مستنكراً ، ومتهجّماً عليهم:
ما سمعنا عن أحد من الصحابة أنّه ناقش النبي في كيف أكل آدم من الشجرة ؟ وكيف عصى ربّه ؟ ولا ناقشوا الرسولَ في غير آدم من الاَنبياء على هذا المنحى الذي نحاه المتأخرون، ولا والله ما كان أُولئك الصحابة أقلَّ معرفةً لمكانة الاَنبياء من أُولئك المتأخّرين، ولا أقلَّ احتراماً وإجلالاً لشأنهم من أُولئك المتكلّفين مالا يعنيهم ، والداخلين فيما ليس من شوَونهم.
وأمّا القلوب السقيمة فهي قلوب المتأخرين الذين فتح عليهم الشيطان باباً واسعاً من فنون الجدل، وكثرة القيل والقال ، والمماحَكات اللفظية وأقوال أهل الكتاب من اليهود أشدّ الناس كراهيةً للاَنبياء ، وتحقيراً لهم ، ومشاقّة لهم ، وكفراً بهم وتقتيلاً
(1) .
نحن لا نعلّق على هذا الكلام، لاَنّه كلام ساقط جداً ، فانّ كاتباً يدّعي الاِسلام وفي الوقت نفسه يصف علماء الاِسلام ـ الذين أوكل الله إليهم قيادة الاَُمّة الاِسلامية ـ بأنّهم ممّن تأثروا بفتنة الشيطان، وجعل التدبّر في آيات الكتاب العزيز من وحي الشيطان، انسان متناقض لا يستحق كلامه الردّ والنقد .
والعجب أنّ هذا الكاتب ( المجهول ) استثنى من الفرق الاِسلامية فرقةً واحدةً وُقُوا من كيد الشيطان ووساوسه وفتنته (وهم أهل الحديث المقتفون للاَثر ، الذين جعلوا عقولهم وآراءهم تحت حكم ما جاء به الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) استمساكاً بالعروة الوثقى والحبل المتين
(2) عزب عنه أنّ أحداً من المسلمين لا
--------------------
(1) من مقدمة "عصمة الاَنبياء" للرازي ، بقلم كاتب مجهول الهوية، نشر دار المطبوعات الحديثة ـ جدّة .
(2) من المقدمة أيضاً .
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 6 _
يعدل عن السنّة إلى غيرها بعد القرآن الكريم وأنّ إنكار السنّة إنكار لنبوة النبي الخاتم صلوات الله وسلامه عليه أبد الآبدين.
غير أنّ الكلام هو في تشخيص ( الصحيح ) عن غيره ، و (الموضوع) عمّا عداه ، فانّ تاريخ الحديث يكشف عن أنّ الحديث وقع في مشاكل كثيرة ، فهذه هي المجسمة والمشبّهة لله تعالى بخلقه ، يستندون إلى هذه الاَحاديث المدوَّنة في الصحاح والسنن، والمسانيد .
لا ذاكرة لكذوب !!
والذي أظن أنّ هذه المقدمة كتبت لغاية خاصة وهي الحطُّ من مكانة أهل البيت النبويّ وأئمتهم الذين فرض الله تعالى على الناس محبّتهم ومودّتهم، وجعلها أجر الرسالة إذ قال : ( قُلْ لا أَسأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي القُربى ) ، (1) فانّ هذا الكاتب (المجهول) تارة يعرف اليهود بأنّهم أشدّ الناس كراهيةً للاَنبياء وتحقيراً لهم إلى آخر ما قال ... ولازم ذلك التحقير أن لا يكون الاَنبياء عندهم معصومين بل متهتكين لحرم الله .
وتارة يُشبّه المقتفين لآثار أهل البيت ، باليهود ، لاَنّهم أثبتوا العصمة لاَئمتهم كما أثبت اليهود العصمة للاَنبياء تكريماً لهم ، وتعظيماً لشأنهم.
فما هذا التناقضُ الصريح بين الكلامين ياترى ؟! فلو كان اليهود ـ كما وصفهم في العبارة الاَُولى ـ من أشدّ الناس عداوةً للاَنبياء وتحقيراً لهم ، لما أثبتوا للاَنبياء العصمة التي هي من أعظم المواهب الاِلهية المفاضة للاِنسان ، ولو كانت الشيعة كاليهود في القول بالعصمة فما معنى كون اليهود أشدّ الناس عداوة للاَنبياء ؟! أضف إلى ذلك أنّه بأىّ دليل ينسب إلى اليهود القول بالعصمة بل هم
--------------------
(1) الشورى: 23 .
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 7 _