لمّا جلد شراحة الهمدانيّة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة قال : حددتها بكتاب الله ورجمتها بسنّة رسول الله عليه وآله وسلّم ) (1) ، فلو كان عليه السلام يرى أن الرجم من القرآن كما رأى عمر لم يقل كذلك .
فالأمر من طرف الشيعة مفروغ منه ، وأمّا مرويّات أهل السنّة :
1 ـ فقد أخرج البخاري عن عمر بن الخطّاب أنّه قال : ( إنّ الله بعث محمداً بالحقّ ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان ممّا أنزل الله آية الرجم ، فقرأناها وعقلناها ووعيناها ، رجم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل :
والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله ،
ثم إنّا كنّا نقرأ ـ فيما نقرأ من كتاب الله ـ : أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن أبائكم ، أو : إنّ كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم ... ) (2) .
وأخرج أيضاً عنه قوله :
( إنّ الله بعث محمداً ... فالرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا احصن من الرجال والنساء إذا قامت عليه البيّنة ) (3) .
وأخرجه مسلم بن الحجّاج أيضاً في صحيحة (4) ، وأحمد بن حنبل ـ إمام
--------------------
(1) عوالي اللآلي 2 : 152 ، 3 : 552 وهو في مسالك الأفهام ، جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام 41 : 30 وغيرها ، ورواه أحمد والبخاري والنسائي والحاكم وغيرهم كما في مقدّمة آلاء الرحمن .
(2) صحيح البخاري 8 : 208 .
(3) صحيح البخاري 8 : 208 .
(4) صحيح مسلم 3 : 1317 .
التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف
_ 166 _
الحنابلة ـ في مسنده (1) .
وروى مالك بن أنس ـ إمام المالكية ـ عن سعيد بن المسيب ـ وهو من أكابر التابعين ـ عن عمر قوله : ( إيّاكم أن تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل : لا نجد حدّين في كتاب الله ، فقد رجم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ورجمنا ، والّذي نفسي بيده : لولا أن يقول الناس : زاد عمر في كتاب الله لكتبتها ( الشيخ والشيخة فارجموهما ألبتّة ) فإنّا قد قرأناها ) (2) .
ورواه أيضاً أحمد بن حنبل في مسنده (3) والحافظ جلال الدين السيوطي عن عبد الرزاق وأحمد وابن حبّان ـ وسيأتي نصّه ـ .
وقال الحافظ السيوطي أيضاً : ( وقد أخرج ابن أشته في ( المصاحف ) عن الليث بن سعد ، قال : أول من جمع القرآن أبو بكر وكتبه زيد ... وأنّ عمر أتى بأية الرجم فلم يكتبها لأنّه كان وحده ) (4) .
هذا كلّه عن عمر ، والمستفاد من الأحاديث أنّه كان يعلم بكون آية الرجم من القرآن ، إلاّ أنّه لم يكتبها لكونه وحده ، فلو شهد بها معه أحد من الصحابة لكتب ، وبذلك صرّح الحدّثون ، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : ( فلم يلحقها بنصّ المصحف بشهادته وحده ) ولو كانت منسوخة التلاوة لم يجز إلحاقها به حتى لو شهد معه كلّ الصحابة .
2 ـ وأخرج ابن حاجة عن عائشة ، قالت : ( نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً ، ولقد كان في صحيفة تحت سريري ، فلمّا مات رسول الله ـ صلّى الله
--------------------
(1) مسند أحمد 1 : 40 و 55 .
(2) الموطأ 2 : 824 | 10 .
(3) مسند أحمد 1 : 36 و 43 .
(4) الإتقان في علوم القرآن 1 : 206 .
التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف
_ 167 _
عليه وآله وسلّم ـ وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها ) (1) .
3 ـ وأورد الحافظ جلال الدين عن أبي عبيد بسنده عن أبي امامة بن سهل : ( أنّ خالته قالت : قد أقرأنا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ آية الرجم : الشيخ والشيخة فارجموهما البتّة بما قضيا من اللذّة ) (2) .
4 ـ وروى الحافظ السيوطي أيضاً عن جماعة من المحدّثين الحفّاظ عن ابي ابن كعب : أنّه كان يعتقد بأنّ آية الرجم من القرآن حقيقة ، وقد تقدّم نصّه في ما ذكر حول سورة الأحزاب .
نقتصر على هذه الأحاديث حول ( آية الرجم ) طلباً للإختصار ، وقد لوحظ فيها أنّ جماعة من الصحابة كانوا يصرّحون بأنّهم قد قرأوا هذه الآية وعقلوها وحفظوها ، وكان أشدّهم إصراراً على ذلك : عمر بن الخطّاب ، هؤلاءهم :
1 ـ عمر بن الخطاب .
2 ـ اُبيّ بن كعب .
3 ـ عائشة بنت أبي بكر .
4 ـ خالة أبي أمامة بن سهل .
بل المفهوم من حديث عائشة : أنّ الآية كانت من القرآن حتى بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ... وسيأتي مزيد كلام في ذلك .
وقد نقلنا هذه الأحاديث عن :
1 ـ صحيح البخاري .
--------------------
(1) السنن لابن ماجة 1 : 625 | 1944 .
(2) الإتقان في علوم القرآن 3 : 82 .
التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف
_ 168_
2 ـ صحيح مسلم .
3 ـ مسند أحمد .
4 ـ الموطّأ لمالك .
5 ـ السنن لابن ماجة .
6 ـ الإتقان في علوم القرآن للحافظ السيوطي .
حول آية ( الرغبة )
وعن جماعة من الأصحاب أنّه كان من القرآن ـ وقد اسقط فيما اسقط ـ آية : ( لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ) أو نحوه في اللّفظ ، وقد سمّيناها بـ ( آية الرغبة ) :
1 ـ أخرج البخاري في ( الصحيح ) عن عمر بن الخطّاب في حديث تقدّم لفظه : ( ثم إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله : أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم أو : ( إنّ كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم ) (1) .
2 ـ وقال الحافظ السيوطي : أخرج ابن الضريس عن ابن عباس ، قال : كنا نقرأ ( لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم ) أو : ( إنّ كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم ) (2) .
3 ـ وقال الحافظ الجلال السيوطي أيضاً : ( أخرج الطيالسي وأبو عبيد والطبراني ، عن عمر بن الخطاب ، قال : كنا نقرأ فيما نقرأ ( لا ترغبوا عن آبائكم
--------------------
(1) صحيح البخاري 8 : 208 .
(2) الإتقان في علوم القرآن 2 : 42 .
التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف
_ 169 _
فإنّه كفر بكم ) ثم قال لزيد بن ثابت : أكذلك يا زيد ؟ قال : نعم ) (1) .
وقد علم من هذه الأحاديث أنّ جماعة من الصحابة وهم :
1 ـ عمر بن الخطاب .
2 ـ عبدالله بن عباس .
3 ـ زيد بن ثابت .
كانوا بعتقدون أنّ ( أية الرغبة ) من القرآن الكريم .
وقد نقلنا هذه الأحاديث عن :
1 ـ البخاري صاحب الصحيح .
2 ـ الحافظ السيوطي عن عدّة من الفّاظ وهم :
عبدالرزاق بن همام .
أحمد بن حنبل .
أبوالقاسم الطبراني .
أبو عبيد القاسم بن سلام .
أبو عبدالله بن الضريس .
أبو الوليد الطيالسي .
إبن حبّان صاحب الصحيح .
حول آية ( لو كان لابن آدم واديان )
1 ـ أخرج مسلم بن الحجّاج في ( الصحيح ) عن أبي الأسود ، عن أبيه ، قال :
--------------------
(1) الإتقان في علوم القرآن 3 : 83 .
التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف
_ 170 _
( بعث أبو موسى الأشعري إلى قرّاء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن ، فقال : أنتم خيار أهل البصرة وقرّاؤهم ، فاتلوه ولا يطولنّ عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم ، وإنّا كنّا نقرأ سورة كنا نشبّهها في الطول و الشدة بـ ( براءة ) فانسيتها ، غير أنّي حفظت منها : ( لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ) (1) .
2 ـ وقال الحافظ جلال الدين السيوطي : ( أخرج أبو عبيد وأحمد ، والطبراني في ( الأوسط ) ، والبيهقي في ( شعب الإيمان ) ، عن أبي واقد الليثي ، فقال : كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ إذا اوحي إليه أتيناه فعلّمنا ممّا اوحي إليه ، قال : فجئت ذات يوم ، فقال : إنّ الله يقول : ( إنّا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولو كان لابن آدم وادياً من ذهب لأحبّ أن يكون إليه الثاني ، ولو كان الثاني لأحبّ أن يكون إليهما الثالث ، ولا يملأ جوف إبن آدم إلاّ التراب ، ويتوب الله على من تاب ) (2) .
3 ـ وقال الحافظ السيوطي أيضأ : ( أخرج أبو عبيد وأحمد وأبو يعلى والطبراني ، عن زيد بن أرقم ، قال : كنّا نقرأ على عهد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : ( لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضّة لابتغى الثالث ، ولا يملأ بطن ابن آدم إلاّ التراب ، ويتوب الله على من تاب ) (3) .
4 ـ وقال الحافظ السيوطي : ( أخرج أبو عبيد ، عن جابر بن عبدالله ،
--------------------
(1) صحيح مسلم 2 : 726 | 1050 .
(2) الدر المنثور ، الإتقان 30 : 83 .
(3) الدر المنثور أورده باسناده عن ابن عباس 6 : 378 .
التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف
_ 171 _
قال : كنا نقرأ ( لو أنّ لابن آدم ملء واد مالاً لأحبّ إليه إليه مثله ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ويتوب الله على من تاب ) (1) .
5 ـ وقال الحافظ المذكور أيضاً : ( أخرج البزار وابن الضريس ، عن بريدة ، قال : سمعت النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ يقرأ : ( لو أنّ لابن آدم ... ) (2) .
6 ـ وقال أيضاً : ( أخرج ابن الأنباري ، عن أبي ذر ، قال : في قراءة ابيّ بن كعب : ( ابن آدم لو اعطي وادياً ... ) (3) .
وقال أيضاً : ( أخرج أحمد والترمذي والحاكم ـ وصحّحه ـ عن اُبيّ بن كعب : إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قال : إنّ الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن ، فقرأ : ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ) فقرأ فيها : ( ولو أنّ ابن آدم سأل وادياً من مال ... ) (4) .
وروى هذا الحديث أيضاً إبن الأثير عن الترمذي (5) .
7 ـ وقال الراغب الأصبهاني في ( محاضرات الأبرار ) واثبت ابن مسعود في مصحفه : ( لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى معهما ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ويتوب الله على من تاب ) .
نكتفي بهذه الأحاديث حول هذه الآية ، وصريح الحديث الأول المخرّج في ( الصحيح ) : أنّ أبا موسى كان يحفظ سورة من القرآن الكريم بكاملها فنسيها ما
--------------------
(1) المصدر نفسه .
(2) الدر المنثور 6 : 378 .
(3) المصدر نفسه .
(4) الدر المنثور 6 : 378 .
(5) جامع الاصول 2 : 500 | 972 .
التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف
_ 172 _
خلا الآية المذكورة .
وقد علمنا من هذا الأحاديث أنّ الصحابة التالية أسماؤهم يعتقدون بكون الآية من القرآن الكريم ، حتى أنّ ابن مسعود أثبتها في مصحفه ، وكان اُبيّ بن كعب يقرؤها ، وقد ذكر أبو واقد أنّ النبي قد علّمه الآية هذه ، وهؤلاء الصحابة هم :
1 ـ أبو موسى الأشعري .
2 ـ أبو واقد الليثي .
3 ـ زيد بن أرقم .
4 ـ جابر بن عبدالله .
5 ـ بريدة بن الحصيب .
6 ـ ابيّ بن كعب .
7 ـ عبدالله بن مسعود .
وقد نقلنا هذه الأحاديث عن :
1 ـ مسلم بن الحجّاج صاحب الصحيح .
2 ـ إبن الأثير صاحب جامع الاصول .
3 ـ الراغب الأصبهاني صاحب المحاضرات .
4 ـ الحافظ السيوطي عن جماعة من كبار الحفّاظ ومنهم : ـ
أ ـ الحاكم أبو عبدالله النيسابوري صاحب المستدرك .
ب ـ أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي صاحب المسند .
ج ـ أحمد بن حنبل صاحب المسند وأحد الأئمة الأربعة .
د ـ أبو القاسم الطبراني صاحب المعاجم الثلاثة .
التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف
_ 173_
هـ ـ أبوبكر البيهقي صاحب السّنن الكبرى .
و ـ أبوبكر البزار صاحب المسند .
ز ـ أبو عيسى الترمذي صاحب السنن أحد الصحاح الستّة .
حول ( آية الجهاد )
روى الحافظ جلال الدين السيوطي عن السور بن مخرمة ما نصّة :
( قال عمر لعبد الرحمن بن عوف : ألم تجد فيما أنزل علينا : ( أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة ) فأنا لا أجدها ؟
قال : اسقطت فيما اسقط من القرآن ) (1) .
في هذا الحديث : أنّ اثنين من كبار الصحابة وهما :
1 ـ عمر بن الخطاب .
2 ـ عبد الرحمن بن عوف .
كانا يعتقدان : أنّ الآية كانت ممّا انزل من قبل الله تعالى من القرآن الكريم .
ثم إنّ معنى قوله : ( اسقطت ... ) أنّهما كانا يعتقدان بكونها من القرآن بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أيضاً ، وأنّ هناك إسقاطاً من القرآن ...
حول آية ( المتعة )
وهي قوله تعالى : ( فما استمتعم به منهنّ فآتوهنّ اُجورهنّ ) (2) ، فقد
--------------------
(1) الاتقان 3 : 84 .
(2) سورة النساء 4 : 2 ، انظر الدّر المنثور 2 : 139 وما بعدها .
التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف
_ 174 _
ورد في أحاديث القوم عن بعض الصحابة أنّه كان يقرأ ( فما استمتعتم به منهنّ ( إلى أجل ) ... ) وأنّ بعضهم كتبها كذلك في مصحفه ، وعن ابن عباس قوله : ( والله لأنزلها كذلك ) وقد صحّح الحاكم هذا الحديث عنه في ( المستدرك ) من طرقٍ عديدة (1) .
وفي التفسير الكبير : أنّ ابيّ بن كعب وابن عباس قرءا كذلك ، والصحابة ما أنكروا عليها (2) .
وقال الزمخشري : ( وعن ابن عباس : هي محكمة ـ يعني لم تنسخ ـ وكان يقرأ : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى ، ويروى : أنّه رجع عن ذلك عند موته ، وقال : اللّهم إني أتوب إليك من قولي بالمتعة ، وقولي في الصرف ) (3) .
وقال الحافظ ابن حجر في تخريجه : ( أمّا رجوعه عن المتعة فرواه الترمذي بسند ضعيف عنه ، وأمّا قوله : اللّهمّ إني أتوب إليك من قولي بالمتعة فلم أجده ) .
وإذا ما انضّم إلى ذلك ثبوت مشروعية المتعة وعمل المسلمين بها حتى زمن عمر بن الخطاب ، حيث نهى عنها وأوعد بالعقاب عليها ، حصل القطع بنزول الآية كذلك كما تفيد الأحاديث المذكورة ، وأنّ كلمة ( إلى أجل ) وقع بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم .
( قرأ عليّ أبي ـ وهو ابن ثمانين سنة ـ في مصحف عائشة ( إنّ الله وملائكته يصلّون على النبي يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً ـ وعلى الذين يصلّون الصفوف الأول ـ .
قالت : قبل أن يغيّر عثمان المصاحف ) (1) .
يفيد الحديث : أنّ هذه الزيادة كانت مثبتة في مصحف عائشة ، ولا شك أنّها قد سمعت الآية كذلك من النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وكتبتها في مصحفها كما سمعت ، وبقي المصحف إلى زمن عثمان بن عفان يتلوه النّاس ويتداولونه ، حتى قام عثمان فغيّر المصاحف وأسقط من الآية هذه الزيادة .
هذا ما يفيده الحديث ، وهو يدّل على أنّ عائشة والّذين كانوا يقرأون مصحفها ـ ومنهم أبو يونس الذي قرأ الآية على ابنته وهو ابن ثمانين سنين كما حدّثتنا هي ـ كانوا يعتقدون أنّ الزيادة تلك من القرآن الكريم على حقيقته .
حول آية ( الشهادة )
أخرج مسلم بن الحجاج في ( الصحيح ) عن أبي موسى الأشعري أنّه قال ـ في الحديث المتقدّم ، فيما ذكرناه حول سورة كانوا يشبّهونها بإحدى المسبّحات ـ : ( وكنّا نقرأ سورة كنا تشبّهها بإحدى المسبّحات فنسيتها غير أنّي حفظت منها :
يا أيّها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون ـ فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة ـ ) (2) .
وهذا حديث صحيح لإخراج مسلم إيّاه في ( صحيحه ) ، هو يفيد أنّ أبا
--------------------
(1) الإتقان في علوم القرآن 3 : 82 .
(2) صحيح مسلم 2 : 726 .
التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف
_ 176 _
موسى الأشعري كان يحفظ سورة طويلة ، وكان يقرؤها ، غير أنّه لم يحفظ منها غير الآية ، وفيها زيادة : ( فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة ) وهي غير موجود في المصحف الموجود .
حول آية ( ولاية النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم )
1 ـ قال الحافظ جلال الدين السيوطي : ( أخرج الفريابي والحاكم وابن مردويه ، والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس ، أنّه كان يقرأ هذه الآية : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ـ وهو أب لهم ـ وأزواجه أمّهاتهم ) (1) .
2 ـ وقال الحافظ السيوطي أيضاً : ( أخرج عبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، وإسحاق بن راهويه ، وابن المنذر ، والبيهقي ، عن مجالد ، قال : مرّ عمر ابن الخطاب بغلام وهو يقرأ في المصحف : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه امّهاتهم ـ وهو أب لهم ـ ) .
فقال : يا غلام حكّها .
فقال : هذا مصحف ابيّ بن كعب .
فذهب إليه فسأله فقال : إنّه كان يلهيني القرآن ، ويلهيك الصفق بالأسواق ) (2) .
فزيادة ( وهو أب لهم ) ـ بحسب هذين الحديثين ـ كانت من القرآن الكريم في رأي صحابيّين كبيرين هما :
1 ـ عبد الله بن العباس .
2 ـ اُبيّ بن كعب .
حتى أنّ عمر لمّا اعترض على ابيّ أجابه بقوله ( إنّه كان يلهيني القرآن ويلهيك الصفق بالأسواق ) .
ويفيد الحديث أنّ مصحف ابيّ بن كعب كان متلواً بين الناس معتقدين صحته ومعتمدين عليه ، حتى أنّ عمر لما قال للغلام : ( حكّها ) قال له : ( هذا مصحف ابيّ بن كعب ) .
وقد روى الحافظ السيوطي ذلك عن جماعة من أعيان الحفّاظ وهم :
1 ـ عبد الرزّاق بن همام الصنعاني .
2 ـ سعيد بن منصور ، صاحب السنن .
3 ـ إسحاق بن راهويه ، شيخ البخاري ومسلم وغيرهما .
4 ـ الحاكم النيسابوري ، صاحب المستدرك .
5 ـ الفريابي شيخ أحمد والبخاري وغيرهما .
6 ـ أبو بكر ابن مردويه الأصبهاني .
7 ـ أبوبكر البيهقي صاحب السنن الكبرى .
8 ـ أبوبكر ابن المنذر الإمام المجتهد .
حول آية ( الحميّة )
روى الحافظ جلال الدين السيوطي عن النسائي الحاكم قال : وصحّحة ـ من طريق ابن أبي إدريس ( عن ابيّ بن كعب أنّه كان يقرأ : ( إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحميّة حميّة الجاهلية ـ ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام ـ فأنزل الله سكينته على رسوله ) فبلغ ذلك عمر ، فاشتدّ عليه ، فدعا ناساً من أصحابه ـ
التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف
_ 178 _
فيهم زيد بن ثابت ـ فقال :
من يقرأ منكم سورة الفتح ؟
فقرأ زيد على قراءتنا اليوم .
فغلّظ له عمر ، فقال : إني أتكلّم ؟
فقال : تكلّم .
قال : لقد علمت أني كنت أدخل على النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ويقرؤني وأنت بالباب ، فإن أن اقرىء الناس على ما أقرأني أقرأت وإلاّ لم أقرأ حرفاً ما حييت .
قال : بل أقرئ الناس ) (1) .
وفي هذا الحديث : أنّ عمر بن الخطاب عندما بلغته قراءة ابيّ اشتدّ عليه ثم أغلظ له أمام ناس من الصحابة ، ولكن أبيّاً خصمه بما قال : ومعنى ذلك : أنّ تلك الزيادة قد تعلّمها من النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وهو عندما كان يقرى الناس كان يعتقد بأنّه يقرؤهم القرآن الكريم كما انزل على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم .
ولقد كان لاعتقاده الراسخ وجزمه برأيه أثره البالغ في نفس عمر ، حتى قال له بعد أن اشتدّ عليه وأغلظ له : ) بل أقرئ الناس ) .
وقد روى الحافظ السيوطي الحديث عن :
1 ـ النسائي صاحب السنن أحد الصحاح الستّة .
2 ـ الحاكم صاحب المستدرك على الصحيحين ، وذكر أنّ الحاكم صحّح الحديث .
--------------------
(1) الدر المنثور 6 : 79
التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف
_ 179 _
حول آية ( كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ )
روى الحافظ جلال الدين السيوطي في تفسير قوله تعالى : ( كفي الله المؤمنين القتال ) (1) عن ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر ، ( عن ابن مسعود : أنّه كان يقرأ الآية هكذا : ( كفى الله المؤمنين القتال ـ بعلي بن أبي طالب ـ ) (2) .
وهذا الحديث صريح في أنّ عبدالله بن مسعود كان يعتقد أنّ اسم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كان ثابتاً في أصل القرآن الكريم ، وكذلك في بعض روايات الشيعة ، وللآية نظائر كثيرة كما تقدم في ( الباب الأول ) .
وابن مسعود كان من أكثر الصحابة تعلّماً من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وحضوراً عنده ، حتى روى أهل السنّة عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم ، في حقه أحاديث كثيرة منها قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( تمسّكوا بعهد ابن امّ عبد ) .
ولقد كان مصحفه هو المصحف الوحيد المعتمد لدى امّة كبيرة من المسلمين ، وسيأتي أنّ عثمان بن عفان طلب مصحفه فلم يدفعه إليه ، فأمر بضربه .
وقد روى الحافظ السيوطي الحديث عن ثلاثة من أئمة الحفاظ وهم :
1 ـ أبو القاسم ابن عساكر حافظ الشام .
2 ـ إبن أبي حاتم الرازي .
3 ـ أبوبكر إبن مردويه الأصبهاني .
حول آية ( المحافظة على الصلوات )
1 ـ ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني : ( أنّه روى مسلم بن الحجاج وأحمد ابن حنبل من طريق أبي يونس عن عائشة : إنّها أمرته أن يكتب لها مصحفاً ، فلمّا بلغت : ( حافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ ) قال : فأملت عليّ : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ـ وصلاة العصر ـ ) قالت : سمعتها من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ) (1) .
ورواه مالك بن أنس أيضاً (2) .
2 ـ وروى مالك عن عمرو بن نافع قال : ( كتبت مصحفاً لحفصة ، فقالت : إذا أتيت هذه الآية فآذنّي ، فأملت عليّ : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ـ وصلاة العصر ـ ) (3) .
ورواه الحافظ السيوطي عن عدّة من الأئمة والحفّاظ (4) .
تفيد هذه الأحاديث : أنّ كلمة ( وصلاة العصر ) كانت ثابتة في مصحف عائشة وحفصة ، ولو لم تكونا معتقدتين أنّها من القرآن حقيقة لما أمرتا بإثباتها ، ولا سيمّا حفصة ، حيث أمرت الكاتب أمرت الكاتب أن يؤذنها ببلوغه الآية لتملي عليه .
فما هذا الإهتمام البالغ من عائشة وحفصة إلاّ لعلمهما القاطع بأنّ ( وصلاة العصر ) من الآية حقيقة ، وأنّها نزلت من الله سبحانه على النبي الكريم صلّى الله
عليه وآله وسلّم .
ورواة الأحاديث هم أئمة أهل السنّة ، أمثال :
1 ـ عبد الرزاق بن همام الصنعاني .
2 ـ أحمد بن حنبل صاحب المسند وأحد الأئمة الأربعة .
3 ـ مالك بن أنس صاحب الموطّأ وأحد الأئمة الأربعة .
4 ـ البخاري صاحب الصحيح .
5 ـ مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح .
6 ـ أبي يعلى الموصلي صاحب المسند .
7 ـ عبد بن حميد صاحب المسند .
8 ـ ابن جرير الطبري صاحب التاريخ والتفسير وتهذيب الآثار .
9 ـ ابن أبي داود صاحب المصاحف .
10 ـ أبي بكر البيهقي صاحب السنن الكبرى .
11 ـ النسائي صاحب السنن أحد الصحاح .
12 ـ الترمذي صاحب السنن أحد الصحاح .
13 ـ ابن حجر العسقلاني شيخ الاسلام الحافظ على الإطلاق .
14 ـ جلال الدين السيوطي صاحب المؤلّفات الكثيرة .
حول آية ( رضاعة الكبير عشراً )
أخرج ابن ماجة عن عائشة قالت : ( نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً ، ولقد كان في صحيفة تحت سريري ، فلمّا مات رسول الله ـ صلّى الله عليه
التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف
_ 182 _
وآله وسلّم ـ وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها ) (1) .
وأخرجه غيره أيضاً .
وظاهره أنّ الآية كانت ممّا يتلا ويقرأ من القرآن حتى وفاته صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ومقتضى ذلك أن تذكر الآية في القرآن وتحفظ عند جمعه حتى لو فرض نسخ حكمها .
حول آية ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ... )
قال الحافظ السيوطي : ( أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود ، قال : كنّا نقرأ على عهد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ( يا أيّها الرسول بلّغ ما انزل إليك من ربك ـ إنّ علياً مولى المؤمنين ـ وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس ) (2) .
وهذا موجود في كتب الشيعة من طرفهم ، ولقائل أن يقول : لعلّ وجود هذا ونحوه في مصحف ابن مسعود هو السبب في رفض القوم له ، وإصرارهم على أخذه منه وإعدامه .
حول آية ( إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ ... )
أخرج الثعلبي بسنده عن أبي وائل قال : ( قرأت في مصحف عبدالله بن مسعود : إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران ـ وآل محمد ـ على
العالمين ) (1) .
وهذا أيضاً ممّا رواه الشيعة في كتبهم بطرقهم .
حول ( آيتين سقطتا من المصحف )
روى الحافظ جلال الدين السيوطي عن أبي سفيان الكلاعي : ( أنّ مسلمة ابن مخلد الأنصاري قال لهم ذات يوم : أخبروني بأيتين من القرآن لم تكتبا في المصحف ، فلم يخبروه ـ وعندهم أبو الكنود وسعد بن مالك ـ .
قال لي مسلمة : ( إنّ الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ، ألا أبشروا أنتم المفلحون .
والذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم ، اولئك لا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرّة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) (2) .
وظاهر هذا الحديث : أنّ مسلمة كان يعتقد بأنّ الآيتين من آيات القرآن الحكيم حقيقة ، ولكن سقطتا ولم تكتبا في المصحف .
ولو لم تكن الآيتان من القرآن العظيم لردّ عليه الحاضرون ذلك ، وكان عذراً لهم في عدم إخبارهم إيّاه عن الآيتين أو جهلهم به .
--------------------
(1) تفسير الثعلبي ـ مخطوط ـ .
(2) الإتقان في علوم القرآن 3 : 84 .
التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف
_ 184 _
يقولنّ احدكم قد أخذت من القرآن كلّه ، وما يدريه ما كلّه ؟! قد ذهب منه قرآن كثير ، ولكن ليقل : قد أخذت منه ما ظهر ) (1) .
وروى الحافظ المذكور أيضاً عن الطبراني عن عمر الخطاب أنّه قال : ( القرآن ألف ألف ( وسبعة وعشرون آلف ) حرف ) (2) .
إنّ المستفاد من هذين الحديثين هو : ضياع أضعاف هذا القرآن الموجود بين الناس .
فابن عمر ينهى عن أن يقول قائل : ( قد أخذت من القرآن كلّه ) موضحاً ذلك بقوله : ( قد ذهب منه قرآن كثير ) ثم يأمر بأن يقول : ( قد أخذت منه ما ظهر ) أي : ما بقي .
وأمّا عمر بن خطاب فقد ذكر عدد حروف القرآن الكريم الذي نزل على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وهاذ العدد أكثر بكثير من عدد حروف القرآن الموجود .
--------------------
(1) الإتقان في علوم القرآن 3 : 81 .
(2) الإتقان في علوم القرآن 1 : 242 .
التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف
_ 185 _
أحاديث كيفية جمع القرآن
ثمّ إنّ ممّا يدلّ على النقصان أو يثير شبهات في الأذهان ،الأحاديث التي يروونها في كيفيّة جمع القرآن ، وهي أيضاً كثيرة في العدد ومعتبرة في السند ، وإليك شطراً منها :
1 ـ السيوطي عن زيد بن ثابت : ( قبض رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلّم ـ ولم يكن القرآن جمع في شيء ) (1) .
2 ـ البخاري بسنده عن زيد بن ثابت ، قال : ( أرسل إليّ أبو بكر بعد مقتل أهل اليمامة ، فإذا عمر بن الخطاب عنده ، قال أبوبكر : إنّ عمر أتاني فقال : إنّ القتل قد استحرّ يوم اليمامة بقرّاء القرأن ، وإني أخشى أن يستحرّ القتل بالقرّاء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن ، وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن ، قلت لعمر : كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله ؟ قال عمر : هذا والله خير ، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ، ورأيت في ذلك رأي عمر ، قال زيد ، قال أبو بكر : إنّك رجل شابّ عاقل لانتهمك ، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، فتتبع القرآن فاجمعه ، فو الله لو كلّفوني نقل جبل من الجبال ماكان اثقل عليّ ممّا أمرني به من جمع القآن قلت : كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ؟ قال : هو والله خير ، فلم يزل أبو بكر يراجني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر ، فتتبّعت
--------------------
(1) الإتقان في علوم القرآن 1 : 202 .
التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف
_ 186 _
القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال ، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره : ( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ... ) حتى خاتمة براءة ، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفّاه الله ، ثم عند عمر في حياته ، ثم عند حفصة بنت عمر ) (1) .
3 ـ وروى البخاري بسنده عن أنس ، قال : ( إنّ حذيفة بن اليمان قدم على عثمان ، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وآذربيجان مع أهل العراق ، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة ، فقال حذيفة لعثمان : يا أمير المؤمنين أدرك هذه الامة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ، ثم نردّها عليك ، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان ، فأمر زيد بن ثابت وعبدالله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، فنسخوها في المصاحف ، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش ، فإنّما نزل بلسانهم ، ففعلوا ، حتى إذا نسخوا المصحف في المصاحف ردّ عثمان الصحف على حفصة ، فأرسل إلى كلّ أفق بمصحف ممّا نسخوا ، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق ) (2) .
4 ـ أخرج ابن أبي داود : ( إنّ أبا بكر قال لعمر وزيد : أقعدا على باب المسجد ، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه ) (3) .
5 ـ أخرج ابن أبي داود : ( أنّ عمر سأل من آية من كتاب الله : فقيل :
--------------------
(1) صحيح البخاري ـ باب جمع القرآن ـ 6 : 225 .
(2) صحيح البخاري 6 : 226 .
(3) الإتقان في علوم القرآن 1 : 205 .
التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف
_ 187 _
كانت مع فلان ، قتل يوم القيامة ، فقال : إنّا لله ... وأمر بجمع القرآن ، فكان أول من جمعه في المصحف ) (1) .
6 ـ أخرج ابن أبي داود بإسناده عن علي عليه السلام قال : ( أعظم الناس في المصاحف أجراً أبو بكر ، إنّ أبا بكر أوّل من جمع كتاب الله ) (2) .
الشبهات النّاشئة عن هذه الأحاديث
هذه الطائفة من الأحاديث في كيفية جمع القرآن ، ومن أراد المزيد فليراجع ابواب جمع القرآن وغيرها من المظان ، في الصحاح وغيرها ككنز العمّال والإتقان .
وفي هذه الأحاديث شبهات حول القرآن :
الشبهة الأولى :
جمع القرآن بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم
لقد دلّت هذه الأحاديث على أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد قبض ولمّا يجمع القرآن ، ففي واحد منها يقول زيد بن ثابت لأبي بكر بعد أن أمره بجمع القرآن : ( كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله ) وفي آخر يقول : ( قبض رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ولم يكن القرآن جمع في شيء ) وقد تقدّم عن عائشة أنّها قالت بالنسبة إلى بعض الآيات : ( كان في صحيفة تحت سريري ،
--------------------
(1) الإتقان في علوم القرآن 1 : 204 .
(2) الإتقان في علوم القرآن 1 : 204 .
التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف
_ 188 _
فلمّا مات رسول الله عليه وآله وسلّم ـ وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها ) .
وإذا كان القرآن كما تقيد هذه الأحاديث غير مجموع على عهده صلّى الله عليه وآله وسلّم على ما هو عليه الآن ، وأنّ الصحابة هم الذين تصدّوا الجمعه من بعده ، فإنّ من المحتمل قريباً ضياع بعضه هنا وهناك بل صريح بعضها ذلك ، وحينئذ يقع الشك في أن يكون هذا القرآن الموجود جمعاً لجميع ما أنزل الله عزّ وجلّ على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم .
الشبهة الثانية :
جمع القرآن بعد مقتل القرّاء
وتفيد طائفة اخرى من أحاديثهم في باب جمع القرآن : أنّ الجمع كان بعد أن قتل عدد كبير من القرّاء في حرب اليمامة (1) ، فعمدوا إلى جمعه وتدوينه مخافة أن يفقد القرآن بفقد حفّاظه وقرّائه ، كما ذهبت آية منه مع أحدهم كما في الخبر .
وهذا بطبيعة الحال يورث الشك والشبهة في هذا القرآن .