بـاتت تَـبَيَّا حوضها iiعكوفا مثل الصفوف لا قت الصفوفا
وقال أبو مالك : ( بيَّاك ) قرَّبك ، وأنشد :
بيَّا لهم إذ نزلوا iiالطعاما الكبد والملحاء ، والسناما
أي قرَّب لهم .
10 ـ روى الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : ( يكره الرجل أن يقول : حيَّاك الله ثم يسكت ، حتى يتبعها بالسلام ) (1) .
أقول : قد عرفت من الحديث المتقِّدم إتباعها بالسلام مع زيادة : ( وأحلَّك دار المقام ) في الإجابة .
11 ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( إنَّ من تمام التحيَّة للمقيم المصافحة ، وتمام التسليم على المسافر المعانقة ) (2) .
12 ـ الحسن بن محمد الطوسي في ( المجالس ) عن أبيه ، عن الحفَّار هلال بن محمد ، عن عثمان بن أحمد ، عن ابن قلابة ، عن بشير (3) بن عمر ، عن مالك بن أنس ، عن زيد بن أسلم ، أن رسول الله ، صلى الله
عليه وآله وسلم ، قال : ( ليسلم الراكب على الماشي ، فإذا سلَّم من القوم واحد أجزأ عنهم ) (1) .
13 ـ قال الحر : محمد بن علي بن الحسين في كتاب ( إكمال الدين ) عن المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي ، عن جعفر بن محمد بن مسعود ، عن أبيه ، عن جعفر بن أحمد ، عن الحسن بن علي بن فضال ، قال سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول : ( إن الخضر شرب من ماء الحياة ، فهو حيّ لا يموت حتى ينفخ في الصور ، وإنه ليأتينا فيسلم علينا فنسمع صوته ولا نرى شخصه ، وإنه ليحضر حيث ذكر ، ومن ذكره منكم فليسلم عليه ) الحديث (2) .
وإنما أدرجناه في أدب السلام ليسلم على الخضر عليه السلام عند ذكره .
وقال الصدوق : معنى الخضر أنه كان لا يجلس على خشبة يابسة ولا أرض بيضاء إلا اهتزت خضراء ، وكان اسمه تاليا بن ملكان بن عابر بن أرفخشد بن سام بن نوح (3) .
وهل هو نبي من الأنبياء ، أو رجل من الصلحاء ؟ دل على الأول ما رواه الصدوق عن القطان ، عن السكري ، عن الجوهري ، عن ابن عمارة ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال : ( إن الخضر كان نبياً مرسلاً ، بعثه الله تبارك وتعالى إلى قومه فدعاهم إلى توحيده ، والإقرار بأنبيائه ، ورسله ، وكتبه ) الحديث (4) .
وعلى الثاني : ما عن العياشي عن بريد ، عن أحدهما عليهما السلام قال : قلت له : ( ما منزلتكم في الماضين ، أو بمن تشبهون منهم ؟ قال : الخضر وذو القرنين كانا عالمين ولم يكونا نبيين ) (5) ، وفي صحيح الكليني : ( صاحب موسى وذو القرنين ) (6) .
--------------------
(1) الوسائل 8 | 451 .
(2) الوسائل 8 | 458 ، البحار 13 | 299 ، وتمامه : ( وإنه ليحضر الموسم فيقضي جميع المناسك ، ويقف بعرفة ، فيؤمن على دعاء المؤمنين ، وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته ، ويصل به وحدته ) .
(3) البحار 13 | 298 .
(4) البحار 13 | 286 .
(5) البحار 13 | 304 .
(6) المصدر نفسه .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 120 _
وفي حديث اختلف يونس وهشام بن إبراهيم في العالم الذي أتاه موسى عليه السلام أيهما كان أعلم ، وهل يجوز أن يكون على موسى حجة في وقته وهو حجة الله على خلقه ؟ فقال قاسم الصيقل : فكتبوا ذلك إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام يسألونه عن ذلك ، فكتب الجواب : ( أتى موسى العالم فأصابه وهو في جزيرة من جزائر البحر ، إما جالساً ، وإما متكئاً ، فسلم عليه موسى ، فأنكر السلام ، إذ كان بأرض ليس فيها سلام ... ) (1) .
فلنعد إلى بقية الإحاديث :
14 ـ النبوي : ( الراكب أحق بالسلام ) (2) .
15 ـ الآخر : ( السلام للراكب على الراجل ) (3) .
16 ـ الآخر : ( إذا سلم المؤمن على أخيه المؤمن فيبكي إبليس ( لعنه الله ) ويقول : يا ويلتاه لم يفترقا حتى غفر الله لهما ) (4) .
17 ـ الحسيني : ( ابن الكوا سأل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين ، تسلم على مذنب هذه الأمة ؟ فقال عليه السلام : يراه الله عزّ وجلّ للتوحيد أهلاً ، ولا تراه للسلام عليه أهلاً ! ) (5) .
أقول : يأتي الكلام حول السلام المنهي (6) والوجه في جواز السلام على المذنب أن لا يكون السلام عليه إلا لأجل إسلامه ، لا لأنه يركب الذنب ، فإنه كفر بالله ، وقد أسلفنا بياناً يمس الموضوع فراجع (7) .
18 ـ النبوي في الإنجيل : إذا قل الدعاء نزل البلاء ـ إلى أن قال ـ :
--------------------
(1) تفسير القمي 2 | 38 .
(2) مستدرك الوسائل 8 | 372 .
(3) المصدر نفسه .
(4) جامع الأحاديث 15 | 583 ، مستدرك الوسائل 8 | 360 ، الباب 32 من أحكام العشرة ، الحديث 9 .
(5) مستدرك الوسائل 8 | 359 من الجعفريات 234 .
(6) راجع الفصل التاسع من هذا الكتاب .
(7) انظر الحديث ، الرقم 6 ، وما يليه من أبحاث .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 121 _
وإذا قل سلام المؤمنين بعضهم على بعضهم ظهرت العداوة والبغضاء في قلوبهم (1) .
19 ـ العلوي : ( ثلاثة من حقائق الإيمان : الإنفاق من الإقتار ، وإنصاف الناس (2) من نفسك ، وبذل السلام لجميع العالم ) (3) .
20 ـ حديث الشيخ الكليني بإسناده إلى الباقر عليه السلام قال : أقبل أبو جهل بن هشام ومعه قوم من قريش فدخلوا على أبي طالب ، فقالوا : إن ابن أخيك قد آذانا وآذى آلهتنا ، فادعه ومره فليكف عن آلهتنا ونكف عن إلهه ، قال : فبعث أبو طالب إلى رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، فدعاه ، فلما دخل النبي ، صلى الله عليه وآله ، لم ير في البيت إلا مشركاً فقال : السلام على من أتبع الهدى ، ثم جلس فخبره أبو طالب بما جاؤوا له فقال : أَوَ هل لهم في كلمة خير لهم من هذا ، يسودون بها العرب ، ويطأون أعناقهم ؟ فقال أبو جهل : نعم وما هذه الكلمة ؟ فقال : تقولون : لا إله إلا الله ، قال : فوضعوا أصابعهم في آذانهم وخرجوا هراباً وهم يقولون : ( ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق ) (4) ، فأنزل الله تعالى في قولهم : ( ص * والقرآن ذي الذكر ـ إلى قوله ـ إلا اختلاق ) (5) .
أقول ، إن من أدب السلام على المشرك أن يقال : ( السلام على من اتبع الهدى ) تعريضاً بأن الإشراك بالله العظيم يمنع السلام على صاحبه ، وإنما الجدير به المهتدي بهدى الله ، والتسليم المذكور هو من أدب الوحي السماوي ، قال تعالى حيث أمر موسى وهرون أن يأتيا فرعون : ( فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى )(6) .
--------------------
(1) مستدرك الوسائل 8 | 360 .
(2) في نسخة ( والإنصاف ) .
(3) مستدرك الوسائل 8 | 361 .
(4) ص : 7 .
(5) ص : 1 ـ 7 ، أصول الكافي 2 | 649 ، ( باب التسليم على أهل الملل ) ، الحديث 5 ، الوسائل 8 | 453 ـ 454 .
(6) طه : 47 .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 122 _
قيل يريد : وسلام الملائكة الذين هم خزنة الجنة على المهتدين ، وتوبيخ خزنة النار والعذاب على المكذبين (1) .
والسيد الطباطبائي فسر الآية بما يلي : قوله : ( وَالسَّلامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى ) كالتحية للوداع ، يشار به إلى تمام الرسالة ، ويبين به خلاصة ما تتضمنه الدعوة الدينية ، وهو أن السلامة منبسطة (2) على من اتبع الهدى ، والسعادة لمن اهتدى ، فلا يصادف في مسير حياته مكروهاً يكرهه لا في دنيا ولا في عقبى (3) .
أقول : تفسير آية السلام بسلام الوداع فيها لا بأس ، وأما في الحديث الجاري فالمتعين هو سلام التحية ، لأنه قال الراوي : ( فلما دخل النبي ، صلى الله عليه وآله ، لم ير في البيت إلا مشركاً فقال : ( السلام على من اتبع الهدى ثم جلس ) .
وهو كالصريح فيها ، على أن في الآية ( والسلام على من اتبع الهدى ) وأما الحديث فليس فيه واو ، فتفطن . نعم هو صالح لأن يجعل سلام وداع كما تأتي الإشارة إليه (4) .
تنـبيـه :
كان من الجدير ، ببحث أدب السلام ، ذكر صيغ السلام أيضاً ، إلا أنها توجب ملال التكرير هنا وهناك ، فالأولى أن يقال : إن من خضع للآداب الإسلامية لا يدع السلام ، ويوفق للمعرفة بموضع الإصابة إن شاء الله تعالى .
ولمحمد رشيد رضا حول أدب السلام كلام قال : والسنة أن يسلم القادم على من يقدم عليهم ، وإذا تلاقى الرجلان فالسنة أن يبدأ الكبير في السن ، أو القدر ، بالسلام .
--------------------
(1) تفسير الكشاف 3 | 67 .
(2) في الأصل ( منبسط ) والصحيح ( إن السلامة منبسطة ) .
(3) تفسير الميزان 14 | 157 .
(4) في عاشرة الأبحاث من هذا الكتاب ، قال الزمخشري في الدخول على أهل الذمة : وإذا دخلت فقل : السلام على من اتبع الهدى ، ولا بأس بالدعاء له بما يصلحه في دنياه ،
تفسير الكشاف 1 | 545 .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 123 _
ومن آداب السلام ما ثبت في الصحيحين أنه ( يسلم الراكب على الماشي ، والماشي على القاعد ، والقليل على الكثير ) وروى البخاري سلام الصغير على الكبير .
ومسلم ( أنه ، صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم ، مر بصبيان فسلم عليهم ) ، وللترمذي ( أنه مر بنسوة فأومأ بيده بالتسليم ) .
وقال بعض العلماء : المستحب أن يسلم الرجال على النساء المحارم مطلقاً ، والعجائز الاجنبيات دون غيرهن .
وكان ، صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم ، يسلم على القوم عند المجيء وعند الانصراف (1) ، ذكره ابن القيم في الهدى وقال : وكان يسلم بنفسه على من يواجهه ، ويحمل السلام لمن يريد السلام عليه من الغائبين عنه ، ويتحمل السلام لمن يبلغه إليه ، وإذا بلغه أحد السلام عن غيره يرد عليه وعلى المُبلغ به ، وكان يبدأ من لقيه بالسلام ، وإذا سلم عليه أحد رد عليه مثل تحيته أو أفضل منها على الفور من غير تأخير إلا لعذر ، مثل حالة الصلاة (2) ، وحالة قضاء الحاجة ، وكان يسمع المسلم عليه رده ، ولم يكن يرد بيده ، ولا رأسه ، ولا إصبعه ، إلا في الصلاة (2) ، فإنه كان يرد إشارة ، ثبت عنه ذلك في عدة أحاديث (3) ، ولم يجئ ما يعارضها إلا بشيءٍ باطل لا يصح عنه (4) ...
أدب السلام من أدب الإسلام العالي ( السامي ) ، الذي لا يكاد يجمعه غيره على حد تعبير البعض (5) ، لو يعلم به أهل العالم لاعتنقوه ، إذا لم يبخل به أهل الإسلام قال البعض : ( ولكن خلف من بعدهم خلف أرادوا أن يمنعوا غير المسلم من كل شيءٍ يعمله المسلم ، حتى من النظر في القرآن ، وقراءة الكتب المشتملة على آياته ، وظنوا أن هذا تعظيم للدين ، وصون له عن المخالفين .
وكلما زادوا بُعداً عن حقيقة الإسلام زادوا إيغالاً في هذا الضرب من التعظيم ،
--------------------
(1) يأتي بحثه في 10 ـ سلام الوداع .
(2) بل يرد بمثل ما قال .
(3) تأتي أحاديث الرد القولي في 8 ـ السلام ندب والرد فرض .
(4) تفسير المنار 5 | 316 .
(5) تفسير المنار 5 | 314 ـ 315 .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 124 _
وإنهم ليشاهدون النصارى في هذا العصر يجتهدون بنشر دينهم ، ويوزعون كثيراً من كتبهم على الناس مجاناً ، ويعلّمون أولاد المخالفين لهم في مدارسهم ليقربوا من دينهم ، حتى إن الأوروبيين فرحوا فرحاً شديداً عندما وافقهم خديوي مصر ( إسماعيل باشا ) على استبدال التاريخ المسيحي بالتاريخ الهجري ، وعدوا هذا من آيات الفتح .
وترى القوم يسعون في جعل يوم الأحد عيداً أسبوعياً للمسلمين ، يشاركون فيه النصارى بالبطالة ، ومع هذا ترى المسلمين لا يزالون يحبون منع غيرهم من الأخذ بآدابهم وعاداتهم ، ويزعمون أن هذا تعظيم للدين ، وكأن هذا التعظيم لا نهاية له إلا حجب هذا الدين عن العالمين ، إن هذا لهو البلاء المبين ، وسيرجعون عنه بعد حين ) (1) .
أقـول : من أراد النهج القويم ، والصراط المستقيم ، فليسلك مسلك أهل البيت عليهم السلام ، ولينهج منهجهم ، وصراطهم المستقيم ، بالتعلم من محاسن كلامهم فيأخذ عنهم دينه ، فإن في حديث الإمام الرضا عليه السلام قال : ( رحم الله عبداً أحيا أمرنا ، قلت : كيف يحيي أمركم ؟ قال : يتعلم علومنا ، ويعلمها الناس ، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا ... ) (2) ، ما يدعو الناس إلى الدين الخالص ، لأنهم عليهم السلام حقيقة الدين .
--------------------
(1) تفسير المنار 5 | 314 ـ 315 .
وأهل البيت عليهم السلام هم الذين يمثلون الإسلام وحقائقه ، وهم أهل السلام .
(2) الوسائل 18 | 66 .
السـلام نـدب والرد فرض
قال تعالى : ( وإذا حُيّيتم بتحيّة فحيوا بأحسن منها أو ردّوها إنّ الله كان على كلّ شئٍ حسيباً ) (1) .
ما معنى التحية ؟ وما صيغها ؟ وما أحكامها ؟ فهنا أمور ثلاثة .
الأمر الأول :
قال الشيخ الطوسي ، طاب ثراه : هذا خطاب من الله تعالى لجميع المكلفين ، يأمرهم إذا دعا لهم إنسان بطول الحياة والبقاء والسلامة أن يحييه ( يحييهم ) بأحسن من ذلك ، أو ردوا عليه ( عليهم ) مثله .
قال النحويون : ( أحسن ) ههنا صفة لا ينصرف ، لأنه على وزن ( أفعله ) وهو صفة ، والمعنى : حيوا بتحية أحسن منها ، والتحية مفعلة من حييت ومعناها : السلام (2) فعلم منه أنها دعاء بالحياة وغيره .
وقال الشيخ الطبرسي رحمه الله : التحية : السلام ، يقال حَيّى يُحيّي تحية إذا سلم ، قال الشاعر :
إنـا مـحيوك يا سلمى فحيينا وإن سقيت كرام الناس فأسقينا
--------------------
(1) النساء : 86 .
(2) تفسير التبيان 1 | 453 .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 128 _
والتحية البقاء قال :
مِنْ كلّ ما نال الفتى قـد نلتُه إلاّ التحيّهْ
يعني المَلِك وإنما سمي بذلك ، لأن المَلِك يحيا بالسلام ، والثناء الحسن (1) .
وقال الآخر : التحية مصدر حياه : إذا قال له : حياك الله .
هذا هو الأصل ، ثم صارت التحية اسماً لكل ما يقوله المرء لمن يلاقيه أو يقبل عليه من نحو دعاء أو ثناء كقولهم : أنعم صباحاً وأنعم مساءً .
وقالوا عم صباحاً ومساءً ، وجعلت تحية المسلمين السلام . للإشعار بأن دينهم دين السلام والإيمان ، وأنهم أهل السلم ومحبو السلامة .
ومن التحيات الشائعة في بلادنا إلى هذا اليوم : أسعد الله صباحكم ، أسعد الله مساءكم ـ وهذا بمعنى قول العرب القدماء : أنعم صباحاً ومساءً ـ ونهارك سعيد ، وليلتك سعيدة وهذا مترجم عن الأفرنجية .
وقد أوجب الله تعالى علينا في هذه الآية أن نجيب من حيانا ، بأحسن من تحيته ، أو بمثلها ، أو عينها ، كأن نقول له الكلمة التي يقولها وهذا هو ردها وفسروه : ... (2) .
أقول : يأتي البحث عن صيغ التحية (3) وهل هي تخص الأقوال ، أو تعم الأفعال أيضاً ؟ .
الحق العموم ، وعليه عمل المعصوم عليه السلام وقوله ، روحي فداه ، قال ابن شهر اشوب : قال أنس : حَيَّتْ جارية الحسن بن علي ـ عليهما السلام ـ بطاقة ريحان فقال لها : أنت حرة لوجه الله ، فقيل له في ذلك ؟ فقال : أدبنا الله تعالى فقال : ( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا ) الآية (4) ، وكان أحسن منها إعتاقها (5) .
--------------------
(1) تفسير مجمع البيان 4 | 84 ـ 85 ، وقد سبق هذا الشعر ـ مع تغيير غير مضر ـ عند التكلم على الحديث التاسع من أحاديث ( 7 ـ أدب السلام ) وكلام ابن الأثير فراجع .
(2) تفسير المنار 5 | 311 ـ 312 .
(3) في الأمر الثاني .
(4) النساء : 86 .
(5) المناقب 4 | 18 ، تفسير الصافي 1 | 399 ، تفسير نور الثقلين 1 | 435 ، تفسير الميزان 5 | 35 ، وفي بعض النسخ منها ( جاءت ) مكان ( حَيّت ) .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 129 _
والعلوي : ( إذا عطس أحدكم فسمّتوه قولوا : رحمكم الله ، وهو يقول : يُغفر لكم ويرحمكم الله ، قال الله عزّ وجلّ : ( وإذا حُييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) ) (1) .
دل الحديث الحسني على شمول التحية لمثل تقديم طاقة الريحان من الجارية سلاماً ، وعتقها إجابة ، هب أن العتق لا يكون إلا بالقول ، ولكنه اعتبر الجواب الأحسن للتحية غير القولية .
كما أن العلوي جعل جواب التسميت ونفسه من التحية من غير السلام لأجل التدليل بالآية ، ويشهد للشمول قول علي بن إبراهيم القمي : إنها ـ أي : التحية ـ السلام وغيره من البر (2) ، وأبواب البر كثيرة ومنها التسميت .
وقد عرفت أن السلام مظهر الحب ومن وسائله ، ونوع إخبار به ودليل عليه ، وقد جاء في الصادقي : ( إذا أحببت رجلاً فأخبره بذلك ، فإنه أثبت للمودة بينكما ) (3) ومن ثم رغب على الابتداء به وإفشائه في العالم كله ، لأن الله عزّ وجلّ يحب السلام والسلامة للجميع ، وأن يكونوا إخوة متحابين ، يحب بعضهم بعضاً ، وتكون مهمتهم التواصل وصلاح أمورهم فيما بينهم ، وترى الأهتمام البالغ في الإسلام في توطيد السلام ، وآيات القرآن تشمل المسلمين وغيرهم ، وإنما وجه الخطاب إليهم ، لأنهم الذين ينتفعون بها دون غيرهم .
ولعل في آخر الآية : ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبا ) الإشعار بذلك ، والمعنى أنه تعالى يحاسبكم على قيامكم بالتحية كما هي ، وبأهدافكم الداعية إليها ، أو بترككم لها ، وبطريقتكم التي سرتم عليها ، أو سيرتم الآخرين ، أو منعتموهم ، ولا يخصكم الحساب فيه أيها المسلمون المؤمنون .
ويحتمل أن يكون الحسيب في الآية بمعنى الكافي ، لكونه تعالى
1 ـ الوسائل 8 | 460 ، الباب 58 باب كيفية التسميت والرد ، الحديث 3 ، تفسير البرهان 1 | 399 .
--------------------
(1) الوسائل 8 | 460 ، الباب 58 باب كيفية التسميت والرد ، الحديث 3 ، تفسير البرهان 1 | 399 .
(2) تفسير القمي 1 | 145 من سورة النساء .
(3) الوسائل 8 | 434 ـ 435 ، الباب 31 من أبواب العشرة ، الرقم 1 .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 130 _
يكفي الجميع في العطاء ، كل إنسان بحسبه حفظاً وعلماً وجزاءً ، ومنه قوله تعالى : ( عطاءً حساباً ) (1) أي كافياً (2) .
ويحتمل أن يكون الحسيب بمعنى الحفظ ، وسواء أكان الحسيب في الآية بمعنى إحصاء الشيء وحسابه ، أو الكافي ، أو الحفظ كانت المناسبة للتحية موجودة ، ولا يخفى تطبيق أيٍ من المعاني الثلاثة على موضع التحية وموردها .
إنك قد عرفت أن مورد الخطاب للمسلمين ، ولا يخصص المورد حكم الوارد ، إذا كان للحكم عموم شرعاً وعقلاً ، والسر في كون خطابات القرآن الكريم عامة لعامة الناس هو عدم القرابة وانتفاؤها بين الله تعالى وبين أحد من خلقه ، فالكل عبيد له ، تجب عليهم ـ عقلاً ـ طاعة سيدهم ، فلو رأيت في الخطاب أختصاصاً بالمسلمين ، فإنه كما سبق لأجل انتفاعهم دون الناس الآخرين .
الأمر الثاني : في صيغ التحية :
والكلام حول صيغها والإجابة عليها وبيان مناسبتها يستدعي ـ نوعاً ما ـ بسطاً فيه ، فنقول : لا ريب أن قوله تعالى : ( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبا ) أمر بالإجابة على التحية بالأحسن ، أو المماثل عند سماعها ، نظير الأمر بالسعي إلى ذكر الله عند النداء إلى الصلاة من يوم الجمعة (3) .
وقد بين سبحانه قسمين من أقسام الإجابة ، كما ستعرف ذلك قريباً ، ولم يذكر للتحية شيئاً ، نعم قد بينتها أحاديث أهل البيت عليهم السلام ، كما لا امتراء في وجوب الإجابة ، لأجل صيغة الأمر الدالة على الوجوب على ما حرر في محله .
--------------------
(1) النبأ : 36 ، والآية هكذا : ( جزاءاً من ربك عطاءً حساباً ) .
(2) تفسير مجمع البيان 3 | 85 .
(3) قال تعالى : ( يأيها الذين ءامنوا إذا نودى للصلوة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) ، الجمعة : 9 .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 131 _
وإليك معنى الآية وما يناسبها قال الطبرسي : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها ) .
أمر الله المسلمين برد السلام على المسلم بأحسن مما سلم إن كان مؤمناً ، وإلا فليقل : ( وعليكم ) لا يزيد على ذلك ، فقوله : ( بأحسن منها ) للمسلمين خاصة ، وقوله : ( أو ردّوها ) لأهل الكتاب عن ابن عباس .
فإذا قال المسلم : السلام عليكم فقل : وعليكم السلام ورحمة الله ، وإذا قال : السلام عليكم ورحمة الله فقل : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، فقد حييته بأحسن منها وهذا منتهى السلام .
وقيل : إن قوله ـ تعالى ـ : ( أو ردّوها ) للمسلمين خاصة أيضاً عن السدّي ، وعطاء ، وإبراهيم ، وابن جريج ، قالوا : إذا سلم عليك المسلم فرد عليه بأحسن مما سلم عليك ، أو بمثل ما قال .
وهذا أقوى لما روي عن النبي ، صلى الله عليه وآله ، أنه قال : ( إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم ) (1) .
وذكر علي بن إبراهيم في تفسيره عن الصادقين عليهم السلام أن المراد بالتحية في الآية السلام وغيره من البر (2) .
وذكر الحسن أن رجلاً دخل على النبي ، صلى الله عليه وآله ، فقال ( السلام عليك فقال النبي ، صلى الله عليه وآله : وعليك السلام ورحمة الله ، فجاءه آخر فقال : السلام عليك ورحمة الله ، فقال النبي : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، فجاءه آخر فقال : السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، فقيل : يا رسول الله زدت للأول والثاني في التحية ، ولم تزد في الثالث ، فقال : إنه لم يبق لي من التحية شيئاً فزدت عليه مثله ) (3) .
وروى الواحدي بإسناده عن أبي أمامة عن مالك بن التيهان قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وآله : من قال : ( السلام عليكم كتب له عشر حسنات ، ومن قال : السلام عليكم ورحمة الله ، كتب له عشرون حسنة ،
--------------------
(1) الوسائل 8 | 452 ، الباب 49 من أبواب أحكام العشرة ، الحديث 1 .
قال المجلسي : ابن عيينة يرويه بغير واو ، وهو الصواب لأنه إذا حذفت الواو صار قولهم الذي قالوه نفسه مردوداً عليهم خاصة ، وإذا أثبت الواو وقع الاشتراك ، المرآة 12 | 546 .
(2) تفسير القمي 1 | 145 .
(3) المجازات النبوية 229 ، الرقم 236 في معناه ، البحار 76 | 12 .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 132 _
ومن قال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كتب له ثلاثون حسنة ) (1). ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً )(2) .
أي : حفيظاً عن مجاهد ، وقيل : كافياً .
وقيل : مجازياً عن ابن عباس ، وفي هذه الآية دلالة على وجوب رد السلام ، لأن ظاهر الأمر يقتضي الوجوب (3) .
وقال الحسن وجماعة من المفسرين : إن السلام تطوع والرد فرض (4) .
ثم إن الرد ربما كان من فروض الكفاية ، وقد يتعين بأن يخصه بالسلام ، ولا أحد عنده فيتعين عليه الرد (5) .
أقـول : أشار الطبرسي رحمه الله إلى بعض الأحاديث المروية في صيغ التحية وأحكامها ، من كيفية رد السلام لأهل الكتاب التي يأتي ذكرها في الأمر الثالث .
والأولى سرد الأحاديث على عادتنا وبيان بعض الأمور :
1 ـ روى الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( قال رسول الله ، صلى الله عليه وآله : السلام تطوع والردّ فريضة ) (6) .
2 ـ الصدوق بإسناده إلى الباقر عليه السلام في حديث النهي عن التسليم على جماعة منهم المصلي : ( ولا على المصلي ، وذلك لأن المصلي لا يستطيع أن يردّ السلام ، لأن التسليم من المسلم تطوع والردّ عليه فريضة ... ) (7) .
ويأتي الكلام عليه في بحث السلام المنهي (8) .
3 ـ روى الكليني رحمه الله عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ،
--------------------
(1) أصول الكافي 2 | 645 .
(2) النساء : 86 .
(3) قلنا : صيغة الأمر تفضي الوجوب .
(4) أصول الكافي 2 | 644 .
(5) تفسير مجمع البيان 3 | 85 .
(6) أصول الكافي 2 | 644 ، الوسائل 8 | 438 .
(7) جامع الأحاديث 15 | 586 .
(8) تاسع أبحاث التحية في هذه الرسالة .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 133 _
عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( ردّ جواب الكتاب واجب كوجوب ردّ السلام ، والبادي بالسلام أولى بالله ورسوله ) (1) .
إنما صح التنزيل لأجل مفروغية وجوب المنزل عليه يعني رد السلام .
4 ـ النبوي : ( وردك السلام صدقة ) (2) .
تطلق الصدقة على الواجب أيضاً ، كالصدقات المالية المفروضة ، والوجه في تسمية رد السلام بالصدقة ، لكونه واجباً قُربيّاً كالتسليم ، لأنه اسم الله الفاشي في الخلق ، والمحثوث على إفشائه أكثر فأكثر ، ويشهد له النبوي المتقدم (3) : ( إن السلام اسم من أسماء الله تعالى فأفشوه بينكم ، فإن الرجل المسلم إذا مر بالقوم فسلم عليهم ، فإن لم يردوا عليه ، يرد عليه من هو خير منهم وأطيب ) (4) .
يريد بالخير الأطيب الملائكة ، حيث جاء في تسليم داخل الدار على أهلها سواء كانوا فيها أو لا ، فإن لكل بقعة ملائكة موكلة بها ، وكذا مع كل إنسان ملائكة يحفظونه من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وشماله ، من أمر الله (5) ، ولاشك أنهم بأمره تعالى يعملون ويردون السلام إلى أهله .
ولنعد إلى أحاديث السلام :
5 ـ في العلوي : ( وأفشوا السلام في العالم وردوا التحية على أهلها بأحسن منها ) (6) .
6 ـ سبط الشيخ الطبرسي في مشكاة الأنوار نقلاً عن المحاسن ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : ( من قال : سلام عليكم فهي عشر حسنات ، ( ومن قال : سلام عليكم ورحمة الله فهي عشرون حسنة ) ، ومن
--------------------
(1) أصول الكافي 2 | 670 ، باب التكاتب من كتاب العشرة ، الحديث 2 .
(2) مستدرك الوسائل 8 | 360 .
(3) تحت رقم 4 ـ النبوي من ( 4 ـ إفشاء السلام في العالم ) .
(4) مستدرك الوسائل 8 | 363 .
(5) تفسير البرهان 3 | 153 ، تفسير القمي 2 | 109 ، قال تعالى : ( له معقّبتٌ مِنْ بَيْنَ يَدَيهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يحفظونَه من أمر الله ) الرعد : 11 .
(6) تحف العقول 152 .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 134 _
قال : سلام عليكم ورحمة الله وبركاته فهي ثلاثون ) (1) .
7 ـ قال السيد الشريف الرضي ، طاب ثراه ، في المجازات النبوية :
ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام وقد أتاه رجل فقال : ( السلام عليك يانبي الله ، فقال : وعليك ورحمة الله ، ثم أتاه رجل آخر ، فقال : السلام عليك يانبي الله ورحمة الله وبركاته ، فقال : وعليك ، فقيل له : يا رسول الله لِمَ لم تقل لهذا كما قلت للذي قبل ؟ فقال : إنه تشافها ) .
ـ قال الشريف الرضي : ـ فقوله عليه الصلاة والسلام : ( إنه تشافها ) استعارة ، والمراد استفرغ جميع التحية ، فلم يدع منها شيئاً يزاد به على لفظه ، ويرد عليه جواباً عن قوله ، والأولان أبقيا من تحيتهما بقية ردت عليهما وأعيدت إليهما ، وأصل ذلك مأخوذ من التشاف ، وهو تتبع بقية الإناء والحوض حتى يستنقد جميع ما فيه ، وتلك البقية تسمى الشفافة ، قال الشاعر :
أخـو فـقرات دببت في عظامه شفافات أعجاز الكرى فهو أخضع
يريد بقايا الكرى وصباباته ، ودليل ذلك قوله : أعجاز الكرى أي : أواخره وعقابيله ، ومن أمثال العرب : ليس الرِّيّ عن التشاف ، يقولون ليس يروى العطشان تتبع بقية الماء حتى يستقرغ جميع ما في الإناء (2) .
أقـول :
الظاهر في الكلام سقط ، لأنه يدل على أن الذين حيوا رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، كانوا ثلاثة : ( الأول قال : السلام عليك ، فرد عليه الرسول : وعليك ورحمة الله .
والثاني قال : السلام عليك ورحمة الله ، فرد
--------------------
(1) مستدرك الوسائل 8 | 366 ، وهامشه ، أصول الكافي 2 | 645 مع تغيير يسير .
(2) المجازات النبوية : 229 ـ 230 ، رقم الكلمة 236 . والمثل في مجمع الأمثال 2 | 190 حرف اللام ، قال الميداني بعد المثل : الاشتفاف والتشاف : أن تشرب جميع ما في الإناء ، مأخوذ من الشفافة وهي البقية ، يقول : من لا يستشف لا يروى ، فقد يكون الرّيّ دون ذلك ، يضرب في قناعة الرجل ببعض ما ينال من حاجته .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 135 _
الرسول : وعليك ورحمة الله وبركاته . والثالث قال : السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، فكان رد الرسول : وعليك ) (1) .
كما أن المروي في كل الإجابات لفظة ( السلام ) بينا النسخة عندنا خالية عنه برواية الشيخ الطبرسي عن المجازات النبوية على نقل النوري (2) .
8 ـ روى الكليني عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن جميل ، عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : ( مر أمير المؤمنين علي عليه السلام بقوم فسلم عليهم ، فقالوا : عليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه ، فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام : لا تجاوزوا بنا مثل ما قالت الملائكة لأبينا إبراهيم عليه السلام إنما قالوا : رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ) (3) .
أقول : في الحديث تصريح بنهاية السلام ، والإجابة ، ويشهد له النبوي المتقدم (4) .
9 ـ النبوي المروي في شأن نزول آية ( وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله ) (5) ( وقد أبدلنا الله بخير من ذلك تحية أهل الجنة السلام عليكم ) (6) .
10 ـ ما رواه الصدوق قال : حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : ( بينما أمير المؤمنين عليه السلام في الرحبة والناس عليه متراكمون ، فمن بين مستفتٍ ومن بين مستعدي إذ قام إليه رجل فقال : السلام عليك ياأمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، فنظر إليه أمير المؤمنين عليه السلام بعينيه
--------------------
(1) هامش المجازات النبوية 229 .
(2) مستدرك الوسائل 8 | 370 عن الشريف الرضي المتقدم ذكره .
(3) أصول الكافي 2 | 646 .
(4) المروي عن الشريف الرضي .
(5) المجادلة : 8 .
(6) تفسير القمي 2 | 355 وتقدم الحديث في ( 2 ـ السلام تحية الله التي اختارها للمسلمين ) .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 136 _
هاتيك العظيمتين ثم قال : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته مَن أنت ؟ فقال : أنا رجل من رعيتك وأهل بلادك ، قال : ما أنت من رعيتي وأهل بلادي ، ولو سلمت عليّ يوماً واحداً ماخفيت عليّ ؟ فقال : الأمان يا أمير المؤمنين ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : هل أحدثت في مصري هذا حدثاً منذ دخلته ؟ قال : لا .
قال : فلعلك من رجال الحرب ؟ قال : نعم ، قال : إذا وضعت الحرب أوزارها فلا بأس ، قال : أنا رجل بعثني إليك معاوية متغفلاً لك أسألك عن شيءٍ بعثني فيه ابن الأصفر (1) وقال له : إن كنت أنت أحق بهذا الأمر والخليفة بعد محمد ، فأجبني عما أسألك ، فإنك إن فعلت ذلك أتَّبعك وأبعث إليك بالجائزة ، فلم يكن عنده جواب وقد أقلقه ذلك ، فبعثني إليك لأسألك عنها ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : قاتل الله ابن آكلة الأكبادما أضله وأعماه ومَن معه ، والله لقد أعتق جارية فما أحسن أن يتزوج بها ، حكم الله بيني وبين هذه الأمة قطعوا رحمي وأضاعوا أيامي ودفعوا حقي ، وصغروا عظيم منزلتي ، وأجمعوا على منازعتي ، عليّ بالحسن والحسين ومحمد فأحضروا فقال : يا شامي هذان ابنا رسول الله وهذا ابني ، فاسأل أيهم أحببت ، فقال : أسأل ذا الوفرة يعني الحسن عليه السلام ، وكان صبياً ، فقال له الحسن عليه السلام : سلني عما بدا لك .
فقال الشامي : كم بين الحق والباطل ؟ وكم بين السماء والأرض ؟ وكم بين المشرق والمغرب ؟ وما قوس قزح ؟ وما العين التي تأوي إليها أرواح المشركين ؟ وما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين ؟ وما المؤنث ؟ وما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض ؟ فقال الحسن بن علي عليه السلام : بين الحق والباطل أربع أصابع فما رأيته بعينك فهو الحق وقد تسمع بأذنيك باطلاً كثيراً ... ) (2) .
أقـول :
الحديث طويل وليس فيه الشاهد إلا الكامل من صيغ السلام ، وبيان منتهى الجواب الأول ، وأمير المؤمنين عليه السلام المجيب ، فالحديث من
--------------------
(1) أي : ملك الروم وإنما سمّي الروم بني الأصفر لأن أباهم الأول كان أصفر اللون هامش الخصال 2 | 440 .
(2) الخصال 2 | 440 ـ 441 ، باب العشرة ، الوسائل 8 | 448 .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 137 _
شواهد كمال السلام والإجابة ، كما كان منها رواية الشريف الرضي النبوية من بدايتهما إلى نهايتهما ، ومنها ، أي من السلام والإجابة الكاملة ، ما يلي :
11 ـ في حديث صادقي طويل في كيفية خلق آدم عليه السلام ـ إلى أن قال : ـ ( ثم أمر الله تعالى الملائكة أن يحملوا آدم على أكتافهم ليكون عالياً عليهم ، وهم يقولون سبّوح سبّوح ، لا خروج عن طاعتك ، وسارت به في طرق السموات وقد اصطفت حوله الملائكة ، فلا يمر آدم على صف إلا ويقول : السلام عليكم يا ملائكة ربي ، فيجيبون : وعليك ورحمة الله وبركاته يا صفوة الله وروحه وفطرته ـ إلى أن قال : ـ فانتصب آدم على منبره قائماً وسلم على الملائكة ، وقال : السلام عليكم يا ملائكة ربي ورحمة الله وبركاته ، فأجابته الملائكة : وعليك السلام يا صفوة الله وبديع فطرته ... ) (1) .
12 ـ وما رواه الحر عن الصدوق بإسناده إلى وهب اليماني في حديث قال : ( إن الله قال لآدم : انطلق إلى هؤلاء الملأ من الملائكة فقل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
فسلم عليهم فقالوا : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، فلما رجع إلى ربه عزّ وجلّ قال له ربه تبارك وتعالى : هذه تحيتك ، وتحية ذريتك من بعدك فيما بينهم إلى يوم القيامة ) (2) .
13 ـ الشيخ أبو الفتوح في تفسيره عن النبي ، صلى الله عليه وآله ، أنه كان إذا سلم عليه أحد من المسلمين ، فقال : سلام عليك ، يقول : ( وعليك السلام ورحمة الله ) ، وإذا قال : السلام عليك ورحمة الله ، قال النبي صلى الله عليه وآله : ( وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ) وهكذا كان يزيد في جواب من يسلم عليه (3) .
14 ـ ما رواه الكليني (4) عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن إسحاق بن عمار قال : حدثني
--------------------
(1) مستدرك الوسائل 8 | 370 ـ 371 .
(2) الوسائل 8 | 444 .
(3) مستدرك الوسائل 8 | 371 .
(4) في الروضة تحت ( حديث الشيخ مع الباقر عليه السلام ) .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 138 _
رجل من أصحابنا عن الحكم بن عتيبة قال : بينا أنا مع أبي جعفر عليه السلام والبيت غاص بأهله ، إذ أقبل شيخ يتوكأ على عَنَزة له (1) حتى وقف على باب البيت ، فقال : السلام عليك (2) يابن رسول الله ورحمة الله وبركاته ، ثم سكت فقال أبو جعفر عليه السلام : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، ثم أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت وقال : السلام عليكم ، ثم سكت حتى أجابه القوم جميعاً وردوا عليه السلام .
ثم أقبل بوجهه على أبي جعفر عليه السلام ثم قال يابن رسول الله أدنني منك جعلني الله فداك ، فوالله إني لأحبكم وأحب من يحبكم ، ووالله ما أحبّكم وأحبّ مَن يحبّكم لطمع في دنيا ، و ( الله ) إني لأبغض عدوكم وأبرأ منه ، ووالله ما أبغضه وأبرأ منه لوتر كان بيني وبينه ، والله إني لأحل حلالكم ، وأحرم حرامكم ، وأنتظر أمركم ، فهل ترجو لي جعلني الله فداك ؟ فقال أبو جعفر عليه السلام : إلي إلي حتى أقعده إلى جنبه ثم قال : أيها الشيخ إن أبي علي بن الحسين عليهما السلام أتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني عنه فقال له أبي عليه السلام : إن تمت ترد على رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ، ويثلج قلبك ، ويبرد فؤادك ، وتقر عينك ، وتستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين ، لو قد بلغت نفسك ههنا ـ وأهوى بيده إلى حلقه ـ وإن تعش ترى ما يقر الله به عينك ، وتكون معنا في السنام الأعلى ، ( فـ ) ـ قال الشيخ : كيف قلت يا أبا جعفر ؟ فأعاد عليه الكلام ، فقال الشيخ : الله أكبر يا أبا جعفر ، إن أنا متُّ أرد على رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين عليهم السلام ، وتقر عيني ، ويثلج قلبي ، ويبرد فؤادي ، وأستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين ، لو قد بلغت نفسي إلى ههنا ،
--------------------
(1) بالتحريك : عصاً في رأسها حديد هامش الروضة 76 .
(2) أقول : قد جاء في كيفية السلام على الإمام المهدي عجل الله فرجه في حديث الإمام الباقر عليه السلام : ( ... فلا يسلم عليه مسلم إلا قال : السلام عليك يا بقية الله في أرضه ... ) كمال الدين 1 | 331 ، الباب الثاني والثلاثون ، الحديث 16 .
كما وجاء في بقية المعصومين عليهم السلام كلهم بنحو آخر يطول بذكره المقام ، انظر كتاب منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر 517 ، الباب السادس ، الحديث 1 ـ 4 .
للشيخ لطف الله الصافي الگلبايگاني ، الطبعة الثانية بالأفست ـ المصطفوي ، طهران ، 1385 هـ .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 139 _
وإن أعش أرى ما يقر الله به عيني ، فأكون معكم في السنام الأعلى ؟ !! ثم أقبل الشيخ ينتحب ينشج (1) ، هاهاها حتى لصق بالأرض ، وأقبل أهل البيت ينتحبون ، وينشجون لما يرون من حال الشيخ ، وأقبل أبو جعفر عليه السلام يمسح بإصبعه الدموع من حماليق عينيه وينفضها (2) ، ثم رفع الشيخ رأسه فقال لأبي جعفر عليه السلام : يابن رسول الله ناولني يدك ، جعلني الله فداك ، فناوله يده فقبلها ووضعها على عينيه وخده ، ثم حسر عن بطنه ، وصدره فوضع يده على بطنه وصدره ، ثم قام فقال : السلام عليكم ، وأقبل أبو جعفر ينظر في قفاه وهو مدبرٌ ثم أقبل بوجهه على القوم فقال : من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا ، فقال الحكم بن عتيبة : لم أر مأتماً قط يشبه ذلك المجلس ) (3) .
أقـول :
اشتمل الحديث على سلام التحية وسلام الوداع ، الفصل العاشر الآتي ذكره ، وإنما نقلناه عن آخره لأن محتواه يمثل لنا أروع الولاء لأهل البيت عليهم السلام .
حول الصيغ المروية المتقدمة وبعض بحوثها كلام لبعض الجمهور فكما يلي :
قال الزمخشري : الأحسن منها أن تقول : وعليكم السلام ورحمة الله ، إذا قال : السلام عليكم ، وأن تزيد وبركاته ) وإذا قال : ( ورحمة الله ) .
وروي أن رجلاً قال لرسول الله ، صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم ، : السلام عليك ، فقال : ( وعليك السلام ورحمة الله ) وقال آخر : السلام عليك ورحمة الله ، فقال : ( وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ) وقال آخر : السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، فقال ( وعليك ) فقال الرجل : نقصتني
--------------------
(1) النحب والنحيب والانتحاب : البكاء بصوت طويل ، والنشج : صوت معه توجع وبكاء ، كما يردد الصبي بكاءه في صدره النهاية ـ نحب ـ ونشج .
(2) حملاق العين ـ بالكسر والضم ـ وكعصفور : باطن أجفانها الذي يسود بالكحلة ، أو ما غطته الاجفان من بياض المقلة ، أو باطن الجفن الأحمر ، الذي إذا قلب للكحل رأيت حمرته ، أو ما لزق بالعين من موضع الكحل من باطن ، جمع حماليق ، هامش الروضة 77 .
(3) روضة الكافي 76 ـ 77 .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 140 _
فأين ما قال الله ؟ وتلا الآية ، فقال ( إنك لم تترك لي فضلاً فرددت عليك مثله ... ) (1) ، هذا مجمل القول حول صيغ السلام بين المسلمين .
الأمر الثالث :
في بعض أحكام السلام وما يمت به بصلة : من سلام أهل الكتاب ابتداء أو إجابة ، وإبلاغ التحية ، وبيان كيفيتها في بعض الفروض وما جاء من حديث في هذه النواحي الثلاث :
الناحية الأولى : : تحية أهل الكتاب وفيها من الأحاديث :
1 ـ روى الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبن أبي عمير ، عن ابن أُذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : ( دخل يهودي على رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، وعائشة عنده فقال : السام (2) عليكم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : عليكم ثم دخل آخر فقال مثل ذلك فرد عليه كما رد على صاحبه فغضبت عائشة فقالت : عليكم السام والغضب واللعنة يا معشر اليهود ، يا إخوة القردة والخنازير ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله : يا عائشة إن الفحش لو كان ممثلاً لكان مثال سوء ، إن الرفق لم يوضع على شيءٍ قط إلا زانه ولم يرفع عنه قط إلا شانه ، قالت : يا رسول الله أما سمعت إلى قولهم : السام عليكم ؟ فقال : بلى ، أما سمعت ما رددت عليهم ؟ قلت : عليكم ، فإذا سلم عليكم مسلم فقولوا : سلام عليكم ، وإذا سلم عليكم كافر فقولوا : عليك ) (3) .
أقـول : تصريح بالاقتصار في الإجابة على ( عليك ، أو عليكم ) كما في العلوي الآتي وكذا المنع من الابتداء بالتسليم عليهم :
--------------------
(1) تفسير الكشاف 1 | 544 ، وقد عرفت مصدر النبوي من نقل الشريف الرضي وغيره ، وفي تفسير المنار 5 | 12 : وفسروه بأن تقول لمن قال : السلام عليكم ، بقولك : وعليكم السلام ، والأحسن أن تقول : وعليكم السلام ورحمة الله ، فإذا قال هذا في تحيته ، فالأحسن أن تقول : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، وهكذا يزيد المجيب على المبتدىء كلمة أو أكثر ... ) .
(2) السام : الموت .
(3) أصول الكافي 2 | 648 ، باب التسليم على أهل الملل ، الحديث 1 .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 141 _
2 ـ روى الكليني عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن يحيى ، عن غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله قال : ( قال أمير المؤمنين عليه السلام : لا تبدأوا اهل الكتاب بالتسليم ، وإذا سلموا عليكم فقولوا : وعليكم ) (1) .
3 ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة قال : ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اليهودي ، والنصراني ، والمشرك إذا سلموا على الرجل وهو جالس ، كيف ينبغي أن يرد عليهم : فقال : يقول : عليكم ) (2) .
4 ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن بريد بن معاوية ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( إذا سلم عليك اليهودي والنصراني والمشرك فقل : عليك ) (3) .
هذه الروايات الصحيحة صريحة في الاقتصار على ( عليك أو عليكم ) في الأجابة على تسليم أهل الكتاب .
وأما الابتداء به فمنهي كما يأتي في السلام المنهي .
ومعنى ذلك أن الذي يضمره اليهودي أو غيره من سوء هو عليه دون غيره من الناس .
وقد تقدم كيفية السلام على المشرك بأن يقول : ( السلام على من اتبع الهدى ) (4) وذكرنا هناك أن السلام دعاء السلامة للمسلم عليه ولا ينفع الكافر ، بل والدعاء له لكونه كافراً كفر ، نعم ربما انتفع به إذا كان موضعاُ للأنتفاع ، وقد سبق استغفار إبراهيم عليه السلام لآزر الذي حكاه الله بقوله تعالى : ( ولما تبين أنه عدو لله تبرَّأ منه ) (5) .
--------------------
(1) أصول الكافي 2 | 648 ـ 649 ، الحديث 2 ، في هامشه : في جميع النسخ بإثبات الواو ، يعني علينا السلام وعليكم ما تستحقون .
(2) أصول الكافي 2 | 649 .
(3) المصدر نفسه .
(4) المصدر نفسه وتقدم عقيب 20 ـ الحديث من أحاديث ( 7 ـ أدب السلام ) .
(5) التوبة : 114 .
ولكن في صادقي : ( تقول في الرد على اليهودي والنصراني سلام ) أصول الكافي 2 | 650
=
السـلام في القرآن والحديـث
_ 142 _
ولبعض حول التسليم لأهل الكتاب كلام وهو : كان اليهود يسلمون على النبي ، صلى الله عليه وآله ـ وسلم ، فيرد عليهم السلام حتى كان من بعض سفهائهم تحريف السلام بلفظ ( السام ) ، أي الموت ، فكان النبي ، صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم ، يجيبهم بقوله : ( وعليكم ) وسمعت عائشة واحداً منهم يقول له : السام عليك .
فقالت له وعليك السام واللعنة ، فانتهرها النبي عليه الصلاة والسلام مبيناً لها أن المسلم لا يكون فاحشاً ، ولا سباباً ، وأن الموت علينا وعليهم .
وروي عن بعض الصحابة كابن عباس أنهم كانوا يقولون للذمي : السلام عليك .
وعن الشعبي عن أئمة السلف أنه قال لنصراني سلم عليه : وعليك السلام ورحمة الله تعالى .
فقيل له في ذلك ، فقال : ( أليس في رحمة يعيش ) وفي حديث البخاري : الأمر بالسلام على من تعرف ومن لا تعرف .
وروى ابن المنذر عن الحسن أنه قال : ( فحيوا بأحسن منها ) للمسلمين ، ( أو ردوها ) لأهل الكتاب . وعليه يقال للكتابي ورد السلام عين ما يقوله ، وإن كان فيه ذكر الرحمة .
هذه لمعة مما روي عن السلف ، ثم جاء الخلف فاختلفوا في السلام على غير المسلم ، فقال كثيرون : إنهم لا يبدأون بالسلام لحديث ورد في ذلك ، وحملوا ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما على الحاجة ، أي لا يسلم عليهم ابتداء إلا لحاجة .
وأما الرد فقال بعض الفقهاء : إنه واجب كرد السلام ، وقال بعضهم : سنة .
أما ما ورد من حق المسلم على المسلم فلا ينافي حق غيره ، فالسلام حق عام ، ويراد به أمران : مطلق التحية ، وتأمين من تسلم عليه من الغدر والإيذاء ، وكل ما يسيء ، وقد روى الطبراني (1) والبيهقي من حديث أبي
--------------------
=
وفي هامشه أي : علينا أو على من يستحقه .
أقول : السلام كاللعنة يطلب أهله كائناً من كان .
(1) هو أبو القاسم سليمان بن أحمد ... أحد حفاظ أهل السنة ، رحل في طلب الحديث من الشام إلى العراق ، والحجاز ، واليمن ، ومصر وغيرها ، وسمع الكثير ، وعدد شيوخه ألف شيخ ، ويقال : له مسند الدنيا ، يروي عنه أبو نعيم الأصبهاني ، وله مصنفات أشهرها المعاجم =
السـلام في القرآن والحديـث
_ 143 _
أمامة : ( إن الله تعالى جعل السلام تحية لأمتنا وأماناً لأهل ذمتنا )
وأكثر الأحاديث التي وردت في السلام عامة ، وذكر في بعضها ( المسلم ) ، أما جعل تحية الإسلام عامة فعندي أن ذلك مطلوب ، وقد ورد في الأحاديث الصحيحة أن اليهود كانوا يسلمون على المسلمين فيردون عليهم ، فكان من تحريفهم ما كان سبباً لأمر النبي ، صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم ، بأمر المسلمين أن يردوا عليهم بلفظ ( وعليكم ) ، حتى لا يكونوا مخدوعين للمحرفين ، ومن مقتضى القواعد أن الشيء يزول بزوال سببه .
ولم يرد أن أحداً من الصحابة نهى اليهود عن السلام ، لأنهم لم يكونوا ليحظروا على الناس آداب الإسلام ، ولكن خلف من بعدهم خلف أرادوا أن يمنعوا غير المسلم من كل شيء يعمله المسلم ، حتى من النظر في القرآن ، وقراءته الكتب المشتملة على آياته ، وظنوا أن هذا تعظيم للدين ، ـ إلى أن قال القائل : ـ هذا ما أفتينا به منذ بعض سنين ، وحديث عائشة المشار إليه في الفتوى رواه الشيخان في صحيحيهما ، ورويا عن أبي هريرة عدم ابتدئنا إياهم بالسلام ، ولعل ذلك كان لأسباب خاصة اقتضاها ما كان بينهم وبين المسلمين من الحروب ، وكانوا هم المعتدين فيها ، روى أحمد عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم : ( إني راكب غداً إلى يهود فلا تبدأوهم بالسلام ، وإذا سلموا عليكم فقولوا : وعليكم ) فيظهر هنا أنه نهى أن يبدأوهم بالسلام ، لأن السلام تأمين ، وما كان يحب أن يأمنهم وهو غير أمين منهم ، لما تكرر من غدرهم ونكثهم للعهد معه ، فكان ترك السلام عليهم تخويفاً لهم ليكونوا أقرب إلى المواتاة (1) .
أقـول : وليس قوله هذا إلا اجتهاداً في مقابل النص الصحيح الصريح من منع الابتداء بالسلام على أهل الكتاب .
-------------------
=
الثلاثة وهي أشهر كتبه ، مولده بطبرية الشام سنة 260 ـ أي عام وفاة الإمام أبي محمد العسكري عليه السلام ـ وسكن أصبهان إلى أن توفي بها في قع سنة 360 ... الكنى والألقاب 2 | 443 .
فعمر مئة سنة وشيوخه ألف ، ومن ثم قيل فيه مسند الدنيا .
(1) تفسير المنار 5 | 312 ـ 316 .