ومنه رد على من زعم ان الله عزوجل لا يعلم الشيء حتى يكون ومنه رد على من لم يعرف الفرق بين المشيئة والارادة والقدرة في مواضع ومنه معرفة ما خاطب الله ( عز وجل ) به الائمة والمؤمنين ومنه اخبار خروج القائم منا ومنه ما بين الله فيه شرائع الاسلام وفرائض الاحكام والسبب في معنى بقاء الخلق ومعائشهم ووجوه ذلك .
   ومنه اخبار الانبياء وشرائعهم وهلاك اممهم ومنه ما بين الله تعالى في مغازى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وحروبه وفضائل اوصيائه وما يتعلق بذلك ويتصل به فكانت الشيعة اذا فرغت عن تكاليفها تسأله عن قسم قسم فيخبرها (1) . . . الى ان قال في تفصيل تلك الاحرف السبعة بعد كلام طويل له في توضيح ما أجمله فيها تقدم من نقل كلامه عليه أفضل ( الصلاة والسلام ) فقال : (2) .

(1) وأما ما فرضه سبحانه من الفرائض في كتابه : فدعائم الاسلام وهي خمس دعائم وعلى هذه الفرائض بنى الاسلام فجعل سبحانه لكل فريضة من هذه الفرائض اربعة حدود لا يسمع احد جهلها أولها الصلاة ثم الزكاة ثم الصيام ثم الحج ثم الولاية وهي خاتتمتها والحافظة لجميع الفرائض والسنن .
   فحدود الصلاة اربعة معرفة الوفت والتوجه الى القبلة والركوع والسجود وهذه عوام في جميع الناس العالم والعامل وما يتصل بها من جميع أفعال الصلاة والأذان والاقامة وغير ذلك ولما علم الله سبحانه ان العباد لا يستطيعون أن يؤدوا هذه الحدود كلها على حقايقها جعل منها فرائض وهي الأربعة المذكورة وجعل ما فيها من غير هذه الاربعة المذكورة من القراءة والدعاء والتسبيح والتكبير والأذان والاقامة وما شاكل ذلك سنة واجببة من أجلها عمل بها فهذا ذكر حدود الصلاة .

--------------------
(1) رسالة المحكم والمتشابه من ص 5 الى ص 9 ط حجري .
(2) نفس المصدر السابق ص 77 .


اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 27 _

   واما حدود الزكاة فأربعة أولها معرفة الوقت التي تجب فيه الزكاة والثاني القيمة والثالث الموضع التي توضع فيه الزكاة والرابع العدد فاما معرفة العدد والقيمة فانه يجب على الانسان ان يعلم كم يجب من الزكاة في الاموال التي فرضها الله تعالى من الابل والبقر والغنم والذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والزبيب فيجب ان يعرف كم يخرج من العدد والقيمة ويتبعها الوزن والكيل والمساحة فما كان من العدد فهو باب الابل والبقر والغنم واما المساحة فمن باب الأرضين والمياه وما كان من الكيل فهو من أبواب الحبوب التي هي من أقوات الناس في ذلك واما الوزن فمن الذهب والفضة وسائر ما يوزن من أبواب سلع التجارات مما لا يدخل فيه العدد ولا الكيل فاذا عرف الانسان ما يجب عليه في هذه الاشياء وعرف الموضع التي توضع فيه كان مؤدياً للزكاة على ما فرض الله تعالى .
   واما حدود الصيام فاربعة حدود : أولها وثانيها اجتناب الاكل والشرب والثالث اجتناب القيء متعمداً والرابع الاغتماس في الماء وما يتصل بها وما يجري مجراها والسنن كلها واما حدود : الحج فأربعة وهي الاحرام والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والوقوف في الموقفين وما يتبعهما وما يتصل بها فمن ترك هذه الحدود وجب عليه الكفارة والاعادة واما حدود الوضوء للصلاة فغسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين وما يتعلق بهما ويتصل سنة واجبة على من عرفها وقدر على فعلها .
   واما حدود المستحق للامامة فمنها ان يعلم الامام المتولى عليه انه معصوم من الذنوب كلها صغيرها وكبيرها لا يزل في الفتيا بولا يخطي في الجواب ولا يسهو ولا ينسي ولا يلهوه شيء من امور الدنيا .
   والثاني ان يكون اعلم الناس بحلال الله وحرامه وضروب احكامه وامره ونهيه وجميع ما يحتاج الناس اليه ويتسغني عنهم والثالث يجب ان يكون اسخى الناس وان بخل الناس كلهم لانه ان استولى عليه الشح شح على ما في ايديه من اموال المسلمين والخامس العصمة من جميع الذنوب وبذلك يتميز عن المأمومين الذين هم غير معصومين لأنه لو لم يكن معصومأً لم يؤمن عليه ان يدخل فيها يدخل فيه الناس من موبقات الذنوب المهلكات والشهوات واللذات ولو ضل في هذه الاشياء لاحتاج الى من يقيم الحدود فيكون حينئذ اماماً مأموماً ولا يكون ان يكون الامام بهذه الصفة .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 28 _
   واما وجوب كونه اعلم اللناس فانه لولم يكن اعلم الناس لم يؤمن عليه تقلب الاحكام والحدود وتختلف عليه القضايا المشكلة فلا يجيب عنها او يجيب عنها بخلافها واما وجوب كونه اشجع الناس فلما قدمنا انه لا يجوز ان ينهزم فيبوء بغضب من الله تعالى وهذه لا يصح ان تكون صفة الامام .
   واما وجوب كونه اسخى الناس فلما قدمنا وذلك لا يليق بالامام وقد جعل الله بهذه الاربعة دليلين أبان بهما المشكلات وهما الشمس والقمر اي النبي ووصية بلا فصل .

(2) واما الزجر في كتاب الله تعالى : فهو ما نهى الله سبحانه ووعد عليه بالعقاب لمن خالفه مثل قوله : ( وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً ) وقوله تعالى : ( وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) ، وقوله سبحانه : ( لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ) وقوله تعالى : ( وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ) ومثل هذا كثير في كتاب الله تعالى .

(3) زاما الترغيب في كتاب الله تعالى : فقوله ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ) وقوله ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) وقوله ( وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ) وقوله : ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ {الصف/10} تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ) الآية وقوله : ( إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا ) وأمثال ذلك كثير في كتاب الله .

(4) واما الترهيب في كتاب الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ) الى قوله ( وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) وقوله عزوجل : ( وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ) وقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا ) الى آخر الآية وقوله ( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) .

(5) واما الجدال ومعانيه في كتاب الله تعالى : فقوله تعالى : ( وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ ) ولما خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الى بدر كان خروجه في طلب العدو وقال للصحابة : ان الله عزوجل وعدني ان اظفر بالعير او بقريش فخرجوا مع على هذا فلما اقبلت العير وامره الله بقتال قريش اخبر أصحابه فقال : ان قريشاً قد اقبلت وقد ووعدني الله سبحانه احدى الطائفتين انها لكم وامرني بقتال قريش .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 29 _
   قال : فجزعوا من ذلك وقالوا : يا رسول الله تعالى : ( وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ) الى قوله ( وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ) وكقوله سبحانه ( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ ) وقوله سبحانه ( وجادلهم بالتي هي احسن ) ومثل هذا كثير في كتاب الله تعالى .
   واما الاحتجاج على الملحدين وأصناف المشركين مثل قوله حكاية عن قول ابراهيم ( عليه السلام ) : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ ) الى آخر الآية وقوله سبحانه عن الانبياء في مجادلتهم لقومهم في سورة الاعراف وغيرها وقوله تعالى حكاية عن قوم نوح ( عليه السلام ) : ( يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) ومثل هذا كثير موجود في مجادلة الامم للانبياء .
(6) واماما في كتاب الله تعالى من القصص عن الامم فانه ينقسم على ثلاثة اقسام : فمنه ما مضى فما حكاه الله تعالى فقال : ( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ ) ومنه قول موسى لشعيب ( فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) ومنه ما انزل الله من ذكر شرائع الانبياء وقصصهم وقصص اممهم حكاية عن آدم الى نبينا ( صلى الله عليه وآله وعليهم اجمعين ) .
   وما الذي كان في عصر النبي ( صلى الله عليه وآله ) فمنه ما انزل الله تعالى في مغازيه واصحابه وتوبيخهم ومدح من مدح منهم وذم من ذم منهم وما كان من خير وشر وقصة كل فريق منهم مثل ما قص من قصة غزاة بدر واحد وخيبر وحنين وغيرها من المواطن والحروب ومباهلة النصارى ومحاربة اليهود وغيره مما لو شرح لطال به الكتاب .
   واما قصص ما يكون بعده مما أخبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) به وما لم يخبر والقيامة واشراطها وما يمكن من الثواب العقاب واشباه ذلك .
(7) واما ما في كتاب الله تعالى من ضرب الامثال مثل قوله تعالى : ( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ ) الى آخر الآية وقوله تعالى : ( مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ) الآية وكقوله : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ) الى آخر الآية وانما ضرب الله سبحانه هذه الامثال للناس في كتابه ليعتبروا بها ويستبدلوا بها ما اراده منهم من الطاعة وهو كثير في كتابه تعالى (1) .

--------------------
(1) رسالة المحكم والمتشابه لعلم الهدى السيد المرتضى ص 84 ط حجري .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 30 _
( العامل التاسع )
   اختلاف الرواة من جهات :
( الاولى ) اختلافهم في الاصقاع والامصار وتفرقهم في المدن المتباعدة .
( الثانية ) اختلافهم في المذهب فلم يكونوا في الاعتقاد على مذهب واحد بل كل طائفة منهم ان لم تقل كل واحد منهم كانت تدين بمذهب من المذاهب الاسلامية وهذا بطبيعة الحال يوجب الاختلاف في المبنى واصول التلقي والرواية .
( الثالثة ) اختلافهم في النقل والرواية فكل واحد منهم كان ينقل في واضع خاصة من القرآن بخلاف ما ينقل الاخرون في روايتهم عن الصدر الاول والنبي ( صلى الله عليه وآله ) بالذات .
( الرابعة ) اختلافهم في اغراض النقل فبعضهم ينقل بقصد الرواية وبعضهم للدراية وبعضهم للغيرة والحمية على الدين وبعضهم لنيل حطام الدنيا واشباع البطن وهكذا .

( العامل العاشر )

   مجاورة المسلمين على حدود الدولة الاسلامية للاعاجم حيث شدة المخالطة لهم والتعامل معهم اديا الى شيوع اللحن على السنتهم لتداخل اللغة باقتضاء ضرورة التعايش والتجاور قال ابو نصر الفارابي في كتاب الالفاظ والحروف : كانت قريش أجود العرب انتقاء الافصح من الالفاظ واسهلها على اللسان عند النطق واحسنها مسموعأً وأبينها عما في النفس والذين عنهم نقلت اللغة العربية وبهم اقتدى وعنهم أخذ السان العربي من بين قبائل العرب هم : قيس وتميم واسد فان هؤلاء هم الذي أخذ عنهم اكثر ما أخذ ومعظمه وعليهم اتكل في الغريب و في الاعراب التصريف ثم هذيل وبعض كنانة وبعض الطائيين ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم وبالجملة فانه لم يؤخذ عن حضري لا عن سكان البرارري ممن كان يسكن اطراف بلادهم التي تجاور سائر الامم الذين حولهم :

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 31 _
   لم يؤخذ من لخم ولا من جذام فانهم كانوا مجاورين لأهل مصر والقبط ولا من قاعة ولا من غسان ولا من اياد فانهم كانوا مجاورين لأهل الشام واكثرهم نصارى يقرؤون بصلاتهم بغير العربية ، ولا من تغلب ولا النمر فانهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونانية ، ولا من بكر لانهم كانوا مجاورين للنبط والفرس ، ولا من عبد القيس لانهم كانوا من سكان البحرين مخالطين للهند والفرس ، ولا من أزدعمان لمخالطتهم للهند والفرس ، ولا من اهل اليمن اصلا لمخالطتهم للهند والحبشة ولولادة الحبشة فيهم ، ولا من بني حنيفة وسكان اليمامة ولا من ثقيف وسكان الطائف لمخالطتهم تجار الامم المقيمين عندهم ، ولا من حاضرة الحجاز لان الذين نقلوا اللغة صادفوهم حين ابتدؤوا ينقلون لغة العرب قد خالطوا من غيرهم من الامم وفسدت السنتهم (1) .

القراءات القرآنية في عهد ابي بكر :
   روى البخاري باسناده عن عبيد بن السباق ان زيد بن ثابت قال : أرسل ابوبكر مقتل ( اي عقيب مقتل ) اهل اليمامة فاذا عمر بن الخطاب عنده قال ابو بكر : ان عمر أتاني فقال : ان القتل قد استحر ( اي كثر واشتد ) يوم اليمامة بقراء القرآن واني اخشى ان بستحر القتل بالقراء المواطن فيذهب كثير من القرآن واني أرى ان تأمر بجمع القرآن قلت لعمر : كيف تفعل ما لم يفعله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟
   قال عمر : هذا والله خير فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في الذي رأى عمر قال زيد : قال ابو بكر : انك رجل شاب عاقل لانتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فتتبع القرآن فاجمعه فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان اثقل على مما أمرني به من جمع القرآن قلت : كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

--------------------
(1) الاقتراح للسيوطي ص 22 نقلا عن كتاب الفارابي ( الالفاظ والحروف ) .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 32 _
   قال : هو واله خير فلم يزل ابوبكر يراجعني حتى شرح اله صدري للذي شرح له صدر ابي بكر وعمر فتتبعت القرآن اجمعه من العسب (1) واللخاف (2) وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع ابي خزيمة الانصاري لم اجدها مع غيره « لقد جاء كم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص » حتى خاتمة براءة .
   فكانت الصحف عند ابي بكر حتى توفاه الله تعالى ثم عند عمر حتى توفاه الله تعالى ثم عند حفصة بنت عمر ، أقول : لا يخفى على الفطن النبيه ما في هذه الرواية من التهافت .
( اما اولاً ) فلمخالتفها لما تقدم ذكره حيث تم التعرض لمن جمع القرآن في عصر النبوة فضلا عمن دوّنه وهم من الكثرة بما لا يدع مجالا للشك فيه .
( واما ثانياً ) في قوله (كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله) حيث دل على نقض صريح لمقام النبوة الخاتمة وهو نظير ما حيك ضد شخصيّة النبي ( صلى الله عليه وآله ) من انه لم يعرف بنبوته لولا اخبار ورقة بننوفل بتوسط زوجته خديجه ( رض ) فالرسول الاكرم صاحب الرسالة الخاتمة والتي شرعت لكافة الاجيال وللعالمين الى قيام الساعة لا يدوّن قرآنه ويرجع الفضل في ذلك لغيره وبعد زمنه يا سبحان الله وكيف كان فبطلانه مما شهد به الوجدان مؤيداً بالعيان فضلا عن اقامة البرهان وتمام التحقيق في هذه المقام سنودعه في كابنا ( كنز القراء ) ان شاء الله تعالى .
( واما ثالثاً ) ما جاء فيه في قوله ( قد كنت تكتب الوحي لرسول الله) فاذا كان زيد كاتباً للوحي فكيف يكون النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يفعله ولم يأمر به .
( واما رابعاً ) اذا كان القرآن قد جمع ي عهد النبي ( صلى الله عليه وآله ) حسبما تقدم بيانه فلماذا لم يعتمد أو يشار ولو الى نسخة من تلك النسخ المجموعة .

--------------------
(1) جمع عسيب وهو جريد من النخل .
(2) جمع لخفة وهي حجارة بياض رقاق .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 33 _
( واما الخامس ) فما هو الدليل على ان النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يأمر كتاب الوحي بكتابة القرآن على العسيب واللخاف على الرغم من وجود الرق والورق وهو زعيم الدولة يومذاك وقائدها ووفرة الامكانات في يده وتحت امرته لكي يأتي من يوجه جمع أبي بكر بأنه كان اول جمع للقرآن على الورق وفي مصحف واحد وكان القرآن في عهد النبي ( صلى الله عليه وآله ) مجموعاً مكتوبأ مفرقاً على العسيب واللخاف .
( واما سادساً ) فلماذا يغفل أي ذك لأمير المؤمنين علي بن طالب وحواري رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من امثل سلمان وابي ذر والمقداد في هذا الموضوع المهم الم يكونوا من حفاظه وكتابه وحملته واعيان قرائه ؟ ! ! .

القرءات القرآنية في عهد عمر بن الخطاب :
   ؤقال ابن سعد في طبقاته : أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس ، حدثني سليمان بن بلال عن سعد بن اسحاق بن كعب بن عجرة عن محمد بن كعب القرظي قال : جمع القرآن في زمان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خمسة من الانصار معاذ بن جبل وعبادة بن صامت وابي بن كعب وأبو أيوب الدرداء ، فلما كان زمن عمر بن الخطاب كتب اليه يزيد بن ابي سفيان : ان أهل الشام قد كثروا وربلوا وملؤوا المدائن واحتاجوا الى من يعلمهم القرآن ويفقههم فأعني يا أمير المؤمنين برجال يعلمونهم ، فدعا عمر اولئك الخمسة فقال لهم : ان اخوانكم من أهل الشام قد استعانوني بمن يعلمهم القرآن ويفقههم في الدين ، فأعينوني رحمكم الله بثلاثة منكم ، ان أجبتم فاستهموا وان انتدت ثلاثة منكم فليخرجوا ، فقالوا ما كنا لنتساهم ، هذا شيخ كبير لأبي ايوب وأما هذا فسقيم لأبي بن كعب ، فخرج معاذ وعبادة وأبو لدرداء .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 34 _
   فقال عمر : ابدؤوا بحمص فانكم ستجدون الناس على وجوه مختلفة ، منهم من يلقن فاذا رأيتم ذلك فوجهوا اليه طائفة من الناس فاذا رضيتم منهم فليقم بها واحد وليخرج واحد الى دمشق والآخر الى فلسطين ، وقدموا حمص فكانوا بها حتى اذا رضوا من الناس أقام بها عبادة وخرج أبو الدرداء الى دمشق ومعاذ الى فلسطين ، وأما معاذ فمات عام طاعون عمواس ، وأما عبادة فصار بعد الى فلسطين فمات بها ، وأما أبو الدرداء فلم يزل بدمشق حتى مات (1) .
   أقول : ولا يخفي ما في هذا الخبر ايضاً ومخالفته للخبر المتقدم الحاكي لجمع ابي بكر للقرآن باشارة من عمر فاذا كان اولئك الخمسة من الانصار قد جمعوا القرآن في زمان النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهم العمدة في ضبطه وتدوينه وجمعه وتأليفه فأي خطر خيف منه على القرآن من جراء اشتداد القتل بقرائه في اليمامة واذا كانوا على قيد الحياة في زمن عمرو كان لهم من الصيت ولاشهرة ما دفع عمر لارسال بعضهم للشام فما هو المانع من الاعتماد عليهم في زمن أبي بكر بدلاً من زيد بن ثابت على الرغم من صغر سنه وحداثة عهده قياساً باولئك .
   بل لماذا لم يعول على ما جمعوه اذ مع وجوده لا يكون هناك خطراً على بقاء القرآن يضاف الى ذلك انه لم ينقل ان ما جمعه اولئك كان بينه اختلاف فيما بينهم فيه بل لم ينكر على أحد منهم في آية تفرد بها على من سواء في تدوينها وضبطها بل لم ينقل عنهم ادنى من ذلك كاختلاف في هيئة كلمة أو حركة اعراب .
   ولا يخفى على كل من له ذرة نباهة وعقل يعقل به وفكر يعي به ان ما روى عن ابي بكر في طريقه جمعه للقرآن على حد تعبير السيوطي في الاتقان عن مغازي موسى بن عقبة عن ابي شهاب قال : لما اصيب المسلمون باليمامة فزع ابو بكر وخاف ان يذهب من القرآن طائفة فاقبل الناس بما كان معهم وعندهم حتى جمع على عهد ابي بكر في الورق فكان ابو بكر أول من جمع القرآن في المصحف ثم اعلن عمر في المدينة بأن ياتي كل من تلقى شيئاً من القرآن من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال ابو بكر لعمر وزيد : اقعدا على باب المسجد فمن جاء كما بشاهدين على كتاب الله فاكتباه .

--------------------
(1) الطبقات الكبرى ج 2 ص 356 ـ 357 .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 35 _
   ليس له اي قيمة تاريخية واي اعتبار علمي لما في من التهافت والتناقض والنقض والاضطراب بحد لم يدع مجالا لامكان الاخذ به بعين الاعتبار ، وخلاصة القول في المقام ان الورايات الواردة في كتب اهل السنة حول هذا الموضوع بلغت من الاضطراب والتناقض حداً يقطع بسقوطها جميعاً من دون حاجة بنا الى الاستدلال بشواهد خارجة عن دائرتها لنقضها وردها .

القرءات القرآنية في عهد عثمان بن عفان :
   روى الذهبي في سير اعلام النبلاء عن عامر الشعبي قال : ولم يجمع احد من الخلفاء من الصحابة القرآن غير عثمان (1) ، وقال ابن سعد في طبقاته الكبرى اخبرنا محمد بن عمر اخبرنا ابو بكر ابن عبد الله بن ابي سبرة عن مسلم بن يسار عن ابن مرسامولي لقريش قال : عثمان بن عفان جمع القرآن في خلافة عمر (2) .
   أقول : وقد وقع في هذا الموضوع ايضاً من الاضطراب نظيرها تقدم ، وحكى ابو عبد الله الزنجاني في تاريخ القرآن عن البخاري وصاحب الفهرست انهما قالا : حدثنا ابراهيم قال حدثنا ابن شهاب ان انس بن مالك حدثه ان حذيفة ابن اليمان قدم على عثمان ـ ( في الفهرست وكان بالعراق ) ـ وكان يغازي اهل الشام في فتح ارمينة واذربيجان مع أهل العراق فافزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال لعثمان يا امير المؤمنين ادرك هذه الامة قبل ان يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى فارسل عثمان الى حفصة ان أرسلي الينا بالمصحف ثم نردها اليك فأرسلت حفصة الى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف ، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : اذا اختلفهم انتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فانما انزل بلسانهم .

--------------------
(1) سير الاعلام النبلاء ج 2 ص 340 .
(2) الطبقات الكبرى ج 2 ص 356 .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 36 _
   وخرج ابن ابي داود من طريق محمد بن سيرين عن كثير بن أفلح قال : لما أراد عثمان ان يكتب المصحف جمع له اثني عشر رجلا من قريش والانصار فبعثوا الى الربعة (1) التي في بيت عمر فجئ بها وكان عثمان يتعاهدهم اذ تداروا (2) في شيء اخروه قال محمد : فظننت انما كان يؤخرونه لينظروا احدثهم عهداً بالعرضة الاخيرة فيكتبونه على قوله .
   وقال ابن حجر : فاتفق رأي الصحابة على ان كتبوا ما تحقق انه قرآن في العرضة الأخيرة وتركوا ما سوى ذلك ، ويدل على قول ابن حجر ذيل حديث البخاري عن خارجة بن زيد بن ثابت قال : فقدت آية من الاحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت اسمع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع ابي خزيمة بن ثابت الانصاري « من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه » فألحقناها في سورتها في المصحف (3) .
   أقول : ولقائل ان يقول من اين ذلك المصحف لحفصة ومن اعطاها اياه وما هي قيمته الاعتبارية لكي يرسل عثمان اليها في طلبه وتدفعه له بشرط ارجاعه فيرجعه بعد استنساخه وكأنه ملك لها فاذا كان هو القرآن الذي جمعه ابو بكر برأي عمر على حد دعوى ما تقدم وانه وصل الى يد عمر بالوصاية فاللائق بل اللازم ان ينقل الى يد عثمان بعد وفاة عمر اذ لاداعي لايداعه في يد حفصة لأنها لم تكن خليفة للمسلمين ولم تكن من قرائه ومقرئيه فيحتاج الى ابقائه عندها .
   واذا كان مصحف حفصة غير مادون في عصرابي بكر فلما لم يحدثنا التاريخ عن أصله وفصله يضاف الى ذلك كله ان ذلك المصحف على الاحتمالين من كونه مصحف ابي بكر او حفصة كان على درجة من الاعتبار والاستناد فليس هناك داع اصلا الى تجشم عناء جمعه مرة اخرى بعد ان ثبت انه تم تدوينه على أيد امينه وتحت اشراف ورعاية من لا يشك في امره وعمله وضبطه ودقته وانه تم استنساخه في عهد يقرب من عهد الرسالة لما لا يؤخذ ويستنسخ ويجعل حجة يعول عليه وفيصلا ينتهي اليه .

--------------------
(1) يقال فتح العطار ربعته وهي جونة الطيب وبها سميت ربعة المصحف .
(2) داورت الامور طلبت وجوه مأتاها .
(3) تاريخ القرآن لابي عبد الله الزنجاني ص 43 ـ 44 .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 37 _
   واذا عرفنا مما سبق ان عثمان بن عفان من كتاب الوحي لما لم يكتبه بنفسه ويضبطه حسبما سمعته اذناه من الرسول الاعظم ( صلى الله عليه وآله ) وحسبما افاده من مصدر الوحي والرسالة وقد اشرنا في صدر حديثنا في اول هذا المقام الى حديثين يدلان على كونه ممن جمع القرآن بل أول من جمعه من الخلفاء ولمرتين على حدّ تعبيرهما أولاهما في زمن عمر ولم ينقل له على شاهد والثاني في عهده وفترة خلافته بل ربما يضاف اليها زمن الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله ) وكل ذلك مخدوش وقابل للطعن والتزييف .
   وقيل : ولما نسخوا الصحف في المصاحف ردها عثمان الى حفصة ونسخوا اربعة مصاحف وابقى عنده واحداً منها وأرسل عثمان الثلاثة للبصرة والكوفة والشام وعين زيد بن ثابت ان يقرأ بالمدني وبعث عامر بن قيس مع البصري وابا عبد الرحمن عبد الله بن حبيب بن ربيعة السلمي مع الكوفي والمغيرة ابن شهاب مع الشامي وقرأ كل مصر بما في مصحفه .
   وحكى السيد علي بن محمد المعروف بابن طاووس في كتابه سعد السعود عن كتاب ابي جعفر بن منصور ورواية محمد بن زيد بن مروان في اختلاف المصاحف ان القرآن جمعه على عهد ابي بكر زيد بن ثابت وخالفه في ذلك أبي وعبد الله ابن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة ثم عاد عثمان فجمع المصحف برأي مولانا امير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) واخذ عثمان مصحف ابي وعبد الله بن مسعود وسالم مولى ابي حذيفة فغسلها وكتب عثمان مصحفاً لنسفه ومصحفاً لأهل المدينة ومصحفاً لأهل مكّة ومصحفاً لأهل الكوفة ومصحفاً لأهل البصرة ومصحفاً لأهل الشام .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 38 _
   ومصحف الشام رآه ابن فضل الله العمري في اواسط القرن ثامن الهجري يقول في وصف مسجد دمشق : والى جانبه الأيسر المصحف العثماني بخط أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، أقول : انظر الى هذه النقول التي لا يمكن التوفيق بين أحدها بوجه من وجوه المعقول وقد ورد في جملة من كتب التاريخ ان عثمان بن عفان قام بحرق جميع المصاحف التي كانت في عهده ولم يستثن الا مصحف حفصة حيث اعاده اليها كما تقدم بعد استنساخه ويرد عليه :

( أولاً ) : اذا كان الأصل نسخة حفصة وهي كاملة فلا معنى لعد عثمان جامعاً للقرآن .
( ثانياً ) : اذا قام عثمان بتغيير بعض الايات في النسخة التي نقلها عن مصحف حفصة فعمله هذا لا يخلو من احد امرين اما ان يكون عمله هذا تحريفا للقرآن او اصلاحا له فان كان الأول فلا ريب ولا شبهة في شناعة فعله قبح صنيعه واذا كان الثاني فلابد له ان يعامل مصحف حفصة بما صنعه في بقية المصاحف لانه مصحف وفيه اخطاء فيجب ان يقضى عليه لاحكام القرآن وصونه عن كل تحريف وكذلك لو اخذنا بعين الاعتبار هذا الأمر لتوجه النقض على ابي بكر وعمر ونسبتهما الى الجهل وعدم الامانة .
( ثالثاً ) : ان العهد لازال قريبا بعصر النبوة واذا سلمنا بدعوى ان القرآن كان مكتوباً على العسيب واللخاف فلما لا يرجع اليها مباشرة ويعول عليها لانها عبارة عن الخطوط الاولى التي دونت باشراف النبي صلى الله عليه وآله ومحضره .
( رابعاً ) : ان كان عثمان بن عفان من كتاب الوحي لماذا لم يأت بما كتبه وخطته يده في زمن امتهانه مهنة كتابة ما يوحى الى النبي ( صلى الله عليه وآله ) منه فاين ذهب يا ترى ! ! ؟

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 39 _
( خامساً ) : ان كان القرآن كتاباً مقدساً ونص في جملة آياته على وجوب احترامه وتقديسه والعمل به وكذا دلت السنة النبوية فلماذا تنتهك قدسية القرآن بحرقة واذا كان عثمان غيوراً على القرآن لما لم يعمل باحكامه ووزع العالم الاسلامي بين بني عمومته وابناء ارومته فعاثوا في الارض الفساد ومزقوا كل حرمة شر ممزق وهتكوا الحقوق وبذروا اموال بيت المال في اشباع نهم شهواتهم من دون انكار حتى كثرت الشكايا منهم فلم يأبه بذلك ولم يقابلهم باذن صاغية فاجتمعوا عليه وقتلوه في داره .
   واذا كان لتلك النسخ التي بعث بها الى الامصار وجود فلما لم ينقل عنها مؤرخ من مؤرخي التاريخ على الرغم من وفرتهم وانتشارهم وسياحتهم سوى ابن فضل الله العمري وفي القرن الثامن الهجري وكأن لأرض قد خليت في تلك الفترة الزمنية المتمادية ممن في يده دواة وقلم وكذا بعد تلك الفترة الى يومنا هذا ، وخلاصة ما نصل اليه انّ اكثر الاحاديث الواردة في هذا الشأن من الموضوعات مبالغ فيها حاكها خلفاء بني أيمة ومن بعدهم بنو العباس خدمة لاغراضهم لاخاصة ولاسدال الستار على الشنائع التي عرفت عمن نسبت اليه والاعمال المزرية التي صدرت عنهم .

مواصفات المصحف العثماني :
   قال الباجي في المحكي عنه : لا سبيل الى تغيير حرف من تكلك الحروف التي في هذا المصحف لأن عثمان والصحابة حرقوا المصاحف الاولى ما سوى هذا المصحف ولو كان فيها شيئاً من بقية تلك الحروف الت انزل عليها القرآن لم يحرقوه وايضاً حرقوها لانها كانت على غير ترتيب هذا المصحف المتفق على ترتيبه .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 40 _
   أقول : ومعنى كلامه هذا ان أول من رتب القرآن بالنحو المتعارف عليه اليوم بيننا هو عثمان بن عفان وهو امر باطل قطعاً لانه لا سبيل له الى ذلك بل هو امر توقيفي ثبت النص عليه من الباري جل وعلا في قوله في سورة القيامة : « لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ » كما انه ورد ان القرآن نزل جملة واحدة في ليلة القدر الى سماء الدنيا وانه نزل بعد ذلك على النبي ( صلى الله عليه وآله ) نجوماً او منجماً بحسب الوقائع والاحداث وكان يخبر الناس بمواضع الآيات واحدة تلو الاخرى كما كان يأمرهم بمواضع السور وترتيبها وكان ينظم ذلك كله كما يتلقاه من الوحي ويأمر بضبطه واثباته .
   قال المحدث الماهر السيد نعمة الله الجزائري في كتابه الانوار النعمانية : ترى قواعده ( اي قواعد خط المصحف العثماني ) تخالل قواعد العربية مثل كتابة الالف بعد واو المفرد وعدمها بعد واو الجمع وغير ذلك وسموه رسم الخط القرآني ولم يعلموا انه من عدم اطلاع عثمان على قواعد العربية والخط (1) ، وقد عبّر عنها السدي حسين البروجردي في تفسيره : بالاغلاط العثمانية في المصاحف السبعة وهي التي بعث بها الى الامصار (2) .

--------------------
(1) الانوار النعمانية ج 2 ص 361 ط تبريز .
(2) تفسير الصراط المستقيم ج 3 ص 113 ط بيروت مؤسسة الوفاء .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 41 _
   وقال الفقيه الهمداني في مصباحه : كانت المصاحف العثمانية عارية عن الاعراب والنقط مع ما فيها من التباس بعض الكلمات ببعض بحسب رسم خطه كملك ومالك ولذا اشتهر عنهم ان كلامنهم كان يخطي الآخر ولا يجوز الرجوع الى الاخر (1) ، أقول : ولذا فما قيل من ان خط المصحف العثماني خط توقيفي تعبدي لا وجه له ولا دليل عليه ولا مؤيد له وقد شاهدنا كثيراً من الايرانيين يتعذر عليهم قراءته بالنحو الذي كتب عليه بل يكثر لحنهم في قراءته اذا لم يكونوا قد اتقنوا قراءته على استاد عارف ضابط فهو من أسباب اللحن الواب تنزيه القرآن عنه وتعريته من وصمة اعواره وابهامه والخصوص في عصرنا هذا عصر المدنية والازدهار والرقى الحضاري والتقنية العالية والمؤمل من علماء أهل السنة وكذلك علماء الشيعة في جميع حواضرهم العلمية اعادة النظر في هذا الأمر المهم والاسهام في عرض الفاظه وحركات اعرابه بحلة قشيبة تبتني على قواعد اللغة العربية التي نزل بها القرآن وضوابطها الاملائية البديعة .

تاريخ القراءات القرآنية بعد زمن عثمان :
( القرن الثاني )
   قال مكي بن ابي طاب : وكان الناس على رأس المائتين بالبصرة على قراءة ابي عمرو ويعقوب وبالكوفة على قراءة حمزة وعاصم وبالشام على قراءة ابن عامر وبمكة على قراءة ابن كثير وبالمدينة على قراءة نافع واستمروا على ذلك .

( القرن الثالث )
   وفيه اتسع الخرق وقل الضبط وتصدى فيه بعض ائمة الاقراء لضبطه ما بلغه من القراءات فكان أول من جمع القراءات في كتاب ابو عبيد القاسم بن سلام توفي سنة 224 هـ .

--------------------
(1) مصباح الفقيه ج 2 ص 274 ط ايران .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 42 _
   قال ابن حجر في المحكى عنه : ذكر ابو عبيد في كتابه خمسة عشر رجلاً من كل مصر ثلاثة انفس فذكر من مكة ابن كثير وابن محيصن وحميد الاعرج ومن اهل المدينة ابا جعفر وشيبة ونافعاً ومن أهل البصرة ابا عمرو وعيسى ابن عمر وعبد الله بن ابي اسحاق ومن اهل الكوفة يحيى بن وثاب وعاصماً والأعمش ومن اهل الشام عبد اله بن عامر ويحيى بن الحرث وذهب عني اسم الثالث ولم يذكر في الكوفيين حمزة ولا الكسائي بل قال ان جمهور اهل الكوفة بعد الثلاثة صاروا الى قراءة حمزة ولم يجتمع عليه جماعتهم قال واما الكسائي فكان يتجزى القراءات فأخذ من قراءة الكوفيين بعضاً وترك بعضاً . . . ثم اعقب ابا عبيد القاسم جمع منهم .

(1) القاضي اسماعيل بن اسحاق المالكي صاحب قالون الف كتاباً في القراءات وجمع فيه قراءة عشرين قارئاً منهم القراء السبعة المشهورين توفي سنة 282 هـ .
(2) ابو حاتم السجستاني وقد صنف كتاباً في القراءت ذكر فيه اكثر من عشرين رجلاً ولم يذكر فيهم ابن عامر ولا حمزة ولا الكسائي .
(3) ابو جعفر محمد بن حرير الطبري جمع كتاباً كاملا سماه الجامع فيه اثنان وعشرون قراءة توفي سنة 310 هـ .
(4) ابو بكر محمد بن احمد بن عمر الداجوني جمع كتاباً في القراءات فيه عشر قراءات وجعل الطبري المتقدم احدهم توفي سنة 320 هـ .
(5) جبير المكي وقد صنف كتاباً في القراءات فاقتصر على خمسة اقتصر من كل مصر اماماً وانما اقتصر على ذلك لأن المصاحف التي ارسلها عثمان الى هذه الامصار كانت خمسة حيث انه لم يصله خبر لمصحفي البحرين واليمن .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 43 _
( القرن الرابع )
   وكان في طليعة مدوني تلك الفترة وصدرهم ورئيسهم ابو بكر احمد بن موسى ابن العباس بن مجاهد وجه القراء في عصره وهو أول من اقتصر على قراءة القراء السبعة المشهورين فقط توفي سنة 324 هـ ، وقيل ان السبب الذي دعا وحث ابن مجاهد على تسبيع القراءات هو مراعاة عدد المصاحف استبدلوا من غير البحرين واليمن قاريين كمل بهما العدد فصادف ذلك العدد الذي ورد الخبر به وهو أن القرآن انزل على سبعة احرف فوقع ذلك لمن لم يعرف اصل المسألة ولم يكن له فطنة فظن ان المراد بالاحرف السبعة القراءات السبع ولاسيما قد كثر استعمالهم الحرف في موضع القراءة فقالوا قرأ بحرف نافع وبحرف بن كثير فتأكد الظن بذلك وليس الأمر كما ظنه وكان من اجتهاداته على رأس الثلاثمائة من الهجرة ان اثبت اسم الكسائي وحذف يعقوب .
   قال مكي بن ابي طالب : والسبب في الاقتصار على السبعة مع ان في ائمة القراءة من هو أجل منهم قدراً واكثر منهم عدداً ان الرواة عن الائمة كانوا كثيراً جداً فلما تقاصرت الهمم به اقتصروا مما يوافق خط المصحف على ما يسهل حفظه وينضبط القراءة به فنظروا الى من اشتهر بالتثقة والامانة وطول العمر في ملازمة القراءة والاتفاق على الاخذ عنه فافردوا من كل مصر اماماً واحداً ولم يتركوا مع ذلك نقل ما كان عليه الائمة الجحدري وابي جعفر وشيبة وغيرهم .

( القرن الخامس )
   فويه أخذ الناس يؤلفون في القراءات انواع التأليفات المشتملة على القراءات العشر والاكثر منها والأقل (1) .

--------------------
(1) راجع كتاب القراءات القرآنية للفضلي .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 44 _
عقيدة الشيعة الامامية الاثنا عشرية في تواتر أصل القرآن الكريم :
  قال رئيس المحدثين وقطب رحى الحديث الشيخ الصدوق ابو جعفر محمد ابن علي بن بابويه القمي في رسالة الاعتقادات تحت عنوان : الاعتقاد في مبلغ القرآن : اعتقادنا ان القرآن الذي انزله الله تعالى على نبيه محمد ( صلى الله عليه وآله ) و ما بين الدفتين وما في ايدي الناس ليس باكثر من ذلك ومبلغ سوره عند الناس مائة واربعة عشر سورة وعندنا والضحى والم نشرح سورة واحد هو لايلاف والم تر كيف سورة واحدة ومن نسب الينا انا نقول انه اكثر من ذلك فهو كاذب (1) .
   وقال تحت عنوان آخر : باب الاعتقاد في القرآن : اعتقادنا في القرآن انه كلام الله ووحيه وتنزيله وكتابه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم عليم وانه القصص الحق وانه لقول فصل وما هو بالهزل وان الله تبارك وتعالى محدثه ومنزله وربه وحافظه والمتكلم به (2) ، وقال الشيخ الاجل المفيد في كتاب اوائل المقالات في المذاهب والمختارات : واتفقوا ( اي الامامية ) على ان ائمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (3) قال جماعة من أهل الامامة انه لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف امير المؤمنين ( عليه السلام ) من تأويل وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله وذلك كان ثابتاً منزلا وان لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز . . . وهذا ليس فيه من اهل التفسير اختلاف . . . واليه أميل . . . واما الزيادة فيه فمقطوع على فسادها من وجه ويجوز صحتها من وجه فالوجه الذي اقطع على فساده ان يمكن لاحد من الخلق زيادة مقدار سورة فيه على حد يلتبس به عند أحد من الفصحاء .

--------------------
(1) كتاب الاعتقادات ط قم مركز نشر كتاب ص 92 .
(2) نفس المصدر السابق ص 93 .
(3) اوائل المقالات في المذاهب والمختارات ص 52 ط تبريز سنة 1371 هـ .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 45 _
   واما الوجه المجوز فهو ان يزاد فيه الكلمة والكلمتان والحرف والحرفان وما اشبه ذلك مما لا يبلغ حد الاعجاز ويكون ملتبساًعند اكثر الفصحاء بكلم القرآن غير انه لابد متى وقع ذلك من ان يدل الله عليه ويوضح لعباده عنالحق فيه ولست اقطع على كون ذلك بل أميل الى عدمه وسلامة القرآن عنه ومعي بذلك حديث عن الصادق جعفر بن محمد ( عليه السلام ) . . . ذهب اليه جماعة من متكلمي الامامية وأهل الفقه منهم والاعتبار (1) .
   وقال في موضع آخر تحت عنوان ( القول في نسخ القرآن بالسنة ) : أقول : ان القرآن ينسخ بعضه بعضاً ولا ينسخ شيئاً منه السنة بل تنسخ السنة به كما تنسخ السنة بمثلها . . . والقول بأن السنة لا تنسخ القرآن مذهب اكثر الشيعة . . . (2) .
   وقال علم الهدى السيد المرتضى في المسائل الطرابلسيات : ان العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب الشمهورة واشعار العرب المسطورة فان العناية اشتدّت والدواعي توفرت على نقله وحراسته وبلغت حداً لا تبلغه فيما ذكرناه لان القرآن معجزة النبوة ومأخذ العلوم الشرعية والاحكام الدينية وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من اعرابه وقراءته وحروفه وآياته فكيف يجوز ان يكون مغيراً ومنقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد .
   وقال ايضاً ( قدس الله روحه ) : ان العلم بتفصيل القرآن وابعاضه في صحة نقله كالعلم بجملته وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنفة ككتاب سيبويه والمزني فان اهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلها ما يعلمونه من جملتها حتى لو ان مدخلا ادخل في كتاب سيبويه باباً من النحو ليس من الكتاب لعرف وميّز وعلم انه ملحق وليس من اصل الكتاب وكذلك القول في كتاب المزني ومعلوم ان العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء . . . وان من خالف في ذلك من الامايمة والحشوية لا يعتد بخلافهم فان الخلاف في ذلك مضاف الى قوم من اصحاب الحديث نقلوا اخباراً ضعيفة ظنوا صحتها لا يرجع الى مثلها عن المعلوم المقطوع على صحته . . .

--------------------
(1) نفس المصدر السابق ص 94 .
(2) نفس المصدر السابق ص 141 .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 46 _
   وأضاف الحكيم المتاله الفيض الكاشاني بعد حكاية الكلام المتقدم عن السيد المرتضى معقباً اياه بقوله في تفسيره : لقائل ان يكون كما ان الدواعي كانت متوفرة على نقل القرآن وحراسته من المؤمنين كذلك كانت متوفرة على تغييره من المنافقين المبدلين الموصية المغيرين للخلافه لتضمنه ما يضاد رأيهم وهواهم والتغيير فيه ان وقع فانما وقع قبل انتشاره في البلدان واستقراره على ما هو عليه الان والضبط الشديد انما كان بعد ذلك فلا تنافي بينهما بل لقائل ان يقول انه ما تغير في نفسه وانما التغيير في كتابتهم اياه وتلفظهم به فانهم ما حرفوه الا عند نسخهم من الاصل وبقى الاصل على ما هو عليه عند أهله وهم العلماء به فما هو عند العلماء به ليس بمحرف وانما المحرف ما اظهروه لاتباعهم . . . (1) .
   وقال في موضع آخر من التفسير المذكور في ذيل قوله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ( الحجر ـ 10 ) ، ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ) رد لانكارهم واستهزائهم ولذلك اكد من وجوه ( وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) من التحريف والتغيير والزيادة والنقصان (2) .
   وقال أمين الاسلام الشيخ الطبرسي في تفسير جوامع الجامع : هذا رد لانكارهم واستهزائهم في قولهم ( يا ايها الذي نزل عليه الذكر ) ولذلك قال ( إِنَّا نَحْنُ ) فأكد عليهم انه هو المنزل للقرآن على القطع والثبات وانه حافظه من كل زيادة ونقصان وتغيير وتحريف بخلاف الكتب المتقدمة فانه لم يتول حفظها وانما استحفظها الربانيين ولم يكل القرآن الى غير حفظه (3) .

--------------------
(1) الصافي في تفسير القرآن ج 1 ص 35 ط طهران .
(2) نفس المصدر السابق ص 898 .
(3) جوامع الجامع تفسير القرآن ج 1 ص 791 ط بيروت دار الاضواء .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 47 _
   وقال شيخ الطائفة ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب تمهيد الاصول في علم الكلام : لنا في تصحيح نبوته ( عليه السلام ) طريقان احدهما الاستدلال بهذا القرآن الموجود معنا والثاني الاستدلال بباقي معجزاته ( عليه السلام ) . . . والاستدلال بالقرآن لا يتم الا بعد بيان خمسة اشياء :
( أحدها ) ظهوره بمكة وادعاؤه انه مبعوث الى الخلق رسول اليهم .
( وثانيها ) وتحديه العرب بهذا القرآن الذي ظهر على يده وادعاؤه ان الله تعالى انزله عليه وخصه به .
( وثالثها ) ان العرب مع طول المدة لم يعارضوه .
( ورابعها ) انهم لم يعارضون للتعذر والعجز .
( وخامسها ) ان هذا التعذر خارق للعادة فاذا ثبت ذلك فاما ان يكون القرآن نفسه معجزاً خارقاً للعادة بفصاحته ولذلك لم يعارضوه اولان الله تعالى صرفهم عن معارضته ولولا الصرف لعارضوه وأي الامرين ثبت صحت نبوته ( عليه السلام ) لانه تعالى لا يصدق كذاباً ولا يخرق العادة لمبطل اما ظهوره بمكة ودعاؤه الى نفسه فلا شبهة فيه بل ظهوره معلوم ضرورة لا ينكره عاقل وظهور هذا القرآن على يده ايضاً معلوم ضرورة مثل ذلك والشك في احدهما كالشك في الاخر وليس لاحد ان يقول كيف تدعون العلم الضروري والامامية تدعى تغيراً في القرآن الموجود ونقصاناً وكذلك جماعة من اصحاب الحديث .
   قلنا العلم بنبوته عليه وآله السلام لا يفتقر الى العلم بان هذا القرآن الموجود بيننا هو الذي وقع التحدي به بعينه لان مع الشك في ذلك نعلم صحة النبوة لان من المعلوم الذي لا يشك انه ( عليه السلام ) تحدى العرب بكلام ذكر انه كلام ربه تعالى وان ملكاً انزله عليه وخصه به ومعلوم انهم لم يعارضوه لتعذرها عليهم .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 48 _
   وهذا كاف في العلم بنبوته ( عليه وآله السلام ) ودلالة على صدقه لان ذلك الكلام الذي تعذر عليهم معارضته لا يخلو ان يكون وجه تعذرها فرط فصاحته التي خرقت العادة أولانه تعالى صرفهم عن المعارضة وكلا الأمرين يدلان على صحة نبوته ( عليه وآله السلام ) نصرنا صحة نقل القرآن أولم ننصره على انه لا خلاف ان هذا الذي معنا هو القرآن الذي انزله الله تعالى وانما الخلاف في انه هل كان زائداً عليه أولا وذلك لا يحتاج اليه في العلم بنبوته لان التحدى حاصل بسورة منه فضلا عن جميعه على انه ( اي علم الهدى السيد المرتضى ) دل على فسادقول من خالفه في ذلك في المسألة الطرابلسية وجملة منه في الذخيرة بما لا مزيد عليه ولا حاجة بنا هنا الى ذكره (1) .

القراءة التي نزل القرآن على وفقها :
   ورووا من طرقهم عدة روايات ، فمن ذلك ما رواه علي بن ابراهيم القمي في تفسيره عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) انه قال : لو انّ الناس قرؤا القرآن كما انزل ما اختلف اثنان (2) ، ومن ذلك ما رواه الثقة الكليني عن الامام الرضا ( عليه السلام ) : ان القرآن واحد نزل من عند واحد ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة (3) ، وكذا ما رواه عن الفضل بن يسار قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : ان الناس يقولون : ان القرآن نزل على سبعة احرف فقال : كذبوا اعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد .

--------------------
(1) تمهيد الاصول في علم الاصول ص 325 ـ 326 ط طهران جامعة طهران .
(2) شرح املا محمد صالح المازندراني على الكافي ج 11 ص 11 ط طهران .
(3) منبع الحياة ص 71 ط بيروت .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 49 _
   وقال المولى محمد صالح المازندراني في شرحه على الكافي : فالتبس ذلك الحرف المنزل بغيره على الأمة لأجل ذلك فيجوز لهم القراءة باحد هذه الحروف حتى يظهر صاحب الأمر ، وقال السيد نعمة الله الجزائري في منبع الحياة : ان قوله ( عليه السلام ) : القرآن واحد ينفي تكثر القراءات ، وقال الزمخشري في المحكي عنه : ان القراءات الصحيحة التي قرأ بها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) انما هي في صفتها وانما هي صفة واحدة .

تواتر القراءت السبع وكمال العشر :
   قال فقيه الأصول في زماننا السيد الخوئي في تفسيره المرسون بالبيان : ذهب جمع من علماء السنة الى تواترها عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نقل عن السبكي القول بتواتر القراءات العشر وافراط بعضهم فزعم ان من قال ان القراءات السبع لا يلزم فيها لتواتر فقوله كفر ونسب هذا الراي الى المفتي البلاد الاندلسية ابي سعيد فرج بن لب والمعروف عند الشيعة انها غير متواترة بل القراءت بين ما هو اجتهاد من القاري وبين ما هو منقول بخبر الواحد واختر هذا القول جماعة من المحققين من اهل السنة وغير بعيد ان يكون هذا هو المشهور بينهم . . . (1) .
   أقول : ان ما افاده لا يخلو من مناقشة ذلك ان دعوى التواتر كانت قد شقت طريقها الى الفكر الشيعي بقوة بعد ان شاعت بين أهل السنة وليس الأمر على ما ذكره من ادعاء شهرة عدم التواتر عند أهل السنة مضافاً الى معروفيته عند الشيعة كذلك .

--------------------
(1) البيان في تفسير القرآن ج 1 ص 92 ط نجف .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 50 _
   اما عند أهل السنة فانه منقوض بقول الرازي في تفسير الكبير : اتفق الاكثر على ان القراءات المنقولة بالتواتر . . . الخ .
   ما حكاه العاملي في مفتاح الكرامة عن كتاب وافية الاصول انه جاء فيه : اتفق قدماء العامة على عدم جواز العمل بقراءة غير السبع او العشر المشهورة وتبعهم من تكلم في هذا المقام بين الشيعة ولكن لم ينقل دليل يعتدّ به انتهى ، مضافاً الى السيرة العملية المطبق عليها الى يومنا هذا من جمهور أه السنة في الامصار والآفاق .
   وقال ابو حيان بعد التعرض لكلام الزمخشري الآتي ذكره في ادلة نفى التواتر اعجب من اعجمي ضعيف في النحو يردّ على مرّ بي صريح محض قراءة متواترة موجود نظيرها في كلام العرب واعجب بسوء ظن هذا الرجل بقراءات الائمة الذين تخيرتهم هذه الأمة لنقل كتاب الله شرقاً وغرباً واعتمدهم المسلمون لضبطهم ومعرفتهم وديانتهم ـ انتهى .
   وقال المحقق التفتازاني هذا أشد الجرم طعن في اسناد القراء السبعة رواياتهم وزعم انهم انما يقرأون من عند انفسهم وهذه عادته يطعن في تواتر القراءات السبع وينسب الخطأ تارة اليهم كما في هذا الموضوع وتارة الى الرواة عنهم وكلاهما أخطأ لان القراءة خطأ وكذا الرواة عنهم انتهى كلامه ، وقال ابن المنير : نبرأ الى الله ونبري جملة كلامه عما رماهم به فقد ركب عمياً وتخيل القراءة اجتهاداً واختياراً لانقلا واسناداً ونحن نعلم ان هذه القراءة قرأها النبي ( صلى الله عليه وآله ) على جبرئيل عليه السلام كما انزلها عليه وبلغت الينا بالتواتر عنه فالوجوه السبعة المتواترة جملا وتفصيلا فلا مبالاة لقول الزمخشري وامثاله ولولا عذران المنكر ليس من اهل علمي القراءة والاصول لخيف عليه الخروج عن ربقة الاسلام ومع ذلك فهو في عهدة خطرة وزلة منكرة والذي ظن ان تفاصيل الوجوه السبعة فيها ما ليس متواتر غلط ولكنه اقل غلطاً من هذا فان هذا جعلها موكولة الى الآراء ولم يقل ذلك أحد من المسلمين ثم انه شرع في تقرير شواهد من كلام العرب لهذه القراءة وقال في آخر كلامه ك ليس الغرض تصحيح القراءة العربية بل تصحيح العربية بالقراءة (1) .

--------------------
(1) كشكول المحقق البحراني الشيخ يوسف ( قده ) ج 3 ص 339 ـ 340 .