اقتبسوا.
وأنت تجد بعض هذه القواعد الأصولية في رواياتهم الكثيرة الوفيرة المبثوثة في مطاوي كتب الأخبار ، ومجاميع الأحاديث
(1) ، وهذه شواهد تاريخيّة على ذلك حيث تكشف عن وجود بذرة التفكير الأصولي عندهم.
وإذا نظرنا نظرة فاحصة نجد أنّ أوّل من صنّف في الأصول هو هشام ابن الحكم ، وهو من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام ، إذ صنّف كتاب الألفاظ ومباحثها ، كما صرّح به ابن النديم في الفهرست
(2).
وجاء من بعده يونس بن عبد الرحمن مولى آل يقطين ، صنّف كتاب اختلاف الحديث ومسائله عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام ، وهو مبحث تعارض الحديثين ، كما ذكره الشيخ في الفهرست
(3) ، والسيد الصدر في تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام
(4).
2 ـ العصر التمهيدي : وهو ـ كما قيل ـ عصر وضع البذور الأساسية لعلم الأصول
(5) ، واستمرّ على نحو قرنين من الزمن ، ابتداء من عصر الغيبة سنة 260 ه إلى زمن الشيخ الطوسي ( ت 460 ه ).
ومن مختصّات هذا الدور التأليف والتصنيف وشرح الأحاديث الواردة عن الأئمّة عليهم السلام في المقام ، والشيخ رحمه الله هو الحلقة الوسطى في هذا الدور والّذي يليه ، ومن أعلام هذه الفترة : الحسن بن موسى النوبختي ، ذكره ابن النديم في الفهرست ، وقال : متكلم
--------------------
(1) انظر على سبيل المثال ، المجلّد الأول من جامع أحاديث الشيعة.
(2) ص 244.
(3) ص 181 رقم 789.
(4) ص 310 ـ 311.
(5) انظر المعالم الجديدة ـ للسيد محمد باقر الصدر ـ : 87.
وقاية الاذهان
_ 3 _
فيلسوف (1).
وقال النجاشي : شيخنا المتكلّم المبرز على نظرائه في زمانه قبل الثلاثمائة وبعدها ، له على الأوائل كتب كثيرة ، منها : ... كتاب الخصوص والعموم ... كتاب في خبر الواحد والعمل به (2).
ومنهم : محمد بن أحمد بن الجنيد ، أبو علي الكاتب الإسكافي ( ت 381 ه ).
قال النجاشي : وجه في أصحابنا ، ثقة ، جليل القدر ، وله ... كتاب كشف التمويه والإلباس على أغمار الشيعة في أمر القياس (3).
ومنهم : أبو منصور الصرام النيشابوري المتكلّم المشهور صاحب كتاب بيان الدين في الأصول ، وله كتاب في إبطال القياس ، ذكره الشيخ في الفهرست (4) ، والسيد الصدر في التأسيس (5).
ومنهم : محمد بن أحمد بن داود بن علي ، أبو الحسن ( ت 361 ه ).
قال النجاشي : شيخ هذه الطائفة وعالمها ، وشيخ القميّين في وقته وفقيههم ... صنّف كتبا ... كتاب الحديثين المختلفين (6) ، وهو مبحث التعارض في الأصول.
ومنهم : أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ، الشيخ المفيد ( ت 413 ه ).
قال النجاشي : شيخنا وأستاذنا ـ رضي الله عنه ـ فضله أشهر من أن يوصف في الفقه ، والكلام ، والرواية ، والثقة ، والعلم ، له كتب : ... كتاب أصول
--------------------
(1) ص 225.
(2) رجال النجاشي : 63 رقم 148.
(3) رجال النجاشي : 385 و 387 رقم 1047.
(4) ص 190 رقم 852.
(5) تأسيس الشيعة : 312.
(6) رجال النجاشي : 384 رقم 1045.
وقاية الاذهان
_ 4 _
الفقه (1).
وقال عنه السيد الصدر : تام المباحث مع صغر حجمه ، وقد رواه ـ قراءة ـ عنه الشيخ أبو الفتح الكراجكي ، وأدرجه بتمامه في كتابه كنز الفوائد (2).
ومنهم : السيد المرتضى علي بن الحسين الموسوي ، علم الهدى ( ت 436 ه ).
قال النجاشي : حاز من العلوم ما لم يدانه فيه أحد في زمانه ... صنّف كتبا منها : ... كتاب الخلاف في أصول الفقه .. كتاب الذريعة [ إلى أصول الشريعة ] (3).
قال السيد الصدر : كان هذا الكتاب ( الذريعة ) هو المرجع الوحيد في هذا العلم ، والّذي يقرؤه الناس إلى زمان المحقّق نجم الدين الحلّي ، فلمّا صنّف المعارج وكان كتابه سهل العبارة والمأخذ عكفت الطلبة عليه (4).
3 ـ عصر العلم ، وهو ـ كما قيل ـ : العصر الّذي اختمرت فيه تلك البذور ، وأثمرت وتحددت معالم الفكر الأصولي ، وانعكست على مجالات البحث الفقهي في نطاق واسع (5).
ويعدّ ابتداء هذا العصر من قبل وفاة رائده الشيخ الطوسي في عام 460 ه ، واستمرّ إلى زمن أستاذ الكلّ الوحيد البهبهاني ( رضي الله عنه ) ، ومن أعلام هذا العصر :
الشيخ الطوسي صاحب عدّة الأصول ، والشيخ سديد الدين محمود الحمصي الرازي ، ونجم الدين المحقق الحلّي ( ت 676 ه ) صاحب معارج
--------------------
(1) آل عمران : 103.
(2) الأنفال : 46.
(3) الأنعام : 65.
(4) المدّثر : 49 ، 50 ، 51 ، 52.
وقاية الاذهان
_ 5 _
الأصول ، وابن أخته آية الله العلاّمة جمال الدين الحلّي ( ت 726 ه ) صاحب النهاية ، وتهذيب الأصول ،
والمبادئ ، وشرح غاية الوصول في علم الأصول ، وغيرها.
والشهيد الأول الّذي استشهد ( عام 786 ه ) والشهيد الثاني الّذي استشهد ( عام 966 ه ).
وفي أواخر هذه الدورة اشتدّ اختلاف الأخباريين مع الأصوليّين ، وبرزت شخصيّات علميّة أخباريّة كبيرة كان لها دورها حينئذ ، ويعدّ ابتداء هذا العصر من أواسط القرن الخامس إلى أواخر القرن الثاني عشر.
4 ـ عصر الكمال العلمي ، وابتداؤه على يد الوحيد البهبهاني رحمه الله إلى زمن تلاميذ المحقّق الخراسانيّ رحمه الله إذ استمرت ـ تقريبا ـ قرنين من الزمان.
ومن مختصات هذا العصر غلبة الأصوليّين على الأخباريّين على يد رائد هذه المدرسة وهو الوحيد البهبهاني ( ت 1206 ه ) صاحب رسالة الاجتهاد والأخبار ، ومن أعلام هذا الدور :
السيد مهدي الطباطبائي بحر العلوم ( ت 1212 ه ).
وجدّنا من طريق الأم الشيخ جعفر كاشف الغطاء ( ت 1228 ه ).
والميرزا أبو القاسم القمي صاحب القوانين ( ت 1231 ه ).
وجدّنا العلاّمة التقي الشيخ محمد تقي الأصفهانيّ ( ت 1248 ه ) صاحب الهداية.
وشريف العلماء المازندراني ( ت 1245 ه ) وعمّنا الأكرم الشيخ محمد حسين الأصفهانيّ ( ت 1216 ه ) صاحب الفصول ، والشيخ الأعظم الأنصاري ( ت 1281 ه ) والمحقق الخراسانيّ ( ت 1329 ه ) ومن بعده
تلاميذه المشهورون ، منهم :
وقاية الاذهان
_ 6 _