان هذه المبادئ بالرغم من كونها ثمرة التطور الفكري الاسلامي في مرحلة تأسيس الدولة الاسلامية فهي قد نشأت لمناهضة موجات عديدة من الالحاد والعصبية والعنصرية والشرك بالخالق وما الى ذلك من قيم بالية كانت سائدة في الجزيرة العربية ويبدو ان الحرب التي شنها معاوية خلال حكم خليفة المسلمين الراشدي علي بن ابي طالب على ادارته للحكم جعلت الكثير ممن في نفوسهم اهتزاز للمبادئ ان يشتطوا في حماسهم لمبادئ معاوية ولكن البعض منهم ظلوا متمسكين بالمبادئ الاسلامية الاصيلة والا لما قامت ثورة الامام الحسين رغم التردد الواضح لدى البعض والى الاصغاء لما يجري من فساد وتزييف في الدولة تحت ستار الدين ، والحكم باسم الاسلام ، لهذا بات من الحتمية الاكيدة اجتماعياً وسياسياً ان ترتفع الاصوات مطالبة بوقف ما يجري في جسد الامة الاسلامية من تدمير منظم يقوده خليفة المسلمين المنصب وراثيا من قبل ابيه رغم كل مفاسده وانحرافاته ..
  ابرز هذا الرأي واراء اخرى الى ضرورة التصدي الى اظهار جوهرية الاسلام وحقيقته المتمثلة في وجود آل بيت الرسول (ص) . ان الجمع البشري الذي كان يشعر بالمهانة والاذلال والاسفاف بحال الامة ، ظل عاجزاً ازاء هذه الانتهاكات طوال عقدين من حكم بني امية ، حتى بات الامر ضرورة التشبث بمنهج آل بيت النبي والمتمثل في الامام الحسين (ع) عندما وضح ان الكثرة الكاثرة ترفض ولا تتحرك ، ترى وتصمت ، لذا اقتضى فهماً جديداً للعنصر المهم في تحريك الناس هو ان يكون الامام الحسين (ع) وآل بيت رسول الله هم العنصر الانساني الباعث على تحفيز الناس نحو الرفض المعلن ، ومن هنا ما يمكن التعبير عنه بكلمة واحدة " دراما " الوضع السائد انذاك ، ولا نستبعد المعنى الاعمق الذي وصلت اليه الامور في تلك المواجهة – الواقعة – وهو " المأساوي" لو تحدثنا بضمير المتكلم بوصفنا النمط الذي يصف الواقعة وما نتجت عنها من الالام في ذاكرة الامة الاسلامية ، خصوصاً الى ما احيل الوضع كله بدلا من نصرة الامام الحسين (ع) في دفاعه عن المبادئ الاسلامية الى خذلانه في مواجهة خاسرة مع حاكم فاسد ومتجبر لا يرى في قيم الرسالة المحمدية اي اعتبار ولا في سنة رسوله اية مواثيق ، ولا في تاريخ الخلافة التي سبقته اية تحولات نحو الافضل ، فهو بالفعل كان في معظم الاحيان لم يكن لديه اية اهمية في ادارة الدولة بقدر ما كان يبدو انه المتسلط الرهيب وهو نفس الوقت يصدر حكمه ويدينه بعد ذلك وهو العبث بعينه .
  وخليق بنا ان نتسائل ما هو حال الامة الاسلامية بعد واقعة كربلاء ؟ اي بعد استشهاد الامام الحسين (ع) ونخبة من آل بيته ، اي بعد مرور اعوام على المعركة .
  يتلخص الامر فيما يرى المؤرخون وما يرى من عاصر المأساة ، ان دولة بني امية وقعت في نفس الخطأ التاريخي الذي وقعت به الامم السابقة قبلها من قتل انبياءها ومصلحيها ، فما حدث للسيد المسيح "ع" من بني قومه وكيف لعبت بعض العناصر والشخصيات في ما الت اليه الامور، ان يتم تبجيل وتعظيم الضحية ولو بعد سنين طويلة ، وهي سنين تمسك من آمن به وبمبادئه حتى انه كان السفر الخالد للاخرين من بني قومه ، وهو الامر ذاته في سفرواقعة الطف في كربلاء حتى انها عدت السفر الخالد للاخرين ضد الظلم والاستبداد ومنها انطلقت مسلمات العصور التالية وهي لوازم المسلمات احياء ذكرى استشهاده ومعه آل بيته (ع) كل عام . فأذا تسائلنا عما يمكن ان نفيده من هذا الاستذكار كل عام ، لوجدناه عاجزاً عن ان يتخطى المستوى التوثيقي للتاريخ فحسب ، بل وجدناه طاقة رد الفعل الجمعي للامة في مظلوميتها وتحت سيطرة امثال يزيد ، تحيي شعائر استشهاد الامام الحسين "ع" وفي مباهجها ونهوضها في التحرر وبناء المجتمع الجديد ، تحييها بشكل اوسع فهي ليست ذكرى وحسب ، انما علاقة حميمة حاملة المعنى الذي يبين تقاطع ازمان عديدة ، حتى غدت محكاً نزن به جدوى حكم الزعماء والدول ومنطقها ، وهو محكا به من العجب اكثر من الانبهار ، ولحسن الحظ ان مصير قتلة الامام الحسين (ع) ظلوا في حيرة قبل مقتله وبعد مقتله ، فسجلت الواقعة في كربلاء صفحات من سفر الموقف الانساني خالدة في ذاكرة التاريخ والمجتمعات الانسانية .




عاشوراء بين الأحزان والعبر.. وقفة تأمل

  عاشوراء قضية، كلما تأملنا فيها، أو أبحرنا في عمقها، نجد أنفسنا ما زلنا على الشاطئ، عاشورا قصة، لا يمكن وصفها تجريدياً، لان أبطالها كانوا عظماء، ومازالوا عظماء، وسيظلون عظماء، فهي قضية عظيمة.
  كل ما نعرفه هو ما رواه لنا التاريخ في حقبة ظلت مجهولة في تاريخنا الإسلامي، ولكن أبعادها ظلت مآثر وسطور يحيها المسلمين في كل أنحاء الدنيا، ويقيمون لها الشعائر، حتى تكاد تهتز الجوارح، وتحتبس الدموع في المآقي عند عصي الدمع.. فعقول الملايين لم تعد ترى في واقعة الطف واستشهاد ابن بنت نبي الرحمة محمد (ص) أعظم العبر وأعمق الأحزان لهؤلاء العظماء وحسب، بل أعظم الذكرى لكل عام.
  واليوم عندما نقف إجلالا لهذه الواقعة في تاريخنا الإسلامي، إنما نستذكر كل عام مع أنفسنا لنقترب بعض الخطوات نحو حقائق ربما ظلت مختفية عن أذهان الكثير منا. ففي عاشوراء الدمعة والعبرة والدماء.. عاشوراء موسم تجديد الولاء لأشرف سلالة من أصول النبوة.. عاشوراء موسم مكاشفة النفس لنفسها .. ففيها يتم استحضار الذكرى في كل عام من الذاكرة لتكون واقعا حياتيا للمواجهة، حيث يُرى في آل بيت الرسول "ع" أعظم آيات الخير والتسامح، وبالتالي فان عاشوراء موسم إحياء الشعائر إسلامية وتعظيمها، والله تعالى يقول في كتابه المجيد ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).
  ففي عاشوراء يتم تعظيم هذه الشعائر المقدسة، فهذا يقيم أعظم العزاء في مجالس عرفت بالتقوى واسترجاع ما في المخيلة من شعائر، وذاك يرى في الجموع تشارك في اكبر عزاء للبشرية كان وما زال قائما رغم كل المحن، وهذا يطعم الناس باسم شهداء واقعة الطف في كربلاء، وهذا يشارك في مواكب الحزن التي تخرج بأشكال متنوعة، فالكل يعبر عن حزنه بطريقته وحسب مقدرته وحبه للرسول وآل بيته الكرام، وكل عاشق له طريقته الخاصة التي يعبر من خلالها عن مدى عشقه وهيامه.
  ومن هنا فان عاشوراء ليست قضية وذكرى وحسب، إنما عاشوراء قضية إنسانية عظيمة، بل واقعة تستحق التأمل والوقوف عندها، فهي بحق وجع الإنسانية كلها، فالتعاطف معها لابد من أن يكون في مستوى لائق بعظمتها، ففيها أسيلت دماء أهل بيت رسول الرحمة محمد"ص" وفيها تعرضت أعظم نساء الأمة الإسلامية بإجماع كل المذاهب إلى السبي.
  سلام عليك أبا الشهداء الإمام الحسين وعلى كل من استشهد معك من صلب رسول الله ومن أصحابك الذين باعوا الدنيا بالآخرة في زمن الطغاة وجبابرة الإسلام المزيف الذين ما زال أتباعهم يعبثون في الأرض كفراً ، تارة باسم الجهاد المزيف، وتارة أخرى باسم الفتاوى المضللة، وإنا لله وإنا إليه راجعون .




الحر بن يزيد الرياحي (رض)

  هو الحر بن يزيد بن ناجية بن قعنب بن عتاب (1) بن هرمي بن رياح ابن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، التميمي اليربوعي الرياحي. كان الحر شريفا في قومه جاهلية وإسلاما، فإن جده عتابا كان رديف النعمان، وولد عتاب قيسا وقعنبا ومات، فردف قيس للنعمان ونازعه الشيبانيون، فقامت بسبب ذلك حرب يوم الطخفة، والحر هو ابن عم الأخوص الصحابي الشاعر، وهو زيد بن عمرو بن قيس بن عتاب.
  وكان الحر في الكوفة رئيسا ندبه ابن زياد لمعارضة الحسين (عليه السلام)، فخرج في ألف فارس ، روى الشيخ ابن نما:
  أن الحر لما أخرجه ابن زياد إلى الحسين وخرج من القصر نودي من خلفه أبشر يا حر بالجنة. قال فالتفت فلما ير أحدا، فقال في نفسه: والله ما هذه بشارة وأنا أسير إلى حرب الحسين، وما كان يحدث نفسه في الجنة، فلما صار مع الحسين قص عليه الخبر، فقال له الحسين: " لقد أصبت أجرا وخيرا "(2).
  وروى أبو مخنف عن عبد الله بن سليم والمذري بن المشمعل الأسديين قالا: كنا نساير الحسين فنزل شراف، وأمر فتيانه باستقاء الماء والإكثار منه، ثم ساروا صباحا، فرسموا صدر يومهم حتى انتصف النهار، فكبر رجل منهم: فقال الحسين:
  " الله أكبر لم كبرت " ؟ قال: رأيت النخل.
  قالا: فقلنا: إن هذا المكان ما رأينا به نخلة قط .
  قال: " فما تريانه رأى " ؟ قلنا: رأى هوادي الخيل.
  فقال: " وأنا والله أرى ذلك ":
  ثم قال الحسين: " أما لنا ملجأ نجعله في ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد " ؟ قلنا: بلى، هذا ذو حسم عن يسارك تميل إليه، فإن سبقت القوم فهو كما تريد .
  فأخذ ذات اليسار: فما كان بأسرع من أن طلعت هوادي الخيل: فتبيناها فعدلنا عنهم، فعدلوا معنا كأن أسنتهم اليعاسيب، وكأن راياتهم أجنحة الطير، فسبقناهم إلى ذي حسم، فضربت أبنية الحسين( عليه السلام )، وجاء القوم فإذا الحر في ألف فارس فوقف مقابل الحسين في حر الظهيرة، والحسين وأصحابه معتمون متقلدون أسيافهم، فقال الحسين لفتيانه: " اسقوا القوم ورشفوا الخيل " فلما سقوهم ورشفوا خيولهم، حضرت الصلاة، فأمر الحسين الحجاج بن مسروق الجعفي، وكان معه، أن يؤذن، فأذن، وحضرت الإقامة فخرج الحسين في إزار ورداء ونعلين، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " أيها الناس إنها معذرة إلى الله وإليكم، إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم " إلى آخر ما قال، فسكتوا عنه، فقال للمؤذن: " أقم " فأقام، فقال الحسين للحر: " أتريد أن تصلي بأصحابك " ؟ قال: لا بل بصلاتك، فصلى بهم الحسين، ثم دخل مضربه واجتمع إليه أصحابه ودخل الحر خيمة نصبت له واجتمع عليه أصحابه، ثم عادوا إلى مصافهم فأخذ كل بعنان دابته وجلس في ظلها، فلما كان وقت العصر أمر الحسين بالتهيؤ للرحيل، ونادى بالعصر، فصلى بالقوم ثم انفتل من صلاته وأقبل بوجهه على القوم فحمد الله وأثنى عليه، وقال: " أيها الناس إنكم إن تتقوا " إلى آخر ما قال .
  فقال الحر: إنا والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر، فقال الحسين: " يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلي "، فأخرج خرجين مملوين صحفا فنشرها بين أيديهم، فقال الحر: فإنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك، وقد أمرنا إذا نحن لقيناك ألا نفارقك حتى نقدمك على عبيد الله ، فقال ( له ) الحسين: " الموت أدنى إليك من ذلك "، ثم قال لأصحابه: " اركبوا "، فركبوا وانتظروا حتى ركبت النساء، فقال: " انصرفوا "، فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف، فقال الحسين للحر: " ثكلتك أمك ! ما تريد " ؟ قال: أما والله لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل هذه الحالة التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل أن أقوله كائنا من كان، ولكن والله ما لي إلى ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما يقدر عليه، فقال الحسين: " فما تريد " ؟ قال: أريد أن أنطلق بك إلى عبيد الله، فقال: " إذن لا أتبعك "، قال الحر إذن لا أدعك، فترادا القول ثلاث مرات، ثم قال الحر: إني لم أؤمر بقتالك، وإنما أمرت ألا أفارقك حتى أقدمك الكوفة، فإن أبيت فخذ طريقا لا تدخلك الكوفة، ولا تردك إلى المدينة تكون بيني وبينك نصفا حتى أكتب إلى ابن زياد، وتكتب إلى يزيد إن شئت أو إلى ابن زياد إن شئت، فلعل الله أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلى بشئ من أمرك، قال: فتياسر عن طريق العذيب والقادسية، وبينه وبين العذيب ثمانية وثلاثون ميلا، وسار والحر يسايره، حتى إذا كان بالبيضة خطب أصحابه بما تقدم فأجابوه بما ذكر في تراجمهم، ثم ركب فسايره الحر وقال له: أذكرك الله يا أبا عبد الله في نفسك فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن، ولئن قوتلت لتهلكن فيما أرى، فقال له الحسين: " أفبالموت تخوفني ؟ ! وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني ! ؟ ما أدري ما أقول لك ! ولكني أقول كما قال أخو الأوس لابن عمه حين لقيه وهو يريد نصرة رسول الله( صلى الله عليه وآله )، فقال له أين تذهب ؟ فإنك مقتول: فقال:
سأمضي فما بالموت عار على الفتى        إذا  مـا نـوى حـقا وجاهد iiمسلما
وآسـى  الـرجال الصالحين iiبنفسه        وفـارق مـثبورا وبـاعد iiمـجرما
فـإن  عشت لم أندم وإن مت لم iiألم        كـفى بـك عـارا أن تـلام iiوتندما
  فلما سمع ذلك الحر تنحى عنه، حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات (3) فإذا هم بأربعة نفر يجنبون فرسا لنافع بن هلال ويدلهم الطرماح بن عدي، فأتوا إلى الحسين وسلموا عليه، فأقبل الحر وقال:
  إن هؤلاء النفر الذين جاءوا من أهل الكوفة ليسوا ممن أقبل معك وأنا حابسهم أو رادهم .
  فقال الحسين:
  " لأمنعنهم مما أمنع منه نفسي، إنما هؤلاء أنصاري وأعواني، وقد كنت أعطيتني ألا تعرض لي بشئ حتى يأتيك جواب عبيد الله "، فقال: أجل، لكن لم يأتوا معك، قال: " هم أصحابي وهم بمنزلة من جاء معي، فإن تممت علي ما كان بيني وبينك وإلا ناجزتك "، قال: فكف عنهم الحر (4)، ثم ارتحل الحسين من قصر بني مقاتل فأخذ يتياسر والحر يرده فإذا راكب على نجيب له وعليه السلاح متنكب قوسا مقبل من الكوفة، فوقفوا ينتظرونه جميعا: فلما انتهى إليهم سلم على الحر وترك الحسين فإذا هو مالك بن النسر (5) البدي من كندة، فدفع إلى الحر كتابا من عبيد الله فإذا فيه: أما بعد فجعجع بالحسين( عليه السلام ) حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي فلا تنزله إلا بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء، وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري، والسلام.
  فلما قرأ الكتاب جاء به إلى الحسين ومعه الرسول، فقال: هذا كتاب الأمير يأمرني أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه، وهذا رسوله قد أمره أن لا يفارقني حتى أنفذ رأيه وأمره.
  وأخذهم بالنزول في ذلك المكان، فقال له: " دعنا ننزل في هذه القرية أو هذه أو هذه " يعني نينوى والغاضرية وشفية.
  فقال: لا والله لا أستطيع ذلك، هذا الرجل بعث إلي عينا، فنزلوا هناك (6).
  قال أبو مخنف: لما اجتمعت الجيوش بكربلا لقتال الحسين جعل عمر بن سعد على ربع المدينة عبد الله بن زهير بن سليم الأزدي، وعلى ربع مذحج وأسد عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي، وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث، وعلى ربع تميم وهمدان الحر بن يزيد، وعلى الميمنة عمرو بن الحجاج، وعلى الميسرة شمر بن ذي الجوشن، وعلى الخيل عزرة بن قيس، وعلى الرجالة شبث بن ربعي، وأعطى الراية مولاه دريدا (7).
  فشهد هؤلاء كلهم قتال الحسين إلا الحر فإنه عدل إليه وقتل معه.
  قال أبو مخنف: ثم إن الحر - لما زحف عمر بن سعد بالجيوش - قال له: أصلحك الله ! أمقاتل أنت هذا الرجل ؟ فقال: إي والله قتالا أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي. قال: أفمالك (8) في واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضا ؟ فقال: أما والله لو كان الأمر إلي لفعلت، ولكن أميرك قد أبى، فأقبل الحر حتى وقف من الناس موقفا، ومعه قرة بن قيس الرياحي، فقال: يا قرة هل سقيت فرسك اليوم ؟ قال: لا، قال: أما تريد أن تسقيه ؟ قال: فظننت والله أنه يريد أن يتنحى فلا يشهد القتال، وكره أن أراه حين يصنع ذلك فيخاف أن أرفعه عليه، فقلت: أنا منطلق فساقيه .
  قال فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه، فوالله لو أطلعني على الذي يريد لخرجت معه، قال فأخذ يدنو من الحسين قليلا قليلا، فقال له المهاجر بن أوس الرياحي: ما تريد يا بن يزيد ؟ أتريد أن تحمل ؟ فسكت وأخذه مثل العرواء، فقال له: يا بن يزيد، إن أمرك لمريب، وما رأيت منك في موقف قط مثل شئ آراه الآن، ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة رجلا ما عدوتك، فما هذا الذي أرى منك !
  قال: إني والله أخير نفسي بين الجنة والنار، ووالله لا أختار على الجنة شيئا ولو قطعت وحرقت، ثم ضرب فرسه ولحق بالحسين، فلما دنا منهم قلب ترسه، فقالوا مستأمن، حتى إذا عرفوه سلم على الحسين وقال: جعلني الله فداك يا بن رسول الله ! أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع، وسايرتك في الطريق، وجعجعت بك في هذا المكان، والله الذي لا إله إلا هو ما ظننت أن القوم يردون عليك ما عرضت عليهم أبدا، ولا يبلغون منك هذه المنزلة، فقلت في نفسي لا أبالي أن أصانع (9) القوم في بعض أمرهم، ولا يظنون(10) أني خرجت من طاعتهم ، وأما هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم، ووالله إني لو ظننتهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك، وإني قد جئتك تائبا مما كان مني إلى ربي، ومواسيا لك بنفسي حتى أموت بين يديك، أفترى لي توبة ؟ قال: " نعم، يتوب الله عليك، ويغفر لك، فانزل " قال: أنا لك فارسا خير مني راجلا، أقاتلهم على فرسي ساعة، وإلى النزول ما يصير آخر أمري. قال: " فاصنع ما بدا لك "، فاستقدم أمام أصحابه ثم قال: أيها القوم ألا تقبلون من حسين هذه الخصال التي عرض عليكم فيعافيكم الله من حربه ؟ قالوا: فكلم الأمير عمر، فكلمه بما قال له قبل، وقال لأصحابه، فقال عمر: قد حرصت، ولو وجدت إلى ذلك سبيلا فعلت، فالتفت الحر إلى القوم وقال: يا أهل الكوفة، لأمكم الهبل والعبر دعوتم ابن رسول الله( صلى الله عليه وآله ) حتى إذا أتاكم أسلمتموه، وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه، ثم عدوتم عليه لتقتلوه، أمسكتم بنفسه، وأخذتم بكظمه، وأحطتم به من كل جانب، لتمنعوه (11) التوجه إلى بلاد الله العريضة حتى يأمن ويأمن أهل بيته، فأصبح في أيديكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعا، ولا يدفع ضرا، حلأتموه ونساءه وصبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهودي والنصراني، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه، فهاهم قد صرعهم العطش، بئسما خلفتم محمدا في ذريته ! لا سقاكم الله يوم الظمأ إن لم تتوبوا وتنزعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه. فحملت عليه رجال ترميه بالنبل، فأقبل حتى وقف أمام الحسين (12).
  وروى أبو مخنف أن يزيد بن أبي سفيان الثغري من بني الحرث بن تميم قال: أما والله لو رأيت الحر حين خرج لأتبعته السنان، قال:
  فبينا الناس يتجاولون ويقتتلون والحر بن يزيد يحمل على القوم مقدما ويتمثل قول عنترة:
ما زلت أرميهم بثغرة نحره        ولـبانه  حتى تسربل بالدم
  وإن فرسه لمضروب على أذنيه وحاجبيه، وإن دمائه لتسيل، فقال الحصين بن تميم التميمي ليزيد بن سفيان: هذا الحر الذي كنت تتمنى. قال: نعم.
  وخرج إليه فقال له: هل لك يا حر في المبارزة ؟ قال: نعم، قد شئت، فبرز له، قال الحصين: وكنت أنظر إليه، فوالله لكأن نفسه كانت في يد الحر، خرج إليه.
  فما لبث أن قتله (13).
  وروى أبو مخنف عن أيوب بن مشرح الخيواني كان يقول: جال الحر على فرسه فرميته بسهم فحشأته فرسه فلما لبث اذ أرعد الفرس واضطرب وكبا، فوثب عنه الحر كأنه ليث والسيف في يده وهو يقول:
إن تعقروا بي فأنا ابن الحر        أشـجع  من ذي لبد iiهزبر
قال: فما رأيت أحد قط يفري فريه (14).
  قال أبو مخنف:
  ولما قتل حبيب أخذ الحر يقاتل راجلا وهو يقول:
آلـيت لا أقـتل حـتى أقـتلا        ولـن  أصحاب اليوم إلا مقبلا
أضربهم بالسيف ضربا مفصلا        لا نـاكلا عـنهم ولا iiمـهللا
  ويضرب فيهم ويقول:
إني  أنا الحر ومأوى iiالضيف        أضرب في أعراضكم بالسيف
  عن خير من حل بأرض الخيف (15)
  ثم أخذ يقاتل هو وزهير قتالا شديدا، فكان إذا شد أحدهما واستلحم شد الآخر حتى يخلصه، ففعلا ذلك ساعة. ثم شدت جماعة على الحر فقتلوه (16).
  فلما صرع وقف عليه الحسين( عليه السلام ) وقال له: " أنت كما سمتك أمك الحر حر في الدنيا وسعيد في الآخرة ". وفيه يقول عبيد الله بن عمرو الكندي البدي:
سـعيد  بـن عـبد الله لا iiتنسينه        ولا الحر إذ آسى زهيرا على قسر
  ( رسموا ): ساروا الرسيم وهو نوع من السير معروف .
  ( البيضة ): قال أبو محمد الأعرابي الأسود: البيضة بكسر الباء ما بين واقصة إلى العذيب (17).
  ( العرواء ): بالعين المهملة المضمومة والراء المهملة المفتوحة قوة الحمى ورعدتها، وفي رواية الأفكل: وهو بفتح الهمزة كأحمد الرعدة.
  ( قلب ترسه ): هو علامة لعدم الحرب، وذلك لأن المقبل إلى القوم وهو متترس شاهر سيفه، محارب لهم فإذا قلب الترس وأغمد السيف: فهو غير محارب أم مستأمن أو رسول.
  ( الهبل ): كجبل.
  ( والعبر ): كصبر وتضم العين هما بمعنى الثكل، ويمضى على بعض الألسنة العير بالياء المثناة تحت وهو غلط.
  ( كظمه ): كظم الوادي بفتح الكاف وسكون الظاء المعجمة مضيقه، فإذا أخذه الإنسان فقد منع الداخل فيه والخارج، فهو كنايد عن المنع، كما يقال أخذ بزمامه.
  ( ثغرة النحر ): نقرته بين الترقوتين وهي بضم الثاء المثلثة.
  ( اللبان ): كسحاب الصدر من الفرس.
  ( حشأته ): أصبت أحشائه.
  ( يفرى فريه ): يفعل فعله في الضرب والمجالدة.

**************************************************************
1 ـ في جمهرة أنساب العرب 227: عتاب الردف، وأورده ابن الكلبي في جمهرة النسب: 1 / 307.
2 ـ مثير الأحزان: 59 - 60 بتفاوت.
3 ـ موضع في العراق قرب القادسية. راجع معجم البلدان: 2 / 92.
4 ـ راجع تاريخ الطبري: 3 / 307، والإرشاد: 2 / 80.
5 ـ في تاريخ الطبري: النسير.
6 ـ راجع تاريخ الطبري: 3 / 309.
7 ـ تاريخ الطبري: 3 / 317، وفيه: ذويدا.
8 ـ في المصدر: أفما لكم.
9 ـ في المصدر: أطيع.
10 ـ في المصدر: ولا يرون.
11 ـ في المصدر: فمنعتموه.
12 ـ تاريخ الطبري: 3 / 320 بتفاوت.
13 ـ تاريخ الطبري: 3 / 324.
14 ـ تاريخ الطبري: 3 / 324.
15 ـ تاريخ الطبري: 3 / 327، وفيه: أضرب في أعراضم بالسيف * عن خيرمن كل منى والخيف
16 ـ تاريخ الطبري: 3 / 327.
17 ـ راجع معجم البلدان: 1 / 532.




طين قبر الحسين عليه السلام شفاء من كل داء... معجزة جديدة من تربة الحسين

طين قبر الحسين عليه السلام شفاء من كل داء.. معجزة جديدة من تربة   الحسين
  لقد منح الله تربة الإمام الحسين عليه السلام في مقابل تضحيته الكبرى واستشهاده في سبيل إحياء الدين والمناقب الإنسانية، معطيات وأحكاما خاصة بها نوردها في هذا البحث الذي يتناول خصوصيتها ومواردها ومدياتها المؤثرة في السجود للمصلي والإستشفاء للمريض، لما ورد بشأنها جم غفير من الروايات التي تؤكد على البركات الثاوية والرحمات المكنونة فيها، لعل الإنسان العادي لا يتفاعل إزاءها لما يتطلب من الإذعان والاعتقاد الذي لا يفارق المؤمنون العارفون لمنزلة الشهيد بكربلاء .
  فتربة كربلاء الدامية التي تضمّ جسده الشريف مُلهمة للتضحية والعظمة، وتذكار لبذل النفس في سبيل القيم الإلهية، ولهذا فإنّ السجود على هذه التربة مستحب، وللذكر بمسبحة تلك التربة فضيلة عظيمة أيضا، وفيها شفاء للأمراض، ويستحب أيضا أن يوضع شيء منها مع الميت حين دفنه، أو تمزج مع الحنوط، كما وان للدفن في كربلاء ثواب، وفيه أمان من العذاب.
  إن دم الحسين عليه السلام هو الذي أضفى هذه القدسية والكرامة على تربته، واستشهاد ثأر الله وتحلقه في سماء الحرية والبطولة والتضحية في سبيل الله، وستبقى تربة سيد الشهداء إلى يوم القيامة مزارا للعشاق والعرفاء والمخلصين ومنارا للأحرار .
  اعلم إن الروايات في موضع أخذ التربة الحسينية لغرض الاستشفاء بها مختلفة، يستحسن أن نعرض لجانب منها قبل الخوض في البحث، وهذه الروايات مع حذف الأسانيد:
  * قال الإمام الصادق عليه السلام: في طين قبر الحسين شفاء من كلّ داء وهو الدواء الأكبر. (من لا يحضره الفقيه 599:2، المزار للشيخ المفيد: 143).
  * وروي أن من جملة الفضائل الخاصة بالإمام الحسين عليه السلام هي أن: الشفاء في تربته ، والإجابة تحت قبته ، والأئمة من ذريته. (المناقب لابن شهراشوب 82:4) .
  * عن أبي عبد الله (الصادق) عليه السلام قال: (إن عند رأس الحسين عليه السلام لتربة حمراء فيها شفاء من كل داء إلا السام) الحديث.
  * عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول: (قبر الحسين عليه السلام عشرون ذراعاً في عشرين ذراعاً مكسَّراً روضة من رياض الجنة) الحديث.
  * عن إسحاق بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول: (إن لموضع قبر الحسين عليه السلام حرمة معروفة، من عرفها واستجار بها أُجير، فقلت له: فصف لي موضعها جعلتُ فداك. قال: إمسح من موضع قبره اليوم خمسةً وعشرين ذراعاً من ناحية رأسه، وخمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رجليه، وخمسة وعشرين ذراعاً من خلفه، وخمسة وعشرين ذراعاً مما يلي وجهه).
  * وعنه عليه السلام: (يؤخذ طين قبر الحسين عليه السلام من عند القبر على سبعين ذراعاً).
  * وعنه عليه السلام: (حرم الحسين عليه السلام فرسخ في فرسخ من أربع جوانب القبر).
  * وعنه عليه السلام: (حريم قبر الحسين عليه السلام خمسة فراسخ من أربع جوانب القبر).
  * وعنه عليه السلام: (طين قبر الحسين عليه السلام فيه شفاء وإن أخذ على رأس ميل).
  * قيل للصادق عليه السلام: (جعلت فداك، إني رأيتُ أصحابنا يأخذون من طين الحائر ليستشفوا به، هل في ذلك شيء مما يقولون من الشفاء ؟ قال: يستشفى بما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال) الحديث.
  * وعنه عليه السلام: (التربة من قبر الحسين بن علي عليه السلام عشرة أميال).
  والتحقيق: تبعاً لغير واحد من الفقهاء (المتقدمين والمتأخرين): أنهم قد جوّزوا أخذ التربة من كل ما مرت إليه الإشارة في الأخبار المتقدمة، غير أن الوجه في هذه الأخبار هو ترتب هذه المواضع في الفضل، فالأقصى خمسة فراسخ، وأدناه من المشهد فرسخ، وأشرف الفرسخ خمسة وعشرون ذراعاً، وأشرف الخمس والعشرين ذراعاً عشرون ذراعاً، وأشرف العشرين ما شُرف به، وهو الجسد نفسه .
  ويمكن التوفيق بين هذه الأخبار من جهة اعتماد ما ورد في أخبار أُخر تتضمن: أن حرم الحسين عليه السلام هو أرض كربلاء كلّها، كالحديث الذي جاء فيه عن علي بن الحسين عليه السلام في نداء كربلاء: (أنا أرض الله المقدسة الطيبة المباركة التي تضمنت سيد الشهداء) الحديث، فمع اعتماد هذه الجهة لا حاجة إلى تصحيح السند، ضرورة عدم خروج ما تتضمنه الأخبار المزبورة أعلاه عن أرض كربلاء المشرفة.
  والعجب من غير واحدٍ من فقهائنا في الإعراض عن هذه الجهة، ونسبته (الاقتصار في الأخذ من التربة على القبر الشريف وما جاوره) إلى الشهرة! وأعجب منه ذكر الحائر في هذه المسألة ولزوم الأخذ منه بقاعدة (الاقتصار على المتيقن) مع أن هذه القاعدة مناسبة لمسألة التخيير بين القصر والإتمام في صلاة المسافر!
  فالحكم فيها هو: أن القدر المتيقن في الحائر هو الحواشي القريبة إلى القبر مما حار فيه الماء بأمر المتوكل، ويدل عليه المناسبة اللفظية في كلمة حائر كما لا يخفى ، والمشهور بين ساكني البقعة الشريفة أن الحائر: ما أحاطت به جدران الصحن المقدس.
  لقد أفتى الفقهاء بتخيير المسافر بين التقصير والإتمام في الصلوات الرباعية في أربعة مواضع منها الحائر الحسيني، أي في المساحة التي تحيط بالمرقد الشريف من كل جانب بمقدار خمسة وعشرين ذراعاً ـ أي ما يقارب 5 / 11 متراً ـ ، وهذا المقدار هو الثابت والمتيقَّن .
  ومما يدل على حصول اللبس بين المسألتين، ما قاله صاحب كتاب جنات الخلود : (أن من أسامي أرض كربلاء الحائر، وفي قدره خلاف، فبعض يعتقد أنه القبر، وآخر أنه خمسة وعشرون ذراعاً من كل جانب، وبرواية خمسة فراسخ من كل طرف منه: يتخير فيه المسافر بين القصر والإتمام، وإن لم يقصد إقامة عشرة أيام) إلى آخر كلامه.
  أقول: هذا من باب اشتباه الحرم بالحائر كما عرفت، ولذا نوه السيد عبد الأعلى السبزواري قدس سره في المهذب بقوله: (وأما التحديدات الواردة في حد حرم الحسين عليه السلام، كما في خبر منصور بن العباس: أنه خمسة فراسخ من أربع جوانبه، وفي مرسل البصري: أنه فرسخ في فرسخ من أربع جوانب القبر، فهي من جهة التبرك وأخذ التربة، ولا ربط لها بالمقام)، أي لا ربط لها بمسألة التخيير بين القصر والإتمام في الصلاة في الحائر المقدس.
  والحاصل: أن تربة الحسين عليه السلام التي تؤخذ للأكل طلباً للاستشفاء هي كل ما صدق عليه اسم (التربة الحسينية). وهذا التطبيق يقتضي رفع التعارض الظاهر بين تلك الأخبار، وطيّها ضمن عنوان عام يدل عليه خبر علي بن الحسين عليه السلام المشار إليه و نحوه ، وبالتالي: الحكم بإباحة أخذ التربة من جميع أرض كربلاء، مع مراعاة ترتيب الفضل.
  وعلى الرغم من إن أكل التراب حرام، إلا أن تناول مقدار قليل من تربة الحسين بنيّة الاستشفاء جائز، بل مستحب وله حدوده وآدابه. (سفينة البحار 122 :1 و 463) .
  *قال الإمام الرضا عليه السلام : كل طين حرام كالميتة والدم وما أهل لغير الله به، ما خلا طين قبر الحسين عليه السلام فانه شفاء من كلِّ داء. (نفس المصدر السابق ).
  *وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: طين قبر الحسين عليه السلام شفاء من كل داء، فإذا أخذته فقل: بسم الله اللهم أجعله رزقاً واسعاً وعلماً نافعاً وشفاءً من كل داء انك على كل شيء قدير .
  *وأيضاً أنه قال: إن طين قبر الحسين عليه السلام مسكة مباركة، من أكله من شيعتنا كانت له شفاء من كل داء، ومن أكله من عدونا ذاب كما يذوب الالية، فإذا أكلت منه فقل: اللهم أسألك بحق الملك الذي قبضها وبحق النبي الذي خزنها وبحق الوصي الذي هو فيها أن تصلي على محمد وآل محمد وان تجعل لي فيه شفاءً من كل داء وعافية من كل بلاء وأماناً من كل خوف برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى اللهم على محمد وآله الطيبين، وتقول أيضاً: اللهم إني أشهد إن هذه التربة تربة وليك0 وأشهد أنها شفاء من كل داء وأمان من كل خوف لمن شئت من خلقك ولي برحمتك0 وأشهد إن كل ما قيل فيهم وفيها هو الحق من عندك وصدق المرسلون.
  وهنا نورد شهادة الأخ المؤمن ( أبو زيد) بتاريخ 6/4/2009 م، حيث أن زوجته وببركة تراب الحسين عليه السلام قد تماثلت للشفاء التام بعد أن أبتليت بمرض عضال دام زهاء السنتين مثلما تماثل الألوف من أمثالها ببركة تناولهم تربته الطاهرة منذ استشهاده عليه السلام لحد الآن، وكان مما ذكره: إن الشفاء الذي أودعه الله تعالى في تربة أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام) لهو من الكرامات التي أعطاها الله تعالى له في الدنيا واختصها لعباده المؤمنين ( يعني من امنوا بالولاية لأمير المؤمنين علي ( عليه السلام) ).
  وقد توارثنا هذا الاعتقاد الجازم والأمر الثابت لأننا من الذين امنوا بولايتهم ورزقنا الله حبهم ونسأله أن يجعلنا الله من الذين يقتفون آثارهم ويتبعون سننهم .
  لقد كنت مهاجرا أكثر من عشرين ونيفا من السنين خارج العراق ورجعت إلى بلدي أنا وعائلتي منذ أكثر من ثلاث سنوات، وقد أصيبت زوجتي بالسرطان منذ حوالي أكثر من سنة وأجرينا لها عملية جراحية استئصالية وكما هو معروف أخذت جميع الجرعات الكيمياوية المخصصة لها وما فتئنا في تلك الحال ولحد الآن من مراقبة الحالة والمرض وبشكل مستمر عسى أن يكون المرض تحت السيطرة ولا ينتشر إلى أجزاء أخرى من الجسد وكنا نراقب المرض بحالة من الحذر والترقب، وقد وقع ما يحذر منه وظهرت غدة أخرى في احد الأحشاء بأبعاد 7.5×3.5 سم وقد أكدتها فحوص السونار والفحوص الأخرى، وقد قررنا أنا وزوجتي إن إجراء العملية الثانية والعلاج الجديد يجب أن يكون في الخارج خوفا من عدم رعاية الموارد الصحية ونظرا لتقدم الطب هناك مقارنة بالعراق وكنا في تداول مستمر وفي حالة من المعنوية المتصدعة ولكن بالتسليم لأمر الله وبالتوسل والدعاء المستمر عند الأئمة الأطهار ( عليهم السلام) وبالخصوص عند الإمام الحسين (عليه السلام)، اعترتنا رغبة عارمة بالتشفي بتربة أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام) بعد أن هدانا الله لها وبعناية منه ( عليه السلام) وقد اقتنينا شيئا يسيرا منها على يد احد أولاده البارين إنشاء الله تعالى بتوصية احد المؤمنين وقد تفضل هذا السيد إن هذه التربة يجب أن تخلط بالماء ويشرب الماء، ولا يجوز أن تؤكل لأنها ليست من محل القبر الشريف ولكن من محل آخر اقرب إليه.
  وقد فعلنا هذا الأمر وشربت زوجتي من ذلك الماء وكنا على اعتقاد جازم من الأمر بقي شيء من الماء في الإناء ( الدولكة) إلى الليلة الثانية وكانت قد غطته بكاس صغير وضعتها عليه، لم يتسن لهذا الكأس أن يغطي كامل فتحة الدولكة، وعندما ذهبت إلى مضجعي دعوت الله أن يريني كرامة منه، جلست زوجتي في منتصف الليل لتصلي وكانت بكامل انتباهها ويقظتها وقد اعتادت أن تستيقظ في كل ليلة، ورأت الإناء ينبعث منه نورا احمرا من ثنايا الفجوة بين رأس الإناء والكأس ( الغطاء) وقالت في نفسها عجبا كيف يضع زوجي مصباح النوم الأحمر هنا!!
  فبادرت إلى تحريك الإناء فإذا بالنور ينطفأ ولما أصبح الصباح لم تخبر بهذا الأمر، بل بادرت بسقينا والأولاد جميعا من هذا الماء وقبل الإفطار وكانت تنظر إلينا بوجل خوفا من أن يرفض احدنا شرب هذا الماء أو يعترض ولكنا بحمد الله شربنا من ذلك الماء جميعا .
  أخبرتني في عصر ذلك اليوم فحمدت الله كثيرا وقد اعتقدت جازما إن الشفاء قد حصل بحمد الله، وبعد يومين اعترتني رغبة قوية من إجراء الفحوص المختبرية ثانية وقد كنت مصرا أن نأخذ السونار عند نفس عيادة الدكتورة المتخصصة وليس في عيادة أخرى، أجرينا الفحص وسألت الدكتورة بتعجب بعد أن كانت متعجبة بنتائج الفحصين في مدة لا تتجاوز الأسبوع، وعدم ظهور أي غدة في الفحص الجديد سألتها هل أنها تناولت أي دواء؟ لكنها لم تجبها!!.
  نعم الدواء هو الشفاء في تربة المولى الحسين ( عليه السلام) كتمنا الأمر ولم يعلم به سوى أنا وزوجتي وهذا السيد الجليل الذي رجعت إليه لأشكره وأخبره بالكرامة التي حصلت، وكيف لا يكون كذلك والإمام الصادق عليه السلام يقول: كلنا سفن النجاة ولكن سفينة جدي الحسين أوسع وفي لجج البحار أسرع، وأخيرا وليس آخرا لا يسعنا إلا أن نقول: ما خاب من تمسك بكم وأمن من لجأ إليكم.
  فأي نور ... وأي جوى... وأي عشق في الملا...
  حكاية الأزل ... في بعد الأمل... لله درك يا حسين ...




وصايا في حضور المجالس الحسينية

  إن كل حركة يقوم بها المؤمن ، لا بد لها من فقهٍ ظاهري وباطني .. وواضح أن حضور مجالس عزاء سيد الشهداء يمثل إقامة لشعيرة من شعائر الدين الحنيف .. إذ لولا دمه الطاهر ، لما بقي من الاسلام إلا اسمه ، ومن القرآن إلا رسمه .. وهي من مصاديق إحياء الأمر الذي دعا الإمام الصادق لمن أحياه قائلا: ( رحم الله من أحيا أمرنا )..
  ولا شك ان الحركة العاشورائية التى قام بها الحسين وصحبه من ابرز محطات التاريخ بحيث يمكن القول بانها الثالثة بعد خلقة آدم من حيث اصل اقامة المشروع الالهى المتمثل بجعل الخليفة فى الارض وبعد بعثة المصطفى من حيث تأسيس الرسالة الخاتمة الى يوم القيامة وكانت الثالثة حركة الحسين من حيث تجديد هذه الرسالة و تخليصها مما علق بها طوال نصف قرن من غياب صاحب الرسالة بحيث اصبح على راس هرم المسلمين ( وهو اعلى قمة فى هيكلية الامة الخاتمة ) شخصية تعد فى اسفل القائمة خارج نطاق هيكل الامة الا وهو (يزيد) الذى نجل ونكرم الاسلام والانسانية ان يكون هو احد افرادها .. ومن هذا المنطلق ، أحببنا التنويه على ملاحظات مهمة في هذا المجال وذلك لان عطاء هذه المواسم كعطاء الشمس ، فهي واحدة في أصل العطاء ، ومتعددة في أثارها الخارجية ، بحسب القابليات ، واختلاف درجات المستقبلين لهذا العطاء .. واليكم بعض ما انعم الله تعالى علينا من الملاحظات فى هذا المجال:

  (1) لا بد لاصحاب المجالس من أن يقصدوا القربة الخالصة لله تعالى فان الناقد كما نعلم بصير ، بعيدين عن كل صور الشرك الخفي ، ومما لا شك فيه ان البركات التى ذكرت من خلال النصوص الكثيرة مترتبة على مثل هذه النية الخالصة، وعلامة ذلك عدم الاهتمام بعدد الحضور واطرائهم وما يعود الى مثل هذه العوالم التى قد تستهوى عامة الخلق ، فالأجر مرتبط بما يقوم به هو ، لا بما يقوم به الآخرون .. فما عليك إلا أن تفتح بابك ، وتنشر بساطك ، كما ذكر الصادق في باب المعاملة.

  (2) ان مجالس ذكر الحسين إنما هي في واقعها ذكر لله تعالى ، فإنه انما اكتسب الخلود ، بتحقيقه اعلى صور العبودية لرب العالمين ، وهي الفداء بالنفس ، واية نفس ؟! .. وعليه فلا بد من توقير تلك المجالس بالدخول فيها بالتسمية والطهور، واستحضارها كجامعة من اعرق الجامعات الاسلامية الشعبية ، والتي تضم في قاعاتها المتعددة ( من اكواخ البوادى الى افخم الابنية ) مختلف الطبقات الاجتماعية ، وهذا ايضا من اسباب التفوق العلمي في القاعدة الشعبية للموالين نسبة الى غيرهم ، وذلك لتعرضهم لهذا الاشعاع النوري منذ نعومة اظفارهم.

  (3) لا بد من الاستعداد النفسي قبل دخول المجلس ، فيستحسن الاستغفار وذكر الله تعالى كثيرا ، والصلوات على النبي وآله الطاهرين ، والتهيؤ النفسي لنزول النفحات الالهية في ذلك المكان ، إذ ما من شك ان لله تعالى في أيام دهرنا نفحات ، بحسب الازمنة والامكنة ، ولا شك ان مجلس ذكر الامام الشهيد في مضان نزول انواع الرحمة الالهية التي لا يمكن ان نحصل عليها في غير تلك المجالس ، ولا يفوتنا ان ننوه الى ان الامام الرضا وعدنا بذلك من خلال قوله : فان البكاء عليه يحط الذنوب العظام.

  (4) إذا كان المجلس مقاما في بيت من بيوت الله تعالى ، فلا ننسى تحية المسجد بركعتين مع توجه ، بالاضافة الى مراعاة جميع آداب المساجد المعروفة في الفقه ، وخاصة الالتزام بالحجاب الشرعي للنساء ، وعدم اختلاط الرجال بالنساء في الطريق العام ، فإن موجبات حبط الاجر موجودة دائمة ، ولا ينبغي التعويل على قداسة الجو للتفريط ببعض الواجبات الواضحة فقها واخلاقا ، ولطالما فوتنا على انفسنا المكاسب الكبيرة بعد تحققها وذلك بالتفريط فى التحرز من موانع القبول.

  (5) ليكن الهدف من استماع الخطب ، هو استخلاص النقاط العملية التي يمكن ان تغير مسيرة الفرد في الحياة ، وعليه فانظر إلى ما يقال ، ولا تنظر الى من يقول ، وعلى المستمع ان يفترض نفسه انه هو المعني بالخطاب الذي يتوجه للعموم ، ولا ينبغي نسيان هذه الحقيقة المتكررة فى حياتنا وهى أن الله تعالى قد يجري معلومة ضرورية للفرد على لسان متكلم غير قاصد لما يقول ، ولكن الله تعالى يجعل في ذلك خطابا لمن يريد ان يوقظه من غفلة من الغفلات القاتلة.

  (6) لنحاول أن نعيش بانفسنا الاجواء التي يمكن ان تثير عندنا الدمعة ، فان من اقرب المجالس الى القبول ما كان فى الخلوات كجوف الليل ومن دون اثارة خارجية ، ليعيش العبد مرارة ما جرى يوم الطف تلك المرارة التى آلمت قلوب جميع الصديقين حتى الذين سمعوا بماساة سيد الشهداء قبل ان يولد ، وذلك باستذكار ما جرى في واقعة الطف ، من دون الاعتماد على ما يذكره الخطيب فحسب .. ومن المعلوم ايضا ان التوفيق في هذا المجال مرتبط بمطالعة اجمالية لمجمل هذه السيرة العطرة بما فيها الجانب الماساوى، وذلك من المصادر المعتبرة.

  (7) اذا لم نوفق للبكاء ، فلنحاول أن نتباكى ، ونتظاهر بمظهر الحزن والتلهف على ما دهى سيد الشهداء مع عدم الاعتناء بالجالسين حولك ، فإن من تلبيس ابليس ان يمنعنا من ذلك بدعوى الرياء .. وليس من الادب ان يعامل المستمع ساعة النعي كساعة الوعظ حتى في طريقة الاستماع .. ولا يخفى على المتأمل ان رقة القلب حصيلة تفاعلات سابقة ، فالذي لا يمتلك منهجا تربويا لنفسه في حياته ، من الطبيعي ان يعيش حالة الذهول الفكري اضافة االى الجفاف العاطفي.

  (8) اذا استمرت قسوة القلب طوال الموسم ، فلنبحث عن العوامل الموجبة لهذا الخذلان ، فقد ورد عن علي أنه قال : ( ما جفت الدموع إلا لقسوة القلوب ، وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب ) .. وخاصة اذا استمرت هذه الحالة فترة من الزمن ، فإنها مشعرة بعلاقة متوترة مع الغيب ، إذ كيف لا يتألم الانسان لما جرى على من يحب ، إن كان هنالك حب في البين ؟!.. ولا شك ان الذى يعيش هذا الجفاف المحزن فى وقت احوج ما يكون فيه العبد الى الرقة العاطفية عليه ان يلتجئ للاستغفار الحقيقى والذى اثره ترك المعصية ، وكم من الجميل ان ينتهى موسم الولاية بخاتمة توحيدية بمعنى الانابة الى الله تعالى ، وهذا بدوره مما سيجعل للمواسم العزائية وقعا فى نفوس الذين قد لا يتفاعلون مع هذه المشاعر فى بادئ النظر.

  (9) لنستغل ساعة الدعاء بعد انتهاء المجلس ، فإنها من ساعات الاستجابة ، وحاول أن يكون لك جو من الدعاء الخاص ، غير مكتف بما دعا به الخطيب ، فالملاحظ ان الدعاء بعد المجلس لا روح فيه بشكل عام ، أي بمعنى ان الناس لا ينظرون الى هذه الفقرة نظرة جد واعتناء ، وكأن الحديث مع الرب المتعال امر هامشي ، لا يعطى له ما يستحقه من الالتفات والحال انه من الممكن ان يحقق العبد حاجاته الكبرى بعد الدموع التى جرت على احب الخلق الى الله تعالى فى زمانه.

  (10) لنحاول أن نبحث عن التنوع في مجالس العزاء ، إذ لكل مجلس هيئته الخاصة ، ولكل خطيب تأثيره الخاص .. وعلى المستمع ان يبحث عن المجلس الذي يثير فيه العبرة والاعتبار ، تاركا كل الجهات الباطلة الاخرى : كارضاء اصحاب المجالس ، او التعصب لجهات معينة ، او الميل القلبي الذي لا مبرر له سوى الارتياح الذاتي لا الرسالي .. ونعتقد ان نزول البركات المادية والمعنوية مرتبط بنسبة طردية مع هذه النوايا التى لا يعلمها الا الله تعالى .

  (11) لنحاول أن نفرغ انفسنا أيام عاشوراء من جهة : العمل والدراسة والتجارة وذلك اقامة للحداد على سبط النبي الذى كان يؤذيه بكاؤه وهو صغير ، وذلك لئلا يكون يومنا في يوم عاشوراء كباقي الايام مشتغلين بأمور الدنيا ، تاركين مشاطرة صاحب الامر في مصيبته التي يبكى عليها بدل الدموع دما .. والامر يعطي ثماره عندما يكون ذلك مقترنا بشيء من المجاهدة في هذا المجال فان افضل الاعمال احمزها اى اشقها على النفس.

  (12) اذا كنت في بلد خال من مجالس الحسين فاستعن بالمسموعات والمرئيات والمواقع الهادفة ، لئلا تحرم بركات الموسم ، بل ان احياء الذكر في اماكن غير متعارفة له اثره الخاص .. وهذه من المجربات التي لا تخلف لاثرها ، إذ ان الذكر في الخلوات ، يخلو من كل شوائب الجلوات ، ومن هنا كان العمل اقرب للقبول من غيره وخاصة اذا اقترن ذلك بترويج لتلك الاهداف السامية فى قلوب الذين يجهلون هذه المعارف فان الناس لو عرفوا محاسن سيرتهم لاتبعوهم .

  (13) ان من الامور الراجحة - سواء داخل البيت او خارجه - أن يعيش الاجواء المثيرة للعواطف ، بالاستماع الى ما أمكن من محاضرات ، ومجالس عزاء ، وقراءة الكتب المتعلقة بالسيرة والمقتل.. وكم من الجدير ان يحول المؤمن هذه الايام الى اسبوع شحن فكري وعاطفي ، في مختلف المجالات ، حتى العبادية منها.. فإن احياء هذه الذكرى مقدمة لاحياء الدين ، بكل حدوده وثغوره ، ومن الراجح ايضا ان لا يقتصر الامر على مجرد الشحن العاطفى بمعزل عن الشحن الفكرى ، فان من اهداف هذه الحركة المباركة هو تحريك العباد الى المنهج الربانى الذى كادت تضيع معالمه عندما اقصى الظالمون الامام عن الامة.

  (14) إن علامة قبول العزاء : وعظاً ، واستماعاً ، وبكاءً ، وإبكاءً هو الخروج بالتوبة الصادقة بعد الموسم ، إقلاعاً عن الذنوب ، وتشديداً للمراقبة فان الذى كان يعطى الحسين هويته المتميزة هو الذكر الالهى فى كل مراحل حركته المباركة بما فى ذلك ساعة عروجه الى الملكوت الاعلى .. والملاحظة - مع الاسف الشديد - ان الانسان يفرط بسرعة في المكاسب التي اكتسبها في الموسم ، وذلك بمجرد الخروج منه.. وهذا الامر يتكرر في كل عام مما يعظم لصاحبه الحسرة يوم القيامة .. فالامر بمثابة انسان ورد الغدير ، ولم يغترف منه الا لعطش ساعته ، من دون ان يتزود لسفره البعيد ، في القاحل من الارض.

  (15) حاول أن تصطحب اهلك وأولادك واصدقائك لمجالس الحسين فإنها مضان التحول الجوهري حتى للنفوس العاصية ، ولا شك أنه يترك أثراً لا شعورياً في نفوس الاحداث.. وذلك لان للمعصوم عنايته واشرافه بعد وفاته ، كما ان الامر كذلك في حياته ، فاذا كان الشهيد حيا مرزوقا فكيف بامام الشهداء ؟!.. ومن المعلوم ان الفرق بين المعصوم الحي والمستشهد ، كالفارق بين الراكب والراجل ، إذ انه بانتقاله من هذه النشأة الدنيا ترجل عن بدنه الشريف .. فهل تجد فرقا بينهما ؟!

  (16) يغلب على بعض المستمعين - مع الأسف - جو الاسترسال واللغو بعد انتهاء المجلس مباشرة ، وفي ذلك خسارة كبرى لما اكتسبه اثناء المجلس ، فحاول أن تغادر المجلس إن كنت تخشى من الوقوع في الباطل .. ومن المعروف في هذا المجال ، أن الادبار الاختياري بعد الاقبال العبادي مع رب العالمين أو في مجالس اهل البيت ، من موجبات العقوبة الالهية .. وقد ورد انه ما ضرب عبد بعقوبة اشد من قساوة القلب.. وهذا ايضا يفسر بعض صور الادبار الشديد ، بعد الاقبال الشديد ، وذلك لعدم قيام العبد برعاية آداب الاقبال ، كما هو حقه.

  (17) إن البعض يحضر المجلس طلباً لحاجة من الحوائج ، فيدخل في باب المعاملة مع رب العالمين ، والحال أن الهدف الاساسي من هذه المجالس هو التذكير بالله تعالى ، وبما اراده امراً ونهياً وهى الاهداف التى قدم الامام نفسه من اجل تحقيقها ، فشعارنا ( تبكيك عيني لا لأجل مثوبة ، لكنما عيني لاجلك باكية ) .. و ما قيمة بعض الحوائج المادية الفانية في مقابل النظرة الالهية للعبد التي تقلب كيانه رأسا على عقب.

  (18) إن المعزى في هذه المواسم بالدرجة الاولى هو بقية الماضين منهم ، ألا وهو صاحب الامر ، فحاول استحضار درجة الالم الذي يعتصر قلبه الشريف ، وذلك بانه الخبير بما جرى على جده الحسين في واقعة الطف ، إذ أن ما وصل الينا - رغم فداحته - لا يمثل الا القليل بالنسبة الى ما جرى على آل الله تعالى ومن هنا يعد امامنا المهدى من البكائين ولك ان تتصور حال من يندب جده الشهيد فى هذه القرون المتطاولة.

  (19) إن البعض ينظر الى ما جرى في واقعة الطف و كأنه ملف فتح ليختم والحال اننا مأمورون بالتأسي بالنبي الاكرم واله علسهم السلام ، ومنهم سيد الشهداء : رفضا للظلم ، وذكرا لله تعالى على كل حال ، وفناء في العقيدة ، واستقامة في جهاد الاعداء ، وبصيرة في فهم حدود الشريعة ، فان ضريبة تمنى الكون معهم من اجل نصرتهم هو السعى العملى للتشبه بهم فى الحدود المتاحة الممكنة فى اى موقع من مواقع الجهاد فى الحياة.

  (20) إن من الملفت حقا تنوع العناصر التي شاركت في واقعة الطف .. فمنهم الشيخ الكبير كحبيب بن مظاهر الاسدي ، ومنهم الطفل الرضيع ، ومنهم الشاب في ريعانة شبابه كالقاسم والاكبر ، ومنهم العبد الاسود كجون ، ومنهم النساء اللواتى شاركن في قسم من المعركة ، وما بعد المعركة كعقيلة الهاشميين زينب الكبرى .. اليس في ذلك درس للجميع وان التكليف لا يختص بفئة دون فئة اخرى ، وان الله تعالى يريد من كل واحد منا ان يكون رافعا للواء التوحيد اينما كان ؟!



فضل التربة الحسينية

  ( التربة ) لغة بمعنى مطلق التراب، فالترب والتربة، والتراب، لها معنى واحد معروف. لكنها صارت حقيقة عرفية في بعض أقسام التراب وهو ( التربة الحسينية )، وهو التراب المأخوذ من القبر، أو الموضوع على الصندوق، أو الموضوع في الحائر، وهو ما يصح إطلاق العرف على الطين المأخوذ من القبر لو وجد. بل أطلقت التربة على كون المقصود فيها طين القبر، ومنه قول الصادق ( عليه السلام ) : " وقد بلغني أن بعض من يأخذ من التربة شيئا يستخف فيها " ( الأرض والتربة الحسينية).
  لقد حث الأئمة الأطهار شيعتهم بالتبرك بتربة الحسين ( عليه السلام )، حتى صاروا يحملونها معهم للتبرك أو للسجود عليها عند كل صلاة، وقد انتشرت هذا العادة بين المسلمين منذ بداية الدعوة أي في السنة الثالثة للهجرة، عندما وقعت الحرب بين المسلمين والمشركين في موقعة أحد، وقد انهد فيها أعظم ركن للإسلام، وأقوى حامية من حماته، وهو حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأخوه من الرضاعة، فعظمت مصيبته على النبي وعلى عموم المسلمين، لا سيما وقد مثلت هندا أم معاوية تلك الشنيعة التي قطعت أعضاءه واستخرجت كبده فلاكتها ثم لفظتها، وأمر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نساء المسلمين بالنياحة عليه في كل مأتم، واتسع الأمر في تكريمه إلى أن صاروا يأخذون من تراب قبره فيتبركون به ويسجدون عليه لله تعالى، ويعملون المسبحات منه .
  وتنص بعض المصادر أن فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جرت على ذلك، ولعلها أول من ابتدأ بهذا العمل في حياة أبيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )، ولعل بعض المسلمين اقتدى بها، وكان لقب حمزة يومئذ سيد الشهداء، وسماه النبي أسد الله وأسد رسوله (الأرض والتربة الحسينية : 60 ).
  ويؤيد ما ذكره الشيخ المجلسي : عن محمد بن إبراهيم الثقفي، عن أبيه، عن الصادق جعفر بن محمد ( عليه السلام ) قال : إن فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كانت سبحتها من خيط صوف مفتل معقود عليه عدد التكبيرات، وكانت تديرها بيدها تكبر وتسبح حتى قتل حمزة بن عبد المطلب، فاستعملت تربته وعملت منها المسابح فاستعملها الناس ( بحار الأنوار : 146 ). فكانت عادة الناس تقديس تربة الشهداء، وتربة قبر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )، وتربة بعض الصحابة أيضا، والاستشفاء بها عادة مألوفة عند المسلمين الأولين، فعندما استشهد حمزة سيد الشهداء صاروا يأخذون من تربته للاستشفاء ومعالجة الصداع. وكذلك كانوا يتبركون ويتداوون بتراب حرم الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ( كربلاء وفضل الحائر : 119. / صفحة 85 / ).
  فعندما توفي النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) صاروا يأخذون من تربته الشريفة كما يستفاد ذلك مما نقله السيد نور الدين الشافعي بما نصه : " كانوا يأخذون من تراب القبر - يعني قبر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) - فأمرت عائشة بجدار فضرب عليه، وكانت في الجدار كوة فكانوا يأخذون منها، فأمرت بالكوة فسدت ".
  وقد تعدت هذه العادة حدود تربة الشهداء والنبيين إلى تربة بعض من الصحابة، فكانوا يتبركون ويتداوون بتربة صهيب الرومي وغيره.
  ويظهر أن أول من صلى من المسلمين، بل من أئمة المسلمين على تربة الإمام الحسين ( عليه السلام )، هو زين العابدين علي بن الحسين ( عليه السلام )، بعد أن فرغ من دفن أبيه وأهل بيته وأنصاره، أخذ قبضة من التربة التي وضع عليها الجسد الشريف الذي بضعته السيوف، فشد تلك التربة في صرة وعمل منها سجادة، ومسبحة، وهي السبحة التي كان يديرها بيده حين ادخلوه على يزيد، فسأله : ما هذه التي تديرها بيدك ؟ فروى له عن جده رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خبرا محصله : " أن من يحمل السبحة صباحا ويقرأ الدعاء المخصوص، لا يزال يكتب له ثواب التسبيح وإن لم يسبح ".
  ولما رجع الإمام ( عليه السلام ) وأهل بيته إلى المدينة صار يتبرك بتلك التربة ويسجد عليها ويعالج بعض مرضى عائلته بها، فشاع هذا عند العلويين وأتباعهم ومن يقتدي بهم، فأول من صلى على هذه التربة واستعملها هو زين العابدين ( عليه السلام )، ثم تلاه ولده الباقر ( عليه السلام )، فبالغ في حث أصحابه عليها ونشر فضلها وبركاتها، ثم زاد على ذلك ولده جعفر الصادق ( عليه السلام )، فأنه نوه بها لشيعته، وكانت الشيعة قد ازدادت في عهده وصارت من كبريات طوائف المسلمين وحملة العلم والآثار .
  وقد ذكر الشيخ الطوسي : إنه كان لأبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) خريطة من ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام )، فكان إذا حضرته الصلاة صبه على سجادته وسجد عليه، ثم قال : إن السجود على تربة أبي عبد الله ( عليه السلام ) يخرق الحجب السبع : ولعل المراد بالحجب السبع هي الحاءات السبع من الرذائل التي تحجب النفس عن الاستضاءة بأنوار الحق وهي : ( الحقد، والحسد، والحرص، والحدة، والحماقة، والحيلة، والحقارة ).
  فالسجود على التربة من عظيم التواضع والتوسل بأصفياء الحق، يمزقها ويخرقها ويبدلها بالحاءات السبع من الفضائل وهي : ( الحكمة، والحزم، والحلم، والحنان، والحصافة، والحياء، والحب ).
  ولم تزل الأئمة تحرك العواطف، وتحفز الهمم، وتوفر الدواعي إلى السجود عليها والالتزام بها، وبيان تضاعف الأجر والثواب في التبرك بها والمواظبة عليها، حتى التزمت بها الشيعة إلى اليوم، هذا الالتزام مع عظيم الاهتمام، ولم يمض على زمن الصادق ( عليه السلام ) قرن واحد حتى صارت الشيعة تضعها ألواحا في جيوبها كما هو المتعارف عليه اليوم.




كلمة الحسين عليه السلام

  (1) كلمة الحسين
  الحسين، كلمة الحق التي تفّتحت على معاني الخير كلّه وانغلقت على معاني الشر كلّه ، وهذه الكلمة هي الميزان الحاسم للمواقف كلها, فلا يصح عندها التردد لمن قصد الحق كلّه ، حكم الحسين في ذلك هو حكم القرآن الذي يحكم على الراد عليه كالراد على رسول الله والراد على رسول الله راد على الله تعالى بلا أدنى شكّ .
  فالحسين عليه السلام قوله وفعله حجة إلهية, ولا يرد هذه الحجة إلا جاهل وجب أن يتعلم أو معاند وجب عليه العذاب. هذا ما نعتقده في الحسين عليه السلام سبط النبي محمّد صلى الله عليه وآله ذلك الامتداد الرسالي لرسالة الإسلام الناجية .
  وتقع مسؤولية بيان هذه الكلمة الحسينية في المرحلة الأولى على عاتق الذين عرفوه حق المعرفة بأن يعرّفوه للآخرين حتى يهلك الله من يهلكه عن بيّنة ويحياه من أحياه عن بيّنة ، أليس هو القائل في محكم كتابه (وما كنا معذّبين حتى نبعث رسولاً) ؟
  والرسول هو الذي يبين الحق ليتم الحجّة، وقد تمثّله سطور تحملها إليك هذه النشرة التي رنتْ بين يديك ، كونها تنطق معك عن مفاهيم الرسالة والرسالية والرسولية لتبث باسم الحسين ما أراده الله عزّ وجلّ للإنسان في هذه الحياة التي ربح فيها قوم وخسر فيها آخرون.
  فلكي تكون أيها القارئ العزيز من القوم الرابحين بإذن الله جئناك بهذه الكلمة الحسينية لنقول: لا للعصبية ، لا للجاهلية ، لا للانقسامية ، نعم لعكسها تماماً ، نعم للحوار والإنفتاح ، نعم للوعي والعلم والمعرفة ، نعم للإتحاد والتعاون رغم كل اختلاف وتفاوت.
  هكذا كان الحسين وهكذا هو المطلوب من شيعته أن يكونوا , وفي ذلك لا يجامل الإمام الحسين أحداً لأن المجاملة في الترخيص لمعصية الله تعالى إفناء لرسالته الإسلامية ذات المفاهيم الحضارية الراقية. فقد جاءه رجل وقال: يابن رسول الله .. أنا من شيعتكم .
  فقال له الحسين: (إتّق الله ولا تدّعينّ شيئاً يقول الله لك كذبتَ وفجرت في دعواك، إن شيعتنا من سلمتْ قلوبهم من كل غش وغل ودغل, ولكن قل أنا من مواليكم ومن محبّيكم).
  فالشيعي إذن ليس بالإسم والعنوان والإدعاء بل وحتى حضور المآتم للعزاء ، انما بممارسة الأخلاق الحسينية العظيمة والتزام التقوى في الفكر والفعل .

  (2) كلمة الحسين
  إن لتحقيق أي هدف في الحياة لابد من توفر ثلاث دوافع لدى الإنسان الهادف وهي على شكل الترتّب.
  الأول: معرفة الهدف المنشود.
  الثاني: الحبّ الشديد له والميل إليه بصدق وإخلاص.
  الثالث: الطاعة والالتزام بكل ما يؤدي إليه.
  ذلك لأن (معرفة الشيء) تولّد (محبته) وهذه تولّد (الطاعة لكل ما يطلبه ذلك الشيء).
  ففي مجال العبادة مثلاً يقول الإمام علي عليه السلام واصفاً عبادة الملائكة: (قد ذاقوا حلاوة معرفته ، وشربوا بالكأس الرويّة من محبته ... فحنّوا بطول الطاعة اعتدال ظهورهم).
  وهكذا ينطبق هذا القول كقاعدة عامة على كل العابدين والهادفين لتحقيق غاية نبيلة في حياتهم ، فمثلاً حينما نريد تحقيق الغايات التي سقاها الحسين عليه السلام بدمه ودماء أولاده وأصحابه نجد أمامنا ضرورة (معرفة الحسين كشخص كريم وإمام عظيم ومنهج قويم صاحب تلك الغايات النبيلة) فتترتب على هذه المعرفة (محبّته كإنسان عاش من أجل القيم وقُتِل على سبيل الدفاع عنها مظلوماً عطشاناً غريباً) وتترتب على هذه (الطاعة له و الالتزام بتوجيهاته الرسالية في كل ما نستطيع إليه دون الميل إلى الأهواء الشخصية وتغليفها بحب الحسين).
  عند ذلك سيجد الإنسان (العارف المحب المطيع) أنه مع الحسين في مشاعره وشعائره ، فلا يكون حينئذ كاذباً إذا قال في زيارته عليه السلام (يا ليتني كنت معكم)!
  فمن غير المعرفة السليمة والمحبة الصادقة والطاعة المخلصة إذن لا يمكن لأي أحد أن يدّعي كونه شيعياً، لأن الشيعي هو من يشايع إمامه ويخطو خطواته في عباداته وأخلاقه ومواقفه .
  يقول أبان بن تغلب, قال الإمام الحسين عليه السلام: (من أحبّنا كان منا أهل البيت) فقلت: منكم أهل البيت؟ (فقال: منا أهل البيت) حتى قالها ثلاثاً ، ثم قال عليه السلام: (أما سمعتَ قول العبد الصالح فمن تبعني فإنه مني).

  (3) كلمة الحسين
  حاول هواة السياسة توظيف ثورة الحسين عليه السلام لرغباتهم السياسية فبرّقوا الهدف منها وكأنها لم تكن إلا لقلب نظام الحكم السياسي الأموي!
  ولكننا نقول بضرس قاطع: بل إنه ثار لقلب نظام الأخلاق السيئة التي سادت حياة الفرد والمجتمع على مستوى الحاكم والرعية، ولكن الأولوية العلاجية قد صوّبها الحسين عليه السلام إلى المنبع الذي كانت تصب منه الرذائل كلها على رؤوس الأمة، وكان يتمثل في (يزيد بن معاوية) لا بصفته حاكماً فاسداً ومتجاهراً بالفسق والفجور فقط بل بصفته مؤسساً لمنهج إنحرافي شمولي خطير في الأمة.
  مثل ذلك كمثل الحريق لما يندلع ليلتهم كل شيء أمامه فيتوجه الإطفائيون الحاذقون إلى مصدر الإشعال ومنبع الأخطار ، وإن كان ذلك لا يمنع غيرهم أن يعملوا جهدهم لإطفاء الحرائق الفرعية من حوله .
  فالسياسة الفاسدة والنظام والاقتصادي الناهب والمجتمع المتحارب والأسر المتفككة والأمراض المتفشية والأفراد الضائعون والحلول المغيّبة، كل ذلك نتيجة انعدام الرؤية الأخلاقية الصالحة والشاملة إلى الإنسان والحياة وقد كان الحسين ثائراً من أجل هذه المنظومة البنيوية .
  وهذا ما يتضح للقارئ المتأمل في بيانات الإمام الحسين وخطاباته ومواقفه الإنسانية الفريدة من نوعها في طول المسيرة التي رسمها بعد موت معاوية إلى كربلاء الدامية حتى لحظة عروج روحه الزاكية.
  أليس الإمام عليه السلام أعلن أنه سائر إلى الشهادة, فالسائر إلى الشهادة ليس سائراً نحوتقلّد الحكم والوصول بنفسه إلى السلطة السياسية للمجتمع, بل يريد بعمليته الإستشهادية أن يهز ضمير الأمة الساهية, علّها تنتبه وتسأل نفسها لماذا أقدم سبط الرسول صلى الله عليه وآله إلى هذه العملية ثم تنبش في الأسباب والأهداف وتتحرك نحو الأصلاح الجذري .
  وتدلنا الى هذه النظرية سيرة بقية الأئمة من ولد الحسين عليه السلام حيث سايروا الانحراف السياسي في الحكم ما دامت الأصول الأخلاقية ومحاولات الإصلاح النسبي كانت ممكنة حيث من بعد النهضة الحسينية والإنتفاضات الوليدة منها في الأمة, أخذ الحكام يحسبون حساباً لمواقفهم فلم يتجاهروا بما تجاهر به يزيد من فسق وظلم وكفر, ولو كانوا لكان كل إمام من أئمتنا ينهض كالحسين عليه السلام.
  من هنا ورد عنهم _ عليهم السلام _:
  (كلنا أبواب النجاة وباب الحسين أوسع، وكلنا سفن النجاة وسفينة الحسين أسرع).
  ومن هنا نُسبتْ الى الامام الحسين ( عليه السلام )هذه الأبيات:
سبقتُ العالمين إلى المعالي        بـحسن  خليقة وعلوّ همّة
ولاح بـحكمتي نور iiالهدى        في  ليالٍ بالضلالة iiمدلهمّة
يـريد  الـجاحدون iiليطفؤه        ويـأبـى الله إلا أن iiيـتمّه

  (4) كلمة الحسين
  إذا ربطنا قول رسول الله صلى الله عليه وآله: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) بقوله الآخر: (حسين مني وأنا من حسين). وهما حديثان متواتران عند كافة المسلمين، لعرفنا أنّ الحسين هو الامتداد الرسالي لإتمام مكارم الأخلاق، ولكن فما هي هذه المكارم الأخلاقية ؟
  يقول النبي صلى الله عليه وآله إنها ثلاثة: (صِلْ من قطعك, واعط من حرمك, واعفُ عمّن ظلمك).
  تلك هي المبادئ المغيّبة عن سلوك غالبية المسلمين، بل المغيّبة حتى على نطاق الأفراد في الأسرة الواحدة، علماً أنّ الأخلاق الرسالية عند رسول الله صلى الله عليه وآله أوسع نطاقاً من هذا، أي حتى على صعيد الأعداء فقد كان الرسول يعفو ويعطي ، ولدى النظرة الى سيرة الامام الحسين نتذكر سيرة جده محمد صلى الله عليه وآله في الأخلاق كلها دون تفريط ولو ببعضها .
  وهذه الحقيقة تلزم كل مسلم ومسلمة بعدم الفصل بين السبط والجد الكريمين كما تلزم اتخاذ السلوك الأخلاقي التالي:
  - الأنفتاح على الجميع ولا يمارسون الفئوية.
  - العمل على جمع الكلمة ويعيقهم حبّ الذات وتقديس الأنانية عن تحقيق هذا الهدف الكبير.
  - النظر إلى أعلى درجات الجنة ورضوان الله أكبر عندهم من كل شيء.
  - الأستعداد لكل شيء إلا ما يسخط الله عليهم.
  - الحوار لاكتشاف الأصوب وإتباع الأحسن.
  - التطلع للتغيير إلى الأفضل في كل شيء.
  الحسين عليه السلام يبحث عن أنصار.. بهذه المواصفات التي تختزن العقيدة السليمة والأخلاق الكريمة والرؤية الواضحة واعتماد المرونة بالحكمة وبُعد النظر, تلك هي ضمانات النجاح في إقامة الحق بكل أبعاده وأوسع آفاقه وتحقيق العدل والحرية واحتضان التعدديات والرأي الآخر كذلك .

  (5) كلمة الحسين
  النقد والنصيحة ضرورتان للتطوير والانتقال من درجة إلى درجة أفضل في الحياة، ولكن بعض الباحثين عن الأفضل من دعاة التطوير والتحضّر لماذا نراهم لا يتحملون النقد والنقاش ويشكّكون في الناصحين ويقتلون سنة النصيحة في المجتمع ؟
  إن لهذه المشكلة عدة أسباب، فقد يعود بعضه إلى حبّ الذات وممارسة الأنانية وتثبيت المحورية والزعامة الأوحدية ، وقد يعود بعضه إلى التعب النفسي وضعف الأعصاب ، وقد يعود بعضه إلى مزاج الإنسان الموروث أو برجه الناري حين الولادة ولم تسعفه التربية الإيمانية للتغلّب عليه.
  أما الحسين بن علي عليهما السلام فهو رغم عصمته عن كل خطأ ونزاهته عن كل خطيئة فقد كان يتحمّل النقد وإن كان من هادم ومستهزئ, وكان ردّه الهادئ انتصاره الساحق عليه.
  من ذلك ما ورد أن رجلاً قال للحسين عليه السلام: إن فيك كبراً، فقال ـ بكل سعة صدر ـ: كل الكبر لله وحده، ولا يكون في غيره, قال الله تعالى: (فلله العزة ولرسوله وللمؤمنين).
  ولكن في مجتمعنا لو قال أحد لشخص إن فيك كبراً _ أي أنك متكبر _ لرفع الدنيا عليه ولم يقعدها، واستخدم الدين غطاءً للدفاع عن نفسه ورمي التهم على غيره !
  ولما عزم الإمام الحسين عليه السلام على الثورة فقد جاءه كثير من الصحابة والقرابة والوجهاء ينصحونه بالتراجع أو ينتقدونه ، فما كان لهم إلا مستمعاً جيداً ثم مجيباً كما يلي:
  (فإذا صرت إليها استخرت الله تعالى في أمري بعد ذلك) أو كان يقول (يقضي الله ما أحب) أو كما قال لأحدهم وكان ناصحاً بلا نفاق (قل فو الله ما أظنك بسيء الرأي) وقال لأحد أقربائه (جزاك الله خيراً يابن عم ، فقد والله علمت أنك مشيت بنصح وتكلمت بعقل، ومهما يقض من أمر يكن، أخذتُ برأيك أو تركتُه فأنت عندي أحمد مشير وأنصح ناصح).
  وهكذا كان موقفه أمام النقد والنصيحة وأما موقفه إذا أراد أن ينتقد ليصحح الخطأ أو يبدي رأيه في شيء فقدكان يلتزم بأدب النقد وأخلاق الكلمة. قيل له ذات مرة إن أباذر يقول: الفقر أحب إليّ من الغنى، والسقم أحب إليّ من الصحة. فقال عليه السلام: (رحم الله تعالى أباذر، أما أنا فأقول: من اتكل على حسن اختيار الله تعالى له لم يتمنّ غير ما اختاره الله عزّ وجلّ له).
  وعندما قيل في محضره: إن المعروف إذا أُسدي إلى غير أهله ضاع ، قال عليه السلام مصححاً: ليس كذلك ولكن تكون الصنيعة مثل وابل المطر تصيب البرّ والفاجر).
  ونجده يقول لرجل اغتاب عنده رجلاً: (يا هذا كُفّ عن الغيبة فإنها إدام كلاب النار). هذا هو منهج الحسين عليه السلام في النقد وقبول النقد، فهل نتعلمه في سلوكنا مع الآخرين ؟ أم نرد على الناصحين برصاصات الاهانة والإتهام والتسقيط ؟

  (6) كلمة الحسين
  جبهتان تستعدان للمواجهة العسكرية، إحداهما مظلومة والثانية ظالمة بلا أدنى شك في ذلك، لأن الجبهة التي يقف في قيادتها الإمام الحسين سبط رسول الله لا يمكن أن تكون الا الحق (المظلوم) والجبهة التي يقف في قيادتها يزيد وابن زياد وابن سعد وشمر بن ذي الجوشن هي الباطل (الظالم) قطعاً.
  مع ذلك فلا تستغرب إذا وجدت الإمام الحسين وهو لا يقاس ولا يقارن بأعدائه يدعو ابن سعد (القائد الميداني لجيش الباطل في كربلاء) يدعوه إلى الحوار، وذلك قبل ساعات قليلة من بدء المواجهة الدموية، وبالطبع لا يصدر من الحسين عليه السلام ذلك لا لضعف وجبن وحب في العيش لأيام معدودات ، بل ليتم الحجة على الذين يدخلون النار أملاً في إنقاذهم منها,وكذلك ولكي يخلّد الحسين عليه السلام أهمية الحوار عند احترام الصراع بين أشخاص أو أحزاب من المسلمين.
  هكذا كتب المؤرخون أن الحسين عليه السلام أرسل إلى ابن سعد: (إني أريد أن أكلمك فالقني الليلة بين عسكري وعسكرك).
  نعم ... وتم هذا الحوار ولكن لم يقتنع ابن سعد بنصائح الإمام الحسين عليه السلام وكادت ليتفطّر منها الصخور لو لا أن قلب ابن سعد كان أقسى منها وإن كانت النتيجة واضحة عند الحسين بن علي عليه السلام قبل دعوته له إلى اللقاء والحوار.
  والسؤال هنا: أين هذا المنهج الحسيني من طريقة أدعيائه الذين تؤدي بهم الخلافات الهامشية التافهة إلى مشاحنات وبغضاء وكره مستمر ، فلا يسلمون على بعضهم فضلاً عن اللقاء وفضلاً عن الحوار! فأين يضمر الخلل ؟ هل لأن خلافاتهم أكبر من خلافات الإمام الحسين عليه السلام مع ابن سعد أم لأن الجهل والحقد يقودان مواقفهم ؟ فما هو السبب في هذه الظاهرة الفصامية بين الحسين عليه السلام وبعض المدّعين حبّه .
  إن السبب لايكون غير الثقافة القشرية والتربية السطحية والنفوس الضعيفة والطموح المادي وحبّ الرئاسة والمحورية وغياب الهدفية والحضارية عنهم.
  وإلا فلماذا لا يتحاورون ليريحوا الناس من شر الخلافات وطامّة الانقسامات في الانقسامات، حتى صارت كل فئة تحمل في داخلها قنبلة انشطارية، إن لم تنفجر اليوم فهي مرشحة للانفجار غداً لتعلن فئة عن حقها في الوجود بقيادة (...) في حرب على (...) وهو أخيه بالأمس!
  فسلام الله عليك يا أبا عبد الله الحسين أيها المظلوم الغريب بين الجميع!

  (7) كلمة الحسين
  لماذا الإكراه على الولاء والبيعة للمرجع الفلاني أو الحاكم الفلاني وإلا فعليك غضبه أو غضب أتباعه والمصفقين أو المكبِّرين ؟
  ولماذا إذا رفض شخص هذا الولاء والبيعة أو لم يرفع يده بالدعاء للمرجع الفلاني اجتمعت كلمة الإدارة في المأتم أو المسجد على نبذه وتسقيطه وتشويه سمعته ؟ وما فائدة الولاء والدعاء في جو الإرهاب الفكري والإكراه الديني أو السياسي ؟ أليس هذا يولّد النفاق والتملّق وتضييع القيم والكفاءات وتقديس الذوات؟ وهل يا ترى تنبض الحرية بحياتها في أجواء كهذه ؟
  الحسين عليه السلام يجيبنا على هذه الأسئلة عبر موقفه التالي:
  في طريقه إلى كربلاء أقبل عليه السلام حتى مرّ بمنطقة التّنعيم، فلقي بها عيراً قد اُقبِل بها من اليمن، بعث بها بحير بن ريسان الحميري إلى يزيد بن معاوية _ وكان عامله على اليمن _ وعلى العير الورس والحلل ينطلق بها إلى يزيد ، فأخذها الحسين عليه السلام فانطلق بها .
  ثم قال لأصحاب الإبل: (لا أُكرهكم، من أحبَّ أن يمضي معنا إلى العراق أوفينا كراءه وأحسنا صحبته ، ومن أحبَّ أن يفارقنا من مكاننا هذا أعطيناه من الكراء على قدر ما قطع من الأرض).
  فمن فارقه منهم حوسب فأوفى حقّه, ومن مضى منهم معه أعطاه كراءه وكساه.   أنظر..كم رائع هذا العدل الحسيني مع الكراء، وكم رائع أخذُه لتلك الأموال التي هي أموال المسلمين ولكنها كانت على طريقها إلى الطاغوت الأموي، فأرجعها سبط الرسول صلى الله عليه وآله إلى استحقاقاتها الشرعية مع الالتزام الكامل بالأخلاق الإسلامية.
  إنه لا يعترف بيزيد بن معاوية ، أليس الحسين عليه السلام هو الحاكم الإسلامي الحق، وهو الأحقّ بالتصرّف ؟
  فما نشاهده في هذا الموقف هو احترام الحسين عليه السلام لحق العمال وحريتهم في الإختيار، إذ لم يفرض عليهم الولاء والبيعة والخروج معه .
  وإن هم ذهبوا عنه فسيعطيهم أجورهم على أتعابهم، فلا يتهمهم بالخروج على طاعة الإمام (ولي أمر المسلمين) كما يحلو لجماعة من الشيعة في مجتمعنا إذا لم يؤمن غيرهم من الشيعة ببعض آراء مرجعهم!
  ونتسائل هل المرجع الفلاني أو الحاكم الفلاني أرفع شأناً ومقاماً من الإمام الحسين عليه السلام ؟ كيف يفرض أتباع هذا وذاك ولائهم على من لم يقتنع أو أنه أعطى ولاءه ودعاءه وبيعته لمرجع أو حاكم آخر ؟
  هلاّ نتعلم من الحسين عليه السلام قيمة الحرية وإعطاء حقوق من لا يتفق معنا ؟

  (8) كلمة الحسين
  لماذا الإكراه على الولاء والبيعة للمرجع الفلاني أو الحاكم الفلاني وإلا فعليك غضبه أو غضب أتباعه والمصفقين أو المكبِّرين ؟
  ولماذا إذا رفض شخص هذا الولاء والبيعة أو لم يرفع يده بالدعاء للمرجع الفلاني اجتمعت كلمة الإدارة في المأتم أو المسجد على نبذه وتسقيطه وتشويه سمعته ؟ وما فائدة الولاء والدعاء في جو الإرهاب الفكري والإكراه الديني أو السياسي؟ أليس هذا يولّد النفاق والتملّق وتضييع القيم والكفاءات وتقديس الذوات ؟ وهل يا ترى تنبض الحرية بحياتها في أجواء كهذه ؟
  الحسين عليه السلام يجيبنا على هذه الأسئلة عبر موقفه التالي:
  في طريقه إلى كربلاء أقبل عليه السلام حتى مرّ بمنطقة التّنعيم، فلقي بها عيراً قد اُقبِل بها من اليمن، بعث بها بحير بن ريسان الحميري إلى يزيد بن معاوية _ وكان عامله على اليمن _ وعلى العير الورس والحلل ينطلق بها إلى يزيد ، فأخذها الحسين عليه السلام فانطلق بها .
  ثم قال لأصحاب الإبل: (لا أُكرهكم، من أحبَّ أن يمضي معنا إلى العراق أوفينا كراءه وأحسنا صحبته ، ومن أحبَّ أن يفارقنا من مكاننا هذا أعطيناه من الكراء على قدر ما قطع من الأرض).
  فمن فارقه منهم حوسب فأوفى حقّه، ومن مضى منهم معه أعطاه كراءه وكساه.
  أنظر..كم رائع هذا العدل الحسيني مع الكراء، وكم رائع أخذُه لتلك الأموال التي هي أموال المسلمين ولكنها كانت على طريقها إلى الطاغوت الأموي، فأرجعها سبط الرسول صلى الله عليه وآله إلى استحقاقاتها الشرعية مع الالتزام الكامل بالأخلاق الإسلامية.
  إنه لا يعترف بيزيد بن معاوية ، أليس الحسين عليه السلام هو الحاكم الإسلامي الحق، وهو الأحقّ بالتصرّف ؟

  (9) كلمة الحسين
  غداً هو يوم العاشر من شهر محرّم ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام سبط النبي محمّد صلى الله عليه وآله. حيث ذبح وإخوته وأولاده وأصحابه وسبيت نساؤهم وأطفالهم وتحركت قافلة السبايا ، تتقدمها رؤوس الشهداء مرفوعة على الرماح في مسيرة امتدت من أرض المعركة (كربلاء) إلى أرض الطغاة (الكوفة) ثم (الشام عاصمة الظلم الأموي الصارخ) وهكذا أهديت رؤوس الطيبين من آل الرسول إلى يزيد بن معاوية بن أبي سفيان.
  وهنا سؤالان ننفتح بهما على ملف هذا الحدث التاريخي الفجيع:
  الأول: لماذا وقعت هذه الجريمة بحق الطاهرين من آل محمّد وبأيدي المنتسبين إلى أمته ؟
  الثاني: ما هو واجبنا تجاه هذا الحدث ونحن نجدّد قراءته بعد قرون ؟
  تحدث الجرائم بعد مقدمات, فجريمة مثل التي أمر بها يزيد بن معاوية ونفذها ابن زياد واليه على الكوفة وباشرها ابن سعد قائد الجيش، والتي اهتز منها عرش الله وبكت عليها ملائكة السماء وشاركت الكائنات المسبّحة حزن رسول الله وأهل بيته والأنبياء والأولياء، لا تحدث بلا مقدمات ، ونترك تفاصيلها رعاية للإيجاز :
  1 ـ غياب الوعي السياسي في الأمة وغلبة الروح النفعية واللامبالاة والكسل.
  2 ـ التفرق عن الحق وعدم مناصرة أهله والتضحية له.
  3 ـ توالي الضربات وحدوث الانتكاسات المتكررة حتى أولدت اليأس القاتل وأذهبت الأمل.
  4 ـ اعتبار المعارضة حالة شاذة خارجة عن الشرعية, وتأليب الرأي العام ضدّها تحت غطاء الشرعية.
  5 ـ ثقافة القدرية وأن الله يحاسب الناس على أفعالهم في الآخرة وأننا لسنا مسئولون عن شيء في الدنيا كتقويم الأخطاء السياسية والاجتماعية والعقائدية.
  6 ـ سيطرة الجهل والعصبية وعدم القيام بالتحرّي عن الحقائق وقراءة الآراء المتباينة ومقارنتها وتقييمها بروح حيادية لاتباع الأحسن وكشف الزيف وتجنبه .
  ونبحث عن هذه المقدمات تلك الجريمة البشعة ، وأما الواجب لكيلا تتكرر مثيلاتها:
  1 ـ القضاء على مقدماتها المماثلة، والعمل على عكسها لئلا نكون مجرمين من حيث نشعر أو لا نشعر .
  2 ـ إحياء ذكرى المظلومين لتحفر في ذاكرة الأجيال أن جريمة الظالمين مدانة في كل زمان، وأن القبيح قبيح في كل زمان.
  3 ـ توفير الفرصة لدراسة الحدث وبث روح الإصلاح من خلالها في المجتمع تكريساً للقيم الإنسانية وتطويراً لميادينها المتغيرة عبر الزمن.
  4 ـ التاريخ مدرسة الخير والشرّ ومختبر التجارب الناجحة والفاشلة، فلابد من الانفتاح عليه لاختصار الطريق إلى الخير والنجاح.
  5 ـ إن الوفاء ضرورة أخلاقية وعامل للثبات والاستقامة على الحق وحسن العاقبة.
  وقد كان الحسين عليه السلام عنوان الأخلاق كلها والحق كله وهو الأسوة العظيمة فيها إلى يوم القيامة, أليس جدّه الرسول صلى الله عليه وآله قال: (إن لدم الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً) ؟
  فغداً عاشوراء، والمطلوب أن نكون من الأوفياء لهذه القيم الخالدة .

  (10) كلمة الحسين
  في يوم العاشر من محرم عام (61) الهجري سُفِك الدم الحرام، دم الحسين وأولاد الحسين وأصحاب الحسين، والسؤال من المسؤول عن وقوع هذه الجريمة الشنعاء ؟ وسؤال آخر: هل للإجابة عليه بعد (1367) عاماً ثمة حكمة وفائدة ؟
  عن السؤال الأول نجيب بأن جريمة قتل الحسين وبتلك الحيثيات الأليمة انما ارتكبتها الثقافة المسيَّسة بالأهواء والمغلَّفة بقشور الدين الإسلامي .
  وقد حذّر منها رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام قبل حدوث الجريمة .
  و إليها أشار الإمام الحسين عليه السلام بنفسه حينما تكالب الناس عليه وتخاذل آخرون عن نصرته قائلاً: (الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معائشهم فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديّانون) فالمصالح المادية الطاغية على روح الدين الإسلامي هي القاسم المشترك لصناعة الجريمة.
  ومع الوصول إلى هذه الإجابة على السؤال الأول نكتشف الحكمة والفائدة من الإجابة على السؤال الثاني أيضاً. تلك هي العبرة من الحدث, والتي تتلخص في:

  1- ضرورة البناء الثقافي على أسس العقائد القرآنية المفسِّرة بأقوال النبي وأهل بيته .
  2- ضرورة التربية الدينية والاهتمام الجاد بزرع القيم الأخلاقية في الجيل الناشئ.
  3- ضرورة الإيثار والإنفاق المالي للإقلاع عن حب الدنيا والبهارج المادية.
  4- ضرورة نبذ العقلية التسلطية والرغبة الجامحة في الزعامة والرئاسة والقيادة بعيداً عن التقوى , ومن الخطورة إذا تلبست هذه العقلية والرغبة الأنانية بذرائع من الدين ،إذ يبرر دعاته حبهم للتزعم والسيطرة بأنهم حفاظاً على الدين والشرع يعملون ما يعملون .
  وبمثله برّر قتلة الحسين عليه السلام سفكهم لدماء الطيبين , وبمثله برّر الذين ظلموا وهتكوا وشوّهوا سمعة الأبرياء, وبمثله يبرّر اليوم كل الذين يأصّلون سلوكهم التنازعي وتسقيطهم لمن يزاحم زعامتهم أو صعوده بين الناس يؤثر على حجم أرصدتهم المالية!
  هذه الثقافة قتلت الحسين وقتلت كل الحسينيين في التاريخ ولا زالتْ تحصد رؤوسهم . فهل نقرّر في عاشوراءنا اليوم أن لا نقتل الحسين بهذه الثقافة والفكر والتربية وفقه التبريرات ؟
  نعم هذه الثقافة هي القاتلة ؟
  والضحية أمة تقتلها ثقافة الأنا، ثقافة الرأي الواحد, ثقافة إلغاء الآخرين وتكفيرهم والتشكيك في دينهم، إن عاشوراء الحسين مناسبة لنقد الثقافة المزيّفة والبحث عن ثقافة اكثر أصالة وإشراقة رسالية وروح منفتحة على متطلبات العصر وفهم حضاري للحياة وما بعدها من حساب وكتاب .




الخطاب الحسيني والمستوى الثقافي للمجتمع

  هل يمكن أن تتحرّك الحركات وتنطلق محققة تطلعاتها من غير أن تكون في تفاعل إيجابي مع المجتمع في مستوياته الثقافية المتنوّعة؟ .. بالطبع لا يمكن ذلك ، فالمجتمع بحكم تعدده الفردي وتعدده في المجاميع والدوائر الثقافية التي ينهلونها لا يشكّل وحدة واحدة صمّاء ، فهناك تعدد ثقافي سببه التنوّع في المشارب ، لذلك فإن المتحركين والماسكين بأزمة الحركات الإصلاحية والتغييرية لابد أن يضعوا هذه الحقيقة نصب أعينهم ، ويضعون لها خطّة في التعامل الخطابي.
  هذا فضلاً عن الإهتمام قدر الإمكان بإيصال الخطاب بتنوّعه الذي يتنوّع وفقاً للمستوى الثقافي للمجتمع ، إلى أوسع قدر ممكن ، والإستفادة من كافّة المنابر الإعلامية، فهذا من شأنه أن يحقّق التفاعل الإيجابي في المجتمع مع الخطاب الحركي.
  فمن المشكلات التي يعاني منها بعض الخطاب الإسلامي المعاصر ، هي أنه لا يتضح لديه التفريق بين القيمة الأساسية للخطاب ، مع مفهومه لمراعاة الواقع الإجتماعي واختلاف الأفهام ، فيلجأ إلى سلوك احترازي مملوء بالهواجس لعبّر عن فكرته بمغايرة عن المطلوب حيناً أو الإضطرار إلى الإخفاء والسكوت عن المقاصد حيناً أخرى ، أو التعبير عن الأفكار بأسلوب واحد لا يتناسب إلا مع فئة معينة كالنخب مثلاً أو الإكتفاء بالخطاب الجماهيري العام وما شابه ذلك ، ونتيجة لهذه السياسة التي لا تراعي المستوى الثقافي المتنوّع في المجتمع في خطابها ولا تغتنم كل فرصة لتوسعة إطار الخطاب إجتماعياً ، قد وجدنا في التاريخ القديم والحديث من الحركات والشخصيات العديدة قد غابت مقاصدها الحقيقية عن قراءة الناس في الوقت الحاضر ، وتسبب ذلك في عدم وضوح توجهاتها وعدم معرفة حقيقتها ، فضلاً عن التشويش الفكري في وقتها التي كانت فيه .
  الأصل الفكري لمسألة التفاعل الإيجابي للخطاب في المجتمع مع مراعاته لتعدد المستويات ، هو مستلهم من الخطاب الحسيني في المسيرة المباركة ، فنلاحظ في البدء أن الإمام الحسين (عليه السلام) منذ بداية انطلاقته من مكة المكرّمة وحتى كربلاء ، أنه نزل في عشرين منزلاً كمّا عدّها المؤرخون ، وقد تكون أكثر من ذلك ، فكما هي العادة لدى المسافرين لمسافات طويلة أنهم ينزلون منازل استراحة بين الفينة والأخرى ، فهذه المنازل التي نزلها الإمام لم تكن لمجرد الإستراحة من تعب السفر ، بل كانت عبارة عن مواطن ومحطات لنشر المبادئ والقيم وتوضيح الغايات لأكبر قدر ممكن من الناس ، فقد اغتنم الإمام (ع) الفرص وعبّر عن رأيه في كل ما يريد وأوصل خطابه لمساحة واسعة ، وقد نقل المؤرخون مجموعة خطابات ألقاها الإمام بعد إقامته للصلاة أو في رسائل جوابية ، أو توجيه إلى فئة أو أفراد ، لذلك فإن خروج الإمام قد اشتهر آنذاك شهرة واسعة، وقد كان من بعض الشخصيات أن اجتهدت للخروج إلى الإمام (ع) لإقناعه بالعدول عن رأيه ، وبعض وجّه رسائلاً وخطابات لتثنيه عن مسيرته ، والمفاد من هذا التوسّع هو وصول خبر المسيرة إلى الآفاق البعيدة.
  أمّا الأسلوب وطريقة التعامل مع أولئك الذين كانوا في المنازل المختلفة أو مع القادمين إليه فيها ، فكانت تحكمه القاعدة النبوية التي أطلقها الرسول (ص) : (إنا معاشر الإنبياء أمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم) ، أي وفقاً لمستواهم الثقافي ووفقاً لما يحتاجونه من توجيه في سبيل تعريفهم بكنه المسيرة الحسينية ، والقارئ للخطابات والحوارات التي دارت في مجموع المنازل التي نزل بهاالإمام سيلاحظ اختلاف التعابير واختلاف المعالجة لفكرة هذا ولفكرة ذاك ، هذا فضلاً عن النكات التفصيلية التي اتسم بها الخطاب واختلافه من البداية وحتى النهاية..
  فقد كان الإمام يعلل خروجه للبعض بأنه استجابة المبدأ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطلب الإصلاح أمام الفساد القائم ، وتارة يذكر كتب أهل الكوفة ، وتارة يذكر للبعض الرؤى التي رءاها للرسول الأعظم تأمر بالمضي ، وتارة يذكر للبعض بأن الموت لا مفر منه في هذا الرحلة ، وتارة يذكر المصيرين إما الموت وإما الحياة العزيزة ، بل قد يكون الخطاب شاملاً ومستوعباً كالذي ألقاه الإمام (ع) في أصحابه والمصاحبين للحر الرياحي ، وحيناً أخرى يعالج الإمام المشكلة التي تكتنف خطاب الآخرين في مفاهيمهم ، كما كان ذلك عند ردّه على خطاب من عامل يزيد في مكة بأنه سيطيه الأمان ، رد الإمام (ع) (بأن خير الأمان أمان الله ، ولن يؤمن الله يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا).




عاشوراء مِن السُّنةِ فهلْ السُّنةُ مِن عاشوراء !!؟

  لا شك ولا ريب أن الإمامُ الحسينِ بن علي بن أبي طالب... بن بنت الرسول الأكرم فاطمة الزهراء (عليهم الصلاة والسلام) أحيا الإسلامَ والقرآنَ الكريمَ في نهضته الإصلاحيةِ العظيمةِ، فرسمَ ما كان يجب في العقول، النفوس، العواطف، المشاعر... والتاريخ.
  فما هي العوامل التي حولت ذلك الرسم إلى حفرٍ في ذاكرة الأمة، وبهذه الحيوية والديناميكية والخلود، وبعيداً عن أي إنحراف أو تحريف ؟
  هناك مجموعة عوامل منها:

  المجموعة الأولى
  العوامل الذاتية لنهضة الإمام الحسين (عليه السلام)، وأعني بذلك خصوصيات ومميزات رسالة هذه النهضة، والتي تتصدرها كون النهضة إمتداداً وتأكيداً ومناداة بنفس المبادئ والأسس التي جاء بها جده الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كتكريس الإيمان والقيم والقانون والعدالة والحرية ونفي الظلم والفساد والتميز والتعسف، فهذه قيم مُقدسة وأمور تُحِبها وتُقدِسها الأمةُ بلْ البشرية كلّها .

  المجموعة الثانية
  من مجموعة العوامل التي ساهمت في تخليد نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) هي العوامل التي ترتبط بتعامل وموقف الحاكم الأموي وقتئذٍ، أعني البطش والقتل والتعذيب والأسر الذي لم يسلمْ منه حتى الطفل الرضيع للإمام الحسين (عليهما السلام) إبن الستة أشهر الذي ذُبِحَ من الوريد إلى الوريد، وبقسوة ووحشية لَم يسبق لها مثيل في التاريخ الإسلامي أو البشري... نتائج هذه النهضة الإصلاحية على المدى القصير، مما أشرنا إليه وتُفصله التواريخُ المعتبرة أحدثت هزة وصدمة بل زلزالاً في ضمير الأمة فتلّمست أكثر واقعية وضرورة ومغزى نداء الإصلاح والتصحيح الذي هتفَ به الإمام الحسين (عليه السلام)، وصَمَدَ وجَاهَدَ بالحوار حتى آخر رمق وآخر نفس... لكن الطاغية أبى إلاّ القتل والتذبيح والحرق والأسر وقطع الرؤوس الشريفة، ورفعها على الأسِنة والمشي بها أمام أُسر وأطفال وذوي الأسرى التي قِيدت بعد كلِّ ذلك مِن كربلاء إلى الكوفةِ في العراق ومِن العراق إلى الشام حيث العاصمة آنذاك.
  وبعبارة أخرى: مِن عوامل خلود نهضة الإمام الحسين (عليه السلام):
  أولاً: كون النهضة إمتداداً وتأكيداً لرسالة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).
  فلقد حددَ ذلك الإمام (عليه السلام) في قوله:
  (... وإنما خرجتُ أطلبُ الإصلاحَ في أمة جدي محمد..)
  ثانياً: كون نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) كانت للدفاع عن القيم والمبادئ المقدسة لدى الأمة والإنسانية.
  ثالثاً: كون النهضة إصلاحية تصحيحية التزمت السِلّم والحوار في جميع مراحلها تقابلها مِن الجهة الأُخرى مواجهة قمعية تصفوية جسدية وحشية دموية مِن قِبل الحاكم الظالِم الجائر، وحتى بعد شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء.
  لقد أحبّ الإمام الحسين (عليه السلام) اللهَ، فأحبّ أمته وأرادَ لها الخير والصلاح والإصلاح وهو القائل:
  (... ومَنْ أحبكَ نهاكَ ومَنْ أبغضكَ أغراكَ).
  وفوق كلَّ هذا وذاك نقاء وخلو هذه النهضة من الغايات المادية أو الدنيوية، وتوجهها الكامل إلى الله سبحانه وتعالى، حيث يقول وهو الإمام المعصوم ما مضمونه:
  (كفاني أنّ ما نزلَ بيّ في عين الله).
  نعم لقد أخذَ الإمام الحسين (عليه السلام) كل شيء في نهضته من الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فأحيا الإسلام والقرآن الحكيم، فهو (عليه السلام) امتداد لرسالة الرسول الأكرم، وهنا يتجسد لنا ظهوراً وفهماً آخراً لما ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث يقول:
  (حسين مِنّي وأنا مِن حسين).
  لكن:
  ما هي أسباب استمرار هذه النهضة وبهذا الزخم الحيوي الديناميكي المنقطع النظير وما هو سرّ بقاءها عبرَ كلّ هذه القرون دونَ أي تحريف أو تزيّف ؟
  فيما تقدمَ ذكرنا بعضَ أهمِ أسباب الاستمرارية الفاعِلة الحيّة لنهضة الإمام الحسين، بقى أن نشير إلى نقطتين:
  النقطة الأولى:
  الدور الإعلامي الذي أدّته السيدة الثانية للإعلام العربي والإسلامي، أعني الحوراء زينب أخت الإمام الحسين بنت فاطمة الزهراء بنت الرسول الأكرم (عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام)، ذلك الدور المحوري الذي بدأ مع النهضة وبلغَ أوجه بعدَ شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) واستمرَ خلالَ الأسرِ وفي البلاطِ وخارجه ... في العاصمة وقبلها، وبعدها في المدينة المنورة، حتى حُكِمَ عليها بالنفي مِن مدينة جدها، وبهذا الدور وضعت (عليها السلام) النقاط على الحروف وعرّفَت النهضةَ الحسينية وأبعادها وأهدافها وقيمها ورسالتها للرأي العام الإسلامي والعالمي في مسيرة الأسر الطويلة وفي خِطابها في البلاط حيث بعض السفراء وأتباع الديانات الأخرى.
  أما النقطة الثانية:
  التي حافظت على نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) لتستمر حية فاعِلة وبعيداً عن التحريف فتتمثل في أُسس الشعائر التي زرعها وكرّسها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)... أعني الأُسس المرتبطة بمكانة وقداسة الشهيد وإحياء أمر الشهيد وذكر الشهيد حين استشهدَ عمُّ الرسولِ حمزة (عليهما الصلاة والسلام) مثلاً، هذا إضافة إلى الموقع الفريد والكبير المخصص في السُنة النبوية للإمام الحسين (عليه السلام) في هذا المنحى حين كان يُحّدِثُ الرسولُ أهلَ بيته وبعض أصحابه بقراءته لمستقبل الأمة والدور الحيوي الإستراتيجي الذي ينتظر الإمام الحسين (عليه السلام).
  ومِن ثم إلتزام وتأكيد الأئمة المعصومين (عليهم السلام) بهذا النهج الذي رسمه وحدد معالمه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كتبَ الإستمرارية الحيّة الفاعلة لنهضة الإمام الحسين (عليه السلام) وصانها مِن الإنحراف والتحريف... هذا النهج الذي تمثلَ في إقامتهم وتأكيدهم على إقامة مجالس الحزن والعزاء على سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) في ذكراه وتناقل الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في هذا الإحياء الذي هو إحياء لأمر الله وشريعة الله.
  نعم هذه المجالس والمراسم والشعائر... وأعني الشعائر الحسينية إضافة إلى كل ما تقدم هي التي ضمنت خلود وإستمرارية نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) وصانتها عن الإنحراف أو التحريف أو التزيف.
  الإمام الحسين (عليه السلام) أحيا الإسلامَ والقرآن الكريم بنهضته الإصلاحية، والسيدة زينب (عليها السلام) واصلت مسيرة الكشفِ عن الحقيقة، وإضافة إلى هذين العاملين قام الأئمة الأطهار من أهل البيت (عليهم السلام) بنشر حقائق النهضة بوسائل وآليات عديدة وطبقاً لِما وردَ في السُنة النبوية الشريفة وممارسات الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) مما يرتبط بمناهج وسُبل التعبير عن إحترام وتقديس مكانة وموقع الشهيد ورسالته بصورة عامة، وما للإمام الحسين (عليه السلام) من مكانة خاصة وفريدة في السُنة النبوية، وكما أشرتُ حين كان يتحدث الرسولُ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) عن المستقبل والنهضة التي سيقوم بها الإمام الحسين (عليه السلام) وشهادته .
  وبعبارة أُخرى النهضة، خصوصياتها، رسالتها، نتائجها من ناحية دور الحوراء زينب (عليها السلام) من ناحية ثانية، ودور الأئمة الأطهار (عليهم السلام) المُستمد مِن السُنة النبوية في نشر وتفهيم وإحياء هذه النهضة وعبرَ الوسائل التي رسمها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والتي على رأسها الشعائر التي باتت تُعرف بالشعائر الحسينية...
  هذه العوامل الثلاثة بعد الرعاية الإلهية مِن أهم عوامل بقاء وإستمرارية نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) ودون أن تنالها يدُ التحريف.
  الشعائر الحسينية مِن العوامل الهامة لاستمرارية وبقاء النهضة حية بعيدة عن الإنحراف أو التحريف، ومِن هذه الشعائر مجالس العزاء التي يقوم فيها خطيب المنبر الحسيني بدور محوري:
  ما هي رسالة المنبر الحسيني في المأتم التي تقام لشهادة الإمام الحسين (عليه السلام) ؟
  هي نفس رسالة نهضة الإمام الحسين (عليه السلام)، والتي تتمثلُ في إحياء الإسلام والقرآن الكريم وبنفس الثوابت والميزات الإصلاحية للنهضة، وطبقاً للمكانة والمنـزلة الرفعية التي عينها الإسلامُ للشهيد عموماً ولسيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) خصوصاً، وكما في السُّنة النبوية الشريفة التي تؤكد مِن جهة على حبِّ الحسين (عليه السلام) ومنـزلته ومقامه الفريد وعظيم ما نزلَ به وبأسرته وأولاده وأصحابه، وتُرسِمُ السّنةُ النبوية من جهة ثانية طُرق ووسائل تخليد الشهيد بصورة عامة كما فعلَ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد إستشهادِ عمِّه حمزة (عليه السلام)، وما يجِبُ على الأُمة بصورة خاصة تجاه الإمام الحسين (عليه السلام) ونهضته في هذا المنحنى، والمنبر الحسيني بأجزائه قسم من هذه الوسائل والطُرق للتعبير عن الحب والأحزان والولاء والإخلاص للإمام ورسالته وإستمراراً لنهضته التي هي امتداد لرسالة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنّها أحيت الإسلامَ والقرآنَ الكريم كما تقدم .
  فيبدأ الخطيبُ المنبر عادة بتلاوة آية أو أكثر من القرآن الكريم وتُسمى تلك بالمقدمة الأولى، ويتبعُ التلاوةَ بقراءة أبيات شعرية مستوحاة من السُّنة النبوية وذلك في منـزلة ومكانة الرسول الأكرم وأهل بيته والإمام الحسين (عليهم جميعاً الصلاة والسلام) ومصائبهم ومعاناتهم لنشر الإسلام وحفظه وإحيائه، وتُسمى تلك بالمقدمة الثانية.
  ثم ينتقِلُ بعد تلك المقدمتين الخطيبُ إلى الفقرة الثالثة مِن الخطاب وهي فقرة التوجيه والإرشاد وذلك بتفسير الآية الكريمة التي تلاها في المقدمة الأولى، وخلال ذلك يتطرقُ ويشرحُ ويؤكدُ الخطيبُ على المبادئ والقيم الإسلامية والإنسانية مع ذكر أدِلة من السنة النبوية وروايات الأئمة المعصومين (عليهم السلام) الـمُستمدة مِن السُنة النبوية الشريفة إلى جانب الأدلة العقلية والعلمية والتجربية.
  ولاسيما ما يرتبط في ذلك بنهضة الإمام الحسين (عليه السلام) الإصلاحية وميزاتها وما يُعانيه المجتمعُ مِن مشاكل معنوية أو مادية أو أخلاقية، فيربط بين الماضي والحاضر ويُقدم توصيات وحلول، وبعدها ينتقل الخطيبُ إلى الجزء أو الفقرة الرابعة والتي يربطُ بهِ الخطيبُ في خطابه بين أهم نتائج بحثه في فقرة التوجيه والإرشاد - بالتفصيل الذي ذكرناه- وبين الفقرة الخامسة التي يختم بها خِطابه .
  فالفقرة الرابعة... فقرة قصيرة عادةً تربط بين الفقرة الثالثة والخامسة للإنتقال، فهي واسطة توجهِ الإنتقال، أو تتصدى لبيان المناسبة والربط بين فقرة التوجيه والإرشاد والفقرة الأخيرة لتمهيد المستمعين للإنتقال إلى الفقرة الأخيرة والتي تبدأ عادةً بأبيات شعر تصِفُ وتُجّسدُ المصاعبَ والمصائبَ التي تعرّضَ لها الإمام الحسين وأولاده وأهل بيته وأصحابه وأتباعه (عليهم السلام) على طريق إحياء الإسلام والقرآن الكريم، ويختم ذلك بأبيات تنعى الإمام الحسين (عليه السلام) وتحكي عن مقتله وشهادته، أو عن تفاصيل شهادة أحد أبنائه أو أصحابه، لتُذرف الدموع ويبكي المؤمنون على إمامهم الذي ما أراد إلاّ الإصلاح في أمة جده محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فالبكاء بل حتى التباكي على الإمام الحسين (عليه السلام) أمر مؤكد في السُنة النبوية الشريفة.
  فالخطاب بأجزائه في المنبر الحسيني، فهو خِطاب للمسلم بكل مكوناته... خطابٌ موجَّه للروح والجسد والنفس والعقل والعواطف والمشاعر.
  هل تُقام مثل هذه المجالس والخُطب في مناسبات دينية أخرى ؟
  نعم.. ففي يوم وفاة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في الثامن والعشرين من صفر في كل عامٍٍ، تُقام مجالس عزاء حاشدة تُلقى فيها الخُطب وعلى نفس النسق الذي ذكرناه، لكن موضوع الخطاب بفقراته المذكورة تدور جُلها حول النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكذلك في ذكرى رحيل سيدة النساء فاطمة الزهراء بنت محمد (عليها الصلاة والسلام) وهكذا في ذكرى وفاة أهل بيت الرسول من الأئمة الأطهار (عليهم الصلاة والسلام).
  هذا ويحافظ المؤمنون أيضاً على زيارة المرقد المقدس للإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) وأهل بيته وأصحابه (عليهم السلام)، لنصوص السنة المطهرة الكثيرة السليمة سنداً ودلالة، والتي تدل بما لا يرتقي إليه الشك إلى مكانة وأهمية وأجر وثواب زيارة المراقد والعتبات المقدسة عموماً، ومرقد الإمام الحسين (عليه السلام) خصوصاً، ولاسيما في يوم العاشر من محرم الحرام يوم شهادته، وهي جديرة لئن تكون من أجلِّ القُرب، لذلك العطاء، وتلك التضحيات وذلك الإخلاص لله و...، والكفاح على طريق الإصلاح والإنقاذ.
  لقد ضحّى الإمام الحسين (عليه السلام) بكل شيء وبسخاء وكرم منقطع النظير، فجعل الله الأفئدة والقلوب تهوى فتقتدي به وأقواله وسيرته التي لا تمثل إلا إمتداداً لسيرة جده الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله).
  وكيفْ لا يكون الأمر لسبط الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) كذلك ؟
  وهذا سيدنا إبراهيم (عليه السلام) يقول كما في القرآن الكريم:
(رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (إبراهيم الآية 37).
  هذا وعلاوة على الروايات الخاصة بالمنـزلة الخاصة والمكانة المقدسة لمرقد الإمام الحسين وبقية المراقد المقدسة (عليهم السلام) وزيارتها فثمة أحاديث كثيرة معتمدة عند المسلمين تُحبب إلى المسلم زيارة القبور ولاسيما قبور الأنبياء والشهداء والصالحين وعلى سبيل المثال:
  1- كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يُعّلم المسلمين ما يدعون به الله حين يزورون المقابر، فهذا مُسلم يروي في صحيحه:
  (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلّمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية).
  فيا ترى ما أهمية وآثار زيارة المقابر كي يهتم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بهذا الأمر، ويُعلّم المسلمين ما يدعون به اللّـهَ عند زيارة القبور ؟
  2- ليس هذا فحسب، بلْ كان الرسولُ الأكرم بنفسه يزورُ المقابرَ، بموقعه وعظمته ومسؤولياته ومهامه، فهذا مسلم يروي أيضاً وعن أبي هريرة:
  (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون).
  3- ولن يتوقف الإهتمام الإلهي بزيارة المراقد والبقع المقدسة عند هذا الحد، بل يبلغ الأمرُ أن يأمر جبرئيل ليهبط على الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) كي يبلغه أمراً يزيارة البقيع وأهل البقيع.
  فهذا مسلم أيضاً في صحيحه يروي ذلك عن عائشة في حديث طويل ذلك عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله).
  4- كان الرسولُ الأكرم (صلى الله عليه وآله) يزورُ البقيعَ:
  فهذا ابن ماجه يروي عن عائشة قالت:
  (فقدته فإذا هو بالبقيع، فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم لنا فرط، ونحن بكم لاحقون، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تقتنا بعدهم)
  وقد ثبت عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه بعد وقعة أحد بثمان سنين خرج إلى شهداء أحد فصلّى عليهم.
  بعد ثمانية أعوام الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)... قائد الأمة يخرج بنفسه إلى زيارة شهداء اُحد والصلاة عليهم.
  ماذا يعني هذا السلوك ؟
  5- الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) قام أيضاً بزيارة قبر أمه آمنة بنت وهب (عليها السلام) وفوق ذلك فان قائد وقدوة وأسوة الأمة:
  بكى هو...
  وأبكى مَنْ حوله...
  وهذا رواه مسلم أيضاً في صحيحه.
  ولعلّ بعض مَنْ ذهبَ إلى خلاف المشهور المحكم بين المسلمين عامة إلى غير ذلك، لَمْ ينظر لسبب أو آخر فيما يُروى عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله):
  (نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)
  الذي رواه مسلم في صحيحه عن بريده، ورواه أحمد والنسائي أيضاً مع إضافة:
  (فمَنْ أرادَ أن يزورَ فليزر ولا تقولوا هجراً)
  كما هو مذكور في كتاب كشف الأسرار للأحناف (ومتنه للبزودي في الجزء الثالث الصحفة 186) مع إختلاف يسير في النص، مما يستدل به البعض كمثال على جواز نسخ السُّنة بالسُّنة .
  علماً أن المنع المسنوخ المستقى من الرواية الأخيرة يرتبط بعموم القبور فلا منع في السُّنة من زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله) - الذي خدش فيه أيضاً البعضُ وخلافاً للمشهور أيضاً - أو الإمام الحسين أو بقية الأئمة الطاهرين من أهل بيته (عليهم السلام) أو الصالحين، بل هناك روايات ثابتة تؤكد ذلك، وتنص على رجحان ذلك وثوابه العظيم بصورة خاصة.
  وقد حسمَ عبد الرحمن الـجُزيري الأمرَ في الدليل والأحاديث الواردة بشأن زيارة قبر الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في كتابه الفقه على المذاهب الأربعة في الجزء 1 الصفحات 394-396 - كتاب الحج- تحت عنوان زيارة قبر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله):
  (لا ريب في أن زيارة قبر المصطفى عليه الصلاة والسلام من أعظم القُرب، وأجلّها شأناً، فإن بقعة ضمنت خير الرسل وأكرمهم عند الله لها شأن خاص، ومزية يعجز القلم عن وصفها...، وما كان لقادر أن يصل إلى مكة، ولا يزور المدينة، ويستمتع بمشاهدة أماكن مهبط الوحي، ومنبع الدين الحنيف، أما ما ورد من الأحاديث في زيارتها فسواء كان سنده صحيحاً أو لا، فإنه في الواقع لا حاجة إليه بعد ما بينا من زيارتها ومحاسنها التي يقرها الدينُ، وتحث عليها قواعده العامة... هذا وقد بين الفقهاء آداب زيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وزيارة المساجد الأخرى على الوجه الآتي... ويستحب بعد زيارته عليه السلام أن يخرج إلى البقيع، ويأتي المشاهد والمزارات فيزور العباس ومعه الحسن بن علي و...، ويستحب أن يزور شهداء اُحد يوم الخميس، خصوصاً قبر سيد الشهداء سيدنا الحمزة ويقول: (سلام عليكم بما صبرتُم فنِعمَ عُقبى الدار) - الرعد الآية 24- وإذا أراد الرجوع إلى بلده استحب له أن يودع المسجد بركعتين، ويدعو بما أحبَّ ويأتي قبرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدعو بما شاء والله مجيب الدعاء).
  وإلى هنا نكون قد أشرنا - وعلى سبيل المثال- إستناد زيارة القبور عموماً، والقبر الشريف للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) والإمام الحسين وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) والصالحين والسائرين على سيرتهم إلى السُّنة النبوية ومن باب أولى، وهو ما عليه المسلمون جميعاً، وبطرق وأسانيد غير الشيعة، وعرضنا ما اختاره الجزيري في الفقه على المذاهب الأربعة في الإستدلال لزيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في القول بأنه لا حاجة إلى الأحاديث في زيارة قبره بعد معرفة فوائدها ومحاسنها التي يقرها الدين، وتحث عليها قواعد الدين وكأنه يريد أن يقول بأن العقل يحكم بذلك إلى جانب القواعد الدينية بغض النظر عن الأحاديث والروايات التي أخذ بها الفقهاء وبما يُفصلها حيث بيّنوا آداب زيارة قبره (صلى الله عليه وآله).
  فهلْ هناك مَنْ ينكر الفوائدَ والمحاسنَ التي تترتب للزائر على زيارته لمرقد الإمام الحسين (عليه السلام) ؟
  وهل يمكن لنفس قواعد الدين أن لا تحث على هذه الزيارة أيضاً، مع ما للإمام الحسين (عليه السلام) مِن مقام وعطاء وتضحية وإخلاص للدين وخلوص لله ؟
  هذا إضافة إلى النصوص والروايات الثابتة الخاصة طبعاً .
  وكيف يمكن ذلك ؟
  والرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قال:
  1- (حسين مني، وأنا مِن حسين، أحب اللهُ مَنْ أحب حسيناً، حسين سبط مِن الأسباط)
  كما روى ذلك الترمذي في صحيحه.
  2- (مَنْ أحب الحسن والحسين فقد أحبني، ومَن أبغضهما فقد أبغضني)
  كما روى ذلك أحمد بن حنبل في مسنده (الجزء الثاني - الصفحة 288)
  3- ومثله، مع اختلاف يسير في اللفظ، وإضافة في مستدرك الصحيحين (الجزء الثالث - الصفحة 166) وقال بعد روايته للحديث:
  هذا الحديث صحيح على شرط الشيخين.
  وللمسلم أن يسأل ويتدبر:
  ماذا يعني الحديث النبوي الشريف:
  حسين مني وأنا من حسين .
  هل يُعقل أن يخرج قائد عادي ولو لمرّة واحدة ليخاطب الشعبَ قائلاً:
  إن ابن بنتي هذا هو مني، وأنا منه!! ؟
  فكيفْ بالرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وكلامه كلّه من الوحي ولا ينطق عن الهوى ؟
  لابد أن يكون للحديث مدلول بل مداليل كبيرة وكثيرة.
  لماذا هذا الربط بين حبّ النبي (صلى الله عليه وآله)، وحبّ ابن بنته الحسين بن علي (عليهم السلام) ؟
  لماذا يحب اللهُ مَنْ أحبَّ الحسينَ (عليه السلام) طبقاً لنص الحديث النبوي الشريف ؟
  هل يمكن - والعياذ بالله - أن يكون هذا التأكيد النبوي نابعاً من القرابة والنسب والعاطفة ؟
  وإذا كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) دعى وألزم المسلمين بحبِّ الحسين (عليه السلام): فما هي لوازم هذا الحب ؟
  أليس الالتزام بالشيء التزام بلوازمه كما في القاعدة ؟
  وإذا كان المسلمُ قد أقرَّ بحبه لابن بنت الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):
  فما الذي يترتبُ على هذا الإقرار ؟
  أليس الإقرار بالشيء إقرار بلوازمه ؟
  ما هي وسائل تعبير المسلم عن حبّه هذا الذي زرعه وأكدَّ عليه الرسولُ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟
  هلْ يُعقل حصر هذا الحبّ في القلبِ دون أن يُترجم إلى أفعال وأعمال وشعائر ؟
  وهلْ يمكن عقلاً أن يزرع هذا الحبَّ وينشره ويؤكد عليه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) مِن جهة، ويمنعُ من جهة ثانية التعبيرَ عن هذا الحبّ، أو لا يخطط ويرسم معالِمَ ووسائل التعبير عن هذا الحبّ ؟
  هذا الحبّ الذي اُريد به حفظ الدين واستمراريته وحيويته وصيانته من أي انحراف وتحريف، مضافاً ما للإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) من مقام ومنـزلة ومكانة عند الله عز وجل، لإخلاصه وإرتباطه بالله وشريعته وتفانيه لحفظ هذا الدين... وهذه الشريعة.
  أجلْ لقد رسم الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) معالم شعائر هذا الحبّ للمسلمين، ومارسها بنفسه وعلى سبيل المثال - لا الحصر أيضاً- نذكر مأتماً وعزاءاً أقامه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وكما في كتاب أعلام النبوة للشيخ علي بن محمد الماوردي الشافعي - الصفحة 83 - الطبعة المصرية:
  قال: ما رواه عروة عن عائشة قالت:
  (دخل الحسين بن علي - عليه السلام - على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يوحى إليه، قبرك على ظهره، وهو منكب، ولعب على ظهره .
  فقال جبرائيل: يا محمد، إن أمتك ستفتن بعدك، وتقتلُ ابنك هذا من بعدك، ومدَّ يعده فأتاه بتربة بيضاء، وقال:
  في هذه الأرض يُقتل ابنك، اسمها الطف.
  فلما ذهبَ جبرئيل خرجَ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) إلى أصحابه والتربة في يده، وفيهم أبو بكر وعمر وعلي وحذيفة وعمار وأبو ذر وهو يبكي .
  فقالوا: ما يبكيك يا رسول الله ؟
  فقال: أخبرني جبرئيل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف، وجاءني بهذه التربة، فأخبرني أن فيها مضجعه)
  وذلك مما نقله العلامة السيد محسن الأمين العاملي (رحمه الله) عن كتاب أعلام النبوة المذكور آنفاً في كتابه: إقناع اللائم على إقامة المآتم - الصفحة 30 - علماً أن الحديث النبوي هذا مذكور أيضاً في كتب عديدة أخرى مع اختلاف في اللفظ لا يضر بالأصل وبأسانيد متعددة منها مسند أحمد بن حنبل الجزء 3 الصفحة 242.
  وعلّق العلامة العاملي على الحديث المتقدم المروي عن عائشة قائلاً:
  (ولابد أن يكون الصحابة لما رأوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يبكي لقتل ولده وتربته بيده، وأخبرهم بما أخبره جبرئيل من قتله، وأراهم التربة التي جاء بها جبرئيل، أخذتهم الرقة الشديدة فبكوا لبكائه، وواسوه في الحزن على ولده، فإن ذلك مما يبعث على أشد الحزن والبكاء، لو كانت هذه الواقعة مع غير النبي (صلى الله عليه وآله) والصحابة، فكيفً بهم معه، فهذا أول مأتم أقيم على الحسين (عليه السلام) يشبه مآتمنا التي تقام عليه، وكان الذاكر فيه للمصيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمستمعون أصحابه).
  هذا جذور الشعائر الحسينية في السُنة النبوية الشريفة.
  هذه أسس ومعالم عاشوراء في السُنة النبوية الشريفة.
  أجل عاشوراء بشعائرها ومآتمها من السُّنة، وليست السُّنة النبوية الشريفة فقط في بقاءها وبحيويتها وبديناميكيتها مِن عاشوراء، بلْ بقاء الإسلام وحيويته وإستمراريته مِن عاشوراء، رمز الإصلاح والتصحيح السلِّمي الذي قلبه الإرهابُ الأموي إلى مجزرة دموية أرهبت الإرهاب نفسه وأجهضت كلَّ محاولات التحريف والتغيّب لقيمّ ومُثل ديننا الإسلامي الحنيف.




ذاك هو الحسين (ع)
تأملات في كلمات الحسين (ع)

  عندما نقرأ شخصية الإمام الحسين فإننا نقرأ شخصية تتجدد، وتزداد تألقاً، فهو وسائر أهل البيت (ع) لم يختصوا بجانب واحد من جوانب الحياة، وإنما استوعبوا الحياة بأجمعها، ولم يختصوا بقوم دون آخر بل هم قدوة لجميع أهل الأرض.
  لقد خط الإمام الحسين بنهضته أروع الأساليب في القيادة والحركة، وأعطى أروع الصور في الجهاد والتضحية، وقدم لنا أكمل النماذج في التعامل مع الأهل والأعداء، وفي التعامل مع الأصحاب والأتباع.
  الإمام الحسين (ع) هو شخصية استوعبت الحدث فتعاملت معه أفضل وأنجح تعامل، وهنا أود أن أشير إلى بعض كلمات الإمام الحسين التي تبين لنا تلك الرؤية التي كان يتميز بها الإمام الحسين في نهضته المباركة.

  الحسين ..الصراحة
  المتأمل في كلمات الإمام (ع) يجدها صريحة وواضحة، لم يتعامل الإمام بأسلوب اللف والدوران، بل كان يوضح لأصحابه وبكل صراحة ما كان ينتظرهم، حيث يقول: ( ... خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخيّر لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي يتقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا... من كان فينا باذلاً مهجته وموطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإنّي راحل مصبحاً إن شاء الله... ).

  لماذا هذا الأسلوب ولماذا هذه الصراحة ؟
  أراد الإمام من ذلك أن يوضح لمن لحق به أن المصير والمستقبل سيكون ( الموت ) وليس مناصب دنيوية، وليس أموالاً وجاهاً، فمن يرغب في الموت فليلحق بنا.
  وأراد الإمام من كلماته هذه أن يغربل ويمحص من التحق به، وحتى يتبين المؤمن من غيره، وهذا ما حدث حيث بقي معه في هذه الحركة صفوة وخيرة الأصحاب حتى قال عنهم: (فإنّي ? أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي) وهم المؤمنون حقاً، والعارفين بمكانة الحسين وما هو مطلوب منهم تجاهه، وتركه كل من رغب في المال والمنصب بعد أن سمعوا كلمة الإذن بالانصراف (... ألا وانّي قد أذنت لكم، فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّ ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً...).

  الحسين... المنقذ
  في يوم عاشوراء تحدث الحسين (ع) بعدة كلمات وضح فيها شخصيته ـ وإن كانت معروفة لدى القوم ـ (... وأراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم وأعرض بوجهه الكريم عنكم، وأحلّ بكم نقمته، وجنّبكم رحمته، فنعم الربّ ربّنا، وبئس العبيد أنتم! أقررتم بالطاعة، وآمنتم بالرسول محمد (صلى الله عليه وآله) ثم إنّكم زحفتم إلى ذرّيته وعترته تريدون قتلهم، لقد استحوذ عليكم الشيطان، فأنساكم ذكر الله العظيم، فتبّاً لكم ولما تريدون، إنّا لله وإنّا إليه راجعون، هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم فبعداً للقوم الظالمين...).
  أستخدم الإمام هذا الأسلوب لأنه يعلم أن هناك بين صفوف القوم ثلة لا يزال الضمير حياً عندهم وهم بحاجة إلى كلمة هدى، كلمة تنقذ ما يمكن إنقاذه، وتشحذ همهم ليتراجعوا عن هذه الجريمة العظيمة.
  الإمام (ع) كان يعلم أن لكلماته وخطبه الأثر البليغ في هداية الناس وهذا واجب عليه، وهذا شأن أبيه وأخيه عليهم السلام فالخطوة الأولى أن تقيم الحجة، لا أن تبدأ بالقتال .
  وكان لكلماته أثرها حيث استجاب بعض الشخصيات لهذا النداء الرباني والتحقوا بركب الشهادة، وكان في مقدمتهم الفارس الشجاع الحر الرياحي الذي حسم موقفه متأثراً بكلمات الهداية.

  الحسين ... الروحية العالية
  يوم عاشوراء كان يوماً حافلاً بالأحداث والمصائب، والمآسي، فقد حصد الكثير من أهل بيت الرسالة وخيرة الأصحاب ولكن الإمام الحسين بقي صامداً كالطود الشامخ، لم يتأثر، لم يتراجع، لم يطالب بهدنة بقي مصراً على موقفه، فما سبب ذلك ؟
  خرج الإمام (ع) حاملاً طفله الرضيع متجهاً إلى القوم، طالباً منهم أن يسقوا هذا الطفل الذي لا ذنب له، ولكن كانت الإجابة أن سددوا سهماً إلى نحر الرضيع، وبعد أن استقر السهم في نحره أخرج يديه من قماطه وجعل يرفرف على صدر أبيه كالطير المذبوح وانحنى الطفل رافعاً رأسه إلى السماء ومات على ذراع أبيه...

  فهل هناك أعظم من هذه المصيبة!
  فما كان من الإمام إلا أن رمى بقطرات الدم نحو السماء ولم تسقط قطرة واحدة إلى الأرض وأخذ يناجي ربه قائلاً: ( هوّن ما نزل بي إنه بعين الله تعالى .. اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل، إلهي إن كنت حسبت عنا النصر فاجعله لما هو خير منه، وانتقم لنا من الظالمين، واجعل ما حل بنا في العاجل ذخيرة الآجل، اللهم أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك محمد (ص) )
  هذه الكلمات وهذا الموقف نفهم منه أن الحسين (ع) عندما انطلق في حركته لم ينطلق من ذاته وإنما انطلق من الله تعالى، ولأن الله يريد منه أن ينطلق من هذا المنطلق، ولهذا فإن الحسين كان شديد التعلق بالله في كل خطوة يخطوها، وفي كل حركة يتحركها، ومن تكون هذه صبغته فإن تلك المصاعب لا تساوي شيء في حياته، فإنه يعلم أن العاقبة والنتيجة ستكون إلى الأفضل.

  الحسين ... معلم الأجيال
  إن هذه الحركة هي بمثابة مدرسة، وإن الحسين لهو خير معلم للأجيال الذي يعون واقعهم فيسيرون بسيرة الحسين في رفضهم للواقع، وسعيهم للتغيير والإصلاح.
  جاء الإمام الحسين بحركته ليعلمنا أن نستوعب قضايا الأمة والمآسي التي تعانيها، ليعلمنا كيف نتعامل وكيف نستوعب ما يجري حولنا.
  إن كل كلمة تكلم بها الإمام الحسين (ع) في يوم عاشوراء إنما كانت نبراساً للأمة التي ترغب في الخروج من حالة الوهن والضعف.
  وستبقى الكلمات تعطي ثمارها لمن يرغب في أن يغترف من عطاء الحسين (ع) ولمن يرغب في أن تكون هذه الكلمات نوراً ومشعلاً يضيء له الدرب ويهديه سبل الرشاد.



دروس من واقعة كربلاء

  العبر والدروس من واقعة كربلاء لا يمكن حصرها ، ولكن يمكننا أن نقول أنها علَّمتنا ما يلي من الدروس :

  الدرس الأول :
  أن نثأر لله وحده ، لا لانتسابات الأرض ، وانتماءاتها ، وعصبياتها ، وصيحاتها ، وجاهلياتها .

  الدرس الثاني :
  أن نعطي الدم من أجل أن يبقى الإسلام وحده ، لا أن تبقى نظريات الإنسان ، وحزبياته ، وشعاراته ، وزيفه .
  الدرس الثالث :
  أن ننتصر للدين ، وللمبدأ ، وللعقيدة ، لا للعصبيات ، والقوميات ، والعناوين التي صاغتها ضلالات الإنسان ، وأهواءه .

  الدرس الرابع :
  أن نحمل شعار القرآن .

  الدرس الخامس :
  أن نرفض الباطل ، والزيف ، والفساد ، والضلال ، وأن نرفض كل ألوان الانحراف الأخلاقي ، والثقافي ، والاجتماعي ، والسياسي .

  الدرس السادس :
  أن نكون الصرخة التي تواجه الظلم والظالمين ، وتواجه البغي والباغين ، وتواجه الطغيان والطاغين ، وتواجه الاستكبار والمستكبرين .

  الدرس السابع :
  أن نكون المبدئيين الأقوياء الذين لا يساومون ، ولا يتنازلون ، ولا يسترخون ، كقوله تعالى : ( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) الفتح : 29 .
  ولا تعني المبدئية والصلابة أن لا نعيش المرونة والانفتاح والشفّافية في حواراتنا مع الآخرين .
  والإنسان المؤمن في حالات التصدي والمواجهة والصراع يجب أن يكون شديداً وحدِّياً وصارماً في موقفه مع أعداء الإسلام ، وأعداء الحق .
  نعم ، حينما يحاور الآخرين ، ويدعو ويبلِّغ يجب أن يكون مَرِناً منفتحاً شفّافاً .
  وهنا نؤكد أنَّ المُرونة والشفّافية في حواراتنا مع الآخرين لا تعني الاسترخاء في طرح الأفكار والقناعات العقيدية والمذهبية ، والثقافية والسياسية .
  ولا تعني الاسترخاء في طرح الحُجَج والبراهين ، ولا تعني المساومة والتنازل .
  ولا تعني المجاملة الفكرية ، أو المجاملة السياسية ، أو المجاملة الاجتماعية .
  ولا تعني السكوت عن مواجهة الأفكار التي تتنافى مع المبادئ والقيم التي نؤمن بها .
  فالمرونة والحور في منجنا هي أسلوب متكامل في الحوار .

  الدرس الثامن :
  أن نعيش الصمود والثبات في مواجهة كل التحديات ، التحديات الفكرية ، والثقافية ، والنفسية ، والاجتماعية ، والسياسية ، والإعلامية .
  الحسينيون الحقيقيون لا يعرفون الانهزام ، والتراجع والتخاذل ، والضعف والخور ، فهم الثابتون الصامدون ، الذين يملكون عُنفُوَان العقيدة ، وصلابة الإيمان ، وإباء المبدأ ، وشموخ الموقف .

  الدرس التاسع :
  أن نحمل شعار الجهاد والشهادة ، وأن نكون المجاهدين الصادقين في سبيل الله ، نجاهد بالكلمة ، ونجاهد بالمال ، ونجاهد بالروح .
  فلسنا حسينيِن إذا لم نحرك المالَ في خط الدعوة ، والخير ، والجهاد .
  ولسنا حسينيين إذا لم نحمل الأرواح على الأكُفِّ ، وإذا لم نكن عُشَّاقاً للشهادة ، وإذا لم نسترخص الدم من أجل المبدأ والعقيدة .
  فالسائرون في خط الحسين ( عليه السلام ) هم الذين يحملون شعار الحسين ( عليه السلام ) : ( لا أرَى المَوتَ إِلاَّ سَعَادَة والحَياةَ مَع الظالمينَ إِلاَّ بَرَمَا ) .
  والسائرون على خط الحسين ( عليه السلام ) هم الذين يحملون شعار علي الأكبر ( عليه السلام ) : ( لا نُبَالي أنْ نَمُوتَ مُحِقِّينَ ) .
  والسائرون على خط الحسين ( عليه السلام ) هم الذين يحملون شعار العباس ( عليه السلام ) : ( وَاللهِ إِنْ قطعتُموا يَميني إِنِّي أُحَامي أبداً عن دِيني وَعَن إِمامٍ صَادقِ اليَقينِ ) ، والسائرون على خط الحسين ( عليه السلام ) هم الذين يحملون شعار القاسم ( عليه السلام ) : ( المَوتُ فيكَ يا عَم أحلَى مِنَ العَسَل ) .

  الدرس العاشر :
  أن نكون المتدينين الحقيقين ، وأن نكون الذين يملكون بصيرة الدين والعقيدة ، وبصيرة الإيمان ، والمبدأ ، ونقاوة الانتماء ، والالتزام ، وأن لا نكون من أولئك الذين يحملون بَلادَة الدين والعقيدة ، وغباء الإيمان والمبدأ وأن لا نكون النفعيِّين المَصلحيِّين المتاجرين بالدين ، والمساومين على حساب المبدأ .
  الإمام الحسين ( عليه السلام ) أوقف حَجَّه ، وأعلن الثورة على يزيد ، وذلك ليقول للمسلمين : أيّ قِيمَةٍ لطوافٍ حولَ بيت الله ما دام الناس يطوفون حول قصور الطغاة والظالمين .
  وأيَ قيمة لتقبيل الحجر الأسود مادام الناس يقبِّلون الأيدي الملوثة بالجرائم .
  وأيّ قيمة لركوعٍ وسجودٍ عند مقام إبراهيم مادام الناس يركعون ويسجدون عند أقدام السلاطين .
  وأيّ قيمةٍ لسعيٍ وحركةٍ بين الصفا والمروة مادام الناس يعيشون الخنوع والركود ، والجمود والاستسلام ، والجور والضعف .
  وأيّ قيمةٍ لتلبيةٍ إذا كان الناس مأسورين لنداءات الطواغيت والمستكبرين .
  وأيّ قيمة لذكرٍ وتلاوةٍ وعبادةٍ إذا كان الناس يمجِّدون ويعظِّمون ويؤَلِّهون الجبابرة والفراعنة .

  الدرس الحادي عشر :
  أن نكون إِمَّا الحسينيِّين الذي يعطون الدم من أجل المبدأ ، أو نكون الزينبيِّين الذين يحملون صوت الحسين ( عليه السلام ) .
  فالحسين ( عليه السلام ) وشهداء كربلاء فجَّروا الثورة في يوم عاشوراء ، وكان وقود هذه الثورة دماءهم الطاهرة .




ثورة الإمام الحسين ودولة المهدي (ع)

   لايخفى على المتتبع وجود ارتباط وثيق بين نهضة الإمام الحسين(ع) وثورة الإمام المهدي (عج) فكلاهما بقيادة إمام معصوم ، وعلى خط الله لنصرة دينه وإقامة العدل بين الناس .
  وقد وردت نصوص كثيرة يتضح فيها هذا الإرتباط ، وان ثورة الإمام المهدي(ع) هي امتداد لنهضة الإمام الحسين(ع) فهما جولتان في حرب تاريخية واحدة بين الحق والباطل ، كانت واقعة الطف جولة دامية منها انتصر فيها الباطل ظاهريا ، أما ثورة الإمام المهدي(عج) فستكون الجولة الحاسمة التي ينتصر فيها الحق على الباطل ، ويطبق الدين الإلهي في ارجاء المعمورة ، وينتشرالعدل في ظلاله ، وتتحقق السعادة المنشودة في مسيرة التكامل البشري .
  إن الشهيد الحسين (ع) جاهد وضحى وثار من أجل الله وفي سبيل الله فهو الوصي الثالث للنبي(ص) الذي أدى دوره المرسوم ووقف في وجه الإنحراف الأموي بكل صراحة ووضوح ، فكشف للناس انحراف حكامهم وللرعية ضلالهم وتراجعهم وتخاذلهم فجاءت نهضته هزة عنيفة أيقظت المسلمين من غفوتهم ، وأرشدتهم إلى صوابهم ، وأوضحت لهم انحراف الدرب الذي يسلكونه مع حكامهم .
  وكانت لهذه الثورة الجليلة آثار ونتائج تصب في ثورة الإمام المهدي(ع) لتكون من مقدمات قيامها ، ومن دواعي نجاحها عوامل ثلاثة:

  أ- : إيقاظ الضمير العالمي
لقد كان لثورة الإمام الحسين (ع) القدسية طابع خاص ومتميز وهو مايسمى {بعالمية الثوره}لذلك تجد بعد استشهاد الإمام الحسين (ع) تحرك الضمير العالمي بأسره واستيقظ لشيء ممقوت إسمه ظلم واضطهاد وأخذ كل شخص يعبر بطريقته عن شجب ذلك الظلم الموروث الذي خلفه الجبابرة والطغاة وفرضوه على واقع الأمم والشعوب بنفس هذا الهيكل الأممي اليقظ تتهيأالنفوس لاستقبال المصلح الموعود ، الهادي إلى سبيل الرشاد ، الناشر للعدل والصلاح ، المحارب للظلم والفساد وللأهمية البالغة أشار الأئمة الأطهار (ع) إلى القائم من آل محمد(ص) وان على الضمير العالمي اليقظ الذي اهتدى ببركة الإمام الحسين(ع) الإنتظارلنصرته وتشكيل عالمية دولته وقد نقل لنا التاريخ صورا لهذا الترقب ، والإنتظاروالاستعداد للنصرة حتى انهم كانوا يتوقعون كل إمام هو القائم من آل محمد(ص) الذي ينتظرونه ليحكم البلاد والعباد (1)من ذلك ماروي عن الحكم بن الحكم حيث يقول لأبي جعفر(ع) {إني جعلت لله علي نذرا وصياما وصدقة بين الركن والمقام إن لقيتك أن لاأخرج من المدينة حتى أعلم أنك قائم آل محمد أم لا ؟ فإن كنت أنت رابطتك حتى قال: أنت الذي تقتل أعداء الله ، ويعز بك أولياء الله ، ويظهر بك دين الله .
  فقال (ع): ياحكم ، كيف أكون انا وقد بلغت خمسا وأربعين وإن صاحب هذا عهدا باللبن مني{أي يبدو به الصغر في السن أكثر} وأخف على ظهر الدابة} (2) .
  وعن عبد العظيم الحسني أنه قال لأبي جعفر الجواد (ع): {إني لأرجو أن تكون القائم من اهل بيت محمد (ص) الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت ظلما وجورا}
فقال (ع): {ياأبا القاسم مامنا إلا وهو قائم بأمر الله عزوجل ، وهاد إلى دينه ولكن القائم الذي يطهر الله به الأرض من أهل الكفروالجحود ، ويملأها عدلا وقسطا ، هو الذي يخفى على الناس ولادته ، ويغيب عنهم شخصه (3) .
  قال السيد باسم الهاشمي: {ومن هنا نجد أن هذا التطلع إلى الثائروالحاكم الصالح الذي أفرزته نهضة الإمام الحسين (ع) كان من عوامل انشداد الأمة نحوالإمام المهدي (ع)} (4)

  ب: سقوط الدولة الأموية
  قامت نهضة الإمام الحسين(ع) بزعزعة أركان الدولة الأموية مما أدى إلى سقوطها بعد حين ، كما روى الحلبي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال:{أن آل أبي سفيان قتلوا الحسين بن علي(ع) فنزع الله ملكهم} (5) فجاءت دولة بني العباس مستفيدة من جريمة الأمويين بقتلهم الإمام الحسين(ع) وما تلا ذلك من جرائم .
  وكان بين سقوط تلك وقيام هذه فرصة مناسبة لبث تعاليم الدين من قبل الأئمة (ع) ومنها التبشير بالإمام الثاني عشر، وما أكثرالأحاديث الواردة في الإمام المهدي (ع) بعد واقعة الطف ، وخصوصا عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام حيث عاصرا سقوط بني أمية .
  ولولا ثورة الإمام الحسين (ع) وما رافقها من انعطاف في مسيرة المسلمين حكاما ورعية ، وسقوط دولة وظهور أخرى ، لما كان لصوت الأئمة (ع) أن ينتشر ويهيء الناس لتطبيق الدين الحنيف مع القائم من آل محمد (ص) .

  ج: رفض الظلم والإضطهاد
  الظلم من الكبائر القبيحة الذميمة وقد ذمه الله تعالى في القرآن الكريم في آيات عديدة وأمرجميع الناس إجتناب التعامل مع الظالمين فقال سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}
  لذلك تجد من جملة الشعارات التي اطلقها الإمام الحسين (ع) يوم عاشوراء هذا الشعارالذي يرفض الحياة في دولة الظلم والظالمين فقال (ع):
  {إني لاأرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا شقاءا وبرما}هذا الشعارالخالد القوي الذي صدر بكل حكمة ونورانية وشموخ وإباء من إمام معصوم في {كربلاء الدم والشهادة} حول أجيالا متعاقبة عبر الأزمنة ودفعها لرفض الظلم والإضطهاد وقادها نحو التضحية والفداء في سبيل الله وستستمررمزية هذا الشعارإلى قيام دولة الحق في آخر الزمان ويسير على نهجه الإمام المعصوم والمنقذ الموعود أمل الشعوب وريحانة الرسول (ص) وابن الزهراء البتول (ع) ، المهدي المظفرالمؤيد المنصور، روحي وأرواح العالمين لمقدمه الشريف الفداء .
  فلذلك ترى شعراء أهل البيت (ع) يلهبون حماس الجماهيرالموالية ويشدونها شدا عاطفيا وثيقا بعظمة وقدسية شعارات الثورة الحسينية وقيام الدولة المهدوية فيتطلعوا إلى قائم أهل البيت(ع) ويضفواعلى نفوس الرافضين للظلم والظالمين هالة من الإطمئنان والإستقرارالنفسي.
  يقول دعبل الخزاعي في تائيته الرثائية المنظومة :
  
فلولا الذي أرجوه في اليوم أوغد        تـقطع  قـلبي إثـرهم حسرات
خـروج إمـام لامـحالة iiخارج        يـقوم عـلى اسم الله iiوالبركات
يـميز فـينا كـل حـق iiوباطل        ويـجزي على النعماء والنقمات
فيانفس  طيبي ثم يانفس iiأبشري        فـغير  بـعيد كـل مـاهو آتي
ولا تجزعي من مدة الجور iiإنني        أرى  قوتي قد آذنت بشتات (6)ii


**************************************************************

1 ـ وللتفصيل أكثر راجع كتيب نهضة الإمام الحسين وثورة الإمام المهدي (ع).
2 ـ إلزام الناصب 1/172 .
3 ـ البحار 52: 283/10 عن كمال الدين 2: 378/2 .
4 ـ نهضة الإمام الحسين وثورة الإمام المهدي ص 14 .
5 ـ البحار 45: 309/9 عن ثواب الأعمال 2 : 261/11 .
6 ـ ديوان دعبل الخزاعي : 135




ماذا نريد من الحسين (ع) ؟؟

  إن كل مانطلبه من سيدنا ومولانا الإمام الحسين (ع) هي أمور لاننتفع بها في دار الدنيا أكثر مما ننتفع بها في دار الآخرة والعاقل اللبيب يدرك بأن المنفعة الدنيوية لاتساوي شيئا أمام المنفعة الأخروية ، فحينما تشملنا رحمة الحسين وألطافه نكون من السعداء الفائزين في الدنيا والآخرة من الألطاف النورانية الكريمة التي نتمنى من الإمام سيد الشهداء (ع) أن يمن بها علينا هي لطف {نيل الشفاعة}0 لايتصور المتصور أن شفاعة الحسين(ع) لأشياعه والباكين عليه في يوم القيامة رخيصة لاوالله ليست رخيصة بل هي أغلى ثمن وأكبرإنجاز ينجزه الإنسان الموالي لحياته وأكبرمكسب لايعادله أي مكسب وربح مهما بلغ ثمنه أوعلت جودته نعم هي شفاعة الحسين (ع) التي نحتاجها في لحظات الأهوا ل العصيبة حيث يحتاجها المؤمن عند الموت وفي ساعة الإحتضار، ويحتاجها في ظلمة القبر ووحشته ، ويحتاجها في البرزخ ، وفي البعث ، وفي النشور، وفي الحساب ، وعند الإجتياز على الصراط المستقيم من هنا في دار الدنيا من الواجب أن يهييء المؤمن نفسه ويطلب من الله دائما أن يرزقه شفاعة الحسين (ع) وحينما يذكراسمه المقدس في دعاء التوسل الذي يستحب قرائته يوم الثلاثاء من كل اسبوع أن لانستحي بل نعج بالبكاء والعويل ونتوسل بالحسين (ع) ونقول: {ياوجيها عند الله ، اشفع لنا عند الله} فالحسين (ع) هو الوجيه عند الله عزوجل وهكذا بقية الأئمة المعصومين الأطهار (ع) .
  ومن جملة الألطاف النورانية التي يتمناها المؤمن الموالي أن تشمله رحمة به من الإمام سيد الشهداء(ع)هي: {قبول الزيارة}
  إعلم أيها الموالي أن لقبول الزيارة شروط وآداب ينبغي على الزائرالكريم أن يلتزم بها حتى ينال من الإمام المعصوم (ع) الرضا والقبول .
  أولها: الغسل والطهارة ، والتطيب ، واستخدام السواك ولبس الثياب الطاهرة النظيفة وإن حصل الغسل من ماء الفرات فذلك أفضل للنص الوارد فيه ولتأكيد المعصومين (ع) على ذلك:
  ورد عن الإمام الصادق(ع) أنه قال:{من اغتسل في الفرات وزار الحسين (ع) كتب له من الفضل مالا يحصى}
  وثانيها: الإستئذان بالدخول في حال الذهاب إلى الروضة الحسينية الشريفة وهذا يدلل على رفعة التأدب حين الدخول للسلام على الإمام المعصوم (ع)
  وكيفية الإستئذان أن يقف الزائر بجانب الباب ويقول:
  أأدخل يارسول الله ؟ أأدخل يانبي الله ؟ أأدخل يامحمد بن عبدالله أأدخل ياأمير المؤمين ؟ أأدخل ياأبامحمد الحسن ؟ أأدخل يامولاي ياأباعبداالله صلى الله على روحك وبدنك الطاهرإءذن لي يامولاي أن أدخل هذه الروضة وأدعو الله بفنون الدعوات0 ثم تدخل وتقدم رجلك اليمنى وتخطو خطوات وتقول:
  {بسم الله وبالله ، وفي سبيل الله ، وعلى ملة رسول الله ، صلى الله عليه وآله ،اللهم اغفرلي ولوالدي ولجميع المؤمنين والمؤمنات}
  وثالثها: يستحب للزائر خشوع القلب والبكاء أو التباكي وتجديد العزاء على أبي عبدالله الحسين (ع) عند ضريحه الطاهر
  ورابعها: يستحب للزائروهو استحباب مؤكد أن يكثر من الإستغفاربعد قراءة الزيارة والصلاة وقد ورد في الخبرعن الإمام الباقر (ع) أن أقل الإستغفارمئة مرة ، وأكثره ألف مرة .
  وخامسها: قراءة الزيارة بصوت حزين يلهب المشاعر والقلوب وإبداء التأثرالعاطفي حيث كان الإمام الصادق (ع) إذا زار جده الحسين (ع) من قريب أوبعيد يغلب عليه التأثرفيحمروجهه وتنهمل من عينيه الدموع .
  وسادسها: ومن الأدب الرفيع أن يزورالزائرون الحسين (ع) وهم شعث غبر، يقول الإمام الصادق (ع) للمفضل بن عمر: {يا مفضل أتزورون جدي الحسين (ع) قال بلى سيدي: فقال (ع): زوروه حتى تأتوه شعثا غبرا} ووردعنه (ع) أنه قال: {إذا زرت أبا عبدالله (ع) فزره وأنت حزين ، مكروب أشعث مغبر، جائع عطشان ، فإن الحسين (ع) قتل حزينا أشعثا مغبرا جائعا عطشانا ، واسأله الحوائج وانصرف عنه ولا تتخذه وطنا} (1) سابعها: مما ندب إليه في زيارة الحسين (ع) هو التواضع والتذلل والمشي كما يمشي العبد الذليل ويكره المشي بتبختر وخيلاء .
  يقول الإمام الصادق (ع):{ من أتى قبر الحسين(ع) ماشيا بسكينة ووقاركتب الله له بكل خطوة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة ،ورفع له ألف درجة} (2) .
  ثامنها: من آداب الزيارة ، إعانة الزائرين وإرشادهم ، وإطعامهم الطعام ، وسقيهم الماء ، والتلطف بهم ، والتودد لهم ، وتخفيف عناء السفر عنهم .
  تاسعها: يستحب للزائرين الكرام ، الإكثار من ذكر الله ، وقراءة القرآن الكريم ، والإكثار من ذكر الصلاة على محمد وآل محمد .
  عاشرها: ومن آداب الزيارة الإبتعاد عن المحرمات والشبهات وأكل مال الغير من دون حق أي بعبارة أخرى {الورع عن محارم الله} .
  الحادي عشر: ينبغي على الزائر أن يجتنب الخوض في الباطل كالكذب والبهتان وقول الزور والخنا والفجور والفحشاء لأن كل هذه الأعمال الفاسدة القبيحة تحجب قبول الزيارة .
  الثاني عشر: على الزائر أن يتحلى بالخلق الحسن ويعاشر الناس بالمعروف ويتآلف معهم يقول رسول الله (ص) {المؤمن ألف مألوف ولاخير في من لايألف ولا يؤلف} فالذي يتآلف مع زوار الحسين (ع) سينال رضاه لأنه (ع) يحب زائريه والباكين عليه وهم من المرحومين ورد عن الإمام الصادق (ع) في الزيارة المأثورة كان يترحم على الزائرين ويقول:{وارحم تلك الخدود التي تقلبت على قبر أبي عبدالله الحسين} .
  الثالث عشر: يستحب للزائرأن يكثر من الصدقات على الفقراء والمساكين والمحتاجين وبالخصوص أولئك البؤساء اللائذين بحرم أبي عبدالله الحسين (ع) من أتباع أهل البيت (ع).
  الرابع عشر: ومن آداب الزيارة كيفيية الأسلوب اللين والشفاف أثناء مخاطبة الأولياء و إلقاءالكلمات التهذيبية المؤدبة في طلب الحاجة والإبتعاد عن الغلظة والقسوة في الكلام والتجرؤ اللفظي اللامؤدب ورد في عدة الداعي عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: من كان له إلى الله حاجة فليقف عند رأس الحسين(ع) ويقول:{ياأبا عبدالله ، أشهد أنك تشهد مقامي ، وتسمع كلامي ، وأنك حي عند ربك ترزق ، فاسأل ربك وربي في قضاء حوائجي} من فعل ذلك فإنه تقضى حاجته إن شاء الله تعالى .
  الخامس عشر: ومن الآداب المستحسنة في حين الزيارة الإنكباب على القبر الشريف وتقبيله وشم تربته والتبرك بالتربة الحسينية المقدسة الطاهرة وكثرة الدعاء عنده لأنه من جملة مواطن استجابة الدعاء أن يكون الداعي بالقرب من ضريح أبي عبدالله الحسين(ع) وذلك للنص الوارد في هذا المورد عن الإمام الصادق (ع) أنه قال:{جعل الله الشفاء في تربته ، واستجابة الدعاء عند قبته} وهذه من الألطاف والكرامات المخصوصة بسيد الشهداء (ع) .
  السادس عشر: أن يزور الزائر مولاه الحسين (ع) وهو عارف بحقه ويتيقن تمام اليقين أنه (ع) يسمع السلام ، ويرد التحية والكلام عن يونس ابن ظبيان يقول: قلت لسيدي ومولاي الإمام الصادق (ع) :{جعلت فداك إني كثيرا ما أذكر الحسين (ع) فأي شيء أقول ؟ قال: تقول وتعيد ذلك ثلاثا:{صلى الله عليك ياأبا عبدالله} فإن السلام يصل إليه من قريب وبعيد .
  السابع عشر: أيضا من آداب الزيارة ترك الثرثرة ، وفضول الكلام والقهقرة في الضحك بالصوت المرتفع ، وترك الحديث في أمور الدنيا واللجؤ إلى مسك اللسان والصمت ، ولا يصدر من الزائر الكلام إلا عن خيرورد عن الإمام الصادق(ع) أنه قال:{إذا زرتم أبا عبدالله الحسين(ع) فالزموا الصمت إلا عن الخير} .
  الثامن عشر: البراءة من الظالمين ومن الذين قد رضوا بفعل بني أمية ومن لف لفهم من النواصب وأعداء أهل البيت (ع) وتجديد البيعة والعهد للإمام الغريب المظلوم الإمام الحسين الشهيد (ع) عن معاوية بن عمارأنه قال: قلت لأبي عبدالله (ع): ما أقول إذا أتيت قبر الحسين (ع) قال: قل:{السلام عليك يا أبا عبدالله ، صلى الله عليك ياأباعبدالله لعن الله من قتلك ، ولعن الله من شرك في دمك ، ولعن الله من بلغه ذلك فرضي به ، أنا إلى الله من ذلك بريء} (3) .
  التاسع عشر: كذلك من آداب الزيارة أنك إذا فرغت من زيارة الحسين (ع) أن تدير وجهك نحو الشهداء الأنصاروتسلم عليهم أما لكل واحد على انفراد أو لمجموعهم وتقول {السلام عليكم ياأنصارالله ، السلام عليكم ياأنصار دين الله ، السلام عليكم يا أنصار رسول الله ، السلام عليكم ياأنصار أبي عبدالله الحسين ، طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم ، وفزتم فوزا عظيما} يقول ابن طاووس: بعد ذلك تكون الزيارة وافية تامة بإذن الله تعالى وهو الأكمل .
  العشرون: ينبغي على الزائرالكريم في آخر يوم من إقامته بجوار الحرم الحسيني الشريف أوفي اليوم الذي هو عازم فيه على السفرأن يزور مولاه الحسين (ع) وهكذا يصنع مع باقي الأئمة الأطهار (ع) إذا تشرف لزيارتهم بأن يزورهم الزيارة الأخيرة زيارة الوارث ، وهي منصوصة في كتب الأدعية والزيارات يقول الشيخ عباس القمي طاب ثراه: بعد أن تودع تكون قد استأنفت العمل أي أتممته وختمته بخيروبالله التوفيق وحسن القبول .

**************************************************************

1 ـ مفاتيح الجنان - طبعة الكويت ص523
2 ـ مفاتيح الجنان - طبعة الكويت ص524
3 ـ مفاتيح الجنان طبعة الكويت ص537




الحسين (ع) قتيل العبرة

  المفهوم الواقعي لمعنى قتيل العبرة:
  قال سيد الشهداء (ع): (أنا قتيل العبرة ماذكرت عند مؤمن إلا استعبر) لاشك أن ماجرى على الحسين(ع) واستشهاده بهذه الصورة الدامية الأليمة يوجب التفاعل العاطفي في الأمة بكونه إمام معصوم ومفترض الطاعة على العباد وحجة الله في أرضه وسماواته ومع العلم بعظمة هذه المكانة وهذه المنزلة الرفيعة إلا أنه يبات صريعا على ربى كربلاء ويقول: {هكذا ألقى الله وجدي رسول الله وأنا مخضب بدمي}. ولما رقى الشمر اللعين على صدره ليحتز رأسه الشريف قال (ع): {اسقني شربة من الماء وحق جدي أنا عطشان فقال له: لاتذق منه قطرة حتى ترد الحامية} .
  لولم يكن من مصيبة الإمام السبط الشهيد(ع) إلا هذا المشهد المروع لكفاه أن يشيرإلى نفسه بهده الإشارة ويقول: {أنا قتيل العبرة} يقول الشيخ حسن الدمستاني عليه الرحمة:
فمن الواجب عينا لبس سربال iiالأسى        واتـخاذ  النوح وردا كل صبح iiومسا
واشـتعال القلب أحزانا تذيب iiالأنفسا        وقليل تتلف الأرواح في رزء الحسين
  ويقول الشيخ عبد الحسين الأعسم رحمه الله :
تبكيك عيني لالأجل iiمثوبة        لـكنما عيني لأجلك iiباكية
تـبتل منكم كربلا بدم iiولا        تبتل مني بالدموع الجارية
  لما لاننوح على السبط المذبوح الذي بكته الملائكة والأنبياء والسماوات والأرضون وجميع الأفلاك وما فيها
إمام بكته الإنس والأرض والسما        ووحش الفلا والطيروالبر iiوالبحر
  قال أحد خطباء المنبر الحسيني الكبار وهو يتعرض لشرح معنى كلام الحسين (ع) {أنا قتيل العبرة}: [جرب ولو لمرة واحدة وانت جالس في حجرتك تحت ضوء خافت أقول: جرب أن تذكرالحسين (ع) فتقول: ياحسين ـ ياحسين ـ ياحسين لتجد انك لاتستطيع ان تقول: أكثر من ثلاث او اربع مرات وفي المرة الرابعة ماتكاد تقول: ياحسين حتى تفيض عيونك بالدموع .. بل أكثر من ذلك في المرة الأولى حينما تنادي: ياحسين تأخذك موجة من الحزن لاتهدأ إلا بالبكاء عليه] (1) أقول: مثل هذه الأحاسيس الجياشة التي تعرض لها فضيلة الشيخ حفظه الله تجدها تحتل قلوب الموالين المخلصين لقضية الحسين (ع) وبالخصوص في الشيوخ المسنين من جيل الأجداد والآباء حيث أنك تلاحظ بمجرد أن تذكر أمامه مصيبة سيد الشهداء (ع) ولوبالمقدار اليسيرحتى لو فقط إسم طفل الحسين (ع) وهوعبدالله الرضيع يتغيرلونه وتهتز عواطفه وتفيض عينيه بالدموع فلا يلامون شيعة أهل البيت (ع) على ذلك . لأن كلام المعصومين في شهادة أبي عبدالله الحسين (ع) يعطي الحافز لتأجيج العواطف لديهم .
  ورد عن رسول الله (ص) انه قال:
  (إن لقتل الحسين (ع) حرارة في قلوب المؤمنين لاتنطفئ إلى يوم القيامة) ولذلك نقرأ في سيرة النبي (ع) أنه ما نظر إلى الحسين (ع) مرة إلا وفاضت عيناه بالدموع ويحدثنا ابن عباس في هذا المضمار فيقول:
  (خرجنا مع النبي (ص) من المسجد وكان مستبشرا فرفع بصره على ثلة من الصبية كانوا قد مروا من أمام المسجد ، وكان بينهم الحسين(ع) هو في الخامسة من العمر فما كان النبي(ص) يقع بصره على الحسين(ع) حتى تغيرلونه ، واختفت البسمة من على شفتيه ثم فاضت عيناه بالدموع}. ويقول الإمام الكاظم(ع): {إن يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا وأذل عزيزنا ، بأرض كرب وبلاء} ويقول الإمام الرضا (ع) لابن شبيب: {يابن شبيب إن كنت باكيا فابك الحسين فإنه ذبح كما يذبح الكبش ، وقتل معة سبعة عشر نفر من أهل بيته مالهم على وجه الأرض شبيه} .
  قال دعبل الخزاعي: دخلت على سيدي ومولاي علي بن موسى الرضا (ع) في أيام عاشوراء فريته جالسا جلسة الحزين الكئيب وأصحابه من حوله كذلك فلما رآني مقبلا قال لي: مرحبا بك يادعبل مرحبا بناصرنا بيده ولسانه ، ثم انه وسع لي في مجلسه وأجلسني إلى جنبه ثم قال لي: يادعبل أحب أن تنشدني في الحسين (ع) شعرا فإن هذه الأيام أيام حزن كانت علينا أهل البيت ، وأيام سرور كانت على أعدائنا .
  يادعبل من ذرفت عيناه على مصابنا وبكى لما أصابنا من أعدائنا {حشره الله تعالى في زمرتنا} يادعبل من بكى على مصاب جدي الحسين (ع) {غفر الله له ذنوبه البتة} ثم نهض وضرب سترا بيننا وبين حرمه ، وأجلس أهل بيته من وراء الستر فالتفت إلي وقال:
  يادعبل إرث الحسين (ع) فانت ناصرنا ومادحنا فلا تقصر عن نصرنا ماستطعت مادمت حيا ، فاستعبرت وسالت عبرتي وأنشأت:
أفـاطم  لوخلت الحسين iiمجدلا        وقـد  مات عطشانا بشط فرات
إذا  لـلطمت الـخد فاطم iiعنده        وأجريت دمع العين في الوجنات
أفـاطم قومي يابنة iiالخرواندبي        نـجوم  سـماوات بأرض iiفلاة
قـبور بـكوفان وأخرى iiبطيبة        وأخـرى  بـفخ نـالها iiصوات
قـبور بـجنب من أرض iiكربلا        مـعرسهم فـيها بـشط iiفرات
تـوفو  عطاشى بالعراء فليتني        تـوفيت فـيهم قبل حين iiوفاتي
  هذا والرضا (ع) يبكي والنساء من خلف الستر يبكين معه ، قال دعبل: فلما وصلت إلى هذين البيتين:
بنات زياد في iiالقصورمصونة        وآل  رسـول الله في iiالفلوات
وآل رسول الله تسبى حريمهم        وآل  زيـاد ربـة iiالـحجلات
.
  يقول: سمعت قد علت أصوات النساء الهاشميات بالبكاء والنحيب من خلف الستروصحن وامحمداه واحسيناه وامصيبتاه .
  ويقول الإمام الصادق (ع) :{بأبي قتيل العبرة فاحيوا أمرنا رحم الله امرأ أحيا أمرنا ، وذرفت عيناه لمصابنا} ويقول الإمام الكاظم (ع) {كان أبي إذا دخل شهر المحرم لايرى ضاحكا وكانت الكآبة تغلب عليه حتى تمضي عشرة أيام منه ' فإذا كان اليوم العاشركان ذلك اليوم يوم مصيبته وبكائه ويقول هو اليوم الذي قتل فيه جدي الحسين واستبيحت فيه حرمته} .
  وفي ذات يوم من أيام شهر المحرم دخل السيد الحميري ذلك الشاعر المخضرم المعروف على الإمام الصادق(ع) فقال له : {أنشدني في الحسين شعرا، ثم قام الإمام وضرب سترا لنسائه وأطفاله ، وأجلسهم خلف الستر، وجلس هو وأصحابه حزينا باكيا على جده الحسين (ع) .
  يقول السيد الحميري فأنشأت :
أمررعلى جدث الحسين        فـقل لأعـظمه الزكيه
يـاأعظما لازلـت iiمن        وطـفاء  ساكبة iiرويه
وإذا مــررت iiبـقبره        فـأطل به وقف المطيه
وابـك المطهر iiللمطهر        والـمـطهرة  iiالـتقيه
كـبكاء مـعولة iiأتـت        يـوما  لواحدها iiالمنيه
  يقول الحميري: فرأيت دموع جعفر ابن محمد . تتحادرعلى خديه ، وارتفع الصراخ من داره حتى أمرني بالإمساك (2) أجل: لابد أن تعرف أيها الموالي أن بكائك على ابن الزهراء الغريب المظلوم لايذهب سدى وأن كل دمعة تخرج من عينك لها وزن وثواب فابكي عليه في أيام الحزن والمصيبة لأن دموعك أيها المحب لاتقدر بثمن فهي غالية وثمينة وثمنها شفاعة أهل البيت (ع) وجنة النعيم وبذلك يبشرك مولاك الإمام الصادق (ع) ويقول :{من بكى اوتباكى على الحسين وجبت له على الله الجنة} (3)

**************************************************************

1 ـ العباس بن علي للشخ عبد الحميد المهاجر ص 122 .
2 ـ الأغاني للأصفهاني 7/240 .
3 ـ الكشي في كتاب الرجال 289/508 .




1 ـ في موسم عاشوراء.. الحالة
     الأخلاقية مسؤولية الخطباء
2 ـ واقعة كربلاء .. سفر الخلود
     قراءة سيكولوجية للتاريخ
3 ـ عاشوراء بين الأحزان والعبر..
     وقفة تأمل
4 ـ الحر بن يزيد الرياحي (رض)
5 ـ طين قبر الحسين عليه
     السلام شفاء من كل داء...
     معجزة جديدة من تربة
      الحسين
6 ـ وصايا في حضور المجالس
     الحسينية
7 ـ فضل التربة الحسينية
8 ـ كلمة الحسين عليه السلام
9 ـ الخــطــاب الحــسيني
     والمستوى الثقافي للمجتمع
10 ـ عاشوراء مِن السُّنةِ فهلْ
     السُّنةُ مِن عاشوراء !!؟
11 ـ ذاك هو الحسين (ع)
    تأملات في كلمات الحسين
    (ع)
12 ـ دروس من واقعة كربلاء
13 ـ ثورة الإمام الحسين ودولة
       المهدي (ع)
14 ـ ماذا نريد من الحسين (ع)
       ؟؟
15 ـ الحسين (ع) قتيل العبرة
16 ـ موقف أهل البصرة من
        واقعة الطف
17 ـ تاريخ التكايا في مدينة
       البصرة
18 ـ فلسفة تعظيم شعائر
       عاشوراء
19 ـ أقوال واحاديث في الامام
       الحسين (ع)
20 ـ مسلم بن عقيل داعية
     وسفير الامام الحسين (ع)
     في الكوفة
21 ـ ابا الفضل العباس حامل لواء
       الحسين (ع) في كربلاء
22 ـ أربعينية الامام الحسين (ع)
       في كربلاء
23 ـ دور القاسم نجل السبط
     الامام الحسن (ع) في واقعة
     الطف
24 ـ زيارة وزوار الامام الحسين
      (ع) في الاحاديث الشريفة
25 ـ الطريح السقط لزوجة الامام
     الحسين (ع) المحسن
26 ـ الحجة الكبرى استشهاد
       عبد الله الرضيع (عليه
       السلام) في كربلاء
27 ـ يوم العاشر من محرم من
       ايام الله تعالى
28 ـ قراءة في المسار الحسيني
29 ـ لماذا عاشوراء
30 ـ الشعائر الحسينية في
       البصرة
31 ـ السلام والاباء في نهضة
     الامام الحسين ( عليه
     السلام )
32 ـ دور اهل البصرة في نصرة
     الامام الحسين ( عليه
     السلام )

            BASRAHCITY.NET