قال : نعم ، قالت : أعطاك الله مناك ، وأنت القائل :
هنـيـئا مريئا غيـر داء iiمخامر فما أنـا بالداعي لعزة في iiالورى وكنت كذي رجلين رجل iiصحيحة |
| لـعـزة من أعراضنا ما استحلت ولا شـامـت إن فعل عزة زلتِ و رجل رمى فيها الـزمان iiفشلتِ |
قال : نعم ، قالت : أحسن الله إليك ، وفي رواية قالت : كثير أنت القائل :
يـقر بعيني مـا يـقر iiبعينها | | وأحسن شيء ما به العين قرت |
قال : نعم ، قالت : أفسدت الحب بهذا التعريض ، خذ ألف دينار وانصرف ، ثم دخلت الجارية وخرجت وقالت : أيكم نصيب ؟ فقال : هاأنذا ، قالت : أنت القائل :
ولـولا أن يقـال صبا iiنصيب ألا ياليــتـني قامـرت iiعنها فصارت في يدي وقمرت iiمالي على الاعـراض منها والتواني |
| لقلت بنفسـي النشأ iiالصـغار وكان يحل للـناس iiالقـمـار وذاك الربـح لو عـلم iiالتجار فـإن وعدت فموعـدها iiضمار |
قال : نعم ، قالت : والله إن إحداهن لتقوم من نومتها فما تحسن أن تتوضأ فلا حاجة لنا في شعرك ، وفي رواية تذكرة الخواص
(1) أنها قالت لنصيل : أنت القائل :
من عاشقين تواعدا iiوتراسلا بـاتا بأنـعم ليـلة iiوألذهـا |
| حتى إذا نجـم الثـريا iiحلقا حتى إذا وضح الصباح تفرقا |
قال : نعم ، قالت : وهل في الحب تدانٍ ، خذ هذه ألف دينار وانصرف ، ثم دخلت الجارية وخرجت وقالت : أيكم جميل ؟ قال : هاأنذا ،
---------------------------
(1) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي :279.
عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام )
_ 45 _
قالت : أنت القائل :
لـقـد ذرفـت عـيني وطال سفوحها ألا لـيـتنا كنـا جميـعا وأنت iiنمت أظـل نـهـاري مسـتهاما iiويـلتقي |
| وأصـبـح من نفسي سقيما iiصحيحها يجاور في المـوتى ضريحي ضريحها مع الليل روحي في المـنام iiوروحـها |
إلى آخر الأبيات والقصة
(1) .
رجال الخبر :
محمد بن القاسم بن مهرويه : مهمل لم تتعرض له كتب الرجال ، غير معروف .
عيسى بن إسماعيل : كذلك مهمل أهملته كتب الرجال ، لا يعرف .
محمد بن سلام : قال ابن حجر : لا يكتب حديثه
(2) .
جرير المديني : لا يعرف ، مهمل ، تركته كتب الرجال .
محمد بن أبي الأزهر : غير معروف .
فالخبر ساقط لمجهولية بعض رواته ، وضعف غيرهم ، وأنت ترى ما للخبر من تكلف زائد وتهويلات مصطنعة ، تصاغ للحط من كرامة السيدة سكينة عليهما السلام ، فاجتماع الشعراء على بابها يعطي صبغة عبثية تمارسها هذه السيدة الكريمة في حياتها الخاصة ، وكأنها لا ترتبط بنواميس دينية ، أو مقدسات اجتماعية تأبى هذه الحياة العبثية ، أو كأنها غير مرتبطة بأسرة أو زوج يأنف من هذه الحياة التي تمارسها زوجته ابنتهم ، وآية أسرة هي تلك التي كانت لها سيادة قريش ، وسلطنة الشرف والكرامة ، فكيف تسمح نفوسهم أن تخدش غيرتهم وكرامتهم بهذه القضايا ؟ !
---------------------------
(1) والقصة والأشعار أوردها أبو الفرج في الأغاني 6 : 169 ـ 172 بنحو آخر .
(2) لسان الميزان 3 : 542 .
عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام )
_ 46 _
أضف إلى أن اجتماع الفرزدق وجرير غير ممكن في ظروف الهجاء والتفاخر الذي شاع بينهما ، فالنفرة التي كانت بين الشاعرين تأبى التوفيق بينهما على باب واحدة يستعطفون رضا أحد ، وقد عرف ذلك الوقوف على باب خليفة أو وال يغدق بعطاء الشعراء ، ويستريح على تزاحم المادحين ، ويأنس لاجتماع المغنين ، وهو ديدن الامويين ومنهج الزبيريين ، ولم يعرف من آل علي عليه السلام هذا .
وإذا أراد هؤلاء الوضاعون دفع هذه الوصمة عن أسيادهم إلى الهاشميين من آل علي ( عليه السلام ) ، فإن الواقع يظهر لهم خلاف ذلك ، وأعطيات خلفاء بني أمية وبني العباس وغيرهم مشهورة ، وتسول الشعراء لمديحهم أشهر من أن تذكر له شواهد .
قال جرجي زيدان وهو يتحدث عن ملوك بني أمية : واقتضت سياستهم تألف الشعراء بالمال ، فضلاً عن اضطرار الشعراء وغيرهم إلى استرضائهم خوفا من قطع العطاء عنهم ، والعطاء يومئذ رواتب الجند وسائر المسلمين ، وكان المسلمون في صدر الإسلام كلهم جنداً ، ولكل منهم راتب يتناوله من بيت المال على شروط مذكورة في الديوان ، فمن قبض على بيت المال قبض على رقاب الرعية ، ويجدر بهم أن يتقربوا منه ويتزلفوا إليه ، فإذا كان القابض عليه حكيما يعرف كيف يعطي ولمن يعطي ، أغناه ذلك عن سائر الأسباب ، فيزيد العطاء أو ينقصه أو يقطعه على حسب الاقتضاء .
عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام )
_ 47 _
كذلك كان يفعل الدهاة من بني أمية وقدوتهم معاوية بن أبي سفيان ، أكبر دهاة العرب . . فلم يكن الشعراء يرون بدا من استرضاء بني أمية خوفاً من قطع أعطيتهم ، فضلاً عما يرجونه من الجوائز إذا أحسنوا إرضاءهم
(1) .
هذا هو ديدن بني أمية وأمثالهم ، وإذا أرادوا أن يدفعوا وصمة العطاء لموارد العبث والمجون من بيت المال وهو حال الخلفاء ، فإن آل علي ( عليه السلام ) لم يعرفوا بذلك ، بل كان عطاؤهم لله تعالى غير متجاوزين على غيرهم ، ويرون أن التعدي في صرف الأموال في غير حقها خيانة للمسلمين ، لذا وجد أعداؤهم أن يلصقوا بهم هذه التهمة للتخفيف عما ارتكبه أسيادهم ، الذين عاثوا في أموال المسلمين ، ومنعوا خيارهم ووصلوا فساقهم ، وقد عرف عن آل علي ( عليه السلام ) ورعهم في الأموال ، وزهدهم ومحاسبتهم في الأعطيات إلا لله تعالى .
النموذج الثالث :
روى أبو الفرج ، عن حماد ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله الزبيري قال : اجتمع بالمدينة راوية جرير وراوية كثير وراوية جميل وراوية نصيب ورواية الأحوص فافتخر كل واحد منهم بصاحبه ، وقال : صاحبي أشعر فحكموا سكينة بنت الحسين
(2) .
والخبر كسابقه ، إلا أنهم استبدلوا الشعراء برواتهم ، وهو أضعف من غيره كما ترى .
النموذج الرابع :
قال الزبير : وحدثني عمي ، عن الماجشون قال : قالت سكينة لعائشة بنت طلحة : أنا أجمل منك ، وقالت عائشة : بل أنا ،
---------------------------
(1) تاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان 1 : 229 .
(2) الأغاني 16 : 173 .
عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام )
_ 48 _
فاختصمتا إلى عمر بن أبي ربيعة ، فقال : لأقضين بينكما ، أما أنت يا سكينة فأملح منها ، وأما أنت ياعائشة فأجمل منها
(1) .
رجال الخبر :
الزبير بن بكار : قال ابن أبي حاتم : رأيته ولم أكتب عنه ، وقال أحمد بن علي السليماني في كتاب الضعفاء : كان منكر الحديث ، ثم ذكر ان سبب تضعيفه هو روايته عن الضعفاء ، مثل محمد بن حسن بن زبالة ، وعمرو بن ابي بكر المؤملي ، وعامر بن صالح الزبيري وغيرهم ، فإن في كتاب النسب عن هؤلاء أشياء كثيرة منكرة
(2) .
مصعب الزبيري عم الزبير بن بكار : الذي حدثه بالخبر ، نود التنويه إلى أن مصعب الزبيري هذا أساس روايات قصة سكينة بنت الحسين ، والتي أخذها منه أبو الفرج الإصفهاني المرواني ، وقد ضعفه أهل الجرح ولم يقروا له بوثاقة ، بل اتفقوا على ضعفه ، لذا فإن روايات سكينة مقطوعة الضعف لما أوردها مصعب الزبيري الضعيف المطعون بوثاقته ، وهذه جملة أقوالهم فيه :
قال النديم في الفهرست : [ كان ] راوية ، أديباً ، محدثاً ، وهو عم الزبير ابن بكار ، وكان أبوه عبد الله من أشرار الناس ، متحاملاً على ولد علي ( عليهم السلام ) ، وخبره مع يحيى بن عبد الله معروف
(3) .
قال عنه في تقريب التهذيب : لين الحديث
(4) ، وتوقف فيه مالك بن أنس كما عن المغني في الضعفاء
(5) .
---------------------------
(1) الأغاني 16 : 159 .
(2) تهذيب التهذيب 3 : 269 .
(3) تهذيب التهذيب 11 : 34 .
(4) تقريب التهذيب 1 : 533 .
(5) المغني في الضعفاء 2 : 660 .
عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام )
_ 49 _
وفي تهذيب الكمال : قال أبو حاتم : مصعب الزبيري لا يحمدونه وليس بقوي ، وقال محمد بن سعد : كان قليل الحديث ، وقال النسائي فيما قرأت بخطه : مصعب منكر الحديث ، وقال في موضع آخر : في حديثه شيء ، وروى له الجماعة سوى البخاري
(1) .
وفي الكامل في التاريخ لابن الأثير قال في مصعب الزبيري : وكان عالما فقيها ، إلا أنه كان منحرفا عن علي ( عليه السلام )
(2)) ، وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب : قال عبد الله بن أحمد ، عن أبيه : أراه ضعيف الحديث ، لم أرَ الناس يحمدون حديثه ، وقال عثمان الدارمي ، عن ابن معين : ضعيف ، وقال معاوية بن صالح ، عن ابن معين : ليس بشيء ، وقال النسائي : مصعب ليس بالقوي في الحديث ، وقال ابن حبان في الضعفاء : تفرد بالمناكير عن المشاهير ، فلما كثر ذلك فيه استحق مجانبة حديثه ، وقال ابن سعد : كان كثير الحديث يستضعف. وقال الدار قطني : مدني ليس بالقوي
(3) .
وقد ورث مصعب تحامله وعداءه لآل علي عليه السلام من أبيه ، فأخذ يضع من الأخبار ما يحط به كرامة آل علي وقداستهم .
الماجشون : قال ابن حجر : الماجشون ، يعقوب بن أبي سلمة التميمي ، مولى آل المنكدر أبو يوسف المدني ، قال مصعب الزبيري : إنما سمي الماجشون لكونه كان يعلم الغناء ويتخذ القيان ، وكان يجالس عروة ابن الزبير وعمر بن عبد العزيز في إمرته ، وكان عمر يأنس إليه ، فلما استخلف عمر قدم عليه فقال له : إنا تركناك حين تركنا لبس الخز ، فانصرف عنه
(4) .
---------------------------
(1) تهذيب الكمال 28 : 36 .
(2) الكامل في التاريخ 5 : 288 حوادث سنة 236 .
(3) تهذيب التهذيب 10 : 159 .
(4) تهذيب التهذيب 11 : 340 .
عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام )
_ 50 _
فالماجشون إذن صاحب لهو ومجون ، فكيف يؤخذ بخبره لا سيما هو صنيعة زبيرية وأموية ؟ ! فاحتفاء عروة بن الزبير ومصاحبته له ، أو مجالسته لعمر بن عبد العزيز الأموي أيام إمارته ، يغني عن حاله في الضعف واللامبالاة وعدم التحرج ، وهو يجاري توجهات بني أمية وآل الزبير في الحط من كرامة آل علي ( صلوات الله عليهم ) ،
فالخبر ضعيف برجاله .
على أن الخبر يتنافى والمسلمات الشرعية التي نهت الشرعية عن الإتيان بها ومزاولتها ، كتعرض المرأة إلى الأجنبي وكشف وجهها وبيان محاسنها ، حرمة نظر الأجنبي للأجنبية في الشريعة الإسلامية نهى الإسلام عن النظر إلى الأجنبية ، وكذلك نظرها إلى الأجنبي ، وذلك لقوله تعالى : ( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) وقد فسرت الآية بأن الزينة هي مواضع الزينة ، فالآية تحث على وجوب الستر وعدم إبداء مواضع الزينة ، واحتج قوم بالإجماع ، وقد عرفت حاله ، فإن المنقول غير حجة ، والمحصل غير حاصل .
عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام )
_ 51 _
واستدل بوجوب غض النظر بما رواه سعد الإسكاف في معتبرته عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : « استقبل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة وكان النساء يتقنعن خلف آذانهن فنظر إليها وهي مقبلة ، فلما جازت نظر إليها ودخل في زقاق قد سماه ببني فلان فجعل ينظر خلفها ، واعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة فشق وجهه ، فلما مضت المرأة نظر فإذا الدماء تسيل على ثوبه وصدره فقال : والله لآتين رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولأخبرنه ، فأتاه فلما رآه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : ما هذا ؟ فأخبره ، فهبط جبرئيل ( عليه السلام ) بهذه الآية ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ )
(1) »
(2) .
فمورد نزول الآية هو النظر إلى المرأة ، وإطلاقها موجب إلى حرمة مورد النظر ، وإن ذهب بعضهم إلى أنّها خصّصت بالنظر الاستمتاعي بقرينة مورد النزول ، فإن الشاب الأنصاري كان نظره إلى المرأة بتلذذ ، إلا أن المورد لا يخصص الوارد كما هو معلوم .
نعم ، في رواية أحمد بن أبي عبد الله البرقي قال : استأذن ابن أم مكتوم على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعنده عائشة وحفصة فقال لهما : « قوما فادخلا البيت » ، فقالتا : إنه أعمى ، فقال : « إن لم يركما فانكما تريانه »
(3) .
وغير ذلك من الأخبار ، والملازمة تدل على ثبوت الحكم في الرجل كما تدل على ثبوته في المرأة كذلك ، كما أن إرادة الشارع في الغض عن النظر عدم الوقوع في الافتتان المقتضي للإتيان بالزنا ونحوه ، لذا شدد على عدم جواز النظر العمدي مع الريبة .
من هنا أمكن دفع هذا الخبر المنافي لقواعد حرمة النظر إلى الأجنبية ، ومحادثتها بريبة ، فكيف بالسيدة « آمنة» سكينة بنت الحسين التي تربت في حجور العفة والورع والتقوى ، على أن تحكيم عمر بن أبي ربيعة « الخليع » والمشهور بالعبث في أيتها أجمل ، يتنافى وأحكام الشريعة ، فضلا عن سيرة المسلمين ، وأعراف المجتمع المدني وقتذاك .
---------------------------
(1) النور 24 : 30 .
(2) الوسائل 20 : 192 ، ب 104 من أبواب مقدمات النكاح ، ح 4 .
(3) الوسائل 20 : 232 ، ب 129 من أبواب مقدمات النكاح ، ح 1 .
عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام )
_ 52 _
رمتني بدائها وانسلت :
وإذا أوعزنا أسباب هذه القصص التي وضعت في حق سكينة بنت الحسين ( عليهما السلام ) ، لوجدنا أن دوافعها سياسية صرفة كما قدمنا ، فإن بني أمية بحثوا عن كل أمر يشين آل علي ( عليه السلام ) فلم يجدوا ، فانحازوا إلى أسلوب الشتم والسب ، فسبوا علياً على منابرهم ثمانين عاما ، وحرصوا على إظهار معائبه فلم يجدوا لذلك سبيلا ، فألصقوا تهمهم في قصص يستملحها العامة ويجعلوها من المسلمات ، ليقابلوا بذلك ما اشتهر عنهم من العبث والمجون ومنادمة المغنين ، وما عرف عن نسائهم في ارتكاب هذا المحذور ، من مجالسة الشعراء ، والاستماع إلى المغنين ، وما اشتهر عن الشعراء كذلك في التشبيب بالنساء الأمويات المتهتكات ، وسنذكر شواهد ذلك .
ومن جهة أخرى احتدم الصراع بين الزبيرين وبين منافسيهم من العلويين ، وعرف العلويون بقداستهم ، فضلاً عن مشروعية خلافتهم الإلهية ، التي تحاصر كل مدع لها ، ولا يزال معارضوهم يضيقون ذرعا بذلك ، فوجدوا أن محاولة التخفيف من قداسة البيت العلوي لدى الأمة ، هو أيسر السبل في اقتناص فرص النصر الزبيري المزعوم ، فضلا عما يعانيه تاريخهم من العبث ، ومنادمة الشعراء ، ومجالسة المغنين ، وما اشتهر من أمر
سكينة بنت خالد بن مصعب الزبيري ، ومجالسها المشهورة مع عمر بن أبي ربيعة ، فأرادوا دفع هذه المنقصة وإلصاقها بمنافسيهم الأقوياء ، فاستغلوا تشابه الاسمين في إلصاق هذه التهمة ، وخلط ما وقع لسكينة بنت خالد الزبيرية ، مع سكينة بنت الحسين .
عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام )
_ 53 _
هذا كما أن الشعراء قد أكثروا من التشبيب بنساء الأمويين والزبيريين ، وتاريخ الأدب العربي سجل هذه الملاحم الشعرية ، فكانت وثائق دامغة تدين تصرفاتهم ، والتي عرف بها بنو أمية وآل الزبير ، فزحزحوا هذه التهم وألصقوها في السيدة « آمنة » سكينة بنت الحسين ، تلافياً لما أحدثه تاريخهم العبثي المشهور ، وإليك من ملاحم عمر بن أبي ربيعة ، والعرجي ، والحارث بن خالد المخزومي ، وأبو دهبل الجمحي ، وحماد عجرد ، والأحوص ، وعبد الرحمن بن حسان بن ثابت وغيرهم من شعراء الغزل ، شواهد التشبيب ، وقصائد الغزل ، وما عرفوا من منادمتهم لنساء الأمويين والزبيريين :
عائشة بنت طلحة بن عبيد الله زوجة مصعب بن الزبير
1 ـ قال عمر بن أبي ربيعة مشببا بها :
لـعـائشة بـنة التـيمي عـنـدي يـذكـرنـي ابـنة التـيمي iiظـبي فـقـلت له وكـاد يـراع قـلبـي سـوى حـمـش بسـاقك iiمسـتبين وأنـك عـاطـل عـار iiوليــست
|
| حـمى في القلب ، لا يرعى iiحماها يـرود بـروضـة سـهل iiربـاها فـلـم أر قـط كـاليوم iiاشـتباهـا وأن شـواك لم يـشـبه iiشـواهـا بـعـارية ولا عـطـل يـداها (1)
|
---------------------------
(1) الأغاني 1 : 204 .
عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام )
_ 54 _
2 ـ إن عمر بن أبي ربيعة لقي عائشة بنت طلحة بمكة وهي تسير على بغلة لها ، فقال لها : قفي حتى أسمعك ما قلت فيك ، قالت : أوقد قلت يا فاسق ؟ قال : نعم ، فوقفت فأنشدها :
ياربة البغلة الشهباء هل لك iiفي قالت بدائك مت أو عش iiتعالجه |
| أن تنشري ميتا لا ترهقي iiحرجا فما نرى لك فيما عندنا فرجا (1) |
3 ـ ومما يغني فيه من أشعار عمر بن أبي ربيعة في عائشة بنت طلحة ، قوله في قصيدته التي أولها :
مـن لقـلب أمسـى رهـينا iiمعنى إثر شخص نفسي فدت ذاك iiشخصا |
| مسـتكيـنا قـد شفـه مـا iiأجـنا نـازح الدار بـالمديـنة عـنا (2) |
4 ـ كان ابن محرز أحسن الناس غناء ، فمر بهند بنت كنانة بن عبدالرحمن حليف قريش ، فسألته أن يجلس لها ولصواحب لها ، ففعل وقال : أغنيكن صوتا أمرني الحارث بن خالد بن العاص بن هشام أن أغنيه عائشة بنت طلحة بن عبيد الله في شعر له قاله فيها ، وهو يومئذ أمير مكة ؟ قلن : نعم ، فغناهن :
فوددت إذ شحطوا وشطت دارهم أنـا نطاع وأن تـنقل iiأرضـنا |
| وعـدتهم عـنا عـواد تشـغل أو أن أرضهم إليـنا تـنقل (3) |
5 ـ حجت عائشة بنت طلحة بن عبيد الله ، فجاءتها الثريا وإخوتها ، ونساء أهل مكة القرشيات وغيرهن ، وكان الغريض فيمن جاء ، فدخل النسوة عليها فأمرت لهن بكسوة وألطاف كانت قد أعدتها لمن يجيؤها ،
---------------------------
(1) الأغاني 206 : 1 ـ 207 .
(2) المصدر السابق : 208 .
(3) المصدر السابق : 366 .
عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام )
_ 55 _
فجعلت تخرج كل واحدة ومعها جاريتها ومعها ما أمرت لها به عائشة ، والغريض بالباب حتى خرج مولياته مع جواريهن الخلع والألطاف ، فقال الغريض : فأين نصيبي من عائشة ؟ فقلن له : أغفلناك وذهبت عن قلوبنا ، فقال : ما أنا ببارح من بابها أو آخذ بحظي منها ، فإنها كريمة بنت كرام ، واندفع يغني بشعر جميل :
تذكرت ليلى فالفؤاد iiعميد | | وشطت نواها فالمزار بعيد |
فقالت : ويلكم هذا مولى العبلات بالباب يذكر بنفسه هاتوه ، فدخل ، فلما رأته ضحكت وقالت : لم أعلم بمكانك ، ثم دعت له بأشياء أمرت له بها ، ثم قالت له : إن أنت غنيتني صوتا في نفسي فلك كذا وكذا . . فغناها في شعر كثير :
ومازلت من ليلى لدن طر iiشاربي | | إلى اليوم أخفي حبـها وأداجن (1) |
6 ـ قال الحارث بن خالد المخزومي متغزلا بعائشة بنت طلحة لما تزوجها مصعب بن الزبير ورحل بها إلى العراق :
ظـعـن الأمـير بأحسـن iiالخـلق فـي البيت ذي الحسب الرفيع iiومن فـظـلـلت كـالمقهـور iiمـهجته أتـرجـة عـبـق الـعـبير iiبـها مـا صـبـحـت أحـدا iiبـرؤيتها |
| وغـدا بـلـبك مـطـلع الشـرق أهـل الـتـقى والبـر iiوالصـدق هـذا الـجـنون وليــس بالغسق عـبق الدهـان بـجـانب iiالحـق إلا غـدا بكـواكـب الـطـلق (1) |
---------------------------
(1) الأغاني 372 : 3 ، 366 : 1 .
(2) تاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان : 283 ، الأغاني 316 : 3 وراجع أيضا 122 : 15 .
عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام )
_ 56 _
قال أبو الفرج : والحارث بن خالد أحد شعراء قريش المعدودين الغزليين ، وكان يذهب مذهب عمر بن أبي ربيعة لا يتجاوز الغزل إلى المديح ولا الهجاء ، وكان يهوى عائشة بنت طلحة بن عبيد الله ويشبب بها
(1) .
7 ـ حج الحارث بن خالد المخزومي بالناس ، وحجت عائشة بنت طلحة عامئذٍ ، وكان يهواها ، فأرسلت إليه أخر الصلاة حتى أفرغ من طوافي ، فأمر المؤذنين فأخّروا الصلاة حتى فرغت من طوافها ، ثم أقيمت الصلاة فصلى بالناس ، وأنكر أهل الموسم ذلك من فعله وأعظموه
(2) .
8 ـ لما أن قدمت عائشة بنت طلحة أرسل إليها الحارث بن خالد ـ وهو أمير على مكة ـ أني أريد السلام عليك ، فإذا خف عليك أذنت ، وكان الرسول الغريض ، فقالت له : أنا حرم فإذا أحللنا إذناك ، فلما أحلت سرت على بغلاتها ، ولحقها الغريض بعسفان أو قريب منه ، ومعه كتاب الحارث إليها : ما ضركم لو قلتم سددا . . .
فلما قرأت الكتاب قالت : ما يدع الحارث باطله ، ثم قالت للغريض : هل أحدثت شيئا ؟ قال : نعم فاستمعي ، ثم اندفع يغني في هذا الشعر ، فقالت عائشة : والله ما قلنا إلا سددا ، ولا أردنا إلا أن نشتري لسانه ، وأتى على الشعر كله ، فاستحسنته عائشة وأمرت له بخمسة آلاف درهم وأثواب ، وقالت : زدني ، فغناها في قول الحارث بن خالد أيضا . . .
(3) .
9 ـ نظر ابن أبي ذئب إلى عائشة بنت طلحة تطوف بالبيت ، فقال لها : من أنت ؟ فقالت :
من اللاءِ لم يحجبن يبغين حسبة | | ولكـن ليقتلن البريء iiالمغفـلا |
---------------------------
(1) الأغاني 309 : 3 .
(2) المصدر السابق : 315 .
(3) المصدر السابق : 317 .
عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام )
_ 57 _
فقال لها : صان الله ذلك الوجه عن النار ، فقيل له : أفتتنتك أبا عبد الله ؟
قال : لا ، ولكن الحسن مرحوم
(1) .
ولا نريد التعليق على هذه الرواية ، بل نترك الأمر إلى القارىء ليحكم بنفسه .
فاطمة بنت عبدالملك بن مروان
قال عمر بن أبي ربيعة فيها :
كـدت يوم الرحيل أقضي iiحياتي لا أطـيق الكلام من شـدة iiالخـو ذرفت عينها وفـاضـت iiعيوني |
| ليـتني مت قبـل يـوم الرحـيل ف ودمعي يسـيل كـل iiمسـيل وكـلانا يـلفي بلب أصـيل (2) |
وفي قصة طويلة ذكرها أبو الفرج الأصفهاني ، أنها كانت ترسل جاريتها إليه ليأتي عندها ، فيغازلها ويتشبب بها ويبادلها الحديث وتبادله ، حتى شغف بها وطلب ملابسها التي تلي جسدها ، فأعطته ما أراد ، فزاده ذلك شغفاً ، وظل يتابعها ليل نهار ، حتى قال فيها :
ضـاق الغداة بحاجتي iiصدري ذكرت فـاطمة التـي iiعـلقتها |
| ويـئست بـعد تـقارب iiالأمر عرضا فيا لـحوادث الدهر (3) |
الثريا بنت علي بن عبد الله بن الحارث
قال فيها عمر بن أبي ربيعة حين تزوجت رجلا اسمه سهيل :
أيـها المنكح الثـريا سـهيلا هي شامية إذا مـا iiاسـتقلت |
| عـمرك الله كيف iiيـجتمعان وسـهيل إذا استقل يماني (4) |
---------------------------
(1) العقد الفريد 102 : 7 .
(2) تاريخ آداب اللغة العربية 282 : 1 .
(3) الأغاني 199 : 1 .
(4) تاريخ آداب اللغة العربية 282 : 1 .