أو جاؤكم ، والثانى موضعها نصب وفيه وجهان : أحدهما موضع حال ، وقد مرادة تقديره : أو جاء‌وكم قد حصرت ، والثانى هو صفة لموصوف محذوف : أى جاء‌وكم قوما حصرت ، والمحذوف حال موطئة ، ويقرأ حصرت بالنصب على الحال ، وبالجر صفة لقوم ، وإن كان قد قرئ حصرت بالرفع فعلى أنه خبر ، وصدروهم مبتدأ ، والجملة حال ( أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ ) أى عن أن يقاتلوكم فهو في موضع نصب أو جر على ماذكرنا من الخلاف ( لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً ) لكم يتعلق بجعل ، وعليهم حال من السبيل لان التقدير : سبيلا كائنا عليهم.
  قوله تعالى ( أُرْكِسُوا ) الجمهور على إثبات الهمزة وهو متعد إلى مفعول واحد ، وقرئ ( ركسوا ) والتشديد للنقل والتكثير معا ، وفيها لغة أخرى وهى ركسه الله بغير همزة ولاتشديد ، ولم أعلم أحدا قرأ به.
  قوله تعالى ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً ) أن يقتل في موضع رفع اسم كان ، ولمؤمن خبره ( إِلاَّ خَطَأً ) استثناء ليس من الاول لان الخطأ لايدخل تحت التكليف.
  والمعنى لكن إن قتل خطأ فحكمه كذا ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) فتحرير مبتدأ ، والخبر محذوف : أى فعليه تحرير رقبة ، ويجوز أن يكون خبرا والمبتدأ محذوف : أى فالواجب عليه تحرير ، والجملة خبر من.
  وقرئ خطا بغير همز وفيه وجهان : أحدهما أنه خفف الهمزة فقلبها ألفا فصار كالمقصور ، والثانى أنه حذفها حذفا فبقى مثل دم ، ومن قتل مؤمنا خطأ صفة مصدر محذوف أى قتل خطأ ، ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال : أى مخطئا ، وأصل دية ودية مثل عدة وزنة ، وهذا المصدر اسم للمؤدى به مثل الهبة في معنى الموهوب ، ولذلك قال ( مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ ) والفعل لا يسلم ( إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا ) قيل هو استثناء منقطع ، وقيل هو متصل ، والمعنى : فعليه دية في كل حال إلا في حال التصدق عليه بها ( فَإِنْ كَانَ ) أى المقتول ، و ( مِنْ قَوْمٍ ) خبر كان ، و (لكم) صفة عدو ، وقيل يتعلق به لان عدوا في معنى معاد ، وفعول يعمل عمل فاعل ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) أي فعلى القاتل (فصيام) أى فعليه صيام ، ويجوز في غير القرآن النصب على تقدير فليصم شهرين (توبة) مفعول من أجله ، والتقدير : شرع ذلك لكم توبة منه ، ولا يجوز أن يكون العامل فيه صوم إلا على تقدير حذف مضاف تقديره : لوقوع توبة أو لحصول توبة من الله ، وقيل هو مصدر منصوب بفعل محذوف تقديره : تاب عليكم توبة منه ، ولايجوز أن يكون في موضع الحال لانك لو قلت فعليه صيام شهرين

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 191 _

  تائبا من الله لم يجز ، فإن قدرت حذف مضاف جاز : أى صاحب توبة من الله ، و ( مِنْ اللَّهِ ) صفة توبة ، ويجوز في غير القرآن توبة بالرفع : أى ذلك توبة.
  قوله تعالى ( وَمَنْ يَقْتُلْ ) من مبتدأ ، و (متعمدا) حال من ضمير القاتل ( فَجَزَاؤُهُ ) مبتدأ ، و (جهنم) خبره والجملة خبر من ، و (خالدا) حال من محذوف تقديره : يجزاها خالدا فيها ، فإن شئت جعلته من الضمير المرفوع ، وإن شئت من المنصوب ، وقيل التقدير : جازاه بدليل قوله ( وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ ) فعطف عليه الماضى فعلى هذا يكون خالدا حالا من المنصوب لاغير ، ولا يجوز أن يكون حالا من الهاء في جزاؤه لوجهين : أحدهما أنه حال من المضاف إليه ، والثانى أنه فصل بين صاحب الحال والحال بخبر المبتدإ.
  قوله تعالى ( فَتَبَيَّنُوا ) يقرأ بالباء والياء والنون من التبيين ، وبالثاء والباء والتاء من التثبت ، وهما متقاربان في المعنى ( لِمَنْ أَلْقَى ) من بمعنى الذى أو نكرة موصوفة ، وألقى بمعنى يلقى لان النهى لا يصح إلا في المستقبل ، والذى نزلت فيه الآية قال لمن ألقى إليه السلام لست مؤمنا وقتله ، و (السلام) بالالف التحية ، ويقرأ بفتح اللام من غير ألف ، وبإسكانها مع كسرة السين وفتحها ، وهو الاستسلام والصلح ( لَسْتَ مُؤْمِناً ) في موضع نصب بالقول والجمهور على ضم الميم الاولى وكسر الثانية ، وهو مشتق من الايمان ، ويقرأ بفتح الميم الثانية ، وهو اسم المفعول من أمنته (تبتغون) حال من ضمير الفاعل في يقولوا (كذلك) الكاف خبر كان ، وقد تقدم عليها وعلى اسمها ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ ) الجمهور على كسر إن على الاستئناف ، وقرئ بفتحها وهو معمول تبينوا.
  قوله تعالى ( مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ) في موضع الحال ، وصاحب الحال القاعدون ، والعامل يستوى ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في القاعدين فيكون العامل فيه القاعدون لان الالف واللام بمعنى الذى ( غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ ) بالرفع على أنه صفة القاعدون لانه لم يقصد به قصد قوم بأعيانهم ، وقيل هو بدل من القاعدين.
  ويقرأ بالنصب على الاستثناء من القاعدين أو من المؤمنين أو حالا ، وبالجر على الصفة للمؤمنين ( وَالْمُجَاهِدُونَ ) معطوف على القاعدين ( بِأَمْوَالِهِمْ ) يتعلق بالمجاهدين (درجة) قيل هو مصدر في معنى تفضيلا ، وقيل حال : أى ذوى درجة ، وقيل هو على تقدير حذف الجار.
  أى بدرجة : وقيل هو واقع موقع الظرف : أى في درجة ومنزلة (وكلا) المفعول الاول ل‍ (وعد) ، و (الحسنى) هو الثانى ، وقرئ ركل : أى وكلهم ، والعائد محذوف : أى وعده الله (أجرا) قيل هو مصدر من غير لفظ الفعل ، لان معنى فضلهم أجرهم ، وقيل هو مفعول به لان فضلهم أعطاهم وقيل التقدير بأجر.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 192 _
  قوله تعالى (درجات) قيل هو بدل من أجرا ، وقيل التقدير : ذوى درجات وقيل في درجات (ومغفرة) قيل هو معطوف على ماقبله ، وقيل هو مصدر : أى وغفر لهم مغفرة ، و (رحمة) مثله.
  قوله تعالى (توفاهم) الاصل تتوفاهم ، ويجوز أن يكون ماضيا ، ويقرأ بالامالة (ظالمى) حال من ضمير الفاعل في تتوفاهم ، والاضافة غير محضة ، أى ظالمين أنفسهم (قالوا) فيه وجهان : أحدهما هو حال من الملائكة وقد معه مقدرة ، وخبر إن (فأولئك) ودخلت الفاء لما في الذى من الابهام المشابه به الشرط ، وأن لا تمنع من ذلك لانها لا تغير معنى الابتداء ، والثانى أن قالوا خبر إن ، والعائد محذوف : أى قالوا لهم ( فِيمَ كُنتُمْ ) حذفت الالف من ( ما ) في الاستفهام مع حرف الجر لما ذكرنا في قوله ( فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ ) والجار والمجرور خبر كنتم ، و ( فِي الأَرْضِ ) يتعلق بمستضعفين ( أَلَمْ تَكُنْ ) استفهام بمعنى التوبيخ ( فَتُهَاجِرُوا ) منصوب على جواب الاستفهام ، لان النفى صار إثباتا بالاستفهام (وساء‌ت) في حكم بئست.
  قوله تعالى ( إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ ) استثناء ليس من الاول ، لان الاول قوله ( تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ ) وإليه يعود الضمير من مأواهم ، وهؤلاء عصاة بالتخلف عن الهجرة مع القدرة ، وإلا المستضعفين من الرجال هم العاجزون ، فمن هنا كان منقطعا و ( مِنْ الرِّجَالِ ) حال من الضمير في المستضعفين ، أو من نفس المستضعفين ( وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ ) يجوز أن يكون مستأنفا ، وأن يكون حال مبينة عن معنى الاستضعاف.
  قوله تعالى (مهاجرا) حال من الضمير في يخرج ( ثُمَّ يُدْرِكْهُ ) مجزوم عطفا على يخرج ، ويقرأ بالرفع على الاستئناف ، أى ثم هو يدركه ، وقرئ بالنصب على إضمار أن لانه لم يعطفه على الشرط لفظا ، فعطفه عليه معنى كما جاء في الواو والفاء.
  قوله تعالى ( أَنْ تَقْصُرُوا ) أى في أن تقصروا ، وقد تقدم نظائره ، ومن زائدة عند الاخفش ، وعند سيبويه هى صفة المحذوف : أى شيئا من الصلاة (عدوا) في موضع أعداء ، وقيل عدو مصدر على فعول مثل القبول والولوع فلذلك لم يجمع ، و (لكم) حال من عدو أو متعلق بكان.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 193 _
  قوله تعالى ( لَمْ يُصَلُّوا ) في موضع رفع صفة لطائفة وجاء الضمير على معنى الطائفة ، ولو قال لم تصل لكان على لفظها ، و ( لَوْ تَغْفُلُونَ ) بمعنى أن تغفلوا و ( أَنْ تَضَعُوا ) أى في أن تضعوا.
  قوله تعالى ( قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ ) أحوال كلها ( اطْمَأْنَنتُمْ ) الهمزة أصل ، ووزن الكلمة افعلل ، والمصدر الطمأنينة على فعليلة ، وأما قولهم طامن رأسه فأصل آخر ، و (موقوتا) مفعول من وقت التخفيف.
  قوله تعالى ( إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ ) الجمهور على كسر إن وهى شرط ، وقرئ ( إِنْ تَكُونُوا ) بفتحها : أى لان تكونوا ، ويقرأ ( تيلمون ) بكسر التاء وقلب الهمزة ياء وهى لغة.
  قوله تعالى (بالحق) هو حال من الكتاب ، وقد مر نظائره (أراك) الهمزة هاهنا معدية ، والفعل من رأيت الشئ إذا ذهبت إليه ، وهو من الرأى ، وهو متعد إلى مفعول واحد ، وبعد الهمزة يتعدى إلى مفعولين أحدهما الكاف والآخر محذوف أى أراكه ، وقيل المعنى علمك ، وهو متعد إلى مفعولين أيضا ، وهو قبل التشديد متعد إلى واحد كقوله ( لا تَعْلَمُونَهُمْ ) (خصيما) بمعنى مخاصم ، واللام على بابها : أى لاجل الخائنين ، وقيل هى بمعنى عن.
  قوله تعالى (يستخفون) بمعنى يطلبون الخفاء وهو مستأنف لاموضع له ( إِذْ يُبَيِّتُونَ ) ظرف للعامل في معهم.
  قوله تعالى ( هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ ) قد ذكرناه في قوله ( ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ ) ( أَمْ مَنْ ) هنا منقطعة.
  قوله تعالى ( أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ) أو لتفصيل ماأبهم ، وقد ذكرنا مثله في غير موضع.
  قوله تعالى ( ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً ) الهاء تعود على الاثم ، وفى عودها عليه دليل على أن الخطيئة في حكم الاثم ، وقيل تعود على أحد الشيئين المدلول عليه بأو ، وقيل تعود على الكسب المدلول عليه بقوله ( وَمَنْ يَكْسِبْ ) وقيل تعود على المكسوب والفعل يدل عليه.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 194 _
  قوله تعالى ( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ ) في جواب لولا وجهان : أحدهما قوله (لهمت) وعلى هذا لايكون قد وجد من الطائفة المشار إليها هم بإضلاله ، والثانى أن الجواب محذوف تقديره : لاضلوك ، ثم استأنف فقال : لهمت : أى لقد همت تلك ، ومثل حذف الجواب هنا حذفه في قوله ( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ) ( وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ ) من زائدة ، وشئ في معنى ضرر فهو في موضع المصدر.
  قوله تعالى ( مِنْ نَجْوَاهُمْ ) في موضع جر صفة لكثير ، وفى النجوى وجهان : أحدهما هى التناجى ، فعلى هذا يكون في قوله ( إِلاَّ مَنْ أَمَرَ ) وجهان :
  أحدهما هو استثناء منقطع في موضع نصب ، لان من للاشخاص وليست من جنس التناجى.
  والثانى أن في الكلام حذف مضاف تقديره : إلا نجوى من أمر ، فعلى هذا يجوز أن يكون في موضع جر بدلا من نجواهم ، وأن يكون في موضع نصب على أصل باب الاستثناء ويكون متصلا.
  والوجه الآخر أن النجوى القوم الذين يتناجون ، ومنه قوله ( وَإِذْ هُمْ نَجْوَى ) فعلى هذا الاستثناء متصل ، فيكون أيضا في موضع جر أو نصب على ماتقدم ( بَيْنَ النَّاسِ ) يجوز أن يكون ظرفا لاصلاح ، وأن يكون صفة له فيتعلق بمحذوف ، و (ابتغاء) مفعول له وألف (مرضات) من واو ( فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ ) بالنون والياء وهو ظاهر.
  قوله تعالى ( وَمَنْ يُشَاقِقْ ) إنما جاز إظهار القاف لان الثانية سكنت بالجزم ، وحركتها عارضة لالتقاء الساكنين والهاء في قوله (ونصله) مثل الهاء في ( يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ ) وقد تكلمنا عليها.
  قوله تعالى ( لِمَنْ يَشَاءُ ) اللام تتعلق بيغفر.
  قوله تعالى ( إِلاَّ إِنَاثاً ) هو جمع أنثى على فعال ، ويراد به كل مالا روح فيه من صخرة وشمس ونحوهما ، ويقرأ أنثى على الافراد ، ودل الواحد على الجمع ، ويقرأ ( إنثا ) مثل رسل فيجوز أن تكون صفة مفردة مثل امرأة جنب ، ويجوز أن يكون جمع أنيث كقليب وقلب ، وقد قالوا حديد أنيث من هذا المعنى ، ويقرأ ( أثنا ) والواحد وثن وهو الصنم ، وأصله وثن في الجمع كما في الواحد ، إلا أن الواو قلبت همزة لما انضمت ضما لازما ، وهو مثل أسد وأسد ، ويقرأ بالواو على الاصل جمعا ، ويقرأ بسكون الثاء مع الهمزة والواو ، و (مريدا) فعيل من التمرد.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 195 _
  قوله تعالى ( لَعْنَةُ اللَّهِ ) يجوز أن يكون صفة أخرى لشيطان ، وأن يكون مستأنفا على الدعاء (وقال) يحتمل ثلاثة أوجه : أحدها أن تكون الواو عاطفة لقال ( على لعنة الله ) وفاعل قال ضمير الشيطان ، والثانى أن تكون للحال : أى وقد قال ، والثالث أن تكون الجملة مستأنفة.
  قوله تعالى ( وَلأضِلَّنَّهُمْ ) مفعول هذه الافعال محذوف : أى لاضلنهم عن الهدى ( وَلأمَنِّيَنَّهُمْ ) الباطل ( وَلآمُرَنَّهُمْ ) بالضلال.
  قوله تعالى (يعدهم) المفعول الثانى محذوف : أى يعدهم النصر والسلامة ، وقرأ الاعمش بسكون الدال ، وذلك تخفيف لكثرة الحركات.
  قوله تعالى (عنها) هو حال من (محيصا) والتقدير محيصا عنها ، والمحيص مصدر ، فلا يصح أن يعمل فيما قبله ، ويجوز أن يتعلق عنها بفعل محذوف وهو الذى يسمى تبيينا ، أى أعنى عنها ، ولا يجوز أن يتعلق بيجدون لانه لايتعدى بعن ، والميم في المحيص زائدة ، وهو من حاص يحيص إذا تخلص.
  قوله تعالى ( وَالَّذِينَ آمَنُوا ) مبتدأ والخبر (سندخلهم) ويجوز أن يكون في موضع نصب بفعل محذوف يفسره مابعده : أى وندخل الذين و ( وَعْدَ اللَّهِ ) نصب على المصدر ، لان قوله سندخلهم بمنزلة وعدهم ، و (حقا) حال من المصدر ، ويجوز أن يكون مصدر الفعل محذوف : أى حق ذلك حقا.
  قوله تعالى ( لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ ) اسم ليس مضمر فيها ولم يتقدم له ذكر ، وإنما دل عليه سبب الآية ، وذلك أن اليهود قالوا نحن أصحاب الجنة ، وقالت النصارى ذلك ، وقال المشركون لانبعث ، فقال : ليس بأمانيكم : أى ليس ما ادعيتموه.
  قوله تعالى ( مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى ) في موضع الحال وفى صاحبها وجهان : أحدهما ضمير الفاعل في يعمل ، والثانى من الصالحات أى كائنة من ذكر أو أنثى ، أو واقعة ومن الاولى زائدة عند الاخفش ، وصفة عند سيبويه : أي شيئا من الصالحات ( وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) حال أيضا.
  قوله تعالى ( مِمَّنْ أَسْلَمَ ) يعمل فيه أحسن ، وهو مثل قولك : زيد أفضل من عمرو : أى يفضل عمرا ، و (لله) يتعلق بأسلم ، ويجوز أن يكون حالا من ( وجهه ) (واتبع) معطوف على أسلم ، و (حنيفا) حال ، وقد ذكر في البقرة ، ويجوز أن يكون هاهنا حالا من الضمير في اتبع ( وَاتَّخَذَ اللَّهُ ) مستأنف.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 196 _
  قوله تعالى ( وَمَا يُتْلَى ) في ( ما ) وجوه : أحدها موضعها جر عطفا على الضمير المجرور بفى ، وعلى هذا قول الكوفيين لانهم يجيزون العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار.
  والثانى أن يكون في موضع نصب على معنى : ونبين لكم مايتلى لان يفتيكم يبين لكم.
  والثالث هو في موضع رفع ، وهو المختار.
  وفى ذلك ثلاثة أوجه : أحدها هو معطوف على ضمير الفاعل في يفتيكم ، وجرى الجار والمجرور مجرى التوكيد ، والثانى هو معطوف على اسم الله وهو قل الله ، والثالث أنه مبتدأ ، والخبر محذوف تقديره : ومايتلى عليكم في الكتاب يبين لكم ، وفى تتعلق بيتلى ، ويجوز أن تكون حالا من الضمير في يتلى ، و ( فِي يَتَامَى ) تقديره : حكم يتامى ، ففى الثانية بما تعلقت به الاولى لان معناها مختلف ، فالاولى ظرف والثانية بمعنى الباء : أى بسبب اليتامى كما تقول : جئتك في يوم الجمعة في أمر زيد ، وقيل الثانية بدل من الاولى ، ويجوز أن تكون الثانية تتعلق بالكتاب : أى ماكتب في حكم اليتامى ، ويجوز أن تكون الاولى ظرفا والثانية حالا فتتعلق بمحذوف ، ويتامى (النساء) أى في اليتامى منهن.
  وقال الكوفيون التقدير : في النساء اليتامى ، فأضاف الصفة إلى الموصوف ، ويقرأ في ( ييامى ) بياء‌ين والاصل أيامى ، فأبدلت الهمزة ياء كما قالوا : فلان ابن أعسر ويعصر ، وفى الايامى كلام نذكره في موضعه إن شاء الله.
  (وترغبون) فيه وجهان : أحدهما هو معطوف على تؤتون ، والتقدير : ولاترغبون ، والثانى هو حال : أى وأنتم ترغبون في أن تنكحوهن ( وَالْمُسْتَضْعَفِينَ ) في موضع جر عطفا على المجرور في يفتيكم فيهن ، وكذلك ( وَأَنْ تَقُومُوا ) وهذا أيضا عطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار ، وقد ذكره الكوفيون ، ويجوز أن يكون في موضع نصب عطفا على موضع فيهن ، والتقدير : ويبين لكم حال المستضعفين وبهذا التقدير يدخل في مذهب البصريين من غير كلفة ، والجيد أن يكون معطوفا على يتامى النساء ، وأن تقوموا معطوف عليه أيضا : أى وفى أن تقوموا.
  قوله تعالى ( وَإِنْ امْرَأَةٌ ) امرأة مرفوع بفعل محذوف : أى وإن خافت امرأة ، واستغنى عنه بخافت المذكور.
  وقال الكوفيون : هو مبتدأ ومابعده الخبر ، وهذا عندنا خطأ لان حرف الشرط لامعنى له في الاسم فهو مناقض للفعل ، ولذلك جاء الفعل بعدالاسم مجزوما في قول عدى :

ومـتى واغـل ينبهم iiيحيو      ه ويعطف عليه كأس الساقى

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 197 _
  ( مِنْ بَعْلِهَا ) يجوز أن يكون متعلقا بخافت ، وأن يكون حالا من (نشوزا) و (صلحا) على هذا مصدر واقع موقع تصالح ، ويجوز أن يكون التقدير : أن يصالحا فيصلحا صلحا ، ويقرأ بتشديد الصاد من غير ألف وأصله يصطلحا ، فأبدلت التاء صادا وأدغمت فيها الاولى ، وقرئ ( يصطلحا ) بإبدال التاء طاء وصلحا عليهما في موضع اصطلاح ، وقرئ بضم الياء وإسكان الصاد وماضيه أصلح.
  وصلحا على هذا فيه وجهان : أحدهما هو مصدر في موضع إصلاح والمفعول به بينهما ، ويجوز أن يكون ظرفا والمفعول محذوف ، والثانى أن يكون صلحا مفعولا به وبينهما ظرف أو حال من صلح ( وَأُحْضِرَتْ الأَنفُسُ الشُّحَّ ) أحضرت يتعدى إلى مفعولين ، تقول : أحضرت زيدا الطعام ، والمفعول الاول الانفس وهو القائم مقام الفاعل ، وهذا الفعل منقول بالهمزة من حضر ، وحضر يتعدى إلى مفعول واحد كقولهم حضر القاضى اليوم امرأة.
  قوله تعالى ( كُلَّ الْمَيْلِ ) انتصاب كل على المصدر لان لها حكم ماتضاف إليه ، فإن أضيفت إلى مصدر كانت مصدرا ، وإن أضيفت إلى ظرف كانت ظرفا ( فَتَذَرُوهَا ) جواب النهى فهو منصوب ، ويجوز أن يكون معطوفا على تميلوا فيكون مجزوما (كالمعلقة) الكاف في موضع نصب على الحال.
  قوله تعالى (وإياكم) معطوف على الذين ، وحكم الضمير المعطوف أن يكون منفصلا ، و ( أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ ) في موضع نصب عند سيبويه وجر عند الخليل ، والتقدير : بأن اتقوا الله ، وأن على هذا مصدرية ، ويجوز أن تكون بمعنى أى ، لان وصينا في معنى القول فيصح أن يفسر بأن التفسيرية.
  قوله تعالى (شهداء) خير ثان ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في قوامين ( عَلَى أَنفُسِكُمْ ) يتعلق بفعل دل عليه شهداء : أى ولو شهدتم ، ويجوز أن يتعلق بقوامين ( إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً ) اسم كان مضمر فيها دل عليه تقدم ذكر الشهادة : أى إن كان الخصم ، أو أن كان كل واحد من المشهود عليه والمشهود له ، وفى (أو) وجهان أحدهما هى بمعنى الواو ، وحكى عن الاخفش ، فعلى هذا يكون الضمير في (بهما) عائدا على لفظ غنى وفقير.
  والوجه الثانى أن أو على بابها ، وهى هنا لتفصيل ماأبهم من الكلام ، وذلك أن كل واحد من المشهود عليه والمشهود له يجوز أن يكون غنيا وأن يكون فقيرا ، فقد يكونان غنيين ، وقد يكونان فقيرين ، وقد يكون أحدهما غنيا والآخر فقيرا ، فلما كانت الاقسام عند التفصيل على ذلك ولم تذكر

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 198 _
  أتى بأو لتدل على هذا التفصيل ، فعلى هذا يكون الضمير في بهما عائدا على المشهود له والمشهود عليه على أى وصف كانا عليه لاعلى الصفة ، وقيل الضمير عائد إلى مادل عليه الكلام ، والتقدير : فالله أولى بالغنى والفقير ، وقيل يعود على الغنى والفقير لدلالة الاسمين عليه ( أَنْ تَعْدِلُوا ) فيه ثلاثة أوجه : أحدها تقديره : في أن لاتعدلوا ، فحذف لا : أى لا تتبعوا الهوى في ترك العدل.
  والثانى تقديره : ابتغاء أن تعدلوا عن الحق.
  والثالث تقديره : مخافة أن تعدلوا عن الحق ، وعلى الوجهين هو مفعول له ( وَإِنْ تَلْوُوا ) يقرأ بواوين الاولى منهما مضمومة وهو من لوى يلوى ، ويقرأ بواو واحدة ساكنة ، وفيه وجهان أحدهما أصله تلووا كالقراء‌ة الاولى إلا أنه أبدل الواو المضمومة همزة ، ثم ألقى حركتها على اللام : وقد ذكر مثله في آل عمران ، والثانى أنه من ولى الشئ : أى وإن تتولوا الحكم أو تعرضوا عنه أو إن تتولوا الحق في ؟؟ الحكم.
  قوله تعالى ( لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ ) قد ذكر في قوله ( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ ).
  قوله تعالى (جميعا) هو حال من الضمير في الجار وهو قوله ( لله ).
  قوله تعالى ( وَقَدْ نَزَّلَ ) يقرأ على مالم يسم فاعله ، والقائم مقام الفاعل (أن) وماهو تمام لها ، وأن هى المخففة من الثقيلة : أى أنه ( إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ ).
  ويقرأ نزل على تسمية الفاعل ، وأن في موضع نصب.
  وتلخيص المعنى : وقد نزل عليكم المنع من مجالستهم عند سماع الكفر منهم ، و ( يُكْفَرُ بِهَا ) في موضع الحال من الآيات ، وفى الكلام حذف تقديره : يكفر بها أحد ، فحذف الفاعل وأقام الجار مقامه ، والضمير في (معهم) عائد على المحذوف ، فلا تفعلوا محمول على المعنى أيضا ، لان معنى وقد نزل عليكم ، وقد قيل والفاء جواب إذا ( إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ ) إذا هاهنا ملغاة لوقوعها بين الاسم والخبر ، ولذلك لم يذكر بعدها الفعل.
  وأفرد مثلا لانها في معنى المصدر ، ومثله ( أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا ) وقد جمع في قوله ( ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ) وقرئ شاذا ( مثلهم ) بالفتح ، وهو مبنى لاضافته إلى المبهم ، كما بنى في قوله ( مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ ) ويذكر في موضعه إن شاء الله تعالى ، وقيل نصب على الظرف كما قيل في بيت الفرزدق : ( وإذ مامثلهم بشر ) أى أنكم في مثل حالهم.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 199 _
  قوله تعالى ( الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ ) في موضع جر صفة للمنافقين والكافرين ، ويجوز أن يكون خبر مبتدإ محذوف : أى هم ، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر ( فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنْ اللَّهِ ) ومايتصل به ، ويجوز أن يكون في موضع نصب عن إضمار أعنى (نستحوذ) هو شاذ في القياس ، والقياس نستحذ ( عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) يجوز أن يتعلق بيجعل ، وأن يكون حالا من سبيل.
  قوله تعالى ( وَهُوَ خَادِعُهُمْ ) ، و (كسالى) حالان (يراء‌ون) يقرأ بالمد وتخفيف الهمزة ، ويقرأ بحذف الالف وتشديد الهمزة : أى يحملون غيرهم على الرياء وموضعه نصب على الحال من الضمير في كسالى ، ويجوز أن يكون بدلا من كسالى ، ويجوز أن يكون مستأنفا ( إِلاَّ قَلِيلاً ) نعت لمصدر محذوف أو زمان محذوف.
  قوله تعالى (مذبذبين) هو منصوب على الذم ، وقيل هو حال من الضمير في يذكرون ، والجمهور على فتح الذال على مالم يسم فاعله : أى أن نفاقهم حملهم على التقلب ، ويقرأ بكسر الذال الثانية : أى متقلبين ، وليست الذال الثانية بدلا عند البصريين بل ذبذب أصل بنفسه.
  وقال الكوفيون : الاصل ذبب ، فأبدل من الباء الاولى ذالا وذلك في موضع بينهما : أى بين الايمان والكفر ، أو بين المسلمين واليهود ( لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ ) وإلى يتعلق بفعل محذوف : أى لا ينتسبون إلى هؤلاء بالكلية ولا إلى هؤلاء بالكلية ، وموضع لا إلى هؤلاء نصب على الحال من الضمير في مذبذبين : أى يتذبذبون متلونين.
  قوله تعالى ( فِي الدَّرْكِ ) يقرأ بفتح الراء وإسكانها وهما لغتان ، و ( مِنْ النَّارِ ) في موضع الحال من الدرك ، والعامل فيه معنى الاستقرار ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في الاسفل.
  قوله تعالى ( إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا ) في موضع نصب استثناء من الضمير المجرور في قوله ( وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ ) ويجوز أن يكون من قوله ( فِي الدَّرْكِ ) وقيل هو في موضع رفع بالابتداء ، والخبر ( فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ).
  قوله تعالى ( مَا يَفْعَلُ اللَّهُ ) في ما وجهان : أصحهما أنهما استفهام في موضع نصب بيفعل ، و ( بِعَذَابِكُمْ ) متعلق بيفعل ، والثانى أنها نفى ، والتقدير : مايفعل الله بعذابكم ، والمعنى لا يعذبكم.
  قوله تعالى (بالسوء) الباء تتعلق بالمصدر ، وفى موضعها وجهان : أحدهما نصب

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 200 _
  تقديره : لا يحب أن تجهروا بالسوء ، والثانى رفع تقديره : أن يجهر بالسوء و ( مِنْ الْقَوْلِ ) حال من السوء ( إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ ) استثناء منقطع في موضع نصب ، وقيل هو متصل.
  والمعنى : لايحب أن يجهر أحد بالسوء إلا من يظلم فيجهر : أى يدعوا الله بكشف السوء الذى أصابه أو يشكو ذلك إلى إمام أو حاكم ، فعلى هذا يجوز أن يكون في موضع نصب ، وأن يكون في موضع رفع بدلا من المحذوف إذ التقدير أن يجهر أحد ، وقرئ ( ظلم ) بفتح الظاء على تسمية الفاعل وهو منقطع ، والتقدير : لكن الظالم فإنه مفسوح لمن ظلمه أن ينتصف منه ، وهى قراء‌ة ضعيفة.
  قوله تعالى ( بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً ) ذلك يقع بمعنى المفرد والتثنية والجمع ، وهو هنا بمعنى التثنية : أى بينهما.
  قوله تعالى (حقا) مصدر : أى حق ذلك حقا ، ويجوز أن يكون حالا : أى أولئك هم الكافرون غير شك.
  قوله تعالى ( أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ ) أى شيئا أو سؤالا أكبر (جهرة) مصدر في موضع الحال : أى مجاهرين ، وقيل التقدير : قولا جهرة ، وقيل رؤية جهرة ، قوله تعالى ( وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمْ ) فوقهم يجوز أن يكون ظرفا لرفعنا ، وأن يكون حالا من ( الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ ) في موضع نصب متعلق برفعنا تقديره : بنقض ميثاقهم.
  والمعنى : ورفعنا فوقهم الجبل تخويفا لهم بسبب نقضهم الميثاق ، و (سجدا) حال ( لا تَعْدُوا ) يقرأ بتخفيف الدال وإسكان العين ، يقال : عدا يعدو إذا تجاوز الحد ، ويقرأ بتشديد الدال وسكون العين وأصله تعتدوا ، فقلب التاء دالا وأدغم ، وهى قراء‌ة ضعيفة لانه جمع بين ساكنين ، وليس الثانى حرف مد.
  قوله تعالى ( فَبِمَا نَقْضِهِمْ ) مازائدة ، وقيل هى نكرة تامة ، ونقضهم بدل منها.
  وفيما تتعلق به الباء وجهان : أحدهما هو مظهر ، وهو قوله بعد ثلاث آيات ( حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ ) وقوله ( فبظلم ) بدل من قوله ( فَبِمَا نَقْضِهِمْ ) وأعاد الفاء في البدل لما طال الفصل ، والثانى أن مايتعلق به محذوف ، وفى الآية دليل عليه ، والتقدير : فبنقضهم ميثاقهم طبع على قلوبهم أو لعنوا ، وقيل التقدير : فيما نقضهم ميثاقهم لايؤمنون ، والفاء زائدة ( بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا ) أى ليس كما ادعوا من أن قلوبهم أوعية للعلم ، و (بكفرهم) أى بسبب كفرهم ، ويجوز أن يكون المعنى أن كفرهم صار مغطيا على قلوبهم ، كما تقول : طبعت على الكيس بالطين : أى جعلته الطابع ( إِلاَّ قَلِيلاً ) أى إيمانا أو زمانا قليلا.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 201 _
  قوله تعالى (وبكفرهم) معطوف على وبكفرهم الاول ، و (بهتانا) مصدر يعمل فيه القول لانه ضرب منه ، فهو كقولهم : قعد القرفصاء ، فهو على هذا بمثابة القول في الانتصاب ، وقال قوم تقديره : قولا بهتانا ، وقيل التقدير : بهتوا بهتانا ، وقيل هو مصدر في موضع الحال : مباهتين.
  قوله تعالى ( وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ) هو معطوف على وكفرهم ، و (عيسى) بدل أو عطف بيان من المسيح ، و ( رَسُولَ اللَّهِ ) كذلك ، ويجوز أن يكون رسول الله صفة لعيسى ، وأن يكون على إضمار أعنى ( لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ) منه في موضع جر صفة لشك ، ولا يجوز أن يتعلق بشك ، وإنما المعنى : لفى شك حادث منه : أى من جهته ، ولايقال : شككت منه ، فإن ادعى أن من بمعنى في فليس بمستقيم عندنا ( مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ ) يجوز أن يكون موضع الجملة المنفية جرا صفة مؤكدة لشك تقديره : لفى شك منه غير علم ، ويجوز أن تكون مستأنفة ومن زائدة.
  وفى موضع من علم وجهان : أحدهما هو رفع بالابتداء وماقبله الخبر ، وفيه وجهان : أحدهما هو به ولهم فضلة مبينة مخصصة كالتى في قوله ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) فعلى هذا يتعلق به الاستقرار ، والثانى أن لهم هو الخبر ، وفي به على هذا عدة أوجه : أحدها أن يكون حالا من الضمير المستكن في الخبر ، والعامل فيه الاستقرار.
  والثانى أن يكون حالا من العلم لان من زائدة فلم تمنع من تقديم الحال ، على أن كثيرا من البصريين يجيز تقديم حال المجرور عليه.
  والثالث أنه على التبيين : أى مالهم أعنى به ، ولايتعلق بنفس علم لان معمول المصدر لايتقدم عليه.
  والوجه الآخر أن يكون موضع من علم رفعا بأنه فاعل ، والعامل فيه الظرف إما لهم أو به ( إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ ) استثناء من غير الجنس ( وَمَا قَتَلُوهُ ) الهاء ضمير عيسى ، وقيل ضمير العلم : أى وماقتلوا العلم يقينا كما يقال قتلته علما ، و (يقينا) صفة مصدر محذوف : أى قتلا يقينا أو علما يقينا ، ويجوز أن يكون مصدرا من غير لفظ الفعل بل من معناه ، لان معنى ماقتلوه ماعملوا ، وقيل التقدير : تيقنوا ذلك يقينا ( بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ ) الجيد إدغام اللام في الراء لان مخرجهما واحد ، وفى الراء تكرير فهى أقوى من اللام ، وليس كذلك الراء إذا تقدمت لان إدغامها يذهب التكرير الذى فيها ، وقد قرئ بالاظهار هنا.
  قوله تعالى ( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ) إن بمعنى ( ما ) والجار والمجرور في موضع رفع بأنه خبر المبتدإ ، والمبتدأ محذوف تقديره : وما من أهل الكتاب أحد ، وقيل المحذوف من : وقد مر نظيره ، إلا أن تقدير من هاهنا بعيد لان الاستثناء يكون بعد

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 202 _
  تمام الاسم ، ومن الموصولة والموصوفة غير تامة (ليؤمنن) جواب قسم محذوف ، وقيل أكد بها في غير القسم كما جاء في النفى والاستفهام ، والهاء في (موته) تعود على أحد المقدر ، وقيل تعود على عيسى ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ ) ظرف لشهيد ، ويجوز أن يكون العامل فيه يكون.
  قوله تعالى (فبظلم) الباء تتعلق بحرمنا ، وقد ذكرنا حكم الفاء قبل (كثيرا) أى صدا كثيرا أو زمانا كثيرا.
  قوله تعالى ( وأخذهم ـ وأكلهم ) معطوف على صدهم والجميع متعلق بحرمنا ، والمصادر المضافة إلى الفاعل ، ( وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ ) حال.
  قوله تعالى ( لَكِنْ الرَّاسِخُونَ ) الراسخون مبتدأ و ( فِي الْعِلْمِ ) متعلق به ، و (منهم) في موضع الحال من الضمير في الراسخون ( والمؤمنون ) معطوف على الراسخون ، وفى خبر الراسخون وجهان : أحدهما (يؤمنون) وهو الصحيح ، والثانى هو قوله ( أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ ) (والمقيمين) قراء‌ة الجمهور بالياء ، وفيه عدة أوجه : أحدها أنه منصوب على المدح : أى وأعنى المقيمين وهو مذهب البصريين ، وإنما يأتى ذلك بعد تمام الكلام ، والثانى أنه معطوف على ما : أى يؤمنون بما أنزل إليك وبالمقيمين ، والمراد بهم الملائكة ، وقيل التقدير : وبدين المقيمين فيكون المراد بهم المسلمين ، والثالث أنه معطوف على قبل ، تقديره : ومن قبل المقيمين ، فحذف قبل وأقيم المضاف إليه مقامه ، والرابع أنه معطوف على الكاف في قبلك ، والخامس أنه معطوف على الكاف في إليك ، والسادس أنه معطوف على الهاء والميم في منهم ، وهذه الاوجه الثلاثة عندنا خطأ ، لان فيها عطف الظاهر على المضمر من غير إعادة الجار ، وأما ( الْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) ففى رفعه أوجه : أحدها هو معطوف على الراسخون ، والثانى أنه معطوف على الضمير في الراسخون ، والثالث هو معطوف على الضمير في المؤمنون ، والرابع هو معطوف على الضمير في يؤمنون ، والخامس هو خبر مبتدأ محذوف : أى وهم المؤتون ، والسادس هو مبتدأ ، والخبر ( أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ ) وأولئك مبتدأ ، ومابعده الخبر ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بفعل محذوف : أى ونؤتى أولئك.
  قوله تعالى ( كَمَا أَوْحَيْنَا ) الكاف نعت لمصدر محذوف ومامصدرية ، ويجوز أن تكون مابمعنى الذى ، فيكون مفعولا به تقديره : أوحينا إليك مثل الذى أوحينا

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 203 _
  إلى نوح من التوحيد وغيره ، و ( مِنْ بَعْدِهِ ) في موضع نصب متعلق بأوحينا ، ولا يجوز أن يكون حالا من النبيين ، لان ظروف الزمان لاتكون أحوالا للجثث ، ويجوز أن يتعلق من النبيين ، وفى (يونس) لغات أفصحها ضم النون من غير همز ويجوز فتحها وكسرها مع الهمز وتركه ، وكل هذه الاسماء أعجمية إلا الاسباط وهو جمع سبط.
  والزبور فعول من الزبر وهو الكتابة ، والاشبه أن يكون فعول بمعنى مفعول كالركوب والحلوب ، ويقرأ بضم الزاى وفيه وجهان : أحدهما هو جمع زبور على حذف الزائد مثل فلس وفلوس ، والثانى أنه مصدر مثل القعود والجلوس ، وقد سمى به الكتاب المنزل على داود.
  قوله تعالى (ورسلا) منصوب بفعل محذوف تقديره : وقصصنا رسلا ، ويجوز أن يكون منصوبا بفعل دل عليه أوحينا : أى وأمرنا رسلا ، ولا موضع لقوله ( قَدْ قَصَصْنَاهُمْ ) ، و ( لَمْ نَقْصُصْهُمْ ) على الوجه الاول لانه مفسر للعامل ، وعلى الوجه الثانى هما صفتان ، و (تكليما) مصدر مؤكد رافع للمجاز.
  قوله تعالى (رسلا) يجوز أن يكون بدلا من الاول وأن يكون مفعولا : أى أرسلنا رسلا ، ويجوز أن يكون حالا موطئة لما بعدها كما تقول : مررت بزيد رجلا صالحا ، ويجوز أن يكون على المدح : أى أعنى رسلا ، واللام في (لئلا) يتعلق بما دل عليه الرسل : أى أرسلناهم لذلك ، ويجوز أن تتعلق بمنذرين أو مبشرين أو بما يدلان عليه ، و (حجة) اسم كان وخبرها للناس ، وعلى الله حال من حجة ، والتقدير : للناس حجة كائنة على الله ، ويجوز أن يكون الخبر على الله ، وللناس حال ، ولا يجوز أن يتعلق على الله بحجة لانها مصدر ، و (بعد) ظرف لحجة ، ويجوز أن يكون صفة لها ، لان ظرف الزمان يوصف به المصادر كما يخبر به عنها.
  قوله تعالى (أنزله) لاموضع له ، و (بعلمه) حال من الهاء : أى أنزله معلوما أو أنزله وفيه علمه ، أى معلومه ، ويجوز أن يكون حالا من الفاعل : أى أنزله عالما به ( وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ ) يجوز أن يكون لاموضع له ، ويكون حكمه كحكم لكن الله يشهد ، ويجوز أن يكون حالا : أى أنزله والملائكة شاهدون بصدقه.
  قوله تعالى ( لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ ) قد ذكر مثله في قوله ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ ـ و ـ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ ).

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 204 _
  قوله تعالى ( إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ ) استثناء من جنس الاول ، لان الاول في معنى العموم إذ كان في سياق النفى و (خالدين) حال مقدرة.
  قوله تعالى ( قَدْ جَاءَكُمْ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ ) بالحق في موضع الحال : أى ومعه الحق أو متكلما بالحق ، ويجوز أن يكون متعلقا بجاء أى جاء بسبب إقامة الحق و (من) حال من الحال ، ويجوز أن تكون متعلقة بجاء : أى جاء الرسول من عند الله ( فَآمِنُوا خَيْراً ) تقديره عند الخليل وسيبويه : وأتوا خيرا فهو مفعول به ، لانه لما أمرهم بالايمان فهو يريد إخراجهم من أمر وإدخالهم فيما هو خير منه ، وقيل التقدير ، إيمانا خيرا ، فهو نعت لمصدر محذوف ، وقيل هو خبر كان المحذوفة : أى يكن الايمان خيرا ، وهو غير جائز عند البصريين لان كان لاتحذف هى واسمها ويبقى خبرها إلا فيما لابد منه ، ويزيد ذلك ضعفا أن يكون المقدرة جواب شرط محذوف فيصير المحذوف للشرط وجوابه ، وقيل هو حال ومثله ( انتَهُوا خَيْراً ) في جميع وجوهه.
  قوله تعالى ( وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ ) الحق مفعول تقولوا : أى ولا تقولوا إلا القول الحق ، لانه بمعنى لا تذكروا ولا تعتقدوا ، والقول هنا هو الذى تعبر عنه الجملة في قولك قلت زيد منطلق ، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف و (المسيح) مبتدأ ، و (عيسى) بدل أو عطف بيان ، و ( رَسُولُ اللَّهِ ) خبره و (كلمته) عطف على رسول ، و (ألقاها) في موضع الحال وقد معه مقدرة وفى العامل في الحال ثلاثة أوجه : أحدها معنى كلمته لان معنى وصف عيسى بالكلمة المكون بالكلمة من غير أب ، فكأنه قال ومنشؤه ومبتدعه.
  والثانى أن يكون التقدير : إذ كان ألقاها ، فإذ ظرف للكلمة ، وكان تامة ، وألقاها حال من فاعل كان ، وهو مثل قولهم : ضربى زيدا قائما.
  والثالث أن يكون حالا من الهاء المجرورة ، والعامل فيها معنى الاضافة تقديره : وكلمة الله ملقيا إياها ( وَرُوحٌ مِنْهُ ) معطوف على الخبر أيضا ، و (ثلاثة) خبر مبتدإ محذوف : أى إلهنا ثلاثة أو الاله ثلاثة ( إِنَّمَا اللَّهُ ) مبتدأ ، و (إله) خبره ، و (واحد) توكيد ( أَنْ يَكُونَ ) أى من أن يكون ، أو عن أن يكون ، وقد مر نظائره ، ومثله ( لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ ) ، ( وَلا الْمَلائِكَةُ ) معطوف على المسيح ، وفى الكلام حذف : أى أن يكونوا عبيدا.
  قوله تعالى ( بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ ) إن شئت جعلت من ربكم نعتا لبرهان أو متعلقا بجاء.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 205 _
  قوله تعالى ( صِرَاطاً مُسْتَقِيماً ) هو مفعول ثان ليهدى ، وقيل هو مفعول ليهدى على المعنى ، لان المعنى يعرفهم.
  قوله تعالى ( فِي الْكَلالَةِ ) في يتعلق بيفتيكم وقال الكوفيون : بيستفتونك ، وهذا ضعيف ، لانه لو كان كذلك لقال : يفتيكم فيها في الكلالة كما لو تقدمت ( إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ ) هو مثل ( وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ ) ( لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ ) الجملة في موضع الحال من الضمير في هلك ( وَلَهُ أُخْتٌ ) جملة حالية أيضا ، وجواب الشرط (فلها) ( وَهُوَ يَرِثُهَا ) مستأنف لاموضع له ، وقد سدت هذه الجملة مسد جواب الشرط الذى هو قوله ( إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ ) ، ( فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ ) الالف في كانتا ضمير الاختين ، ودل على ذلك قوله ( وَلَهُ اخْتِ ) وقيل هو ضمير من (1) ، والتقدير : فإن كان من يرث ثنتين ، وحمل ضمير من على المعنى لانها تستعمل في الافراد والتثنية والجمع بلفظ واحد.
  فإن قيل : من شرط الخبر أن يفيد مالا يفيده المبتدأ والالف قد دلت على الاثنين ، قيل : الفائدة في قوله اثنتين بيان أن الميراث وهو الثلثان هاهنا مستحق بالعدد مجردا عن الصغر والكبر وغيرهما.
  فلهذا كان مفيدا ( مِمَّا تَرَكَ ) في موضع الحال من الثلثان ( فَإِنْ كَانُوا ) الضمير للورثة ، وقد دل عليه ماتقدم (فللذكر) أى منهم ( أَنْ تَضِلُّوا ) فيه ثلاثة أوجه ، أحدها هو مفعول يبين : أى يبين لكم ضلالكم لتعرفوا الهدى ، والثانى هو مفعول له تقديره : مخافة أن تضلوا ، والثالث تقديره : لئلا تضلوا وهو قول الكوفيين ، ومفعول يبين على الوجهين محذوف : أى يبين لكم الحق.

سورة المائدة
بسم اللّه الرحمن الرحيم

  قوله تعالى ( إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ) في موضع نصب على الاستثناء من بهيمة الانعام ، والاستثناء متصل ، والتقدير : أحلت لكم بهيمة الانعام إلا الميتة وماأهل لغير الله به وغيره مما ذكر في الآية الثالثة من السورة (غير) حال من الضمير المجرور عليكم أو لكم ، وقيل هو حال من ضمير الفاعل في أوفوا ، و (محلى) اسم فاعل مضاف إلى المفعول ، وحذفت النون للاضافة ، و (الصيد) مصدر بمعنى المفعول : أى المصدر ، ويجوز أن يكون على بابه هاهنا : أى غير محلين الاصطياد في حال الاحرام

--------------------
(1) قوله ( هو ضمير من الخ) أى المقدرة في الكلام ولا يخفى أن تقديرها يندفع به الاشكال الآتى فليتأمل اه‍.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 206 _
  قوله تعالى ( وَلا الْقَلائِدَ ) أى ولا ذوات القلائد لانها جمع قلادة ، والمراد تحريم المقلدة لا القلادة ( وَلا آمِّينَ ) أى ولا قتال آمين أو أذى آمين ، وقرئ في الشاذ ( ولا آمى البيت ) بحذف النون والاضافة (يبتغون) في موضع الحال من الضمير في آمين ، ولايجوز أن يكون صفة لآمين لان اسم الفاعل إذا وصف لم يعمل في الاختيار (فاصطادوا) قرئ في الشاذ بكسر الفاء ، وهى بعيدة من الصواب ، وكأنه حركها بحركة همزة الوصل ( وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ ) الجمهور على فتح الياء ، وقرئ بضمها وهما لغتان : يقال ، جرم وأجرم ، وقيل جرم متعد إلى مفعول واحد وأجرم متعد إلى اثنين ، والهمزة للنقل ، فأما فاعل هذا الفعل فهو (شنآن) ومفعوله الاول الكاف والميم ، و ( وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ ) هو المفعول الثانى على قول من عداه إلى مفعولين ، ومن عداه إلى واحد كأنه قدر حرف الجر مرادا مع أن تعتدوا ، والمعنى : لا يحملنكم بغض قوم على الاعتداء ، والجمهور على فتح النون الاولى من شنآن ، وهو مصدر كالغليان والنزوان.
  ويقرأ بسكونها وهو صفة مثل عطشان وسكران ، والتقدير : على هذا لا يحملنكم بغيض قوم : أى عداوة بغيض قوم ، وقيل من سكن أراد المصدر أيضا ، لكنه خفف لكثرة الحركات وإذا حركت النون كان مصدرا مضافا إلى المفعول : أى لا يحملنكم بغضكم لقوم ، ويجوز أن يكون مضافا إلى الفاعل : أى بغض قوم إياكم ( أَنْ صَدُّوكُمْ ) يقرأ بفتح الهمزة وهى مصدرية ، والتقدير : لان صدوكم ، وموضعه نصب أو جر على الاختلاف في نظائره.
  ويقرأ بكسرها على أنها شرط ، والمعنى : أن يصدوكم مثل ذلك الصد الذى وقع منهم ، أو يستديموا الصد ، وإنما قدر بذلك لان الصد كان قد وقع من الكفار للمسلمين ( وَلا تَعَاوَنُوا ) يقرأ بتخفيف التاء‌ين على أنه حذف التاء الثانية تخفيفا ، أو بتشديدها إذا وصلتها بلا على إدغام إحدى التاء‌ين في الاخرى ، وساغ الجمع بين ساكنين لان الاول منهما حرف مد.
  قوله تعالى (الميتة) أصلها الميتة (والدم) أصله دمى ( وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ) قد ذكر ذلك كله في البقرة (والنطيحة) بمعنى المنطوحة ، ودخلت فيها الهاء لانها لم تذكر الموصوفة معها فصارت كالاسم ، فإن قلت شاة نطيح لم تدخل الهاء ( وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ ) ( ما ) بمعنى الذى وموضعه رفع عطفا على الميتة ، والاكثر ضم الباء من السبع وتسكينها لغة ، وقد قرئ به ( إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ ) في موضع نصب استثناء من الموجب قبله ، والاستثناء راجع إلى المتردية والنطيحة وأكيلة السبع

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 207 _
  ( وَمَا ذُبِحَ ) مثل ( وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ ) ( عَلَى النُّصُبِ ) فيه وجهان : أحدهما هو متعلق بذبح تعلق المفعول بالفعل : أى ذبح على الحجارة التى تسمى نصبا ، أى ذبحت في ذلك الموضع.
  والثانى أن النصب الاصنام ، فعلى هذا في ( على ) وجهان : أحدهما هى بمعنى اللام : أى لاجل الاصنام ، فتكون مفعولا له ، والثانى أنها على أصلها وموضعه حال : أى وما ذبح مسمى على الاصنام ، وقيل نصب بضمتين ، ونصب بضم النون وإسكان الصاد ، ونصب بفتح النون وإسكان الصاد ، وهو مصدر بمعنى المفعول ، وقيل يجوز فتح النون والصاد أيضا ، وهو اسم بمعنى المنصوب كالقبض والنقض بمعنى المقبوض والمنقوض ( وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا ) في موضع رفع عطفا على الميتة ، و ( الأَزْلامِ ) جمع زلم : وهو القدح الذى كانوا يضربون به على أيسار الجزور ( ذَلِكُمْ فِسْقٌ ) مبتدأ وخبر ، ولكم إشارة إلى جميع المحرمات في الآية ، ويجوز أن يرجع إلى الاستقسام (اليوم) ظرف ل‍ (يئس) و (اليوم) الثانى ظرف ل‍ (أكملت) و (عليكم) يتعلق بأتممت ولا يتعلق ب‍ (نعمتى) فإن شئت جعلته على التبيين : أى أتممت أعنى عليكم ، و (رضيت) يتعدى إلى مفعول واحد ، وهو هنا (الاسلام) و (دينا) حال ، وقيل يتعدى إلى مفعولين لان معنى رضيت هنا جعلت وصيرت.
  ولكم يتعلق برضيت وهى للتخصيص ، ويجوز أن يكون حالا من الاسلام : أى رضيت الاسلام لكم ( فَمَنْ اضْطُرَّ ) شرط في موضع رفع بالابتداء ، و (غير) حال ، والجمهور على (متجانف) بالالف والتخفيف ، وقرئ ( متجنف ) بالتشديد من غير ألف يقال تجانف وتجنف (لاثم) متعلق بمتجانف ، وقيل اللام بمعنى إلى ، أى ماثل إلى إثم ( فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) أى له ، فحذف العائد على المبتدأ.
  قوله تعالى ( مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ) قد ذكر في البقرة ( وَمَا عَلَّمْتُمْ ) ( ما ) بمعنى الذى ، والتقدير : صيد ما علمتم ، أو تعليم ما علمتم ، و ( مِنْ الْجَوَارِحِ ) حال من الهاء المحذوفة أو من ( ما ) والجوارح جمع جارحة ، والهاء فيها للمبالغة وهى صفة غالبة ، إذا لا يكاد يذكر معها الموصوف (مكلبين) يقرأ بالتشديد والتخفيف ، يقال : كلبت الكلب وأكلبته فكلب : أى أغريته على الصيد وأسدته فاستأسد ، وهو حال من الضمير في علمتم ( تُعَلِّمُونَهُنَّ ) فيه وجهان : أحدهما هو مستأنف لا موضع له ، والثانى هو حال من الضمير في مكليين ، ولا يجوز أن يكون حالا ثانية لان

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 208 _
  العامل الواحد لا يعمل في حالين ، ولا يحسن أن يجعل حالا من الجوارح لانك قد فصلت بينهما بحال لغير الجوارح (مما) أى شيئا مما ( عَلَّمَكُمْ اللَّهُ ).
  قوله تعالى ( وَطَعَامُ الَّذِينَ ) مبتدأ ، ( وحل لكم ) خبره ، ويجوز أن يكون معطوفا على الطبيات ، وحل لكم خبر مبتدأ محذوف ( وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ) مبتدأ وخبر (والمحصنات) معطوف على الطيبات ، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر محذوف : أى والمحصنات من المؤمنات حل لكم أيضا ، وحل مصدر بمعنى الحلال فلا يثنى ولا يجمع ، و ( مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ ) حال من الضمير في المحصنات ، أو من نفس المحصنات إذا عطفتها على الطيبات ( إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ ) ظرف لاحل أو لحل المحذوفة (محصنين) حال من الضمير المرفوع في آتيتموهن ، فيكون العامل آتيتم ، ويجوز أن يكون العامل أحل أو حل المحذوفة (غير) صفة لمحصنين أو حال من الضمير الذى فيها ( وَلا مُتَّخِذِي ) معطوف على غير فيكون منصوبا ، ويجوز أن يعطف على مسافحين وتكون لا لتأكيد النفى ( وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ ) أى بالمؤمن به فهو مصدر في موضع المفعول كالخلق بمعنى المخلوق ، وقيل التقدير بموجب الايمان وهو الله ( وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ ) إعرابه مثل إعراب ( وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ ) وقد ذكر في البقرة.
  قوله تعالى ( إِلَى الْمَرَافِقِ ) قيل إلى بمعنى مع كقوله ( وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ) وليس هذا المختار ، والصحيح أنها على بابها وأنها لانتهاء الغاية ، وإنما وجب غسل المرافق بالسنة وليس بينهما تناقض ، لان إلى تدل على انتهاء الفعل ، ولا يتعرض بنفى المحدود إليه ولا بإثباته ، ألا ترى أنك إذا قلت : سرت إلى الكوفة ، فغير ممتنع أن تكون بلغت أول حدودها ولم تدخلها وأن تكون دخلتها ، فلو قام الدليل على أنك دخلتها لم يكن مناقضا لقولك : سرت إلى الكوفة ، فعلى هذا تكون إلى متعلقة باغسلوا ، ويجوز أن تكون في موضع الحال وتتعلق بمحذوف ، والتقدير : وأيديكم مضافة إلى المرافق ( برء‌وسكم ) الباء زائدة ، وقال من لا خبرة له بالعربية : الباء في مثل هذا للتبعيض ، وليس بشئ يعرفه أهل النحو ، ووجه دخولها أنها تدل على إلصاق المسح بالرأس (وأرجلكم) يقرأ بالنصب وفيه وجهان : أحدهما هو معطوف على الوجوه والايدى : أى فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم ، وذلك جائز في العربية بلا خلاف ، والسنة الدلالة على وجوب غسل الرجلين تقوى ذلك.
  والثانى أنه معطوف على موضع برء‌وسكم ، والاول أقوى لان العطف على اللفظ أقوى من العطف على الموضع.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 209 _
  ويقرأ في الشذوذ بالرفع على الابتداء : أى وأرجلكم مغسولة أو كذلك.
  ويقرأ بالجر وهو مشهور أيضا كشهرة النصب ، وفيها وجهان : أحدهما أنها معطوفة على الرء‌وس في الاعراب والحكم مختلف ، فالرء‌وس ممسوحة والارجل مغسولة ، وهو الاعراب الذى يقال هو على الجوار ، وليس بممتنع أن يقع في القرآن لكثرته ، فقد جاء في القرآن والشعر ، فمن القرآن قوله تعالى ( وَحُورٌ عِينٌ ) على قراء‌ة من جر ، وهو معطوف على قوله ( بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ ) والمعنى مختلف ، إذ ليس المعنى يطوف عليهم ولدان مخلدون بحور عين ، قال الشاعر وهو النابغة :
لـم  يبق إلا أسير غير iiمنفلت      أو موثق في حبال القد مجنوب
  والقول في مجرورة والجوار مشهور عندهم في الاعراب ، وقلب الحروف ببعضها إلى بعض والتأنيث وغير ذلك.
  فمن الاعراب ما ذكرنا في العطف ، ومن الصفات قوله ( عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ ) واليوم ليس بمحيط ، وإنما المحيط العذاب ، وكذلك قوله ( فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ) واليوم ليس بعاصف وإنما العاصف الريح ، ومن قلب الحروف قوله على الصلاة والسلام ( ارجعن مأزورات غير مأجورات ) والاصل موزورات ولكن أريد التآخى ، وكذلك قولهم : إنه لا يأتينا بالغدايا والعشايا.
  ومن التأنيث قوله ( فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) فحذفت التاء من عشر وهى مضافة إلى الامثال وهى مذكرة ، ولكن لما جاورت الامثال الضمير المؤنث أجرى عليها حكمه ، وكذلك قول الشاعر :
لما أتى خبر الزبير تضعضعت      سـور  المدينة والجبال iiالخشع
  وقولهم : ذهبت بعض أصابعه.
  ومما راعت العرب فيه الجوار قولهم : قامت هند ، فلم يجيزوا حذف التاء إذا لم يفصل بينهما ، فإن فصلوا بينهما أجازوا حذفها ، ولا فرق بينهما إلا المجاورة وعدم المجاورة ، ومن ذلك قولهم : قام زيد وعمرا كلمته استحسنوا النصب بفعل محذوف لمجاورة الجملة اسما قد عمل فيه الفعل ، ومن ذلك قلبهم الواو المجاورة للطرف همزة في قولهم أوائل ، كما لو وقعت طرفا ، وكذلك إذا بعدت عن الطرف لا تقلب طواويس ، وهذا موضع يحتمل أن يكتب فيه أوراق من الشواهد ، وقد جعل النحويون له بابا ورتبوا عليه مسائل ثم أصلوه بقولهم : جحر ضب خرب ، حتى اختلفوا في جواز جر التثنية والجمع ، فأجاز الاتباع فيهما جماعة من حذاقهم قياسا على المفرد المسموع ، ولو كان لا وجه في القياس بحال لا قتصروا فيه على المسموع فقط ، ويؤيد ماذكرناه أن الجر في الآية قد أجيز غيره ، وهو

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 210 _
  النصب والرفع ، والرفع والنصب غير قاطعين ولاظاهرين على أن حكم الرجلين المسح ، وكذلك الجر يجب أن يكون كالنصب والرفع في الحكم دون الاعراب.
  والوجه الثانى أن يكون جر الارجل بجار محذوف تقديره : وافعلوا بأرجلكم غسلا وحذف الجار وإبقاء الجر جائز ، قال الشاعر :
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة      ولا نـاعب إلا بـبين غرابها
  وقال زهير :
بدا لى أنى لست مدرك ما مضى      ولا سـابق شـيئا إذا كان iiجائيا
  فجر بتقدير الباء وليس بموضع ضرورة ، وقد أفردت لهذه المسألة كتابا ( إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) مثل إلى المرافق.
  وفيه دليل على وجوب غسل الرجلين لان الممسوح ليس بمحدود ، والتحديد في المغسول الذى أريد بعضه وهو قوله ( وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ) ولم يحدد الوجه لان المراد جميعه ( وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ) منه في موضع نصب بامسحوا (ليجعل) اللام غير زائدة ، ومفعول يريد محذوف تقديره : ما يريد الله الرخصة في التيمم ليجعل عليكم حرجا ، وقيل اللام زائدة وهذا ضعيف لان أن غير ملفوظ بها ، وإنما يصح أن يكون الفعل مفعولا ليريد بأن ، ومثله ( وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ) أى يريد ذلك ليطهركم (عليكم) يتعلق بيتم ، ويجوز أن يتعلق بالنعمة ، ويجوز أن يكون حالا من النعمة.
  قوله تعالى (إذ) ظرف لواثقكم ، ويجوز أن يكون حالا من الهاء المجرورة ، وأن يكون حالا من الميثاق.
  قوله تعالى ( شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ) مثل قوله تعالى ( شُهَدَاءَ لِلَّهِ ) وقد ذكرناه في النساء ( هُوَ أَقْرَبُ ) هو ضمير العدل ، وقد دل عليه اعدلوا ، وأقرب للتقوى قد ذكر في البقرة.
  قوله تعالى ( وَعَدَ اللَّهُ ) وعد يتعدى إلى مفعولين يجوز الاقتصار على أحدهما والمفعول الاول هنا ( الَّذِينَ آمَنُوا ) والثانى محذوف استغنى عنه بالجملة التى هى قوله ( لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ) ولا موضع لها من الاعراب ، لان وعد لا يعلق عن العمل كما تعلق ظننت وأخواتها.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 211 _
  قوله تعالى ( نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ) يتعلق بنعمة ، ويجوز أن يكون حالا منها فيتعلق بمحذوف ، و (إذ) ظرف للنعمة أيضا ، وإذا جعلت عليكم حالا جاز أن يعمل في إذ ( أَنْ يَبْسُطُوا ) أى بأن يبسطوا ، وقد ذكرنا الخلاف في موضعه.
  قوله تعالى ( مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ ) يجوز أن يتعلق منهم ببعثنا ، وأن يكون صفة لاثنى عشر تقدمت فصارت حالا ( وَعَزَّرْتُمُوهُمْ ) يقرأ بالتشديد والتخفيف والمعنى واحد (قرضا) يجوز أن يكون مصدرا محذوف الزوائد ، والعامل فيه أقرضتم : أى إقراضا ، ويجوز أن يكون القرض بمعنى المقرض فيكون مفعولا به (لاكفرن) جواب الشرط ( فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ ) في موضع الحال من الضمير في لاكفرن ، و ( سَوَاءَ السَّبِيلِ ) قد ذكر في البقرة.
  قوله تعالى ( فَبِمَا نَقْضِهِمْ ) الباء تتعلق ب‍ (لعناهم) ولو تقدم الفعل لدخلت الفاء عليه ، وما زائدة أو بمعنى شئ ، وقد ذكر في النساء (وجعلنا) يتعدى إلى مفعولين بمعنى صيرنا و (قاسية) المفعول الثانى وياؤه واو في الاصل ، لانه من القسوة ، ويقرأ ( قسية ) على فعيلة ، قلبت الواو ياء وأدغمت فيها ياء فعيل وفعيلة في لعناهم ، وأن يكون حالا من الضمير في قاسية ، ولا يجوز أن يكون حالا من هنا للمبالغة بمعنى فاعلة (يحرفون) مستأنف ، ويجوز أن يكون حالا من المفعول في لعناهم ، وأن يكون حالا من الضمير في قاسية ولا يجوز أن يكون حالا من القلوب ، لان الضمير في يحرفون لا يرجع إلى القلوب ، ويضعف أن يجعل حالا من الهاء والميم في قلوبهم ( عَنْ مَوَاضِعِهِ ) قد ذكر في النساء ( عَلَى خَائِنَةٍ ) أى على طائفة خائنة ، ويجوز أن تكون فاعلة هنا مصدرا كالعاقبة والعافية ، و (منهم) صفة لخائنة ، ويقرأ ( خيانة ) وهى مصدر والياء منقلبة عن واو لقولهم يخون ، وفلان أخون من فلان ، وهو خوان ( إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ ) استثناء من خائنة ، ولو قرئ بالجر على البدل لكان مستقيما.
  قوله تعالى ( وَمِنْ الَّذِينَ قَالُوا ) من تتعلق بأخذنا تقديره : وأخدنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم ، والكلام معطوف على قوله ( وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) والتقدير : وأخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم ، ولا يجوز أن يكون التقدير : وأخذنا ميثاقهم ، من الذين قالوا إنا نصارى لان فيه إضمار قبل الذكر لفظا وتقديرا ، والياء في (وأغرينا) من واو ، واشتقاقه من الغراء : وهو الذى يلصق به ، ويقال سهم مغرو ، و (بينهم) ظرف لاغرينا أو حال من (العداوة) ولا يكون ظرفا للعداوة ، لان المصدر لا يعمل فيما قبله ( إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) يتعلق بأغرينا أو بالبغضاء أو بالعداوة : أى تباغضوا إلى يوم القيامة.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 212 _
  قوله تعالى ( يُبَيِّنُ لَكُمْ ) حال من رسولنا ، و ( مِنْ الْكِتَابِ ) حال من الهاء محذوفة في يخفون ( قَدْ جَاءَكُمْ ) لاموضع له ( مِنْ اللَّهِ ) يتعلق بجاء‌كم أو حال من نور.
  قوله تعالى ( يَهْدِي بِهِ اللَّهُ ) يجوز أن يكون حالا من رسولنا بدلا من يبين ، وأن يكون حالا من الضمير في يبين ، ويجوز أن يكون صفة لنور أو لكتاب ، والهاء في به تعود على من جعل يهدى حالا منه أو صفة له فلذلك أفرد ، و (من) بمعنى الذى أو نكرة موصوفة ، و ( سُبُلَ السَّلامِ ) المفعول الثانى ليهدى ، ويجوز أن يكون بدلا من رضوانه ، والرضوان بكسر الراء وضمها لغتان ، وقد قرئ بهما ، وسبلى بضم الباء والتسكين لغة وقد قرئ به (بإذنه) أى بسبب أمره المنزل على رسوله.
  قوله تعالى ( فَمَنْ يَمْلِكُ ) أى قل لهم ، ومن استفهام تقرير ، و ( مِنْ اللَّهِ ) يجوز أن يكون حالا متعلقا بيملك ، وأن يكون حالا من و (شيئا) و (جميعا) حال من المسيح وأمه ومن في الارض ، ويجوز أن يكون حالا من من وحدها ، ومن هاهنا عام سبقه خاص من جنسه ، وهو المسيح وأمه (يخلق) مستأنف.
  قوله تعالى ( قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ ) أى قل لهم ( بَلْ أَنْتُمْ ) رد لقولهم ( نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ ) وهو محكى بقل.
  قوله تعالى ( عَلَى فَتْرَةٍ ) في موضع الحال من الضمير في يبين ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير المجرور في لكم ، و ( مِنْ الرُّسُلِ ) نعت لفترة ( أَنْ تَقُولُوا ) أى مخافة أن تقولوا ( وَلا نَذِيرٍ ) معطوف على لفظ بشير ، ويجوز في الكلام الرفع على موضع من بشير.
  قوله تعالى ( نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ ) هو مثل قوله ( نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ ) وقد ذكر.
  قوله تعالى ( عَلَى أَدْبَارِكُمْ ) حال من الفاعل في ترتدوا ( فَتَنْقَلِبُوا ) يجوز أن يكون مجزوما عطفا على ترتدوا ، وأن يكون منصوبا على جواب النهى.
  قوله تعالى ( فَإِنَّا دَاخِلُونَ ) أى داخلوها ، فحذف المفعول لدلالة الكلام عليه.
  قوله تعالى ( مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ ) في موضع رفع صفة لرجلين ، ويخافون صلة الذين والواو العائد.
  ويقرأ بضم الياء على مالم يسم فاعله ، وله معنيان : أحدهما

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 213 _
  هو من قولك ، خيف الرجل : أى خوف ، والثانى أن يكون المعنى يخافهم غيرهم كقولك : فلان مخوف : أى يخافه الناس ( أَنْعَمَ اللَّهُ ) صفة أخرى لرجلين ، ويجوز أن يكون حالا ، وقد معه مقدرة ، وصاحب الحال رجلان أو الضمير في الذين.
  قوله تعالى ( مَا دَامُوا ) هو بدل من أبدا ، لان ما مصدرية تنوب عن الزمان ، وهو بدل بعض ، و ( هَاهُنَا ) ظرف ل‍ (قاعدون) والاسم هنا وها للتنبيه مثل التى في قولك هذا وهؤلاء.
  قوله تعالى (وأخى) في موضعه وجهان : أحدهما نصب عطفا على نفسى أو على اسم إن ، والثانى رفع عطفا على الضمير في أملك : أى ولا يملك أخى إلا نفسه ، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر محذوف ، أى وأخى كذلك ( وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ) الاصل أن لا تكرر بين ، وقد تكرر توكيدا كقولك : المال بين زيد وبين عمرو ، وكررت هنا لئلا يعطف على الضمير من غير إعادة الجار.
  قوله تعالى ( أَرْبَعِينَ سَنَةً ) ظرف لمحرمة ، فالتحريم على هذا مقدر ، و (يتيهون) حال من الضمير المجرور ، وقيل هى ظرف ليتيهون ، فالتحريم على هذا غير مؤقت ( فَلا تَأْسَ ) ألف تأسا بدل من واو ، لانه من الاسى الذى هو الحزن ، وتثنيته أسوان ، ولا حجة في أسيت عليه لانكسار السين ، ويقال : رجل أسوان بالواو ، وقيل هى من الياء يقال : رجل أسيان أيضا.
  قوله تعالى ( نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ ) الهمزة في ابنى همزة وصل كما هى في الواحد ، فأما همزة أبناء في الجمع فهمزة قطع لانها حادثة للجمع ( إِذْ قَرَّبَا ) ظرف لنبأ أو حال منه ، ولا يكون ظرفا لاتل ، وبالحق حال من الضمير في اتل : أى محقا أو صادقا ( قربانا ) هو في الاصل مصدر ، وقد وقع هنا موضع المفعول به ، والاصل إذ قربا قربانين ، لكنه لم يثن لان المصدر لا يثنى.
  وقال أبوعلى : تقديره إذ قرب كل واحد منهما قربانا كقوله ( فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ) أى كل واحد منهم ( قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ ) أى قال المردود عليه للمقبول منه ومفعول (يتقبل) محذوف : أى يتقبل من المتقين قرابينهم وأعمالهم.
  قوله تعالى ( بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ ) في موضع الحال : أى ترجع حاملا للاثمين.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 214 _
  قوله تعالى (فطوعت) الجمهور على تشديد الواو ، ويقرأ ( طاوعت ) بالالف والتخفيف وهما لغتان ، والمعنى : زينت وقال قوم : طاوعت تتعدى بغير لام ، وهذا خطأ لان التى تتعدى بغير اللام تتعدى إلى مفعول واحد وقد عداه هاهنا إلى ( قَتْلَ أَخِيهِ ) وقيل التقدير طاوعته نفسه على قتل أخيه فزاد اللام وحذف على.
  قوله تعالى ( كَيْفَ يُوَارِي ) كيف في موضع الحال من الضمير في يوارى ، والجملة في موضع نصب بيرى ، والسوأة يجوز تخفيف همزتها بإلقاء حركتها على الواو فتبقى سوأة أخيه ، ولاتقلب الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها لان حركتها عارضة والالف في (ويلتى) بدل من ياء المتكلم ، والمعنى : ياويله احضرى فهذا وقتك (فأوارى) معطوف على أكون ، وذكر بعضهم أنه يجوز أن ينتصب على جواب الاستفهام وليس بشئ ، إذ ليس المعنى أيكون منى عجز فمواراة ، ألا ترى أن قولك أين بيتك فأزورك ، معناه : لو عرفت لزرت ، وليس المعنى هنا لو عجزت لواريت.
  قوله تعالى ( مِنْ أَجْلِ ) من تتعلق ب‍ (كتبنا) ولاتتعلق بالنادمين ، لانه يحسن الابتداء بكتبنا هنا ، والهاء في (إنه) للشان ، و (من) شرطية ، و (بغير) حال من الضمير في قتل : أى من قتل نفسا ظالما ( أَوْ فَسَادٍ ) معطوف على نفس ، وقرئ في الشاذ بالنصب : أى أو عمل فسادا ، أو أفسد فسادا : أى إفساد فوضعه موضع المصدر مثل العطاء ، و ( بَعْدَ ذَلِكَ ) ظرف ل‍ (مسرفون) ولا تمنع لام التوكيد ذلك.
  قوله تعالى ( يُحَارِبُونَ اللَّهَ ) أى أولياء الله فحذف المضاف ، و ( أَنْ يُقَتَّلُوا ) خبر جزاء ، وكذلك المعطوف عليه ، وقد ترئ فيهن بالتخفيف ، و ( مِنْ خِلافٍ ) حال من الايدى والارجل : أى مختلفة ( أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ) أى من الارض التى يريدون الاقامة بها فحذف الصفة ، و (ذلك) مبتدأ ، و ( لَهُمْ خِزْيٌ ) مبتدأ وخبر في موضع خبر ذلك ، و ( فِي الدُّنيَا ) صفة خزى ، ويجوز أن يكون ظرفا له ويجوز أن يكون خزى خبر ذلك ولهم صفة مقدمة فتكون حالا ، ويجوز أن يكون في الدنيا ظرفا للاستقرار.
  قوله تعالى ( إِلاَّ الَّذِينَ ) استثناء من الذين يحاربون في موضع نصب ، وقيل يجوز أن يكون في موضع رفع بالابتداء ، والعائد عليه من الخبر محذوف : أى ( فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ) لهم أو (رحيم) بهم.
  قوله تعالى ( إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) يجوز أن يتعلق إلى بابتغوا ، وأن يتعلق بالوسيلة لان الوسيلة بمعنى المتوسل به فيعمل فيما قبله ، ويجوز أن يكون حالا ، أى الوسيلة كائنة إليه.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 215 _
  قوله تعالى ( مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) العذاب اسم للتعذيب ، وله حكمه في العمل ، وأخرجت إضافته إلى يوم يوما عن الظرفية.
  قوله تعالى ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ ) مبتدأ ، وفى الخبر وجهان : أحدهما هو محذوف تقديره عند سيبويه : وفيما يتلى عليكم ، ولا يجوز أن يكون عنده (فاقطعوا) هو الخبر من أجل الفاء ، وإنما يجوز ذلك فيما إذا كان المبتدأ الذى وصلته بالفعل أو الظرف لانه يشبه الشرط والسارق ليس كذلك.
  والثانى الخبر فاقطعوا أيديهما لان الالف واللام في السارق بمنزلة الذى إذ لايراد به سارق بعينه (وأيديهما) بمعنى يديهما لان المقطوع من السارق والسارقة يميناهما فوضع الجمع موضع الاثنين ، لانه ليس في الانسان سوى يمين واحدة ، وما هذا سبيله يجعل الجمع فيه مكان الاثنين ، ويجوز أن يخرج على الاصل ، وقد جاء في بيت واحد ، قال الشاعر :
ومـهمهين فـدفدين iiمـرتين      ظهراهما مثل ظهور الترسين
  (جزاء) مفعول من أجله أو مصدر لفعل محذوف : أى جازاهما جزاء ، وكذلك (نكالا).
  قوله تعالى ( لا يَحْزُنْكَ ) نهى ، والجيد فتح الياء وضم الزاى ، ويقرأ بضم الياء وكسر الزاى من أحزننى وهى لغة ( مِنْ الَّذِينَ قَالُوا ) في موضع نصب على الحال من الضمير في يسارعون ، أو من الذين يسارعون ( بِأَفْوَاهِهِمْ ) يتعلق بقالوا : أى قالوا بأفواههم آمنا ( وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ) الجملة حال ( وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا ) معطوف على قوله ( مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا ) و (سماعون) خبر مبتدإ محذوف : أى هم سماعون ، وقيل سماعون مبتدأ ، ومن الذين هادوا خبره (للكذب) فيه وجهان : أحدهما اللام زائدة تقديره سماعون الكذب.
  والثانى ليست زائدة ، والمفعول محذوف ، والتقدير سماعون أخباركم للكذب.
  أى ليكذبوا عليكم فيها ، و (سماعون) الثانية تكريرا للاولى ، و (لقوم) متعلق به : أى لاجل قوم ، ويجوز أن تتعلق اللام في لقوم بالكذب ، لان سماعون الثانية مكررة ، والتقدير : ليكذبوا لقوم آخرين ، و ( لَمْ يَأْتُوكَ ) في موضع جر صفة أخرى لقوم (يحرفون) فيه وجهان : أحدهما هو مستأنف لا موضع له ، أو في موضع رفع خبر لمبتدإ محذوف : أى هم يحرفون.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 216 _
  والثانى ليست بمستأنف بل هو صفة لسماعون : أى سماعون محرفون ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في سماعون ، ويجوز أن يكون صفة أخرى لقوم : أى محرفين و ( مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ) مذكور في النساء (يقولون) مثل يحرفون ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في يحرفون ( مِنْ اللَّهِ شَيْئاً ) في موضع الحال التقدير : شيئا كائنا من أمر الله.
  قوله تعالى ( سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ) أى هم سماعون ، ومثله ( أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ) والسحت والسحت لغتان وقد قرئ بهما ( فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً ) في موضع المصدر : أى ضررا.
  قوله تعالى ( وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ ) كيف في موضع نصب عل الحال من الضمير الفاعل في يحكمونك ( وَعِنْدَهُمْ التَّوْرَاةُ ) جملة في موضع الحال ، والتوراة مبتدأ ، وعندهم الخبر ، ويجوز أن ترفع التوراة بالظرف ( فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ) في موضع الحال ، والعامل فيها مافى عند من معنى الفعل ، وحكم الله مبتدأ أو معمول الظرف.
  قوله تعالى ( فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ) في موضع الحال من التوراة ( يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ ) جملة في الحال من الضمير المجرور فيها ( لِلَّذِينَ هَادُوا ) اللام تتعلق بيحكم ( وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ ) عطف على النبيون ( بِمَا اسْتُحْفِظُوا ) يجوز أن يكون بدلا من قوله بها في قوله ( يَحْكُمُ بِهَا ) وقد أعاد الجار لطول الكلام وهو جائز أيضا وإن لم يطل ، وقيل الربانيون مرفوع بفعل محذوف ، والتقدير : ويحكم الربانيون والاحبار بما استحفظوا ، وقيل هو مفعول به : أى يحكمون بالتوراة بسبب استحفاظهم ذلك ، و ( ما ) بمعنى الذى : أى بما استحفظوه ( مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ) حال من المحذوف أو من ( ما ) ، و (عليه) يتعلق ب‍ (شهداء).
  قوله تعالى ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) بالنفس في موضع رفع خبر أن ، وفيه ضمير وأما (العين) إلى قوله (والسن) فيقرأ بالنصب عطفا على ما عملت فيه أن ، وبالرفع وفيه ثلاثة أوجه : أحدها هو مبتدأ والمجرور خبره ، وقد عطف جملا على جملة ، والثانى أن المرفوع منها معطوف على الضمير في قوله بالنفس ، والمجررات على هذا أحوال مبينة للمعنى ، لان المرفوع على هذا فاعل للجار ، وجاز العطف من غير توكيد كقوله تعالى ( مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا ) ، والثالث أنها معطوفة على المعنى ، لان معنى كتبنا عليهم قلنا لهم النفس بالنفس ولا يجوز أن يكون معطوفا على أن وما عملت فيه لانها وما عملت فيه في موضع نصب.
  وأما قوله ( والجروح ) فيقرأ بالنصب حملا على النفس ، وبالرفع وفيه الاوجه الثلاثة ، ويجوز أن يكون مستأنفا : أى والجروح قصاص في شريعة محمد ، والهاء في (به) للقصاص ، و (فهو) كناية عن التصدق والهاء في (له) للمتصدق.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 217 _
  قوله تعالى (مصدقا) الاول حال من عيسى ، و ( مِنَ التَّوْرَاةِ ) حال من ( ما ) أو من الضمير في الظرف ، و ( فِيهِ هُدًى ) جملة في موضع الحال من الانجيل و (مصدقا) الثانى حال أخرى من الانجيل ، وقيل من عيسى أيضا ( وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ ) حال من الانجيل أيضا ، ويجوز أن يكون من عيسى : أى هاديا وواعظا أو ذا هدى وذا موعظة ، ويجوز أن يكون مفعولا من أجله : أى قفينا للهدى ، أو وآتيناه الانجيل للهدى.
  وقد قرئ في الشاذ بالرفع : أى وفى الانجيل هدى وموعظة وكرر الهدى توكيدا.
  قوله تعالى ( وَلْيَحْكُمْ ) يقرأ بسكون اللام والميم على الامر ، ويقرأ بكسر اللام وفتح الميم على أنها لام كى : أى وقفينا ليؤمنوا وليحكم.
  قوله تعالى (بالحق) حال من الكتاب (مصدقا) حال من الضمير في قوله بالحق ، ولايكون حالا من الكتاب إذ لايكون حالان لعامل واحد ( وَمُهَيْمِناً ) حال أيضا ، ومن الكتاب حال من ( ما ) أو من الضمير في الظرف ، والكتاب الثانى جنس ، وأصل مهيمن ميمن لانه مشتق من الامانة لان المهيمن الشاهد ، وليس في الكلام همن حتى تكون الهاء أصلا ( عَمَّا جَاءَكَ ) في موضع الحال : أى عادلا عما جاء‌ك ، و ( مِنْ الْحَقِّ ) حال من الضمير في ( جاء‌ك ) أو من ( ما ) ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ ) لا يجوز أن يكون منكم صفة لكل لان ذلك يوجب الفصل بين الصفة والموصوف بالاجنبى الذى لا تشديد فيه للكلام ، ويوجب أيضا أن يفصل بين جعلنا وبين معمولها ، وهو (شرعة) وإنما يتعلق بمحذوف تقديره : أعنى ، وجعلنا هاهنا إن شئت جعلتها المتعدية إلى مفعول واحد ، وإن شئت جعلتها بمعنى صيرنا ( وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ ) اللام تتعلق بمحذوف تقديره : ولكن فرقكم ليبلوكم ( مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً ) حال من الضمير المجرور.
  وفى العامل وجهان : أحدهما المصدر المضاف لانه في تقدير : إليه ترجعون جميعا ، والضمير المجرور فاعل في المعنى أو قائم مقام الفاعل ، والثانى أن يعمل فيه الاستقرار الذى ارتفع به مرجعكم أو الضمير الذى في الجار.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 218 _
  قوله تعالى ( وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ ) في أن وجهان : أحدهما هى مصدرية ، والامر صلة لها ، وفى موضعها ثلاثة أوجه : أحدها نصب عطفا على الكتاب في قوله ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ ) أى وأنزلنا إليك الحكم.
  والثانى جر عطفا على الحق : أى أنزلنا إليك بالحق وبالحكم ، ويجوز على هذا الوجه أن يكون نصبا لما حذف الجار.
  والثالث أن يكون في موضع رفع تقديره : وأن احكم بينهم بما نزل الله أمرنا أو قولنا ، وقيل أن بمعنى : أى ، وهو بعيد لان الواو تمنع من ذلك والمعنى يفسد ذلك ، لان أن التفسيرية ينبغى أن يسبقها قول يفسر بها ، ويمكن تصحيح هذا القول على أن يكون التقدير : وأمرناك ، ثم فسر هذا الامر باحكم ( أَنْ يَفْتِنُوكَ ) فيه وجهان : أحدهما هو بدل من ضمير المفعول بدل الاشتمال : أى احذرهم فتنتهم ، والثانى أن يكون مفعولا من أجله : أى مخافة أن يفتنوك.
  قوله تعالى ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ ) يقرأ بضم الحاء وسكون الكاف وفتح الميم والناصب له يبغون ، ويقرأ بفتح الجميع ، وهو أيضا منصوب بيبغون : أى احكم حكم الجاهلية ، ويقرأ تبغون بالتاء على الخطاب لان قبله خطابا ، ويقرأ بضم الحاء وسكون الكاف وضم الميم على أنه مبتدأ ، والخبر يبغون ، والعائد محذوف : أى يبغونه وهو ضعيف ، وإنما جاء في الشعر إلا أنه ليس بضرورة في الشعر ، والمستشهد به على ذلك قول أبى النجم :
قد أصبحت أم الخيار تدعى      عـلى  ذنـبا كله لم iiأصنع
  فرفع كله ، ولو نصب لم يفسد الوزن ( وَمَنْ أَحْسَنُ ) مبتدأ وخبر ، وهو استفهام في معنى النفى ، و (حكما) تمييز ، و (لقوم) هو في المعنى عند قوم (يوقنون) وليس المعنى أن الحكم لهم ، وإنما المعنى أن الموقن يتدبر حكم الله فيحسن عنده ، ومثله ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ـ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) ونحو ذلك ، وقيل هى على أصلها ، والمعنى : إن حكم الله للمؤمنين على الكافرين ، وكذلك الآية لهم : أى الحجة لهم.
  قوله تعالى ( بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) مبتدأ وخبر لاموضع له.
  قوله تعالى ( فَتَرَى الَّذِينَ ) يجوز أن يكون من رؤية العين فيكون (يسارعون) في موضع الحال ، ويجوز أن يكون بمعنى تعرف فيكون يسارعون حالا أيضا ، ويجوز أن يكون من رؤية القلب المتعدية إلى مفعولين فيكون يسارعون المفعول الثانى ، وقرئ في الشاذ بالياء والفاعل الله تعالى ، و (يقولون) حال من ضمير الفاعل في يسارعون ، و (دائرة) صفة غالبة لا يذكر معها الموصوف ( أَنْ يَأْتِيَ ) في موضع نصب خبر عسى ، وقيل هو في موضع رفع بدلا من اسم الله (فيصبحوا) معطوف على يأتى.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 219 _
  قوله تعالى (ويقول) يقرأ بالرفع من غير واو العطف وهو مستأنف ، ويقرأ بالواو كذلك ، ويقرأ بالواو والنصب ، وفى النصب أربعة أوجه : أحدها أنه معطوف على يأتى حملا على المعنى ، لان معنى عسى الله أن يأتى وعسى أن يأتى الله واحد ، ولايجوز أن يكون معطوفا على لفظ أن يأتى ، لان أن يأتى خبر عسى ، والمعطوف عليه في حكمه ، فيفتقر إلى ضمير يرجع إلى إسم عسى ، ولا ضمير في قوله ( وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا ) فيصير كقولك : عسى الله أن يقول الذين آمنوا.
  والثانى أنه معطوف على لفظ يأتى على الوجه الذى جعل فيه بدلا ، فيكون داخلا في اسم عسى ، واستغنى عن خبرها بما تضمنه اسمها من الحدث ، والوجه الثالث أن يعطف على لفظ يأتى وهو خبر ، ويقدر مع المعطوف ضمير محذوف تقديره : ويقول الذين آمنوا به ، والرابع أن يكون معطوفا على الفتح تقديره : فعسى الله أن يأتى بالفتح ، وبأن يقول الذين آمنوا ( جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ) فيه وجهان : أحدهما أنه حال وهو هنا معرفة ، والتقدير : وأقسموا بالله يجهدون جهد أيمانهم ، فالحال في الحقيقة مجتهدين ، ثم أقيم الفعل المضارع مقامه ، ثم أقيم المصدر مقام الفعل لدلالته عليه ، والثانى أنه مصدر يعمل فيه أقسموا ، وهو من معناه لامن لفظه.
  قوله تعالى ( مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ ) يقرأ بفتح الدال وتشديدها على الادغام ، وحرك الدال بالفتح لالتقاء الساكنين ، ويقرأ ( يرتدد ) بفك الادغام والجزم على الاصل ، ومنكم في موضع الحال من ضمير الفاعل (يحبهم) في موضع جر صفة لقوم (ويحبونه) معطوف عليه ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير المنصوب تقديره : وهم يحبونه (أذلة) و (أعزة) صفتان أيضا (يجاهدون) يجوز أن يكون صفة لقوم أيضا ، وجاء بغير واو كما جاء أذلة : وأعزة ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في أعزة : أى يعزون مجاهدين ، ويجوز أن يكون مستأنفا.
  قوله تعالى ( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ) صفة للذين آمنوا ( وَهُمْ رَاكِعُونَ ) حال من الضمير في يؤتون.
  قوله تعالى ( فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ ) قيل هو خبر المبتدأ الذى هو من ولم يعد منه ضمير إليه ، لان الحزب هو من في المعنى فكأنه قال : فإنهم هم الغالبون

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 220 _
  قوله تعالى ( مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ) في موضع الحال من الذين الاولى ، أو من الفاعل في اتخذوا (والكفار) يقرأ بالجر عطفا على الذين المجرورة ، وبالنصب عطفا على الذين المنصوبة ، والمعنيان صحيحان.
  قوله تعالى ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ ) ذلك مبتدأ وما بعده الخبر : أى ذلك بسبب جهلهم : أى واقع بسبب جهلهم.
  قوله تعالى ( هَلْ تَنقِمُونَ ) يقرأ بإظهار اللام على الاصل ، وبإدغامها في التاء لقربها منها في المخرج ، ويقرأ ( تَنقِمُونَ ) بكسر القاف وفتحها وهو مبنى على الماضى ، وفيه لغتان : نقم ينقم ونقم ينقم ، و (منا) مفعول تنقمون الثانى ، ومابعد إلا هو المفعول الاول ، ولا يجوز أن يكون منا حالا من أن والفعل لامرين : أحدهما تقدم الحال على إلا ، والثانى تقدم الصلة على الموصول ، والتقدير : هل تكرهون منا إلا إيماننا.
  وأما قوله ( وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ ) ففى موضعه وجهان : أحدهما أنه معطوف على أن آمنا ، والمعنى على هذا : إنكم كرهتم إيماننا وامتناعكم : أى كرهتم مخالفتنا إياكم ، وهذا كقولك للرجل : ماكرهت منى إلا أننى محبب إلى الناس وأنت مبغض وإن كان قد لايعترف بأنه مبغض ، والوجه الثانى أنه معطوف على ( ما ) والتقدير : إلا أن آمنا بالله ، وبأن أكثركم فاسقون.
  قوله تعالى (مثوبة) منصوب على التمييز والمميز بشر ، ويقرأ ( مثوبة ) بسكون الثاء وفتح الواو ، وقد ذكر في البقرة ، و ( عِنْدَ اللَّهِ ) صفة لمثوبة ( مَنْ لَعَنَهُ ) في موضع من ثلاثة أوجه : أحدها هو في موضع جر بدلا من شر.
  والثانى هو في موضع نصب بفعل دل عليه أنبئكم : أى أعرفكم من لعنه الله.
  والثالث هو في موضع رفع : أى هو من لعنه الله ( وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ) يقرأ بفتح العين والباء ، ونصب الطاغوت على أنه فعل معطوف على لعن ، ويقرأ بفتح العين وضم الباء ، وجر الطاغوت وعبد هنا اسم مثل يقظ وحدث ، وهو في معنى الجمع ، ومابعده مجرور بإضافته إليه ، وهو منصوب بجعل ، ويقرأ بضم العين والباء ونصب الدال وجر مابعده ، وهو جمع عبد مثل سقف وسقف ، أو عبيد مثل قتيل وقتل ، أو عابد مثل نازل ونزل ، أو عباد مثل كتاب وكتب ، فيكون جمع جمع مثل ثمار وثمر ، ويقرأ ( عَبَدَ الطَّاغُوتَ ) بضم العين وفتح الباء وتشديدها مثل ضارب وضرب ، ويقرأ ( عباد الطاغوت ) مثل صائم وصوام : ويقرأ ( عباد الطاغوت ) وهو ظاهر مثل صائم