17 ـ اللاعب بالأربعة عشر وآلات القمار .
18 ـ أصحاب البربط والطنبور .
19 ـ المتفكهين بسبّ الأّمهات .
20 ـ الماشي مع الجنازة .
21 ـ الماشي إلى صلاة الجمعة .
22 ـ العلج .
23 ـ النساء وفيه تفصيل (1) .
24 ـ الدهقان العظيم .
25 ـ قاذف المحصنات .
وللضرورة في كلّ المجالات عذر موجّه ، فإذا اقتضت المصلحة أن يتقدم بالسلام للهداية ، أو تبليغ الأحكام ، سلّم تسليماً لأمر الله تعالى ، ورجاء أن يهتدي الضالّ ، أو يتبصّر الجاهل ، وعسى الله عزّ وجلّ أن يجعل السلام ـ وهو اسم من أسمائه الحسنى ـ سلامه للقلوب ، وطهارة من الذنوب ، إذ هو ( تحيّة من عند الله مباركة طيبة ) (2) ، والأمور جميعها بيده تعالى .
--------------------
(1) الدعائم 2 | 215 وفيه ( ونهى صلى الله عليه وآله أن يسلّم الرجال عليهنّ ) جامع أحاديث الشيعة 15 | 605 .
أقول : فيه تفصيل يتجلّى من حديث أصول الكافي 2 | 648 ـ باب التسليم على النساء ـ إذا كانت المرأة شابّة كره السلام عليها ، وأمّا غيرها فكالرجال ، ما لم يوجب فيها موجب من الأحكام الخمسة ، بصورة معيّنة .
(2) النور : 61 .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 177 _
سـلام الوداع
إنما شرّع السلام لكلّ من متلاقيين لأجل أن تطيب الضمائر ، وتسكن الخواطر ، ولتجديد العهد ، وإبقاء السلام والأمن ، والخير للعباد والبلاد .
وهذه المعاني كما هي محبوبة في بداية اللقاء كذلك بصالح الجانبين في نهايته ، وليس السلام في الأولى بأولى من الثانية ، لأن المواجهة بطلاقة الوجه وعن سلامة الطوية ومرضيّة على كلّ حال ، يفترقان على ذلك كما يلتقيان ، وجمال السبب في البدء والعود واحد ، وليس الأول أجمل من الآخر، وبه جاء النصّ الصحيح مصرّحاً : وأنّ التحية عند الانصراف ليست بأولى من الآخرى .
1 ـ الحسن الطبرسي ـ في مكارم الأخلاق ـ عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ( إذا قام أحدكم من مجلسه منصرفاً فليسلّم ، فليست الأولى (1) بأولى من الأخرى ) (2) .
2 ـ سبط الطبرسي ـ في مشكاة الأنوار ـ عنه صلى الله عليه وآله قال : ( إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلّم ، فإن بدا له أن يجلس فليجلس ، فإذا قام فليسلّم ، فإن الأول ليس أولى من الآخر ) (3) .
--------------------
(1) أي التحيّة أو التسليمة الأولى .
(2) مكارم الأخلاق 26 ، الوسائل 8 | 456 ، جامع أحاديث الشيعة 15 | 618 .
(3) مستدرك الوسائل 8 | 378 ، جامع الأحاديث 15 | 618 .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 178 _
3 ـ الجعفريات : أخبرنا عبد الله ، أخبرنا محمد ، حدّثني موسى ، حدّثنا أبي عن أبيه ، عن جدّه جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جدّه علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وآله : ( إذا قام أحدكم من مجلسه فليودّعهم بالسلام ) (1) .
4 ـ القطب الراوندي ـ في لبّ اللباب ـ ... قال : ( ثم قام رجل وخرج ولم يسلّم ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ما أسرع ما نسيتم ! إذا جئتم فسلّموا ،
وإذا قمتم فسلموا ) (2) .
5 ـ هرون عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن النبيّ صلى الله عليه وعلى أهل بيته قال : ( إذا قام الرجل من مجلسه فليودّع إخوانه بالسلام ) (3) .
أقـول : إنما ذكرالمجلس في جميع هذه الأحاديث لكي يصلح للوداع ، ولتوقف الصدق العرفي على المكث الصالح للأفتراق ، وعليه فالالتقاء بين اثنين فصاعداً مع المكث ـ وإن قلّ زمانه ـ يجدر معه سلام الوداع ، وإلاّ فلا سلام إلاّ سلام اللقاء والمواجهة التي لها كرامتها ، وربّما يقال بكفاية المواجهة إطلاقاً ، فيسلّم سلامين : سلام اللقاء ، والآخر الوداع فتدبّره .
ثم إنّه قد جاء سلام الوداع في مواطن :
منها : في زيارة مراقد الأئمّة الأطهار وأولادهم ، ومرقد النبيّ ، بل جميع الأنبياء ، والأوصياء عليهم السلام ، عندما يريد الزائر الانصراف .
ومنها : سلام وداع شهر الله شهر رمضان المبارك ، وقد جاء عن أهل البيت عليهم السلام دعاؤه ، وسلام وداعه (4) .
ومنها : غير ذلك من أيّ إنسان أو أمر محبوب أراد صاحبه الافتراق
--------------------
(1) الجعفريات 229 ، مستدرك الوسائل 8 | 378 ، جامع الأحاديث 15 | 618 .
(2) مستدرك الوسائل 8 | 378 ، جامع الأحاديث 15 | 619 .
(3) قرب الإسناد 22 ، الوسائل 8 | 456 ، جامع الأحاديث 15 | 618 .
(4) الصحيفة السجادية 242 ـ 245 ، الدعاء 45 ، الآتي ذكره قريباً .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 179 _
عنه ، يجدر أن يسلّم عليه سلام المودّع له ، إن صدق شوقه وحبّه ، وهذه سنّة الحبّ والهوى ، ولن تجد لسنّتها تبديلاً ، ( فمن بدّله بعد ما سمعه فإنّما
إثمه على الذين يبدّلونه ) (1) .
نعود إلى زائر ضرائح الأبدان المقدسة فنقول : إنّ الزائر يكتسب من المزور بسلامه عليه دخولاً وخروجاً ، فضلاً من فضائله ، وكلّ ما كان المزور
أفضل حظي بالأسمى منها ، واستجيب دعاؤه تحت قبّته ، وشملته الرحمة ، خاصّة قبر الحسين عليه السلام ، للروايات المأثورة فيه (2) ولسنا الأن بصددها ، بل المهم ذكر أحاديث سلام الوداع .
قال ابن قولويه : حدّثني الحسين بن محمد بن عامر ، عن المعلّى بن محمد البصري ، عن علي بن أسباط ، عن الحسن بن الجهم ، قال : قلت لأبي الرضا
عليه السلام : أيّهما أفضل : رجل يأتي مكّة ولا يأتي المدينة ، أو رجل يأتي النبي ولا يأتي مكّة ؟ قال : فقال لي : أيّ شيءٍ تقولون أنتم ؟ قلت : نحن نقول في الحسين عليه السلام (3) ، فكيف في النبي صلّى الله عليه وآله ؟ قال : أما لئن قلت ذلك ( فـ ) لقد شهد أبو عبد الله عليه السلام عيداً بالمدينة ، فانصرف فدخل على النبي صلى الله عليه وآله فسلّم عليه ، ثم قال لمن حضره : أما لقد فضلنا أهل البلدان كلّهم مكّة فمن دونها ، لسلامنا على رسول الله صلى الله عليه وآله (4) ).
--------------------
(1) البقرة : 181 .
(2) في كامل الزيارات 142 ، الباب 56 الباقري : ( لو يعلم الناس ما في زيارة قبر الحسين عليه السلام من الفضل لماتوا شوقاً ، وتقطعت أنفسهم عليه حسرات ... ) ، وفي 274 ، الباب 90 رواية ابي هاشم الجعفري في إرسال أبي الحسن الهادي من يدعو له في الحائر قال فيها عليه السلام : ( ... وأنّ لله تعالى بقاعاً يحبّ أن يدعى فيها فيستجيب لمن دعاه والحائر منها ) .
وراجع المصدر فإنّ فيه أبواباً عقدها للحسين عليه السلام وغيره ، ما يبهر العقول خاصة الباب 59 ص 147 ـ 149 ، وفيه روايات ، منها الصادقي : ( يا بشير من زار قبر الحسين عليه السلام عارفاً بحقه ، كان كمن زاد الله
في عرشه ) فانظر المصدر فإنّ فيه من هذا النوع أكثر من حديث .
(3) يريد أن زيارة الحسين عليه السلام يوم عرفة أفضل من وقوف عرفات من الحج المندوب لا الواجب .
(4) كامل الزيارات 331 ، الباب 108 ، الوسائل 10 | 273 .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 180 _
أقول : في الحديث بيان فضيلة أهل البيت عليهم السلام ، وأنّ بقاعهم أفضل البقاع ، لانتسابها إليهم ، ولولاهم لم يعرف لمكّة فضلها ، ولولاهم لم يعبد
الله تعالى ، ولم يعرف لخلقه ، لأنهم من أشرفهم ، وأنهم أدلاّء على الله وأبوابه التي منها تؤتى ، كذلك شاء الله عزّ وجلّ لهم .
وداع قبر النبي صلّى الله عليه وآله : في صحيح معاوية بن عمّار قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : ( إذا أردت أن تخرج من المدينة فاغتسل ثم ائت قبر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، بعدما تفرغ من حوائجك ، فودّعه واصنع ما صنعت عند دخولك ... ) (1) .
قوله عليه السلام : ( واصنع ما صنعت عند دخولك ) : قد بيّنه في كلام آخر له وهو : ( فاغتسل قبل أن تدخلها ، أو حين تريد أن تدخلها ، ثم تأتي قبر
النبي ، صلّى الله عليه وآله فتسلّم ... ) (2) .
وصحيح يونس بن يعقوب قال : سألت أبا عبد الله عن وداع قبر رسول الله صلى عليه وآله ؟ فقال : ( تقول : صلى الله عليك ، السلام عليك لا جعله الله
آخر تسليمي عليك ) (3) .
وداع قبر أمير المؤمنين عليه السلام بعد ما قضى الزائر من زيارته المأثورة وطره : قال ابن قولويه : حدّثني محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ في كتاب الجامع ـ يروي عن أبي الحسن عليه السلام قال : إذا أردت أن تودّع قبر أمير
المؤمنين عليه السلام فقل :
--------------------
(1) كامل الزيارات 26 ، الباب 7 .
(2) كامل الزيارات 15 ، الباب 3 .
(3) كامل الزيارات 26 ـ 27 ، الباب 7 الوسائل 10 | 281 .
أقول : من تسليم الوداع ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام عند دفن فاطمة عليها السلام في آخر ما قال : ( والسلام عليكما سلام مودع لا قال ولا سئم ، فإن أنصرف فلا عن ملالة ، وإن أقم فلا عن سوء ظن ... ) النهج 10 | 165 الخطبة 195 .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 181 _
( السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، أستودعك الله وأسترعيك وأقرأ عليك السلام آمنّا ( إيماناً ) بالله وبالرسول وبما جاءت (1) به ... ) (2) .
سلام وداع قبر الحسين عليه السلام (3) : ثم قالا ـ أي الشيخ المفيد والطوسي ـ : ثم أرجع إلى مشهد الحسين عليه السلام للوداع ، فإذا أردت أن تودّعه فقف عليه كوقوفك أول الزيارة واستقبله بوجهك وقل : ( السلام عليك ياولي الله ، السلام عليك يا أبا عبد الله ، أنت لي جُنّة من العذاب ، وهذا أوان انصرافي غير راغب عنك ، ولا مستبدل بك سواك ، ولا مؤثر عليك غيرك ، ولا زاهد في قربك ، وقد جدت بنفسي للحدثان ، وتركت الأهل والأوطان ) ، ـ إلى أن قال : ـ ثم أشر إلى القبر بمسبحتك اليمنى وقل : ( سلام الله ، وسلام ملائكته المقربين ، وأنبيائه المرسلين ، وعباده الصالحين ، يا بن رسول الله ، عليك وعلى روحك وبدنك ، وعلى ذرّيّتك ، ومن حضرك من أوليائك ، أستودعك الله ، وأسترعيك ، وأقرأ عليك السلام ... ) (4) .
أقول : قد جاء في سلام وداع قبر أبي الفضل العباس بن علي عليهما السلام :
( السلام عليك يا مولاي ، سلام مودّع لا قال ولا سئم ، فإن أنصرف فلا عن ملالة ، وإن أقم فلا عن سوء ظنٍّ بما وعد الله الصابرين ، يا مولاي
--------------------
(1) الظاهر ( جاء به ) .
(2) كامل الزيارات 46 ، الباب 12 ، هذا سلام الوداع بعد وفاته ، وإليك من سلام الوداع في حياته عليه السلام ففي صادقي : ( جاء رجل إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه وهو في مسجد الكوفة فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، فردّ عليه فقال : جعلت فداك إني أردت المسجد الأقصى فأردت أن أسلّم عليك وأودّعك ، فقال له : وأي شيءٍ أردت بذلك ؟ فقال : الفضل جعلت فداك ، قال : فبع راحلتك وكل زادك وصلِّ في
هذا المسجد ... ) فروع الكافي 3 | 491 ، والشاهد هو ( فأردت أن أسلّم عليك وأودّعك ) وله نظائر في أحاديثهم عليهم السلام .
(3) لا يخفى أن سلام الوداع لقبر الحسين عليه السلام مذكور بتفصيل في كامل الزيارات 252 ـ 256 ، الباب 84 ، الخاصّ بوداع قبر الحسين عليه السلام .
(4) البحار 101 | 203 ، و257 ، الباب 21 ، الزيارات المختصة بالوداع 280 ـ 284 ، و 363 .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 182 _
لا جعله الله آخر العهد منّي لزيارتك ، ورزقني العود إليك ، والمقام في حرمك ، والكون في مشهدك ، آمين ربّ العالمين ) (1) .
وجاء لجميع الأئمّة وأولادهم عليهم السلام تسليمات الوداع ، لكلّ واحد واحد منهم فليراجع بحار الشيخ المجلسي (2) .
ومن الجدير للمودّع أن ينوي العود ، كما جاء التصريح في الوداع الأخير (3) .
يبقى سؤال : يختلج بالبال هنا سؤال وقد صرّح به بعض زملائنا لا بأس بإيراده والجواب عنه ، وهو : إنّا نجد في جميع الزيارات ـ حتى الوداعيّة منها ـ قد كرّر فيها السلام كثيراً ، لماذا هذا التكرار ؟ أوَليس من ورد على آخر وكان بمشهد ومرأَىً منه يسلّم في مجلس واحد مرّة واحدة ، ولو كرّر السلام بأن قال : السلام عليكم ، السلام عليكم ، عدّه العقلاء مستهزئاً ، ومشاهد قبور
--------------------
(1) البحار 101 | 362 .
(2) البحار 102 | 13 ـ 324 .
(3) أي قبر أبي الفضل العباس عليه السلام ، ولا تخصّ نيّة العود به ، بل هي مطلوبة في الجميع ، حتى في سلام الوداع المتداول بين الناس ، لما جاء في المثل قولهم : ( العود أحمد ) أي أكثر حمداً ، قال الشاعر :
فلم تجر إلاّ جئت في الخير سابقاً ولا عدت إلاّ أنت في العود iiأحمد
لسان العرب 3 | 158 ـ حمد ـ .
قال الزمخشري بعد المثل : لأنك لا تعود إلى شيء في الغالب إلاّ بعد خبرته ... قال الأخطل : ( الطويل ) .
فـقلت لساقينا عليك فعُد iiبنا إلى مثلها بالأمس فالعود أحمد
... المستقصى 1 | 335 .
وقال الميداني بعد المثل : ... يعني الابتداء محمود والعود أحقّ بأن يحمد منه ... مجمع الأمثال 2 | 34 ـ 35 .
لعادة المحمود عد يا أحمد فالعود لا شك إليه iiيحمد
فرائد اللآل في مجمع الأمثال 2 | 29 .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 183 _
المعصومين عليهم السلام كمشاهد حضورهم ، لأنّ موتهم وحياتهم سواء ، يرون الزائر ، ويسمعون كلامه ، وسلامه ، ويردّون جوابه ، كما جاء ذلك في استئذان الدخول إلى الروضات المنورة أوّله : ( اللّهمّ إني وقفت على باب من أبواب بيوت نبيك ، وقد منعت الناس أن يدخلوا إلاّ بإذنه ـ إلى قوله : ـ وأعلم أنّ رسولك وخلفاءك عليهم السلام أحياء عندك يرزقون ، يرون مقامي ، ويسمعون كلامي ، ويردّون سلامي ، وإنّك حجبت عن سمعي كلامهم ، وفتحت باب فهمي بلذيذ مناجتهم ) (1) ...
وعليه فإن أراد المكرّر للسلام سماع سلامه ، فيسمعون ذلك من دون افتقار إلى التكرار ، وإن كانت الأخرى فلا غاية متصورة إلا الاستهزاء ، أو على
الأقل يكون من الاستعمال المستهجن الساقط عن الأقطار .
والجواب عنه : إنا نمنع أن يكون تكرار السلام من المستهجن ، إذا كان المسلّم ممتدحاً لصاحبه ، وذكر بين كلّ سلامين فضيلة من فضائله ، نعم ، إذا لم يفصل بين السلامين كما سبق بأن قال : السلام عليكم ، السلام عليكم ، لعلّه يُعدّ عند العقلاء هازلاً أو لاغياً وإن كان في مقام المدح ، وأين هذا من قول : السلام
عليك مكرّراً مع الفصل بذكر فضيلة من فضائله ، كما في جميع الزيارات ، منها زيارة أمير المؤمنين عليه السلام وفيها : ( السلام على المولود في الكعبة ، المزوّج في السماء ، السلام على أسد الله في الوغى ، السلام على من شُرّفت به مكّة ومنى ، السلام على صاحب الحوض وصاحب اللواء ، السلام على خامس أهل العباء ... ) (2) .
ولم أجد في الزيارات المأثورة ، ـ ولا واحدة منها ـ زيارة مشتملة على التسليمات المتكررة ، إلا وفيها بين كلّ تسليمة وتسليمة ذكر فضيلة من فضائل
المزور ، أفهل ترى في هذا النوع من التكرار استهجاناً ؟ ، كلاّ ، ولعلّ
وجه تعديد فضائل المزور ، والسلام المكرّر عليه ، رجاء أن يقع بعضها موقع القبول ، أو إظهار أنا لا نمتلك سوى أن نقف أمام ضريحك المنوّر ، ونسلّم
عليك وعلى أهل بيتك ، والأرواح المنيخة بفنائك ، أو أنّ علينا الدخول إلى حرمك ، وذكر فضائلك والسلام الكثير ، وأنا نأمل بذلك الشفاعة والغفران .
فتكرار السلام لإحدى هذه الغايات أو كلّها حسن ولا استهجان فيه .
ثم سلام الوداع لم يخصّ الإنسان ، وقد روى الصدوق عن الصادق عليه السلام قال : لما انتهى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ إلى الركن الغربي (1)
فقال له الركن : يا رسول الله ألستُ قعيداً من قواعد بيت ربّك ؟ فما لي لا أُستَلَم ؟ فدنا منه النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال له : اسكن عليك السلام غير
مهجور (2) .
بـيان : يأتي الحديث نفسه في الأمر الثالث من الخاتمة ، في سلام الكائنات ، وفيه احتمال أن يكون السلام النبوي على الركن من سلام الوداع ، ومن ثم ذكرناه
هنا ، واحتمالان آخران فيه بأن يكون جواباً إما لشكوى الركن بشهادة كلمة ( غير مهجور ) ، أو الجواب عن سلام الركن قد سمعه وعلمه صلّى الله عليه وآله دوننا .
ومن سلام الوداع ما وعدناك من ذكر سلام الوداع لشهر الله ، وهو ما جاء من دعاء الإمام السجّاد عليه السلام في وداع شهر رمضان (3) : ( ... السلام عليك يا شهر الله الأكبر ، ويا عيد أوليائه ، السلام عليك يا أكرم مصحوب من الأوقات ، ويا خير شهر في الأيّام والساعات ، السلام عليك من شهر قربت فيه الآمال ، ونشرت فيه الأعمال ، السلام عليك من قرينٍ جلّ قدره موجوداً ، وأفجع فقده مفقوداً ، ومرجوّ آلم فراقه ، السلام عليك من أليف آنس مقبلاً فَسَرَّ ، وأوحش منقضياً فَمَضَّ ، السلام عليك من
--------------------
(1) وهو بعد الشامي البادئ بالحجر الأسود في الطواف ثم الركن الشامي ، ثم الغربي ، ثم اليماني ، ويختم بالحجر الأسود ، وهو الركن العراقي فصارت الأركان أربعة .
(2) علل الشرائع 429 ، البحار 99 | 222 ـ 223 .
(3) الدعاء الخامس والأربعون من الصحيفة السجادية .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 185 _
مجاور رقّت فيه القلوب وقلّت فيه الذنوب ، السلام عليك من ناصرٍ أَعانَ على الشيطان ، وصاحبٍ سَهَّلَ سُبُل الإحسان ، السلام عليك ما أكثر عتقاء الله
فيك ، وما أسعد من رَعى حرمتك بك ، السلام عليك ما كان أمحاك للذنوب ، وأسترك لأنواع العيوب ، السلام عليك ما كان أطولك على المجرمين ، وأهيبك في صدور المؤمنين ، السلام عليك من شهر لا تنافسه الأيّام ، السلام عليك من شهر هو من كلّ أمر سلام ، السلام عليك غير كريه المصحابة ، ولا ذميم الملابسة ، السلام عليك كما وفدت علينا بالبركات ، وغسلت عنّا دنس الخطيئات ، السلام عليك غير مودّعٍ بَرَماً ولا متروكٍ صيامه سَأَماً ، السلام عليك من مطلوب قبل وقته ، ومحزون عليه قبل فوته ، السلام عليك كم من سوءٍ صُرِف بك عنّا ، وكم من خير أفيض بك علينا ، السلام عليك وعلى ليلة القدر التي
هي خير من ألف شهر ، السلام عليك ما كان أحرصنا بالأمس عليك ، وأشدّ شوقنا غداً إليك ، السلام عليك وعلى فضلك الذي حُرمناه وعى ماضٍ من بركاتك سلبناه ، اللّهمّ ... ) (1) .
أقـول : ولهذا الدعاء شرح يطول به المقام .
الـوداع : الوداع مصدر وَدَعَ ، قال الشيخ الطريحي : قوله تعالى : ( مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ ) ( 3 | 93 ) أي ما تركك ، ومنه قولهم : ( استودعك الله غير مودّع ) أي غير متروك ، ومنه سمّي الوداع بالفتح لأنه فراق ومتاركة ، وفي الحديث عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : ( ما ودّعك ربّك وما قلى ) قال : إن جبرئيل أبطأ على رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، وإنّه كانت أوّل سورة نزلت ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ) ثم أبطأ عليه فقالت خديجة : لعلّ ربّك قد بركك ولا يرسل إليك ، فأنزل الله ( مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى )(2) .
قال ابن الأثير وفيه (3) ( لينتهينّ أقوام عن ودعهم الجُمُعات ، أو ليختمنَّ
--------------------
(1) كتاب إقبال السيد ابن طاوس 250 ، الصحيفة السجادية : 242 ـ 245 ، الدعاء 45 لم نكمل الدعاء فأخذنا منه قدر الحاجة .
(2) تفسير القمي 2 | 428 ، مجمع البحرين ـ ودع ـ الضحى : 3 .
(3) أي الحديث النبوي على ما اصطلح فيه .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 186 _
على قلوبهم ) أي : عن تركهم إيّاها ، والتخلّف عنها ، يقال : وَدَعَ الشيء ، يَدعُه وَدْعاً : إذا تركه ، والنَّحاة يقولون : إن العرب أماتوا ماضي يَدَعُ ، ومصدَرَه ، واستغنوا عنه بتَرَكَ ، والنبي صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلّم أفصح .
وإنّما يحمل قولهم على قلّة استعماله ، فهو شاذّ في الاستعمال ، صحيح
في القياس ، وقد جاء في غير حديث ، حتى قرئ به قوله تعالى : ( ما وَدَعَكَ ربّك وما قلى ) بالتخفيف (1) .
وقال ابن فارس : الواو والدال والعين : أصل واحد يدلّ على الترك والتخلية ، وَدَعَه : تركه ، ومنه دَعْ ، وينشد :
ليت شعري عن خليلي ما الذي غاله في الحبّ حتّى وَدَعَه (2)ii
ومنه ودَّعتُه توديعاً ، ومنه الدَّعَة : الخفض ، كأنّه أمر يترك معه ما يُنصِب (3) .
أقول : في الباقري : ( كان علي بن الحسين عليهما السلام يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة كما كان يفعل أمير المؤمنين عليه السلام ، كان له خمس
مائة نخلة ، وكان يصلّي عند كلّ نخلة ركعتين ، وكان إذا قام في صلاته غشى لونه لون آخر ، وكان قيامه في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي المَلِكِ الجليل ، كانت أعضاؤه ترتعد من خشية الله ، وكان يصلّي صلاة مودّع ، يرى أن لا يصلّي بعدها أبداً ... ) (4) .
والصادقي قال : أتى النبي صلّى الله عليه وآله رجلان ، رجل من الأنصار ، ورجل من ثقيف ، فقال له الثقفي : ( يا رسول الله ، صلّى الله عليه وآله ، حاجتي فقال : سَبَقَكَ أخوك الأنصاري ، فقال : يا رسول الله إنّي على سفر وإني عجلان ، وقال الأنصاري : إنّي قد أذنت له ، فقال : إن شئت
--------------------
(1) النهاية 5 | 165 ـ 166 ـ ودع ـ .
(2) البيت لأبي الأسود الدؤلي في اللسان ـ ودع ـ .
(3) معجم مقاييس اللغة 6 | 96 ـ ودع ـ .
(4) الوسائل 3 | 73 .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 187 _
سألتني وإن شئت أنبأتك ، قال : أنبئني يارسول الله ، فقال : جئت تسألني عن الصلاة ، وعن الوضوء ، وعن السجود ، فقال الرجل : أي والذي بعثك بالحق ، فقال : أصبغ الوضوء ، واملأ يديك من ركبتيك ، وعفّر جبينك في التراب ، وصلّ صلاة مودع ) الحديث (1) .
والنبوي : ( عليك باليأس ممّا في أيدي الناس ، فإنّه الغنى الحاضر ، وإياك والطمع ، فإنه الفقر الحاضر ، وصلّ صلاة مودّع ... ) (2) .
بيـان : كان الغرض من ذكر هذه الأحاديث الإصابة لموضع الوداع المطلوب والنافع ، وقد عرفت معنى ( صلاة مودّع ) أن يرى أنّه لا يوفق لغيرها من صلاة ،
أي لم يبق حيّاً حتى يصلّي ، فما حال من يؤمن أن يموت بعد صلاته هذه مباشرة ، على النقل المتقدم من أهل اللغة لتفسير سلام الوداع مع الحبيب ، ومن يهمك لقاؤه ، وعند الفراق وغيبته ما موقفه ؟ .
خاصة الافتراق الذي لا لقاء بعده إلا القيامة ، وهو هنا يتجسد لدى الموالي لأهل البيت عليهم السلام ، فرقتهم الحازة للقلوب ، وليتصور ساعة وداع
الإمام الحسين عليه السلام ، مع حرمه ، وأطفاله ، وولده السجاد ، وأخته زينب بنت أمير المؤمنين عليهم سلام الله ، وقد جاء في الأثر : ( إنّ الحسين لمّا نظر إلى اثنين وسبعين رجلاً من أهل بيته صرعى ، التفت إلى الخيمة ونادى : ياسكينة ! يا فطمة ! يازينب ! يا أمّ كلثوم ! عليكنّ منّي السلام ... ) (3) .
وسلام الوداع مؤخّر عن كلمة ( عليك ، أو عليكم ، أو عليكنّ ) كما سمعت من الخبر ، وقد يقال جرياً على التحاور المألوف من باب التفاؤل بالعود ، كما
جاء ذلك في الحديث العلوي : ( تفاءل بالخير تنجح ) (4) .
الخاتمـة فيهـا أمـور ثـلاثـة
بعد الفراغ من الفصول العشرة الكاملة ، نبحث عن خاتمة لها تحتوي على صلاة المعراج وأسرار سلامها ، وسلام الولادة والموت والبعث وأيّامها ، وسلام الكائنات .
فهنا أمور ثلاثة :
الأمر الأوّل :
قبل التكلّم عن صلاة المعراج وأسرار سلامها نقدّم شيئاً من روايات التسليم في الصلاة ، فإنها صورة مصغّرة عن موضوعها وموضعها .
1 ـ روى الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن علي بن أسباط ، عنهم عليهم السلام ، قال : ( فيما وعظ الله به عيسى عليه السلام : ياعيسى أنا ربّك
وربّ آبائك (1) ، ـ وذكر الحديث بطوله إلى أن قال ـ : ثم أوصيك يا بن مريم البكر البتول بسيِّد المرسلين ، وحبيبي فهو أحمد ـ إلى أن قال : ـ يسمّي
عند الطعام ، ويفشي السلام ، ويصلي والناس نيام ، له كلّ يوم خمس
--------------------
(1) ليس لعيسى آباء إلا من طريق مريم قال تعالى : ( وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى ... ) الأنعام : 84 ـ 85 ، فنوح ومن بعده من الأنبياء المذكورين في الآية آباء عيسى لا من طريق أبيه إذ ليس لعيسى أب ، بل هم آباؤه من طريق أمه مريم ، والآية من البراهين الدالة على أن الحسن والحسين ابنا رسول الله وهو أبوهما .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 192 _
صلوات متواليات ، ينادي إلى الصلاة كنداء الجيش بالشعار ، ويفتح بالتكبير ، ويختم بالتسليم ) (1) .
بيـان : بعض الحديث المذكور له علاقة : بالفصل الرابع ـ أي إفشاء السلام في العالم ـ ، وقوله : ( كنداء الجيش بالشعار ) من أروع تمثيل يضرب في هذا المقام
عند إقامة الجمعة والجماعة ، نظير التمثيل في آية ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ )(2) .
2 ـ صحيح عمّار قال : ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التسليم ما هو ؟ قال : هو إذن ) (3) .
3 ـ العلوي : ( افتتاح الصلاة الوضوء ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم ) (4) .
4 ـ قال الصدوق : ( قال رجل لأمير المؤمنين عليه السلام : ما معنى قول الإمام : ( السلام عليكم ؟ ) فقال : إنّ الإمام يترجم عن الله عزّ وجلّ ويقول في
ترجمته لأهل الجماعة : أمان لكم من عذاب الله يوم القيامة ) (5) .
5 ـ الرضوي قال : ( إنما جعل التسليم تحليل الصلاة ، ولم يجعل بدلها تكبيراً ، أو تسبيحاً ، أو ضرباً آخر ، لأنه لمّا كان الدخول في الصلاة تحريم الكلام
للمخلوقين ، والتوجه إلى الخالق ، كان تحليلها كلام المخلوقين والانتقال عنها ، وابتداء المخلوقين في الكلام أوّلاً بالتسليم ) (6) .
بيـان : الحديث الرابع تفسير السلام بالأمان من العذاب ، كما أنّ الخامس
دال على أنّ السلام أوّل الكلام ، وقد تقدّم الأمران ، أوّلهما : في غضون العنوان الأوّل ، وثانيهما : في ( 5 ـ السلام قبل الكلام ) .
6 ـ روى الصدوق بسنده إلى المفضّل بن عمر قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العلّة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة ؟ .
قال : لأنّه تحليل الصلاة .
قلت : فلأيّ علّة يسلّم على اليمين ولا يسلّم على اليسار ؟ .
قال : لأنّ الملك الموكّل الذي يكتب الحسنات على اليمين ، والذي يكتب السيئات على اليسار ، والصلاة حسنات ليس فيها سيّئات ، فلهذا يسلّم على اليمين
دون اليسار .
قلت : فلِمَ لا يقال : السلام عليك والملك على اليمين واحد ولكن يقال : السلام عليكم ؟ .
قال : ليكون قد سلّم عليه وعلى من على اليسار ، وفضل صاحب اليمين عليه بالإيماء إليه .
قلت : فلِمَ لا يكون الإيماء في التسليم بالوجه كلّه ؟ ولكن كان بالأنف لمن يصلّي وحده وبالعين لم يصلّي بقوم .
قال : لأنّ مقعد الملكين من ابن آدم الشدقين (1) ، فصاحب اليمين على الشدق الأيمن ، وتسليم المصلّي عليه ليثبت له صلاته في صحيفته .
قلت : فلِمَ يسلّم المأموم ثلاثاً .
قال : تكون واحدة ردّاً على الإمام ، وتكون عليه وعلى مَلَكَيْه ، وتكون (2) .
الثانية على من على يمينه والملكين به ، وتكون الثالثة على من على
يساره والملكين الموكلين به ، ومن لم يكن على يساره أحد ،
لم يسلّم على يساره ، إلا أن يكون يمينه إلى الحائط ، ويساره إلى مصلٍّى معه خلف الإمام فيسلم على يساره .
قلت : فتسليم الإمام على من يقع ؟ .
قال : على مَلَكَيْه والمأمومين ، يقول لملائكته : اكتبا سلامة صلاتي لما يفسدها ، ويقول لمن خلفه : سلمتم وأمنتم من عذاب الله عزّ وجلّ .
قلت : فلِمَ صار تحليل الصلاة التسليم ؟ .
قال : لأنه تحية الملكين ، وفي إقامة الصلاة بحدودها ، وركوعها ، وسجودها ، وتسليمها سلامة للعبد من النار ، وفي قبول صلاة العبد يوم القيامة قبول سائر أعماله ، فإذا سلمت له صلاته سلمت جميع أعماله ، وإن لم تسلم صلاته وردّت عليه ، ردّ ما سواها من الأعمال الصالحة (1) .
أقول : جئنا على هذا الحديث الشريف عن آخره لاشتماله على علل سلام الصلاة ، وتفسيره المستوفى ، فليعلم المصلّي ماذا يصنع ، وما يقول ، هذه معاني سلام صلاته علم بها أو جهلها .
إذا دريت ما رويناه فإليك صلاة النبيّ ، صلى الله عليه وآله ، في السماء في ليلة المعراج : روى الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن زرارة ، والفضل ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال :
لمّا أسري برسول الله ، صلى الله عليه وآله ، إلى السماء فبلغ البيت المعمور وحضرت الصلاة ، فأذّن جبرئيل وأقام ، فتقدّم رسول الله ، صلّى الله عليه
وآله ، وصفّ الملائكة ، والنبيّون خلف محمد صلى الله عليه وآله ) (2) .
--------------------
(1) علل الشرائع 359 ـ 360 ، الباب 77 ، الوسائل 4 | 1005 مختصراً ونقلاً عنه ، وفي 1009 ـ 1010 تفصيلاً .
(2) الكافي 3 | 302 ، باب بدء الأذان والإقامة ... الوسائل 4 | 612 .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 195 _
بيـان : قال العلامة المجلسي : ويدل على ما أجمع عليه أصحابنا من أنّ الأذان والإقامة بالوحي لا بالنوم كما ذهب إليه العامة ، وعلى ثبوت المعراج وهو معلوم
متواتر ، وعلى كون أرواح الأنبياء في السماء في أجسادهم الأصلية ، أو المثالية على الخلاف ، وقد تكلمنا في جميع ذلك في كتابنا الكبير (1) ، وأما حضور الصلاة فالمراد أما صلاة أوجب الله عليه في ذلك الوقت ، وأوحى إليه أن أصلها في الأرض عند الزوال ، ووصل في السماء إلى (2) مكان يكون في المكان الذي يحاذيه في الأرض ، أول الزوال ، ويدل على جواز كون المؤذّن والمقيم غير الإمام ، وعلى جواز اتّحادهما ، وما ورد في التفريق لا يدلّ على التعيين (3) .
ويدلّ على إمامته ، صلى الله عليه وآله ، للنبيين في السماء ما جاء في تفسير قوله تعالى : ( وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون
الرحمن ءالهة يعبدون ) (4) .
من الباقري وسؤال نافع بن الأزرق ، صاحب هشام بن عبد الملك ، وممّا سأله أن قال نافع بعد تلاوة الآية : ( من ذا الذي سأل محمداً وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة ! ؟ قال : فتلا أبو جعفر عليه السلام هذه الآية : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنُريه من ءاياتنا ) (5) .
فكان من الآيات التي أراها الله محمداً ، صلى الله عليه وآله ، حين أسرى به إلى بيت المقدس ، أن حشر الله الأوّلين والآخرين من النبيين ، والمرسلين ، ثم أمر جبرئيل فإذّن شفعاً ، وأقام شفعاً (6) ، ثم قال في
--------------------
(1) أي كتاب البحار ، لأنه أكبر كتاب صنفه طاب ثراه .
(2) البيت المعمور في السماء الرابعة ، يحاذي الكعبة في البيت الحرام ، وفيه ضراح مطاف الملائكة .
(3) مرآة العقول 15 | 81 .
(4) الزخرف : 45 .
(5) الإسراء : 1 .
(6) أي : اثنين اثنين .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 196 _
إقامته : حيّ على خير العمل (1) ، ثم تقدّم محمد ، صلّى الله عليه وآله ، وصلى بالقوم (2) ، فأنزل الله عليه ( وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن ءالهة يعبدون ) الأية ، فقال لهم رسول الله ، صلّى الله عليه وآله ، : على ما تشهدون ؟ وما كنتم تعبدون ؟ قالوا : نشهد أن لا إله إلاّ الله ، وحده لا شريك له ، وإنك رسول الله ، أخذت على ذلك مواثيقنا وعهودنا ، قال نافع : صدقت يا بن رسول الله ، يا أبا جعفر ، أنتم والله أوصياء رسول الله ، وخلفاؤه في التوارة ، وأسماؤكم في الإنجيل ، وفي الزبور ، وفي القرآن ، وأنتم أحقّ بالأمر من غيركم ) (3) .
بيـان : دلّ الحديث الباقري الأول على أنّ إقامة الجماعة كانت في البيت المعمور المحاذي للكعبة ، والثاني على إقامتها في بيت المقدس .
الجواب : لا علم لنا بالمسامة ، والمحاذاة الحقيقية ، فلعلها يسع الفضاء للأمرين ، والعلم عند الله عزّ وجلّ ، ولهم عليهم السلام تصاريف في الكلام
يراعون حال المخاطبين في ، وله نظائر في أحاديثهم عليهم السلام لا مجال لذكرها .
ويمكن حمل الأول على إسراء ، والثاني على إسراء آخر ، كما احتمله ابن طاوس ، قال في بعض كلماته التي نقلها المجلسي في عدد الأنبياء هناك : لعل
هذا الإسراء كان دفعة أخرى ، غير ما هو مشهور ، فإنّ الأخبار وردت مختلفة في صفات الإسراء ، ولعل الحاضرين من الأنبياء كانوا في هذه الحال ، دون الأنبياء الذين حضروا في الإسراء الآخر ، لأن الأنبياء مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ، ولعلّ الحاضرين من الأنبياء كانوا في هذه هم المرسلون (4) ... أو البيت المعمور هو المسجد الأقصى كما ذكره المجلسي
--------------------
(1) يعني هلم إلى الصلاة فإنها خير الأعمال .
(2) أي النبيين .
(3) تفسير القمي 2 | 284 ـ 285 ، تفسير الصافي 2 | 531 ـ 532 ، الاحتجاج | 59 ـ 60 ، روضة الكافي 120 ـ 121 .
(4) البحار 18 | 318 .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 197 _
في الحديث العلوي فراجع تجده (1) .
ومن حديث المعراج لمّا بلغ جبرئيل بالنبيّ ، صلّى الله عليه وآله إلى سدرة المنتهى في السماء السابعة ، فإذا جبرئيل ينصرف قلت : خليلي جبرئيل في
مثل هذا المكان ! ـ أو في مثل هذه السدرة تخلفني وتمضي ؟ فقال : حبيبي والذي بعثك بالحق نبيّاً ، إنّ هذا المسلك ما سلكه نبيّ مرسل ، ولا ملك مقرّب ، أستودعك ربّ العزة ، وما زلت واقفاً حتى قذفت في بحار النور ، فلم تزل الأمواج تقذفني من نور إلى ظلمة ، ومن ظلمة (2) إلى نور ، حتى أوقفني ربّي الموقف الذي أحبّ أن يقفني عنده من ملكوت الرحمن ، فقال عزّ وجلّ : يا أحمد قف ، فوقفت منتفضاً مرعوباً ، فنوديت من الملكوت : يا أحمد ، فألهمني ربّي فقلت : لبيك ربّي وسعديك ها أنا ذا عبدك بين يديك ، فنوديت : يا أحمد العزيز يقرأ عليك السلام ، قال : فقلت : هو السلام ومنه وإليه يعود السلام ... (3) ... بيـان : الكلام الأخير يجدر ذكره في ( 1 ـ السلام اسم من أسماء الله ـ تعالى ـ الحسنى ).
قد حان إنجاز الوعد لذكر سلام صلاة المعراح : وننقل لك رواية الشيخ الكليني من الكافي من باب النوادر في المعراج المطولة (4) : علي بن إبراهيم عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أُذينة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال : ما تروي هذه الناصبة ؟ فقلت : جعلت فداك في ماذا ؟ فقال : في أذانهم وركوعهم وسجودهم ، فقلت : إنهم يقولون : إن أُبي بن كعب رآه في النوم ، فقال : كذبوا ، فإنّ دين الله عزّ وجلّ أعزّ من أن يُرى في النوم ، قال : فقال له سدير الصيرفي : جعلت فداك فأحدث لنا من ذلك ذكراً ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : إن الله عزّ وجلّ لمّا عرج بنبيه ، صلى
--------------------
(1) البحار 18 | 394 .
(2) إذا قيل : نور وأنور فالفاقد للمزيد صحّ نسبة الظلمة إليه .
(3) البحار 18 | 13 .
(4) تفسيراً لسورة الإسراء : وقد كانت العروج في ليلة إحدى وعشرين من رمضان ، قبل الهجرة بستة أشهر وكان الإسراء ... وفي ليلة 27 في رجب سنة 2 من الهجرة .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 198 _
الله عليه وآله ، إلى سماواته السبع ، أما أوليهنّ فبارك عليه ، والثانية علمه فرضه ، فأنزل الله محملاً من نور فيه أربعون نوعاً من أنواع النور ، كانت
محدقة بعرش الله ، تغشي أبصار الناظرين ، أمّا واحد منها فأصفر ، فمن أجل ذلك اصفرت الصفرة ، وواحد منها أحمر فمن أجل ذلك احمرت الحمرة ، وواحد منها أبيض فمن أجل ذلك ابيضّ البياض ، والباقي على سائر عدد الخلق من النور ، والألوان في ذلك المحمل حلق وسلاسل من فضة ، ثم عرج به إلى السماء ، فنفرت الملائكة إلى أطراف السماء وخرّت سجّداً وقالت : سبوح قدوس ما أشبه هذا النور بنور ربنا ، فقال جبرئيل عليه السلام : الله أكبر الله أكبر ، ثم فتحت أبواب السماء ، واجتمعت الملائكة ، فسلّمت على النبيّ ، صلى الله عليه وآله ، أفواجاً وقالت : يا محمد كيف أخوك إذا نزلت فاقرئه السلام ، قال النبيّ صلى الله عليه وآله : أفتعرفونه ؟ قالوا : وكيف لا نعرفه ، وقد أخذ ميثاقك ، وميثاقه ، وميثاقه منا ، وميثاق شيعته إلى يوم القيامة علينا ، وإنا لنتصفح وجوه شيعته في كل يوم وليلة خمساً ـ يعنون في كل وقت صلاة ـ وإنا لنصلّي عليك وعليه ، ( قال : ) ، ثم زادني ربّي أربعين نوعاً من أنواع النور لا يشبه النور الأول ، وزادني حلقاً وسلاسل ، وعرج بي إلى السماء الثانية ، فلما قربت من باب السماء الثانية نفرت
الملائكة إلى أطراف السماء وخرت سجداً ، وقالت : سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والروح ، ما أشبه هذا النور بنور ربنا ، فقال جبرئيل عليه السلام : أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، فاجتمعت الملائكة وقالت : يا جبرئيل من هذا معك ؟ قال : هذا محمد ، صلى الله عليه وآله ، قالوا : وقد بعث ؟ قال نعم ، قال النبي ، صلى الله عليه وآله ، : فخرجوا إلي شبه المعانيق (1) ، فسلموا علي ، وقالوا : اقرئ أخاك السلام ، قلت : أتعرفونه ؟ قالوا : وكيف لا نعرفه وقد أخذ ميثاقك ، وميثاقه ، وميثاق شيعته إلى يوم القيامة علينا ، وإنا لنتصفح وجوه شيعته في كل يوم وليلة خمساً ـ يعنون في كل وقت صلاة ـ قال : ثم زادني ربي أربعين نوعاً من أنواع النور لا تشبه الأنوار الأولى ، ثم
--------------------
(1) المعانيق : جمع المعناق وهو الفرس الجيد العنق ، وفي الخبر ( فانطلقنا إلى الناس معانيق أي : مسرعين ) ، مجمع البحري ـ عنق ـ .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 199 _
عرج بي إلى السماء الثالثة ، فنفرت الملائكة وخرّت سُجّداً ، وقالت : سبوح قدوس ، ربّ الملائكة والروح ، ما هذا النور الذي يشبه نور ربِّنا ؟ فقال
جبرئيل عليه السلام : أشهد أن محمداً رسول الله ، أشهد أنّ محمداً رسول الله .
فاجتمعت الملائكة وقالت : مرحباً بالأوّل ، ومرحباً بالآخر ، ومرحباً
بالحاشر ، ومرحباً بالناشر (1) ، محمد خير النبيين ، وعلي خير الوصيين .
قال النبي ، صلى الله عليه وآله ، : ثم سلّموا عليّ وسألوني عن أخي ، قلت : هو في الأرض ، أفتعرفونه ؟ قالوا : وكيف لا نعرفه ، وقد نحجّ البيت المعمور كل سنة ، وعليه رق أبيض (2) ، فيه اسم محمد ، واسم علي ، والحسن ، والحسين ، ( والأئمة ) عليهم السلام ، وشيعتهم إلى يوم القيامة ، وإنا لنبارك عليهم كل يوم وليلة خمساً ـ يعنون في وقت كل صلاة ـ ويمسحون رؤوسهم بأيديهم ، قال : ثم زادني ربي أربعين نوعاً من أنواع النور لا تشبه تلك الأنوار الأولى ، ثم عرج بي حتى انتهيت إلى السماء الرابعة ، فلم تقل الملائكة شيئاً ، وسمعت دوياً كأنه في الصدور ، فاجتمعت الملائكة ففتحت أبواب السماء ، وخرجت إلي شبه المعانيق ، فقال جبرئيل عليه السلام : حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح ، فقالت الملائكة : صوتان مقرونان معروفان ، فقال جبرئيل عليه السلام : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، فقالت الملائكة : هي لشيعته إلى يوم القيامة ، ثم اجتمعت الملائكة وقالت : كيف تركت أخاك ؟ فقلت لهم : وتعرفونه ؟ قالوا : نعرفه وشيعته ، وهم نور حول عرش الله وإن في البيت المعمور لرقّاً من نور ، ( فيه كتاب من نور ) ، فيه اسم محمد ، وعلي ، والحسن ، والحسين ، والأئمة ، وشيعتهم إلى يوم القيامة ، لا يزيد فيه رجل ، ولا ينقص منهم رجل ، وإنه لميثاقنا ، وإنه ليقرأ علينا كل يوم جمعة
--------------------
(1) الحاشر من ألقاب النبيّ صلّى الله عليه وآله ، فلمقارنته عليه الصلاة والسلام مع الحشر كما قال : ( أنا والساعة كهاتين ) وأشار إلى السبابة والوسطى ، والناشر من ألقاب أمير المؤمنين عليه السلام ، لأنّ الناشر بمعنى المفرق ، وهو عليه السلام يفرق بين أهل الجنة ، والنار ، قال المجلسي رحمه الله : مرحباً بالحاشر أي من يتصل زمان أمته بالحشر ، ومرحباً بالناشر أي بمن ينشر قبل الخلق وإليه الجمع والحساب كما تسمعه في المتن .
(2) الرق ـ بالكسر ـ : جلد رقيق يكتب فيه ، والصحيفة البيضاء هامش الكافي 3 | 484 .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 200 _
ثم قيل لي : ارفع رأسك يا محمد ، فرفعت رأسي فإذا أطباق السماء قد خرقت ، والحجب قد رفعت ، ثم قال لي : طأطىء رأسك انظر ما ترى ، فطأطأت رأسي ، فنطرت إلى بيت مثل بيتكم هذا ، وحرم مثل حرم هذا البيت ، لو ألقيت شيئاً من يدي لم يقع إلا عليه ، فقيل لي : يا محمد إن هذا الحرم وأنت الحرام ولكل مثل مثال ، ثم أوحى الله إلي : يا محمد ادن من ( صاد ) ، فاغسل مساجدك وطهرها ، وصلّ لربّك فدنى رسول الله من ( صاد ) وهو ماء يسيل من ساق العرش الأيمن ، فتلقى رسول الله صلّى الله عليه وآله الماء بيده اليمنى ، فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمين ، ثم أوحى الله عزّ وجلّ إليه
أن اغسل وجهك ، فإنك تنظر إلى عظمتي ، ثم اغسل ذراعيك اليمنى واليسرى ، فإنك تلقى بيدك كلامي ، ثم امسح رأسك بفضل ما بقي في يديك من الماء ، ورجليك إلى كعبيك ، فإنّي أبارك عليك ، وأوطئك موطئاً لم يطأه أحد غيرك ، فهذا علة الأذان والوضوء ، ثم أوحى الله عزّ وجلّ إليه يا محمد استقبل الحجر الأسود ، وكبرني على عدد حجبي ، فمن أجل ذلك صار التكبير سبعاً ، لأن الحجب سبع ، فافتتح عند انقطاع الحجب فمن أجل صار الافتتاح ستة .
والحجب متطابقة بينهن بحار النور ، وذلك النور الذي أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله ، فمن أجل ذلك صار الافتتاح ثلاث مرات لافتتاح الحجب
ثلاث مرات ، فصار التكبير سبعاً ، والافتتاح ثلاث ، فلما فرغ من التكبير والافتتاح أوحى الله إليه سم باسمي ، فمن أجل ذلك جعل بسم الله الرحمن الرحيم في أول السورة ، ثم أوحى الله إليه أن أحمدني ، فلما قال : الحمد لله رب العالمين ، قال النبي في نفسه : شكراً ، فاوحى الله عزّ وجلّ إليه قطعت حمدي ، فسم باسمي ، فمن أجل ذلك جعل في الحمد الرحمن الرحيم مرتين ، فلما بلغ ولا الضالّين قال النبي صلى الله عليه وآله : الحمد لله رب العالمين شكراً ، فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ قطعت ذكري فسم باسمي ، فمن أجل ذلك جعل بسم الله الرحمن الرحيم في أول السورة ، ثم أوحى الله عزّ وجلّ إليه اقرأ يا محمد نسبة ربّك تبارك وتعالى : ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) ، ثم أمسك عنه الوحي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : الواحد الأحد الصمد ،
السـلام في القرآن والحديـث
_ 201 _
فأوحى الله إليه : لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، ثم أمسك عنه الوحي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : كذلك الله كذلك ( الله ) ربنا ، فلما
قال ذلك ، أوحى الله إليه اركع لربك يا محمد ، فركع ، فأوحى الله إليه وهو راكع قل : سبحان ربي العظيم ، ففعل ذلك ثلاثاً ، ثم أوحى الله إليه أن ارفع رأسك يا محمد ، ففعل رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقام منتصباً ، فاوحى الله عزّ وجلّ إليه أن اسجد لربك يا محمد ، فخر رسول الله صلى الله عليه وآله ساجداً ، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه ، قل : سبحان ربّي الأعلى ، ففعل ذلك ثلاثاً ، ثم أوحى الله إليه استوِ جالساً يا محمد ، ففعل ، فلما رفع رأسه من سجوده واستوى جالساً ، نظر إلى عظمته تجلت له ، فخرّ ساجداً من تلقاء نفسه ، لا لأمر أمر به ، فسبح أيضاً ثلاثاً ، فأوحى الله إليه انتصب قائماً ، ففعل ، فلم ير ما كان رأى من العظمة ، فمن أجل ذلك صارت الصلاة ركعة وسجدتين ، ثم أوحى الله عز وجل إليه اقرأ بالحمد لله ، فقرأها مثل ما قرأ أوّلاً ، ثم أوحى الله عز وجل إليه اقرأ إنّا أنزلناه ، فإنّها نسبتك ونسبة أهل بيتك إلى يوم القيامة ، وفعل في الركوع مثل ما فعل في المرة الأولى ، ثم سجد سجدة واحدة ، فلما رفع رأسه تجلت له العظمة ، فخرّ ساجداً من تلقاء نفسه ، لا لأمر أمر به فسبح أيضاً ، ثم أوحى الله إليه أرفع رأسك يا محمد ، ثبّتك ربّك ، فلما ذهب ليقوم قيل : يا محمد اجلس ، فجلس ، فأوحى الله إليه يا محمد إذا ما أنعمت عليك فسم باسمي ، فألهم أن قال : بسم الله وبالله ولا إله إلا الله والأسماء الحسنى كلها لله ، ثم أوحى الله إليه يا محمد صل على نفسك ، وعلى أهل بيتك ، فقال : صلى الله عليّ ، وعلى أهل بيتي ، وقد فعل ، ثم
التفت فإذا صفوف من الملائكة والمرسلين والنبيين فقيل : يا محمد سلّم عليهم ، فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فأوحى الله إليه أنّ السلام
والتحية والرحمة والبركات أنت وذرّيّتك ، ثم أوحى الله إليه أن لا يلتفت يساراً ، وأول آية سمعها بعد قل هو الله أحد ، وإنا أنزلناه آية أصحاب اليمين
وأصحاب الشمال ، فمن أجل ذلك كان السلام واحدة تجاه القبلة ، ومن أجل ذلك كان التكبير في السجود شكراً ، وقوله : سمع الله لمن حمده ، لأن النبي
صلى الله عليه وآله سمع ضجة الملائكة بالتسبيح ، والتحميد ، والتهليل ، فمن
السـلام في القرآن والحديـث
_ 202 _
أجل ذلك قال : سمع الله لمن حمده ، ومن أجل ذلك صارت الركعتان الأوليان كلما أحدث فيهما حدثاً كان على صاحبهما إعادتهما ، فهذا الفرض الأول في صلاة الزوال يعني صلاة الظهر ) (1) .
أقول : جئنا على رواية المعراج عن آخرها ، لاشتمالها على بدئ الأذان ، وصلاة الزوال أي الظهر المعنية بها الصلاة الوسطى في آية ( حافظوا على
الصلوت والصلوة الوسطى ) (2) ، وعلى سرِّ التسليم في الصلوات .
وللرواية شرح وبسط لا بأس بالإشارة إليه ، إذ فيه بيان سرّ السلام فيها ، وبيان موضعه منها ، قال العلامة المجلسي في كتابه مرآة العقول عند شرح رواية المعراج : قوله عليه السلام : ( إنّ أُبيّ بن كعب رآه في النوم ) أقول : لا خلاف بين علمائنا في أن شرعية الأذان كانت بالوحي لا بالنوم ، قال في المعتبر والمنتهى : الأذان عند أهل البيت عليهم السلام ، وحي على لسان جبرئيل علّمه ـ رسول الله صلى الله عليه وآله ـ عليّاً ـ عليه السلام ـ وأطبق الجمهور على خلافه ، ورووا أنه برؤيا عبد الله بن زيد وعمر .
أقول (3) : وفي روايات المخالفين أن المسلمين حين قدموا المدينة كانوا يجتمعون ويتحينون الصلوات ، وكان لا ينادي بها أحد ، فشاوروا بينهم ، أو مع النبي صلى الله عليه وآله في ذلك ، فقال بعضهم : اتخذوا ناقوساً كالنصارى ، وقال بعضهم : قرناً مثل قرن اليهود ، وعن أنس : تنوروا ناراً ، وقال آخرون : النار والبوق شعار اليهود ، والناقوس شعار النصارى ، فتلتبس أوقاتنا بأوقاتهم ، فقال عبد الله بن زيد : إني رأيت الأذان في المنام ، وقيل : إن أُبياً قال : رأيته في النوم ، وقيل : إن عمر قال مثل ذلك ، فقال عمر عند ذلك : أوَ لاتبعثون رجلاً ينادي بألفاظ الأذان .
--------------------
(1) الكافي 3 | 482 ـ 486 ، ولخصها الشيخ الحر في إثبات الهداة 1 | 155 .
(2) البقرة : 238 .
(3) القائل هو الشيخ المجلسي طاب ثراه .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 203 _
أقول : قاتلهم الله كيف هونوا (1) بأحكام الله ، ليتهيأ لهم القياس ، والاستحسان في دين الله .
ثم إن هذا الخبر يدل على أن بالنوم لا تثبت الأحكام ، ويمكن أن يخص بابتداء شرعيتها ، ورأيت في بعض أجوبة العلامة رحمه الله عما سئل عنه تجويز
العمل بما يسمع في المنام عن النبي ، والأئمة عليهم السلام ، إذا لم يكن مخالفاً للإجماع ، لما روي من أن الشيطان لا يتمثل بصورتهم وفيه إشكال .
قوله عليه السلام : ( فأنزل الله ) هذا تفصيل لما أجمل سابقاً ، وعود إلى أول الكلام ، كما سيظهر مما سيأتي ، فالفاء للتفصيل لا للتعقيب ، والأنوار
تحتمل الصوريَّة والمعنوية ، والأعم منهما ، وأما نفرة الملائكة فلغلبة النور على أنوارهم ، وعجزهم عن إدراك الكمالات التي أعطاها الله نبيّنا صلى الله عليه وآله ، كما قال صلى الله عليه وآله : ( لي مع الله وقت لا يسعني ملك مقرب ولا نبيّ مرسل ) الخبر ، ويؤيّد المعنويّة قول الملائكة : ما أشبه هذا النور بنور ربّنا ، وعلى تقدير أن يكون المراد الصوريّة ، فالمعنى ما أشبه هذا النور بنور خلقه الله في العرش ، وعلى التقديرين لمّا كان كلامهم وفعلهم موهماً لنوع من التشبيه ، قال جبرئيل : الله أكبر تنزيهاً له عن تلك المشابهة ، أي : أكبر من أن يشبهه أحد ويعرفه ، وقد مرّ تفسير الأنوار في شرح كتاب التوحيد ، والتكرير للتأكيد ، أو الأوّل لنفي المشابهة ، والثاني لنفي الإدراك .
وقال الجزري : ( سبوح قدّوس ) يرويان بالضمّ والفتح ، والفتح أقيس ، والضمّ أكثر استعمالاً ، وهو من أبنية المبالغة ، والمراد بهما التنزيه .
وتثنية التكبير (2) يمكن أن اختصاراً من الراوي ، أو الزيادة بوحي آخر ... أو يكون من النبيّ صلّى الله عليه وآله ، كزيادة الركعات
--------------------
(1) هكذا في الأصل والصحيح ( تهاونوا ) .
(2) يريد قول جبرائيل : ( الله أكبر الله أكبر ) في هذا الخبر أول كلمات الأذان والمعروف أن التكبير أربعة في أوله ، والظاهر أنه الأذان انظر كمال الدين
1 | 255 .