الفصل الاول : قصة اتهام الشيعة بالقول بتحريف القرآن
التهمة الجديدة القديمة
تعودنا نحن الشيعة على تلقي التهم ، وتحملها ... فقد بدأت محنتنا من يوم وفاة النبي (ص) ... فنحن في تاريخ الإسلام معارضة ، والمعارضة لابد أن تتحمل ضريبة إعلام الدولة واضطهادها وأذاها ... وتتحمل من عوام الدولة تهمهم وأذاهم .
ولم تختلف علينا العصور إلا في شدة الحملة وخفتها ... فأحياناً تحدث عوامل تخفيف فيقل الإتهام والإضطهاد ، وأحياناً تشتد الموجة ، أو تحدث موجة جديدة !
والذي حدث في عصرنا أن الشيعة ارتكبوا ذنباً كبيراً ومعصيةً يصعب غفرانها ... فقد ثار شيعة إيران على شاههم بفتوى مرجع ديني ، فغضب لذلك الغرب واليهود ، وغضب كثير من حكام المسلمين ... وبدؤوا الصراع مع الدولة الشيعية .
ثم مالبث الكتاب والباحثون من خصوم الشيعة أن غضبوا أيضاً ... فحدثت موجة جديدة من التهجم على ( مذهب التشيع ) تكرر التهم القديمة ، وتبحث عن جديد إن استطاعت ..
ومن التهم المؤذية التي وجهوها إلينا : أن الشيعة لا يعتقدون بالقرآن الكريم! والسبب أنه توجد في مصادرهم روايات تدعي أن القرآن وقع فيه تحريف ، ولا بد أنهم يعتقدون بها ! ...
وقد روَّج مبغضوا الشيعة لهذه التهمة ، وبالغوا فيها ، وشنعوا بها علينا ، ونشروا حولها الكتب والمناشير ، حتى زعم بعضهم أن الشيعة ليسوا مسلمين ، لأن من أنكر القرآن وادعى أن القرآن الذي نزل على رسول الله (ص) قرآن آخر ، فهو كافر بالقرآن ، وخارج عن الإسلام .
تدوين القرآن
_ 2 _
نموذج من نصوص التهمة
قال الكاتب الهندي الوهابي إحسان إلهي ظهير في كتابه ( الشيعة والسنة ) صفحة 65 تحت عنوان ( الشيعة والقرآن ) : ( من أهم الخلافات التي تقع بين السنة والشيعة هو اعتقاد أهل السنة بأن القرآن المجيد الذي أنزله الله على نبينا صلى الله عليه وسلم هو الكتاب الأخير المنزل من عند الله الى الناس كافة وأنه لم يتغير ولم يتبدل ، وليس هذا فحسب بل إنه لن يتغير ولن يتحرف الى أن تقوم الساعة ، وهو الموجود بين دفتي المصاحف لأن الله قد ضمن حفظه وصيانته من أي تغيير وتحريف وحذف وزيادة ، على خلاف الكتب المنزلة القديمة السالفة ، من صحف إبراهيم وموسى ، وزبور وإنجيل وغيرها ، فإنها لم تسلم من الزيادة والنقصان بعد وفاة الرسل ، ولكن القرآن أنزله سبحانه وتعالى وقال ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر ـ 9 وقال ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) القيامة 17 ـ 19 وقال ( لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) حم السجدة ـ 42 .
وإن عدم الإيمان بحفظ القرآن وصيانته يجر الى إنكار القرآن وتعطيل الشريعة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنه حينذاك يحتمل في كل آية من آيات الكتاب الحكيم أنه وقع فيها تبديل وتحريف ، وحين تقع الإحتمالات تبطل الإعتقادات والإيمانيات ، لأن الإيمان لا يكون إلا باليقينيات وأما بالظنيات والمحتملات فلا .
وأما الشيعة فإنهم لا يعتقدون بهذا القرآن الكريم الموجود بأيدي الناس ، والمحفوظ من قبل الله العظيم ، مخالفين أهل السنة ، ومنكرين لجميع النصوص الصحيحة الواردة في القرآن والسنة ، ومعارضين كل ما يدل عليه العقل والمشاهدة ، مكابرين للحق وتاركين للصواب .
فهذا هو الإختلاف الحقيقي الأساسي بين أهل السنة والشيعة ، بين المسلمين والشيعة لأنه لايكون الإنسان مسلماً إلا باعتقاده أن القرآن هو الذي بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الناس كافة بأمر من الله عزوجل ، وإنكار القرآن ليس إلا تكذيباً بالرسول .
وقال في هامشه : ولقد كان الشيخ السيد محب الدين الخطيب صادقاً في رسالته ( الخطوط العريضة ) حين قال : وحتى القرآن الذي كان ينبغي أن يكون المرجع الجامع لنا ولهم على التقارب والوحدة ، هم لا يعتقدون بذاك ، ثم ذكر بعض الأمثلة من صفحة 9 الى 16 التي تدل على أن الشيعة لا يعتقدون بالقرآن الذي في أيدينا وأيدي الناس بل يظنونه محرفاً مغيراً وناقصاً.
تدوين القرآن
_ 3 _
كائنا منهم ، ويضعف أن يكون حالا من بنان إذ فيه تقديم حال المضاف إليه على المضاف (ذلك) أى الامر ، وقيل ذلك مبتدأ ، و (بأنهم) الخبر : أى ذلك مستحق بشقاقهم ( وَمَنْ يُشَاقِقْ اللَّهَ ) إنما لم يدغم لان القاف الثانية ساكنة في الاصل وحركتها هنا لالتقاء الساكنين فهى غير معتد بها.
قوله تعالى ( ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ ) أى الامر ذلكم ، أو ذلكم واقع أو مستحق ، ويجوز أن يكون في موضع نصب : أى ذوقوا ذلكم ، وجعل الفعل الذى بعده مفسرا له ، والاحسن أن يكون التقدير : باشروا ذلكم فذوقوه ، لتكون الفاء عاطفة ( وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ ) أى والامر أن للكافرين.
قوله تعالى (زحفا) مصدر في موضع الحال ، وقيل هو مصدر للحال المحذوفة : أى تزحفون زحفا ، و (الادبار) مفعول ثان لتولوهم.
قوله تعالى ( مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً ) حالان من ضمير الفاعل في يولهم.
قوله تعالى (ذلكم) أى الامر ذلكم (و) الامر ( أَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ ) بتشديد الهاء وتخفيفها ، وبالاضافة والتنوين وهو ظاهر.
قوله تعالى ( وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ) يقرأ بالكسر على الاستئناف ، وبالفتح على تقدير : والامر أن الله مع المؤمنين.
قوله تعالى ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ ) إنما جمع الصم وهو خبر شر ، لان شرا هنا يراد به الكثرة ، فجمع الخبر على المعنى ، ولو قال الاصم لكان الافراد على اللفظ والمعنى على الجمع.
قوله تعالى ( لا تُصِيبَنَّ ) فيها ثلاثة أوجه : أحدها أنه مستأنف ، وهو جواب قسم محذوف : أى والله لا تصيبن الذين ظلموا خاصة بل تعم.
والثانى أنه نهى ، والكلام محمول على المعنى كما تقول : لا أرينك هاهنا : أى لاتكن هاهنا ، فإن من يكون هاهنا أراه ، وكذلك المعنى هنا ، إذ المعنى لاتدخلوا في الفتنة فإن من يدخل فيها تنزل به عقوبة عامة.
والثالث أنه جواب الامر ، وأكد بالنون مبالغة ، وهو ضعيف لان جواب الشرط متردد فلا يليق به التوكيد ، وقرئ في الشاذ ( لتصيبن ) بغير ألف.
قال ابن جنى : الاشبه أن تكون الالف محذوفة كما حذفت في أم والله.
وقيل في قراءة الجماعة : إن الجملة صفة لفتنة ، ودخلت النون على المنفى في غير القسم على الشذوذ.
تدوين القرآن
_ 6 _
وقد رد عليه لطف الله الصافي في ( مع الخطيب في خطوطه العريضة ) من ص 48 الى ص 82 بحماس وشدة وأنكر اعتقاد الشيعة تحريف القرآن وتغييره إنكاراً لا يستند الى دليل وبرهان .
فأولاً : ما استطاع الشيخ الشيعي ( لطف الله الصافي ) أن ينكر ما ذكره الخطيب من نصوص الشيعة الدالة على التحريف والتغيير في القرآن ، كما لم يستطع إنكار كتاب الحاج ميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي ومرتبته وشأنه عند الشيعة ، بل قد اعترف بتضلعه في الحديث وعلو مقامه عندهم .
ثانياً : ذكر الصافي نفسه بعض العبارات التي هي بمنزلة الإعتراف باعتقاد الشيعة بالتحريف في الكتاب المبين .
ثالثاً : التجأ الشيخ الشيعي أخيراً الى أنه لاينبغي أن يثار مثل هذا الموضوع لأنه يعطي سلاحاً في أيدي المستشرقين للرد على المسلمين بأن القرآن الذي يدعونه محفوظاً مصوناً قد وقع فيه الخلاف أيضاً مثل التوراة والإنجيل .
فقوله هذا ، ليس إلا إقراراً واعترافاً بالجريمة ، وإلا فالمسألة واضحة كما سيجئ مفصلاً إن شاء الله .
رابعاً : إن الصافي لم يورد في مبحثه حول القرآن رواية من الإثني عشر ـ المعصومين عندهم ـ تدل وتنص على اعتقادهم بعدم التحريف في القرآن ، بخلاف الخطيب فإنه ذكر روايتين عن الإثنين منهم تصرح بأن القرآن وقع فيه التغيير والتحريف ، وها نحن ذاكرون عديداً من الأحاديث والروايات من كتبكم أنتم أيها الصافي التي لا تقبل الشك في أن الشيعة اعتقادهم في القرآن هو كما ذكره الخطيب رحمه الله ولا تنكرونه إلا تقية وخداعاً للمسلمين .
ثم قال إحسان ظهير في صفحة 69 : مَنِ المجرم أيها السادة العلماء والفضلاء ؟ ومن صاحب الجريمة ؟
تدوين القرآن
_ 4 _
الذي يرتكب الجريمة ويكتسب العار ، أم الذي يدل على الجريمة المرتكبة ، وعلى الفضيحة المكتسبة ؟ والرواية ليست واحدة وثنتين بل هناك روايات وأحاديث عن الشيعة تدل وتخبر بأن القرآن عندهم غير محفوظ من التغيير والتبديل ، وليس هذا القرآن الموجود قرآن الشيعة ، بل هذا القرآن عندهم مختلق بعضه ومحرف بعضه ، فانظر ما يرويه الشيعة عن أبي جعفر فيقول صاحب بصائر الدرجات ( حدثنا علي بن محمد عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود عن يحيى بن أديم عن شريك عن جابر قال قال أبو جعفر : دعا رسول الله أصحابه بمنى فقال : يا أيها الناس إني تارك فيكم حرمات الله ، كتاب الله وعترتي ، والكعبة البيت الحرام ، ثم قال أبو جعفر : أما كتاب الله فحرفوا ، وأما الكعبة فهدموا ، وأما العترة فقتلوا ، وكل ودايع الله فقد تبروا ) .
ثم قال إحسان ظهير في صفحة 73 : ( ويؤيد هذه الرواية ذلك الحديث الشيعي المشهور الذي رواه محمد بن يعقوب الكليني عن جابر الجعفي قال : سمعت أبا جعفر (ع) يقول : ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذاب ، وما جمعه وحفظه كما أنزل إلا علي بن أبي طالب والأئمة بعده ) الكافي في الأصول ـ كتاب الحجة ، باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة ـ ج 1 ص 228 ـ ط طهران .
ثم قال في صفحة 117 : وأما القول بأن مثل هذه الروايات توجد عند السنة فليس إلا كذباً وإفتراءً ، فالحق أنه لا يوجد في كتب أهل السنة المعتمد عليها رواية واحدة صحيحة تدل على أن القرآن الذي تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاته نقص منه أو زيد عليه ، بل صرح أهل العلم من المسلمين بأن من يعتقد مثل هذا فقد خرج عن الملة الحنيفية البيضاء ، كما أنهم نصوا على أن الشيعة هم القائلون هذا القول الخبيث .
تدوين القرآن
_ 5 _
فهذا الإمام ابن حزم الظاهري يقول في كتابه العظيم ( الفصل في الملل والنحل ) ما نصه ( ومن قول الإمامية كلها قديماً وحديثاً أن القرآن مبدل زيد فيه ما ليس منه ونقص منه كثير وبدل منه كثير ) .
وقال أيضاً رداً على قول الشيعة إن القرآن محرف ومغير فيه ( وأعلموا أنه لو رام اليوم أحد أن يزيد في شعر النابغة أو شعر زهير كلمة أو ينقص أخرى ما قدر لأنه كان يفتضح في الوقت ، وتخالفه النسخ المثبتة ، فكيف القرآن في المصاحف وهي من آخر الأندلس ، وبلاد البربر ، وبلاد السودان الى آخر السند ، وكابل ، وخراسان ، والترك ، والصقالبة ، وبلاد الهند فما بين ذلك ـ فظهر حمق الرافضة ) .
وقال الأصولي الشافعي المعروف ( الأول في الكتاب ، أي القرآن وهو ما نقل إلينا بين دفتي المصاحف تواتراً ) .
وقال الأصولي الحنفي ( أما الكتاب فالقرآن المنزل على الرسول (ع) ، المكتوب في المصاحف ، المنقول عنه نقلاً متواتراً بلا شبهة ) .
وقال الآمدي ( وأما حقيقة الكتاب هو ما نقل إلينا بين دفتي المصاحف نقلاً متواتراً ) .
تدوين القرآن
_ 6 _
وقال السيوطي بعد ما ذكر الأقوال بأن القرآن جمعه وترتيبه ليس إلا توقيفياً ، قال ( قال القاضي أبوبكر في الإنتصار : الذي نذهب إليه أن جميع القرآن أنزله الله وأمر بإثبات رسمه ، ولم ينسخه ولا رفع تلاوته بعد نزوله ، هو هذا الذي بين الدفتين ، الذي حواه مصحف عثمان ، وإنه لم ينقص منه شئ ولا زيد فيه ) .
وقال البغوي في شرح السنة ( إن الصحابة رضي الله عنهم جمعوا بين الدفتين ، القرآن الذي أنزله الله على رسوله من غير أن زادوا أو نقصوا منه شيئاً ) .
وقال الخازن في مقدمته تفسيره ( وثبت بالدليل الصحيح أن الصحابة إنما جمعوا القرآن بين الدفتين كما أنزله الله عزوجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من غير أن زادوا فيه أو نقصوا منه شيئاً ... فكتبوه كما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير أن قدموا أو أخروا شيئاً ، أو وضعوا له ترتيباً لم يأخذوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فإن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على النحو الذي هو في مصاحفنا الآن ) .
هذا وقد بوب الإمام البخاري باباً في صحيحه بعنوان ( باب من قال لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما بين الدفتين ) ثم ذكر تحت ذلك حديثاً : إن ابن عباس قال في جواب من سأل : أترك النبي صلى الله عليه وسلم من شئ ؟ قال : ما ترك إلا ما بين الدفتين ، وهكذا قاله محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية ) .
فهذا ما رواه بخارينا ، وذاك ما رواه بخاريهم ، وهذا ما قاله أئمة أهل السنة ، وذلك ما قاله أئمتهم .
وهناك نصوص أخرى في هذا المعنى ، فيقول الإمام الزركشي في كتاب ( البرهان ) بعد ذكر قول القاضي في ( الإنتصار ) وذلك دليل على صحة نقل القرآن وحفظه وصيانته من
التغيير ، ونقض مطاعن الرافضة فيه من دعوى الزيادة والنقص ، كيف وقد قال تعالى إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون وقوله إن علينا جمعه وقرآنه وأجمعت الأمة أن المراد
بذلك حفظه على المكلفين للعمل ) ، انتهى محل الحاجه من كلامه .
تدوين القرآن
_ 7 _
الهدف من تحويل المسألة النظرية الى مسألة عملية
ما هو الهدف من هذه العشرات من الكتب والمنشورات التي كتبها بعض الكتاب من قلوب تفيض ببغض الشيعة ، وقام آخرون بطباعتها وتوزيعها ونشرها في أنحاء العالم ... ومن أبرزها كتب هذا المؤلف الهندي التي يوزعونها مجاناً خاصة على الحجاج في موسم الحج ، ويبيعونها في المكتبات بثمن بخس ... ومعها أشرطة مسجلة تكفر الشيعة وتخرجهم من
الإسلام ! إن الطبعة التي نقلنا منها فقرات التهمة للشيعة هي الطبعة الثلاثون من كتاب يتهمنا بالكفر وعدم الإعتقاد بالقرآن ، وقد طبعت في لاهور ـ باكستان ، وذكر فيها عناوين ثلاث عشرة مكتبة للتوزيع في السعودية ! هل أن السبب في تبني خصوم الشيعة لهذا ( الباحث ) وكتبه أكثر من غيره ، أنه أفتى بكفر الشيعة وهَدْرِ دمائهم وإباحة أعراضهم ، وأسس مع أشكاله منظمة إرهابية في باكستان لقتل الشيعة باسم ( ميليشيا الصحابة ) تخصصت بمهاجمة مساجد الشيعة ، وقتلت أكبر عدد ممكن منهم في حال صلاتهم في مساجدهم ! أو في حال إقامتهم مجالس التعزية في حسينياتهم في ذكرى شهادة الإمام الحسين (ع) !
أم السبب أنهم وجدوا أن كتب هذا المؤلف هي أقوى ما كتب ضد الشيعة بأسلوب ( علمي ) فأحبوا أن يطلع الناس على حقيقة الشيعة من قلم هذا المؤلف القدير ونتاجه الموضوعي
؟! وآخر ما قرأت في هذه التهمة ما توصل إليه ( دكتور ) وهابي ادعى أن الشيعة في مسألة تحريف القرآن قسمان : قسم يعتقد بتحريف القرآن ونقصه ، وهم عدد من علمائهم القدماء
والمتأخرين ، وهؤلاء تنطبق عليهم فتاوي إحسان ظهير وأمثاله ، وقسم يوافق السنة على الإعتقاد بعدم تحريف القرآن ، وهم عدد من علمائهم القدماء والمتأخرين ، وهؤلاء لا يصح
تكفيرهم من هذه الجهة ، وإن صح تكفيرهم لمغالاتهم في أهل البيت وما يوجبه ذلك من شرك وخروج عن الإسلام !!
تدوين القرآن
_ 8 _
ماذا يمكن أن يكون هدف هؤلاء الكتاب ، وأولئك الناشرين ؟ وهل كتب علينا نحن الشيعة أن ندفع دائماً الثمن ، وتتوالى علينا سهام الإفتراءات والتهم ؟ وأن يكون جواب دعوتنا الى الوحدة مع إخواننا السنة في لمقابلة موجة العداء العالمية للإسلام ، أن نفاجأ بتحالف النواصب والأجانب ، ثم يقال لنا : اعترفوا بالكفر والخروج عن الدين ، أو تبرؤوا من أهل بيت النبي الطاهرين ، الذين أوصى بهم النبي (ص) الى جنب القرآن !!
تحرير المسألة يقول علماء أصول الفقه : لا بد قبل البحث في المسألة من تحرير محل النزاع فيها ... وهو كلام علمي تماماً ، لأن خلط الموضوعات يوجب خلط الأحكام ، فلا بد من إعراب المسألة الخلافية وفك الإرتباط بين مفرداتها قبل طرحها للبحث ... هذه هي المشكلة الأولى في مسألتنا ... والمشكلة الثانية ... هي التهويل والكلام الفارغ عن المحتوى ... فإذا استطعنا في هذه الدراسة أن نبتعد عن هاتين المشكلتين ، نكون توفقنا بعون الله تعالى الى تقديم بحث علمي نافع للمسلمين حول القرآن الكريم ، الركن الأهم والثقل الأكبر في الإسلام ، والى نفي تلك التهمة الكاذبة عن مذهب أهل بيت النبي (ع) الذين أوصى بهم النبي (ص) جنباً الى جنب القرآن .
إن البحث في موضوع مقدس كالقرآن ، وفي مسألة قرآنية خطيرة كمسألتنا ... يوجب على الباحث الذي يحترم نفسه وقلمه ، أن يراعي الأصول التالية :
أولاً: معرفة نوع المسألة ، وهل هي مسألة علمية محضة أم مسألة عملية ؟ هل المشكلة أنه توجد في مصادر المسلمين وبطون الكتب روايات تتنافى مع صيانة القرآن وسلامته ؟ أم المشكلة أن أناساً منهم يعتقدون بتحريف القرآن ، لكي نثبت لهم سلامته وندعوهم الى الإيمان به ؟
ثانياً : العدالة في النظر الى الروايات الواردة في مصادر الشيعة والسنة معاً ، أما أن يرى الكاتب الروايات التي في مصادر الشيعة ويغمض عينيه عما في مصادر السنة ، كما فعل الكتَّاب الجُدُد الذين وجهوا التهمة الى الشيعة في عصرنا ... فهذا عَمَلٌ لا ينسجم مع العدالة والموضوعية .
ثالثاً : التتبع الواسع للروايات وتحري الدقة في نقلها وتحليلها والإستنتاج منها .
تدوين القرآن
_ 9 _
وإذا راعينا هذه الأصول في مسألتنا ، نجد أن واقعها ليس أكثر من وجود روايات في مصادر الشيعة تقول بنقص القرآن ... وفي مقابلها توجد روايات في مصادر السنة تقول بنقص القرآن ، وروايات أخرى تقول بزيادته ، وروايات أخرى تجوِّز التصرف في نص القرآن.
وإذا نظرنا الى واقع المسلمين الشيعة والسنة نجدهم مجمعين والحمد لله على صحة نسخة القرآن الموجودة في طول بلاد الشيعة وعرضها ، وطول بلاد السنة وعرضها ، لا يعرفون قرآناً غيرها .
فكيف يصح لكاتب والحال هذه أن يصدر حكمه ويقول : إن الطائفة الفلانية يعتقدون بالأمر الفلاني أو لا يعتقدون به ، فإن كلمة ( يعتقدون ) تعني أن ذلك الأمر موجود في مصادرهم ويقبله علماؤهم ويعتقدون به ويُدَرِّسُونه لعوامهم ، فهو من عقائدهم المعاشة في مجتمعاتهم ، كعقيدة الإمامة ، وانتظار الإمام المهدي (ع) ، عند الشيعة .
إن الفرق كبير بين وجودمطلب في مصادرطائفة من المسلمين ، وبين أن يكون مقبولاً عند بعض علمائها أو كلهم ... وحتى لو كان مقبولاً عند بعض العلماء فلا يعني ذلك أنه صار من عقائد طائفتهم ، إلا إذا كان أولئك العلماء باعتراف الطائفة ممثلين لمذهبها .
فطبيعة المشكلة إذن نظرية محضة لا عملية ، لأن العلماء المعاصرين من السنة والشيعة لا يأخذون بهذه الروايات ، بل يردونها أو يؤولونها ... فلا معنى لإصرار الكاتب على تحويلها إلىمشكلة عملية إلا أنه صاحب جدلٍ وهدف غير نزيه ... وهذا ما ارتكبته الكتابات التي اتهمت الشيعة بأنهم لايؤمنون بالقرآن !
فلو عكسنا القضية وقلنا إن السنة يعتقدون بتحريف القرآن ، لأن روايات التحريف موجودة في مصادرهم ، فهل يقبل ذلك منا أمثال هذا الكاتب ؟!
وإذا استخرجنا له روايات التحريف من مصادرهم وَقَبِلَهَا منا بسبب ضعفه أو جهله ، فهل نكون موضوعيين في حكمنا على السنة بأنهم يعتقدون بتحريف القرآن ؟ كلا ، إن غاية ما نستطيع قوله : إنه توجد في مصادرهم روايات تدل على تحريف القرآن ، ولا ندري موقف علمائهم المعاصرين منها ، فقد يقبلونها وقد لا يقبلونها ... ثم إذا قبلوها وأولوها بتأويلات لا تتنافى باعتقادهم مع صيانة القرآن ، فهل يصح التهريج عليهم بأنكم اعتقدتم بتحريف القرآن وخرجتم بذلك عن الإسلام ... الى آخر الأحكام التي أصدرها على الشيعة خصومهم ؟!
تدوين القرآن
_ 10 _
مثلاً ، يعتقد الشيعة بأن القرآن نزل من عند الواحد ، على حرف واحد ، على نبي واحد ... على حد تعبير أئمتنا من أهل بيت النبي (ص) ، ويعتقد إخواننا السنة أنه نزل على سبعة أحرف ، يعني بسبعة أشكال ، والأشكال السبعة كلها قرآنٌ منزل ، أو نزل بأحرف على عدد لغات العرب ... وكلها قرآنٌ منزل ! وعندما تسألهم : هل القرآن واحد أو متعدد ؟ يجيبون : هو واحد .
تسألهم : كيف قلتم إنه نزل سبعة ؟!
يقولون : نعم ، هو واحد ، ولكن سبعة !
فهل يصح أن نُهَوِّل عليهم ونقول إنكم لا تعتقدون بالقرآن الواحد ، وتعتقدون بأنه سبعة قرائين ؟ كلا ، إنها شبهة عرضت لهم بسبب تبني الخليفة عمر لهذا الرأي وتفسيره الأحرف السبعة التي وردت في حديث النبي (ص) بأن معاني القرآن سبعة أقسام ، ففسرها الخليفة عمر بألفاظ القرآن وأنه نزل من عند الله تعالى سبعة أشكال ، ويجوز للمسلم أن يقرأه بأي شكل منها ... فوقعوا في مشكلة أن الواحد سبعة والسبعة واحد ! إن مسألة القرآن أكثر دقة وتفصيلات ، وعلى الباحثين في العقائد أن يلتفتوا جيداً إلى أنه لا يصح التبسيط في الأمر المركب ، ولا الحكم على صوره وحالاته بالجملة ، بل يجب تشخيص الحالة بدقة ، ثم إصدار الحكم على قدرها .
تدوين القرآن
_ 11 _
ومثال آخر أكثر وضوحاً : هل يقبل هؤلاء الكتاب الذين أصدروا حكمهم علىالشيعة بأنهم يعتقدون بتحريف القرآن ، أن يؤلف باحث شيعي كتاباً يقول فيه إن السنيين يؤمنون بنبوة عمر بن الخطاب ولا يؤمنون بنبوة نبينا محمد (ص) ؟! ثم يسوق لذلك روايات من صحاحهم المعتمدة تذكر أن النبي كان يرى رأياً وعمر يرى رأياً ، ثم ينزل القرآن مخطئاً رأي النبي ومؤيداً رأي عمر ! أو أن النبي كان يخطئ الخطأ الفاحش فيستنكر ذلك عمر وينهاه عنه ، فيتدارك النبي أخطاءه ويصحح مواقفه بتسديد عمر ! ثم يسرد لذلك مجموعة شواهد ... مثل مسألة أسرى بدر ، ومسألة حجاب نساء النبي ، ومسألة أمر النبي المزعوم للمسلمين أن يذبحوا جمالهم في مؤتة ، ومسألة أمر النبي المزعوم بقطع نخيل خيبر وكروم الطائف فنهاه عمر ... الخ ! حتى أن بعض محبي الخليفة ألفوا كتباً ونظموا قصائد في موافقات الله تعالى لعمر ، يعنون بذلك نزول القرآن أو الوحي بتخطئة رأي النبي (ص) وتأييد رأي عمر !! والأعظم من ذلك أنه عندما تقع مواجهة بين عمر والنبي (ص) كما حدث في طلب النبي من الحاضرين في مرض وفاته أن يأتوه بدواة وقرطاس ليكتب لهم وصيته لتأمينهم مدى الأجيال من الضلال ، فعارض ذلك عمر وأيده أكثر الحاضرين حتى غلبوا النبي ومنعوه من كتابة وصيته !! وإلى يومنا هذا يقف إخواننا السنة الى جانب عمر ويبررون عمله ، ولعلهم يخطئون النبي كيف طلب الورق والدواة لكتابة وصيته ، وأراد أن يؤمن أمته من الضلال !! هل يصح أن نجعل من ذلك مشكلة عملية مع إخواننا السنيين وندعوهم الى الإيمان بنبوة نبينا محمد (ص) ، وترك القول بنبوة عمر ؟! وإذا قال لنا علماء السنة : إنا نشهد أن لا إله الا الله وأن محمداً رسول الله، ولا نقول بنبوة عمر ، بل نرى أن عمر فرد من المسلمين ، يجب عليه أن يكون مطيعاً للنبي إطاعة كاملة !
فهل يصح منا أن نصر عليهم ونقول لهم : كلا لا نقبل منكم ؟! تلك هي مشكلتنا مع هؤلاء الباحثين الجدد الذين رفعوا في هذه السنوات راية عدم إيمان الشيعة بالقرآن ، بسبب أنه توجد في مصادرهم روايات تقول بحذف آيات منه نزلت في حق أهل البيت (ع) !
تدوين القرآن
_ 12 _
معنى القول بتحريف القرآن
يطلق هذا التعبير على ادعاء التحريف اللفظي أو التحريف المعنوي ، أو كليهما .
وأهم أقسام التحريف اللفظي :
1 ـ القول بوجود نقص في القرآن ، أي كلمات أو آيات أو سور أنزلها الله تعالى ، وكانت جزء منه ، ثم ضاعت أو حذفت منه لسبب وآخر .
2 ـ القول بوجود زيادة في القرآن ، أي كلمات أو آيات أو سور لم ينزلها الله تعالى، ثم أضيفت الى القرآن لسبب وآخر .
3 ـ القول بوجود الزيادة والنقصان معاً في القرآن .
4 ـ القول بأن القرآن نزل من عند الله تعالى بأكثر من نص ، ولم ينزل بنص واحد ، بل نزل بالقراءات السبع أو العشر ، أو بكل لغات العرب ... فهي جميعاً قرآن منزل من عند الله تعالى ، لأنها مروية عن النبي (ص) ، أو مجازة منه ، أو من صحابته .
5 ـ القول بأن القرآن نزل من عند الله تعالى بالمعنى لا بالألفاظ ! وأن نصه مفتوح للقراءة بأي صيغة ، فيجوز قراءته بالمعنى بشرط أن يكون بألفاظ عربية وأن لا يغير القارئ معانيه الأساسية كأن يجعل العذاب مغفرة والمغفرة عذاباً !
6 ـ القول بأن القرآن الذي أنزله الله تعالى على رسوله محمد (ص) كتاب آخر غير هذا الموجود بأيدي المسلمين ، وإنكار هذا القرآن الموجود والعياذ بالله!
وأهم أقسام التحريف المعنوي :
1 ـ تأويل القرآن تبعاً للهوى والأغراض الدنيوية ، وهو التأويل الذي أخبر النبي (ص) أنه سيقع في أمته ، فقد روى السنة والشيعة روايات صحيحة أن النبي أخبربأن علياً سوف يقاتل قريشاً على تأويل القرآن ، كما قاتلهم النبي على تنزيله .
كما في الترمذي ج 5 ص 298 وصححه ، والحاكم ج 3 ص 122 وج 4 ص 298 وصححهما على شرط الشيخين ، وأحمد ج 3 ص 82 وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج 9 ص 133 ( رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة ) .
2 ـ تفسير القرآن خارج الضوابط التي عينها النبي (ص) ، وهي ضوابط في المفسر وفي منهج التفسير ، وقد ثبت بحديث إني تارك فيكم الثقلين أن النبي (ص) عَيَّنَ عترته مفسرين شرعيين للقرآن ، فلا يجوز تجاوز تفسيرهم ، كما ثبت تحريم تفسير القرآن بالظنون والترجيحات والإحتمالات .
فالتفسير غير الشرعي إن كان عن هوى دنيوي دخل في التأويل ، وإلا فهو منهج خاطئ في تفسير كتاب الله تعالى ، وفي كلا الحالتين يصح أن يسمى تحريفاً لمعانيه .
أما التأويل الصحيح فليس تحريفاً ولا تأويلاً مذموماً ، بل هو علم الكتاب المخصوص بأهله الراسخين في العلم ، الذين آتاهم الله تعالى الكتاب والحكمة وعلمهم تأويل الأحاديث ، وهم عندنا عترة النبي (ص) الذين نص عليهم . واختلف إخواننا السنة في تحديد الراسخين في العلم الذين عندهم علم الكتاب ، فادعاه بعضهم لبعض الصحابة ، ونفى بعضهم وجودهم في الأمة ، حتى أنه لما رأى أن قوله تعالى قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب لا يمكن تفسيرها بغير علي ، حَرَّف الآية وقرأ ( مَنْ ) فيها بالكسر ، فقال ( ومِنْ عِنْدِهِ عِلم الكتاب ) ليكون المعنى: وعند الله علم الكتاب !
تدوين القرآن
_ 13 _
معنى المصادر المعتمدة
يختلف معنى المصادر المعتمدة في الحديث والتفسير والتاريخ والفقه عندنا عن معناه عند إخواننا السنة ، فروايات مصادرنا المعتمدة وفتاواها جميعاً قابلة للبحث العلمي والإجتهاد عندنا ... ولكل رواية في هذه المصادر أو رأي أو فتوى ، شخصيتها العلمية المستقلة ، ولابد أن تخضع للبحث العلمي .
أما إخواننا السنيون فيرون أن مصادرهم المعتمدة فوق البحث العلمي ، فصحيح البخاري عندهم كتاب معصوم ، كله صحيح من الجلد الى الجلد ، بل أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى ، ورواياته قطعة واحدة ، فإما أن تأخذها وتؤمن بها كلها ، أو تتركها كلها .
وبمجرد أن تحكم بضعف رواية واحدة من البخاري فإنك ضعفته كله ، وخرجت عن كونك سنياً ... وصرت مخالفاً للبخاري ، ولأهل السنة والجماعة ! وينتج عن هذا الفرق أن الباحث الشيعي يمكن أن يبحث جدياً في رواية من كتاب الكافي ، ويتوصل الى التوقف في سندها ، أو الى الإعتقاد بضعف سندها ، فلا يفتي بها ، ولا يضر ذلك في إيمانه وتشيعه ... بينما السني محروم من ذلك ، وإن فعل صدرت فيه فتاوى الخروج عن مذاهب أهل السنة والجماعة ، وقد يتهم بالرفض ومعاداة الصحابة ! وينتج عنه أن الباحث إذا وجد رواية في تحريف القرآن في البخاري فإن من حقه أن يلزم السني بأن الإعتقاد بتحريف القرآن جزء من مذهبه ! بينما إذا وجد رواية مثلها في الكافي لا يستطيع أن يلزم الشيعي بأنها جزء من مذهبه حتى يسأله : هل تعتقد بصحتها أم لا ؟ أو هل يعتقد مرجع تقليدك بصحتها أم لا ؟ فإن أجابه نعم ، ألزمه بها ، وإلا فلا .
الصيغة العلمية لـ ( التهمة )
صار بإمكاننا الآن أن نضع صيغة علمية للتهمة ، وذلك بأن نسأل هذا الكاتب وأمثاله :
ـ ماذا تقصد بقولك : إن الشيعة يعتقدون بتحريف القرآن فهم غير مسلمين ؟
ـ أقصد التحريف اللفظي طبعاً ، وليس المعنوي .
تدوين القرآن
_ 14 _
حسناً ، أي أقسام التحريف اللفظي تقصد ؟
ـ القول بنقص القرآن ، وأنه حذف منه آيات نزلت في مدح أهل البيت وذم مخالفيهم .
ـ إذن روايات التهمة كلها تدور حول أن نسخة القرآن الفعلية ناقصة ، فهل رأيت نصاً في مصادرنا يقول بزيادة سورة أو كلمة في القرآن الموجود ؟
ـ كلا ، لم أر نصاً يقول بذلك .
ـ الحمد لله على أنه لا توجد في مصادر الشيعة روايات تدعي الزيادة في القرآن ، فالقرآن الموجود محل اتفاق ، والروايات التي هي محل الكلام تدعي وجود إضافة لما هو موجود ، هذا هو تحديد التهمة .
وإن من أبسط أصول العدالة إذا وجه إليك أخوك تهمة ما ، أن تقول له : أنظر أيها الأخ الى نفسك ... فإن رأيت نفس التهمة موجودة فيك ، فكن أنت الحكم ، وأصدر الحكم عليَّ بما تصدره على نفسك !!
لذا نرجو أن يسمح لنا إخواننا السنة بأن نسجل تهمة أخرى لمصادرهم بأنها يوجد فيها روايات كثيرة في تحريف القرآن ، أكثر وأخطر من التي عندنا ، ففيها روايات تدعي نقص القرآن وتقول إن القرآن الموجود لا يبلغ ثلث القرآن المنزل ... وروايات تقول بوجود سور وآيات زيدت على القرآن ... وروايات أخرى تقول بأن ما نزل من عند الله تعالى ليس قرآناً واحداً بل هو قرائين متعددة بعدد لهجات قبائل العرب !
ثم تبلغ المصيبة أوجها عندما نجد في مصادرهم أحاديث ( موثقة ) تحرر المسلمين من النص القرآني وتُجَوِّز قراءته بالمعنى ... وتدعي أن كل قراءة له تكون قرآناً منزلاً من عند الله تعالى !!
ومع كل هذا ... فنحن نوجه التهمة الى تلك المصادر وأصحاب تلك الروايات ، ولا نصدر الحكم على إخواننا السنة بأنهم يعتقدون بتحريف القرآن ، ولا نكفر ملايين المسلمين لأنهم لا بد أنهم يعتقدون بتلك الروايات!
كنا نأمل أن تتوقف موجة التهمة لنا بأنا لا نعتقد بالقرآن ، أو أن يقف بعض إخواننا علماء السنة فيجيبوا أصحاب هذه التهمة ، ويأخذوا على يد السفهاء الذين يرفعونها شعاراً ضد الشيعة ... ولكنا لم نر شيئاً من ذلك مع الأسف ... فكان لابد أن نستخرج نماذج من روايات مصادر إخواننا في هذه الصفحات ، راجين أن يعالجوها معالجة علمية كما نعالج الروايات التي في مصادرنا ، وأن ينتهي هذا التنابز والتهريج بأن الشيعة أو السنة لا يؤمنون بالقرآن ... حتى تتوجه جهودنا وجهودهم الى بحوث القرآن وتعريف المسلمين بجواهره وكنوزه ... ودعوة العالم الى هداه ... فذلك خير لنا عند الله وعند الناس .
تدوين القرآن
_ 15 _
الفصل الثاني : خلاصة ردود علماء الشيعة
صدرت عن علماء الشيعة ردود عديدة على تهمة القول بتحريف القرآن ، نذكر خلاصة أفكارها بما يلي :
1 ـ أن واقع الشيعة في العالم يكذب التهمة فالشيعة ليسوا طائفة قليلة تعيش في قرية نائية أو مجتمع مقفل ، حتى يخفى قرآنهم الذي يعتقدون به ويقرؤونه ، بل هم ملايين الناس وعشرات الملايين ، يعيشون في أكثر بلاد العالم الإسلامي ، وهذه بلادهم وبيوتهم ومساجدهم وحسينياتهم ومدارسهم وحوزاتهم العملية ، لا تجد فيها إلا نسخة هذا القرآن ... ولو كانوا لا يعتقدون به ويعتقدون بغيره دونه أو معه ، فلماذا يقرؤونه في بيوتهم ومراكزهم ومناسباتهم ولا يقرؤون غيره ؟ ولماذا يدرسونه ولا يدرسون غيره ؟!
2 ـ ومذهب التشيع مبني على التمسك بالقرآن والعترة قام مذهب التشيع لأهل بيت النبي (ص) على الإعتقاد بأن الله تعالى أمر نبيه (ص) بأن يوصي أمته بالتمسك بعده بالقرآن وعترة النبي ، لأنه اختارهم للإمامة وقيادة الأمة بعد نبيه ( ص) .
وحديث الثقلين حديث ثابت عند الشيعة والسنة ، فقد رواه أحمد في مسنده ج 3 ص 17 ( عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إني أوشك أن ادعى فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وعترتي ، كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض ، وعترتي أهل بيتي وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروني بم تخلفوني فيهما ؟! ) .
وقد بلغت مصادر هذا الحديث من الكثرة وتعدد الطرق عند الطرفين بحيث أن أحد علماء الهند ألف في أسانيده وطرقه كتاب ( عبقات الأنوار ) من عدة مجلدات .
وعندما يقوم مذهب طائفة على التمسك بوصية النبي بالثقلين ، الثقل الأكبر القرآن والثقل الأصغر أهل بيت نبيهم ... فكيف يصح اتهامهم بأنهم لايؤمنون بأحد ركني مذهبهم ؟!
إن مثل القرآن والعترة ـ الذين هم المفسرون للقرآن والمبلغون للسنة ـ في مذهبنا ، كمثل الأوكسجين والهيدروجين ، فبدون أحدهما لا يتحقق وجود مذهب التشيع ...
ولم تقتصر تأكيدات النبي (ص) على التمسك بعترته على حديث الثقلين ، بل كانت متكررة وممتدة طوال حياته الشريفة ، وكان أولها مبكراً في مرحلة دعوة عشيرته الأقربين ـ التي
يقفز عنها كتاب السيرة في عصرنا ويسمونها مرحلة دار الأرقم ـ يوم نزل قوله تعالى وأنذر عشيرتك الأقربين فجمع بني عبد المطلب ودعاهم الى الإسلام ، وأعلن لهم أن علياً وزيره وخليفته من بعده !
تدوين القرآن
_ 16 _
قال السيد شرف الدين في المراجعات ص 187 ( ... فدعاهم الى دار عمه أبي طالب وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه ، وفيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب ، والحديث في ذلك من صحاح السنن المأثورة ، وفي آخره قال رسول الله (ص) يا بني عبدالمطلب إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به ، جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فأيكم يؤازرني على أمري هذا على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟ فأحجم القوم عنها غير علي ـ وكان أصغرهم ـ إذ قام فقال : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه ، فأخذ رسول الله برقبته وقال : إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا ، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع ! ) انتهى .
وتواصلت تأكيدات النبي (ص) بعد حديث الدار في مناسبات عديدة ، كان منها حديث الثقلين ، وكان منها تحديد من هم أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس ... ثم كان أوجها أن أخذ البيعة من المسلمين لعلي في حجة الوداع في مكان يدعى غدير خم ... وقد روت ذلك مصادر الفريقين أيضاً ، وألف أحد علماء الشيعة كتاب ( الغدير ) من عدة مجلدات في جمع أسانيده وما يتعلق به .
3 ـ والشيعة عندهم قاعدة عرض الأحاديث على القرآن من مباحث أصول الفقه عند الشيعة والسنة : مسألة تعارض الأحاديث مع القرآن ، وتعارض الأحاديث فيما بينها ... وفي كلتا المسألتين يتشدد الشيعة في ترجيح القرآن أكثر من إخوانهم السنة ، فعلماء السنة مثلاً يجوزون نسخ آيات القرآن بالحديث حتى لو رواه صحابي واحد ... ولذلك صححوا موقف الخليفة أبي بكر السلبي من فاطمة الزهراء (ع) ، حيث صادر منها ( فدك ) التي نحلها إياها النبي (ص) وكانت بيدها في حياة أبيها ، ثم منعها إرثها من أبيها (ص) بدعوى أنه سمع النبي يقول ( نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث ) يقصد أن ما تركه النبي يكون صدقة بيد الدولة ... واحتجت عليه فاطمة الزهراء (ع) بالقرآن وقالت له كما روى النعماني المغربي في شرح الأخبار ج 3 ص 36 : يابن أبي قحافة أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي ... ؟! لقد جئت شيئاً فَرِيَّا ، فقال علماء السنة إن عمل أبي بكر صحيح ، وآيات الإرث في القرآن منسوخة بالرواية التي رواها أبو بكر وحده ، ولم يروها غيره !
تدوين القرآن
_ 17 _
أما إذا تعارض الحديثان فقد وضع العلماء لذلك موازين لترجيح أحدهما على الآخر ، ومن أولها عند الفريقين ترجيح الحديث الموافق لكتاب الله تعالى وترك الحديث المخالف ... إلخ .
وزاد علماء الشيعة على ذلك أنه بقطع النظر عن وجود التعارض بين الأحاديث أو عدم وجوده ، فإنه يجب عرض كل حديث على كتاب الله تعالى ، والأخذ بما وافقه إن استكمل بقية شروط القبول الأخرى ، ورد ما خالفه وإن استجمع شروط القبول الأخرى ، ورووا في ذلك روايات صحيحة عن النبي وآله (ص) ... ففي الكافي ج 1 ص 69 ( عن أبي عبدالله (ع) قال : قال رسول الله (ص) : إن على كل حق حقيقة ، وعلى كل صواب نوراً ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه .
... عن أبي عبدالله (ع) قال : خطب النبي (ص) بمنى فقال : أيها الناس ما جاء كم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وما جاء كم يخالف كتاب الله فلم أقله.
... عن عبدالله بن أبي يعفور ، قال : سألت أبا عبدالله (ع) عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لانثق به ؟ قال إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله (ص) ، وإلا فالذي جاء كم به أولى به .
... عن أيوب بن الحر قال : سمعت أبا عبدالله (ع) يقول : كل شئ مردود الى الكتاب والسنة ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف ) .
وفي تهذيب الأحكام للطوسي ج 7 ص 275 ( ... فهذان الخبران قد وردا شاذين مخالفين لظاهر كتاب الله ، وكل حديث ورد هذا المورد فإنه لا يجوز العمل عليه ، لأنه روي عن النبي (ص) وعن الأئمة (ع) أنهم قالوا إذا جاءكم منا حديث فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالفه فاطرحوه أو ردوه علينا ، وهذان الخبران مخالفان على ما ترى ... ) انتهى .
فكيف يتهم الشيعة بعدم الإعتقاد بالقرآن ، والقرآن هو المقياس الأول في مذهبهم ، وهم يخوضون معركة فكرية مع إخوانهم السنة ويكافحون من أجل تحكيم نصوص القرآن ، وقد اشتهرت عنهم إشكالاتهم على اجتهادات الخلفاء في مقابل نص القرآن والسنة ، ومازال علماء السنة الى عصرنا يسعون للإجابة على هذه الإشكالات !
4 ـ وتاريخ الشيعة وثقافتهم مبنيان على القرآن والشيعة ليسوا طائفة مستحدثة ، بل جذورهم ضاربة الى زمن النبي (ص) ، حيث كان عدد من الصحابة يلتفون حول علي (ع) ، فشجعهم النبي على ذلك ، ومدحهم وأبلغهم مدح الله تعالى لهم ، كما ترويه مصادر السنة والشيعة ... فقد روى السيوطي في الدر المنثور ج 6 ص 379 في تفسير قوله تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية فقال : ( وأخرج ابن عساكر عن جابر بن عبدالله قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل عليٌّ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ، ونزلت : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية . فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقبل عليٌّ قالوا : جاء خير البرية .
تدوين القرآن
_ 18 _
وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد مرفوعاً : عليٌّ خير البرية .
وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال لما نزلت : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين .
وأخرج ابن مردويه عن علي قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألم تسمع قول الله : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ، أنت وشيعتك .
وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب ، تدعون غراً محجلين ) انتهى .
فعليٌّ وشيعته كانوا وجوداً مميزاً في زمن النبي (ص) ، وهم الذين كانوا مشغولين مع علي بجنازة النبي ، عندما بادر الآخرون الى السقيفة ورتبوا بيعة أبي بكر ، فأدان علي وفاطمة وشيعتهم هذا التصرف، واتخذوا موقف المعارضة ... وعندما بويع علي بالخلافة كانوا معه في مواجهة الإنحراف وتنفيذ وصية النبي (ص) بالقتال على تأويل القرآن ... ثم كانوا مع أبنائه الأئمة من أهل البيت (ع) ... وعبر القرون كان الشيعة قطاعاً كبيراً حيوياً واسع الإمتداد في الأمة تمثل في مجتمعاتٍ ودولٍ ، وتاريخٍ معروفٍ مدون ... وثقافتهم ومؤلفاتهم كثيرة وغزيرة ، وقد كانت وما زالت في متناول الجميع ، ومحورها كلها القرآن والسنة ، ولا أثر فيها لوجود قرآن آخر !!
5 ـ وتفاسيرهم ومؤلفاتهم حول القرآن يمكن القول بأن عدد الشيعة عبر العصور المختلفة كان خُمْس عدد الأمة الإسلامية ، وبقية المذاهب السنية أربعة أخماس ... فالوضع الطبيعي أن تكون نسبة مؤلفاتهم في تفسير القرآن ومواضيعه الأخرى خمس مجموع مؤلفات إخوانهم السنة ... وإذا لاحظنا ظروف الإضطهاد التي عاشها الشيعة عبر القرون ، نكون منصفين إذا توقعنا من علمائهم عُشْر ما ألفه إخوانهم السنة حول القرآن بل نصف العشر ... بينما نجد أن مؤلفات الشيعة حول القرآن قد تزيد على الثلث!
وقد أحصت دارالقرآن الكريم في قم التي أسسها مرجع الشيعة الراحل السيد الكلبايكاني رحمه الله ، مؤلفات الشيعة في التفسير فقط في القرون المختلفة ، فزادت على خمسة آلاف مؤلف ... فكيف يصح أن نعمد الى طائفة أسهموا على مدى التاريخ الإسلامي أكثر من غيرهم في التأليف في تفسير القرآن وعلومه ... ونتهمهم بعدم الإيمان بالقرآن ، أو بأن عندهم قرآناً آخر !!
تدوين القرآن
_ 19 _
6 ـ وفقه الشيعة في احترام القرآن أكثر تشدداً توجد مجموعة أحكام شرعية عند الشيعة تتعلق بوجوب احترام نسخة القرآن الكريم وحرمة إهانتها ... فلا يجوز عندنا مس خط القرآن لغير المتطهر ، ولايجوز القيام بأي عمل يعتبر عرفاً إهانةً للقرآن ولو لم يقصد صاحبه الإهانة ، كأن يضع نسخة القرآن في مكان غير مناسب ، أو يرميها رمياً غير لائق ، أو ينام ونسخة المصحف في مكان مواجه لقدميه ، أو يضعها في متناول طفل يسئ الى قداستها ... الى آخر هذه الأحكام التي تشاهدها في كتب الفقه العملي الذي يعلم الناس الصلاة والوضوء والأحكام التي يحتاجها الشيعي في حياته اليومية ... فأي قرآن تقصد هذه الأحكام التي تعلمها نساء الشيعة لأطفالهن ... ؟ هل تقصد قرآن الشيعة المزعوم الذي لا يعرفه الشيعة ولا رأوه ؟!
7 ـ وفتاوى علماء الشيعة بعدم تحريف القرآن الذين يمثلون الشيعة في كل عصر هم علماؤهم ، فهم الخبراء بمذهب التشيع لأهل البيت (ع) ، الذين يميزون ما هو جزء منه وما هو خارج عنه ... وعندما نقول علماء الشيعة نعني بالدرجة الأولى مراجع التقليد الذين يرجع إليهم ملايين الشيعة ويقلدونهم ، ويأخذون منهم أحكام دينهم في كيفية صلاتهم وصومهم وحجهم ، وأحكام زواجهم وطلاقهم وإرثهم ، وأحكام معاملاتهم ... فهؤلاء الفقهاء ، الذين هم كبار المجتهدين في كل عصر ، يعتبر قولهم رأي الشيعة ، وعقيدتهم عقيدة الشيعة ، ويليهم في الإعتبار بقية العلماء ، فهم يعبرون عن رأي الشيعة نسبياً ... وتبقى الكلمة الفصل في تصويب آرائهم وأفكارهم لمراجع التقليد .
وقد صدرت فتاوى علماء الشيعة في عصرنا جواباً على تهمة الخصوم فأجمع مراجعهم على أن اتهام الشيعة بعدم الاعتقاد بالقرآن افتراء عليهم وبهتان عظيم ، وأن الشيعة يعتقدون بسلامة هذا القرآن وأنه القرآن المنزل على رسول الله (ص) دون زيادة أو نقيصة ... وهذه نماذج من فتاوى عدد من فقهاء الشيعة الماضين والحاضرين ننقلها ملخصة من كتاب ( البرهان على صيانة القرآن ) للسيد مرتضى الرضوي ص 239 فما بعدها : رأي الشيخ الصدوق : ( إعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله على نبيه محمد (ص) هو ما بين الدفتين ، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشرة سورة ، وعندنا أن الضحى وألم نشرح سورة واحدة ، ولإيلاف وألم تر كيف سورة واحدة ( يعني في الصلاة ) ومن نسب إلينا أنا نقول أكثر من ذلك فهو كاذب ).
تدوين القرآن
_ 20 _
رأي الشيخ المفيد : ( وأما الوجه المجوز فهو أن يزاد فيه الكلمة والكلمتان والحرف والحرفان ، وما أشبه ذلك مما لا يبلغ حد الإعجاز، ويكون ملتبساً عند أكثر الفصحاء بكلم القرآن ، غير أنه لابد متى وقع ذلك من أن يدل الله عليه ، ويوضح لعباده عن الحق فيه ، ولست أقطع على كون ذلك ، بل أميل الى عدمه وسلامة القرآن عنه ) .
رأي الشريف المرتضى : ( المحكي أن القرآن كان على عهد رسول الله (ص) مجموعاً مؤلفاً على ما هو عليه الآن ، فإن القرآن كان يحفظ ويدرس جميعه في ذلك الزمان ، حتى عين على جماعة من الصحابة في حفظهم له ، وأنه كان يعرض على النبي (ص) ويتلى عليه ، وأن جماعة من الصحابة مثل عبدالله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي (ص) عدة ختمات .
وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنه كان مجموعاً مرتباً غير منثور ، ولا مبثوث ) .
رأي الشيخ الطوسى : ( وأما الكلام في زيادته ونقصانه ، فمما لا يليق به أيضاً ، لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها ، والنقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا وهو الذي نصره المرتضى رحمه الله وهو الظاهر في الروايات ... ورواياتنا متناصرة بالحث على قراءته ، والتمسك بما فيه ، ورد ما يرد من اختلاف الأخبار في الفروع إليه .
وقد روي عن النبي (ص) رواية لا يدفعها أحد أنه قال إني مخلف فيكم الثقلين ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض وهذا يدل على أنه موجود في كل عصر ، لأنه لا يجوز أن يأمر بالتمسك بما لا نقدر على التمسك به ، كما أن أهل البيت(ع) ومن يجب اتباع قوله حاصلٌ في كل وقت ، وإذا كان الموجود بيننا مجمعاً على صحته ، فينبغي أن نتشاغل بتفسيره ، وبيان معانيه ، ونترك ما سواه ) .
رأي الشيخ الطبرسي : ( فإن العناية اشتدت ، والدواعي توفرت على نقله وحراسته ، وبلغت الى حد لم يبلغه فيما ذكرناه ، لأن القرآن معجزة النبوة ، ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية ، حتى عرفوا كل شئ اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيراً ، أو منقوصاً مع العناية الصادقة ، والضبط الشديد ) .
تدوين القرآن
_ 21 _
رأي الفيض الكاشاني : ( قال الله عزوجل وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وقال إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ، فكيف يتطرق إليه التحريف والتغيير ؟! وأيضاً قد استفاض عن النبي (ص) والأئمة (ع) حديث عرض الخبر المروي على كتاب الله ليعلم صحته بموافقته له ، وفساده بمخالفته ، فإذا كان القرآن الذي بأيدينا محرفاً فما فائدة العرض ، مع أن خبر التحريف مخالف لكتاب الله ، مكذب له ، فيجب رده ، والحكم بفساده ) .
رأي الشيخ جعفر الجناجي ( بجيمين ، كاشف الغطاء ) : ( لا زيادة فيه من سورة، ولا آية من بسملة وغيرها ، لا كلمة ولا حرف . وجميع ما بين الدفتين مما يتلى كلام الله تعالى بالضرورة من المذهب بل الدين، وإجماع المسلمين ، وأخبار النبي (ص) والأئمة الطاهرين (ع) ، وإن خالف بعض من لا يعتد به في دخول بعض ما رسم في اسم القرآن ... لا ريب في أنه محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديان كما دل عليه صريح القرآن ، وإجماع العلماء في جميع الأزمان ، ولا عبرة بالنادر ) .
رأي السيد محسن الأمين العاملي : ( ونقول : لا يقول أحد من الإمامية لا قديماً ولا حديثاً إن القرآن مزيد فيه ، قليل أو كثير ، فضلاً عن كلهم ، بل كلهم متفقون على عدم الزيادة ، ومن يعتد بقوله من محققيهم متفقون على أنه لم ينقص منه ) .
رأي الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء : ( وإن الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله للإعجاز والتحدي ، وتمييز الحلال من الحرام ، وأنه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة ، وعلى هذا إجماعهم ) .
تدوين القرآن
_ 22 _
رأي السيد شرف الدين العاملي : ( والقرآن الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، إنما هو ما بين الدفتين ، وهو ما في أيدي الناس لا يزيد حرفاً ولا ينقص حرفاً ، ولا تبديل فيه لكلمة بكلمة ولا لحرف بحرف ، وكل حرف من حروفه متواتر في كل جيل تواتراً قطعياً الى عهد الوحي والنبوة ، وكان مجموعاً على ذلك العهد الأقدس مؤلفاً على ما هو عليه الآن، وكان جبرائيل (ع) يعارض رسول الله (ص) بالقرآن في كل عام مرة ، وقد عارضه به عام وفاته مرتين ، والصحابة كانوا يعرضونه ويتلونه على النبي (ص) حتى ختموه عليه (ص) مراراً عديدة ، وهذا كله من الأمور المعلومة الضرورية لدى المحققين من علماء الإمامية .
نسب الى الشيعة القول بتحريف القرآن بإسقاط كلمات وآيات إلخ ، فأقول : نعوذ بالله من هذا القول ، ونبرأ الى الله تعالى من هذا الجهل ، وكل من نسب هذا الرأي إلينا جاهل بمذهبنا ، أو مفتر علينا ، فإن القرآن العظيم والذكر الحكيم متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته وسائر حروفه وحركاته وسكناته ، تواتراً قطعياً عن أئمة الهدى من أهل البيت (ع) ، لا يرتاب في ذلك إلا معتوه ، وأئمة أهل البيت كلهم أجمعون رفعوه الى جدهم رسول الله (ص) عن الله تعالى ، وهذا أيضاً مما لا ريب فيه ، وظواهر القرآن الحكيم ـ فضلاً عن نصوصه ـ أبلغ حجج الله تعالى ، وأقوى أدلة أهل الحق بحكم الضرورة الأولية من مذهب الإمامية ، وصحاحهم في ذلك متواترة من طريق العترة الطاهرة ، وبذلك تراهم يضربون بظواهر الصحاح المخالفة للقرآن عرض الجدار ، ولا يأبهون بها ، عملاً بأوامر أئمتهم (ع) ) .
رأي السيد البروجردي الطباطبائي : قال الشيخ لطف الله الصافي عن أستاذه آية الله السيد حسين البروجردي ( فإنه أفاد في بعض أبحاثه في الأصول كما كتبنا عنه ، بطلان القول بالتحريف ، وقداسة القرآن عن وقوع الزيادة فيه ، وأن الضرورة قائمة على خلافه ، وضعف أخبار النقيصة غاية الضعف سنداً ودلالة . وقال : وإن بعض هذه الروايات تشتمل على ما يخالف القطع والضرورة ، وما يخالف مصلحة النبوة ، وقال في آخر كلامه الشريف : ثم العجب كل العجب من قوم يزعمون أن الأخبار محفوظة في الألسن والكتب في مدة تزيد على ألف وثلاثمائة سنة ، وأنه لو حدث فيها نقص لظهر ، ومع ذلك يحتملون تطرق النقيصة الى القرآن المجيد ) .
تدوين القرآن
_ 23 _
رأي السيد محسن الحكيم الطباطبائي : ( وبعد ، فإن رأي كبار المحققين ، وعقيدة علماء الفريقين ، ونوع المسلمين من صدر الإسلام الى اليوم على أن القرآن بترتيب الآيات والسور والجمع كما هو المتداول بالأيدي ، لم يقل الكبار بتحريفه من قبل ، ولا من بعد ) .
رأي السيد محمد هادي الميلاني : ( الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ، أقول بضرس قاطع إن القرآن الكريم لم يقع فيه أي تحريف لابزيادة ولا بنقصان ، ولا بتغيير بعض الألفاظ ، وإن وردت بعض الروايات في التحريف المقصود منها تغيير المعنى بآراء وتوجيهات وتأويلات باطلة ، لا تغيير الألفاظ والعبارات ، وإذا اطلع أحد على رواية وظن بصدقها وقع في اشتباه وخطأ ، وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً ) .
رأي السيد محمد رضا الكلبايكاني : ( وقال الشيخ لطف الله الصافي دام ظله : ولنعم ما أفاده العلامة الفقيه والمرجع الديني السيد محمد رضا الكلبايكاني بعد التصريح بأن ما في الدفتين هو القرآن المجيد ، ذلك الكتاب لا ريب فيه ، والمجموع المرتب في عصر الرسالة بأمر الرسول (ص) ، بلا تحريف ولا تغيير ولا زيادة ولا نقصان ، وإقامة البرهان عليه : أن احتمال التغيير زيادة ونقيصة في القرآن كاحتمال تغيير المرسل به ، واحتمال كون القبلة غير الكعبة في غاية السقوط لا يقبله العقل ، وهو مستقل بامتناعه عادة ) .
رأي السيد محمد حسين الطباطبائي : ( فقد تبين مما فصلناه أن القرآن الذي أنزله الله على نبيه (ص) ووصفه بأنه ذكر محفوظ على ما أنزل ، مصون بصيانة إلهية عن الزيادة والنقيصة والتغيير كما وعد الله نبيه فيه .
وخلاصة الحجة أن القرآن أنزله الله على نبيه ووصفه في آيات كثيرة بأوصاف خاصة لو كان تغيير في شئ من هذه الأوصاف بزيادة أو نقيصة أو تغيير في لفظ أو ترتيب مؤثر ، فقد آثار تلك الصفة قطعاً ، لكنا نجد القرآن الذي بأيدينا واجداً لآثار تلك الصفات المعدودة على أتم ما يمكن وأحسن ما يكون ، فلم يقع فيه تحريف يسلبه شيئاً من صفاته ، فالذي بأيدينا منه هو القرآن المنزل على النبي(ص) بعينه ، فلو فرض سقوط شئ منه أو إعراب أو حرف أو ترتيب ، وجب أن يكون في أمر لا يؤثر في شئ من أوصافه كالإعجاز وارتفاع الإختلاف ، والهداية ، والنورية ، والذكرية ، والهيمنة على سائر الكتب السماوية ، الى غير ذلك ، وذلك كآية مكررة ساقطة ، أو اختلاف في نقطة أو إعراب ونحوها ) .
تدوين القرآن
_ 24 _
رأي السيد أبو القاسم الخوئي : ( ... إن حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال ، لا يقول به إلا من ضعف عقله أو من لم يتأمل في أطرافه حق التأمل ، أو من ألجأه إليه حب القول به ، والحب يعمي ويصم ، وأما العقل المنصف المتدبر فلا يشك في بطلانه وخرافته ) .
رأي الشيخ لطف الله الصافي : ( القرآن معجزة نبينا محمد (ص) وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، قد عجز الفصحاء عن الإتيان بمثله ، وبمثل سورةٍ أو آية منه ، وحير عقول البلغاء ، وفطاحل الأدباء ... وقد مر عليه أربعة عشر قرناً ، ولم يقدر في طول هذه القرون أحد من البلغاء أن يأتي بمثله ، ولن يقدر على ذلك أحد في القرون الآتية والأعصار المستقبلة ، ويظهر كل يوم صدق ما أخبر الله تعالى به فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ... هذا هو القرآن، وهو روح الأمة الإسلامية وحياتها ووجودها وقوامها ، ولولا القرآن لما كان لنا كيان ، هذا القرآن هو كل ما بين الدفتين ليس فيه شئ من كلام البشر وكل سورة من سوره وكل آية من آياته ، متواتر مقطوع به ولا ريب فيه ، دلت عليه الضرورة والعقل والنقل القطعي المتواتر ، هذا هو القرآن عند الشيعة الإمامية ، ليس الى القول فيه بالنقيصة فضلاً عن الزيادة سبيل ، ولا يرتاب في ذلك إلا الجاهل ، أو المبتلى بالشذوذ الفكري ) .
التقية سند للشيعة أم عليهم ؟
هيأ خصوم الشيعة من أمثال إحسان ظهير جواباً لفتاوى مراجع الشيعة ، فقالوا للسنة : لا تصدقوهم فإنهم يعتقدون بالتقية ، والتقية هي الكذب والخداع ، وعلماء الشيعة يكذبون ولا يعتقدون بالقرآن ، بل عندهم قرآن آخر !!
يعني ذلك أن شخصاً يقول لك : أنت كافر !
فتقول له : كلا أنا مسلم أؤمن بالشهادتين ... أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ... فيقول لك : كلا إنك تكذب !
فتقول له : والله العظيم إني مسلم !
فيقول لك : كلا إنك تعتقد بأن الكذب حلال !
فتقول له : حسناً ، يابن الحلال ، كيف أثبت لك أني مسلم ؟
فيقول لك : لا تستطيع أن تثبت ذلك ، لأنك تعتقد بأن الكذب حلال للتقية !!