دراسة مبسطة حول الأقسام الواردة في القرآن الكريم
تأليف
العلاّمة المحقّق
جعفر السبحاني
بسم الله الرحمن الرحيم
القرآن والآفاق اللامتناهية
الحمد للّه الذي علّم بالقلم ، علّم الاِنسان مالم يعلم ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبيّنا محمّد خير من طاف الاَرض وحكم ، وعلى آله الاَئمّة السادة هداة الاَُمّة إلى الطريق الاَقوم.
نزل القرآن الكريم على قلب سيد المرسلين هادياً للاِنسان ومنيراً له طريق السعادة ، وقد وضع علماء الاِسلام علوماً جمة لفهم حقائقه وكشف أسراره ومعانيه ، وعلى الرغم من ذلك ، لم يزل المفسرون في كلّ عصر يستخرجون منه حقائق غفل عنها الاَقدمون ، وكأنّ الاِنسان أمام بحر موّاج بالحقائق العلمية لا يُدرك غوره ولا يتوصل إلى أعماقه ، ولا يمكن لاَحد الاِحاطة بأسراره وعجائبه.
وكأنّ القرآن هو النسخة الثانية لعالم الطبيعة الذي لم يزل يبحث عن أسراره الباحثون ، وهم بعد في الاَشواط الاَُولى من الوقوف على حقائقه الكامنة ، ولا غروَ أن يكون الكتاب العزيز كذلك أيضاً ، لاَنّه كتاب صدر من لدن حكيم عليم لا نهاية لوجوده وعلمه ، فيجب أن يكون كتابه المنزّل رشحة من رشحات وجوده.
وهذا هو متكلّم قريش وخطيبهم الوليد بن المغيرة المخزومي لمّا جلس إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسمع شيئاً من آيات سورة غافر ، ذهب إلى
الأقسام في القرآن
_ 6 _
قومه ليبيّن موقفه من الكتاب ، وقال : واللّه قد سمعت من محمّد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الاِنس ولا من كلام الجن ، وانّ له لحلاوة ، وانّعليه لطلاوة ، وانّ أعلاه لمثمر ، وإنّأسفله لمغدق ، وانّه ليعلو وما يعلى عليه (1) .
فقد أدرك مُنطيق قريش بصفاء ذهنه ما يحتوي عليه القرآن من أسرار وكنوز.
نعم ، قد سبقه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك حيث عَرّف القرآن ، بقوله : (له ظهر وبطن ، وظاهره حُكْم ، وباطنُه عِلْم ، وظاهره أنيق ، وباطنه عميق ، له نجوم وعلى نجومه نجوم ، لا تحصى عجائبه ، ولا تبلى غرائبه ، فيه مصابيح الهدى و منار الحكمة) (2).
وقد أفاض الاِمام أمير الموَمنين (عليه السلام) في بيان أبعاد القرآن غير المتناهية ، وقال في خطبة يصف فيها القرآن بقوله : (أنزل عليه الكتاب نوراً لا تطفأ
مصابيحه ، وسراجاً لا يخبو توقّده ، وبحراً لا يدرك قعـره ـ إلى أن قال : ـ و ينابيع العلم و بحوره ، ورياض العدل وغدرانه ، وأثافي الاِسلام وبنيانه ، وأودية الحق
وغيطانه ، وبحر لا ينزفه المنتزفون ، وعيون لا ينضبها الماتحون ، ومناهل لا يغيضها الواردون) (3).
وقد أثبت توالي التأليف حول القرآن الكريم على مختلف الاَصعدة ، انّه كتاب القرون والاَعصار ، وحجّة خالدة للناس إلى يوم القيامة ، وقد استحوذ الكتاب العزيز على اهتمام بالغ لم يَحظ به أي كتاب آخر.
الأقسام في القرآن
_ 7 _ إلماع إلى بعض آفاقه اللا متناهية
إنّ من آفاق القرآن و معانيه السامية هو أقسامه ، فقد أقسم القرآن الكريم بأُمور مختلفة ربما يبلغ عدد أقسامه إلى أربعين حلفاً أو أكثر ، وتمتاز عن الاَقسام الرائجة في العصر الجاهلي بأنّها انصبت على ذوات مقدسة أو ظواهر كونية ذات أسرار عميقة ، في حين امتاز القسم في العصر الجاهلي بالحلف بالمغاني والمدام (1).
وجمال النساء ، إلى غير ذلك من الاَُمور المادية الساقطة.
حلف سبحانه في كتابه مضافاً إلى ذاته ، بالقرآن ، الملائكة ، النفس ، الشمس ، القمر ، السماء ، الاَرض ، اليوم ، الليل ، القلم ، و غير ذلك من الموضوعات التي تحتوي على أسرار مكنونة ، ويصحّ في حقّها ، قوله سبحانه : ( وَانّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظيم )(2) .
ينقل السيوطي انّ أوّل من أفرد أقسام القرآن بالتأليف هو شمس الدين محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية (المتوفّى 751 هـ) ولم يذكر كتاباً غيره ، ثمّ جمع
السيوطي أقسام القرآن و جعله نوعاً من أنواع علومه ، فبحث عنها بحثاً موجزاً لا يتجاوز عن خمس صفحات (3) .
وقال الكاتب الچلبي في (كشف الظنون) ـ بعد سرد ما قام به السيوطي ـ : وتبعه صاحب مفتاح الكرامة حيث أورده من فروع علم التفسير (4) .
ولم نقف على كتاب مفرد حول أقسام القرآن في الاَوساط الشيعية مع ما
--------------------
(1) المدام والمدامة : الخمر .
(2) الواقعة : 78.
(3) الاِتقان في علوم القرآن : 4|46 ـ 51.
(4) كشف الظنون : 1|137 ـ 138.
الأقسام في القرآن
_ 8 _
فيها من بحوث هامة سوى ما ألّفه ولدي العزيز الروحاني الحائز على مقام الشهادة الشيخ أبو القاسم الرزاقي (1) تحت عنوان (سوگندهاى قرآن) ، و هو كتاب قيّم حافل بنقل الآراء حول القسم في القرآن ، وقد طبع في حياته بتقديم منّا تغمده اللّه برحمته وأسكنه فسيح جناته.
ثمّ إنّ ابن قيم الجوزية وإن كان أوّل من ألّف ـ حسب ما نعلم ـ ولكن كتابه يعوزه المنهجية في البحث حيث لم يذكر الاَقسام الواردة واحداً تلو الآخر حسب حروف التهجّي أو حسب سور القرآن ، وإنّما ذكر أقسام كلّسورة في فصل واحد.
لكن ما ألّفه الشيخ الرزاقي خال من هذه النقيصة ، فانّه ألّف كتابه على نمط التفسير الموضوعي ، فجعل لكلّ حلف فصلاً خاصاً ، وذكر جميع الآيات الواردة في
خصوص ذلك الحلف ، مثلاً ذكر الآيات التي أقسم اللّه فيها بنفسه في فصل خاص ، كما جمع ما أقسم اللّه فيه بالليل في سور و آيات مختلفة في مكان واحد.
ولما كان ما ألّفه ابن قيم غير خال عن النقيصة ، كما أنّما ألّفه ولدنا البار لا ينتفع به القارىَ العربي لاَنّه أُلّف باللغة الفارسية ، عزمت على تأليف مفرد في هذا الصدد بغية تعميم الفائدة.
وأردفه إن شاء اللّه بالبحث عن أمثال القرآن.
--------------------
(1) استشهد مع مجموعة من العلماء أثر إسقاط الطائرة التي كانت تقلّهم أثناء رحلةداخلية خلال الحرب العراقية الاِيرانية من قبل النظام البعثي الغاشم عام 1408 هـ | 1367 هـ ـ ، ش .
الأقسام في القرآن
_ 9 _
بحوث تمهيدية في أقسام القرآن
إنّ البحث عن الاَقسام الواردة في القرآن الكريم رهن استعراض أُمور في معنى القسم و ما يتبعه من المقسم به والمقسم عليه وأبحاث أُخرى ، فنقول :
1 ـ تفسير القسم
إنّ لفظة القسم واضحة المعنى تعادل الحلف واليمين في لغة العرب ، ولها معادل في عامة اللغات وإنّما يوَتى به لاَجل تأكيد الخبر والمضمون ، قال الطبرسي : القسم جملة من الكلام يوَكد بها الخبر بما يجعله في قسم الصواب (1).
قال السيوطي : القصد بالقسم تحقيق الخبر وتوكيده ، حتى جعلوا مثل : ( وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقينَ لَكاذِبُون )(2) قسماً ، وإن كان فيه إخبار بشهادة ، لاَنّه لمّا جاء توكيداً للخبر سمّي قسماً (3).
ولذلك نقل عن بعض الاَعراب ، انّه لما سمع قوله تعالى : ( وَفِي السَّماءِرِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّماءِ وَالاََرْضِ انّهُ لحَقّ )(4) صرخ وقال : من ذا الذي أغضب الجليل حتى ألجأه إلى اليمين (5) .
2 ـ أركان القسم
إنّ القسم من الاَُمور ذات الاِضافة وهو فعل فاعل مختار له إضافة إلى أُمور أربعة :
أ ـ الحالف .
ب ـ ما يحلف به .
ج ـ ما يحلف عليه .
د ـ الغاية من القسم.
أمّا الاَوّل : فالحلف عبارة عن فعل الفاعل المختار ، فلا يصدر إلاّ منه سواء أكان واجباً كاللّه سبحانه أم ممكناً كالاِنسان وغيره.
والذي يتناوله بحثنا في هذا الكتاب هو القسم الذي صدر عن الواجب في كتابه العزيز دون سواه.
فلا نتعرض لما حلف به الشيطان في القرآن وقال : ( فَبِعِزَّتِكَ لاَُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعين )(1) .
ثمّ إنّ أدوات القسم عبارة عن الاَُمور الاَربعة ، أعني : الباء والتاء والواو واللام ، وأمثلة الكل واضحة ، وأمّا الاَخير فكقول الشاعر :
لـلّهِ لا يـبقى على الاَيام ذُو حيَدٍ بمُشمَخر به الطيّانُ والآسُ (2)
وسيوافيك انّ حرف الباء يجتمع مع فعل القسم دون سائر الاَدوات ، إذ يحذف فيها فعله ، أعني : أقسم.
وأمّا الثاني ـ أي ما يحلف به ـ : فانّ لكلّ قوم ، أُموراً مقدّسة يحلفون بها ، وأمّا القرآن الكريم فقد حلَفَ سبحانه بأُمور تجاوزت عن الاَربعين مقسماً به.
وأمّا الثالث ـ أي ما يحلف عليه ـ : والمراد هو جواب القسم الذي يراد منه
--------------------
(1) ص : 82.
(2) والحيد كعنب جمع حيدة وهو القرن فيه عقد ، والمشمخر الجبل العالي ، والطيّان الياسمين الصحرائي والآس شجر معروف.
الأقسام في القرآن
_ 11 _
التأكيد عليه وتثبيته وتحقيقه ، وهذا ما يقال القصد بالقسم تحقيق الخبر وتوكيده.
ففي الآية التالية تتجلّى الاَركان الثلاثة ، وتقول : ( وَأَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَمُوت )(1).
فقوله : (وأقسموا) فهو الركن الاَوّل.
وقوله : (باللّه) هو المقسم به.
وقوله : (لا يبعث اللّه من يموت) هو المقسم عليه وكثيراً ما يحذف الفعل وذلك لكثرة تردّد القسم في كلامهم ويكتفى بالواو أو التاء في أسماء اللّه.
نعم ، يلازم الاِقسام بالباء ذكر الفعل ، كما في الآية السابقة ، وقوله : ( يَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ لِيُرضُوكُمْ وَاللّهُ وَرسولُهُ أَحَقُّ أن يُرْضُوهُ )(2).
وعلى ضوء ذلك فباء القسم يلازم مع ذكر فعله ، كما أنّواو القسم وتاءه يلازم مع حذفه ، فيقال : أقسم باللّه ، ولا يقال : أقسم تاللّه أو أقسم واللّه بل يقتصر على قوله : تاللّه ، واللّه ، يقول سبحانه : ( وَتَاللّهِ لاََكِيدَنّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَن تُولُّوا مُدْبِرِين )(3) ، وقوله : ( ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاّ أنْ قالُوا وَاللّهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكين )(4).
وثمة نكتة جديرة بالاِشارة وهي أنّأكثر المفسرين حينما تطرّقوا إلى الاَقسام الواردة في القرآن الكريم ركّزوا جهودهم لبيان ما للمقسم به من أسرار و رموز كالشمس والقمر في قوله سبحانه : ( والشَّمْسِ وَضُحاها * وَالْقَمرِ إِذا تَلاها ) (1) أو قوله : ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُون )(2) ولكنّهم غفل والعلاقة بين المقسم به والمقسم عليه لاحظ مثلاً قوله سبحانه : ( وَالضُّحى * وَالليلِ إِذا سَجى * ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى )(3) فالضحى والليل مقسم بهما وقوله : ( ما ودَّعك ربّك وما قلى ) هو جواب القسم الذي نعبّر عنه بالمقسم عليه ، فهناك صلة في الواقع بين المقسم به والمقسم عليه ، وهو أنّه لماذا لم يقسم بالشمس ولا بالقمر ولا بالتين ولا بالزيتون بل حلف بالضحى والليل لاَجل المقسم عليه أعني قوله : ( ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى ) ؟
وصفوة القول : إنّ كلّ قسم جدير لتحقيق الخبر ، ولكن يقع الكلام في كلّقسم ورد في القرآن الكريم أنّه لماذا اختار المقسم به الخاص دون سائر الاَُمور الكثيرة التي يقسم بها ؟
فمثلاً : لماذا حلف في تحقيق قوله : ( ما ودّعك ) بقوله : ( والضحى والليل ) ولم يقسم بالشمس والقمر ؟
وهذا هو المهم في بيان أقسام القرآن ، ولم يتعرّض له أكثر المفسرين ولا سيما ابن قيم الجوزية في كتابه (التبيان في أقسام القرآن) إلاّ نزراً يسيراً.
ثمّإنّ الغالب هو ذكر جواب القسم ، وربما يحذف كما يحذف جواب لو كثيراً ، أمّا الثاني فكقوله سبحانه : ( وَلَو أَنَّ قُرآناً سُيِّرَتْ بِهِ الجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ
--------------------
(1) الشمس : 1 ـ 2.
(2) التين : 1.
(3) الضحى : 1 ـ 3.
الأقسام في القرآن
_ 13 _
الاََرْضُ أَوْكُلِّمَ بِهِ الْمَوتى ) (1) فانّ الجواب محذوف ، وهو نظير قوله : ( لما آمنوا ).
وأمّا الاَوّل ، فكقوله سبحانه : ( ص * والقُرآنِ ذِي الذِّكر )(2) ، فانّ الحلف بالقرآن الكريم المعرب عن تعظيمه ووصفه بأنّه مذكِّر للعباد يدل على جوابه وهو
انّه منزّل من عنده سبحانه غير مفترى ، وما أشبه ذلك.
وعلى كلّحال ، فالغالب هو الاَوّل أي الاِتيان بالجواب.
إلى هنا تمّ بيان أركان القسم الثلاثة ، وثمة ركن رابع ، وهو الغاية المتوخّاة من القسم ، فنقول : إنّ الغاية إمّا هي تحقيق الخبر ودعوة المخاطب إلى الاِيمان والاِذعان به ، كما هو الغالب ، أو إلفات النظر إلى عظمة المقسم به ، وما يكمن فيه من أسرار ورموز ، أو لبيان قداسته وكرامته ، كما في قوله : ( لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُون )(3) .
ومن خلال هذا البيان ، يتضح الجواب على ما ربما يقال من أنّحلفه سبحانه إن كان لاَجل الموَمن فهو يصدقه بلا حلف ، وإن كان لاَجل الكافر فلا يفيده.
والجواب : انّ إيمان الموَمن بصدق إخباره سبحانه لا ينافي تأكيده بالحلف ، مضافاً إلى ما عرفت من أنّ حلفه سبحانه بشيء إشارة إلى كرامته وقداسته أو إلى عظمته
وما يكمن فيه من أسرار ورموز.
3 ـ جواز الحلف بغير اللّه سبحانه
تضافر الحلف بغيره سبحانه في الكتاب العزيز والسنّة النبوية ، أمّا الكتاب فسيوافيك حلفه بأشياء كثيرة ، وأمّا السنّة فقد حلف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في غير مورد بغير اسم اللّه.
1 ـ فقد أخرج مسلم في صحيحه : أنّه جاء رجل إلى النبي ، فقال : يا رسول اللّه أي الصدقة أعظم أجراً ؟ فقال : (أما ـ و أبيك ـ لتنبئنَّه أن تصدّق وأنت
صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل البقاء) (1).
2 ـ أخرج مسلم أيضاً : جاء رجل إلى رسول اللّه ـ من نجد ـ يسأل عن الاِسلام ، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : (خمس صلوات في
اليوم والليل).
فقال : هل عليَّ غيرهنّ ؟
قال : (لا ... إلاّ أن تطوع) ، وصيام شهر رمضان.
فقال : هلّ عليَّ غيره ؟
قال : (لا ... إلاّ تطوّع ، وذكر له رسول اللّه الزكاة).
فقال الرجل : هل عليّ غيره ؟
قال : (لا ... إلاّ أن تطوّع).
فأدبر الرجل وهو يقول : واللّه لا أزيد على هذا ولا أنقص منه.
فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : (أفلح ـ وأبيه ـ إن صدق).
أو قال : (دخل الجنة ـ و أبيه ـ إن صدق) (2) .
--------------------
(1) صحيح مسلم : 3|94 ، باب أفضل الصدقة من كتاب الزكاة.
(2) صحيح مسلم : 1|32 ، باب ما هو الاِسلام.
الأقسام في القرآن
_ 15 _
وقد حلف غير واحد من الصحابة بغيره سبحانه ، فهذا أبو بكر بن أبي قحافة على ما يرويه مالك في موطّئه : أنّ رجلاً من أهل اليمن أقطع اليد والرجل قدم فنزل
على أبي بكر فشكا إليه أنّ عامل اليمن قد ظلمه ، فكان يصلي من الليل ، فيقول أبو بكر : (وأبيك ما ليلك بليل سارق) (1).
وهذا علي بن أبي طالب (عليه السلام) قد حلف بغيره سبحانه في غير واحد من خطبه :
1 ـ (ولعمري ما عليّمن قتال من خالف الحق وخابط الغي من إدهان ولا إيهان) (2).
2 ـ (ولعمري ما تقادمت بكم ولا بهم العهود) (3).
إلى غير ذلك من الاَقسام الواردة في كلامه (عليه السلام) وسائر أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) .
نعم ثمة أحاديث استدل بها على المنع عن الحلف بغير اللّه ، غير أنّها ترمي إلى معنى آخر كما سيوافيك.
الحديث الاَوّل
إنّ رسول اللّه سمع عمر ، وهو يقول : وأبي ، فقال : (إنّ اللّه ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، ومن كان حالفاً فليحلف باللّه أو يسكت) (4).
والجواب : انّالنهي عن الحلف بالآباء قد جاء لاَنّهم كانوا ـ في الغالب ـ مشركين وعبدة للاَوثان فلم يكن لهم حرمة ولا كرامة حتى يحلف أحد بهم ،
--------------------
(1) شرح الزرقاني على موطأ مالك : 4|159 برقم 580.
(2) نهج البلاغة : الخطبة 23 و 85.
(3) نهج البلاغة : الخطبة 23 و 85.
(4) سنن ابن ماجة : 1|277 ، سنن الترمذي : 4|109.
الأقسام في القرآن
_ 16 _
ولاَجل ذلك نرى أنّالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل آباءَهم قرناء مع الطواغيت مرّة ، وبالاَنداد ـ أي الاَصنام ـ ثانية ، وقال : (لا تحلفوا بآبائكم ولا
بالطواغيت) (1).
وقال أيضاً : (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأُمهاتكم ولا بالاَنداد) (2).
وهذان الحديثان يوَكدان على أنّالمنهي عنه هو الحلف بالآباء الكافرين الذين كانوا يعبدون الاَنداد والطواغيت ، فأين هو من حلف المسلم بالكعبة والقرآن والاَنبياء والاَولياء في غير القضاء والخصومات ؟
الحديث الثاني
جاء ابنَ عمر رجل فقال : أحلف بالكعبة ؟ قال له : لا ، ولكن إحلف بربِّ الكعبة ، فانّ عمر كان يحلف بأبيه ، فقال رسول اللّه له : (لا تحلف بأبيك ، فانّ من
حلف بغير اللّه فقد أشرك) (3).
إنّ الحديث يتألف من أمرين :
أ : قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (من حلف بغير اللّه فقد أشرك).
ب : اجتهاد عبد اللّه بن عمر ، حيث عدّ الحلف بالكعبة من مصاديق حديث النبي(صلى الله عليه وآله وسلم).
أمّا الحديث فنحن نذعن بصحته ، والقدر المتيقن من كلامه ما إذا كان المحلوف به شيئاً يعد الحلف به شركاً كالحلف بالاَنداد والطواغيت والآباء الكافرين.
فهذا هو الذي قصده النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يعم الحلف بالمقدسات كالقرآن وغيره.
وأمّا اجتهاد ابن عمر حيث عدّالحلف بالكعبة من مصاديق الحديث ، فهو اجتهاد منه وحجّة عليه دون غيره.
وأمّا انّ الرسول عدّحلف عمر بأبيه من أقسام الشرك فلاَجل أنّ أباه كان مشركاً ، وقد قلنا إن ّالرواية ناظرة إلى هذا النوع من الحلف.
ومجمل القول : إنّ الكتاب العزيز هو الاَُسوة للمسلمين عبر القرون ، فإذا ورد فيه الحلف من اللّه سبحانه بغير ذاته سبحانه من الجماد والنبات والاِنسان فيستكشف منه أنّه أمر سائغ لا يمت إلى الشرك بصلة ، وتصوّر جوازه للّه سبحانه دون غيره أمر غير معقول ، فانّه لو كان حقيقة الحلف بغير اللّه شركاً فالخالق والمخلوق أمامه
سواء.
نعم الحلف بغير اللّه لا يصحّ في القضاء وفضّ الخصومات ، بل لابدّمن الحلف باللّه جلّجلاله أو بإحدى صفاته التي هي رمز ذاته ، وقد ثبت هذا بالدليل ولا علاقة له بالبحث.
وأمّا المذاهب الفقهية فغير مجمعين على أمر واحد.
أمّا الحنفية ، فقالوا : بأن ّالحلف بالاَب والحياة ، كقول الرجل : وأبيك ، أو : وحياتك وما شابه ، مكروه.
وأمّا الشافعية ، فقالوا : بأنّالحلف بغير اللّه ـ لو لم يكن باعتقاد الشرك ـ فهو مكروه وأمّا المالكية ، فقالوا : إنّفي القسم بالعظماء والمقدسات ـ كالنبي و الكعبة ـ فيه قولان : الحرمة والكراهة ، والمشهور بينهم : الحرمة.
الأقسام في القرآن
_ 18 _
وأمّا الحنابلة ، فقالوا : بأنّ الحلف بغير اللّه وبصفاته سبحانه حرام ، حتى لو كان حلفاً بالنبي أو بأحد أولياء اللّه تعالى.
هذه فتاوى أئمّة المذاهب الاَربعة (1) ولسنا الآن بصدد مناقشتهم.
وكان الحري بفقهاء المذاهب الاَربعة ولا سيما في العصر الراهن فتح باب الاجتهاد والرجوع إلى المسألة والنظر إليها بمنظار جديد إذ كم ترك السلف للخلف.
على أنّ نسبة الحرمة إلى الحنابلة غير ثابتة أيضاً ، لاَنّ ابن قدامة يصرّح في كتاب (المغني) ـ الذي كتبه على غرار فقه الحنابلة ـ : أنّ أحمد بن حنبل أفتى بجواز الحلف بالنبي ، وأنّه ينعقد لاَنّه أحد ركني الشهادة.
وقال أحمد : لو حلف بالنبي انعقد يمينه ، فإن حنث لزمته الكفارة (2).
إكمال قد ذكر السيوطي في كتاب (الاِتقان) ، وقال : كيف أقسم بالخلق وقد ورد النهي عن القسم بغير اللّه ؟
ثم ّذكر أجوبة ثلاثة ، وهي :
الاَوّل : انّه على حذف مضاف ، أي وربّ التين وربّ الشمس ، وكذا الباقي.
الثاني : ان ّالعرب كانت تعظم هذه الاَشياء وتقسم بها فنزل القرآن على ما يعرفون.
--------------------
(1) انظر الفقه على المذاهب الاَربعة : 2|75 ، كتاب اليمين ، مبحث الحلف بغير اللّه تعالى.
(2) المغني : 11|209.
الأقسام في القرآن
_ 19 _
الثالث : انّالاِقسام إنّما تكون بما يعظمه المقسم أو يُجلُّه وهو فوقه واللّه تعالى ليس شيء فوقه ، فأقسم تارة بنفسه وتارة بمصنوعاته ، لاَنّها تدل على بارىَ وصانع.
وقال ابن أبي الاصبع في (اسرار الفواتح) : القسم بالمصنوعات يستلزم القسم بالصانع ، لاَنّ ذكر المفعول يستلزم ذكر الفاعل ، إذ يستحيل وجود مفعول بغير فاعل
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن ، قال : إنّ اللّه يقسم بما شاء من خلقه ، وليس لاَحد أن يقسم إلاّ باللّه (1).
ولا يخفى ضعف الاَجوبة.
أمّا الاَوّل : فانّمعنى ذلك إرجاع الاَقسام المختلفة إلى قسم واحد وهو الرب ، مع أنّه سبحانه تارة يقسم بنفسه ، ويقول : ( فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطين )(2) ، وأُخرى بالتين والزيتون والصافات والشمس ، فلو كان الهدف القسم بالرب فما فائدة هذا النوع من الاَقسام حيث يضيف نفسه إلى واحد من مخلوقاته ؟ فانّ العظمة للّه لا للمضاف إليه ، ولو كانت له عظمة فإنّما هي مقتبسة من الرب.
وأمّا الثاني : فمعنى ذلك أنّه سبحانه جرى على ما كان عليه العرب في العصر الجاهلي ، وقد هدم بعمله ما شرعه من النهي عن القسم بغير اللّه.
وأمّا الثالث : فيكتنفه كثير من الغموض ، ولا يعلم كيفية رفع الاِشكال ، وأمّا ما نقله عن ابن أبي الاصبع فيرجع إلى المعنى الاَوّل ، وهو أنّ القسم بالمخلوق قسم بالخالق.
وما نقله عن ابن أبي حاتم ، من أنّ اللّه يقسم بما شاء من خلقه وليس لاَحد أن يقسم إلاّ باللّه ، أمر غير واضح ، لاَنّإقسام المخلوق بغير اللّه لو كان من مقولة الشرك فالقاعدة لا تقبل التخصيص ، فيكون قسمه سبحانه بغير اللّه أيضاً شركاً وعبادة.
وإن كان قسمه سبحانه لاَجل بيان قداسته وعظمته أو الاَسرار المكنونة فيه ، فهو أمر مشترك بين الخالق والمخلوق.
والجواب : انّالنهي عن الحلف بغير اللّه مختص بالطواغيت والاَنداد والمشركين من الآباء ، وأمّا غيرهم فلم يرد فيهم نهي.
منهجنا في تفسير أقسام القرآن
إنّه سبحانه تبارك و تعالى حلف بذوات مقدسة بما يربو على الاَربعين مرة ، فتفسيرها يمكن أن يتم باحدى الصور التالية :
أ : أن نتناول تلك الاَقسام بالبحث طبق حروف التهجي ككتاب اللغة.
ب : أن نتناولها بالبحث حسب أفضلية المقسم به ، فنقدم الحلف باللّه أو الرب على الحلف بعمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحياته ، وهو على الحلف
بالملائكة ، وهكذا ، وعلى ذلك يجب عقد واحد وأربعين فصلاً على النحو التالي :
1 ـ الحلف بلفظ الجلالة وفيه فصلان :
أ ـ الحلف بلفظ الجلالة.
ب ـ الحلف بالرب.
الأقسام في القرآن
_ 21 _
2 ـ الحلف بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وفيه فصلان :
أ ـ بعمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
ب ـ شاهد
3 ـ الحلف بالقرآن ، وفيه فصلان :
أ ـ بالقرآن
ب ـ بالكتاب
4 ـ الحلف بالملائكة ، وفيه أربعة فصول :
أ ـ الصافات ، الزاجرات ، التاليات.
ب ـ الذاريات ، الحاملات ، الجاريات ، المقسمات.
ج ـ المرسلات ، العاصفات ، الناشرات ، الفارقات ، الملقيات
د ـ النازعات ، الناشطات ، السابحات ، السابقات ، المدبرات.
5 ـ الحلف بالقلم وفيه فصلان :
أ ـ القلم
ب ـ وما يسطرون
6 ـ الحلف بالقيامة ، وفيه ثلاثة فصول :
أ ـ القيامة
ب ـ اليوم الموعود
ج ـ مشهود
الأقسام في القرآن
_ 22 _
7 ـ الحلف بالنفس
8 ـ الحلف بالشفع والوتر
9 ـ الحلف بالولد والوالد .
10 ـ الحلف بالاَمكنة ، وفيه ثلاثة فصول :
أ ـ الحلف بالبلد الاَمين
ب ـ الحلف بطور سينين
ج ـ الحلف بالبيت المعمور
11 ـ الحلف بالاَزمنة ، وفيه ثمانية فصول :
أ ـ الحلف بالصبح
ب ـ الحلف بالفجر
ج ـ الحلف باليوم
د ـ الحلف بالضحى
هـ ـ الحلف بالنهار
و ـ الحلف بالشفق
ز ـ الحلف بالليل
ح ـ الحلف بالعصر
12 ـ الحلف بالاَرض والاَجرام السماوية ، وفيه ثمانية فصول :
أ ـ الحلف بالشمس وضحاها
الأقسام في القرآن
_ 23 _
ب ـ الحلف بالكواكب.
ج ـ الحلف بالنجم
د ـ الحلف بمواقع النجوم
هـ ـ الحلف بالاَرض
و ـ الحلف بالقمر
ز ـ الحلف بالخنس الجوار
ح ـ الحلف بالطارق
13 ـ الحلف بالظواهر الجوية ، وفيه أربعة فصول :
أ ـ الحلف بالسماء
ب ـ الحلف بالذاريات
ج ـ الحلف بالحاملات
د ـ الحلف بالجاريات
ج : أن نتناولها حسب السور القرآنية ، فنفسر ما ورد من الاَقسام في سورة الشمس مرة واحدة ، أو نفسر ما ورد في سورة الفجر أو البلد في مكان واحد ، وعلى
ذلك يجب عقد عدة فصول حسب عدد السور التي ورد فيها الحلف .
وقد سلك ابن قيم الجوزية (المتوفّى 751 هـ) هذا المنهج ، فراح يبحث عن أقسام القرآن حسب السور.
فابتدأ بتفسير الاَقسام الواردة بالنحو التالي :
1 ـ القيامة .
2 ـ الشمس .
3 ـ الفجر .
4 ـ البلد .
5 ـ التين .
6 ـ الليل .
7 ـ الضحـى .
8 ـ
الأقسام في القرآن
_ 24 _
العاديات .
9 ـ العصـر .
10 ـ البـروج .
11 ـ الطارق .
12 ـ الانشقاق .
13 ـ التكوير .
14 ـ النازعات .
15 ـ المرسلات .
16 ـ القيامة .
17 ـ المدثر .
18 ـ الحاقة .
19 ـ المعارج .
20 ـ القلم .
21 ـ الواقعة .
22 ـ النجم .
23 ـ الطور .
24 ـ الذاريات .
25 ـ ق .
26 ـ يس .
27 ـ الصافات .
28 ـ الحجر .
29 ـ النساء.
فقد عقد 29 فصلاً حسب عدد السور التي ورد فيها الاَقسام ، وهذا المنهج لا يخلو من مناقشة ، لاَنّه سبحانه ربما حلف بالرب في سور مختلفة ، فلو كان محور البحث
هو السور يلزم عليه تكرار البحث حسب تعدد وروده في السور المختلفة ، وهذا بخلاف ما إذا جمع الآيات التي حلف فيها القرآن بربوبيته ، ويبحث فيها دفعة واحدة ، فهذا النوع من البحث يكون خالياً عن التكرار والتطويل.
مضافاً إلى أنّه لم يراع ترتيب السور حتى فيما اختاره من ذكر السور القصيرة متقدمة على السور الطويلة.
والعجب أنّه بحث عن الحلف الوارد في سورة القيامة مرّتين (1).
د : وهناك منهج رابع سلكه ولدنا الروحاني الشهيد الشيخ أبو القاسم الرزاقي (قدس اللّه سره) فقد أفرد لكلّ قَسَمٍ فصلاً خاصاً .
ويوَخذ على هذا المنهج أنّه سبحانه حلف في بعض السور بموضوعات مختلفة ، كسورة الشمس حيث حلف فيها بالشمس والقمر وفي الوقت نفسه بالنفس الاِنسانية وجعل
للجميع جواباً واحداً.
وبما انّمن البحوث المهمة في أقسام القرآن هو بيان الصلة بين المقسم به
--------------------
(1) تارة في ص 35 من كتابه المعروف (التبيان في أقسام القرآن) تحت عنوانفصل (القسم في سورة القيامة) ، وأُخرى بنفس العنوان في ص 147 ، فلاحظ .
الأقسام في القرآن
_ 25 _
والمقسم عليه ، فعلى ذلك المنهج يجب أن يتكرر البحث في أكثر الفصول بالنسبة إلى أُمور حلف بها سبحانه مرّة واحدة وذلك كالشمس و القمر والنفس الاِنسانية ، وهذا مستلزم للاِطناب.
ومن أجل أن نتلافى هذه المشكلة ، نقول :
إنّ أقسام القرآن على قسمين :
الاَوّل : ما نطلق عليه الحلف المفرد ، والمراد منه ما إذا حلف سبحانه بشيء مفرد و لم يضم إليه حلفاً آخر ، سواء تكرر في سور أُخرى أو لا ، مثلاً : حلف
بعمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحياته مرة واحدة ولم يقرن به حلفاً آخر ، بخلاف لفظ الرب فقد حلف به مفرداً ولكنّه تكرر في بعض السور.
الثاني : ما نطلق عليه الحلف المتعدد ، والمراد منه ما إذا حلف سبحانه بأُمور مختلفة جمعها في آية واحدة أو آيتين ، وجعل للجميع جواباً واحداً ، كالحلف بالشمس والقمر إلى أن يصل إلى النفس الاِنسانية.
فنعقد لكلّ حلف مفرد فصلاً على حدة ، سواء تكرر بهذا النحو في سور أُخرى أو لا ، مراعين في ذلك الاَفضل فالاَفضل فنقدم الحلف باللّه والرب على حياة النبي
وعمره وهو على الملائكة.
وأمّا الحلف المتعدد فنعقد لكلّ سورة تضم ذلك الحلف فصلاً ، كما عقدنا لسورة الشمس فصلاً ، ولسورة الليل فصلاً آخر ، وإن تكرر فيه المحلوف فيه أعني الليل ، و بذلك يمتاز هذا المنهج عن سائر المناهج المذكورة ، ويجمع كافة محاسنها ، ويصان عن الموَاخذات التي ربما تطرح على المنهجين الاَخيرين.
وأخذنا بتقسيم الكتاب إلى قسمين وخصصنا القسم الاَوّل بالاَحلاف المفردة ، والثاني بالاَحلاف المتعددة ، وإليك إجمال فصول القسمين :
الأقسام في القرآن
_ 26 _
القسم الاَوّل ، وفيه فصول :
الفصل الاَوّل : القسم بلفظ الجلالة.
الفصل الثاني : القسم بالربِّ.
الفصل الثالث : القسم بعمر النبي.
الفصل الرابع : القسم بالقرآن الكريم.
الفصل الخامس : القسم بالعصر.
الفصل السادس : القسم بالنجم.
الفصل السابع : القسم بمواقع النجوم.
الفصل الثامن : القسم بالسماء ذات الحبك.
القسم الثاني ، وفيه فصول :
الفصل الاَوّل : القسم في سورة الصافات
الفصل الثاني : القسم في سورة الذاريات.
الفصل الثالث : القسم في سورة الطور.
الفصل الرابع : القسم في سورة القلم.
الفصل الخامس : القسم في سورة الحاقة.
الفصل السادس : القسم في سورة المدثر.
الفصل السابع : القسم في سورة القيامة.
الفصل الثامن : القسم في سورة المرسلات.
الأقسام في القرآن
_ 27 _
الفصل التاسع : القسم في سورة النازعات.
الفصل العاشر : القسم في سورة التكوير.
الفصل الحادي عشر : القسم في سورة الانشقاق.
الفصل الثاني عشر : القسم في سورة البروج.
الفصل الثالث عشر : القسم في سورة الطارق.
الفصل الرابع عشر : القسم في سورة الفجر.
الفصل الخامس عشر : القسم في سورة البلد.
الفصل السادس عشر : القسم في سورة الشمس.
الفصل السابع عشر : القسم في سورة الليل.
الفصل الثامن عشر : القسم في سورة الضحى.
الفصل التاسع عشر : القسم في سورة التين.
الفصل العشرون : القسم في سورة العاديات.
الأقسام في القرآن
_ 29 _
القسم الاَوّل : القسم المفرد
وفيه فصول :
الفصل الاَوّل : القسم بلفظ الجلالة
حلف سبحانه تبارك و تعالى بلفظ الجلالة مرّتين ضمن آيتين من سورة النحل ، وهو أعظم قسم ورد في القرآن الكريم.
قال سبحانه :
أ : ( وَيَجْعَلُونَ لما لا يَعْلَمُونَ نَصيباً مِمّا رَزَقْناهُمْ تَاللّهِ لَتُسْئَلُنَّعَمّا كُنْتُمْ تَفْتَرُون )(1).
ب : ( تَاللّهِ لَقَدْأَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزيَّنَ لَهُمُالشَّيطانُ أَعْمالُهُمْ فَهُوَ وَليُّهُمُالْيَومَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَليمٌ ) (2).
تفسير الآية الاَُولى:
دلّت الآية الاَُولى على جهل المشركين ، حيث كانوا يجعلون نصيباً مما رزقوا للاَصنام التي لا تضر ولا تنفع ويتقربون بذلك إليهم ، وقال سبحانه : ( وَيَجْعَلُونَ لما لا يَعْلَمونَ نَصيباً مِمّا رَزَقْناهُمْ تَاللّهِ لتسئلنَّ عَمّا كُنْتُمْ تفتَرون ) .
وقد حكى سبحانه عملهم هذا في سورة الاَنعام ، وقال : ( وَجَعَلُوا للّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالاََنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا للّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلى اللّهِ وَما كانَ للّهِ فَهُو يَصِلُ إِلى شُركائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُون )(1).
فالكفار لاَجل جهلهم بمبدأ الفيض كانوا يتقرّبون إلى الآلهة الكاذبة ـ أعني : الاَصنام والاَوثان ـ بتخصيص شيء مما رزقوا لها ، مع أنّه سبحانه هو الاَولى بالتقرّب لا غير ، لاَنّه مبدأ الفيض و ما سواه ممكن محتاج في وجوده وفعله ، فكيف يتقربون إليه ؟!
والعجب أنّهم يجعلون نصيباً للّه ونصيباً لشركائه ، فما كان للّه فهو يصل إلى شركائهم ، وما كان لشركائهم لا يصل إلى اللّه سبحانه ، وقد حكاه سبحانه في سورة الاَنعام ، وقال : ( وَجَعَلُوا للّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالاََنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا للّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلى اللّهِ وَما كانَ للّه فَهُو يَصِلُ إِلى شُركائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُون )(2).
وحاصل الآية : أنّهم كانوا يجعلون من الزرع والمواشي حظاً للّه وحظاً للاَوثان ، وقد أسماها سبحانه (شركائهم) ، لاَنّهم جعلوا الاَوثان شركاءهم ، حيث جعلوا لها نصيباً من أموالهم ينفقونه عليها فشاركوها في نعمهم .
وقد ذكر المفسرون في تفسير قوله تعالى ( فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلى اللّهِ وَما كانَ للّه فَهُو يَصِلُ إِلى شُركائِهِم ) وجوهاً : (3)
أوّلها : انّهم كانوا يزرعون للّه زرعاً وللاَصنام زرعاً ، فكان إذا زكا الزرع الذي